فاتتني صلاة
[لماذا يحافظ البعض على الصلاة.. بينهما يتركها الكثيرون ؟
تعرف على أسرار هؤلاء الذين قلما فاتتهم الصلاة]
إسلام جمال
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا الكتاب ومضة أمل تسرج لك مصباح نور في ظلمة يأس متبدد، وسفينة هداية ترفع لك لواء الرشد في متاهات الغي؛ فتهديك وتمد لك طوق النجاة لتتشبث به، قبل أن يبتلعك طوفان الغرق، ولا يزال الأمل قائماً ما دام في الجسد رمق من حياة، وفي الصدر أنفاس تتردد، وفي القلب عرق ينبض، في الأجل لحظة عمر باقية.. هيا إلى الصلاة.
هذا الكتاب.. لكل من اشتاق لذلك النور (الصلاة) في حياته المظلمة.. ولكل من يبحث عن سلام يداوي به هلع نفسه .. ولكل من أسرف على نفسه وتحير في أمره .. منتظراً أمطار الغفران.. هذه الصلاة تعيدك إلى رشدك وتمنحك كل ذلك..
يقول الكاتب: عاصفة من الأعذار قد تبدو منطقية: الدراسة والجامعة ثم العمل، كنت أتمنى أن أكون يوما ما من المصلين، وكنت أعلم أن حياتي ستصبح أكثر سعادة وسكينة، وقد أخبرني كثير ممن لا يصلون بالأمر نفسه..
وبدلاً من أن نشغل أنفسنا بالأعذار حتى لا نصلي، فالأفضل أن نشغل أنفسنا باختلاق العوامل التي تعيننا على الصلاة، وهذا هو الغرض من هذا الكتاب..
إن أول طريقة للمحافظة على الصلاة:هي التعرف إلى الله عز وجل بأسمائه وصفاته، فإن عرفته أحببته، وإن أحببته أطعته.. وكم من حبيب يقضي ساعات طويلة مع محبوبه دون ملل ولا كلل..
أما اعتقادك أن علاقتك بالله هي علاقة أمر ونهي فقط، فهذا اعتقاد خاطئ..
وكذلك تخصيص وقت معين تتعرف فيه على الله سبحانه؛ من خلال الدعاة أصحاب الكلمة الرقيقة، الذين من شأنهم أن يدلوك على الله تعالى.. أو باستماع آيات غضة من القرآء أصحاب الصوت العذب الذي يلين القلوب..
يضاف إلى ذلك: الأوراد، والأذكار، التي ستزيد من رصيدك الإيماني..
كذلك يجب التخلص من الوساوس الشيطانية التي تصور لك الأمر على أنه عمل ثقيل ومؤلم مراراً وتكراراً..
غيّر أفكارك مع الصلاة بربطها بشيء محبب وايجابي، حتى لو كانت ذكرى جميلة، أو موعداً محببًا.. اربطها بالسكينة والسعادة والطمأنينة والراحة مثلاً.. وضع شعاراً نصب عينيك "الصلاة راحة"..
عزيزي القارئ/ بعد قراءتك هذا الكتاب تأكد أنك ستغير طريقة تفكيرك نحو الصلاة بل نحو الحياة..
[أهمية الصلاة في حياة المسلم]
الصلاة محور الحياة، لأن المثابرة عليها يعني التغيير الحقيقي لسلوك وفكر الإنسان، فالغرض من إقامة الصلاة هو إقامة إنسان صالح، بما تضيفه هذه العبادة إلى شخصية المصلي من إيجابية ودورة جديدة في الحياة، ومتى ربطنا هذه الصلاة بالواقع فإن نمط حياتنا سيتغير بالفعل..
إن لحظة لطف من الله الخبير -وأنت قائم في محراب الصلاة، قد تغمر قلبك سعادة وتملأ باطنك طمأنينة، الأمر الذي يكفيك لمواجهة أحزان الحياة كلها، وتفتح لك كل باب مغلق..
وأنت تعلم أن هذا الوقت سيمضي، وكل بداية صعبة، لكن مع الاعتياد والمواظبة سيصبح الأمر أكثر سهولة، وعندما ترى النتيجة والأثر سيمضي هذا الشعور وسيذهب، وسيجعل منك شخصاً آخر.
[حال السلف مع الصلاة]
الصلاة باختصار هي رياضة النفس الخالدة، لا حركة الجسد الفاني، وهي اتصال الروح بمصدر الحياة، ومنبع النور والراحة والسعادة، وانقطاع الفكر عن كل ما له صلة بهذا العالم إلا عن الله عز وجل... وهي "صلة"، و"توحيد"، و"ارتقاء"، و"قرب"، و"زكاة"، و"نجاة"، و"دعاء"...
وكان شوق السلف إلى الله تعالى هو شوق الحبيب إلى لقاء حبيبه، شوق الظمآن إلى الماء البارد، وشوق الجائع إلى حلو الطعام ولذيذه.. فكان الذكر والصلاة عندهم أحلا من العسل، وأحلا من الماء العذب الصافي عند العطشان في اليوم الصائف..
☆ وكان السلف أسبق الناس إلى الصف الأول...
فقد كان المحدث الثقة "بشر بن الحسن"، يقال له: "الصفي"؛ لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين سنة.
☆ وكانوا أبعد الناس عن السهو والغفلة فيها..
فقيل عن كثير بن عبيد الحمصي،أنه لم يسهو في صلاة قط، وقد أم أهل حمص ستين سنة كاملة، فقال: "ما دخلت من باب المسجد قط وفي نفسي غير الله".
☆ وكانوا أحرص الناس على إخفاء أعمالهم وسترها، سيما قيام الليل..
فكان " حسان بن أبي سنان" يخادع امرأته حتى تنام، ثم يخرج من الفراش إلى صلاة القيام..!.
☆ وكانوا في سباق مع الأذان في الذهاب إلى الصلاة..
سئل أحد الصالحين: لماذا تذهب للمسجد قبل الأذان ؟؟ قال: الآذان لتنبيه الغافلين .. وأرجو أن لا أكون منهم .!!.
وعن سعيد بن المسيب رحمه الله قال: " ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد "
وعن ربيعة بن يزيد رحمه الله قال : " ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضا أو مسافرا "
☆ وكانوا يحذرون من التكاسل عن إجابة المؤذن..
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "مَن سَمع المنادي فلم يجِب، لم يرِدْ خيرًا، ولم يُرَد به خير".
☆ وكانوا يفضلون الصلاة على كل عمل ومال وإمارة..
روي أن ميمون بن مِهران أتى المسجدَ، فقيل له: إنَّ الناس قد انصرفوا، فقال: "إنَّا لله وإنا إليه راجعون؛ لَفضل هذه الصلاة أحبُّ إليَّ من ولاية العراق".
☆ وكانوا يعزون انفسهم بفوات تكبيرة الإحرام جماعة في المسجد..
روي أنَّ السَّلَف كانوا يُعَزُّون أنفسَهم ثلاثة أيام: "إذا فاتَتهم التكبيرة الأولى، ويعزُّون سبعًا إذا فاتَتهم الجماعة".
قال حاتم الأصم: "فاتَتني الصلاةُ في الجماعة، فعزَّاني أبو إسحاق البخاري وحدَه، ولو مات لي ولد لعزَّاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأنَّ مصيبة الدِّين أهون عند النَّاس من مصيبة الدنيا".
☆ وكانوا يعدون الصلاة إحدى الغايات الشريفة، والأعمال التي يشتهونها، ويفضلونها..
قال محمد بن واسع: "ما أشتهي من الدنيا إلَّا ثلاثة: أخًا إن تعوَّجتُ قوَّمني، وقوتًا من الرِّزق عفوًا من غير تَبِعة، وصلاة في جماعة يُرفع عنِّي سهوها ويُكتب لي فضلها".
☆ وكانوا يرون انه لا عذر في التخلف عن الصلاة مهما كانت المشقة، وبلغ الضرر..
فكان الرَّبيع بن خثيم قد سَقط شقُّه في الفالج، فكان يَخرج إلى الصَّلاة يتوكَّأ على رجلين، فيقال له: "يا أبا محمد، قد رُخِّص لك أن تصلِّي في بيتك؛ أنت معذور، فيقول: "هو كما تقولون، ولكن أسمع المؤذِّن يقول: حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، فمَن استطاع أن يُجيبه ولو زحفًا أو حبوًا، فليفعل"
مراتب الناس في الصلاة
يقول ابن القيم في (الوابل الصيب، ص٢١): والناس في الصلاة على مراتب خمسة:
أحدها: مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
والثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد.
الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئاً منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها واتمامها، قد استغرق قلب شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها.
الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ناظراً بقلبه إليه مراقباً له ممتلئاً من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطوات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به.
فالقسم الأول معاقب، والثاني محاسب، والثالث مكفر عنه، والرابع مثاب، والخامس مقرب من ربه لأن له نصيباً ممن جعلت قرة عينه في الصلاة، فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه عز وجل في الآخرة. انتهى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق