الإسعاد بالإسناد
تأليف الشيخ محمد عبد الباقي الأنصاري اللكنوي الحنفي
(١٢٨٦ -١٣٦٤ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا الثبت الرائع يذكر فيه الشيخ اللكنوي مشايخه الذين أخذ عنهم، ومشايخهم في المعقول والمنقول، رواية ودراية، فذكر أخذه عن العلامة محمد عبد الرزق اللكنوي وتلامذته الآخذين عنه، ثم العلامة الشيخ عبد الحي اللكنوي، ثم العلامة فضل الله الأنصاري، ثم العلامة المحقق محمد نعيم الأنصاري، وتلاميذهم الذين أخذ عنهم، وأتى على أسانيدهم في العلوم وشيوخهم، ووصاياهم.
ثم ذكر شيوخه الذين يروي عنهم قراءةً وسماعاً ومدارسةً من الحجاز واليمن ومصر والمغرب والشام، بما في فهارسهم من المؤلفات الحديثية والفنون الدينية. ثم ذكر مشايخه في الإجازة والمكاتبة والمناولة وهم كثير.
ولكن الكتاب بحاجة إلى الترتيب والتنظيم بشكل يتيح للطالب سهولة التدرج في الأسانيد وسرعة الوصول إليها، رحم الله الشيخ اللكنوي وأسكنه فسيح جناته.
رواية هذا الثبت عن الإمام اللكنوي:
نروي هذا الثبت من طريق الشيخ الكتاني في (فهرسته)، وهو يروي الثبت المذكور وكل ما للشيخ عنه مكاتبة، وقد اجتمع به في المدينة المنورة.
وفي هذا المقال:
-نشأة الشيخ اللكنوي العلمية كما ورد في كتابه (مرتباً).
-ترجمة الشيخ اللكنوي، ورحلاته الحجازية الثلاث.
-مقدمة الكتاب، وتضمن الداعي إلى تصنيف هذا الثبت.
-خاتمة الكتاب، وفيه إجازته العامة لأهل عصره.
-الجواب على تفضيل قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم على العرش!.
نشأة الشيخ اللكنوي العلمية من كتابه
هو العلامة المعقولي الدراكة الشيخ محمد عبد الباقي ابن عليّ بن محمد معين بن ملا مبين اللكنوي الأنصاري الهندي ثم المدني.
حفظ القرآن على المقرئ الكبير جعفر علي البسواني (ت ١٢٩٨ هـ)، وختمه في ١٨/شعبان /١٢٩٧ هـ، وكان عمره إذ ذاك أحد عشر عاماً.
كما قرأ القرآن على العارف العلامة محمد عبد الرزاق بن جمال الدين أحمد الأنصاري اللكنوي، ابن خال أم أمه، وقد قرأ القرآن، وكام مريداً لد أبيه ملا مبين الجشتي النظامي، وقرأ عليه الكتب الستة والموطأ.
وقد قرأ أيضاً على عبد الوهاب بن محمد عبد الرزاق الأنصاري (ت ١٣٢٢ هـ)، وقد تولى المشيخة من بعد أبيه للطريقة الجشتية، وتعليم العلوم.
كما قرأ على الشيخ محمد إبراهيم الأنصاري (ت بعد ١٣٠٠ هـ)، وهما قرءا على الشيخ عبد الرزاق الأنصاري المتقدم ذكره، وقد سلكا على يديه ونالا خلافته.
وفي أثناء حفظه للقرآن كان يتعلم بعد المغرب اللسان الفارسى فى ضمن الرسائل المقررة لذلك وتعلم في ضمنها ضروريات المسائل الفقهية، وذلك من صهره ابن عمة أمه مولانا عبد الوهاب ابن الشيخ محمد عبد الرزاق الأنصاري.
ثم بدأ فى دراسة الصرف والنحو على مدرس العربية بها السيد حمزة النقوى فقرأ ميزان الصرف وحفظ المنشعبة بدون القراءة في أثناء ذلك وغيرها.
وقرأ نبذاً من شرح الكافية أيضاً على العلامة اللبيب الحكيم نظام الدين أحمد بن ملا فخر الدين أحمد الصديقي ابن عمة أمه (١٣٢٩ هـ).
وقرأ هداية النحو وغيره على الشيخ شاه ولي الله الوليوري.
وقرأ الرسالتين للشريف في المنطق الصغرى والكبرى، وشرح إيساغوجي للكاتى المشهور، وشرح التهذيب لليزدي وشرح الكافية للجامي وشرح الوقاية لصدر الشريعة على قريبنا العلامة الفقيه النبيه ملا عبد العزيز بن ملا عبد الرحيم الشهيد الانصارى.
وقرأ الصغرى والكبرى على العلامة عبد الحى بن ملا مخلص الرحمن الإسلام أبادى وأتقنهما لديه. وهؤلاء كلهم من تلامذة ابن عمه العلامة عبد الحى الأنصاري اللكنوي.
وقرأ العديد من العلوم في المنقول والمعقول، رواية ودراية على العلامة المشتهر في الآفاق أخينا ابن بنت عم أمه أبي الحسنات محمد عبد الحي بن مولانا عبد الحليم الأنصاري كان رحمه الله محققاً في جميع الفنون يحفظ كل مسألة منها بما فيها من المذاهب ودلائلها وما أورد عليها وما أجيب عن إيراداتها مع التنقيح والتفريع، وتوفي وعمره تسعة وثلاثون سنة، في العام (١٣٠٤ هـ)، ثم بدأ بذكر أسانيد الشيخ عبد الحي اللكنوي في العلوم (ص ٩ وما بعدها).
كما قرأ تصورات شرح التهذيب لليزدي، ومختصر المعاني، ونور الانوار والأدب: المعلقات السبع وديوان المتنبي وغيرهما على العلامة قاسم يار الصديقى وهو قرأ على العلامة عبد الحي المذكور.
وقرأ شرح المنار، والتوضيح، والتلويح، وشرح نخبة الفكر في المنقول، على الشيخ السيد عين القضاة بن محمد الوزير الحيد آبادي اللكنوي (ت ١٣٤٣ هـ)، وهو قرأها على الشيخ عبد الحي المذكور.
وقرأ حاشية الخيالي على العقائد النسفية على العلامة عبد الحي الإسلام آبادي، وهو قرأها على الشيخ عبد الحي المذكور.
وقرأ عدداً من كتب المنطق والعقائد المختصر والمطول على العلامة الماهر فضل الله بن ملا نعمة الله الأنصاري، وكان حاد الطبع، من تلاميذ الشيخ عبد الحي اللكنوي، وقد نفر عنه تلاميذه لحدته.
وقرأ تفسير الجلالين، وبقية المطول على قريبه العلامة ملا إفهام الله بن المولوي إنعام الله بن ولي الله الأنصاري (ت ١٢١٦ هـ)، وهو من تلاميذ الشيوخ عبد الحي وفضل الله وعبد الرزاق.
وقرأ الهداة وسلم الثبوت وشرح العقائد العضدية للدواني، وتفسير البيضاوي على العلامة المحقق قريبه محمد نعيم بن ملا عبد الحكيم الأنصاري، وهو أخو أمه من الرضاعة، وقد كتب له إجازة عامة شاملة مطلقة في جميع الكتب والمصنفات.
ثم ذكر رواية الشيخ محمد نعيم الأنصاري بسنده عن الشيخ عبد الحق الدهلوي بما في ثبته الصغير، وذكر بد ذلك مشايخ العلامة عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي بما في الثبت المذكور من أسانيد وعلوم ونحو ذلك.
وقال الشيخ عبد الحق في ثبته: وصانى سيدى عبد الوهاب المتقى أنه ينبغي للمحدث أن يختار لنفسه من الأسانيد التى حصلت له من المشائخ سنداً واحداً يحفظه ليتصل به الى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وتعود بركته الى حاله في الدنيا والدين (ص ١٦).
وما سبق كلها في الدراسة النظامية المتبعة في الهند، ثم ذكر قراءته علوم الفلسفة والمنطق والدواء على الشيخ محمد حسين بن ملا تفضل حسين الآلهابادي.
وذكر إجازة الشيخ المفتي محمد زيني دحلان الشافعي، والشاه عبد الغني الدهلوي المدني لمحمد حسين الآلهابادي، وشرع بعد ذلك بذكر أسانيد الشيخ دحلان والشاه عبد الغني، وشيوخهم، وكلاهما يرويان عن الشيخ محمد بن عبد الله بن حميد الحنبلي المكي، فذكر أسانيده في العلوم.
ثم ذكر إسناد شيخه محمد عبد الرزاق الأنصاري، وروايته الحديث من طريق أبي طاهر محمد بن إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكردي (ت ١١٤٥ هـ)، الذي أجاز جميع أهل عصره، وعقّب ذلك بذكر أسانيد الشيخ أبي طاهر المذكور، ثم أسانيد أبيه إبراهيم (ت ١١٠٢ هـ) الذي يروي عنه.
ثم ذكر أسانيد حسن بن علي العجيمي اليمني (ت ١١١٣ هـ)، والذي يروي عنه أبو طاهر المذكور، يعقبه أسانيد محمد بن محمد بن سليمان المغربي الرداني، في ثبته المسمى "صلة الخلف"، وهو شيخ أبو طاهر أيضاً.
وذكر كذلك أسانيد الشيخين: الشيخ عبد الله بن سالم البصري (ت ١١٧٣ هـ)، والشيخ أحمد بن محمد بن أحمد أبو العباس النخلي (ت ١١٣٠ هـ)، وكلاهما من شيوخ أبي طاهر المدني، وكذلك من شيوخ محمد عابد السندي.
ثم ذكر مشايخه في الإجازة والمكاتبة والمناولة ومنهم:
الشيخ فضل الرحمن بن أهل الله المراد آبادي (ت ١٣١٣ هـ).
عم أمه وابن عم أبيه محمد حيدر بن ملا مبين الأنصاري اللكنوي (ت ١٣٣٠ هـ).
وذكر بعد ذلك أسانيد الشيخ عابد السندي (ت ١٢٧٥ هـ)، وهو شيخ ملا حيدر الأنصاري المذكور، وقد أجازه إجازة عامة بمروياته بما في ثبته (حصر الشارد).
ثم ذكر أسانيد وشيوخ محمد طاهر بن محمد سعيد سنبل (ت ١٢٠١٨ هـ) وهو شيخ العلامة عبد الحفيظ بن درويش العجيمي، شيخ الملا حيدر الأنصاري المذكور، وقد أجازه بمروياته كلها وبما يرويه البصريُّ في (ثبته)، والكوراني عن مشايخه.
ثم ذكر شيوخ العلامة عبد الحفيظ العجيمي.
ثم يذكر مشايخ العلامة عمر بن عبد الكريم بن عبد الرسول المكي، وهو أحد شيوخ ملا حيدر الأنصاري المذكور.
ثم طفق يذكر الأحاديث المسلسلة في ثبته هذا.
ومن غرائبه روايته عن صاحب السجادة القادرية ببغداد السيد عبد الرحمن القادري الراوي عن عبد السلام البغدادي عن صفاء الدين البندنيجي عن عثمان بن سند البصري عن السيد زين الباعلوي المدني بسنده.
ومن غرائبه روايته الأربعين حديثاً عن محمد عبد الرزاق اللكنوي عن القاضي مهنية الصحابي الجني فيما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ترجمة الإمام اللكنوي -رحمه الله -
اسمه ونسبه:
هو محمد عبد الباقي بن ملا علي بن ملا محمد معين بن محمد مبين اللكنوي الحنفي المدني الهندي.
مولده:
ولد في يوم الأحد الثامن عشر من رجب سنة (١٢٨٦ هـ) من الهجرة النبوية المباركة بمدينة "لكنو" وهي إحدى مدن الهند مشهورة بكثرة العلماء والمحدثين، وتوفي والده وهو في سن الرابعة من عمره، ولكن الله كلأه بعنايته فكفله شقيقه الأكبر إبراهيم.
أسرته:
وتعد أسرته من الأسر الهندية المشهورة بالعلم والفضل وكثرت المحدثين فمن هذه العائلة العلامة محمد عبد الحليم اللكنوي (ت ١٢٨٥ هـ) صاحب التصانيف النافعة.
ومن هذه الأسرة ابن عم المترجم له المحدث المسند الشهير عبد الحي اللكنوي المولود سنة (١٢٦٤ هـ) العالم بالحديث والتراجم، ويعد من فقهاء الحنفية وجده العلامة ملا معين شارح سلم الثبوت في الأصول والسلم في المنطق، فهو من سلالة علم أباً عن جد.
صفته الخَلقية:
وقد وصفه من عرفوه بأنه معتدل الجسم، مستدير الوجه، أسمر اللون، واسع العينين، خفيف الشارب، كث اللحية، يرتدي العمامة على رأسه دائماً والجبة في بعض الأحيان.
تعليمه بالهند:
نشأ الشيخ اللكنوي في دار أخيه وفي كنف والدته حيث شرح الله صدره لحفظ كتاب الله وهو في السادسة من عمره وفرغ من حفظه وتجويده وهو في الحادية عشرة.
بعد أن أنهى حفظ كتاب الله التحق بإحدى المدارس ودرس بها بعض المبادئ وأخذ فنون الحساب والمساحة والجبر والمقابلة والنحو والصرف على ابن خالته وابن عمه علامة الهند عبد الحي اللكنوي المتوفى سنة ١٣٠٤ هـ.
ثم قرأ العلوم العربية والدينية والعقلية على بعض العلماء فقام بحفظ المتون، ثم قرأ على الشيخ الفاضل حفيظ الله البندوي، وبعد ذلك على الشيخ عين القضاة بن محمد وزير الحيدر أبادي، ثم قرأ الكتب الستة والفقه الحنفي وغيرها من العلوم على الشيخ فضل الله بن نعمة الله والشيخ محمد نعيم بن عبد الحكيم النظامي.
وقرأ بعض كتب البطولات على الشيخ عبد الرزاق اللكنوي، وقرأ عليه الموطأ والصحاح الستة ومشكاة المصابيح وتعلم منه طريقة الفتوى.
وقد تأثر الشيخ اللكنوي بالشيخ محمد عبد الرزاق كثيراً فسلك طريقه وتعلم منه الكثير، واعتنى رحمه الله باستجازة مشايخه إجازة معينة فيما قرأ عليهم وإجازة عامة ثم أجازوه بالتدريس فدرس وانتفع به العباد في المعقول والمنقول ببلدته واستمر يدرس سنوات عديدة.
هجرته الأولى إلى الحجاز:
وفي عام (١٣٠٨ هـ) رحل إلى الحجاز قاصداً الحج والزيارة، وفي الحجاز التقى ببعض علماء الحرمين الأفذاذ وأجازوه عامة ومنهم الشيخ المفتي عباس بن صديق المكي، والعلامة الشيخ عبد الله بن حسن المكي، والعلامة أحمد أبو الخير مرداد الحنفي، والشيخ محمد علي بن ظاهر الوتري، والشيخ محمد الحريري، وقرأ الشاطبية على الشيخ عبد الله المكي وجود القرآن بالقراءات العشر على الشيخ المقري حبيب الرحمن الكاظمي.
وبعد ذلك عاد إلى بلدته وبقي فترة من الزمن يدرس في مدارسها الإسلامية العظيمة الكبرى، وعرف الشيخ اللكنوي بالعلم الواسع وتربى تربية ثقافية قوية وبالأخص في الناحية الدينية.
هجرته الثانية إلى الحجاز:
ذكرت سابقاً أنه عاد إلى الهند واستأنف دروسه وبعد خمسة أعوام وفي عام (١٣١٣ هـ) رحل الشيخ اللكنوي إلى الحجاز مرة ثانية والتقى بجملة من العلماء الأفاضل، وتتلمذ على أيديهم فأجازوه إجازة عامة، منهم: الشهاب العلامة المؤرخ أحمد الحضراوي، والفقيه أحمد الميرغني الشهير بالمحجوب، وتحمل المسلسلات بأعمالها القولية والفعلية عن الشيخ صالح السناري، وقرأ بعض العلوم على الشيخ محمد سعيد بابصيل رحمه الله.
وعاد إلى الهند وقد أجازه كثير من العلماء وأعلوا شأنه أكثر وكثر طلابه وكبرت حلقته وتعددت أوقاتها لتمكنه من المسائل العلمية وأسلوبه الذكي في التدريس.
هجرته الثالثة والأخيرة إلى الحجاز:
وبعد عودته استمر على حاله من التدريس وإفادة طلابه سلوكاً وأخلاقاً وبعد أن استسقى العلم من المنابع الصافية رحل إلى بغداد حيث تلقى كثيراً من العلوم عن بعض علمائها الأفاضل، واستمر في الهند ما يقارب عشرة سنوات ولكن نفسه تاقت إلى مجاورة الرسول صلى الله عليه وسلم فقرر الهجرة الأبدية إلى المدينة المنورة وكان ذلك سنة ١٣٢٢هـ.
وأجازه الشيخ محمد أمين رضوان والشيخ فالح الظاهري والشيخ أحمد بن إسماعيل البرزنجي والشيخ الشمس الشنقيطي والشيخ السلفي عبد الله القدومي، ونال من كل هؤلاء العلماء الأفذاذ علما وافراً وإجازات عالية لم ينلها أحدٌ من قبله.
دروسه بالمسجد النبوي:
عندما استقر الشيخ اللكنوي بالمدينة المنورة جلس وتصدر للتدريس في المسجد النبوي الشريف، فأتى بكل نفيس وعقد سوقاً رائجة للعلم زود طلابه ببضاعة رابحة وتوسع في الرواية، وأخذ يلقى دروسه في الحديث وسائر العلوم الأخرى.
وقد كبرت حلقته رويداً رويداً حتى أصبحت من أكبر الحلقات بالمسجد النبوي، ولكن ظروفاً طارئة وقفت عقبة كأداء في طريق مواصلته التدريس بالمسجد النبوي -وهي مرضه -وكبر سنه فاقتصر على التدريس في منزله.
اللكنوي والمدرسة النظامية:
وعندما استقر الشيخ اللكنوي في المدينة المنورة وفي حدود عام (١٣٢٤ هـ) افتتح مدرسته الشهيرة في منزله بحوش فواز وأطلق عليها "المدرسة النظامية " وكان يدرس فيها العلوم كلها، وقد أنفق عليها من ماله الخاص رغبة في إخراج جيل مثقف، إلا أن المدرسة لم تشتهر على مستوى الحجاز، ولم يعرفها إلا أهل المدينة، ولا يذكرها إلا الذين شاهدوها ولم يذكرها المؤرخون ضمن مدارس المدينة المنورة ولعل السبب يعود في ذلك إلى قلة طلابها.
ولكني أقول أنه صرح علمي شامخ وبالتأكيد أنه أفاد الكثير فإن فكرة تأسيس المدرسة يؤجر عليها المؤسس خير الجزاء ولعله لم يجد من يمد له العون فظل وحيداً يدعمها إلى آخر يوم في حياته فكانت بوفاته أغلقت المدرسة بعد أن تخرج منها عدة أجيال من أهل المدينة المنورة والوافدين عليها من أنحاء العالم الإسلامي فجزاه الله خيراً على عمله الجليل.
يقول الشيخ محمد عبد الباقي في ثبته عند حديثه عن هذه المدرسة والمقروءات فيها: وهذا الذي ذكرناه من مقروآتنا هو الدرس النظامي المروج عندنا أهل الهند المنسوب إلى جد جدة جدتى من الأمهات ملا نظام الدين الأنصاري أستاذ الهند وبه تحصل ملكة الاستعداد في جميع الفنون، ومن حصل له الاستعداد في الفنون يستغنى عن مراجعة الأساتذة في حل معضلاتها عند توسيع نظره فيها وتدريسه إياها و تحقيقه لها.
خروجه من المدينة:
ولما أعلنت الحرب العظمى أجبر الشيخ اللكنوي على الترحال من المدينة؛ فقصد دمشق ومكث بها ما يقارب ثلاث سنوات وهناك تعرف على بعض العلماء، وأخذ يجالسهم ويروي عنهم المسلسل برواية الدمشقيين وروى المسلسلات برواية الصوالحة والحنابلة.
وعندما عاد توقف عن التدريس في المسجد النبوي وكانت هذه الرحلة سبب في مرض الشيخ وتعبه وضعف نظره.
تلاميذه بالحجاز:
انتفع به جم غفير من العلماء وروى عنه علماء في شتى الأقطار الإسلامية فهو من كبار مسندي زمانه ولم يكن في المدينة عالم يشبهه في هذا الشأن فمن تلاميذه. والذين روى عنه الشيخ إبراهيم الختني المقرب إليه الشيخ عبد الحي الكتاني، والشيخ عبد الحفيظ الفاسي، والشيخ محسن المساوى، والشيخ أحمد الصديق الغماري، وأخويه عبد الله وعبد العزيز، والشيخ محمد ياسين الفاداني، والشيخ حسن المشاط، والشيخ علوي مالكي، والشيخ أبو بكر الحبشي، والشيخ محمد الحافظ النجاتي، والشيخ محمد سعيد دفتردار، والشيخ صالح إدريس الكلنتاني، والشيخ مختار بن عثمان مخدوم.
علاقته بالعلماء:
حفل المسجد النبوي في تلك الفترة بفطاحلة العلماء الأخيار وجميعهم كانوا يعملون في سبيل رفعة هذا الدين الحنيف فالشيخ اللكنوي حسب ما روي أنه كان محبوباً من العلماء والطلاب وعامة الناس فجميعهم يسألونه ويسترشدونه في كل كبيرة وصغيرة.
مؤلفات الشيخ اللكنوي:
لقد عمل الشيخ اللكنوي بتأليف الكتب طوال حياته فقد صنف أكثر من ثلاثين مصنفاً في المعقول والمنقول منها:
١- العقود المتلألئة في الأسانيد العالية.
٢- الإسعاد بالإسناد.
٣- المناهل السلسة في الأحاديث المسلسلة.
٤- نشر الغوالي في الأحاديث المسلسلة.
٥- إعلام الأنام بحكم سماع الصوفية الكرام.
٦- كشف رين الريب عن مسألة الغيب.
٧- إظهار الحق في بيعة مولانا عبد الحق.
٨- المنح المدنية في مذهب الصوفية.
٩- تحفة الأماجد بحكم صلاة الجنازة في المساجد.
١٠- الحقيقة في العقيقة.
١١- إزالة الغطاء عن حكم كتابة النساء.
١٢- آيات الكبرى في المعراج والإسراء.
١٣- تحفة الخطباء من خطب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء.
١٤- تسهيل الميزان وبداية الميزان في المنطق.
١٥- خير العمل تراجم فرانكي محل.
١٦- بركة الباري في سلالة جدنا ملا حافظ الأنصاري.
١٧- رسالة في مناقب الأولياء الخمس.
١٨- شرح رسالة طاش كبرى زادة في الأدب.
١٩- توضيح الصرف وميزان الصرف.
وغيرها من التصانيف المفيدة النافعة والله أعلم طبع منه شيء والباقي لم يطبع فقد أفاد رحمه الله المكتبة الإسلامية بمؤلفاته.
مكتبته الموقوفة
أخلف الشيخ اللكنوي من بعده مكتبة كبيرة تحتوي على كثير من الكتب والمخطوطات النادرة وحلى الكتب الخاصة به بتعليقات جميلة تدل على إطلاعه الواسع وله حب في فرز الكتب وترتيبها في أماكنها بشكل جميل وقد أوقف بيته على أهل بلدته الوافدين لزيارة المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
ولم يخلف الشيخ ذرية أبداً وأوقف المكتبة الموجودة في منزله على طلاب العلم مشترطاً عليهم إبقاءها في منزله.
وقد حدثني أحد أقربائه الذين في المدينة أن مكتبته حملها أحد أقربائه إلى الهند، فرحمة الله عليه كان حتى بعد وفاته يبتغي فعل الخير.
وفاة الشيخ اللكنوي:
وفي آخر حياته ظهر عليه أثر الجهد الذي قام به في حياته وبلغ الكتاب أجله ففاضت روحه إلى بارئها في الرابع من ربيع الأول سنة (١٣٦٤ هـ) ودفن في بقيع الغرقد وفقدت المدينة بموته عالماً من علمائها الصالحين فرحمة الله عليه.
مقدمة الشيخ
حمداً لمن تسلسلت رحماته على من انقطع إليه -عما سواه -وشكراً لمن تواترت نعمته على من اتصل سنده بعزيز جنابه، وتمسك بعراه، نحمده على ما أنعم على هذه الأمة من حفظ المعروف والشذوذ عن المنكر، ونشكره على ما أولى عباده من صحة الأعمال وحسن السيرة ورفع السنة ووضع البدعة ومحو المزور.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، ابتغاء الاندراج فى زمرة أحبابه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث بمتواتر آياته، ومشهور فصل خطابه.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله سفن النجاة، وأصحابه الأئمة الهداة ما رويت أحاديثه بأسانيدها وقرئت في جوامعها وسننها ومعاجمها ومسانيدها وإلى أبد الآبدين ودهر الداهرين. أما بعد:
فيقول حامل نعال العلماء الراسخين، تراب أقدام الأولياء الكاملين، محمد المدعو بعبد الباقى بن ملا على محمد بن مولانا محمد معين بن ملا محمد مبين الأنصاري اللكنوي، من القاطنين في دار العلم والعمل المحلة المشهورة بفرنكي، محل نزيل مركز الإيمان والإسلام والإحسان، ومنبع العلم والتقى والعرفان، البلدة الطاهرة المطهرة المدينة المنورة، التي فيها بقعة أفضل من العرش العظيم وهى مرقد النبي الحبيب الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم:
لما كان الاسناد خصيصة خص الله بها هذه الأمة المحمدية من بين سائر الأمم، وكان سنة بالغة مؤكدة يعتنى بها. فقد قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقال: مثل الذي يطلب أمر دينه بلا سند كمن يرتقي السطح بلا سلم. وقال الإمام الشافعي: مثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل يحمل الحطب وفيه أفعى وهو لا يدرى. وقال أبو سعيد الحذاء: السند مثل الدرج والمراقي؛ فإذا زلت رجلك من المراقى سقطت. وقال عبد الله بن طاهر: رواية الحديث بلا إسناد من عمل الزمني.
وقال الحاكم: لولا اكتراث طائفة المحدثين على حفظ الأسانيد لدرس منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد والمبتدعة من وضع الأحاديث وقلب الأسانيد. وقال الثوري: الإسناد سلاح المؤمن. وقال النووى: فإذا لم يكن معك سلاح فيم تقاتل. ونقل الحافظ ابن حجر عن بعض العلماء: أن الأسانيد أنساب الكتب. وقال الحافظ ابن عبد البر: الاجازة فى العلم رأس مال كبير أو كثير. وقال الإمام أحمد: إنما الناس بشيوخهم فإذا ذهب الشيوخ فمع من العيش؟ وقال الإمام الأوزاعي: ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد.
طلب منى أعز إخواني وأخص خلانى ممن قرأ على العبد الضعيف في علم الحديث الشريف وأخذ عني سائر العلوم من منقول ومعقول وفروع وأصول وأجزته أن يروي عنى ما يجوز لي روايته وتصح لي درايته.
ثم أكب فى مطالعة الفنون وتدريس العلوم حتى بلغت تلامذته مبلغ تكميل التحصيل في كل منطوق ومفهوم فبارك الله فى علمه وعمره ونفعه وتقبل مني ومنه بكرمه وفضله أن أثبت له ما وصل إلى من الأسانيد الموصولة إلى أثبات الأساتذة، فتكون لما في فهارسهم مقاليد، حفظاً للإسناد واقتداءً بالأكابر الأمجاد، وتبركاً بسلسلة متصلة بخير العباد الله إلى يوم التناد.
فوجدت نفسى أنى لست من فرسان هذا الميدان، بل ولا من أهل هذا الشان -ومع ذلك فالأسانيد أيضاً اليوم في غالب الكتب منقطعة -لفقدان القراءة والسماع في أغلبها، وكذا الاجازة الخاصة المعتبرة -على أن ضبط الصدر والكتاب إلى حين الأداء -قد ندر وعز من زمان مديد، وان كانت الإجازة العامة بما يجوز الرواية متداولة إلى هذا العصر الجديد.
نعم، قد يقال ما في الفهارس محصور واجازة عمومه جائزة على المذهب المنصور، ولئن تيسر إسناد الحديث بهذا النمط فإسناد سائر العلوم فى قطر الهند معدوم الاتصال؛ إذ أهل الهند قنعوا بالوجادة في كتب الفنون، وإنما نظروا في درسهم تحصيل استعداد الكمال، زعماً أن العبرة بالأقوال لا بمن قال، وإنما مراتب الرجال تعرف بجودة المقال.
وقد روى أبو نعيم في حلية الأولياء عن على الرضا عن آبائه الكرام مرفوعاً: همة السفهاء الرواية وهمة العلماء الدراية.
وأخرج ابن عساكر عن الحسن مرسلاً: همة العلماء الرعاية وهمة السفهاء الرواية.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود مرفوعاً: كونوا للعلم رعاة ولا تكونوا له رواة؛ فقد يرعوى من لا يروي، ويروي من لا يرعوي، إنكم لن تكونوا عالمين منتفعين بعلمكم حتى تكونوا بما علمتم عاملين. ففيه دلالة على أهمية الدراية والعمل، وأن الرواية المجردة عن ذلك سفاهة وزلل، وليتهم حفظوا الرواية مع الدراية والرعاية؛ فإنها للعلم كما ذكر نسب وراية، ولكن كان ذلك بقدر الله وما شاء فعل.
والنية مناط كل عمل؛ فوجدتُ السائل قصد التبرك بإبقاء سلسلة الإسناد -ولو بإجازة عامة جائزة -وارتضى بميسور الأسانيد كما هى بالاثبات متصلة وللمهمات حائزة، وزعم -بحسن ظنه -أنى لست بمعذور وهو فى زعمه هذا مبرور -وإن كنت في نفسي -كما أعلم وأتيقن، لكن الصالح يحسن بالناس كل ظن، والمرء مثلى وان عرف من حاله أنه سقيم، لكن البلاد إذا اقشعرت وصوَّح نبتها رعى الهشيم
موت الكبراء كبرنى .. وذهاب الفحول أبرزنى
فلما كثر السؤال ولم يبق للعذر مجال وكان المسؤل مهتما وحفظ الاسناد مهما صرفت عنان العناية نحو تقييد الأسانيد التي هي لما في فهارس المشائخ مقاليد، مكتفياً في ذلك بالإجازة العامة بمرويات كل أستاذ علامة على ما هو في ثبته مفصل مسطور؛ ليروي عني ما كان من ذلك من شاء، بأي طريق مما هو فيه مذكور عالياً كان الطريق أو نازلاً، فكل طريق بما ذكرناه صحيح موصول والرواية به مسند مقبول .
وسميته (الإسعاد بالاسناد) فاللهم أسعدنا برضاك وأوصل سببنا بمصطفاك، اللهم نظم في سلك هذه الأسانيد من اخترته لرعاية السنة النبوية ودراية الشريعة المصطفية ونشر العلوم المرضية وارزقهم في الجنة درجات علية آمين.
خاتمة الكتاب
يقول اللكنوي: وفيما ذكرناه إن شاء الله كفاية فى المرام والتوفيق من الله ذى الجلال والاكرام .. وكان تسويد هذه الوريقات سنة ثمانى عشرة بعد الألف وثلاثمائة في بلدة لكنو من الهند ثم زدت فيها ما حدث لى من الإجازة سنده فبيضتها سنة إحدى وثلاثين بعد الألف وثلاثمائة في البلدة الطاهرة المدينة المنورة بطلب أعز إخواني وخلص خلانى.
وكما أجزته بمروياتي كلها كذلك أجزت سائر من أخذ عنى ومن دونهم في حياتي أن يروى عنى، بل أجزت سائر من أدرك حياتي ممن شاء أن يسند عني كل ذلك بما حواه أثبات المذكورين وجاز لي روايته عن هؤلاء المسطورين بشرطه المعتبر عند أهل الحديث والأثر وذلك طلباً لإبقاء سلسلة الإسناد، وتأسياً بمن سبقني من الأثبات ذوى الاعتماد.
والله الموفق المعين و به نستعين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على حبيبه ونبيه محمد سيد المرسلين و آله وصحبه أجمعين.
الجواب على تفضيل قبر النبيّ الكريم
-صلى الله عليه وسلم على عرش الرحمن جلَّ وعلا
(نقلاً عن موسوعة أهل السنة، ص ٢٤٨ -٢٥٢)
وقد ذكر الشيخ محمد عبد الباقي أن قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أفضل من العرش، وهذا غلو مذموم جداً، وهذا القول - مع كونه بدعة - إلا أنه يتفاوت خطره بحسب اعتقاد قائله، وأشهر من قاله من العلماء قبله: ابن عقيل الحنبلي، وتبعه عدد من العلماء: كالهيتمي والقسطلاني والتاج السبكي وغيرهم، وهو نفس الأمر الذي ذكره الصيادي الرفاعي من أن قبر النبي الله أفضل من الجنة بل ومن العرش والكرسي (انظر: قلائد الجواهر: ١٠٤، ضوء الشمس: ١/ ١٦٧).
وهؤلاء لا يعتقدون أن فوق العرش والكرسي شيئاً - كسائر المعطلة والمفوضة - بخلاف أهل السنة، الذين يعتقدون أن الله عز وجل مستو بذاته على العرش على الحقيقة، استواءً يليق بجلاله، ولهذا اقشعر الإمام مالك رحمه الله -وعلته الرحضاء، لما سأله السائل عن كيفية الاستواء.
أما الكرسي فهو موضع قدمي الرحمن جل في علاه، كما صح بذلك الأثر عن ترجمان القرآن ابن عباس -رضي الله عنه.
فلا ينبغي لشيخ أن يفضل القبر الذي حوى جسد النبي صلى الله عليه وسلم، على العرش الذي استوى عليه الملك العلي !
بل ونقل السبكي عن العبدي المالكي أن المسير لزيارة قبر النبي لأفضل من الكعبة ومن بيت المقدس» (شفاء السقام: ٦١، ٧١).
ثم إن تفضيل البقاع والأماكن بعضها على بعض، لا مجال فيه لاجتهاد ولا قياس، بل هو من الأمور التوقيفية التي تعرف بالنص، كما هو معلوم؛ فالخوض فيها بغير نص افتئات على الشرع.
كذلك فإن هذا القول المحدث -أعني تفضيل القبر النبوي على الكعبة والعرش والكرسي - قد تبناه ونصره بعض دعاة الفتنة والشرك في القرون المتأخرة، وهذا القول من أفسد الأقوال وأنكرها، وبطلانه ظاهر لمخالفته للأدلة الشرعية والعقلية، ولم يستند قائله على دليل أو إلى شبهة دليل، وإنما هو الظن، والظن أكذب الحديث، كما صح في الحديث.
قال الألوسي « وممن نقل ذلك الشهاب الخفاجي في كتابه طراز المجالس» (غاية الأماني في الرد على النبهاني ٢٢٤/١).
ويلزم من تفضيل القبر على الكرسي والعرش، تفضيل المخلوق على الخالق، فإن الأول إن كان قد ضمن جسد المصطفى، فالعرش الرحمن عليه استوى، وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الكرسي موضع القدمين.
كما أن المتصوفة قد اشتهر عنهم دعاء مخاطبة الموتى والتلقي عنهم وكتبهم مشحونة بذلك. مثاله:
* أن أبا المظفر المنصور أنشد قصيدة عند قبر الشيخ الرفاعي؛ فظهر صوت الرفاعي من القبر يقول له: وعليك السلام (العقود الجوهرية ٧٧ ترياق المحبين ٨ و ٣٩ للشيخ تقي الدين عبد الرحمن الواسطي).
* وأن السيدة نفيسة - صاحبة الضريح كانت كثيراً ما تكلم أحد المشايخ المتصوفة وهي في قبرها (لطائف المنن والأخلاق ٤٠٣).
* وأن السيد أحمد البدوي أخرج يده من القبر ووضعها بيد الشعراني ليبايعه، وكان من شروط المبايعة أن يكون تحت رقابة البدوي أينما ذهب فأقره البدوي، وقال وهو في قبره «نعم» (طبقات الشعراني ١٨٦/١).
* وينقل عن محمد نور أفندي قوله (الكنز المطلسم ٨١٨٠):
يا ابن الرفاعي الرفيع مقامه .. يا سيد الأقطاب والسادات
شرفت قيعان العراق جميعها .. فغدت بقبرك مهبط البركات
* وقد جاء فيه وصف قبر الشيخ أحمد الصياد بأنه زيتونة لا شرقية ولا غربية بتولية فاطمية سبطية محمدية عابدية باقرية جعفرية كاظمية مرتضوية أحمدية (بوارق الحقائق ٥٦).
وكان الأحرى أن يقول: «شيعية باطنية قرمطية».
ودفع الغلو بالصيادي إلى اعتبار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الجنة، بل من عرش الرحمن ومن كرسيه (قلادة الجواهر ١٠٤).
وهذا يعارض ما جاء في الخبر أن «أحب البقاع الى الله عز وجل المساجد» (رواه مسلم).
- وزعم الصيادي أن السلف الصالح (سلفه من الشيعة) اتخذوا مقابر أهل البيت والتوجه إليهم والتوسل بجاههم الى الله ذريعة لقضاء حوائجهم. وأن الناس قد جربوا في المشرق والمغرب مقابر أهل البيت فوجدوها بابا لدفع الأكدار وسلما لبلوغ الأوطار (قلادة الجواهر ٤٣٩). فالمشروع عندهم مشروع بالتجربة
- وأمر الصيادي من كانت له حاجة أن يولي وجهه شطر قبر الرفاعي من أي مكان في العالم ويخطو ثلاث خطوات ويقسم على الرفاعي أن يقضي له حاجته (قلادة الجواهر ١٢٩ و١٦٥ -١٦٦).
- وزعم أن الرفاعي مجيب الدواعي وأن اليه الملجأ والملاذ وهو ولي النعمة وأن الله به يدفع البلاء وبه يمطر السماء وبه تخضر الأرض وبه يدر الضرع ( قلادة الجواهر ٤٢٧، ١٧، ١٣١).
- وأن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من عرش الرحمن ومن جنته ( قلادة الجواهر ١٠٤).
النتيجة: فهذا يدلك على أن القوم لا يكتفون بالاستغاثة بأصحاب القبور وسؤال الله بأصحابها وإنما يخاطبونها كما يخاطب الحجر والصنم ويزعمون التلقي عنها والاستفادة منها، وهي طريقة الشيعة والباطنيين عموماً ولهذا كان السلف يعلمون هذه الخديعة الشيطانية ويحذرون منها.
فإن الشياطين تلازم هذه القبور وتُضل بها من تضل عن سبيل الله، ومنهم من يرى في المنام شخصاً يظن أنه هو المقبور ويكون شيطاناً تصوّر بصورته، ويقول له: إذا عرضت لك حاجة فاستغث وهذا النوع من المكر الشيطاني موجود:
- ففي صحيح مسلم أن ابن مسعود قال: (إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب فيتفرقون فيقول الرجل منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه ولا أدري ما اسمه يحدث) أخرجه مسلم رقم (۷).
ومن هؤلاء من تحملهم الجن وتطير بهم من مكان الى مكان أكثرهم لا يدري كيف حمل، بل يحمل الرجل الى عرفات ويرجع وما يدري كيف حملته الشياطين .. أو يوقعونه بذنب ويغرونه بأن هذا من کرامات الصالحين، وليس هو مما يكرم الله به وليه بل هو مما أضلت به الشياطين وأوهمته أن ما فعله قربة وطاعة (النبوات ٢٥٩).
وكثير من أهل العبادة والزهد من يأتيه في اليقظة من يقول إنه رسول الله، ويظن ذلك حقاً ... وكذلك يأتي كثيراً من الناس في مواضع، ويزعم أمامهم أنه الخضر فيعتقد أنه الخضر وانما كان شيطاناً من شياطين الجن.
ولهذا لم يجترىء الشيطان على أن يقول لأحد من الصحابة أنه الخضر ولا قال أحد من الصحابة أني رأيت الخضر، وإنما وقع هذا بعد الصحابة حتى أنه أتى اليهود والنصارى وقال إنه الخضر، ولليهود كنيسة معروفة بكنيسة الخضر، وكثير من كنائس النصارى يقصد هذا الخضر (النبوات ٢٧٣- ٢٧٤).
وقد أخطأ من ظن حياته، قال الشيخ محمد بن درويش الحوت حياة الخضر: لم يرد في حياته شيء يعتمد عليه (أسنى المطالب ٦١٦).
ولذلك يزعم بعض المتصوفة أنهم تلقوا مبادىء طريقتهم عن الخضر الذي أخبر شيخهم بكيفية الذكر كالنقشبندية الذين يزعمون أن الخضر علمهم كيفية الذكر الخفي وهو الانغماس في الماء وذكر الله فيها وقد كان المعلم في الحقيقة شيطاناً. ( المواهب السرمدية ۷۷، والأنوار القدسية ١١١).
وساعدتهم الجن والشياطين على ذلك ففعلوا بالناس ما كانوا يفعلونه في السابق بأصنام المشركين حين كانوا يتكلمون من خلالها فيظن الناس أن الكلام صادر من أصنامهم ليزداد اعتقادهم وإيمانهم بألوهية أصنامهم. حتى صار من الناس اليوم من يعتقد أن من أولياء الله من يطوي الله لهم الأرض والزمن (كتبت في ذلك عدة كتب مثل القول الجلي (أو المنجلي) بتطور الولي أي بتطوره في أشكال عديدة وظهوره بمكانين بوقت واحد وكتاب المعتلي في تعدد صور الولي كلاهما للسيوطي (أنظر كتاب الحاوي للفتاوي: ١/ ٢١٨).
ويظهر في الأماكن المتعددة في الوقت الواحد وأن منهم من يصلي الصلوات الخمس في اليوم الواحد في خمس بقاع مختلفة من العالم. وأن بعد المسافات لا يحول دون اطلاعه على أحوال تلاميذه ورعايته لهم ولو من بعيد . وأن أولياء الله يتفاوتون في المراتب.
ويذكر السيوطي أن منهم من تعظم جثته بحيث يملأ الكون فيشاهد في كل مكان. ومنهم من يتعدد جسده فيكون له جسدان كل واحد منهما في مكان، وتظهر روحانيته في وقت واحد في جهات متعددة، ونقل عن السبكي أن هذا التطور بالأشكال المختلفة تسميه الصوفية بعالم المثال. وهو عالم لا يمكن الوصول إليه إلا بعد تعاطي القات والحشيش (الحاوي للفتاوي ۲۲۱/۱۸ - ۲۲۲ وأنظر أيضاً ٢٥٥/٢).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق