وصف الجنة والنار من صحيح السنة والأخبار
وحيد عبد السلام بالي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن طلب الجنة بلا عمل ذنبٌ من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوعٌ من الغرور، وارتجاء الرحمة من غير الله جهلٌ وحُمق، ومن أجلِّ الأعمال التي تدخل المرء الجنة، المداومة على طاعة الله، وخدمة المسلمين، والنصح لهم، كما أن أعظم الأعمال التي تنجي صاحبها من النار حفظ أمرين: اللسان، والفرج.
والفائدة المرجوة من مثل هذه الكتب: هي البعث على العمل، والتزود للآخرة، وشحذ الهمة، وهذا لا يعني ترك الأعمال الدنيوية للتفرغ لأمور العبادة والطاعة، بل لا بد من مزاولة الكسب والكد لأجل إصلاح العيش، ولذلك قيل (أحرز رغيفك ثم تعبّد)، وكلها عبادات إن كانت في مرضاة الله تعالى.
وهذا الكتاب جمع فيه مؤلفه جملة من الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الجنة وما أعده الله فيها لعباده المؤمنين من النعيم المقيم، وذكر لذلك خمسة وسبعين (٩٦) حديثاً من صحيح الأخبار، في (٣٠) ثلاثين فصلاً.
وتناول فيه: وصف الجنة، وأنها فوق الوصف، فذكر من ريحها، وأبوابها، وأول من تفتح له أبواب الجنة، وأول الناس دخولاً لها، وصفة دخولهم، وأدنى أهل الجنة منزلة، ودرجات الجنة، وبناء الجنة وترابها، وقصورها وعرفها وخيامها، وأنهارها وعيونها، وشجرها، وصفة حوض النبيّ صلى الله عليه وسلم، وطعام أهل الجنة وشرابهم، وثيابهم، وفراشهم، ونسائهم، والجماع فيها، وغناء الحور، وحليهم، ومناديلهم، ونظرهم إلى ربهم، ومقام الخائف منهم في الدنيا فيها، وطول أهل الجنة، وما يغشاهم من الرضوان الدائم، وآخر الناس دخولاً لها.
ثم أردف ذلك بالأخبار التي تتحدث عن النار، وجملتها (٩٧) سبعة وتسعين حديثاً، في (٣٢) اثنين وثلاثين فصلاً، فذكر من صفتها وأخبارها وما أعد الله فيها للكافرين والمنافقين والعاصين، وذكر من حرها، وقعرها، ومقامعها، وريحها، وألوانها، ودركاتها، وأوديتها وسجونها، وما فيها من السلاسل والأغلال والصديد.
وذكر من طعام أهل النار وشرابهم، وغلظ أجسامهم، وقبح منظرهم، وتفاوت العذاب بينهم، وأهون أهلها عذاباً، وذكر من بكائهم، وعويلهم، وصراخهم، وحسرتهم.
ثم ما يكون يوم القيامة من إخراج بعث النار من جميع الأمم، ومن يخرج من النار بعد دخولها بالشفاعة وبرحمة الله، ثم احتجاج الجنة والنار، وأبدية الجنة والنار، وصفة الصراط، وصفة مرور الناس عليه، وعذاب من يخالف قوله عمله.
ثم ما يجده الناس من حر الصيف وكونه من فيح جهنم، وشدة ما يجدونه من برد الشتاء وكونه من زمهريرها، وقنطرة التصفية قبل الجنة، ثم ذكر صفة الحشر، وبعض الأعمال والصفات التي توجب النار لصاحبها، وبعض أنواع العذاب التي تكون لأصناف مخصوصة من الناس، وما يكون من حساب المؤمنين يوم القيامة، وأكثر ما يُدخل الناس النار يوم القيامة، وأن من أراد النجاة من النار؛ فعليه بحفظ فمه وفرجه.
{فما ظنكم برب العالمين}؟
ومن يقرأ ويسمع هذه الأخبار؛ فعليه بالمبادرة إلى التوبة والأعمال الصالحة، مع إحسان الظن بالله تعالى من أنه أرحم الراحمين، والغفور الودود، والحليم الكريم.
فما ظنكم برب يتودد إلى خلقه وهو غني عنهم؟ وما ظنكم برب قد سبقت رحمته غضبه، وإحسانه سبق عقابه؟ وما ظنكم برب غفر لرجل قتل مائة نفس، فتاب الله عليه وأدخله الجنة؟ وما ظنكم برب غفر لامرأة من البغايا لأنها سقت كلبا؟ وما ظنكم برب ادخل الجنة رجلا نزع عود شجرة من طريق الناس؟ وما ظنكم برب أدخل امرأة الجنة بتمرة أطعمتها بنيتها؟ وما ظنكم برب يجزي بالحسنة عشرا، ثم يضاعفها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ويجزي السيئة بمثلها، أو يعفو ويتجاوز عنها؟ وما ظنكم برب يفرح لتوبتك، ويضحك لأجل طاعتك، ثم هو يجيب دعوتك، ويفرج كربتك ؟ وما ظنكم برب ينزل إلى السماء الدنيا فيناديك ليغفر لك، ويحقق آمالك، وذلك في كل ليلة؟ وما ظنكم برب يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل؟ وما ظنكم برب يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أنَّ يردهما صفراً خائبتين ؟ وما ظنكم برب "جميل- طيب- رفيق- حليم- حنان- منان- عفو- كريم- يحب لعباده الخير، ويكره مساءتهم وضرهم؟ وما ظنكم برب يحب لقاءك، إن تقربت إليه شبرا تقرب إليك ذراعا، وإن تقربت إليه ذراعا، تقرب إليك باعا، وإن أتيته تمشي، أتاك هرولة.
وكان السلف الصالح يحرصون على قيام الليل؛ لأنه من أعظم الأبواب الموصلة إلى الجنة، فقد ورد عن أبي سليمان الداراني (ت ٢١٥ هـ) أنه قال: "لولا الليل -يعني قيامه -ما أحببتُ البقاء في الدنيا"؛ فكانوا يتلذذون بالخطاب الإلهي لهم حين يقرأون آياته، وكأنه يناديهم: بعيني من تلذذ بكلامي، واستراح إلى ذكري، وإني لمطلع عليهم في خلواتهم، أسمع أنينهم وأرى بكاءهم، ولسان حال الواحد منهم: كيف ينام الحبيب عن حبيبه؟!
من يدخل الجنة بغير حساب
عن أبي أمامة، قال: سمعت رسول الله ﷺ یقول: «وعدني ربي أن يدخل الجنة أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي».
ففي غرة من يدخلون الجنة بغير حساب (٧٠ ألفاً)، هؤلاء هم عكاشة بن محصن الأسدي الذين حجز مقعده معهم لما سمع البشرى، قال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: «اللهم اجعله منهم».
ولكن بعض من آيسهم الشيطان من رحمة الله وعلمهم فن التثاؤب، عندما يعلمون أن العدد محدود يظنون أن السباق قد انتهى منذ زمن حيث العصور المباركة من الصحابة والتابعين، ولكن الحقيقة غير ذلك!! ذلك أن رسول الله ﷺ لم يحدد مجموعة بعينها ولم يحدد زمانًا بعينه، إنا بشر بها أحدهم وعندما قام آخر يطلب ذلك ردّ عليه: «سبقك بها عكاشة»، ولو لم يقل ذلك لكان كل من حضر وكل من سمع يريد الحصول على ما حصل عليه عكاشة، ولانتهى العدد المحدود منذ زمن بعيد»، ولكن الرسول ﷺ تركها مفتوحة ليشمر أصحاب الهمم والعزائم عن ساعد الجد ويتسابقوا لعلهم يلحقون بعكاشة دون كلل أو ملل أو يأس أو قنوط، ولا تستصعب طريقهم فالمعين قادر، تعرض لمن أعطاهم، وسل فمولاك مولاهم، رب كنز وقع به فقير، ورب فضل فاز به صغير، علم الخضر ما خفي عن موسى، وكشف لسليمان ما غطي عن داود.
هكذا كان عبد الله بن ثوب التابعي الجليل المعروف باسم أبي مسلم الخولاني؛ إذ قال: «أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لنزاحمنهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم قد خلّفوا وراءهم رجالاً»، يريد بذلك أن يزاحم بكتفيه وساعديه قافلة عكاشة، فيا ترى هل خلف أسلافنا وراءهم رجالاً أم.....؟!!
فإذا أردت أن تكون في قافلة عكاشة فاعزم عزمة أبي مسلم فاعقد عزمك على العمل، وثابر بإخلاص، وتزود بالتقوى، فرحمة الله أوسع من أن يدخل الجنة (۷۰,۰۰۰) سبعون ألفاً فقط بغير حساب، فيدخل مع كل ألف من ركب عكاشة (۷۰,۰۰۰) أي يضاف إلى العدد ٤,٩٠٠,٠٠٠ ويتسع له رحمة الله لتشمل القاصي والداني، فينضم للآلاف السابقة الفائزة ثلاث حثيات من حثيات ربي، والمعنى أن الله يخرج من النار خلقا كثيرا لا يأخذهم عد، ولا يدخلون تحت حصر، فيخرجون دفعة واحدة بغير شفاعة أحد، ولا ترتيب خروج، بل كما يُلقي القابض الشيء المقبوض عليه من يده في مرة واحدة، فعبَّر عن ذلك بالحثوة.
بعض ما صحَّ من صفة الجنة
الجنة أرضها مرمة بيضاء من فضة كأنها مرآة، وقصورها من لبن لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها -أي طينها -المسك، وترابها الزعفران، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت (١)، وفيها جنابذ من لؤلؤ أي قباب (٢)، وفيها خيمة مجوفة من لؤلؤ طولها ستون ميلاً، وللمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم، ولا يرى بعضهم بعضاً (٣)، ولها ريح طيبة، وريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً (٤)
أما عن أنهار الجنة، فهي تجري في أخاديد مستكنة من تحتها، فلا تفيض على جوانبها، كما قال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} (محمد: ١٥)، وغير آسن: الصافي الذي لا كدر فيه، وفيها عينان تجريان، وعينان نضاختان، وبين تلك الشجر وحولها عيون تفيض بالماء العذب: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (الحجر: ٤٥).
أما عن طعامها فمن الفاكهة واللحم، فقد أخبر الله سبحانه عنه: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} (الواقعة: ٢٠ -٢١)، وطير الجنة أمثال البخت، ترعى في شجر الجنة (٥)، ويأتيهم الشراب في كل وقت: {يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} (ص: ٥١)، {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} (الإنسان: ٥)،
أما عن شجرها، فقد أخبر الله تعالى عنه، بقوله: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (الواقعة: ٢٧– ٣٣)، خضد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها لتنبت ثمراً تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام، ما فيه لون يشبه الآخر (٦).
وهي من كثرتها تمتد حتى تملأ الجنة ظلاً {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} (الرحمن: ٤٨)، وهي شديدة الخضرة حتى تميل من خضرتها إلى السواد: {مُدْهَامَّتَانِ} (الرحمن: ٦٤)، وفيها شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها (٧).
وفيها من الحُلل المزينة والمزركشة من الذهب والفضة، إذا أراد ولي الله منها كسوة، ذهب إلى شجرة في الجنة فيها ثمر كأنه الرمان، فإذا أراد حُلة، انحدرت إليه من غصنها، فتنفلق له عن سبعين حُلة ألواناً بعد ألوان، ثم تنطبق فترجع كما كانت (٨).
ولها ثمانية أبواب (٩)، لكل بابٍ مصراعين، ما بينهما مسيرة أربعين سنة (١٠)، وعلى كل بابٍ مُنادٍ يدعو أهله للدخول منه، ومنها: باب الجهاد، وباب الريان، وباب الصلاة، وغيرها (١١). وتفتح هذه الأبواب يومي الاثنين والخميس (١٢)، وأوقات الصلوات (١٣)، وفيها ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر (١٤).
وهي درجات، ما بين الدرجة والثانية خمسمئة عام، والناس فيها مراتب، بحسب أعمالهم وإيمانهم، وأعلاها الوسيلة (١٥)، ويتراءى أهل كل مرتبة من فوقهم كأمثال الكوكب الدري في السماء (١٦): {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} (الإسراء: ٢١).
وأول من يقرع بابها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو أول من يدخلها (١٧)، ثم يفد المؤمنون إليها زمراً، فتحييهم الملائكة بأحسن تحية، كما قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (الزمر: 73).
([١]) رواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة، برقم (4)، وحسن المنذري في الترغيب (6/ 285).
([٢]) صحيح البخاري، برقم (3342).
([٣]) صحيح البخاري (3243).
([٤]) صحيح البخاري، برقم (3166).
([٥]) رواه أحمد بإسناد جيد، قاله المنذري في الترغيب (6/ 298)، وقال العراقي (3008): إسناده صحيح.
([٦]) رواه ابن أبي الدنيا، وقال الحافظ المنذري في ترغيب (6/ 30): إسناده صحيح.
([٧]) صحيح البخاري، برقم (3251).
([٨]) رواه ابن أبي الدنيا بإسناد حسن، قاله الحافظ المنذري في الترغيب (6/ 291).
([٩]) صحيح البخاري، برقم (3257).
([١٠]) صحيح البخاري، برقم (1897).
([١١]) صحيح البخاري، برقم (4712).
([١٢]) صحيح البخاري، برقم (5206).
([١٣]) صحيح مسلم (234).
([١٤]) صحيح مسلم (2824).
([١٥]) صحيح مسلم (384).
([١٦]) صحيح البخاري (3256).
([١٧]) صحيح مسلم (196).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق