أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 يوليو 2022

جزء في فضل يوم عرفة لابن ناصر الدين الدمشقي (ت 840هـ)

جزء في فضل يوم عرفة

لابن ناصر الدين الدمشقي (ت 840هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ اتفق العلماء على فضل يوم عرفة، وأنه أفضل أيام الدنيا، وأنه يأتي في خير أيام السنة، وهي أيام العشر من ذي الحجة، التي يضاعف فيها ثواب الأعمال، وهي الأيام المعلومات، التي أتمها الله لموسى عليه السلام، وأمر فيها بذكره: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (الحج: 28).

وتأتي هذه الأيام المعلومة في خاتمة الأشهر المعلومة، وقد جاء في الخبر أن العمل المفضول فيها خير من العمل الفاضل في غيرها، وروي أنه يُستجاب فيها الدعاء.

ويُندب صيام يوم عرفة لغير الحاج، وجاء في فضل صيامه أنه يُكفر السنتين الماضية واللاحقة، وليوم عرفة أسماء أخرى، فهو "يوم التمام" الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم النعمة، وهو "يوم الحج الأكبر"، وهو "اليوم المشهود".

وهذا جزء حديثي نفيس في فضل هذا اليوم (يوم عرفة) للإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد الشهير (بابن ناصر الدين الدمشقي) أحد أعلام القرن التاسع الهجري، وقد تضمن هذا الجزء تفسير 9 آيات من كتاب الله تعالى، و 53 حديثاً، بعضها ضعيف، وبعضها واهي، وفيها الصحيح والحسن.

وقد طبع هذا الجزء في مجموع رسائل الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي الذي تضمن 13 رسالة وجزءاً، ويقع من ص 117 إلى ص 189.

***

    قلت «محمد حنونة» في أبياتٍ لي نظمتها:

أكرم بعشر صالحات تعرف

بالذكر والتهليل و(انحر) تشرف

تاسعها خير الأيام عرفة 

أعلمنا فيه (بعتق الرقبة)

وهو العيد العظيم فيه أكملا

لنا فيه الدين القويم ربنا

فأتم الله به علينا النعمة 

(بأكملت لكم) في يوم الجمعة

و(مشهود) البروج فيها قد أتى

و(وتر) والفجر يزيد الشرفا

(يكفر سنتين): واحدة مضت

ولاحقة بذا الرواية قد أتت

و(إنما يصومه من لم يحج)

ويحتسب ثوابه ولا يضج

و(يدنو ربنا من أهل الموقف)

ويعطي كل سائل ويعطف

ثم الصلاة والسلام السرمدي

على إمام الأتقيا محمد

وآله وصحبه أهل النقا 

وكل تابع لهم محققا

والحمد لله على ما أنعم وتفضل

عشية الثلاثاء، 5/ 7/ 2022م.

***

أولاً: سبب تسميته بيوم عرفة:

1-لأن جبريل عليه السلام علّم إبراهيم المناسك كلها بعرفة، عن أبي مجلز.

2-لأن آدم عليه السلام وقع بالهند، وحواء بجُدّة، فاجتمعا بعرفة وتعارفا، قاله الضحاك.

3-لأن إبراهيم عليه السلام عرف فيه أن رؤيا ذبحه إسماعيل كانت حقاً، عن ابن عباس.

4-لطيب رائحة ذلك اليوم، قاله الأنباري في جملة التأويلات.

5-لأن آدم اعترف فيه بذنبه فقبل منه وغُفر له.

6-لأن الناس يتعارفون بعرفات، فالشامي يتعرف إلى اليماني والعراقي

7-لأن الناس يعترفون هناك بذنوبهم ويقرون بها، فيغفرها الله لهم.

8-إن الحور العين يستأذنَّ في أن يطلعن على أزواجهنَّ في يوم عرفة، ذكره الترمذي.

***

ثانياً: قوله تعالى: {والفجر} اختلف العلماء في تعيين المراد؛ على أقوال:

1-أقسم بوقت بدو النهار: روي عن علي بن أبي طالب.

2-أقسم بأول صلاة في النهار: روي عن ابن عباس.

3-أقسم برب الفجر، على تقدير مضاف محذوف.

4-فجر يوم النحر: قاله مجاهد.

5-فجر أول يوم من المحرم؛ لأن منه تنفجر أيام السنة، قاله قتادة.

6-أول يوم عشر ذي الحجة، قاله الضحاك بن مزاحم.

7-فجر يوم عرفة، روي عن جابر، وهو المشهور الصحيح عن ابن عباس، وقول الأكثر.

8-هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تفجر منه الإيمان، روي عن ابن عطاء.

9-هو ما يتفجر من ماء الأنهار والعيون الذي يعجز البشر عن مثله، قاله طاهر الحداد.

***

ثالثاً: قوله تعالى:{والشفع والوتر}.

فالأماكن والأعمال والأزمان والأشخاص والأوصاف منها شفع ومنها وتر:

فالأماكن: كالصفا والمروة شفع، والبيت وتر، ومنى ومزدلفة شفع، وعرفة وتر.

وأما الأعمال: فالطواف وتر، وركعتاه شفع، والصلوات كلها شفع إلا المغرب فإنها وتر.

وأما الأزمان: أيام العشر شفع ويوم عرفة وتر، أو الأيام كلها شفع ويوم القيامة وتر.

وأما الأشخاص: فآدم وتر وحواء شفع، والله سبحانه وتر وبقية المخلوقات شفع.

وأما الأوصاف: فالمخلوقات صفاتها شفع، فتتصف بالشيء وضده من العز والذل، والقدرة والعجز، والقوة والضعف، والعلم والجهل، والحياة والموت، بينما الخالق جل في علاه صفاته وتر أي أن صفاته مفردة، فهو العزيز بلا ذل، والقادر بلا عجز، والقوي بلا ضعف، والعالم بلا جهل، والحي الذي لا يموت.

***

رابعاً: سبب تسمية اليوم الثامن من ذي الحجة بيوم التروية:

1-من تروِّي إبراهيم عليه السلام في شأن رؤياه بذبح الولد.

2-لأن الناس كانوا يتروون معهم من الماء من مكة، فإن عرفات لم يكن بها ماء.

3-لأن آدم عليه السلام أقبل من السند والهند حاجاً، وكان في وقت شديد الحر فعطش، فشكى ذلك إلى جبريل عليه السلام، فنفخ في الأرض نفخة فخرج منها الماء، فروي.

4-لأن الناس يتروون في ذلك اليوم تحت رحمة الله.

***

خامساً: أسماء الأيام السبعة التي هي آخر موسم الحج:

7 =يوم الزينة

8=يوم التروية

9=يوم عرفة

10=يوم النحر

11=يوم القر؛ لأنهم يقرون فيه بمنى.

12=يوم النفر الأول

13=يوم النفر الثاني.

***

سادساً: الحكمة من فطر الحجاج يوم عرفة:

سئل سفيان بن عُيينة، عن النهي عن صيام يوم عرفة -يعني للحاج؛ فقال: لأنهم زوار الله عز وجل وأضيافه، ولا ينبغي للكريم أن يُجوّع أضيافه.

***

سابعاً: مزية موافقة يوم الجمعة ليوم عرفة:

1-الموافقة لوقفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي اختارها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم، فإنها كانت يوم الجمعة بلا خلاف، ومعلومٌ أن الله تعالى لا يختار لرسوله إلا الأفضل.

2-وما رُوي أن أبواب السماء تفتح في ليلة الجمعة سبع مرات، وفي ليلة عرفات تسع مرات، وعليه فإن وافق الجمعة عرفة فتحت أبواب السماء ست عشر مرة.

3-اجتماع المسلمين في أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، واجتماع وفد الله بعرفة للوقوف بها، فيحصل من الجمعين من الدعاء والتضرع والابتهال والعبادة، ما لا يحصل منهما في يوم سواه.

4-أن الأعمال تزكو لشرف الزمان وشرف المكان وشرف الذات، وقد اجتمع يومان شريفات تزكو فيهما الأعمال، فيوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة أفضل أيام السنة، والوقوف بعرفة أفضل أركان الحج.

5-أنهما عيدان لأهل الإسلام، اجتمعا في يوم، فيوم عرفة عيد كما سماه عمر بن الخطاب، ويوم الجمعة عيد كما هو المشهور.

6-اجتماع الشاهد والمشهود في يوم واحد (الشاهد) يوم الجمعة، و(المشهود) يوم عرفة.

7-اجتماع يومين محترمين عظيمين: يوم الجمعة الذي صحَّ فيه أنه خير يومٍ طلعت فيه الشمس، وحرمة يوم عرفة مشهورة.

8-أنه موافق لليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم فيه النعمة على المؤمنين.

9-أنه اجتماع يومين يُستجاب فيهما الدعاء، يوم الجمعة فيه ساعة استجابة، ويوم عرفة فأمر الدعاء فيه مشهور، وقد دعا فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأمته بالمغفرة والرحمة، فأعطاه سؤله.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق