أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 1 مارس 2023

الفصول البديعة في أصول الشريعة محمد أفندي عمر الباجوري المتوفى (١٩٠٥م/ ١٣٢٣ هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الفصول البديعة في أصول الشريعة

محمد أفندي عمر الباجوري

المتوفى (١٩٠٥م/ ١٣٢٣ هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ تبوأ كتاب (جمع الجوامع) للتاج السُّبكي مكانة علمية كبيرة لدى العلماء والباحثين في علمي الفقه وأصوله، حيث نال عناية واهتماماً بالغين، فمنهم من شرحه، ومنهم من نظمه، ومنهم من وضع عليه بعض الحواشي، والتعليقات، ومنهم من كتب أجوبة على بعض مسائله، ولذا أضفت عليه الشروح قيمة أخرى فوق قيمته العلمية.

وقد أودع فيه التاج السبكي زبدة ما في شرحيه على (مختصر ابن الحاج)، و(منهاج البيضاوي)، مع زيادات كثيرة من كتب الأصول وغيرها، والتي قال عنها في "مقدمته": مع زيادات لا توجد مجموعة في غيره، مع البلاغة في الاختصار، وقد صنفه في مرحلة متأخرة من حياته، وذلك بعد اكتمال شخصيته الأصولية، وذكروا أن السبكي استفاد كتابه من أكثر من مائة مصنَّف في كتابه.

وكان التاج السبكي كثيراً ما يُشِيد بكتابه (الجمع)،  ويحث الطلاب على قراءته ودراسته، ويُبيّن كثيراً من مزاياه وفوائده التي انفرد بها عن غيره من المصنفات في أصول الفقه؛ فمن ذلك قوله في الطبقات: (هو مختصر جمعناه في الأصلين؛ جمع فأوعى . . . فيه زيادة على ما في مختصرات أصول الفقه . . . و هذا شأن كتابنا (جمع الجوامع) نفع الله به،  غالب ظننا أنّ في كل مسألة فيه زيادات لا توجد مجموعة في غيره).

وللمؤلف السُّبكي أرجوزة عليه من نظمه، وكذلك له شرح عليه، وله أيضاً: (منع الموانع عن إكمال جمع الجوامع)، وهو ردود على الاعتراضات التي أوردها بعض المعاصرين للسبكي على "جمع الجوامع"، وذلك أن شمس الدين محمد بن محمد الأسدي الغزي الشافعي أرسل إلى المصنف في حياته بمؤلفه "البروق اللوامع فيما أورد على جمع الجوامع"، فلما رآه المصنف أثنى عليه، وأجابه عنها في (منع الموانع).

وهذا الكتاب النفيس، هو تلخيص لكتاب جمع الجوامع وشرحه الذي ألفه التاج السبكي في أصول الفقه، ويقع التلخيص في عشرة فصول، ابتدأها بفصول في علم الكلام كما في مقدمته، والتي سار فيها على نهج الأشعرية تبعاً للأصل، وختمها بأصول نافعة في الدنيا والآخرة، وما بين ذلك مباحث جليلة في أصول الفقه، جمع فيها طرقه بعبارات وجيزة ودسمة ومختصرة.

وقسم السُّبكي الكلام في كتابه إلى سبعة كتب، وفي كل كتاب أبواب، وفي كل باب مسائل وفروع، فتحدث أولاً عن (المقدمات)، ثم عن الدليل الإجمالي الأول (وهو الكتاب العزيز)، وما فيه من أبواب (المنطوق والمفهوم -والأوامر والنواهي -والعام والخاص -والتخصيص ومتعلقاته -والبيان والمبين، والنسخ)، ثم الدليل الثاني، وهو (السنة النبوية) وما يتعلق بالخبر من المباحث، ثم (الإجماع)؛ (فالقياس)، ثم (الاستدلال) وضمنه الاستحسان، (فالتعادل والتراجيح)، وأخيراً (الاجتهاد).

ومن الشروح العديدة التي حظي بها كتاب جمع الجوامع ونظمه

١- (تشنيف المسامع في شرح جمع الجوامع) لبدر الدين الزركشي (ت ٧٤٩ هـ)، والذي قال عنه: "اشتمل على  النقول الغريبة، والمسائل العجيبة، والحدود المنيعة، والموضوعات البديعة، مع كثرة العلم، ووجازة النظم، قد علا بحره الزاخر، وأصبح اللاحق يقول: كم ترك الأول للآخر".

٢-(النكت على جمع الجوامع، وشرحه: النجم اللامع)؛ لمحمد بن أبي بكر بن جماعة، المتوفى سنة (٨١٩ هـ).

٣-(الغيث الهامع في شرح جمع الجوامع) للحافظ ولي الدين أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (المتوفى سنة ٨٢٦ هـ)، وامتاز شرحه بكونه أكثر تفصيلاً من شرح البدر الزركشي.

٤-(لمع اللوامع في توضيح جمع الجوامع للسبكي) لشهاب الدين أحمد بن حسين بن الرملي الشافعي المعروف بابن رسلان (المتوفى ٨٤٤ هـ).

٥-(النكت على جمع الجوامع) للحافظ أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، المتوفى سنة (٨٥٢ هـ).

٦-(البدر الطالع بشرح جمع الجوامع)؛ لجلال الدين محمد بن أحمد المحلي، المتوفى سنة (٨٦٤ هـ). 

٧- (شرح على نظم جمع الجوامع للسبكي)؛ لأبي البركات محمد بن أحمد بن عبد اللَّه الغزّي، المتوفى سنة (٨٦٤ هـ).

٨-(شرح برهان الدين على جمع الجوامع)؛ لبرهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي، المتوفى سنة (٨٨٥ هـ).

٩-(الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع) للإمام شهاب الدين أحمد بن إسماعيل الكوراني (المتوفى سنة ٨٩٣ هـ).

١٠-(الضياء اللامع في شرح جمع الجوامع، والبدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع)؛ للفقيه الأصولي المالكي أحمد بن عبد الرحمن بن موسى، أبو العباس القيرواني القروي التونسي، القاضي المعروف بحلولو المتوفى بتونس (المتوفى سنة ٨٩٨ هـ).

١٠-(النجم اللامع في شرح جمع الجوامع)؛ لأبي البقاء محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جماعة، المتوفى سنة (٩٠١ هـ).

١١-(الثمار اليوانع في شرح جمع الجوامع)؛ للفقيه خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاوي الأزهري المصري المعروف بالأزهري (المتوفى سنة ٩٠٥ هـ).

١٢-(شرح جمع الجوامع للسبكي)؛ للفقيه علي بن يوسف بن علي المعروف بالبُصروي، المتوفى سنة (٩٠٥ هـ).

١٣-(الدرر اللوامع في تحرير جمع الجوامع للسبكي)؛ لأبي المعالي محمد بن محمد بن أبي بكر الشافعي، المتوفى سنة (٩٠٦ هـ).

١٤-(شرح الكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع) للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت ٩١١ هـ).

١٥-(البدر اللامع في نظم جمع الجوامع)؛ للفقيه أبي الحسن علي بن محمد بن عيسى الأشموني (ت ٩٢٩ هـ).

١٦-(حاشية على شرح جمع الجوامع للسبكي) لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري السنيكي (ت ٩٢٦ هـ)، وله أيضاً: (لبّ الأصول في مختصر جمع الجوامع للسبكي).

١٧-(حاشية على شرح جمع الجوامع لابن السبكي)؛ للفقيه المالكي أبي عبد الله محمد بن أحمد بن إسماعيل اللقاني (ت ٩٥٤ هـ).

١٨-(حاشية على شرح جمع الجوامع للسبكي)؛ للفقيه المالكي محمد بن حسن بن علي اللقاني، المتوفى سنة (٩٥٧ هـ).

١٩-(حاشيه على شرح جمع الجوامع)؛ لأبي عبد الله محمد ناصر الدين اللقاني المالكي (المتوفى سنة ٩٥٨ هـ).

٢٠-(الآيات البينات على شرح جمع الجوامع= حاشية)؛ لأبي العباس أحمد بن قاسم شهاب الدين الصبّاغ المعروف بالعبادي (المتوفى بالمدينة المنورة سنة ٩٩٤ هـ).

٢١-(حاشية على شرح جمع الجوامع) لعلي بن أحمد النجّاري، المعروف بالشعراني (المتوفى  سنة ٩٧٠ هـ).

٢٢-(حاشية على شرح جمع الجوامع)؛ للفقيه المالكي  محمد بن حسن (حسين) بن مسعود البناني، المتوفى سنة (١١٩٤ هـ).

٢٣-(حاشية على شرح جمع الجوامع)؛ للفقيه المالكي عبد الرحمن بن جاد الله البنّاني المغربي، (المتوفى سنة ١١٩٨ هـ).

٢٤-(حاشية على شرح مقدّمة جمع الجوامع للمحلّي)؛ للفقيه الحنفي أبي العرفان محمد بن علي المعروف بالصبّان المتوفى سنة (١٢٠٦ هـ). 

٢٥-(حاشية على جمع الجوامع)؛ لأبي السعادات حسن بن محمد بن محمود المغربي (المتوفى سنة ١٢٥٠ هـ).

٢٦-(تقريرات على شرحي جمع الجوامع) للفقيه الشافعي عبد الرحمن بن محمد الشربيني (ت ١٣٢٦ هـ).

٢٧-(الفصول البديعة في أصول الشريعة =مختصر جمع الجوامع)؛ لمحمد أفندي عمر الباجوري، المتوفى سنة (١٣٢٣ هـ)، وهو الكتاب الذي بين أيدينا.

٢٨-(إسعاف المطالع بشرح البدر اللامع نظم جمع الجوامع)؛ للفقيه الشافعي محمد محفوظ بن عبد الله الترمسي الجاوي، المتوفى سنة (١٣٣٢ هـ).

٢٩-(الترياق النافع بإيضاح وتكملة مسائل جمع الجوامع) لأبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد شهاب الدين باعلوي الحسيني الحضرمي اليمني المتوفى (١٣٤١ هـ).

٣٠-(البدر الساطع شرح جمع الجوامع) للفقيه الحنفي محمد بخيت بن حسين المطيعي (ت ١٣٥٤ هـ).

٣١-(تقريرات المالكي علي جمع الجوامع)؛ للفقيه الأصولي حسين مخلوف بن محمد العدوي (المتوفى سنة ١٣٥٦ هـ).

٣٢-(الجواهر اللوامع في نظم جمع الجوامع)؛ لأبي المواهب عبد الحفيظ بن الحسن العلوي الحسني المالكي، (المتوفى سنة ١٣٥٦ هـ).

ترجمة مختصرة للشيخ المؤلف (محمد أفندي الباجوري)

هو العالم الفاضل محمود بن عمر بن أحمد بن عمر ابن شاهين الباجوري، المصري النحوي الصرفي البياني. أصله من أسرة تمتد جذورها إلى جزيرة العرب وسكنوا (الباجور) بالمنوفية بمصر. 

وتخرج بدار العلوم بالقاهرة، وعين فيها معيداً وضابطاً (سنة ١٨٨٠ م)؛ فمدرساً للحساب والهندسة والجغرافيا وتاريخ الإسلام والبلاغة والنحو فيها (سنة ١٨٨٢ م) وتدريس التوحيد والفقه الحنفي بمدرسة (المهندسخانة).

وكان من أعضاء الوفد المصري في المؤتمر العلمي الشرقي في (ستوكهولم) ببلاد السويد والنرويج (سنة ١٨٨٩ م) وقدم للمؤتمر رسالته (أمثال المتكلمين من عوام المصريين - ط) وفيها نحو ٣٠٠٠ مثل، مشروحة.

وله في رحلته هذه (الدرر البهية في الرحلة الأوروبية - ط) ودرّس في المدرسة الخديوية. ثم حضر مؤتمر اللغات الشرقية بلندن (سنة ١٨٩١ م). وتولى إدارة (مجلة التربية) بمصر، وقد صدر العدد الأول منها سنة ١٩٠٥م. واعتكف بعد مدة قصيرة في قريته إلى أن توفي  (١٩٠٥م)

ومن كتبه أيضاً: (أدب الناشئ - ط) رسالة، و(التذكرة في تخطيط الكرة - ط) في الجغرافية، و(تنوير الأذهان، في الصرف والنحو والبيان - ط) و(الفصول البديعة، في أصول الشريعة - ط) اختصره من (جمع الجوامع، و (القول الحق في تاريخ الشرق - ط)، و(المنتخبات الأدبية - ط).

ترجمة موجزة للإمام السُّبكي

اسمه ونسبه:

هو عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي، أبو نصر، قاضي القضاة، تاج الدين.

ولادته، ونشأته:

ولد تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب سنة (٧٧ هـ) بالقاهرة، وفتح عينيه على بيت يموج بالمعرفة، ورأى وفود العلماء تتدفق إلى مجلس أبيه، ينهلون من علمه، ويقيدون فوائده، فليس غريبًا أن ينشأ عبد الوهاب على التحصيل مبكرًا، وأن يحفظ القرآن في صغره ثم يأخذ عن والده أصول العربية، والعقيدة، والتشريع.

أسرته وعنايتها بالعلم:

على الرغم مما اكتنف القرن الثامن الهجري، فإنه يعتبر مرحلة من مراحل النشاط الفكري، التي ظهرت في الدولة الإسلامية عقب الزحف التتري على بلاد الإسلام في القرنين السادس والسابع، فإن الأهوال العظيمة التي صحبت هذا المد، وما نجم عنها من إهلاك للبشر، وتخريب للديار، وحرق وإغراق للثروة العلمية، والتراث الإسلامي على يد أولئك الهمج، نبَّه جهور علماء المسلمين ودفعهم دفعًا إلى تراث آبائهم وأجدادهم، فعكفوا عليه تحصيلًا، وفهمًا، وتمثلوه علمًا وفنًّا، ثم فزعوا -بعد ذلك- إلى أقلامهم يسجلونه على نحو جديد، يدنيه من كل قلب، ويحببه إلى كل نفس، وكان ذلك إيذانًا ببداية عصر الموسوعات العلمية والأدبية، ولمعت آنذاك في سماء الفكر شخصيات فريدة ظلت تحافظ على هذه الثروة الفكرية، يسلمونها من جيل إلى جيل حتى وصلت إلينا غنية موفورة، تقدم بعض العزاء عما فقدناه من أصول الفكر الإسلامي، التي ذهب بها الغزو التتري، وأتت على كثير منها الحروب الصليبية.

وكانت أسرة زين الدين أبي محمد السبكي من بين الأسر التي كان لها حظ المشاركة بنصيب كبير في تلك النهضة العلمية.

فعبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي، المصري، قاضي القضاة، زين الدين، أبو محمد كان مشهورًا بالصلاح، كثير الذكاء، سمع الحديث من علماء عصره، كما أخذ الفروع عن آخرين، وقرأ الأصول على القرافي، وتنقل في أعمال الديار المصرية، وحدَّث بالقاهرة والمحلَّة، وخرج له تقي الدين أبو الفتح السبكي مشيخة حدث بها، وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتوفي سنة (٧٥٣ هـ).

وولده علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف الأنصاري الخزرجي السبكي، الشافعي، تقي الدين، أبو الحسن، عالم مشارك في الفقه، والتفسير، والحديث، والأصلين، والمنطق، والقراءات، والحديث، والخلاف، والأدب، والنحو، واللغة، والحكمة، ولد بسبك العبيد من أعمال المنوفية بمصر سنة (٦٨٣ هـ) وتفقه على والده، ودخل القاهرة، وولي قضاء الشام، وله مؤلفات كثيرة، بلغت (١٥٠) كتابًا، منها: "الإبهاج في شرح المنهاج" وأكمل غالبه ولده تاج الدين، و"الابتهاج في شرح المنهاج" للنووي في الفروع، و "الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم"، و"الطوالع المشرقة في الوقف على طبقة بعد طبقة"، و "المواهب الصمدية في المواريث الصفدية"، و"الفتاوى" جمعها ولده التاج في ثلاث مجلدات، وتوفي بالقاهرة سنة (٧٥٦ هـ).

وحفيده: الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي، جمال الدين أبو الطيب، ولد بالقاهرة سنة (٧٢٢ هـ) ودرس بها وبدمشق، كان عارفًا بالرجال، وناب في القضاء، وتوفي سنة (755 هـ)، ومن آثاره كتاب في "من اسمه الحسين بن علي.

وحفيده: أحمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي، بهاء الدين، أبو حامد، فقيه، أصولي، مشارك في بعض العلوم ولد سنة (٧١٩ هـ) وسمع بمصر، والشام، وولي قضاء الشام، وأفتى، ودرس، ومن مؤلفاته: "شرح الحاوي الصغير في فروع الفقه الشافعي"، و"شرح التلخيص في المعاني والبيان"، و"شرح مختصر ابن الحاجب"، وغيرها، وتوفي سنة (٧٧٣ هـ).

وأما حفيده المترجم له التاج أبو نصر عبد الوهاب بن علي، فقد أوفى على الغاية، واستطاع بذكائه وجده ودأبه -بعد عون الله عزَّ وجل- أن يصل إلى أرقى المناصب، وأن يحتل مكان الصدارة في الفتيا والتدريس، وأن يخرج إلى الناس من مؤلفاته ما يبهر، غزارة في العلم، وجال عرض، وحسن تنسيق.

شيوخه:

أما مرحلته الأولى، فقد اشتغل فيها على والده أولًا، فأخذ عنه العلوم المختلفة، ثم حضر وسمع من جماعة بمصر، وبعد ذلك قدم دمشق مع والده في سنة (٧٣٩ هـ) وسمع بها من علمائها، وجدَّ واجتهد، وقد أجازه الكثير منهم، وإليك بعضًا من شيوخه:

١- الحافظ المزي:

يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف القضاعي، الكلبي، الحلبي، الدمشقي المزي، جمال الدين أبو الحجاج، محدث، حافظ، مشارك في الأصول، والفقه، والنحو، والتصريف، واللغة، ولد بحلب سنة (٦٥٤ هـ) وسمع الكثير ورحل وحدث نحو خمسين سنة، فسمع منه الكبار والحفاظ، وولي دار الحديث الأشرفية مدة طويلة. ومن مؤلفاته: "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"، و"تهذيب الكمال في معرفة أسماء الرجال"، ومعجم لشيوخه، وتوفي بدمشق سنة (٧٤٢ هـ).

٢-ابن النقيب:

محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان، شمس الدين، ولد سنة (٦٦٢ هـ) تقريبًا، كان عالمًا، ورعًا، ديِّنًا، عفيفًا، وتولى التدريس بأماكن عديدة، وتولى القضاء بحمص، ثم طرابلس، ثم حلب، ومن آثاره: "مقدمة في التفسير"، وديوان شعر، وقد أجاز تاج الدين السبكي بالإفتاء، والتدريس، وهو في سن السادسة عشرة تقريبًا، وتوفي المترجم له سنة (٧٤٥  هـ).

٣- الذهبي:

شمس الدين محمد بن أحمد الإمام، المتوفى سنة (٧٤٨ هـ)، فقد كان تاج الدين السبكي ملازمًا له أكثر من غيره، لسبب ذكره التاج بقوله: "وكنت أنا كثير الملازمة للذهبي، أمضى إليه في كل يوم مرتين، بكرة وعشيًّا، وأما المزيّ، فما كنت أمضى إليه غير مرتين في الأسبوع، وكان سبب ذلك أن الذهبي كان كثير الملاطفة والمحبة لي، بحيث يعرف من علم حالي معه أنه لم يكن يحب أحدًا كمحبته لي، وكنت أنا شابًّا، فيقع ذلك مني موقعًا عظيمًا، وأما المزيّ فكان رجلًا عبوسًا مهيبًاً.

٤- ابن حيان:

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي، أثير الدين، أبو حيان، ولد بغرناطة سنة (٦٥٢ هـ) وقيل: (٦٥٤ هـ)، وشرع في طلب العلم سنة (٦٧٠ هـ) فجدَّ واجتهد، وثابر حتى صار شيخ النحاة في عصره، وإمام المفسرين في وقته، جمع العلوم المختلفة والفنون المتعددة، فكان أديبًا، نحويًّا، لغويًّا، مفسرًا، محدّثًا، مقرئًا، مؤرخًا، سالمًا في عقيدته من بدع الفلسفة والاعتزال والتجسيم، وسمع الحديث في الأندلس والحجاز ومصر، وأخذ العلوم الأخرى عن الجم الغفير، وتخرج عليه أئمة يقتدى بهم علمًا، وزهدًا، وورعًا، منهم تاج الدين السبكي، وله مؤلفات، منها: "البحر المحيط في التفسير"، و"تحفة الأديب بما في القرآن من الغريب"، و"عقد اللآلي في القراءات السبع العوالي"، و"الإعلام بأركان الإسلام"، و"شرح تسهيل الفوائد في النحو"، وتوفي سنة (٧٥٤ هـ) بالقاهرة.

٥- ابن رافع:

محمد بن رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السلامي، العميدي المصري، أبو المعالي، تقي الدين، ولد في مصر سنة (٧٠٤ هـ) ونشأ بها، ورحل به أبوه إلى الشام لسماع الحديث مرات عديدة، وسمع من الجم الغفير وانتفع به الكثير، منهم تاج الدين السبكي، وتخرج به، وكان حافظًا، محدّثًا، مؤرخًا، مقرئًا، مشاركًا في العلوم الأخرى، ومن مؤلفاته: معجم لنفسه في أربع مجلدات، و "ذيل على ذيل تاريخ بغداد" لابن النجار، ووفيات ذيل بها على تاريخ البرزالي إلى شيخه، وتوفي بدمشق سنة (٧٧٤ هـ)، كما أخذ عن غيرهم من علماء عصره

 تلاميذه:

نظرًا لظهور وتألق تاج الدين السبكي في فنون عديدة من العلم، مع صغر سنه، فقد أخذ عنه العلوم المختلفة جم غفير، وتخرج عليه أئمة يقتدى بهم علمًا، وزهدًا، وورعًا، وعفة، ونزاهة، وإليك بعضًا منهم:

١- المعري الحلبي:

محمد بن أحمد بن علي بن سليمان، بدر الدين، بن الركن، المعرّي، ثم الحلبي، ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة، وأخذ عن علماء عصره، كالقاضي تاج الدين السبكي، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا، وله من المؤلفات: "روض الأفكار في الحكايات والأخبار"، وخطب في مجلدة، وله نظم، ونثر، ومات في فتنة التتار سنة (٨٠٣ هـ).

٢ - العيزري، الزبيري، الأسدي:

محمد بن محمد بن محمد بن الخضر، الزبيري، الغزي، الشافعي، ويعرف بالعيزري، شمس الدين، فقيه، مشارك في علوم متعددة، ولدت بالقدس سنة (٧٢٤ هـ) ثم تفقه بالقاهرة على جماعة من العلماء ورجع إلى غزة، فاستقر بها، ودخل دمشق وأخذ عن التاج السبكي وغيره، ومن مؤلفاته: "الظهير على فقه الشرح الكبير"، ونكت على "المنهاج"، و "مختصر القوت"، للأذرعي (1)، وغير ذلك، وتوفي سنة (٨٠٨ هـ).

٣- الحموي ابن خطيب المنصورية:

يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن علي بن عبد الله، جمال الدين الشافعي، ويعرف بابن خطيب المنصورية، أبو المحاسن، ولد سنة (٧٣٨ هـ)، وطلب العلم بحماة، فأخذ عن علمائها وبدمشق كذلك، وأخذ بها عن التاج السبكي وغيره، وأخذ عنه الكثير فنون عديدة، كان فقيهًا، أصوليًّا، بيانيًّا، مفسرًا، فرضيًّا، ناظمًا، نحويًّا. ومن مؤلفاته: "شرح أحاديث الأحكام في مجلدات"، و "شرح ألفية ابن مالك"، و "شرح فرائض المنهاج الفرعي"، و "شرح ألفية ابن معطي"، وتوفي بحماة سنة (٨٠٩ هـ).

٤- ابن حجي:

أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرف السعدي، الحسباني، الدمشقي، الشافعي، شهاب الدين، أبو العباس، ولد بظاهر دمشق في الرابع من محرم سنة (٧٥١ هـ) وحفظ "التنبيه" وغيره، وسمع الحديث من خلائق، وأجازوا له من بلاد شتى، وقرأ بنفسه الكثير، وأخذ الفقه عن والده وتاج الدين السبكي وغيرهما، ودرس، وأفتى، وأعاد، وناب في الحكم، وصنف، وكتب بخطه الشئ الكثير، وكان حافظًا، محققًا، فقيهًا، محدثًا، مفسرًا، نحويًّا، ومن مؤلفاته: "الدارس في أخبار المدارس"، و "شرح على المحرر"، ومعجم لشيوخه على حروف المعجم، و "الذيل على العبر"، وغيرها كثير، وتوفي في المحرم سنة (٨١٦ هـ).

٥ - الباعوني:

أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن، شهاب الدين، أبو العباس، الناصري، الباعوني، ولد سنة (٧٥٢ هـ) وحفظ القرآن، وكذا المنهاجين، الفرعي، والأصلي، والألفية، وغير ذلك وقدم دمشق، وعرض كتبه على كثير من العلماء منهم تاج الدين السبكي، وكان عالمًا، متفننًا في علوم شتى كالفقه، والأصول، والحديث، والتفسير والنحو وغيرها، كما تولى القضاء والخطابة بالقدس ودمشق ومشيخة الشيوخ، وغير ذلك، وكان خطيبًا، بليغًا، له اليد الطولى في النظم والنثر مع السرعة في ذلك، وتوفي سنة (٨١٦ هـ)

وفاته:

وبعد هذه الحياة الحافلة بجلائل الأعمال والنتاج والعطاء الذي برهن على ثقافته الواسعة، والتي رفدتها أفكار شيوخه، واعتناء والده به منذ نعومة أظفاره، وهذبها حرصه ودأبه، ثم تولى بسطها أمام الناس ذهن وقاد، ولسان طلق، وحجة قوية، ونشرها بين جمهرة المثقفين ما أخذ نفسه من التقييد والتأليف، وما قدر لمؤلفاته من القبول والنجاح.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق