أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 4 فبراير 2023

منحة الباري في ذكر أسانيدي إلى ثلاثيات الإمام البخاري الشيخ حاتم محمد شلبي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

منحة الباري في ذكر أسانيدي إلى ثلاثيات الإمام البخاري

الشيخ حاتم محمد شلبي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ ثابر العلماء من أئمة الحديث على علوّ الإسناد، والرحلة في طلب الحديث، فتغربوا عن أوطانهم للأخذ عن العلماء والأكابر، واعتنى المتأخرون منهم بإفراد الأحاديث العالية في الكتب المسندة بالتصنيف، فكانت ثلاثيات البخاري، والتي تعني: الأحاديث التي يكون بين الإمام البخاري وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشخاص، وهذه الثلاثيات هي أعلى أسانيد البخاري في الصحيح.

وعدة هذه الثلاثيات هي اثنتان وعشرون حديثاً ثلاثياً، آخرها برقم (٧٤٢١)، ويروي فيها عن ثلاثة من الصحابة، وهم (سلمة بن الأكوع، وعبد الله بن بُسر، وأنس بن مالك)، وشيوخه فيها خمسة، وهم (المكي بن إبراهيم، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وعصام بن خالد، وخلّاد بن يحيى)، اشترك منهم اثنان في الرواية عن سلمة بن الأكوع، هما: (المكي بن إبراهيم، والضحاك بن مخلد)، واثنان منهم في الرواية عن أنس، هما: (محمد بن عبد الله الأنصاري، وخلّاد بن يحيى)، وانفرد عصام بن خالد بالرواية عن عبد الله بن بُسر.

كما أن أعلى ما عند البخاري من الأحاديث ثلاثة، فإن أطول أسانيد البخاري تسعة، وأطول سند عنده لحديث: (ويل للعرب من شر قد اقترب ...)، وللدارمي -أيضاً -اثني عشر حديثاً ثلاثياً، وللترمذي ثلاثيٌ واحد وقع ذلك له في حديث: (يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ)

وهذا الكتاب المميز، جمع فيه واضعه ثلاثيات الإمام البخاري، مع القراءة والتعليق والترجمة لأكثر رجالها، وذكر بعض الفوائد الهامة، والنكات الحديثية، وبعض الأمور المتعلقة بالإسناد أو المتن، ومن ذلك (أقوال العلماء في رواية حميد الطويل، وروايته عن أنس).

وجعل المقدمة عن أهمية الإسناد، والعلو وأقسامه، والترغيب في طلب العلو، والرحلة في طلب الحديث، وفضل العالي منه، واعتناء العلماء به، ومعنى المساواة والموافقة والبدل والمصافحة، وعدم تعلق الصحة بالعلو والنزول غالباً.

ثم ترجم للإمام البخاري صاحب (الثلاثيات)، فذكر اسمه ونسبه، وطلبه للعلم، وشيوخه، وتلاميذه، ومنزلته العلمية، وثناء الأئمة عليه، وعبادته وورعه وزهده وصلاحه، وأخلاقه، ومحنته وصبره، وآثاره العلمية، ووفاته.

ثم ذكر أسانيده إلى ثلاثيات الإمام البخاري، من طريق عدد من الشيوخ، بالقراءة والإجازة.

- أما شيوخه في القراءة والسماع؛ فهم:

١- شيخنا المقرئ: نُادَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ غَازِيْ الْعَنَبْتَاوِي

٢- شيخنا المحقق أَبُوْ عَمَّارٍ وَحِيْدُ بْنِ عَبْدِ الْسَّلَامِ بَالَىَّ.

٣- وشيخنا المُسند ابُوْ الْحَجَّاجِ يُوَسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الّ  عَلَاوَيِّ السلّطيّ.

-  أما شيوخه في الإجازة؛ فهم:

١- الْعَلَّامَةُ الْمُحَدِّثِ ابُوْ خَالِدٌ عَبْدِ الْوَكِيْلِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ الْهَاشِمِيِّ.

٢- العلامة المعمر أبو بكر محمد زهير بن مصطفى الشاويش.

أسانيد ثلاثيات البخاري:

-مكي بن إبراهيم، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (١١) حديثاً.

-أبو عاصم الضحاك بن مخلد، عن يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (٦) حديثاً.

-محمد بن عبد الله الأنصاري، عن حميد الطويل، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (٣) أحاديث.

-خلاد بن يحيى، عن عيسى بن طهمان، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (١) حديث.

-عصام بن خالد، عن حريز بن عثمان، عن عبد الله بن بُسر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم (١) حديث.

وفي هذا المقال:

-ترجمة الإمام البخاري.

-من مناقب صحيح البخاري.

-تراجم شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات.

قال ابن خير الإشبيلي في فهرسة ما رواه عن شيوخه ص (١٦ -١٧): "أجمع العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول: (قال النبي صلى الله عليه وسلم -كذا…) حتى يكون عنده ذلك القول مروياً ولو على أقل وجوه الرواية".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني: "وعلم الإسناد والرواية مما خصه الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وجعله سلماً إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأئمة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليه المنّة أهل الإسلام والسنة يفرقون به بين الصحيح والسقيم والمعوج والمقيم. وغيرهم من أهل البدع والكفار، إنما عندهم نقولات يأثرونها بغير إسناد وعليها من دينهم الاعتماد، وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل ولا الحالي من العاطل. وأما هذه الأمة المرحومة وأصحاب هذه الأمة المعصومة فإن أهل العلم منهم والدين هم من أمرهم على يقين، فظهر لهم الصدق من المين كما يظهر الصبح لذي عينين

التعريف بالإمام البخاري

هو الشيخ الإمام خاتمة الحفاظ الجهابذة الأعلام أمير المؤمنين في الحديث، وطبيب علله في القديم والحديث، وشيخ المشايخ في الرواية والتحديث؛ أبو عبد الله سيدي محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزُبَه بن الأحنف الجعفي ولاءً؛ نسبة لجد أبيه المغيرة؛ لكونه كان مولى اليمان بن أخنس الجعفي والي بخارى؛ لإسلامه على يده وكان مجوسياً، عملاً بمذهب من يرى أن أسلم على يد شخص كان ولاؤه له. الفارسي نسباً، البخاري بلداً ونسبةً إلى بخارى، وهي من أعظم مدن ما وراء النهر، وبينها وبين سمرقند ثمانية أيام.

ولد - رحمه الله الجمعة بعد صلاتها أو ليلتها، لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال [٢٠] سنة [١٩٤ هـ ]. 

وتوفي ليلة السبت، عند صلاة العشاء من ليلة الفطر من شوال سنة [٢٥٦ هـ]، وعمره اثنان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوما، بخرتنك؛ قرية من قرى سَمَرْقَند على الصحيح المعروف. والله أعلم.

قال فيه إمام الأئمة ابن خزيمة: ما تحت أديم السماء -أي: ما ظهر منها -أعلم بالحديث منه. وقال بعضهم: إنه من آيات الله يمشي على وجه الأرض.

وقال الذهبي: كان من أفراد العالم مع الدين والورع، والتأله. أي: التنسك والتعبد، ألهم الحديث في الكتب وله عشر سنين أو أقل، ثم خرج من المكتب بعد العشر. وحفظ وهو صبيٌّ سبعين ألف حديث سرداً، وكان ينظر في الكتاب مرةً واحدةً فيحفظ ما فيه، وحفظ كتاب ابن المبارك ووكيع، وعرف أصحاب الرأي لما طعن في ست عشرة سنة، ولما طعن في ثمان عشرة سنة صنف كتاب (قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم)، و(التاريخ الكبير) عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة.

تفقه على الحميدي، وغيره من أصحاب الشافعي، وكان يقول: كتبتُ عن ألف شيخ أو أكثر، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده. 

وكتب عن أحمد زهاء - أي: قدر – ألف حديث، وكتب عنه المحدثون وما في وجهه شعرة. وكان يحضر مجلسه زهاء عشرين ألفاً، وسمع منه الصحيح نحو تسعين ألفاً.

وقال: إنه ألفه من زهاء ستمائة ألف حديث وجعله بينه وبين الله. 

وأنه: ما وضع فيه حديثا إلا بعد أن اغتسل بماء زمزم وصلى خلف المقام ركعتين. وصنفه في ست عشرة سنة. وكان يقول: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأعرف مائتي ألف حديث غير صحيح".

ولما قدم بغداد وسمع به أصحاب الحديث، اجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث، وقلبوا متونها ،وأسانيدها بأن جعلوا متن هذا الحديث لإسناد هذا، وإسناد هذا لمتن هذا ... وهكذا، حتى أتوا على جميعها، ودفعوها لعشرة أشخاص لكل واحد عشرة وأمروهم بإلقائها عليه إذا حضروا مجلسه. ففعلوا. وسأله كل واحد عن عشرته واحدا بعد ،واحد، وهو يقول في كل واحد: "لا أعرفه". 

ثم دعاهم واحدا بعد واحد وأجاب عن جميعها، وردّ كل متن لإسناده وكل إسناد لمتنه. فأقر الناس له بالحفظ والفضل، وبهت الحاضرون وعجب السامعون.

عمي في صغره، فرأت والدته سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام في النوم، فقال : يا هذه قد رد الله تعالى على ابنك بصره بكثرة دعائك له"؛ فأصبح مبصراً.

روى عنه مسلم خارج الصحيح، وكان يقول له: "دعني أقبل رجلك يا طبيب الحديث يا أستاذ الأستاذين"

وقال له -وقد سأله عن علل أحاديث، فأجابه: "لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك !". ورئي بين يديه كالصبي بين يدي معلمه، ولولاه ما ذهب مسلم ولا جاء.

ومرض، فعرض ماؤه على الأطباء، فقالوا: "هذا ماء من لا يأكل الدسم، فصدقهم، وقال: "ما أكلته منذ أربعين سنة". فألحوا عليه في أكله، فأبى. 

وكان يقلل من الأكل حتى انتهى أكله إلى تمرة أو لوزة في كل يوم من غير ضرر. كما في "العهود الكبرى".

وقال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، ورأيت أني أذب عنه بمروحة، فقال أهل التعبير: أنت تذب عنه الكذب . ولما مات ودفن؛ سطع من قبره رائحة المسك ودامت أياماً 

وبعث إليه عامل بخارى أن يأتيه ليحدثه في مسجده أو داره، ويحدث أولاده بعد رجوعه من نيسابور إلى بخارى. فامتنع وقال: "لا أُذل العلم، فإن أردت العلم؛ فأتنا أنت". فأمره العامل بالخروج من بخارى فخرج.

وسمع ليلة بعدما فرغ من تهجده يقول: "اللهم قد ضاقت علي الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك". فما تم الشهر حتى توفي رحمة الله عليه.

وما أحسن قول ابن أبي شريف: "ولد في صدق ومات في نور". وبالجملة؛ فمناقبه أجل من أن تحصى، وقد أُفردت بالتأليف.

من مناقب صحيح البخاري

ومن مناقب كتابه هذا : أنه ما قرئ في كرب إلا فرج، ولا ركب به في مركب فغرق، وعدة أحاديث صحيحه هذا بالمتكرر – على ما حرره في " الفتح " ٧٣٩٧، والخالص من التكرار: ٢٦٠٢. وعدد مشايخه الذين صرح فيه: ٢٨٩. شاركه مسلم في ١٥٥منهم. 

ولسيدي رضوان:

سبعة آلاف لدى البخاري … ومائتان قل ولا تــمــاری 

وخمســة تـزاد مـع سبعين … ابن الصلاح قــال ذا يـقـيـنـا 

يقول ذا بني عبد الله  … رضوان الـمـمـنـوح فـضـل الـلـه 

تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم

والمذهب الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر وهو تفضيل وتقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم،وهذا رأي الجمهور، وذكر أدلة كثيرة، وفصلها كذلك في مقدمة شرحه لصحيح البخاري

أما عن أدلة هذا الترجيح: 

فمن أفضل من تكلم على هذه المسألة، ولخص كلام الحافظ ابن حجر من مصادر متنوعة الإمام السيوطي في كتابه (تدريب الراوي) ولا مزيد عليه، لذا فضلت ذكره مع بعض التصرف فقال:

أَحَدُهَا: أَنَّ الَّذِينَ انْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِالْإِخْرَاجِ لَهُمْ دُونَ مُسْلِمٍ أَرْبَعُمِائَةٍ وَبِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا، الْمُتَكَلَّمُ فيهِمْ بِالضَّعْفِ مِنْهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا، وَالَّذِينَ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِالْإِخْرَاجِ لَهُمْ دُونَ الْبُخَارِيِّ سِتُّمِائَةٍ وَعِشْرُونَ، الْمُتَكَلِّمُ فِيهِمْ بِالضَّعْفِ مِنْهُمْ مِائَةٌ وَسِتّونَ. 

وَلَا شَكٍّ أَنَّ التَّخْرِيجَ عَمَّنْ لَمْ يُتَكَلَّمْ فِيهِ أَصْلًا أَوْلَى مِنَ التَّخْرِيجِ عَمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَلَامُ قَادِحًا. 

ثَانِيهَا: إِنَّ الَّذِينَ انْفَرَدَ بِهِمُ الْبُخَارِيُّ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِ لَمْ يُكْثِرُ مِنْ تَخْرِيج أَحَادِيثِهِمْ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ نُسْخَةٌ كَثِيرَةٌ أَخْرَجَهَا كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا إِلَّا تَرْجَمَةً عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسَ، بِخِلَافِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ أَكْثَرَ تِلْكَ النُّسَخِ؛ كَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، وَسُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ، وَالْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. 

ثَالِثُهَا: إِنَّ الَّذِينَ انْفَرَدَ بِهِمُ الْبُخَارِيُّ مِمَّنْ تُكُلِّمَ فِيهِمْ أَكْثَرُهُمْ مِنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ لَقِيَهُمْ وَجَالَسَهُمْ وَعَرَفَ أَحْوَالَهُمْ، وَاطَّلَعَ عَلَى أَحَادِيثِهِمْ عَرَفَ جَيِّدَهَا مِنْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مُسْلِمٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ مَنْ تَفَرَّدَ بِتَخْرِيجٍ حَدِيثِهِ ممن تُكُلِّمَ فِيهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ عَنْ عَصْرِهِ مِنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَا شَكَ أَنَّ الْمُحَدِّثَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِ شُيُوخِه.

رَابِعُهَا: إِنَّ الْبُخَارِيَّ يُخَرِّجُ عَنِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى الْبَالِغَةِ فِي الْحِفْظِ وَالْإِثْقَانِ، وَيُخَرِّجُ عَنْ طَبَقَةٍ تَلِيهَا فِي التَّثَبَّتِ وَطُولِ الْمُلَازَمَةِ اتَّصَالًا وَتَعْلِيفًا، وَمُسْلِمٌ يُخَرِّجُ عَنْ هَذِهِ الطَّبَقَةُ أُصُولًا كَمَا قَرَّرَهُ الْحَازِمِيُّ. 

خَامِسَهَا: إِنَّ مُسْلِمًا يَرَى أَنَّ لِلْمُعَنْعَنٍ حُكْمَ الاتِّصَالِ إِذَا تَعَاصَرَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ اللُّقَى، وَالْبُخَارِيُّ لَا يَرَى ذَلِكَ حَتَّى يُثْبُتَ كَمَا سَيَأْتِي، وَرُبَّمَا أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الَّذِي لَا تَعَلَّقَ لَهُ بِالْبَابِ أَصْلًا، إِلَّا لِيُبَيِّنَ سَمَاعَ رَاوِ مِنْ شَيْخِهِ لِكَوْنِهِ أَخْرَجَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُعَنْعَنًا.

سَادِسُهَا: إِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي انْتُقِدَتْ عَلَيْهِمَا نَحْوُ مِائَتَيْ حَدِيثٍ وَعَشَرَةِ أَحَادِيثَ، اخْتَصَّ الْبُخَارِيُّ مِنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ، وَلَا شَكٍّ أَنَّ مَا قَلَّ الِانْتِقَادُ فِيهِ أَرْجَحُ مِمَّا كَثُرَ. 

وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيُّ: مِنْ أَخَصٌ مَا يُرَبَّحُ بِهِ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ اتَّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَجَلُّ مِنْ مُسْلِمٍ، وَأَصْدَقُ بِمَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ وَدَقَائِقِهِ، وَقَدِ انْتَخَبَ عِلْمَهُ وَلَخَّصَ مَا ارْتَضَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. ا هـ. وهو كلام مهم.

وما أحسن قول الإمام العارف ابن أبي جمرة في الإمام البخاري رضي الله عنهما :

هذا البخاري بحمد الله قد خُتما … وليس فيه حديث واحـد كـتـمـا

لكن قرأناه أبوابا مهذبة …. مملوّة أدبــا مــوقــورة حـكـمـا

وقد قرعنا به الأسماع فانفتحت … من بعد ما ملئت من قفله صمما

وأصبحت كل عين من بصائرنا … للحق مبصرة ليست تخاف عما 

هذا الكتاب الذي ما شاب قوته … ضعف، وصحته ما تعرف السقما

هذا الكتاب الذي قد جاء جوهرة … غلت له قيمة لما علت قيما

هذا الكتاب الذي نرجو الشفاء به … هذا الكتاب بـه نـسـتـدفـع الألـمـا 

هذا الكتاب الذي فيه الدواء لنا … هذا الكتاب الذي للداء قد حسما 

في روضة كان فيها الشيخ ألّفه … هبت له نسمة قد أحيت النسما

لا يستلذ به إلا الخبير ولا … يحلو مكرره إلا لمن فـهـمـا 

کم قد كشفنا به من كربة عظمت … وكم طردنا بـه مـن حـادث هـجـمـا 

كأن أسطره من عنبر رقمت … أن ألفاظه زهـر قـد ابـتـســمــا 

ما للبخاري نظير في جلالته  … ومثله حافظ قد أمسك الـقـلـمـا 

قد كان وهو صغير السن مجتهداً … وكان ذا همة قد فاقت الهمما 

كأنما صدره بـحـر يموج ذكا … كأنما ذهـنـه غـيـث قـد ابـتـسـمـا

شرقا وغربا على حفظ الحديث سرى … دهرا ولا عربا أبقى ولا عـجـمـا

وألف شيخ له في الأرض وهو على…. تلك المشايخ في علم الحديث سما 

كم قلبوا من أسانيد الحديث له  … بالأمس واقتسموها بينهم قسما 

فردها مثلما كانت وصححها … وصار في علمه قدامهم. علما

وما أضر به المكر الذي مكروا … لكن أقر له بالفضل من علما

وكل حفاظ بغداد له اعترفوا … ما زكا بالذكا محفوظـه ونـمـا 

ومـسـلـم قـام فـي عـيـنـيهِ قبله … لو لم يدعه البخاري يلثم الـقـدمـا

هما الإمـامـان فـي عـلـم ومعرفة …كالبحر حين طما والغيث حين هما 

لو قيل: من فاق أهل الأرض قاطبة … في النقل والنقد والتحرير؛ قيل: هما

فالله يجزيهما خيرا بما فعلا … والله يجمعنا يوم اللقا بهما 

يا سيدي يا رسول الله يا سندي … يا من بحب له نستوجب النعما 

يا من لطيبه منه طيب رائحة … وحرمة لم تفارق ذلك الحرما 

أنت الحبيب الذي طاب الحديث به … أنت الذي تستقي من بحرك العلما 

أنت الذي للعلا فوق السماء علا … أنت الذي قد سما من فوق كل سما 

أنت الذي بك في دنيا وآخرة … من ربنا نرتجي الأفضال والكرما 

أنت الذي لم يخب من أنت شافعه …. أنت الذي بك كل الناس قد رحما 

وأنت أفضل من صلى وصام ومن …. سعى وطاف ومس الركن واستلما 

يا من صحابته نالوا بصحبته فضلا وأمته قد فاقت الأمما

أنت الشفيع ونحن المذنبون وما … في جمعنا مذنب إلا وقد قدما

وما ذكرنا الذي قد كان من زلل …. إلا نشرنا دموعـا خـولـطـت بـدمـا

وقد ختمنا حديثا أنت قائله …. یا من به ربه للرسل قد ختمـا

فاشفع لنا ولكل المسلمين، فما  …شفعت في مسلم إلا وقد سلما

صلى عليك إله العرش ما عسست … سحابة وراءها البرق فابتسما

تراجم شيوخ البخاري الذين روى عنهم الثلاثيات

١-المكي بن إبراهيم:

هو مسند خراسان الإمام الحافظ الصادق مكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد، ويقال: جده فرقد بن بشير، أبو السكن، التميمي الحنظلي البلخي.  ولد في سنة ست وعشرين ومائة. 

روى عن: يزيد بن أبي عبيد، وبهز بن حكيم، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وابن جريج، وأبي حنيفة، وهشام الدستوائي، وعثمان بن الأسود، ومالك بن أنس، ويعقوب بن عطاء، وعدة.

قال الذهبي: وليس هو بالمكثر جداً.

حدث عنه: البخاري ، وأحمد بن حنبل، وعبيد الله القواريري، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن معين، ((وذكر جمع كبير)).

قال أبو حاتم والبخاري: مات سنة أربع عشرة. وقال ابن سعد ومطين وعبد الصمد بن الفضل وغيرهم: سنة خمس عشرة ومائتين. زاد ابن سعد: ببلخ في النصف من شعبان، وقد قارب المائة، وكان ثقة، ثبتا في الحديث -رحمه الله-. 

قلت : لم يلق البخاري بخراسان أحداً أكبر منه. روى له الجماعة. قلت: حج كثيراً، وكان له مال وتجارة أهـ .

٢-أبو عاصم الضحاك بن مخلد:

هوالإمام الحافظ شيخ المحدثين الأثبات، الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن الضحاك أبو عاصم الشيباني مولاهم، ويقال: من أنفسهم، البصري، وأمه من آل الزبير، وكان يبيع الحرير. ولد سنة اثنتين وعشرين ومائة.

وحدث عن: يزيد بن أبي عبيد، وأيمن بن نابل، وبهز بن حكيم، وسليمان التيمي، وجعفر الصادق، وابن جريج، وشعبة، والأوزاعي، وابن أبي عروبة، وسفيان، ومالك وخلق كثير.

وروى عنه: البخاري، وهو أجل شيوخه وأكبرهم، وجرير بن حازم شيخه، والأصمعي، وإسحاق بن راهويه، وعلي، وأحمد، وأبو خيثمة، وبندار، وابن مثنى، ا وخلق آخرهم موتاً محمد بن حبان الأزهر القطان.

وقال محمد بن سعد: توفي في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة، لأربع عشرة ليلة خلت منه.

عن أبي طلحة محمد بن أحمد بن الحسن التمار، عن حمدان بن علي الوراق قال: ذهبنا إلى أحمد بن حنبل سنة ثلاث عشرة ، فسألناه أن يحدثنا، فقال : تسمعون مني، ومثلا أبي عاصم في الحياة؟! اخرجوا إليه. وقال البخاري: فوهم -رحمه الله: مات سنة أربع عشرة ومائتين في آخرها. 

٣-محمد بن عبد الله الأنصاري.

هو الإمام العلم، محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك بن النضر النجاري الأوسي الأنصاري، أبو عبد الله البصري القاضي.ولد سنة مائة وثمانية عشر، وتوفي سنة مائتان وخمسة عشر.

من شيوخه حميد الطويل كما في هذا الحديث الذي بين أيدينا، وإسماعيل بن مسلم المكي، وأشعث بن عبد الله بن جابر الحداني وغيرهم خلق كثير.

ومن تلامذته محمد بن إسماعيل البخاري، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وغيرهم كثير.

قال عنه الذهبي رحمه الله: هوالإمام العلامة المحدث الثقة، كان أسند أهل زمانه، ولد سنة ولد ابن المبارك، وطلب العلم وهو شاب، وأخذ الفقه عن عثمان البتي، وسوار بن عبد الله، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وقيل: تفقه بزفر وبأبي يوسف، فالله أعلم. وقال أبو حاتم: لم أر من الأئمة إلا ثلاثة: أحمد، والأنصاري، وسليمان بن داود الهاشمي.

قال ابن قتيبة: قلده الرشيد قضاء الجانب الشرقي، فلما استخلف الأمين عزله.

قال ابن مثنى: سمعت الأنصاري قال: كان يأتي علي قبل اليوم عشرة أيام لا أشرب الماء، واليوم أشرب كل يومين، وما أتيت سلطانا قط إلا وأنا كاره.

قال ابن معين: كان يليق به القضاء، قيل: يا أبا زكريا، فالحديث؟ فقال:فإنَّ للحربِ أقوامًا لها خُلِقوا وللدواوينِ كُتَّابٌ وحُسَّابُ ليس في شيوخ البخاري أحد أكبر منه ولا أعلى رواية، بل له عند البخاري نظراء؛ منهم: عبيد الله بن موسي، وأبو عاصم، ومكي بن إبراهيم - رحمهم الله

٤-عصام بن خالد:

هو عصام بن خالد، أبو إسحاق الحضرمّي الحمصيّ. 

روى عَنْ: حَرِيز بْنُ عُثْمَانَ وهو شيخة هنا، وَصَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَحَسَّانُ بْنُ نوح، وأرطأة بن المنذر، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثَوْبان، وجماعة.

وَروى عَنْهُ: البخاري. وهو من كبار شيوخه، وأحمد بن حنبل، وحُمَيْد بن زَنْجُوَيْه، ومحمد بن عوف الطّائّي، ومحمد بن مسلم بن وَارة، وَآخَرُوْنَ.

قَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.

وَقَالَ البخاريّ: مات ما بين سنة إحدى عشرة إلى سنة خمس عشرة ومائتين.

٥-خلّاد بن يحيى:

هو خلاد بن يَحْيَى بن صفوان السلمي أَبُو مُحَمَّد الكوفي سكن مكة. وروى له:البخاري أَبُو دَاوُدَ، والترمذي. قال أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ: ثقة أو صدوق، ولكن كان يرى شيئا من الإرجاء.

وقال مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن نمير: صدوق إلا أن فِي حديثه غلطا قليلاً.

قال الْبُخَارِيّ: سكن مكة، ومات بها قريبا من سنة ثلاث عشرة ومائتين وقال حَنْبَل بْن إِسْحَاقَ: مات سنة سبع عشرة ومائتين . 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق