الحكام العرب مراحل الصعود والسقوط
رودجر آوين
أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لقد ابتليت الشعوب الشرقية بحكومات الاستبداد المطلقة، فرزحت تحت نيرها الثقيل قروناً متطاولة، وأحقاباً متمطية بأصلابها، تسودها ظلمات الجهل وضحالة الفكر، وكأن الناس فيها مُقرّنين في أصفاد من الانحطاط الفكري، ومن ظلم الحاكمين بأمرهم، الذين يسوسون الناس سياسة الأنعام، ويسومونهم شتى صنوف الذل والخسف والحرمان، ويسوقونهم بالعدوان إلى حيث يرغبون، كقطيع من الأغنام، لا تدري أين المساق؟ فعصا الراعي تدفعهم بعنف، تارةً إلى المزرعة، وأخرى إلى المجزرة!!
وقد بدأت هذه المهزلة بعد الحرب العالمية الثانية، وسقوط الدولة العثمانية، حيث منحت الدول الاستعمارية استقلالاً صورياً لكثير من البلدان العربية، التي احتلتها من قبل، وحقيقة الأمر أن هؤلاء الرؤساء كانوا يمثلون حكومات الانتداب في بلدانهم، ينفذون سياساتهم، وينصاعون لأمرهم، ولهم تاريخ في الخيانة عريق! وتطور الأمر حتى صار لكل بلد رئاسته وحكومته وجيشه وثلة قليلة من المتنفذين الذين يسرقون مقدرات البلاد، ويجبون الضرائب من الناس، ويرزقونهم الفتات.
وقد وطّد لهؤلاء الحكام الغشمة: ثلة من علماء السوء بما ابتدعوه للحكام من حقوق إلهية مقدّسة، لاقت رواجاً وقبولاً لدى جمهور الغوغاء، الذين ظنوا -واهمين -أن استمرار هؤلاء في رئاساتهم مرتبطٌ تماماً بمدى قرب الإنسان من الله سبحانه، وساعدهم في ذلك كبار الضباط والبيروقراطيين، والمستزلمين الذين لهم مصالح شخصية في حماية النظام وأنفسهم، مع سعيهم الكبير للحد من تأثير الإصلاحات في مجال السياسة والاقتصاد، وامتلاكهم لمصالح تجارية خاصة بهم، تدر عليهم من أموال النفط والدعم الغربي، وتدبيرهم الانتخابات بطريقة تضمن صورة منطقية في إطار منافسة كاذبة، ونتائج مزورة.
غير أن الشعوب في نهاية المطاف بدأت تشعر بالظلم، وتحسُّ بألمه، وتذوق ويلاته، فاستيقظت بعد سباتٍ عميق، وصحت بعد سكرة مميتة، لتعيد النظر في أنظمة القمع والاستبداد العربي، أصحاب قاعدة إنتاج ورثة الحكم، والاستئثار بخيرات البلاد ومواردها.
ولكن الناس إذا قاموا من نومهم قاموا حيارى، يفتحون عيونهم بعد طول إغماض، فيون أهوالاً تشيبب لها الولدان، وخطوباً لا تطيقها الجلاميد الصُم، ومع ذلك آثروا الهروب من الواقع المرير، وآنسوا من أنفسهم قوةً في الخروج على حكامهم وسادتهم، حيث وجدوا في ذلك متنفسهم، فبثوا في ساحات المظاهرات نجواهم وشكاتهم، بزفرات ملتهبة، وحناجر متقدة، وأنفاس حبيسة مكتومة، وقد أوحت إليهم هذه الأحلام الجميلة بالخلاص من هذا الجحيم في المستقبل القريب، ولكن بقي الأمر على ما هو عليه.
ويبحث هذا الكتاب عن تطور الرئاسيات العربية من أنظمة جمهورية تسعى إلى الاستقلال إلى أنظمة ملكية تُعنى بتوريث أسرهم زمام الحكم، ليكونوا رؤساء مدى الحياة، مع العلم أن أكثر هؤلاء الرؤساء من "العسكريين" الذين بدأت فتراتهم بانقلابات عسكرية وإزاحات حاسمة باغتيال من قبلهم، وذلك فترة الستينات والسبعينات، ولذلك شواهد كثيرة في العالم العربي بدءاً بالمغرب وشمال أفريقية وانتهاءً بالخليج، من إعلان بعض الرؤساء فترات رئاسية جديدة، وخوض انتخابات مشكوك في نزاهتها، شمل ذلك حكم القذافي في ليبيا، وعلي عبد الله صالح في اليمن، وبن علي في تونس، وبورقيبة في الجزائر، وحسني مبارك في مصر، وحافظ الأسد في سورية، الذين ظهروا مثل قياصرة روما المستبدين.
ولكن الضغوط الشعبية ناهضت هذه الأنظمة الاستبدادية، حتى أشعلت الثورات في العديد من مناطق العالم العربي مثل تونس، ومصر، واليمن، والسودان، وسورية، التي حاولت التخلص من هذه الأنظمة المتناقضة، والمنتهية الأهلية، ومن قوانين سيرها المتخلفة، وإلى هذا اليوم لا زالت الشعوب العربية تعاني وتعاني، حتى يأذن الله لها بالفرج القريب.
ويعالج الفصل الأول: بُنى السلطات المتعددة التي ظهرت في نهاية الحقبة الاستعمارية، والتي حصرت على شرعنة الصيغة الاستقلالية للدولة، والتي هي في واقع الأمر هشَّة ركيكة، ثم حمايتها بفرض القوة، الأمر الذي أدى إلى دوام الاستبداد في العالم العربي، وتم تسليط الضوء على نظام الحكم المركزي ذو الحزب الواحد، بالإضافة إلى الجمعيات ووسائل الصورية التي أعيد تشكيلها بغية خدمة أهداف النظام.
ويستعرض الفصل الثاني: المحاولات المتعددة للرؤساء لتطوير أنظمة السلطات الشخصية، وزيادة رقعة الصلاحيات، وربط أنفسهم بأساطير المهارات في الحكم، وإيهام الشعوب أنه لا يمكن الاستغناء عنهم، ثم تنظيم السلطات الذي يحاول استيعاب الموجات الداعية إلى التحرر السياسي والاقتصادي الذي انفردت به سالفة المتنفذين وأصحاب السلطة.
ويناقش الفصل الثالث: المكونات الأساسية للسلطات الرئاسية في العالم العربي، ومفهوم "الدولة الأمنية"، والدور التي تؤدية مؤسسة السلطة ونخبها من المساعدين والأعوان والجيش، والسياسات المتبعة لشرعنتها.
أما الفصل الرابع والخامس: فيناقش مسارات سبعة من أنظمة الاستبداد، التي توجد فيها حكومات مركزية قوية نسبياً، في تونس، وسورية، ومصر، والجزائر، ثم الحديث عن تضعضع هذه الأنظمة، ونشوء أحزاب سياسية معارضة لها، وتعرضها هذه الأنظمة لسلسلة من الضغوط الشعبية، ولجوئها إلى المجاملات والمفاوضات والتسويات مع الأحزاب المعارضة.
ويعالج الفصل السادس: أنظمة الحكم في الجمهوريات العربية في الوقت الحاضر، التي تميزت برئاسات ضعيفة، مثل: لبنان والعراق.
بينما يعالج الفصل السابع: الصيغ المتعددة للكيانات الملكية التي نجدها في الأردن والمغرب والبحرين وعمان وهي التي تتشارك في عدد من السمات الإدارية والأمنية مع الدول المجاورة لها، أبرزها توريث الحكم.
أما الفصل الثامن: فيعالج تحديداً سياسات وراثة الحكم من جهة الإجراءات المتخذة في الدولة (والتي تهدف إلى تهيئة أحد أفراد العائلة الرئاسية لاستلام الحكم) كما حدث في سورية، ومن جهة العوامل المصاحبة لهذه التهيئة، والتي تشمل العملية السياسية بشكل عام.
ويعود بنا الفصل التاسع: إلى ميدان التعاون العربي، والتي يتعلم بموجبه الرؤساء العرب من بعضهم طرق وأفكار في السياسة والإدارة للمحافظة على مناصبهم الرئاسية، وقد يتضمن ذلك تعديل الدستور وقوانين الدولة ليتناسب مع ذلك. و(الفرادة العربية) والتي تعني بروز الدولة الرئاسية الأمنية التي تحافظ على رؤسائها مدى الحياة، وبعبارة أخرى (الرؤساء الملوك).
وأخيراً يأتي الفصل العاشر: ليناقش نقاط القوة ونقاط الضعف لمختلف الأنظمة الرئاسية العربية، والعمليات الثورية التي قامت ضدها وهدفت إلى إحداث تغيير سياسي، وظهور رؤساء آخرين من العام 2011م.
تمهيد 9
مقدمة 13
الفصل الأول: البحث عن التركة الاستعمارية 29
أهمية السيادة ولقوة 30
الأنظمة العربية من الجيل الثاني 33
الإفلاس والهزيمة العقائدية بعد العام 1967م
الفصل الثاني: جذور الدولة الرئاسية الأمنية 41
بناء جذور الدولة الرئاسية الأمنية 45
شخصية السلطة 48
الفصل الثالث: المكونات الأساسية للنظام 57
الرئاسة 60
الجيش والأجهزة الأمنية 65
الأعوان وأصحاب الاحتكارات 70
الشرعية والدساتير 75
تحقيق النمو الاقتصادي 81
الفصل الرابع: أنظمة الدول المركزية في (مصر، وتونس، وسورية، والجزائر) 85
مصر 87
تونس 98
سورية 107
الجزائر 117
الفصل الخامس: الرؤساء والمدراء في ليبيا والسودان واليمن 125
ليبيا 128
السودان 134
اليمن 137
الفصل السادس: الرئاسات المقيدة في لبنان وعراق ما بعد صدام 145
لبنان 147
العراق 153
الفصل السابع: الدول الملكية في الأردن والمغرب والبحرين وعُمان 161
الملوك الهاشميون في الأردن 162
السلالة الحاكمة في المغرب 168
البحرين 171
عُمان 173
الفصل الثامن: سياسات التوريث 177
سورية ومصر 178
ليبيا واليمن 185
الجزائر وتونس 188
الفصل التاسع: مسألة القرارة العربية 193
مقارنة دولية 194
المزية الخاصة للعالم العربي 198
التعاون بين الدول العربية وتأثير المحاكاة 202
الحالات الخاصة لفلسطين والمملكة السعودية 204
الفصل العاشر: السقوط المفاجئ 215
نقاط الضعف والتناقض في الأنظمة الرئاسية العربية 217
الشرارة 219
الأحداث المتكثفة بعد الربيع العربي 222
مسارات مستقبلية محتملة 228
خاتمة 237
أوضاع ما بعد الاستعمار 238
دولة المرآة بوصفها صيغة من صيغ الحكم الشخصي 239
النظام في أزمة 246
ببليوغرافيا 249
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق