العنوان في معاشرة الشباب والنسوان
محمد بن عمر الغمري الواسطي
(٧٨٦ - ٨٤٩ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ النظرة المحرمة سهمٌ مسموم من سهام الشيطان، سيما إن أطلقها المكلف في المردان والنسوان، وأثرها مستمرُّ حتى إن غاب المنظور إليه، لأن النظرة تشغل الفكر، وتورث الهم، وتبذر الشهوة، فتنبت الهوى، شأنها شأن السم الزعاف الذي يسري في سائر الجسد فيوهنه ويحطمه، وإن أشد شيءٍ نزع السهم بعد اختراقه الجسد، فإنه لا بُد يمزّق شيئاً من الأحشاء في الداخل.
وفي ظل هذا العصر، الذي استعرت فيه الشهوات، وانكشفت فيه العورات، وأصبحت تجارة الجسد رائجة، والحرام أطل برأسه، يركز أعداء الدين على المؤثرات البصرية، التي تهتك سلعة الحياء، وتمهد طريق الحرام، وقد وفروا الآلة التي تتيح ذلك بأرخص الأثمان، وأسسوا جمعيات للدفاع عن المثليين، وحاربوا الزواج الشرعي فوضعوا العراقيل الكثيرة في طريق الحلال، فألبسوا المنكر ثوب الحلال، حتى اختلط الحابل بالنابل.
ولا شك أن البصر هو الباب الأكبر للقلب، وعو أعمر الحواس وأسرعها إليه، ولا بد أنك ترى في هذا الجيل من بلادة الإحساس، وفقدان الشعور بالذنب؛ ما صيره أمراً معتاداً عند كثير من الناس؛ فكانت هذه الرسالة وغيرها من الرسائل التي تدق ناقوس الخطر، لاستدراك الجيل من الضياع، والعودة به إلى جادة الطريق.
هذي المخطوطة النفيسة، علق فيها الشيخ الغمري على مسألة مهمة، وهي حفظ المسلم لبصره وعدم إطلاقه في النسوان والمردان، لا سيما في زمن التوبة، وإصلاح النفس وتهذيبها، فحذر -رحمه الله -من مدّ البصر إلى ما لا يحل، وبين أن إطلاقه يُفضي إلى لجج من الفتن لا نهاية لها، والتي منها: البطالة، والجهالة، وإحمام القلب، وإحياء للشرور.
وهذا المخطوط الأصل أنه في ست ورقات، لكنه ناقص، والباقي منه باباً تحته فصلٌ، أما الباب؛ فعنون له (باب النظر إلى الأحداث وما يتعلق بذلك من الشرور المخالفات)، ثم عقد فصلاً تحت عنوان (فصلٌ وينبغي الحذر من النظر إلى ما يلهي)، ورأيتُ أنه اقتبس من كتابين، هما (الغريب المنتقى) للإمام القرطبي، و(التبيان) للإمام النووي رحمهما الله تعالى.
وقد ذكر هذا الكتاب حاجي خليفة في (سلم الوصول: ٣/ ٢١١، برقم: ٤٤٣٠).
وكان الغمري -رحمه الله -يقرر ويطبق الفصل بين الشباب والكهول، كما أخبر ذلك الشعراني في طبقاته (٢/ ٧٨)؛ فقال: (وكان قد قسم الفقراء إلى ثلاثة أقسام كهول، وشباب، وأطفال، وجعل لكل قسم مكاناً يخصه، ولا يختلط بالآخر، وكانوا لا يجتمعون إلا يوماً واحداً في الجمعة).
وقد تحدث الشعراني عن هذا الكتاب في كتابه (الأنوار القدسية)؛ فقال ص ٤٧: وكان سيدي محمد الغمري الله عنه إذا رأى مريداً يكثر الجلوس على باب المسجد مع أبناء الدنيا، يخرجه من زاويته، ويقول: «إنما جعلت الزاوية للعبادة وكفّ البصر عن رؤية الشهوات، فمن جلس على باب الزاوية فلا فرق بينه وبين الجالس في السوق، ووالله إني لأتأثر على الفقير إذا رأيته قد تصرمت حباله عن مجالس الخير أكثر مما يتأثر هو على فوات ذلك، واتكدر من جلوس الفقير على باب الزاوية لعلمي بأن ذلك يشتت القلب ويميته فالله يغفر لنا ولجميع من لم يقبل من الإخوان نصحنا، إنه غفور رحيم .
وجاء في أوله: يقول العبد الفقير محمد بن عمر العمري الواسطى:
الحمد لله رب العالمين حمداً يوافي نعمه ويكافي مزيده، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتنزل البركات، أحمده سبحانه وتعالي حمداً ينقذني به من هواة تلف المعاصي والمخالفات واشكر له شكراً يرفعنى به إلى أعلى المقامات في الأعمال الصالحات.
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادة تنجيني بها غداً في القيامة وبعد:
لما فتح الله سبحانه وتعالى تجمع (العنوان في تحرير مخالطة الشباب والنسوان) تأملت فيه فرأيت الناظر إليه بقصد الوقوف على ما يتعلق بالنظر إلى الشباب وتحريم اللوطه وما أشبه ذلك، لا يجد المقصود منه حتى تتصفحه من أوله إلى آخره؛ لأن الكلام في ذلك متحلل في جميع الكتاب فربما تسافر نفس الناظر فيه قبل أن يقع على ما يطلبه فيه لا ينتبه إذاً فيهمله فرأيت أن يختصر منه ما بلايم الكلام على الأحداث خاصة، وأحذف باقيه فإنه قد عمت البلوى بأمرهم وشاع ذلك في الناس وجعلته مستقلاً بنفسه، لا يدخل فيه شيء بغير وسميته كتاب (الحكم المضبوط في تحريم عمل قوم لوط) اسال الله تعالى أن يكون خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به من سمعه او نظر فيه وان يعافينا من آفات المعاصي والمخالفات ويسلك بنا سبيل أهل التوفيق والطاعات، بفضله ومنّه إنه على كل شيء قدير.
ترجمة محمد الغمري الواسطي
هو الشيخ شمس الدين محمد بن عمر بن أحمد الواسطي الأصل الغَمْريّ ثم المحلِّي الشافعي. ترجم له الشعراني في الطبقات، بقوله (٢/ ٧٨): (كان من العلماء العاملين، والفقراء الزاهدين المحققين، سار في الطريق سيرة صالحة وكانت جماعته في المحلة الكبرى، وغيرها يضرب بهم المثل في الأدب، والاجتهاد).
ولد بمنية غَمْر بالغربية (من مصر) ونشأ طالبًا، أقام مدة بالأزهر للاشتغال وتكسب بالخياطة، ونشأ فقيراً ربما كان يتقوت بقشر الفول والبطيخ، وقد يطوي الأسبوع.
ثم لازم التجرّد وصحب الشيخ عمر الوفائي والشيخ أحمد الزاهد وانتفع به، فأذن له بالإرشاد وأشار إليه باستيطان المحلّة وتصوف واشتهر صيته وكثر أتباعه فابتنى مسجدا بالقاهرة، وجدّد عدة جوامع في الأماكن وعدة زوايا، مع صحة عقيدته ومشيه على قانون السَّلَف.
ومن جملة أخباره ما أخبر به الشعراني، أنه: لما وقع الغلاء في سنة من السنين، فأخرج الشيخ جميع ما في المخزن من القمح فباعه للناس، وصار يشتري مثل الناس، وقال: إن الله يكره الرجل المتميز عن أخيه.
وكان رضي الله عنه يحب المشي إلى الشفاعات مع قدرته على قضاء الحاجة بقلبه، ويقول: إن الحديث ورد فيمن مشى في قضاء الحاجة لا فيمن يقضيها بقلبه
وحَجَّ غير مرة وجاور، وسلك مسلك شيخه في التأليف، فصنّف:
- إرادات الأخيار واختيارات الأبرار - في المواعظ
- "العنوان في تحريم معاشرة النسوان والشُبَّان"
-و"الحكم المضبوط في تحريم عمل قوم لوط"
-و"الانتصار بطريق الأخبار"
-و"الرياض المزهرة في أسباب المغفرة". ذكره السخاوي
-وله "النصرة في أحكام الفطرة"
-و"منح المنة في التأنيس بالسنة" (أربع مجلدات).
- الحكم المشروط في بيان الشروط - في الفقه
- و"محاسن الخصال في بيان وجوه الحلال"
- كتاب حلّ الطلسم وكشف السرّ المبهم
- و"قواعد الصوفية" مخطوط.
وتوفي بالقاهرة سنة في شعبان سنة تسع وأربعين وثمانمائة (ت ٨٤٩ هـ)، عن ثلاث وستين سنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق