مباحث مختارة من كتاب
الشامل في فقه الخطابة والخطيب
للدكتور سعود بن إبراهيم الشريم
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ تعتبر الخطبة هي لسان الأمة الناطق، ومنبر المسلمين الهادر، فلكلماتها أثر بالغ، ولفصاحتها رونق مقيم، تجذب القلوب بقوة معانيها، وتمزج بين العقل والروح بحسن مبانيها، وتربط -على وجازتها بين الفكر والحياة، وبين الواقع والمأمول، وبين الدنيا والآخرة، وبين حقوق الفرد ومطالب الأمة، من خلال ترسيخ قضايا الأخوة والعقيدة والحقوق، وقد بلغ من أهميتها أن تعد منارةً للناس، يتعلم فيها الجاهل، ويتذكر الناسي، ويعود التائه، ويتوب المسيء، وينالُ العبدُ بأدائها وحضورها الأجرَ العظيم، والثوابَ الجزيل، وهي -أيضاً -رسالة الخطيب إلى الناس، التي تتكرر في كل أسبوع مرة، وفي المواسم والمناسبات كالأعياد، والكسوف، والخسوف، والاستسقاء، وغير ذلك.
وقد اشتهر في أمة الإسلام خطباء كثر، يصعب حصرهم أو عدُّهم، غير أن من أشهرهم: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، واشتهر من الخطباء عطارد بن حاجب، وعبد الله بن عروة بن الزبير، وزيد بن علي بن الحسين، والفضل بن عيسى الرقاشي، وقس بن ساعدة، والحسن البصري، ومالك بن دينار، ومحمد بن واسع الأزدي، وغيرهم الكثير.
وهذا كتاب نفيس اشتمل على مهمات المسائل حول الخطبة والخطيب، سواء خطبة الجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والكسوف والخسوف، وقد بلغت (122) مائة واثنين وعشرين مسألة، وقد جمع أكبر قدر من أقوال أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وأصحابهم، وغيرهم من فقهاء السلف،
وقد اشتمل هذا الكتاب على مسائل فقهية مفيدة، ومسائل توجيهية رشيدة، ومفاهيم تربوية يجب تصحيحها، وآداب شرعية ينبغي للخطيب الالتزام بها، وفيها بيان أركان الخطبة وشروطها وكيفية افتتاحها، وقضايا الأخلاق والعقائد، وفوائد بلغت (26) ستةً وعشرين فائدة، وضمَّن الكتاب بعض ما قيل إنه (مكروه أو من بدع الخطب) فبلغت (41) مسألة، وقد غلّب في ذلك جانب النقل المجرد، دون الترجيح بينها.
أولاً: كلمة للشيخ علي الطنطاوي
من كتابه (هتاف المجد، ص 23)
يقول -رحمه الله -:(إني أحاول أن ألقي اليوم خطبة، فلا تقولوا قد شبعنا من الخطب، إنكم قد شبعتم من الكلام الفارغ، الذي يلقيه أمثالي من مساكين الأدباء، أما الخطب فلم تسمعوها إلا قليلاً، الخطب العبقريات الخالدات، التي لا تنسج من حروف، ولا تؤلف من كلمات، ولكنها تنسج من خيوط النور الذي يضيء طريق الحق لكل قلب، وتحاك من أسلاك النار التي تبعث لهب الحماس في كل نفس.
ولا تقولوا: وماذا تصنع الخطب؟ إن خطب ديموسئين صبت الحياة في عروق أمة كادت تفقد الحياة، وهي كلمات وقفت سداً منيعاً في وجه أعظم قائد عرفته القرون الأولى، الإسكندر، ووجه أبيه من قبله، فيليب.
وخطبة طارق هي التي فتحت الأندلس، وخطبة الحجاج أخضعت يوماً العراق، وأطفأت نار الفتن التي كانت مشتعلة فيه، ثم وجهته إلى المعركة الماجدة، ففتح واحد من قواد الحجاج أكثر مما فتحت فرنسا في عصورها كلها، وبلغ الصين، وحمل الإسلام إلى هذه البلاد كلها، فاستقر فيها إلى يوم القيامة، ذلك هو قتيبة بن مسلم.
ولما اجتاح نابليون بروسيا، ما أعاد لها حريتها، ولا ردَّ عليها عزمها، إلا خطب (فِختِه) التي صارت لقومه كالمعلقات يحفظها في المدارس الطلاب).
ثانياً: التماس الخطيب رضا الغير
للخطيب أن ينتبه لناحية مهمة تعد مدخلاً واسعاً من مداخل الشيطان، لاسيما إذا كان الخطيب ممن يتجمهر حوله الناس ويكثر محبوه، وهذا الأمر المهم هو طلب رضاء الناس أو التماسه، أو موافقة النفس في التطلع إليه أو الميل له، فالخطيب المشهور تعتريه غالباً حالتان: إما أن يرضي جمهوره خطبة فيها نوع من القوة في النقد والإثارة حتى ولو كان حقاً ولكن دون روية أو تسييس، أو نظر في المقاصد والغايات، أو في حسن التوقيت، أو في الراجح من المصالح والمفاسد، أو في المندوحة عن الزج بالنفس في مثل هذا، أو أن يرضي طرفا أخر غير الجمهور من هو مخالف لهم، أو ليست له حظوة عندهم، أو بينه وبينهم من النفرة ما يدعوه إلى قول مثل ذلك. وكلا الأمرين خطأ فادح حيث لا يخرجان عن التماس رضا الناس قبل رضا الله، ولا أدل على خطأ ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة: ((من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس)).
وعند الترمذي أن معاوية كتب إلى عائشة أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)) والسلام عليك.
ولابن القيم -رحمه الله -كلام حول مثل هذه المسألة فيما يتعلق بإرضاء المخلوقين أياً كانوا، من خلال حديث عائشة السابق.
فقد قال رحمه الله: … وهم لا يتمكنون مما لا يريدون إلا بموافقة أولئك أو بسكوتهم عن الإنكار عليهم، فيطلبون من أولئك الموافقة أو السكوت، فإن وافقوهم أو سكتوا سلموا من شرهم في الابتلاء، ثم قد يتسلطون هم أنفسهم على أولئك يهينونهم ويعاقبونهم أضعاف ما كان أولئك يخافونه ابتداء، كمن يطلب منه شهادة الزور أو الكلام في الدين بالباطل إما في الخبر وإما في الأمر، أو المعاونة على الفاحشة والظلم، فإن لم يجبهم آذوه وعادوه، وإن أجابهم فهم أنفسهم يتسلطون عليه فيهينونه ويؤذونه أضعاف ما كان يخافه وإلا عذب بغيرهم، فالواجب ما في حديث عائشة الذي بعثت به إلى معاوية، ويُروى موقوفاً ومرفوعاً: ((من أرضى الله بسخط الناس…)) الخ الحديث، وهذا يجري فيمن يعين الملوك والرؤساء على أغراضهم الفاسدة، وفي من يعين أهل البدع المنتسبين إلى العلم والدين على بدعهم. انتهى.
فانظر إلى كلام ابن القيم هنا، وانظر ما يكون في المرء عرضة بإرضاء طرفين أو أحدهما، حيث إنه يجب عليه أن يتركهما ويتجه إلى إرضاء الله وحده.
ويقول ابن القيم أيضاً: فالسعيد الرابح من عامل الله فيهم، ولم يعاملهم في الله، وخاف فيهم ولم يخفهم في الله، وأرضى الله بسخطهم ولم يرضهم بسخط الله، وراقب الله فيهم ولم يراقبهم في الله... الخ ". اهـ.
قلت: هذا إذا أرضى الناس بأمر خاطئ، أما إذا أرضى أحد الطرفين بأمر صواب وكان من أمور العبادة وهو يقصد إرضائهم بذلك، ويكون هذا الإرضاء هو المنشئ لهذا الأمر، فيخشى أن يكون من باب الرياء وهو الشرك الخفي الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته.
فعند ابن ماجة من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخوف ما أتخوف على أمتي الاشراك بالله، أما إني لست أقول يعبدون شمساً ولا قمراً ولا وثناً. ولكن أعمالا لغير الله وشهوة خفية)).
وعند البغوي في تفسيره -بسنده -عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)). قالوا: يا رسول الله: وما الشرك الأصغر؟ قال: ((الرياء)) يقول الله لهم يوم القيامة يوم يجازي العباد بأعمالهم: ((اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)).
وبهذا يتضح أثر هذا المسلك وأنه مظنة الزلل للخطيب، والمفضي إلى الوقوع في مغبة الإثم، إذ على الخطيب أن يقول الحق لوجه الله لا ينظر فيه إلى رغبة جمهور، ولا إلى رغبة سلطان، ولا غيره، كما قال تعـالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب: ٣٩).
لقد أورد الزبيدي شارح الإحياء كلاما مفيداً حول التماس سخط الله برضا الناس، فذكر قصتين واقعتين قائلاً: وقد اتفق أن الملك الظاهر بيبرس -رحمه الله تعالى -لما وصل الشام وحضر لصلاة الجمعة، أبدع الخطيب بألفاظ حسنة يشير بها إلى مدح السلطان، وأطنب فيها، فلما فرغ من صلاته أنكر عليه وقال مع كونه تركيًا: ما لهذا الخطيب يقول في خطبته: السلطان السلطان، ليس شرط الخطبة هكذا، وأمر به أن يضرب بالمقارع، فتشفع له الحاضرون.
هذا مع كمال علم الخطيب وصلاحه وورعه، فما خلص إلا بعد الجهد الشديد.
واتفق مثل هذا لبعض أمرا مصر في زماننا، لما صلى الجمعة في أحد جوامع مصر، وكان مغروراً بدولته مستبداً برأيه، وربما نازعته نفسه في خلافة على مولانا السلطان نصره الله تعالى، فأطنب الخطيب في مدحه بعد أن ذكر اسمه بعد اسم السلطان، فلما فرغ من صلاته أمر بضرب ذلك الخطيب وإهانته ونفيه عن إلى بعض القرى. فهذا وأمثال ذلك ينفي للخطباء أن يلتمسوا سخط الله تعالى برضا الناس؛ فإن ذلك موجب لسخط الله تعالى والمقت الأبدي، نسأل الله العفو منه آمين". اهـ
وتحدث الشيخ محمد رشيد رضا محذرا الخطيب بقوله: "عليه أن يراقب الله وحده، ويذكر أنه عليم بخطرات نفسه، وجولات ذهنه، ثم محاسبته على ما تخفي الصدور. وإذا علم أن ثناء الناس لا قيمة له عند الله ما لم يكن يحق - وأنه لا يحول دون ضرٍّ أراده الله بمن يقول ولا يفعل، أو ينطق بغير ما يضمر، ويظهر بغير ما يبطن.
إذا علم ذلك سهل عليه أن يدع الناس وثناءهم جانباً، ويولي وجهه نحو الذي فطر السموات والأرض وبيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه، فإن ذلكم الجدير بالرعاية، والأولى بالرقابة، والحقيق بالرغبة في ثوابه، والرهبة من عقابه، لا من لا بملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، وربما كان ثناؤه بلسانه وبين جنبيه عدو لدود، وحسود حقود.
فالواعظ العاقل من مقال حاله ساعة يتصدى للإرشاد: {لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} (الإنسان: ٩ -١٠)
وقال الشيخ علي الطنطاوي قاصداً الخطيب: عليه أن يبين حكم الله فقط، لا آراءه هو وخطرات ذهنه، ويحرص على رضا الله وحده، لا على رضا الناس، فلا يتزلف إلى أحد، ولا يجعل الخطبة وسيلة إلى الدنيا، وسببا للقبول عند أهلها. اهـ
وقد بوب البخاري في صحيحه بابا فقال: "باب العرض في الزكاة".
ثم قال البخاري:" وقال طاوس: "قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: "ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن رشيد أنه قال: "وافق البخاري في هذه المسألة الحنفية مع كثرة مخالفته لهم، لكن قاده إلى ذلك الدليل". اهـ
قلت: ففي هذا دليل واضح على ما ذكرته، وهو أن المرء لا ينبغي أن يقوده شيء إلى أمر من الأمور إلا الدليل الشرعي، الذي يكون اتباعه إرضاءً لله عز وجل، بقطع النظر عن كونه يوافق المخالف أو لا يوافقه.
ثالثاً: إعداد الخطيب للخطبة
إن الخطيب قد يلقي خطبته إما بعد تحضير وإعداد، وإما على المجازفة والبديهة لا سيما في حق المرجل.
والحق أن الكلام الذي لا يعد له قد لا يقيم حقاً، ولا يخفض باطلاً، ولا يجذب نفساً، ولا ينفر من أمر، لاسيما إذا كان الخطيب بين قوم فيهم يتسقط هفواته، ويتتبع سقطاته، ويحصيها عليه إحصاء. والواجب على من الخطيب ألا يتوهم أن تحضير الخطبة قد ينقص من قدره، بل الصحيح هو أن الكلام المبتذل الذي لا يعد له، ولا يزور في النفس ابتداء؛ هو الذي فيه مظنة العيب.
والملاحظ أن بعض الخطباء لا يعد للخطبة إلا في صبح الجمعة أو قبلها بسويعات، والذي يفعل مثل هذا إن كان فعله له سبب يبيح ذلك له، فالضرورة لها أحكامها، أما إذا كان ديدنه ذلك أو يقتلع إحدى الخطب من بعض الدواوين قبل الجمعة بزمن يسير دون النظر في ماهية الخطبة أو مدى مناسبتها لوقتها. ثم يلقيها من على المنبر من باب الأداء الوظيفي فحسب أو من باب الكسل وقلة الاكتراث بأمور المسلمين وأحوالهم؛ فهذا ممن لا يهتم يحمل الدعوة إلى الله على وجهها الذي ينبغي، وإنما اتخذ المنبر عادة أو تكسباً، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فالواجب على الخطيب أن يضع جل همه وتفكيره في خطبة الجمعة، ويفرغ لها الوقت الطويل لإعدادها الإعداد المناسب، وينظر في حاجات الناس ومقتضى حالهم كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال ابن القيم -رحمه الله -عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: "وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته".
وقال أيضاً: "وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم".
وإعداد الخطيب أو المتكلم لما يتكلم به أمر معروف عند أصحاب هذا الشأن.
ففي صحيح البخاري في قصة سقيفة بني ساعدة قول عمر رضي الله عنه: "أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر الصديق". هذه رواية ابن عباس.
وفي رواية عائشة: قال عمر رضي الله عنه:" والله ما أردت لذلك إلا أني قد هيات كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر".
وقد كان هشام بن عمار خطيب دمشق، وكان بليغاً صاحب بديهة، وقد قال عن نفسه: (ما أعدت خطبة - أي كررت - منذ عشرين سنة).
وقد قال عبدان: ما كان في الدنيا مثله -يعني في الخطبة ـ وكان من أبلغ ما يقول في خطبته: قولوا الحق ينزلكم الحق منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق".
قلت: وبمثل هذا الإعداد، وتهيئة الكلام قبل اعتلاء المنبر تبرأ الذمة ويحصل المقصود، والله الموفق.
رابعاً: استيعاب الخطبة للموضوع
يخطئ بعض الخطباء الفهم حينما يظنون أن الخطبة يمكن أن تستوعب جميع عناصر الموضوع الذي يراد طرحه، فتجدهم يطيلون الخطبة إطالة فاحشة من أجل استيعاب الموضوع من جميع جوانبه، وهذا أمر متعذر، وهو من وجهة نظري ليس بصحيح؛ لأنه يوقع في سلبيات متعددة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أ - الإكثار من حشو الأدلة والنقاط المتعلقة بالموضوع بحيث ينسى آخرها أولها.
ب- الإطالة على المستمعين في الخطبة، ومن ثم خروجها عن المقصود وهو التخفيف وعدم الإطالة، ولذلك نجد بعض الخطباء قد يتجاوز النصف ساعة فأكثر، وهذا مشاهد محسوس في زماننا هذا، والله المستعان.
ج- أن المراد من طرح الموضوع هو التذكير والعظة، وهذا يحصل بدون إطالة، بل يكفي التركيز على أساسيات الموضوع مع الاقتصار على جزء من الأدلة وجزء من الأسباب وجزء من العلاج، وبعض النقولات التي تغني عن غيرها مع عدم لزوم الاستيعاب، لأنه كما قيل: الحر تكفيه الإشارة، ولأن يقول المستمعون: ليته لم يسكت خير من أن يقولوا ليته سكت! !
خامساً: اقتراح حول التجديد في الخطب
من خلال استقراء جملة من الخطب العصرية لعدد من الخطباء على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم وأقاليمهم، نجد اتفاقاً واضحاً في الاستدلال على المواضيع المطروحة بأحاديث مطروقة مبذولة بكثرة، وليس هذا احتقاراً أو تقليلاً من شأنها، كلا بل إنني أريد أن أصل إلى مرادي، وهو التجديد في الأدلة، لأننا ربما نجد أن الخطباء حينما يخطبون عن موضوع ما وليكن مثلاً في بر الوالدين أو صلة الرحم؛ فإنك تجدهم يتفقون على أحاديث معينة يكثر طرحها وذكرها مع أن هناك أحاديث أخرى لا تقل عنها صحة ولا صراحة في الموضوع، غير أن كثيرا من الناس يجهلها ولا يعرفها أو هي معلومة عند بعضهم ولكن يغفل عنها الكثير، ولعلي أرجع السبب في ذلك إلى أن بعض الخطباء يقتبس من غيره في الاستدلال أو أن يكون المرجع في مثل ذلك كتاباً واحداً يعول عليه جل الخطباء مثل كتاب "رياض الصالحين"، وهو كتاب عظيم لكنه لم يستوعب الأحاديث كلها.
والذي أريد أن أصل إليه هو أن اختيار الأحاديث التي تخفى على كثير من الناس بسبب قلة طرحها يضيف إليهم جديدا وهو معرفة الحديث والعمل به، وفي هذا خير كبير للأمة.
وغاية ما يحتاج إليه الخطيب في هذا المجال هو التنقيب في بطون كتب الحديث والخروج بمثل هذه الفوائد. ولعلي أختم هذه المسألة بمثال وقع لي ورأيت ثمرته في الواقع، فقد سبق وأن خطبت بالمسجد الحرام خطبة عن الأخوة والولاء والبراء في الدين، فبدا لي أن آتي بما يدل على الموضوع بدليل بعيد المرمى دون غيره من الأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس، فأتيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أمره بقتل الوزغ "لأنه كان ينفخ النار على أبينا إبراهيم عليه السلام، فأخذت منه أن من كان عدواً للدين فهو عدو لنا ولو كانت حشرات صغيرة كالأوزاغ ... الخ"، وبعد الخطبة وجدت استحسان بعض الناس من جهتين: (الأولى) في العلم بأن الوزغ كان ينفخ النار على إبراهيم عليه السلام. (الثانية): في أن كل من عادى الدين بأي نوع من أنواع العداوة فهو عدو لنا حتى ولو كان مثل الوزغ، ولذلك أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقتله. والله تعالى أعلم.
واللجنة الدائمة للبحوث العلمية برئاسة سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز لها كلام جيد حول هذا تقول فيه: " الأحسن أن يجدد الخطيب الخطبة بقدر ما تيسر له ذلك لما في ذلك من زيادة العلم والتشويق وقوة التأثير والبعد عن الملل والسآمة" اهـ
سادساً: توقي الخطيب أن يحمل أحداً على رأيه
الخطابة مسؤولية عظمى لا يعلم حجم خطورتها إلا من يعلم أهميتها ودقة مسلكها، فهي منبر التوجيه والدعوة وإحياء السنن وقمع البدع وقول الحق. وفي المقابل إذا هي أسيء استعمالها انقلبت إلى الضد، فقد تحيا من خلالها البدع، ويشاع الباطل، وتموت السنة، كما أنه قد ينتشر عبرها التضليل والتمويه وما شابه ذلك.
لذا كان لزاما على الخطيب أن يستحضر هذا الأمر نصب عينيه، وأن يعلم أن كلامه مؤثر، وأن هناك أصنافاً من بينهم العامة الذين يأخذون كلام الخطيب أيا كان صواباً أو خطأ لاسيما خطباء المساجد الكبيرة المشهورة كالمسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، ثم الجوامع الكبار في سائر أنحاء العالم والتي يرتادها كثير من الناس، ولها ولخطبائها شهرة واسعة النطاق.
فعلى الخطيب أن يتقي الله فلا يخوض في نصوص الوحيين بغير حق، وألا يقول على الله ورسوله ما لا يعلم، وألا يكون طرحه للقضايا المهمة مبنياً على وجهة نظر شخصية عرية عن التنقيح أو التحقيق أو إصابة الصواب أو القرب منه بعد الاجتهاد في تحصيله. وألا يكون منبع خطبته وما يقرره فيها مصادر مغشوشة كحماس طائش أو إعلام مضلل أو ضغوط نفسية متعددة الجوانب.
وألا يفتن الناس بأقواله المشتملة على القضايا الكاذبة والمقدمات الفاسدة، ولينظر إلى أي شيء هو يقوم، وإلى أي هوة يقع بنفسه أو يوقع غيره، وإلى أي سنة سيئة يسعى في إحيائها شعر بذلك أو لم يشعر، ليكون عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى قيام الساعة.
ولا يغرن أي خطيب فصاحة لسانه وحسن بيانه وشهرة منبره وإعجابه برأيه ما لم يكن مؤصل العلم، واسع الرواية، طالباً للحق حريصاً عليه، وسطاً منصفاً، غراً لا يستغفل.
ولقد ذكر ابن عبدالبر عن أحد السلف قوله: "من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل. اهـ
وذكر أبو حاتم البستي أيضاً -بسنده عن علي بن عبدالله بن عباس أنه ذكر عنده بلاغة رجل، فقال: إني لأكره أن يكون مقدار لسانه فاضلاً على مقدار علمه، كما أكره أن يكون مقدار علمه فاضلا على مقدار عقله "اهـ.
وقال أبو حاتم أيضا: "الخرس عندي خير من البيان بالكذب، كما أن الحصور خير من العاهر "اهـ.
قلت:صدق أبو حاتم، فلقد وافق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة وفيه: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.
ولقد روى أبو القاسم الأصبهاني -بسنده: "أن عبدالله بن وهب، قال ليوسف بن عمر: إن مالك بن أنس قال لي: يا عبدالله، لا تحملن الناس على ظهرك، وما كنت لاعباً به من شيء فلا تلعبن بدينك".
قلت: ومراد مالك رحمه الله بقوله " لا تحملن الناس على ظهرك " كناية عن تحمل آثام الناس وذنوبهم بما يسنه مما هو سبب في إضلالهم، فإن في ذلك خطورةً وحملاً للأوزار غير يسير، لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء).
وفي لفظ لمسلم أيضاً: (من دعا إلى ضلالة... الحديث)، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من نفس تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم كفل منها)؛ لأنه أول من سن القتل .
وعند أبي داود من حديث جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أفتى له بغير علم كان إثمه على من أفتاه).
ومن هذه الأدلة وغيرها بنى الإمام مالك رحمه الله وصيته بقوله: "لا تحملن الناس على ظهرك". ولقد أحسن من قال:
فاحفظ وقيت فتحت رجلك هوة … كم قد هوى فيها من الإنسان
فعلى الخطيب أن يتقى الله سبحانه، وأن يحسن الطرح في خطبته لا سيما في خطب النوازل والأحداث العامة التي ينتظر فيها جمهور الناس ما يقوله الخطباء ويرددونه، فضلاً عن صعوبة بعض النوازل واشتباكها وعدم وضوح أبعاد معظمها، بل قد يكون بعضها من الفتن التي يكون الماشي فيها خيراً من الساعي، والقاعد خيراً من الماشي، والساكت خيراً من المتحدث، فعلى الخطيب أن يقول الحق إن استطاع وإلا فليصمت ولا يقولن الباطل؛ لأن من تدخل في مثل تلك النوازل الغامضة ربما كثر، ثم وقع فيما قال أبو حاتم البستي رحمه الله بقوله: "والسقط ربما تعدى غيره فيهلكه في ورطة لا حيلة له في التخلص منها ؛ لأن اللسان لا يندمل جرحه ولا يلتئم ما قطع به، وكلم القول إذا وصل إلى القلب لم ينزع إلا بعد مدة طويلة، ولم يستخرج إلا بعد حيلة شديدة، ومن الناس من لا يكرم إلا بلسانه، ولا يهان إلا به. فالواجب على العاقل ألا يكون ممن يهان به" اهـ.
إذاً، يتبين لنا من خلال ما سبق أن الأصل في الخطبة هو العدل وقول الحق ودلالة الناس للصواب، فإن لم يستطع الخطيب ذلك لأسباب كثيرة يصعب حصرها؛ فإن سكوته خير، وإن عدم خوضه فيما لا يمكن العدل فيه أنفع له من التحدث بالخطأ، أو الحق الذي يعتريه باطل من جهة لا يشعر بها الخطيب. وذلك كما قال أبو حاتم البستي رحمه: " لأنه إذا قال ربما ندم، وإن لم يقل لم يندم، وهو على رد ما لم يقل أقدر منه على رد ما قال، والكلمة إذا تكلم بها ملكته، وإن لم يتكلم بها ملكها، والعجب ممن يتكلم بالكلمة إن هي رفعت ربما ضرته، وإن لم ترفع لم تضره كيف لا يصمت" .اهـ
ولقد أحسن ابن زنجي البغدادي حين قال: "لئن كان يجني اللوم ما أنت قائل ولم يك منه النفع فالصمت أيسر، فلا تبد قولا من لسانك لم يرضَ مواقعه من قبل ذاك التفكر، ورحم الله من قال: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في السكوت" أ. هـ.
سابعاً: وصف ابن القيم لخطبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وخطب من جاء بعده
لابن القيم -رحمه الله -كلامٌ جميل جداً، يُقارن فيه بين نهجه صلى الله عليه وسلم في خطبه، وما ينبغي أن يسير عليه الخطيب من اتباعه صلى الله عليه وسلم، والسير على طريقه ونهجه -إذ كل الخير في اتباع هديه، وكل شر في البعد عنه، وسلوك غير سبيله.
يقول ابن القيم -رحمه الله - في "زاد المعاد (١/ ٤٠٩): "وكذلك كانت خطبته صلى الله عليه وسلم، إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورا مشتركة بين الخلائق، وهي النوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله، ولا توحيدا له، ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيرا بأيامه، ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون، وتقسم أموالهم، ويبلي التراب أجسامهم، فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا؟ ! وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟ .
ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها وزينوها بما زينوها به، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر، وعلم البديع، فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود به" انتهى.
ثامناً: وصف العلامة جمال الدين القاسمي لخطب الصدر الأول وخطب من جاء بعدهم
يقول رحمه الله في كتابه "إصلاح المساجد من البدع والعوائد" (ص: ٦٧):
"كانت الخطب في الصدر الأول لها المكانة العالية والمقام الأسنى. كانت موضوع المفاخرة بين العرب كما يفتخرون في الشعر. كانوا ينتقون من جواهر الألفاظ أعذبها وأظرفها وأحلاها، ومن المعاني أرقها، وأدقها وأغلاها، ومع ذلك فكانوا يضمنونها آيات من كتاب الله تعالى لتزداد حلاوة وطلاوة حتى إنه ليعاب على خطبة ليس فيها آية من القرآن الكريم. وقد بلغت زمن الخلفاء الراشدين عنفوان شبابها فإن القرآن بما اشتمل عليه من أبدع الأساليب أعانهم على الخوض في عباب التفنن في دائرة الإرشادات الجاذبة بمغناطيسها الأفئدة.. كان الخطيب إذا قام لأمر ما سحر الألباب وملك بمرصعات المواعظ ما لا يملك بمرهفات السيوف والرماح. يؤلف بين من تفرق، ويسكن الفتن ويزيل المخاصمات ويقطع المنازعات، يقيمهم إن شاء ويقعدهم إن أراد بقوة اقتداره وشدة تأثيره.
ثم قال: "متى حدث الانحطاط في الخطب؟
إن الخطابة قبل كانت بيد الخلفاء الراشدين والرؤساء العظام وكانت موضع احتراس. كان يخطب الخطيب قائمًا "إلا خطبة النكاح" آخذا بيده عصا أو مخصرة أو قناة أو غير ذلك.
فلما جاءت الدولة المروانية واستولى الترف وعم، وتولى كرسي المملكة الوليد بن عبد الملك بن مروان بدأ يخطب -واأسفاه- جالسًا ترفعًا منه واستهانة بهذا الموقف الجليل.
ومن هذا أخذت الخطابة في الاضمحلال والتلاشي فكان آخر خطيب أجاد من أئمة الإسلام المأمون بن هارون الرشيد من خلفاء الدولة العباسية، وترك الملوك الخطابة ووكلوا أمرها كغيرها من الأمور لغيرهم فصارت منحطة القدر بعد الرفعة وموضع الاستهانة بعد التجلة تولاها أناس ما قدروها حق قدرها وما دروا المقصود منها بجهالاتهم المطبقة حتى إنك لو خاطبت أحدهم عن الخطبة المتبعة وتغييرها بما يستدعيه الزمان ما أجابك إلا بقوله: لا يمكن للنفوس الآن أن تتزحزح عن غيها، وأن الخطب الآن هي من قبيل الرسوم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فأنت ترى اليوم ببغاء كل منبر ينفث سموم الإماتة والتدمير والإقعاد عن العمل متمسكًا بمثل قوله رحمه الله: "لمن تقتني الدنيا وأنت تموت، ولمن تبتني العلياء والمقابر بيوت ... إلخ" مما أمات الأمة غافلًا عن قول سيد الزاهدين: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًاً".
تاسعاً: الخطبة بين الارتجال والقراءة من الورقة والصحيفة
الأصل في الخطابة عند العرب قبل الإسلام ومن ثم بعد الإسلام إلى قرون قريبة قد خلت، أنها تكون بطريق الارتجال، وما شهرة من اشتهر منهم - كقس بن ساعدة وعلي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم، وعبد الملك بن مروان الذي شيبته المنابر وسحبان وائل وغيرهم ـ إلا من هذا الباب. كل أولئك وغيرهم إما كانوا يخطبون ارتجالاً.
وما لاشك فيه أن الارتجال هو الأكمل في الخطابة وهو أصلها، وهو علامة الملكة والقدرة. وحاجة الخطيب في الجملة إلى الارتجال أمر لا شك في استحسانه، إذ القدرة عليه من ألزم الصفات للخطيب الناجح، وما ذاك إلا لحاجته أحيانا إلى البديهة الحاضرة، والخاطر السريع، الذى يفرضه عليه واقع الأمر فيما لم يكن قد أعد له من قبل.
وقد روي أن أبا جعفر المنصور كان يخطب مرة فقال: "اتقوا الله"، فقال رجل: أذكرك من ذكرتنا به. فقال أبو جعفر: سمعاً سمعاً لمن فهم عن الله وذكر به، وأعوذ بالله أن أذكر به وأنساه، فتأخذني العزة بالإثم، لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، وما أنت ؟ والتفت إلى الرجل فقال: والله ما الله أردت بها، ولكن ليقال قام فقال، فعوقب فصبر، وأهون بها لو كانت العقوبة وأنا أنذركم أيها الناس أختها، فإن الموعظة علينا نزلت وفينا نبتت، ثم رجع إلى موضعه من الخطبة" أ. هـ.
قلت: فها هو المنصور حينما قدر على الارتجال استطاع أن يأتي بهذا النوع من الكلام المسكت. بخلاف الخطابة من الورق لأنها تعد من قبل، ولا يزل عنها الخطيب قيد أنملة ؛ فلم يكن فيها ما يدل على الملكة الآنية، بل إن بعض أهل العلم يجعلها نوعاً من المعايب إلى عهد ليس بالبعيد.
كما ذكر ذلك الشيخ علي محفوظ عضو جماعة كبار العلماء بالأزهر والمتوفى سنة ١٣٦١هـ؛ فقد قال في كتابه " الإبداع في مضار الابتداع " ما حاصله: "أما ما يقع من بعض العامة حين نزول الخطيب من على المنبر من التمسح بكتفه وظهره فمما لا أصل له، وكذلك البيارق التي تنصب على جانبي المنبر يستتر بهذه البيارق؛ لأنه والستارة التي تسبل على بابه، وبعض الخطباء لسوء حفظه يقرأ الخطبة في الورق، وبذلك يضيع أثر الخطبة في نفوس السامعين" اهـ.
قلت: بيد أن الأمور في هذا العصر قد اختلفت، فقد ضعفت اللغة لدى كثير من الناس، وقل الاعتياد على الارتجال في الخطب في كثير من الأصقاع حتى اختلفت أعراف الخطباء في ذلك، فصار كثير منهم لا يرتجلون إما رغبة منهم، أو من باب عدم القدرة. ولكن لسائل أن يسأل: أيهما أفضل ؟ الارتجال أم الخطبة بالقراءة من الورق؟.
فالجواب: هو أنه لاشك في أن الارتجال هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه رضي الله عنهم ومن جاء من بعدهم.ولكن هل فعله صلى الله عليه وسلم هذا للتعبد أم أنه فعل جبلي؟
الذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أنه فعل جبلي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً. ولكن قد يشكل على هذا فعل الصحابة رضي الله عنهم حيث إن بعضهم كانوا يرتجلون مع علمهم بالقراءة والكتابة.
ولعل من المناسب هنا أن أقول: ينبغي أن ينظر في المسالة: فإن كان الخطيب ممن لديه ملكة الارتجال، بحيث يجيد مخارج الحروف مع إعرابها خالية من اللحن والتلعثم، والكلام المكرر، أو أن يرتج عليه كثيراً بحيث تفقد هيبة الخطيب والخطبة، فإن الارتجال هنا أفضل وأكمل.
وأما إن كان الأمر غير ذلك، فإن الخطابة بالورق أكثر نفعا، بحيث لا يخرج الخطيب عن الموضوع أو ينسى أو يزل أو يلحن. ولعل الأمر في ذلك واسع والله الموفق.
قال ابن مفلح: قال أبو المعالي وابن عقيل: ولمن لا يحسن الخطبة قراءتها من صحيفة. قال: كالقراءة في الصلاة لمن لا يحسن القراءة في المصحف. كذا قال.
وسبق أن المذهب لا بأس بالقراءة في المصحف. قال جماعة: وكالقراءة الخطبة.
عاشراً: إذا كان الخطيب يقول في خطبته ما هو كذب أو ظلم
هذه المسألة مهمة جداً، قلما يتفطن لها عدد من الخطباء، وذلك من خلال عرض بعض المقدمات الفاسدة والقضايا الكاذبة أثناء الخطبة، وقد يكون ذلك من باب قصد الكذب - وهو قليل - وقد يكون من باب جهل القائل، أو التلبيس عليه، أو الاجتهاد الخاطئ الذي يسوغ له قوله هذا.
وقد أشار بعض أهل العلم إلى شيء من ذلك، كما في رواية ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن حماد قال: قلت لإبراهيم: "إن الكتب تجيء من قبل قتيبة فيها الباطل والكذب، فإذا أردت أكلم صاحبي أو أنصت ؟ قال: لا، بل أنصت ـ يعني في الجمعة". اه.
ومعنى هذا أن الخطيب في زمن قتيبة بن مسلم يقرأ صحفاً فيها شيء من الكذب والباطل. قال النووي: "ويكره المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم، وكذبهم في كثير من ذلك ... الخ . اهـ
قلت: هذا إثبات احتمال وقوع الكذب، بل وقوعه من قبل بعض الخطباء من خلال قول النووي هذا.
ويؤيده قول الحافظ ابن حجر: "واختلف السلف إذا خطب - أي الخطيبـ بما لا ينبغي من القول .اهـ
فدل على أن من الخطباء من قد يقول ما هو باطل أو كذب في خطبهم.
وقد وجه الحافظ ابن حجر فعل مروان بن الحكم حين قدم خطبة العيد على الصلاة، بأن قصده مراعاة مصلحته في إسماعهم الخطبة؛ لأنهم كانوا في زمنه يتعمدون ترك سماع خطبته؛ لما فيها من سب من لا يستحق السب، والإفراط في مدح بعض الناس" اهـ
قال الكاساني:" وإنما أحدث بنو أمية الخطبة - أي العيدين ـ قبل الصلاة؛ لأنهم كانوا يتكلمون في خطبتهم بما لا يحل، وكان الناس لا يجلسون بعد الصلاة لسماعها، فأحدثوها قبل الصلاة ليسمعها الناس "اهـ
وقد نقل ابن مفلح عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله: قال الإمام أحمد رحمه الله: "أكذب الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم السؤال والقصاص، فيجب منع من يكذب مطلقاً، فكيف إذا كان يكذب ويسأل ويتخطى؟ وكيف من يكذب على رؤوس الناس في مثل يوم الجمعة ؟ فنهي من يكذب من أعظم الواجبات، بل وينهى من روى ما لا يعرف أصدق هو أم كذب ؟ اهـ
وقال الشيخ عبدالله أبو بطين: "خلاف ما في بعض الخطب من الثناء والمدح بالكذب، وولي الأمر يدعى له، ولا يمدح لاسيما بما ليس فيه... الخ اهـ
قلت: ويشتد الأمر في هذه المسألة إذا غلب على طبع بعض الخطباء جانب القصص، حيث إنها مظنة الخلط بين الكذب والصدق، والحق والباطل، والصحيح والضعيف من الأحاديث. ولذلك جعل ابن مفلح في كتابه "الآداب الشرعية" فصلاً كاملاً عن وعظ القصاص وضررهم وكذبهم، وقد ذكر في هذا الفصل قول الإمام أحمد: ما أحوج الناس إلى قاص صدوق.
وفي رواية إسحاق بن إبراهيم عن أحمد قوله عن القصاص: عامة ما يتحدثون به كذب. وفي رواية أبي الحارث قوله: أكذب الناس القصاص والسؤال". اهـ.
وروى أبو داود وأحمد عن عوف بن مالك الأشجعي مرفوعاً: "لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال".
قال ابن الأثير في النهاية:" أي لا ينبغي ذلك إلا لأمير يعظ الناس ويخبرهم بما مضى ليعتبروا، أو مأمور بذلك، فيكون حكمه حكم الأمير، ولا يقص تكسباً، أو يكون القاص مختالاً يفعل ذلك تكبراً على الناس، أو مرائياً يرائي الناس بقوله وعمله، لا يكون وعظه وكلامه حقيقة. وقيل: أراد الخطبة؛ لأن الأمراء كانوا يلونها في الأول ويعظون الناس فيها، ويقصون عليهم أخبار الأمم السالفة" اهـ.
ويحسن بي هنا أن أورد كلاما جميلاً لابن مهدي المقبلي أنقله هنا للفائدة والاتعاظ المكملين للبحث الممتع في هذا الكتاب.
يقول المقبلي: "أما ما ذكر عن الناصر ـ قدس الله روحه ـ من وقوع الكذب من خطيبهم، وكذلك عن أكابر من أهل البيت، فالظاهر -فيما نظن -أنهم أرادوا أنه كحضور الصلاة مع وجود منكرات عارضة مستمرة، كتقول الخطيب على الله أنه ارتضى الجائر ـ يعني الحاكم الجائر- فيكون ذلك كسائر البدع والمنكرات التي قل ما يخلو منها محل، وإن تفاوتت كتفاوت ما بين السماء والأرض، لكنها اشتركت في كونها بدعة أو منكراً، وقد ابتلي الناس بها في القديم والحديث، وهذه هي الفتنة التي تركت الحليم حيران، والله المستعان .اهـ
ويقول ايضاً في موضع آخر:" وأما ذكر الخلفاء ـ أي في الخطبة -عدلهم وجائرهم، فما هو إلا بدعة، والتعلق بالعوائد الذي لا شاهد لأهلها، ولا صدرت عن محلها، إنما من أرباب الملوك، وخطباء السوء، وعلماء الحطام، فليس فيها متشبث للمتقي، كيف وأكثر ما يجري منها الكذب والزور كما تمجدهم، ومن هو أعلى درجة كالمفتين والقضاة يحكمون لسلطان جهتهم بوجوب المقاتلة معه لسلطان آخر من المسلمين، وعلماء الآخر يفعلون ذلك خلفاً عن سلف، إلا الغراب الأبقع، فهل يتعلق بفعلهم وعادتهم منصف لنفسه ولربه ؟ فعبارتهم بقولهم (عادة المسلمين) كلمة يخف لها من لم يكن من الاستدلال بورد ولا صدر". أ.هـ.
حادي عشر: إذا كان الخطيب مبتدعاً فما حكم الصلاة خلفه
قال في نهاية المحتاج: ويحرم على الإمام كما قاله الماوردي نصب الفاسق إماماً في الصلوات؛ لأنه مأمور بمراعاة المصالح، وليس منها أن يوقع الناس في صلاة مكروهة". اهـ
وقد اتفق أهل العلم على أنه لا تجوز الصلاة خلف الكافر، ولا خلف المبتدع الذي يكفر ببدعته، ثم اختلفوا في حكم إعادة الصلاة، والصحيح في ذلك وجوب الإعادة كما ذكر ذلك النووي، وابن قدامة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم.
وأما إذا كان الخطيب مبتدعاً بدعة لا تخرجه من الملة، فإليك أقوال أهل العلم في هذه المسألة:
قال الشافعي رحمه الله: ومن صلى صلاة من بالغ مسلم يقيم الصلاة أجزأته ومن خلفه صلاتهم، وإن كان غير محمود الحال في دينه، أي غاية بلغ يخالف الحمد في الدين، وقد صلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلف من لا يحمدون فعالة من السلطان وغيره".اهـ
قال الماوردي معلقاً على كلام الشافعي السابق: وهذا صحيح، وقد نص الكلام عليه، وذكرنا أن من ائتم بفاسق لم يعد أجزأته صلاته إذا لم يخرج نفسه من الملة ...؛ ولأن كل من صحت إمامته في النافلة صحت في الفريضة كالعدل.
وروى جعفر بن محمد أنه قيل له: أكان الحسن والحسين إذا صليا خلف مروان بن الحكم يعيدان الصلاة ؟ فقال: لا، ما كانا يزيدان على الصلاة معه غير النوافل . اهـ
وروى النسائي -بسنده -عن أبي العالية البراء قال: أخر زياد الصلاة فأتاني ابن صامت فألقيت له كرسياً فجلس عليه، فذكرت له صنع زياد فعض على شفتيه وضرب على فخذي وقال: إني سألت أبا ذر كما سألتني فخذك، وقال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك، فقال عليه الصلاة والسلام: (صل الصلاة لوقتها، فإن ادركت معهم فصل، ولا تقل إني صليت فلا أصلي).
وقد روى البيهقي في باب الصلاة خلف من لا يحمد فعله بسنده عن عبدالكريم البكاء قال: "أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يصلي خلف أثمة الجور".
وقد بوب ابن المنذر في كتابه الأوسط بابا فقال: ذكر وجوب حضور الجمعة مع الأثمة الجور والصلاة خلفهم، ثم قال: قال جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الجمعة: 9)، فظاهر هذه الآية توجب السعي إذا نودي للصلاة من يوم كل وقت وزمان، ليس لأحد أن يستثني وقتا دون وقت، ولا إماماً دون إمام إلا بحجة، وقال عثمان بن عفان وهو محصور: إن الصلاة من أحسن ما عمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن، وإذا أساءوا فلا تسئ.
وقال أبو عبيد: شهدت العيد مع علي وعثمان محصور، واعتزل ابن عمر منى في قتال ابن الزبير، فصلى مع الحجاج، وقال ابن عمر: الصلاة حسنة لا أبالي من يشاركني فيها. والأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن التابعين في هذا الباب تكثر" .اهـ
وقال النووي: ولم يزل السلف والخلف يرون الصلاة وراء المعتزلة ومناكحتهم، وموارثتهم، وإجراء سائر الأحكام عليهم ... قال ابن المنذر: أجاز الشافعي الصلاة خلف من أقامها ـ يعني من أهل البدع -وإن كان غير محمود في دينه، وأن حاله أبلغ في مخالفة حد الدين. هذا لفظه.
قال ابن المنذر: إن كفر ببدعة لم يجز الصلاة وراءه، وإلا فتجوز وغيره أولى " . اهـ
وقال في نهاية المحتاج: والعدل أولى بالإمامة من الفاسق... وإنما صحت -أي إمامة الفاسق - لخبر الشيخين أن ابن عمر كان يصلي خلف الحجاج، قال الإمام الشافعي: وكفى به فاسقاً. وتكره - أي الصلاة - خلفه وخلف مبتدع لا يكفر ببدعته ". اهـ
وقال ابن قدامة: فأما الجمع والأعياد فإنها تصلى خلف كل بر وفاجر.
وقد كان أحمد يشهدها مع المعتزلة، وكذلك العلماء الذين في عصره ... قال أحمد: أما الجمعة فينبغي شهودها، فإن كان الذي يصلي منهم أعاد، وروي عنه أنه قال: من أعاد فهو مبتدع. وهذا يدل بعمومه على أنها لا تعاد خلف فاسق ولا مبتدع؛ لأنها صلاة أمر بها، فلم تجب إعادتها كسائر الصلوات". اهـ.
قلت: وأما ما عدا الجمعة والأعياد فقد فرق ابن قدامة فيها بين من يظهر بدعته ويدعو إليها فعليه الإعادة، وبين من لم يظهر ذلك فلا إعادة على المؤتم به ... الخ أهـ.
وقال المرداوي: لو غلب الخوارج على بلد، فأقاموا فيه الجمعة، فنص أحمد على جواز اتباعهم. قاله ابن عقيل. قال القاضي: ولو قلنا: من شرطها الإمام، إذا كان خروجهم بتأويل سائغ. وقال ابن أبي موسى: إذا غلب الخارجي على بلد وصلى فيه الجمعة، أعيدت ظهراً. أ.هـ.
وذكر المرغيناني في البداية أن المذهب عند الحنفية هو صحة الصلاة خلف الفاسق مطلقاً. أ. هـ.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الصلاة خلف المبتدع، فأجاب قانلاً: ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق، وهو الإمام الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم. ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام براً كان أو فاجراً.
وقال شيخ الإسلام أيضاً: ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة ... فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج، وابن مسعود وغيره يصلون خلف الوليد ابن عقبة، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعا ثم قال: أزيدكم ؟ فقال ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة، ولهذا رفعوه إلى عثمان. وفي صحيح البخاري: "أن عثمان رضي الله عنه لما حصر صلى بالناس شخص فسأل سائل عثمان فقال: إنك إمام عامة وهذا الذى يصلي بالناس إمام فتنة؟ فقال: يا ابن أخي، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم، ومثل هذا كثير" أ. هـ.
وسئل أيضاً: عن خطيب قد حضر صلاة الجمعة فامتنعوا عن الصلاة خلفه لأجل بدعة فيه ... ؟
فأجاب: ليس لهم أن يمنعوا أحداً من صلاة العيد والجمعة وإن كان الإمام فاسقاً، وكذلك ليس لهم ترك الجمعة ونحوها لأجل فسق الإمام، بل عليهم فعل ذلك خلف الإمام وإن كان فاسقاً، وإن عطلوها لأجل فسق الإمام كانوا من أهل البدع، وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وغيرهما.
وإنما تنازع العلماء في الإمام إذا كان فاسقاً أو مبتدعاً وأمكن أن يصلي خلف عدل. فقيل: تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا. وهذا مذهب الشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين، وأبي حنيفة، وقيل: لا تصح خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل، وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد". والله أعلم. اه
قال أبو جعفر الطحاوي في معتقده: (ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم ) اهـ .
قلت: وقد شرح ابن أبي العز الحنفي هذا الكلام بنفس كلام شيخ الإسلام السابق فارجع إليه في شرحه للطحاوية، وقد روى ابن أبي شيبة بسنده عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يصلون مع المختار الجمعة ويحتسبون بها.
وروى بسنده أيضاً: أن أبا وائل جمع مع المختار . اهـ
ثاني عشر: إذا كان الخطيب من مذهب غير مذهب المأمومين
لقد تكلم بعض أهل العلم عن هذه المسألة في كتبهم، وأسهبوا في ذكرها مع نقل الأدلة وأقوال السلف في ذلك، ولعل من المناسب هنا أن أختصر ما ذكره أهل العلم في ذلك من خلال نقل كلام شيخ الإسلام حول هذه المسألة، فقد جمع فيها فأوعى حيث قال بعد سؤاله عن مثل هذا ؟ أي عن صلاة الرجل خلف إمام من مذهب غير مذهبه.
فأجاب بما حاصله: الحمد لله. نعم تجوز صلاة بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ومن بعدهم من الأئمة الأربعة، يصلي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها، ولم يقل أحد من السلف: إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأثمتها، وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم: منهم من يقرأ البسملة ومنهم من لا يقرؤها، ومنهم من يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها، وكان منهم من يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ومنهم من لا يتوضأ من ذلك.. ومع هذا كان يصلي بعضهم خلف بعض مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سراً ولا جهراً، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ، فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد.
وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرعاف، فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك أ.هـ.
ثم قال أيضاً: وبالجملة فهذه المسائل لبا صورتان:
إحداهما: ألا يعرف المأموم أن إمامه فعل ما يبطل الصلاة، فهنا يصلي المأموم خلفه باتفاق السلف والأئمة الأربعة وغيرهم. وليس في هذا خلاف متقدم، وإنما خالف بعض المتعصبين من المتأخرين فزعم أن الصلاة خلف الحنفي لا تصح وإن أتى بالواجبات، لأنه أداها وهو لا يعتقد وجوبها .. ولهذا لا يعتد بخلاف مثل هذا فإنه ليس من أهل الاجتهاد.
الصورة الثانية: أن يتيقن المأموم أن الإمام فعل ما لا يسوغ عنده، مثل أن يمس ذكره، أو النساء بشهوة، أو يحتجم أو يفتصد، أو يتقيأ، ثم يصلي بلا وضوء، فهذه الصورة فيها نزاع مشهور:
فأحد القولين: لا تصح صلاة المأموم، لأنه يعتقد بطلان صلاة إمامه كما قال ذلك من قاله من أصحاب أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد.
والقول الثاني: تصح صلاة المأموم، وهو قول جمهور السلف وهو مذهب مالك، وهو القول الآخر في مذهب الشافعي وأحمد بل وأبي حنيفة، وأكثر نصوص أحمد على هذا، وهذا هو الصواب لما ثبت في "الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم) أ. هـ.
ثالث عشر: حكم التعريض بالأمير أو السلطان في الخطبة
إن من المقرر عند أهل السنة والجماعة السمع والطاعة لولاة الأمر الشرعيين المبايعين بالبيعة الشرعية وإن جاروا وظلموا، أو كذبوا وفجروا، كما أنه يجب إجلالهم وتقديرهم والدعاء لهم، وإن وجد منهم فسق ظاهر، ولذلك حرم الخروج عليهم وقتالهم كما ذكر ذلك كثير من أهل العلم، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: "والأئمة لا يقاتلون بمجرد الفسق، وإن كان الواحد المقدور قد يقتل لبعض أنواع الفسق كالزنا وغيره. فليس كل ما جاز فيه القتل جاز أن يقاتل الأئمة لفعلهم إياه، إذ فساد القتال أعظم من فساد كبيرة يرتكبها ولي الأمر، ولهذا نص من نص من أصحاب أحمد وغيره على أن النافلة تصلى خلف الفساق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها، وهؤلاء الأثمة فساق وقد أمر بفعلها خلفهم نافلة.اهـ
قلت: ويقال مثل ذلك في كل ما من شأنه إثارة الفتنة، وبعث ما لا تحمد عقباه، وإذكاء ما مفسدته أرجح من مصلحته، فضلا عما جاء من النهي عن سب الأمير والإنكار عليه علناً، ففي المصنف لابن أبي شيبة قال طاوس: قلت لابن عباس: أنهى أميري عن معصية ؟ قال: لا، تكون فتنة؟ قال: قلت: فإن أمرني بمعصية ؟ قال: "فحينثذ".
وروى الترمذي عن زياد بن كسيب العدوي قال: كنت مع أبي بكرة تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق. فقال أبو بكرة: اسكت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله).
وقال الحافظ ابن حجر معلقا على حديث علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟" وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان "اه.ـ
وقال الشوكاني رحمه الله: ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام في بعض المسائل أن ينصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد، بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده ويخلو به ويبذل له النصيحة، ولا يذل سلطان الله". اهـ
قلتُ: يشير الشوكاني رحمه الله إلى ما رواه ابن أبي عاصم في السنة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أراد أن ينصح لذي سلطان في أمر فلا يبده علانية، ولكن لياخذ بيده فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له.
ويدل لذلك ما رواه البخاري ومسلم عن الأعمش قال: سمعت أبا وائل قال: قيل لأسامة: ألا تكلم هذا ؟ وفي لفظ لمسلم: "ألا تدخل على عثمان"، قال: قد كلمته دون أن أفتح باباً أكون أول من يفتحه، وما أنا بالذي أقول لرجل ـ بعد أن يكون أميراً على رجلين - أنت خير .... الحديث".
قال الحافظ ابن حجر: قال المهلب: أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان وكان من خاصته وممن يخف عليه في شأن الوليد بن عقبة؛ لأنه كان ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره، وكان أخا لعثمان لأمه وكان يستعمله. فقال أسامة: قد كلمته سراً دون أن أفتح باباً، أي باب الإنكار على الأئمة علانية ؛ خشية أن تفترق الكلمة، ثم عرفهم أنه لا يداهن أحداً ولو كان أميراً، بل ينصح له في السر جهده"أ. هـ.
وقال القاضي عياض: "مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك، بل يتلطف به وينصحه سرا فذلك أجدر بالقبول" .اهـ
قلت: وهذا الأمر بعدم الإنكار علانية ليس من باب المداهنة، وإنما هو من باب المداراة، فقد قال الحافظ: قيه ذم مداهنة الأمراء في الحق وإظهار ما يبطن خلافه كما المتملق بالباطل، وضابط المداراة ألا يكون فيها قدح في الدين، والمداهنة المذمومة أن يكون فيها تزيين القبيح وتصويب الباطل ونحو ذلك". اهـ.
وقال أيضاً: وفي الحديث تعظيم الأمراء والأدب معهم، وتبليغهم ما يقول الناس فيهم؛ ليكفوا ويأخذوا حذرهم بلطف وحسن تأدية، بحيث يبلغ المقصود من غير أذية للغير"أ. هـ.
ونقل ابن عبدالبر عن أيوب بن القرية قال: "أحق الناس بالإجلال ثلاثة: العلماء، والإخوان، والسلطان، فمن استخف بالعلماء أفسد مروءته، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخف بأحد" أ. هـ.
وقال العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية: "ونصيحة الأمير والمأمور بالسر، وبنية خالصة تعرف فيها النتيجة النافعة للإسلام والمسلمين .... بل في السر قم بواجب النصيحة، وفي العلانية أظهر وصرح ما أوجب الله من حق الإمارة والسمع والطاعة لها، وأنها لم تأت لجباية أموال وظلم دماء وأعراض من المسلمين ، ولا يظهر عليك عند الرعية ولا سيما المتظلمين بالباطل عتبك على الأمير وانتقاده إياه، لأن ذلك غير نافع الرعية بشيء" أهـ
وقال سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخوض في الذي يضر ولا ينفع ، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير، وإنكار المنكر من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذكر أن فلانا يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم" أ. هـ.
قلت: وحاصل ما مضى ذكره تتضح أهمية معرفة هذا الأمر، وأنه باب عظيم ينبغي أن يتنبه إليه الخطباء، وأن يراعوا أصل المسألة في ذلك. والله المستعان.
رابع عشر: الدعاء للسلطان في الخطبة
الدعاء للسلطان أو ولاة أمور المسلمين مسألة لا تخلو من حيث القسمة من حالين:
الحال الأولى: أن يدعى له مطلقاً دون تقييد خطبة أو نحوها.
أما الحال الثانية: فهي أن يُدعى له حال الخطبة.
فأما الحال الأولى:
فإن من اعتقاد أهل السنة والجماعة: طاعة ولاة الأمر بالمعروف، وأن ذلك فريضة ما لم يأمروا بمعصية، والدعاء لهم بالصلاح والتوفيق للخير والسداد.
يقول الطحاوي رحمه الله في متنه في الاعتقاد عن الأئمة والولاة: (ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة... الخ" أ. هـ.
قال بعض أهل العلم: "وأما الدعاء مطلقاً لولي أمر المسلمين منهم فهو مستحب". ومن ذلك ما ثبت عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: "لو أن لنا دعوة مستجابة ما صيرناها إلا للإمام" ونسب بعض أهل العلم ذلك للإمام أحمد أيضاً -كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره.
وفي كتاب " السنة " للخلال بسنده عن الإمام أحمد: "وإني لأدعو له - الإمام - بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار والتأييد، وأرى ذلك واجباً علي" أ.هـ.
وقد ذكر أبو عبدالله الإمام أحمد -رحمه الله -الخليفة المتوكل رحمه الله -فقال: "إني لأدعو له بالصلاح والعافية" أ. هـ.
وقد ثبت عنه أيضاً أنه دعا للمتوكل وقال: "أيده الله" ثم قال: "وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين أعزه الله بتأييده، ثم قال: فأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن يتم ذلك لأمير المؤمنين أدام الله عزه، وأن يزيد في نيته ويعينه على ما هو عليه".اهـ.
وأخرج البيهقي في الشعب حديث (الدين النصيحة..) الحديث: قال: قال أبو عثمان الزاهد:" فانصح للسلطان وأكثر من الدعاء له بالصلاح والرشاد بالقول والعمل والحكم، فإنهم إذا صلحوا صلح العباد بصلاحهم، وإياك أن تدعو عليهم باللعنة فيزدادوا شراً، ويزداد البلاء على المسلمين، ولكن ادع لهم بالتوبة فيتركوا الشر فيرتفع البلاء من المؤمنين ".
قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري: "وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله".
ويقول فضيل بن عياض: "لو كانت لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان قيل له: يا أبا على، فسر لنا هذا؟ قال: " إذا جعلتها في نفسي لم تتعدني، وإذا جعلتها في السلطان صلح بصلاحه العباد والبلاد". فأمرنا أن ندعوا لهم بالصلاح، ولم نؤمر أن ندعوا عليهم وإن ظلموا وإن جاروا، لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم، وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين".
وقال المناوي متحدثاً عن السلطان: " وقد حذر السلف من الدعاء عليه، فإنه يزداد شرا ويزداد البلاء على المسلمين".
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -في رسالته "الجواب الباهر في زوار المقابر" التي وجهها إلى السلطان فكان مما قال فيها: إني لما علمت مقصود ولي الأمر السلطان - أيده الله وسدده فيما رسم به... إلخ".
ثم قال أيضاً: "فأنا أعلم أن الحق ظاهر مثل الشمس يعرفه أقل غلمان السلطان الذي ما رئي في هذه الأزمان سلطان مثله -زاده الله علما وتسديداً وتأييداً... " أ. هـ.
ومن تتبع كلام أهل السنة والجماعة علم أن الدعاء مطلقا لولاة الأمر بالصلاح والبداية أمر مبذول ومطروق؛ لأن الدعوة بالصلاح للسلطان متعدية المصلحة حيث إنه إذا صلح، صلح بصلاحه العباد والبلاد، وما يستأنس به فيما يتعلق بالدعاء لولاة الأمر ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنوهم ويلعنونكم) الحديث رواه مسلم.
والمقصود بالصلاة هنا: (الدعاء) على أحد التفاسير هذا حاصل ما يخص الدعاء للسلطان مطلقا دون تقييد.
وأما الحال الثانية: تخص الدعاء للسلطان أثناء الخطبة، وهي التي تعنينا هنا، فللعلماء في ذلك آراء أسرد ما وقفت عليه منها وهي على ثلاثة آراء:
الرأي الأول:
وهم الذين منعوا من الدعاء للسلطان أثناء الخطبة دون غيرها وقالوا: "إن هذا محدث لا أصل له". ومن قال بذلك عطاء، كما روى الشافعي في الأم بسنده عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما الذي أرى الناس يدعون به في الخطبة يومئذ أبلغك عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا، إنما أحدث، إنما كانت الخطبة تذكيراً)
قال النووي عن رواية الشافعي هذه: إسنادها صحيح إلا عبد المجيد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وضعفه أبو حاتم الرازي والدارقطني" .اهـ
قال الشافعي في الأم: "فإن دعا لأحد بعينه أو على أحد كرهته، ولم تكن عليه إعادة" وقال البيهقي في "السنن الكبرى": "باب ما يكره من الدعاء لأحد بعينه أو على أحد بعينه في الخطبة"، ثم أورد أثر عطاء، ثم أسند عن ابن عون قال: "نبئت أن عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه كتب ألا يسمى أحد في الدعاء" أ.هـ.
وقال البغوى: "ولا يستحب الدعاء للوالي على التخصيص في الخطبة".
سئل عطاء عن ذلك فقال: "إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيراً". وقد استدل القاضي أبو يعلى على أنه لا يستحب بأثر عطاء السابق.
وقد ذكر الشاطبي في كتابه "الاعتصام" عن العز بن عبدالسلام: أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة... لم يكن عليه من تقدم... إلخ اهـ
قال الشيرازي صاحب المهذب: "وأما الدعاء للسلطان فلا يستحب -يعني في الجمعة - لما روي أنه سئل عطاء عن ذلك فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيراً".
وقال صاحب "الدر المختار" الحنفي: " ويندب ذكر الخلفاء الراشدين والعَمّين - يعني حمزة والعباس -لا الدعاء للسلطان، وجوزه القهستاني، ويكره تحريما وصفه بما ليس فيه".
وقال في"البحر الرائق" للحنفية: "إنه لا يستحب، واستدل بقول عطاء.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": وقد استثنى من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كلام لم يشرع في الخطبة مثل: الدعاء للسلطان مثلاً، بل جزم صاحب "التهذيب" بأن الدعاء للسلطان مكروه " أ. هـ.
واستثنى الحافظ ابن حجر ما إذا خشي الخطيب على نفسه فيباح له، وأما إذا لم يخف الضرر فلا" أ. هـ.
ونقل الفتوحي من الحنابلة عن القاضي أبي يعلى أنه قال عن الدعاء للسلطان: لا يستحب لأنه لم ينقل عن السلف". اهـ
وقال المقبلي: وأما ذكر الخلفاء عدلهم وجائرهم فما هو إلا بدعة، والتعلق بالعوائد الذي لا شاهد لأهلها، ولا صدرت عن محلها، إنما هي من أرباب الملوك وخطباء السوء، وعلماء الحطام، فليس فيها -للمتقي، كيف وأكثر ما يجري منها الكذب والزور كما تجدهم... الخ ". أ.هـ.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية: "وها هنا مسألة بحث: وهي الدعاء للسلطان، وتسميته في الخطبة. والمعول عليه منذ سنين أنه وإن كان مباحاً أصله، لكن له شرط، فتركه أولى" أ. هـ.
وقال الشيخ علي الطنطاوي: "و الدعاء للسلاطين بأسمائهم بدعة" . اه
الرأي الثاني: قد ذهب أصحاب هذا الرأي إلى المنع من المجازفة في وصف السلطان أثناء الدعاء له، ولم يمنعوا من مجرد الدعاء المقتصد الخالي من المجازفة في الوصف والثناء.
وقال ايضاً: "وما يكره للخطيب المجازفة في أوصاف السلاطين بالدعاء لهم". اهـ.
وقد ذهب الشيخ عبدالله أبو بطين أيضاً -إلى المنع من المجازفة في وصف السلطان وقال: "إنما يدعى له لا يمدح لا سيما بما ليس فيه ... " اهـ.
وقال الشيخ محمد رشيد رضا: "وكذلك الدعه لولي أمر المسلمين فهو ليس من أركان الخطبة ولا من سننها، ويراعى فيه أن لا يكون متضمناً لمنكر، إقرار الظلم أو الفسق ومدح أهلها، ولا لألفاظ من الإطراء في المدح والتعظيم الذي لا يليق أن يوجه إلا إلى الله تعالى". اهـ
وقال في موضع آخر: وما قصد الشارع قط أن تكون خطبة الجمعة قصيدة محشوة بألقاب الإطراء والتعظيم، وارتكاب الكذب على حد قولهم (أعذب الشعر أكذبه)، ولا دوراً أو موالاً يتوخى فيه حسن الإيقاع وموافقة أصول الأنغام، وتكون للأمة بمثابة (نشيد وطني) كما عند سائر الأمم" أ.هـ.
وقد ذكر الشيخ محمد أبو زهرة أن من الأشياء التي اشتهر بها خطباء بني أمية على وجه الذم والكراهة هي المبالغة والإغراق؛ لكثرة النفاق، والخداع والملق والمدح، فإن هذه الأمور يكون صوت الصدق فيها خافتاً، وصوت الكذب عالياً، و المبالغات والغلو ترد من أبواب الكذب، حيث تختفي الصراحة، هذا إلى أن تسابق الخطباء في مدح الخلفاء جعل كلا يجتهد في المعاني، والغوص فيها، ليصلوا إلى قصب السبق قبل غيرهم، وذلك يدفعهم حتماً إلى الإغراق.
اقرأ خطبة عمرو بن سعيد التي مدح فيها يزيد ابن معاوية عند العهد له، فقد جاء فيها: "أما بعد، فإن يزيد بن معاوية أملٌ تأملونه، وأجلٌ تأمنونه، إن استضفتم إلى حلمه وسعكم، وإن افتقرتم لذات يده أغناكم، جذع قارح سوبق فسبق، وموجد فمجد، وقورع ففاز سهمه، فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه" .اهـ
قلتُ: وقد يستأنس لأصحاب هذا الرأي بما رواه الترمذي في جامعه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحياء والعيُّ شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق). قال الترمذي عن البيان الذي في الحديث: "هو كثرة الكلام، مثل هؤلاء الخطباء الذين يخطبون فيتوسعون في الكلام، ويتصفحون فيه من مدح الناس فيما لا يرضي الله".اهـ.
الرأي الثالث: ذهب أصحاب هذا الرأي إلى الإذن بالدعاء للسلطان أثناء الخطبة، غير أنهم اختلفوا في عباراتهم حول هذه المسألة. فمنهم من عبر باستحسان ذلك، ومنهم من قال إنه يسن، ومنهم من عبر بالجواز ، بل إن بعضهم قد عبر بالوجوب كالقهستاني من الحنفية على ما سيأتي، مع أنهم كلهم متفقون على اشتراط أن يكون هذا الدعاء معتدلا وليس فيه مجازفة أو وصفه بما ليس فيه.
وإليك عبارات أهل العلم في هذا القول:
قال ابن قدامة:" وإن دعا لسلطان المسلمين بالصلاح فحسن. واستدل بدعاء أبي موسى الأشعري لأبي بكر وعمر أثناء الخطبة قلت: ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن فعل أبي موسى هذا رواه الطلمنكي من حديث ميمون بن مهران قال:"وهو من أشهر الأحاديث اهـ
قال ابن قدامة: ولأن سلطان المسلمين إذا صلح كان فيه صلاح لهم، ففي الدعاء له دعاء لهم، وذلك مستحب غير مكروه"، وقال أيضاً في معرض كلام له: "إن كان دعاء مشروعا كالدعاء للمؤمنين والمؤمنات والإمام العادل أنصت له، وإن كان لغيره لم يلزم الإنصات، لأنه لا حرمة لها".
وقال الفتوحي من الحنابلة عن الدعاء للسلطان: يسن؛ لأن صلاحه صلاح للمسلمين، ولأن أبا موسى الأشعري كان إذا خطب يدعو لعمر" أ. هـ.
وقال الحافظ العراقي متحدثا عن الدعاء للسلطان في خطبة الجمعة: إنما يدعى للسلطان بالصلاح والتوفيق وعز الإسلام به ، وقد كان يدعى للأئمة في زمن عمر رضي الله عنه.
وجوَّز الدعاء للسلطان في الخطبة القهستاني من الحنفية، وتبعه ابن عابدين في حاشيته، فقال هذا الكلام بتمامه: ثم يدعو لسلطان الزمان بالعدل والإحسان، متجتباً في مدحه عما قالوا إنه كفر وخسران، كما في الترغيب وغيره".
وقال أيضاً: "بل لا مانع من استحبابه فيها كما يدعى لعموم المسلمين، فإن في صلاحه صلاح العالم. وما في "البحر" من أنه محدث لا ينافيه، فإن سلطان هذا الزمان أحوج إلى الدعاء له ولأمرائه بالصلاح والنصر على الأعداء" أ. هـ.
وقال أيضاً: "فإن الدعاء للسلطان على المنابر قد صار الآن من شعار السلطنة، فمن تركه يخشى عليه، ولذا قال بعض العلماء: لو قيل: إن الدعاء له واجب لما في تركه من الفتنة غالبا لم يبعد، كما قيل به في قيام الناس بعضهم لبعض. والظاهر أن منع المتقدمين مبني على ما كان في زمانهم من المجازفة في وصفه، مثل السلطان العادل الأكرم شاهنشاه الأعظم مالك رقاب الأمم". أ. هـ.
قلت: ولذلك قال ابن نجيم: ومنهم من اختار التباعد حتى لا يسمع مدح الظلمة في الخطبة، ولهذا اختار بعضهم أن الخطيب ما دام في الحمد والمواعظ فعليهم الاستماع، فإذا أخذ في مدح الظلمة والثناء عليهم فلا بأس بالكلام حينئذ ويؤيد كلام ابن نجيم ما قاله ابن عابدين أيضاً بما نصه: قال في البزازية: فلذا كان أئمة خوارزم يتباعدون عن المحراب يوم العيد والجمعة".
وأعود إلى كلام ابن عابدين في الدعاء للسلطان حيث يقول: "وأما ما اعتيد في زماننا من الدعاء للسلاطين العثمانية أيدهم الله تعالى كسلطان البرين والبحرين وخادم الحرمين الشريفين، فلا مانع منه، والله تعالى أعلم " أ.هــ.
وقال شمس الدين الرملي من الشافعية: "بل يسن ولا بأس كما في الروضة والمجموع بالدعاء للسلطان بعينه إن لم يكن في وصفه مجازفة، وقال النووي في "المجموع": "وأما الدعاء للسلطان - يعني في الجمعة ـ فاتفق أصحابنا على أنه لا يجب ولا يستحب، وظاهر كلام المصنف وغيره: أنه بدعة إما مكروهة، وإما خلاف الأولى. هذا إذا دعا له بعينه، فأما الدعاء لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والإعانة على الحق والقيام بالعدل ونحو ذلك، ولجيوش الإسلام، فمستحب بالاتفاق.
والمختار أنه لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه إذا لم يكن مجازفة في وصفه ونحوها" والله أعلم. أ. هـ.
وقال صاحب حدائق الأزهار: "وندب في الأولى الوعظ وسورة، وفي الثانية الدعاء للإمام صريحا أو كناية ثم للمسلمين".
قال الشيخ عبدالله أبو بطين: الدعاء حسن، يدعى بأن الله ويسدده ويصلحه ويصلح به، وينصره على الكفار وأهل الفساد، بخلاف ما في بعض الخطب من الثناء والمدح بالكذب، وولي الأمر إنما يدعى له لا يمدح لاسيما بما ليس فيه، وهؤلاء الذين يمدحون في الخطب هم الذين أماتوا الدين، فمادحهم مخطئ، فليس في الولاة اليوم من يستحق المدح، ولا أن يثنى عليه، وإنما يدعى لهم بالتوفيق والهداية" أ. هـ.
وفي فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه:" الأفضل إذا دعا الخطيب أن يعم بدعوته حكام المسلمين ورعيتهم، وإذا خص إمام بلاده بالدعاء بالهداية والتوفيق فذلك حسن، لما في ذلك من المصلحة العامة للمسلمين إذا أجاب الله الدعاء" أ. هـ.
قلت: ولابن عابدين كلام جيد في توجيه كلام من منع الدعاء للسلطان من المتقدمين حيث قال: والظاهر أن منع المتقدمين مبني على ما كان من المجازفة في وصفه، مثل السلطان العادل الأكرم شاهنشاه الأعظم مالك رقاب الأمم"اهـ.
ويؤيد كلام ابن عابدين هذا ما جاء في "أصول الصفار" حيث سئل عن الخطباء الذين يخطبون على المنابر يوم الجمعة ما قالوا في ألقاب السلاطين: السلطان العادل الأعظم، شاهنشاه الأعظم، مالك رقاب الأمم.. الخ هل يجوز ذلك ؟ فقال: لا، لأن بعض ألفاظه كفر وبعضها كذب. وقال أبو منصور: من قال للسلطان الذي بعض أفعاله ظلم: عادل، فهو كافر. وأما شاهنشاه فهو من خصائص الله تعالى بدون وصف الأعظم لا يجوز وصف العباد به، وأما مالك رقاب الأمم فهو كذب"اهـ.
وقد تحدث الشيخ محمد أبو زهرة واصفاً بعض معايب الخطباء الأمويين فقال: "منها المبالغة والإغراق، لكثرة النفاق والخداع والملق والمدح، فإن هذه الأمور يكون صوت الصدق فيها خافتا، وصوت الكذب عاليا، والمبالغات والغلو ترد من أبواب الكذب، حيث تختفي الصراحة، هذا إلى أن تسابق الخطباء في مدح الخلفاء جعل كلا يجتهد في المعاني والغوص فيها، ليصلوا إلى قصب السبق قبل غيرهم وذلك يدفعهم حتماً إلى الإغراق" أهـ.
هذا حاصل ما وقفت عليه في هذا المسألة. والعلم عند الله تعالى.
قلت: ولعل الأمر في ذلك واسع فهو لا يخرج عن دائرة أهل السنة والجماعة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذكر الخلفاء في الخطبة: إنه ليس كل خطباء السنة يذكرون الخلفاء في الخطبة، بل كثير من خطباء السنة بالمغرب وغيره لا يذكرون أحدا من الخلفاء باسمه، وكان كثير من خطباء المغرب يذكرون أبا بكر وعمر وعثمان، فإن كان ذكر الخلفاء بأسماء حسناً فبعض أهل السنة يفعله، وإن لم يكن حسناً فبعض أهل السنة يتركه، فالحق على التقديرين لا يخرج عن أهل السنة". اهـ
قلت: وذكر السلاطين من باب أولى. والعلم عند الله تعالى.
خامس عشر: فائدة عن الدعاء للسلاطين ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية
فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" الكلام في ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر، في الدعاء لسلطان الوقت، ونحو ذلك: إذا تكلم في ذلك العلماء أهل العلم والدين، الذين يتكلمون بموجب الأدلة الشرعية، كان كلامهم في ذلك مقبولا، وكان للمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر على ما فعله من الخير، وخطؤه مغفور له" أهـ.
وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة شيخنا العلامة عبدالعزيز بن باز بما نصه: "هل يصح للخطيب أن يمدح سلطان البلد أثناء الخطبة ؟.
فأجابت اللجنة بما نصه: "الأصل في خطبة الجمعة تعليم أمور دينهم، ووعظهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتوجيههم إلى ما فيه مصلحتهم في الدنيا والآخرة. لكن إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما فيه من محاسن الإسلام درءاً لفتنة الخروج عليه، وترغيباً للناس في موالاته ولزوم الجماعة، وتشجيعا له على فعل الخير فلا حرج في ذلك، بل هو حسن" انتهى.
سادس عشر: هل يجوز أن يتولى الصلاة من لم يتولَّ الخطبة
السنة أن يتولى الصلاة من يتولى الخطبة، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتولاهما بنفسه، وكذلك خلفاؤه من بعده.
ولهذه المسألة صورتان عند أهل العلم:
الصورة الأولى: أن يخطب رجلٌ ويصلي آخر، فللإمام أحمد في هذه المسألة ثلاث روايات:
الرواية الأولى: جواز ذلك للعذر، نصَّ عليه لأنه إذا جاز الاستخلاف في الصلاة الواحدة، ففي الخطبة مع الصلاة أولى.
الرواية الثانية: أنه إذا لم يكن هناك عذرٌ؛ فقد قال أحمد: لا يعجبني من غير عذر، وهذا يحتمل المنع. لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتولاهما، وقد قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ولأن الخطبة أقيمت مقام ركعتين، ويحتمل الجواز؛ لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة فأشبهتا صلاتين.
والرواية الثالثة: أنه لا يجوز الاستخلاف لعذر ولا لغيره، لأن هذا لم ينقل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه، لكن الرواية الأولى، هي المقدمة في المذهب.
وبالجواز والصحة ذهب شيخنا العلامة محمد بن صالح العثيمين.
وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، لكنهم اختلفوا: هل يشترط أن يكون المصلي ممن حضر الخطبة أو لا؟ فيه روايتان عند الحنابلة:
إحداهما: أنه يشترط، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي وأبي ثور، وهو أحد القولين عند الشافعية، وهو المذهب لدى جمهورهم، لأمه إمام في الجمعة، فاشترط حضوره الخطبة كما لو لم يستخلف.
والرواية الثانية: أنه لا يشترط، وهو قول الأوزاعي والشافعي، لأنه ممن تنعقد به الجمعة، فجاز أن يؤم كما لو حضر الخطبة.
الصورة الثانية: أن يحدث الخطيب في الصلاة، ويستخلف من لم يحضر الخطبة.
فعند الحنفية والمالكية وهو قول الشافعي، وأصح الوجهين عند أصحابه، وأصح الروايتين عند الحنابلة أنها تصح وتكون جمعة، ولو لم يحضر المستخلف الخطبة، لأن تحريمة الأول انعقدت للجمعة لوجود شرطها وهو الخطبة.
هذا حاصل الكلام على هذه المسألة، والله أعلم.
تنبيه: قال شيخنا العلامة محمد بن عثيمين في "الشرح الممتع": هل يشترط أن يتولى الخطبة الواحدة واحد؟ أي: لو أن رجلاً خطب الخطبة الأولى في أولها، وفي أثنائها تذكر أنه على غير وضوء مثلاً فنزل، ثم قام آخر وأتم الخطبة، لم أر حتى الآن من تكلم عليها.
ولكنهم ذكروا في الأذان أنه لا يصح من رجلين أي: لا يصح أن يؤذن الإنسان أول الأذان، ثم يكمله الآخر؛ لأنه عبادة واحدة، فكما أنه لا يصح أن يصلي أحد ركعة، ويكمل الثاني الركعة الثانية، فكذلك لا يصح أن يؤذن شخص أول الأذان ويكمله آخر.
أما الخطبة فقد يقال: إنها كالأذان أي: لا بد أن يتولى الخطبة الواحدة واحد، فلا تصح من اثنين، سواء لعذر أو لغير عذر، فإن كان لغير عذر فالظاهر أن الأمر واضح؛ لأن هذا شيء من التلاعب.
وإذا كان لعذر مثل: أن يذكر الذي بدأ الخطبة أنه على غير وضوء، ثم ينزل ليتوضأ، فهنا نقول: الأحوط أن يبدأ الثاني الخطبة من جديد، حتى لا تكون عبادة واحدة من شخصين. أ هـ.
(والصواب أن في الأمر سعة، وإن كان الأفضل أن يكون الخطيب هو الإمام).
سابع عشر: إذا اجتمع عيد وكسوف، أو جمعة وكسوف
هناك أمران حول هذه المسألة:
الأمر الأول: قبل أن أذكر أقوال أهل العلم حول هذه المسألة، فإنني أود الإشارة إلى أمر مهم حولها، وهو: هل يمكن أن يجتمع عيد وكسوف أم لا؟
ذكر الشافعي -رحمه الله -ما يدل على أنه يرى إمكانية الجمع بين عيد وكسوف في كتابه "الأم". قلتُ: وقد عاب بعض أهل العلم على الشافعي قوله هذا.
فقد قال القرافي -رحمه الله في "الذخيرة": أن اجتماعهما محال عادة؛ فإن كسوف الشمس إنما يكسف بالقمر إذا حال بيننا وبينها في درجتها يوم تسع وعشرين، وعيد الفطر يكون بينهما نحو ثلاثة عشرة درجة منزلة، والأضحى يكون بينهما نحو مائة وثلاثين درجة وعشر منازل، نعم يمكن عقلاً أن يذهب ضوء الشمس بغير سبب أو بسبب غير القمر كحياة إنسان بعد قطع رأسه، أو إخلاء جوفه الكلام على مثل هذا منكر بين الفقهاء مع أن الشافعي وجماعة من العلماء تحدثوا فيه أ هـ.
وقد أشار الماوردي إلى ما عيب به على الشافعي، بقوله: فإن قيل: تصور الشافعي اجتماع الخسوف والعيد محال، لأن العيد إما أن يكون في أول للشهر إن كان فطراً، أو في العاشر إن كان نحراً، والخسوف إما أن يكون في الثامن والعشرين إن كان للشمس، وفي الرابع عشر إن كان للقمر، فاستحال اجتماع الخسوف والعيد. أهـ.
ثم أجاب الماوردي في الحاوي الكبير على هذه الأسئلة بثلاثة أجوبة:
الأول: أن الشافعي لم يكن غرضه في هذا تصحيح وقوعه، وإنما كان غرضه الكشف عن معاني الأحكام بإيقاع التفريع في المسائل ليتضح المعنى، ويتسع الفهم، وبذلك جرت عادة العلماء في تفريع المسائل، حتى قالوا في الفرائض مائة جدة وخمسون أختاً، وإن كان وجود ذلك مستحيلاً.
الثاني: أن الشافعي تكلم على ما يقتضيه قول أهل النجوم الذي لا يسوغ قبول قولهم، وقد نقل الواقدي وأهل السير أن الشمس خسفت في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم، وكان اليوم العاشر من الشهر، وروى ذلك علقمة عن ابن مسعود.. الخ.
الثالث: أنه وإن كانت العادة فيما ذكروا، فقد ينتفض عند قيام الساعة ووجود أشراطها، فييّن الحكم فيها قبل وجودها أهـ باختصار.
وقال الفقيه ابن الحاجب المالكي: واعترض على من قدر اجتماع عيد وكسوف باستحالته عادةً، وأجيب بأن المقصود ما يقتضيه الفقه بتقدير الوقوع، ورده المازري بأن تقدير خوارق العادات ليس من دأب الفقهاء. أهـ.
وقد أشار ابن مفلح إلى هذه المسألة، واختار عدم إمكانية الجمع بين الكسوف والعيد، وذكر أن هذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ثم قال: ورد بوقوعه في غيره، فذكر أبو شامة الشافعي في تاريخه أن القمر خسف ليلة السادس عشر من جمادى الآخرة سنة 654 هـ، وكسفت الشمس في غده، والله على كل شيء قدير.
قال: واتضح بذلك ما صوره الشافعي من اجتماع الكسوف والعيد، واستبعده أهل النجامة، هذا كلامه، وكسفت الشمس يوم موت إبراهيم عاشر شهر ربيع الأول، قاله غير واحد، وذكره بعض أصحابنا اتفاقاً. قال في "ألفصول": لا يختلف النقل في ذلك، نقله الواقدي، والزبيري، وأن الفقهاء فرعوا وبنوا على ذلك إذا اتفق عيد وكسوف.
هذا هو حاصل القول من الأمر الأول.
الأمر الثاني: أقوال الفقهاء عن مسألة اجتماع عيد وكسوف وجمعة:
قال ابن الحاجب المالكي: إذا اجتمعت مع فرض، فالفرض أي يُقدم، إن خيف فواته أهـ. وقال القرافي: "إذا اجتمع عيد وكسوف قُدّم الكسوف" أهـ.
وقال الشافعي في "الأم: "وإن كسفت الشمس يوم جمعة، ووافق ذلك يوم الفطر بدأ بصلاة العيد، ثم صلى الكسوف إن لم تنجل الشمس قبل أن يدخل في الصلاة".
قال: وإذا كسفت الشمس والإمام في صلاة العيد أو بعده قبل أن يخطب صلى صلاة الكسوف ثم خطب للعيد والكسوف معاً خطبتين يجمع الكلام للكسوف، وللعيد فيهما.
وقال أيضاً: وإن اتفق العيد، والكسوف في ساعة صلى الكسوف قبل العيد؛ لأن وقت العيد إلى الزوال، ووقت الكسوف ذهاب الكسوف أهـ.
وقال في موضع آخر من "الأم": وإن كسفت الشمس في وقت الجمعة بدأ بصلاة كسوف الشمس، وخفف فيها فقرأ في كل واحدة من الركعتين اللتين في الركعة بأم القرآن، وسورة {قل هو الله أحد} (الإخلاص)، وما أشبهها ثم خطب في الجمعة، وذكر الكسوف في خطبة الجمعة أهـ.
ثم قال كلاماً يجمع هذه الأمور كلها في قاعدة عامة، فقال: إذا اجتمع أمران يخاف أبدا فوت أحدهما، ولا يخاف فوت الآخر بدأ بالذي يخاف فوته ثم رجع إلى الذي لا يخاف فوته. أهـ. ويمثل قول الشافعي قال الماوردي.
وقال ابن قدامة في"المغني": إذا اجتمع صلاتان، كالكسوف مع غيره من الجمعة، أو العيد، أو صلاة مكتوبة، أو الوتر، بدأ بأخوفهما فوتاً، فإن خيف فوتهما بدأ بالصلاة الواجبة، وإن لم يكن فيهما واجبة كالكسوف والوتر أو التراويح، بدأ بآكدهما، كالكسوف مع الوتر، بدأ بالكسوف؛ لأنه آكد" أهـ
وقال ابن مفلح: يقدم أي الكسوف على الجمعة، إن أمن فوتها، أو لم يشرع في خطبتها، وكذا على العيد والمكتوبة في الأصح اهـ.
هذا هو حاصل كلام أهل العلم حول المسألة. وفي كلام ابن قدامة تصوير للمسألة على هيئة التقعيد، وله حظٌّ من النظر، فيبدأ أولاً بما يخاف فوته، ثم يقدم الواجبة إن خاف فواتها، ثم يبدأ بآكدها إذا لم يكونا واجبتين ككسوف واستسقاء، أو عيد على رأي من لا يقول بوجوب العيد، والعلم عند الله تعالى.
ثامن عشر: بعض ما قيل إنه مكروه أو من البدع في الخطب
هناك من تكلم من أهل العلم حول بعض الأمور التي يقع فيها بعض الخطباء في خطبهم في القديم والحديث، وقد وقع نظري على جملة منها، رأيتُ من المناسب أن أوردها هنا للفائدة، غير أن هذا الإيراد ليس دلسلاً على أني أقول بها أو ببعضها، ولكن ذلك من تمام الفائدة، ومزيد الاطلاع، ومن ذلك:
1-كراهة خروج الخطيب ومعه شاويش يصيح بين يديه: أو أن يلبس طيلساناً، أو طرحةً، أو سواداً، أو أن يدعو على المنبر وهو مستقبل القبلة، ذكر ذلك ابن القيم في "زاد المعاد".
2-كراهية سلام الخطيب على المأمومين، وهو على المنبر بعد أن يكون قد سلم بعد دخوله المسجد. قال بذلك: الحنفية والمالكية، خلاف الجمهور الذين هم أحظُّ بالدليل، وقد سبق ذكر ذلك.
3-دق الخطيب بالسيف أو العصا على درج المنبر في صعوده، وهذا قال عنه النووي: "باطلٌ لا أصل له، وبدعة قبيحة"، وأفتت اللجنة الدائمة للإفتاء ببدعيته.
4- دعاء الخطيب إذا انتهى صعوده على المنبر قبل جلوسه، وربما توهم بعض جهلتهم أنها ساعة إجابة الدعاء، وذلك خطأ، وإنما ساعة إجابة الدعاء بعد جلوسه.. ذكره النووي.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى": "وأما دعاء الإمام بعد صعوده ورفع المؤذنين أصواتهم بالصلاة فهذا لم يذكره العلماء وإنما يفعله من يفعله بلا أصل شرعي".
وزاد الشيخ بكر أبو زيد في "تصحيح الدعاء": دعاء الخطيب عند أسفل المنبر، وحال الجلوس عليه.
5-الالتفات يميناً وشكمالاً في الخطبة عند الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أو في غيرها، قاله صاحب الحاوي والنووي، وابن رجب، وابن عابدين، وقالوا: هو معدود في البدع المنكرة. وقال الشيخ بكر أبو زيد في "تصحيح الدعاء": الالتفات في الخطبة لا يشرع.
6-الدعاء للسطان، ذكره عطاء بن أبي رباح، والشافعي، والبيهقي، والعز بن عبد السلام، والشيرازي، والنووي، والحافظ ابن حجر، وغيرهم على أنه مُحدث.
7-القنوت للنوازل في الجمعة، ذكره عبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة كذلك عن إبراهيم، بقوله: والقنوت في الجمعة بدعة. وروى ابن أبي شيبة عن طاوس، قال: القنوت يوم الجمعة بدعة. وأخرج أيضاً -عن مكحول، أنه كان يكره القنوت يوم الجمعة.
8-ما قاله النووي -رحمه الله -أنه يكره في الخطبة أشياء، ذكر منها: المجازفي في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم، وكذبهم في كثير من ذلك؛ كقولهم: السلطان العالم العادل، ونحوه. ذكره صاحب الفتاوي التاتارخانية وابن عابدين.
9-المبالغة في الإسراع في الخطبة الثانية، وخفض الصوت بها، ذكرها النووي في المكروهات في الخطبة.
10-قول الخطيب: "من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى" بالتشريك بين ضمير الله وضمير رسوله. ذكر ذلك الشافعي وجعله من مكروهات الكلام في الخطبة.
11-الزيادة في الخطبة على الحمد والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم والعظة والقراءة، فمن زاد على ذلك فقد كرهه الشافعي -رحمه الله.
-كلام الإمام أثناء الخطبة فيما لا يعنيه، ولا يعني الناس، أو بما يقبح من الكلام، فقد كرهه الشافعي كذلك.
13-أمرالخطيب المأمومين بالصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال الشيخ صالح الفوزان: هذا جهل وابتداع لا يجوز فعله. (والصواب: أنه لا بأس به).
14-إطالة الخطبة وسوء الأدب فيها أو في الخطيب نفسه مما كرهه الشافعي رحمه الله. وقد حرّم ابن حزمٍ على الخطيب إطالة الخطبة.
15-التزام الخطيب افتتاح خطب الجمعة بخطبة الحاجة، ذكر ذلك الشيخ بكر أبو زيد (والراجح أنه لا حرج في ذلك).
16-عدم حسن الهيئة للخطيب في لباسه وطيبه، ونحو ذلك مما كرهه الشافعي أيضاً.
17-كراهة الكلمات المشتركة في الخطبة، والبعيدة عن الأفهام وما تنكره عقول الحاضرين، ذكر ذلك النووي في المجموع.
18-استدبار الخطيب للمأمومين، واستقباله القبلة حال الخطبة، كرهه جماعة من أهل العلم كالشافعي وابن قدامة والثوري.
19-كراهية كلام الخطيب حال الخطبة في غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذكر ذلك الحنفية.
20-قراءة الخطيب في صلاة الجمعة آيات تناسب موضوع الخطبة، ذكر هذا الشيخ بكر أبو زيد، وقال: التزام ذلك بدعة (والصواب أنه ليس بدعة).
21-كراهة تخطي الخطيب رقاب الناس من غير حاجة، ذكر ذلك الشافعي وابن قدامة والنووي وغيرهم.
22-ما يفعله بعض الخطباء من التباطؤ حين صعوده المنبر. قال جمال الدين القاسمي: نقلاً عن أبي شامة في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث": وَمن الْبدع المشعرة بِأَنَّهَا من السّنَن بعمومها وشهرتها واستدامة مبتدعيها لفعلها مَا يَفْعَله عوام الخطباء وَشبه الْعَوام مِمَّن يدعى الْعلم مِنْهُم من أُمُور نذكرها.. وَمِنْهَا تباطؤه فِي الطُّلُوع".
23-مغايرة الخطيب صوته أثناء الخطبة عند تلاوة آيات من القرآن بحيث يتغنى بها على خلاف نسق صوته في بقية خطبته، ذكره الشيخ بكر أبو زيد (والصواب جوازه).
24-تكلف الخطيب رفع الصوت في الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فوق المعتاد. قال أبو شامة: "وَذَلِكَ جهل فَإِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هُوَ دُعَاء لَهُ وَجَمِيع الادعية الْمَأْمُور بهَا سنة فِيهَا الاسرار دون الْجَهْر بهَا غَالِباً".
25-رفع الخطباء أيديهم عند الدعاء لغير الاستسقاء في الخطبة، وقد أخرج عبد الرزاق عن إبراهيم، قال: رفع اليدين والقنوت في الجمعة بدعة. وهو قول أبو شامة، والشوكاني، وبكر أبو زيد.
قال أبو شامة: "أما رفع أَيْديهم عِنْد الدُّعَاء فبدعة قديمَة. قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: حَدثنَا شُرَيْح بن النُّعْمَان حَدثنَا بَقِيَّة عَن ابي بكر بن عبد الله حبيب بن عبيد الرَّحبِي عَن غُضَيْف بن الْحَرْث التمالي قَالَ بعث الى عبد الْملك بن مَرْوَان فَقَالَ يَا أَبَا أَسمَاء أَنا قد جَمعنَا النَّاس على أَمريْن قَالَ فَقلت وَمَا هما قَالَ رفع الْأَيْدِي على المنابر يَوْم الْجُمُعَة والقصص بعد الصُّبْح وَالْعصر، فَقَالَ: (انهما أمثل بدعكم عِنْدِي وَلست مجيبك الى شَيْء مِنْهَا قَالَ لم قَالَ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا أحدث قوم بِدعَة إِلَّا رفع مثلهَا).
26-هز الخطيب يديه حال الخطبة تفاعلاً معها، وقد كره ذلك جماعة من أهل العلم كالشافعي، وابن قدامة، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم، والطيبي، والشوكاني، وابن عثيمين، وبكر أبو زيد.
27-قول الشعر في الخطبة: ذكر ذلك ابن عبد السلام، والشيخ بكر أبو زيد (والصواب جوازه).
28-الترنم والتمطيط أثناء الخطبة: كره ذلك جماعة من أهل العلم، كالشافعي، وتبعه في ذلك الشيرازي، والبغوي، وأبو الحسين العمراني، والنووي، وابن قدامة، ومحمد رشيد رضا، والشيخ علي محفوظ، وبكر أبو زيد.
29-قصد الخطيب أن يكون لابساً ثوباً أسود يغلب عليه الحرير، أو ممسكاً بيده سيفاً مذهباً، ذكر ذلك الغزالي وأبو شامة.
30-قول الخطيب: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، ذكر ذلك الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ بكر أبو زيد.
31-المواظبة على قراءة حديث في آخر الخطبة الأولى دائماً، قال عنها الشقيري في "السنن والمبتدعات": بدعة.
32-المواظبة في آخر الخطبة الأولى أيضاً على حديث: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ذكره الشقيري، وبكر أبو زيد.
33-التزام ختم الخطبة الثانية من يوم الجمعة بقول: "اذكروا الله يذكركم"، أو "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" ذكره الشقيري، وبكر أبو زيد.
34-العدول عن السنة في القراءة لصلاة الجمعة، وقراءة ما يراه الإمام من آيات وسور متناسبة مع موضوع الخطبة، ذكره الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
35- النعي للموتى من على المنبر، لا سيما العظماء والملوك: ذكره الصنعاني في "سبل السلام".
36-قراءة الخطيب عند صعوده على المنبر آية: {إن الله وملائكته يُصلون على النّبيّ}، وحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت، والإمام يخطب، فقد لغوت) (متفق عليه)، وقد ذكر بدعية ذلك: ابن نجيم الحنفي، وابن عابدين، واللجنة الدائمة للإفتاء.
37-إذا خطب الخطيب وهو جالس، رواه ابن أبي شيبة عن طاوس، قال: الجلوس على المنبر يوم الجمعة بدعة.
38-نزول الخطيب في الخطبة الثانية إلى درجة سفلى، ثم العودة إلى الدرجة العليا، ذكره ابن عابدين عن ابن حجر في "التحفة"، وقال: بدعة قبيحة شنيعة. أ هـ.
39-اعتماد التسجيع في الخطبة، وكونه هو همّ الخطيب، ذكره الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي السعودية، والشقيري، وبكر أبو زيد.
40-ختم الخطبة الأولى أو الثانية بالسلام: ذكره بكر أبو زيد.
41-تخصيص الخطيب نفسه بالدعاء، ذكره الشيخ بكر أبو زيد.
تاسع عشر: حكم اقتباس الخطب من الغير
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله -عن حكم من يقرأ خطبة الجمعة من كتاب يختص بالخطب، كابن نباتة؟
فأجاب: خطب ابن نباتة فيها بعض الأخطاء، فينبغي للخطيب أن يتحرى الكتب الجيدة التي وضعت في الخطب ليستفيد منها، فإن هناك كتباً كثيرة فيها خطب نافعة، مثل خطب الشيخ عبد الله الخياط، وخطب الشيخ عبد الرحمن السعدي، وخطب الشيخ عبد الله بن قعود، وخطب الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، وخطب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن حسن، وغيرهم من أهل العلم، مع العناية بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة في كل خطبة مع مراعاة ما يناسب المقام في كل وقت.أما الخطب التي ليست لأهل العلم المعروفين بالعلم والفضل واعتقاد أهل السنة والجماعة فالواجب الحذر منها. انتهى.
العشرون: حكم الصلاة خلف إمامٍ ينفي كلام الله عز وجل، ويقول:
إن الله تكلم بكلام أزلي ليس بحرف ولا صوت؟
أجاب عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" بقوله: الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق وأن هذا القرآن الذي يقرأه الناس هو كلام الله يقرؤه الناس بأصواتهم. فالكلام كلام الباري والصوت صوت القارئ والقرآن جميعه كلام الله حروفه ومعانيه. وإذا كان الإمام مبتدعا ًفإنه يصلى خلفه الجمعة؛ وتسقط بذلك. والله أعلم.
واحد وعشرون: حكم الصلاة خلف إمامٍ خبَّب امرأةً على زوجها
أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" على هذا السؤال، بقوله: في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه)؛ فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة، وهو من فعل السحرة، وهو من أعظم فعل الشياطين. لا سيما إذا كان خببها على زوجها ليتزوجها هو مع إصراره على الخلوة بها، ولا سيما إذا دلت القرائن على غير ذلك.
ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة المسلمين إلا أنه يتوب؛ فإن تاب تاب الله عليه، فإذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغي أن يصلى خلفه، فلا يصلى خلف من ظهر فجوره لغير حاجة، والله أعلم.
اثنان وعشرون: قصة حضره ابن حزم من طول الخطبة
قال أبو محمد في "المحلى": شهدت ابن معدان في جامع قرطبة قد أطال الخطبة، حتى أخبرني بعض وجوه الناس أنه بال في ثيابه. وكان قد نشب في المقصورة.
وكأن الإمام ابن حزم عرّض بهه، لعدم تطبيقه سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في تقصير الخطبة، وتطويلها أكثر من اللازم.
ثلاثة وعشرون: الخطيب يخطب بورقة من وزارة الشؤون الدينية
ورد اللجنة الدائمة للإفتاء: هل تجوز صلاة الجمعة خلف إمام لا يخطب بما أنزل الله، ويخطب بورقة تأتيه من وزارة الشؤون الدينية؟
والجواب: تجوز صلاة الجمعة خلفه إذا كانت خطبته مشتملة على الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والموعظة الحسنة والأمر بتقوى الله تعالى، ولا منافاة بين ذلك وبين كونها في ورقة تأتيه من وزارة الشؤون الدينية.
أربعة وعشرون: أخذ الأجرة على خطبة الجمعة
ورد اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة، هذا السؤال: هل يجوز أخذ الأجرة على خطبة الجمعة أو لا؟
والجواب: يجوز للقائمين على شئون المسجد أخذ مرتب على ما يقومون به من شئون المساجد، سواء في ذلك الأئمة والخطباء، والمؤذنون والفراشون؛ لقيامهم بواجب إسلامي عام، واشتغالهم بالمصالح العامة. انتهى.
خمسة وعشرون: كلام جميل للشيخ محمد أبي زهرة حول الخطبة وقصرها
قال رحمه الله: "خطب الخوارج في جملتها أميل إلى الطول، لما كانت تشتمل عليه من الحجج والأدلة، والمآخذ على حكم الأمويين، وإعلان مساويهم، فترى خطب أبي حمزة الشاري، وقطري بن الفجاءة، وغيرهما من خطباء الخوارج فيها الطول واضحاً، وقد رويت مع طولها، ونقلتها المصادر الأدبية كالبيان والتبيين، والعقد الفريد، والأمالي، والكامل، فدل ذلك على نفاستها وجودتها.
وخطب الوعاظ والزهاد؛ كالشعبي وابن سيرين، والحسن البصري أميل إلى الإيجاز، أخذاً بمذهب السلف الصالح، ولنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن طول الخطبة، ولخوفهم من أن تكون الإطالة ثرثرةً وتفيقهاً، وتشادقاً، وكل أولئك نهى عنه النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وخطب الأمويون ومن والاهم، ومن كان على شاكلتهم فيها الطول المفرط في الطول، وفيها المتوسط، وفيها القصير المفرط في القصر، فترى خطبة سحبان بين يدي معاوية عندما أحضره لقولها مفرطة في الطول، كما ذكرنا. وخطب الحجاج وزياد بن أبيه وغيرهما بين الطول ولافصر، وخطب الذين ارتج عليهم في الخطبة قصيرةً جداً. ومن ذلك خطبة خالد بن عبد الله القسري عندما ارتج عليه في الخطبة، فاعتذر قائلاً: "أيها الناس، إن الكلام يجيء أحياناً، فيتسبب سببه، ويعزب أحياناً فيعز طلبه، فربما طولب فأبى، وكوبر فعصى، فالتأني لمجيئه أصوب من التعاطي لآبيه.
وقد كان بعض الخطباء يعمد إلى ذلك النوع من الإيجاز من غير ضرورة ولا ارتجاج، كما فعل يزيد بن المقفع عند أخذ البيعة ليزيد بن معاوية، إذ قال: أمير المؤمنين هذا -وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا -وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا -وأشار إلى السيف!
فقال معاوية اجلس فإنك سيد الخطباء.
ورما كان يدفعهم إلى ذلك التطويل المفرط، والقصر المفرط، قصد التفنن، وبيان البراعة، وإثبات قدرتهم على الوفاء في الطول من غير كلال، وعلى الإيجاز الذي يعد الأكثرون البلاغة فيه.
وليس معنى ذلك أن تطويله موإيجازهم لم يكن يراعى فيه مقتضى الحال، بل إن مراعاة المقام كانت ثابتة في كثير من أقوالهم، ولكن حرصهم على الاشتهار بالبراعة كان لا يقل عن حرصهم على ملاحظة المقام، لأن القول صار غرضاً لذاته في ذلك العصر على ما بيّناه آنفاً.
ستة وعشرون: من هو الذي صلى بالناس الجمعة في مرض النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟
سئل الشيخ محمد رشيد رضا عمّن صلى بالناس الجمعة في مرض النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب: قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرض مرض الموت في أواخر صفر أو أوائل ربيع الأول، وقالوا: إن المرض قد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال، وقالوا: إنه توفي حين اشتد الضحى من يوم الإثنين، وقالوا: إن أبا بكر رضي الله عنه هو الذي كان يصلي بالناس بأمره عليه الصلاة والسلام؛ في المدة التي لم يكن يستطيع الخروج فيها، وقالوا: إنه خرج في صبيحة يوم الاثنين، وأبو بكر يصلي الصبح بالناس فضحك؛ سرورًا برؤيتهم، وكادوا يفتنون في صلاتهم فرحًا به؛ إذ ظنوا أنه عوفي، وأراد أبو بكر أن يتأخر؛ ليتم صلى الله عليه وسلم الصلاة بالناس، فأشار إليه بأن يمضي في صلاته.
وقال بعضهم: إن أبا بكر صلى في الناس سبع عشرة صلاة، ولم أر أحدًا قال إن منها صلاة الجمعة. ورأيت في الإحياء: أن ابتداء الأذان لأبي بكر رضي الله عنه بالصلاة بالناس كان في أول ربيع الأول، فإذا كانت وفاته صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر منه كما هو المشهور، فالصلوات التي أمَّ أبو بكر بها الناس كانت متفرقة، ومنها الليالي التي اشتد بها المرض، فلا عجب إذا كان صلى الله عليه وسلم هو الذي صلى بالناس آخر جمعة من أيام حياته الشريف.
سبعة وعشرون: هل تقام الجمعة في السجن أم لا؟
سئل فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم عن حكم إقامة الجمعة في السجن؟
فأجاب: لم يبلغنا أن أحداً من السلف فعل ذلك. مع أنه كان في السجون أقوام من العلماء المتورعين. والغالب أنه يجتمع معهم أربعون وأكثر موصوفون بصفات من تنعقد بهم الجمعة، فلو كان ذلك جائزاً لفعلوه.
ووجه عدم جواز إقامتها في السجن أن المقصود من الجمعة إقامة الشعار. ولذلك اختصت بمكان من البلد ما لم يوجد مسوغ شرعي يوجب تعددها من ضيق المسجد وحصول العداوة وغير ذلك من الأسباب. والسلام عليكم.
ثمانية وعشرون: تكلم الإمام على أولاد يلعبون أثناء الخطبة
سئل محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية عن عن إمام يخطب خطبة الجمعة فجاء صبيان يلعبان فتوقف عن الخطبة وتكلم على الأولاد وقال: الله يقلعكم ثم تكلم على الحاضرين وقال: أنتم ماتعرفون تربون أولادكم، قوموا أخرجوهم، فلم يقم أحد، ثم أكمل الخطبة الأولى وأخذ عصاه ونزل عن المنبر وضرب الصبيين وأخرجهما من المسجد ويسأل عن حكم ذلك.
فأجاب كما في "مجموع فتاويه": ما كان ينبغي للإمام أن يفعل هذا، وإذا أراد أن يعلمهم فيكون بطريقة الحكمة والموعظة الحسنة وتبيين كلام أهل العلم: وكأن الإمام وفقه الله لم يبلغه الحديث الصحيح: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس إماماً وهو حامل أمامة بنت بنته زينب على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها"، وقصة ركوب الحسين عليه في سجوده وكلام العلماء في هذا معروف، ومع هذا فلا تبطل الخطبة بمثل هذا الكلام؛ لأنه ليس بكلام محرم، وإنما هو مكروه لا يليق من مثل هذا الإمام في مثل هذا المقام، مع أن جنس الكلام من الإمام وهو يخطب جائز لا بأس به، فيجوز له أن يخاطب أحد المأمومين أو يخاطبه فيما كان فيه مصلحة عامة أو خاصة.
تسعة وعشرون: فهرست الكتاب
المقدمة 5
أهمية خطبة الجمعة 11
حكم خطبة الجمعة 16
الإخلاص والمتابعة 20
إرادة النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم 23
مخالفة قول الخطيب لفعله 26
التماس الخطيب رضا الغير 35
وقوع الخطيب في العُجب وحُب الشهرة 41
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحراً) 45
قوة البيان وفصاحة اللسان للخطيب 54
إعداد الخطيب للخطبة 63
استيعاب الخطبة للموضوع 65
وجهة نظر حول الخطب المجملة 66
مراعاة الخطيب حال المستمعين 68
اقتراح حول التجديد في الخطب 74
توقيت الخطبة عن هجرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم 76
الدفع أولى من الرفع 79
اجتهاد بعض الخطباء في تطبيق بعض السنن أو تركها 82
توقي الخطيب أن يحمل أحداً على رأيه 85
ابن القيم يصف خطب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وحال الخطب من بعده 90
جمال الدين القاسمي يوضح ماهية الخطبة في الصدر الأول، ومتى حدث الضعف والتراجع في الخطب 92
الخطبة بين الارتجال والقراءة من الصحيفة 103
لباس الخطيب في الجمعة 106
لبس السواد أو البياض للخطيب 108
هل تنعقد الجمعة إذا كان الخطيب في حكم المسافر؟ 114
التوقيت لدخول الخطيب 116
هل يحضر الخطيب إلى المسجد قبل وقت دخوله 121
السنة القبلية للخطيب وغيره 124
حكم تحية المسجد للخطيب 131
تخطي الإمام رقاب المصلين يوم الجمعة 132
اتخاذ المنبر في الجمعة 135
أين يكون موضع المنبر من المسجد 138
حكم جلوس الخطيب على المنبر بعد أن يسلم على الناس وقبل الأذان، وموضع وقوفه عليه 140
أي الرجلين يقدم الخطيب عند صعوده المنبر وكذا عند نزوله؟ 143
كيفية صعود الخطيب المنبر 145
حكم قراءة الخطيب قوله {إن الله وملائكته يصلون..} عند صعوده إلى المنبر، أو حديث: (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت) 146
اتخاذ الخطيب للعصا 150
فائدة: بأي اليدين يمسك الخطيب العصا 156
فائدة: إذا لم يكن مع الخطيب قوس أو عصا فماذا يفعل؟ 157
حكم اتخاذ الخطيب لمكبر الصوت؟ 158
الطهارة من الحديث في الخطبة 161
سلام الخطيب على المأمومين 163
ترديد الخطيب وهو على المنبر خلف المؤذن 169
إقبال الخطيب بوجهه على المأمومين، وعدم التفاته يميناً وشمالاً 173
إذا استدبر الخطيب المأمومين واستقبل القبلة 177
حكم تلحين الخطبة والترنم فيها 179
الخطبة بغير العربية أو ترجمتها لغير العربية 183
متى تكون الترجمة إذا احتيج إليها 189
مفهوم الموعظة 191
مراعاة الخطيب لمقتضى الحال في الخطبة 194
مفهوم قصر الخطبة وطول الصلاة 199
أركان خطبة الجمعة عند أهل العلم 207
قول بعض أهل العلم: لا يكفي مجرد التحذير من الدنيا وزخرفها في الخطبة 217
افتتاح الخطب 219
حكم افتتاح خطبة الجمعة بخطبة الحاجة 222
كراهة تشدق الخطيب وتكلفه في كلامه 226
السجع في الخطب 230
الشعر في الخطب 235
إذا كان الخطيب يقول ما هو كذب أو ظلم في خطبته 241
إيراد الأحاديث الضعيفة في الخطب 245
حكم استشهاد الخطيب بشيء من التوراة والإنجيل في الخطبة 254
رفع الصوت في الخطبة 256
قراءة سورة (ق) وهل تقرأ كل جمعة أم لا؟ 259
تلفظ الخطيب بقول (سيدنا محمد) في الخطبة 261
استحباب قول (أما بعد) في الخطبة 264
حكم التابع لكلمة (أما بعد) 266
بماذا تضبط كلمة (وخير الهدي) هدي محمد صلى الله عليه وسلم 267
أمر الخطيب للداخل أن يُصلي ركعتين 268
إذا كان الخطيب مبتدعاً فما حكم الصلاة خلفه 271
إذا كان الخطيب من مذهب غير مذهب المأمومين 277
حكم النعي على المنبر 280
رثاء الميت على المنبر 284
التعريض في الخطبة ومفهومه 291
حكم التعريض بالأمير أو السلطان في الخطبة؟ 295
تحريك الخطيب يديه حال الخطبة أو الإشارة بهما 300
ثلاثة فوائد مهمة 306
الجمع بين النهي عن تشبيك الأصابع في المسجد وتشبيك الخطيب يديه للتمثيل 307
حكم التغني بالآيات القرآنية في الخطبة 310
التزام كثير من الخطباء ببعض الألفاظ في الخطبة على الديمومة 314
التزام صورة واحدة في الخطبة الثانية 316
التشريك بين ضمير الله ورسوله في الخطبة 317
كلام الخطيب أثناء الخطبة بكلام خارج عنها 322
تبسم الخطيب وضحه 328
إذا أغمي على الخطيب 330
أكل الخطيب وشربه حال الخطبة 331
إذا قرأ الخطيب آية فيها سجدة 333
فائدة: كيفية نزول الخطيب من المنبر لأجل السجود 337
إذا كان الخطيب والمأمومون كلهم خرساً أو كانوا كذلك دون الخطيب 338
حكم قول الخطيب: قال تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 339
حكم استعاذ الخطيب وبسملته عند قراءة آيات في الخطبة 340
تخصيص الخطيب الآية التي يقررها في آخر الخطبة أو نحو ذلك بالاستعاذة أو البسملة دون غيرها من الآيات 345
هل يزيد الخطيب في الخطبة حتى يفرغ الداخل من تحية المسجد؟ 347
نزول الخطيب من المنبر عند الحاجة إلى ذلك 348
حكم قيام الخطيب أثناء الخطبة؟ 352
حكم جلوس الخطيب بين الخطبتين 357
فائدة: حول الحكم من الجلسة بين الخطبتين 360
فائدة: حول مقدار هذه الجلسة 361
فائدة: حول ما يقال في هذه الجلسة 361
الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم على المنبر والأمر بها 362
إذا أغلق على الخطيب 367
ذكر الخلفاء الراشدين في الخطبة 372
حكم الدعاء في خطبة الجمعة؟ 376
الدعاء للسلطان في الخطبة 382
فائدة عن الدعاء للسلطان قالها شيخ الإسلام 399
رفع اليدين للدعاء في الخطبة 400
متى يقول الخطيب عن المطر (اللهم حوالينا لا علينا) 403
اختتام الخطيب خطبته بالاستغفار أو بقوله: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 406
وقت نزول الخطيب من المنبر 409
هل يجوز أن يتولى الصلاة من لم يتول الخطبة؟ 411
القراءة في صلاة الجمعة 414
القنوت للنوازل في الجمعة 418
الجمع بين الجمعة والعصر للمطر 421
تحدث الخطيب أو غيره على الناس بالوعظ أو غيره بعد صلاة الجمعة 429
السنة البعدية للخطيب وغيره، وكما عددها وأين تُصلى؟ 431
إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد 436
استحباب دخول الإمام بيته أو حجرته ليُصلي ركعتين بعد الجمعة 438
اتخاذ المنبر يوم العيد 439
حكم تنفل الإمام قبل العيدين وبعدهما 442
التكبير في خطبتي العيدين 446
خطبة العيدين: هل هي قبل الصلاة أم بعدها 448
هل للعيد خطبتان؟ 454
هل يجلس الخطيب في صلاة العيدين بعد أن يصعد المنبر؟ 455
هل خطبة الاستسقاء قبل الصلاة أم بعدها؟ 458
هل خطبة الاستسقاء واحدة أم اثنتان؟ 465
حكم تحويل الخطيب رداءه في الاستسقاء؟ 468
كيفية تحويل الخطيب رداءه في الاستسقاء؟ 469
متى يحول الخطيب رداءه في الاستسقاء؟ 472
كيفية رفع اليدين في الدعاء للاستسقاء؟ 475
وجهة نظر حول موضوع خطبة الاستسقاء 477
هل للخسوف والكسوف خطبة؟ 482
إذا اجتمع عيد وكسوف، أو جمعة وكسوف 484
بعض ما قيل إنه مكروه أو من البدع في الخطب 489
فوائد متنوعة 501
هل للخطيب أن يؤذن إذا صعد المنبر؟ 501
حكم اقتباس الخطب من الغير؟ 502
حكم الصلاة خلف خطيب، قال: إن الله تكلم بكلام أزلي قديم ليس بحرف 503
حكم الصلاة خلف إمام قتل نفساً 503
حكم الصلاة خلف إمام خبب امرأةً على زوجها 504
قول بعض الناس: لا تصح الجمعة خلف إمام لم يتزوج 504
حكم قول الخطيب: الحمد لله الذي تحيرت العقول في مبدأ أنواره 504
هل يتشهد الخطيب مرتين في خطبته أم يكتفى بواحدة؟ 506
حكم الصلاة خلف إمام يقرأ على الجنائز؟ 506
قصة حضرها ابن حزم طوال الخطبة 507
موقف الخطيب في المسجد الحرام حال الخطبة، واستلامه الحجر الأسود إذا نزل عن المنبر 508
القراءة في خطبة الجمعة 509
ما ذكره الحافظ ابن حجر عن الحجاج وابن عمه في تطويل الجمعة 511
خطيب كرر الفاتحة مرتين في صلاة العيد أو الجمعة 512
الخطيب يخطب بورقة من وزارة الشؤون الدينية 512
هل يأخذ الخطيب الأجرة على خطبة الجمعة 512
حكم الصلاة خلف الخصي؟ 513
كلام جميل للشيخ محمد أبي زهرة حول طول الخطب وقصرها 513
من هو الذي صلى بالناس الجمعة في مرض النبيِّ صلى الله عليه وسلم 515
هل تُقام الجمعة في السجن أم لا؟ 516
الشيخ محمد رشيد رضا يصف خطبة الجمعة في تركيا 517
تكلم الإمام على أولاد يلعبون أثناء الخطبة 518
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق