أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يوليو 2022

الجهاد في سبيل الله (أو واجب المسلمين) أو السياسة الشرعية للهيئة الاجتماعية من كتاب الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن ناصر السعدي

الجهاد في سبيل الله (أو واجب المسلمين)

أو السياسة الشرعية للهيئة الاجتماعية 

من كتاب الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن ناصر السعدي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ إن الإسلام لا ينهزم أبداً في ميدان متكافئ الفرص، وإنما تنزل به الكوارث في ميدان ذلَّ فيه دُعاته، واستُعبد فيه علماؤه، وتولى رعي الشعوب فارغو القلوب والعقول، وفي هذا الجو تنطلق أفواج المنافقين والخائنين، ليحدثوا الناس بالشهوات والملذات، ويزرعوا في قلوب المسلمين الفُرقة والخلاف، وتنتشر جرائم الفتنة والعصبية الجاهلية، ويخلو الجو لكل ناعقٍ فتّان، وكل مُدَّعٍ كاذب، وينطلق الدجاجلة والشياطين ليركبوا متون الدعايات، ويروجوا لمواسم الفسوق والعهر، تاركين وراء ظهرورهم ما يجري للمسلمين في أنحاء المعمورة، فتكون كل كلمة تخرج منهم ضربةً قاصمةً للظهر، تشقُّ القلب أسفاً وكمداً، وللأسف تجد من بعض أدعياء الدين من يصدقه، ويصفق له، فقد خلال الجو لهؤلاء الفسقة المجرمين، الذين صدق فيهم قول طرفة بن العبد:

يــــــا لك من قُبّره بمعمرٍ ... خلا لك الجو فبيضي واصفري

ونقري ما شئتِ أن تُنقري ... لا بُد يوماً  أن تُصادي فاصبري

ولكن هذا النقر الذي يؤذي الفؤاد، ويعتصر القلب، من بعض من يدَّعي العلم، وينتصب على المنابر، كان له دور كبير في توعية هذا الجيل، الذي لم تعد تنطلي عليه أراجيف السلاطين وشيوخهم، وكذب المتملقين وأذنابهم من المنافقين.

وقد أوجب الله سبحانه على المسلمين الجهاد في سبيله، وحثهم على التعاون على ذلك فيما بينهم، والاستعانة به في جميع أمورهم، والثقة بوعده ونصره، ووعدهم بحسن الثواب عنده، وأمرهم برص الصفوف، وتآلف القلوب، حتى ينصر القوي الضعيف، يوأخذ المظلوم حقه، وتعود ديارنا ديار عدلٍ وأحسان، ويكون صوت المسلمين واحداً، كما حذرهم من التفرُّق والاختلاف، ومن الكسل والجُبن، ومن الخور واليأس عن القيام بواجباتهم الشرعية. ولكن عصرنا هذا إذا ذكر الجهاد كثُر اللُّوم من أبناء جلدتنا، وحينئذٍ يطيب لي قول الشاعر:

أجدُ الملامَة في هواكَ لذيذةٌ … حُباً لذكرك فليلُمني اللُّومُ

وهذه الرسالة هي من كتابات الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي، وجدها أبناؤه ضمن أوراقه التي كتبها بخطه، وهي غير مؤرخة، وهي رسالة قيمة فيها دعوة إلى الوحدة الإسلامية والعناية بعبادة الجهاد، التي بها يكون الكرامة والنجاة والسعادة، يقول الشيخ السعدي: ((وقد أمر الله بالجهاد بالنفس والمال وبالأقوال والأفعال، وبالمباشرة، وإعانة المباشرين بالمال، والدعوة، والتشجيع، والتحريض، فكلُّ من لم يغزُ ومن لم يُحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من نفاق كما صحَّ الحديث بذلك)).

وبين -رحمه الله-أن على المسلمين ص 13: ((أن لا يجعلوا الاختلاف بينهم في الأقوال والآراء والمذاهب وفي الملك والسياسات والأغراض الشخصية حائلاً يحول بينهم وبين تحقيق الأخوة الدينية، والرابطة الإيمانية، بل يجعلون الخلافات كلها، والأغراض الجزئية تبعاً لهذا الأصل الكبير؛ لأن ما يطالبهم به دينهم من الوحدة والألفة، وما يمنعهم منه من التفرق والاختلاف، يأتي على ذلك أجمع، ويُقدّم على كل شيء. فالمصالح الكلية تندرج فيها الأغراض الجزئية، فمتى صار الغرض الوحيد هو المصلحة العامة، تبعتها في ذلك المصالح الخاصة)).

ثم بيّن واجب العلماء تجاه فريضة الجهاد، فيقول ص 18: ((وعلى أهل العلم بيان فضل الجهاد، ووجوهه، وتبيين منافعه ومصالحه الضرورية، وحض الناس على ذلك أعظم مما على غيرهم، وعليهم أن يوضحوا للمسلمين أن جميع حركاتهم وسكناتهم، وأقوالهم وأفعالهم، ونفقاتهم المقوية للدين، والدافعة لضرر الأعداء، كلها داخلة في هذا الواجب العظيم، وأن يفهموهم أن الاختلاف في المذاهب، والتباين في المشارب لا يمنع اتفاقهم جميعاً على هذا الأصل الذي يجمع قاصيهم لدانيهم، وأن المصالح العامة الكلية مقدمة على الأغراض الجزئية والمنافع الشخصية، وأن هذا العمل مصلح لدين المسلمين ودنياهم، ثم على كل فردٍ أن يبدي مجهوده في نصر الدين وتقوية المسلمين، بما استطاع من نفقةٍ أو قولٍ، لكي ينهض المسلمين ويقوي عزائمهم، ويبعث هممهم)).

وبين دور الأمراء والملوك والحكام المسلمين تجاه هذه الفريضة الغائبة، فيقول ص 19: ((وعلى الرؤساء والمرؤوسين الترغيب في تعلم الفنون الحربية، والصناعات النافعة، وعمل الأسلحة، والحصون الواقية، واستجلاب ما تعذرت صناعته، والسعي في تنمية المصالح والمنافع الاقتصادية، بالعمل بالأسباب الميسرة لها، والمعينة على تحصيلها، فإن المصالح الاقتصادية هي العون على المصالح الدينية، فكل ما فيه تقوية المسلمين، ودفع الأضرار والشرور من الأعداء عنهم، فهو من الجهاد. وعليهم أن يدرسوا أحوال الأمم الأجنبية، وسياساتهم، فإن معرفة ذلك من أسباب أخذ الحذر منهم، والتوقي لشرهم، وعليهم فعل الأسباب النافعة، وأن يتوكلوا على الله ويستعينوا به، ولا يتكلوا على حولهم وقوتهم، ولا يغتروا بحالهم، ويعجبوا بأنفسهم، ولا يستهينوا بأعدائهم، بل يحسبون كل حساب)).

وبيّن رحمه الله أن الجهاد المالي من أعظم الجهاد؛ فيقول ص 19: ((ومن أعظم الجهاد: الجهاد المالي، والله تعالى قدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، فإن النفقة في سبيل الله أفضل النفقات على الإطلاق، وبها يستعان على قتال الأعداء، بتحصيل الأسلحة وصناعتها، والمراكب المناسبة لزمانهم، وإقامة جميع مؤن الجهاد، حتى أن دفع المال الذي يدفع الأعداء للوقاية من شرهم من الجهاد بالمال، فبذل المال للأجانب عند الاضطرار مُقدم على ما هو أخطر منه وأشد ضرراً)).

يقول سعيد حوى في كتابه "جند الله" (ص 405): وبالإمكان الاستفادة من الزكاة لإقامة كثير من مشاريع الجهاد، فمثلاً لو كان إنسانٌ فقيراً وأردنا أن نُفرغه للعلم والتعليم، يُمكن أن ندفع له راتباً من الزكاة، وكذلك لو أردنا أن نُسلِّح إنساناً فقيراً أو نُنفق عليه وهو يُجاهد في سبيل الله، وقد تفرَّغ لهذا الشأن وليس لديه فائض مال، أو عليه ديونٌ ولو مهر زوجته، فكل هؤلاء يمكن أن يدفع لهم من الزكاة، وإذن فبالإمكان أن  يُستفاد من الزكاة لإقامة الكثير من مشاريع الجهاد.

ثم يوجه الشيخ السعدي حكام المسلمين إلى طريق الألفة والتعاون لردِّ عدوان الغرب، ويرشدهم إلى حل كل الإشكالات التي تحول بينهم وبين اجتماعهم على البر والتقوى، فيقول ص 13: ((فأهل الحل والعقد والرياسة من الملوك، والأمراء، والوزراء، ورجال الدول الإسلامية، عليهم أن يسعوا أحثَّ السعي لتحصيل القوتين: القوة المعنوية، والقوة المادية، بإزالة جميع الحواجز والموانع التي حالت بين المسلمين وبين اتفاقهم واجتماع كلمتهم، وتآلف قلوبهم، وأن يفهموا الأسباب التي فرقتهم من الأغراض الشخصية، والمطامع الردية، والأيدي الأجنبية، فإنهم متى فهموها حق الفهم، عرفوا أنها تنافي مصالحهم الدينية، والدنيوية)).

ومن إبداعات الشيخ السعدي -رحمه الله أن جعل إصلاح التعليم من أفضل أنواع الجهاد، يقول ص 26 -27: ((ومن أهم الجهاد السعي في إصلاح التعليم. وأن تكون المدارس يعلم فيها الأهم فالأهم من العلوم النافعة للدنيا والدين، وأن يكون الدين هو الأصل الأعظم فيها، والأساس الأقوم، وأن يكون غيره وسيلة وتبعاً له، وأن يكون الغرض الوحيد من الناجحين فيها المتخرجين أن يكونوا صالحين في أنفسهم مصلحين لغيرهم، متربين بالاخلاق النافعة، مهتمين بتربية الأمة، فان أكثر المدارس الآن إنما هي بالعكس من هذا الأمر الفنون الدنيوية هي الأصل، وعلوم الدين يجعل لها جزء ضعيف من التعليم، ولا يعتنى بأخلاق التلاميذ وآدابهم. وإنما الغرض منها المادة، وأن يخرج منها تلاميذ يصلحون للوظائف الدنيوية المادية البحتة وهذا اكبر نقص، ومن أكبر الدواعي للضعف والانحلال. ولا شك أن السعي في إصلاح التعليم من أهم الأمور، وبه ترتفع الأمة الإسلامية وتنتفع بعلمائها وعلومهم، فالتعاليم النافعة والتربية الصالحة تقود المسلمين الى كل خير وفلاح وتكون العلوم مقصودا بها حصول المنافع والصلاح والإصلاح)).

ويشير بعد ذلك إلى ضرورة الدعوة إلى دين الله عز وجل، وأن ذلك من أعظم الجهاد، فيقول ص 29: ((ومن أعظم وأجل الجهاد في سبيل الله الدعوة إلى عقائده، وأخلاقه، وآدابه، وتعاليمه العالية الراقية، فان في ذلك قوة معنوية للمسلمين، فإنهم كلما فهموا دينهم وعرفوا ما عليه من المحاسن التي تفوق الحد والإحصاء ازداد الدين قوة وجمالاً)).

مقدمة 3

الجهاد -وأسباب القوة المعنوية والمادية 6

واجب الأمة وخاصة الرؤساء 8

النعي على أهل الكسل وتنشيط أهل العمل 9

التحذير من المرجفين وأهل الأهداف الخسيسة 10

مواطن الجهاد وحالاته حسب المصلحة والحكمة 12

الشورى وفوائدها ومضار تركها 13

مدار الجهاد على الاستعداد والعذر في السلم والخرب 15

الجهاد بالنفس والمال والقول ..الخ 16

عجب المؤلف من أهل الحق وكسلهم بعكس أهل الباطل 18

واجب العلماء بيان فضل الجهاد وحكم الخ 19

واجب الرؤساء والقادة الترغيب في تعليم الفنون القتالية 19

بيان التقوى وشرحها 20

الطرق التي ترغب في الجهاد وتسهله على النفوس 21

من أصول الدين الوفاء بالعهود والعدالة 21

بحث التكل بتحليل منافعه الخ 22

من وسائل الجهاد عقد المعاهدات الخ 22

الأسباب الحقيقية لضعف المسلمين وعلاجها 23

الناس متشائمون وأهل التفاؤل أهل قول وعمل 24

من الجهاد الاعتناء بتربية الشباب، والتنبه لكيد الأعداء 25

من الجهاد التعارف والتفاهم على المصالح العامة 26

من الجهاد إصلاح التعليم في المدارس 26

من الجهاد التسلح بالعتاد والرجال الأكفاء 27

من الجهاد الدعوة إلى الدين بشرح محاسنة 29



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق