شعر الإمام الشافعي دراسة فنية تحليلية
إعداد منال محمد عبيد
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لشعر الإمام الشافعي وقع جميل في النفوس، لما فيه من جمالية الأسلوب، وعمق المعنى، والتجربة الحاضرة في الكلمات، والتصوير المتناغم مع الإيقاع، واللفظ المتناسق مع التركيب، وكان الشافعي يُعدُّ من كبـار أدبــاء عــصره، وأحد المُبرزين في عالم الأدب والشعر، ولا يخفى ما يتضمنه شعره من القيم الأخلاقية، والقضايا التوجيهية، ذلك أنه كان عالماً في الدين، ضليعاً في الفقه واللغة.
وقد كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأَيَّام الناس والأدب، ثم انتقل بعد ذلك إلى علوم الفقه والحديث وذلك بسبب توجيه شيخه محمد بن خالد الزنجي، ومع ذلك لم يخل شعر الشافعي من الحكمة العالية والوصايا الثمينة، فكان من شعره في الصبر على الأقدار (دع الأيام تفعل ما تشاء).
وفي الإلحاح على الله عز وجل (إليك إله الخلق أرفع رغبتي)، وفي تبكيت أولئك الذين يعظون الناس ولا يعملون بمواعظهم (يا واعظ الناس عما أنت فاعله).
وفي الزهد في دنيا الناس وشكوى قلة الأحباب (إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفاً)، وفي الدعوة إلى صيانة النفس عما يشينها (صُن النفس واحملها على ما يزينها).
وفي الحث على طلب العلم (تغرب عن الأوطان في طلب العلا)، وفي توكيل الأمر لله في طلب الرزق (توكلت في رزقي على الله خالقي)، وعن الرجاء في رحمة الله وعفوه (قلبي برحمتك اللهم ذو أنس)، وغير ذلك.
وهذه رسالة علمية تتناول شعر الإمام الشافعي -رحمه الله، في ديوانه المجموع بالدراسة والتحليل، وقد بلغت عدد الأبيات المنسوبة إليه فيه ثلاثمئة وواحد (301) بيت، وليس هذا عدة جميع ما قاله، بل بلغ عدد الأبيات التي قالها ثمانمائة بيت، وقد أداها الشافعي على بحور شعرية متنوعة، بلغت أحد عشر بحراً.
وقد احتل البحر الطويل أكثر من ثلث الديوان المنسوب إليه -تقريباً، وهو ما تقدره الباحثة بنسبة ( 37%)، ولعل السبب في كثرة استعمال هذا البحر أنه الوزن الذي اتخذه الشعراء القدماء ميزاناً لأشعارهم، وهذا يؤكد لنا فهم الشافعي للأوزان الشعرية.
وهناك أوزان لم تلق اهتماماً من الشافعي في قصائده، مثل: (الرمل، والرجز، والمنسرح، ومجزوء الرمل، ومجزوء الرجز، والمديد، ومجزوء الوافر) فكان استعمالها أقل من (1%)، وكان استعمال الإمام للقافية المطلقة في شعره بنسبة (89.875%) أما القافية المقيدة بنسبة (10.125%).
وبينت الباحثة أن الحروف (الباء، والنون، والميم، والراء، والدال، واللام) تتصدر قائمة الروي في أشعار الإمام، فكانت أكثر من نصف إنتاج الشافعي، بنسبة (64.5%) أما بقية الحروف التي استخدمها الشافعي وعددها (14) حرفاً، تشكل الباقي، أي ما نسبته (35.5%)، وانظر في الملحق.
مكونات البحث:
وقد اشتملت هذه الدراسة على تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، وفيها بينت الباحثة أهمية الدراسة، وأسباب اختيار الموضوع، وأهدافها، والدراسات السابقة، ومنهجها، وأقسامها.
التمهيد: تناولت فيه الباحثة التعريف بالإمام الشافعي، وحياته، وعصره.
الفصل الأول: تناولت فيه التراكيب اللغوية في شعر الإمام الشافعي.
وفيه أربعة مباحث:
الأول: التقديم والتأخير، ووظيفته الدلالية.
الثاني: الاعتراض، وأهم مظاهره الواضحة.
الثالث: الحذف، بأشكاله المتعددة والمتنوعة.
الرابع: التكرار، وأشكاله المتعددة على مستوى الكلمة والجملة، والتكرار النسقي.
الفصل الثاني: تناولت فيه الصور الفنية في شعر الإمام الشافعي:
وفيه أربعة مباحث:
الأول: الصورة الفنية ومفهومها.
الثاني: التشبيه، تعريفه، وأنواعه، ونماذج تطبيقية من شعر الإمام.
الثالث: الاستعارة، مفهومها، وأقسامها، وفوائدها، ووظيفتها في الشعر، وتطبيق ذلك من خلال شعر الإمام.
الرابع: الكناية: مفهومها، وتطبيقها في شعر الإمام.
الفصل الثالث: الموسيقى الشعرية: أقسامها، وما تضمنته من الجناس، والتصريح، ورد العجز على الصدر، والطباق، والمقابلة، والتقسيم.
أهم المصطلحات الواردة في البحث:
التراكيب اللغوية: هي التراكيب الناشئة من ترابط الألفاظ بعضها مع بعض لتكون نسيجاً لغوياً مميزاً للنص الأدبي، وكلما كان التركيب متناسقاً فإنه يعطي النص قيمة جمالية وإبداعية، ودلالة أوضح عن المعنى.
التقديم والتأخير: هو أحد الأساليب البلاغية، التي تنم عن القوة في الفصاحة، وحسن التصرف في الكلام، بحيث يقدم ما حقه التأخير، أو يؤخر ما حقه التقديم؛ لمعنى يقصده المتكلم من الكلام؛ كتقديم الفاعل أو المفعول على الفعل، وتقديم الخبر على المبتدأ، والمستثنى منه على الاستثناء، والصفة على الموصوف، وهذا التغيير يعطي جواً من المتعة، والجمال للأدب، وتحدث البلاغيون عن غرض هذا التقديم والتأخير، وذكروا من ذلك:
-التشويق إلى المتأخر إذا كان المتقدم يُشعر بالغرابة.
-تعجيل المسرة أو المساءة؛ للتفاؤل أو التطير.
-النص على عموم السلب، أو سلب العموم.
-تقوية الحكم وتقريره، وتأكيده.
-التخصيص، شرط أن يسبق بحرف نفي أو معناه.
-التنبيه على أن المتقدم خبر لا نعت.
-التلذذ والتبرك.
-الاهتمام بالمقدم.
الاعتراض: هو أحد الأساليب البلاغية المعروفة، التي يتم فيها إقحام جملة معترضة بين الكلامين، لتفيد زيادة في معنى، أو دفعاً للوهم، بحسب غرض المتكلم، وقد يحصل الاعتراض بالجار والمجرور، وبالظرف والمضاف إليه، وبالقسم، وبغير ذلك.
الحذف: هو أسلوب بلاغي قديم، يعتمد على حذف كلمة أو جملة أو تفهم من خلال السياق، وقد يكون الحذف لغرض إضفاء جمالية على النص الأدبي، أو لضرورة النص، ولتفادي الحشو والتكرار، وهي من علامات نبوغ الشاعر والمتكلم.
التكرار: هو نمط بلاغي وأسلوب تعبيري يكرر فيه المتحدث بعض الكلمات أو العبارات أو الجمل، أو يقع التكرار على بعض المعاني للتأكيد عليها، والتنبيه لها، وتوضيح أهميتها، ولعملها الكبير في إنتاج الدلالة.
التصوير الفني: هو تقديم المعاني المجردة في صور أخرى عقلية أو حسية تقريباً للفهم، ويدخل في ذلك التشبيه،
التشبيه: هو أسلوب ببياني يتم فيه إلحاق شيء بشيء، بأداة تسمى أداة التشبيه، لمناسبة بينهما في الوصف، والغرض منه الإيجاز والاختصار، أو إزالة اللبس، أو التوكيد والمبالغة، ومن أغراض التشبيه:
-إمكان وجود المشبه.
بيان حال المشبه.
-بيان مقدار المشبه.
-تقرير حال المشبه.
-تزيين المشبه.
- تقبيح المشبه.
الاستعارة: هو أسلوب بياني يتم فيه تسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه، وهي تنقسم إلى استعارة تصريحية حذف منها المشبه، واستعارة مكنية حذف منها المشبه به.
الكناية: هو أسلوب بلاغي يطلق فيه اللفظ، ويُراد به لازم معناه، أو معناه بالتبعية لا بالأصالة، سواء كانت هذه الكناية عن صفة، أو عن موصوف، أو عن نسبة، ولها أغراض متعددة.
الوزن في الشعر: هو أحد العناصر الأساسية التي يرتكز عليها الشعر الفصيح، ويعرف بأنه مجموعة التفعيلات التي يتألف منها البيت الشعري.
وكانت أهم النتائج ما يلي:
1-لجأ الإمام الشافعي إلى ظاهرة التقديم والتأخير؛ لتعزيز دلالات السياق الشعري الجمالية، وكان لهذا التقديم والتأخير دلالته القوية في موضعه.
2-يلجأ الإمام الشافعي أحياناً إلى عملية الاعتراض، ليس من أجل غرض بلاغي، وإنما من أجل إقامة الوزن والقافية، أو لأجل زيادة المعنى كثافةً ووضوحاً، أو لجلب انتباه السامع.
3-لجأ الإمام الشافعي إلى الحذف، كظاهرة دلالية جمالية في شعره، ليخرج بذلك عن نطاق المألوف في عالم الدلالة إلى نطاق الغير مألوف.
4-كان التشبيه هو أداة الشافعي الأساسية في بناء صورته الشعرية، واعتمد عليه كأسلوب لتقريب المعاني البعيدة من خلال الصور المحسوسة، ليحقق بذلك التناسب بين المشبه والمشبه به، بما يتناسب مع طبيعة الأغراض الشعرية، وقد احتل التشبيه المفرد المركز الأول في استعمالات الشافعي رحمه الله، بينما احتل التشبيه الضمني المركز الأخير في شعره.
5- أكثر الاستعارات استعمالاً عند الشافعي هي الاستعارة المفردة بينما قلت الاستعارة التمثيلية، كما أن الاستعارة المكنية هي الأكثر شيوعاً واستعمالاً في شعره؛ لأنها تجعل لدلالات أكثر عمقاً وسعة منها في الاستعارة التصريحية.
6-لم نرصد ظهور الكناية في شعر الإمام الشافعي، مع الحاجة الملحة إليها.
7-وظف الشافعي الجناس في نتاجه الشعري بما يخدم غرضه مبتعداً عن التكلف والزخرفة، ليعطي انطباعاً أن الشافعي إنما هو شاعر فقيه.
8-إكثار الشافعي من استعمال البحر الطويل، كعادة الشعراء القدماء، لذلك كان في المرتبة الأولى، بينما يقل استعماله لبقية البحور الشعرية.
9-استحوذ الطباق على النسبة الكبرى من جميع المحسنات البديعية الأخرى في ديوان الإمام الشافعي.
10-ركز الإمام الشافعي على استخدام المقابلة عند طرحه قضايا فكرية تستوجب من العقل أن يفهم مبتغاها وقصدها.
11-أن الإمام الشافعي يركز في شعره على الفكرة أكثر من التشكيل اللفظي، ومع ذلك اهتمّ بالتزيين اللفظي واللغوي والموسيقى، على الرغم من أن شعره شهر حكمة وإرشاد ووصايا.
فيما يلي: جدول يوضح الأوزان الشعرية ونسبة استعمالها في ديوان الإمام:
فيما يلي: جدول يوضح أحرف الروي ونسبة استعمالها في شعر الإمام:
جدول يوضح مجرى الروي ونسبة استعماله في شعر الإمام:
جدول يوضح نسبة القوافي المطلقة والمقيدة في شعر الإمام:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق