أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 23 يونيو 2025

محمد صلى الله عليه وسلم توفيق الحكيم بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

محمد صلى الله عليه وسلم

توفيق الحكيم

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: هذه السيرة الحواريّة، المُصوّرة بأعذب الألفاظ، وأدق التفاصيل، يحكي فيها قصة مولده، وأمانته وصدقه في قومه، والإرهاصات التي سبقت بعثته، ثم تجارته إلى الشام، ولقائه ببحيرا الراهب، ثم زواجه بخديجة، وإصلاحه بين قومه عند بناء الكعبة، ثم نزول الوحي عليه في غار حراء، وبعد ذلك إعلان دعوته لقومه، وما تلا ذلك من عرض نفسه على القبائل، وتعرضه وأتباعه للإيذاء والتعذيب، وهجرة بعضهم إلى الحبشة، وقصة إسلام عمر بن الخطاب، والأراشي الذي ردَّ له دينه من أبي جهل.

ثم لقياه رهط الخزرج عند العقبة في موسم الحج، واتباعهم إياه، واجتماع المشركين في دار الندوة للبت في أمره، ثم حادثة الهجرة، وخروجه من بين أظهر القوم، واختبائه في غار ثور، ثم رحلته إلى المدينة، وقصته مع سُراقة، ولقاؤه بأم معبد.

وفي الفصل الثاني: وصوله للمدينة، وحفاوة الناس به، ثم بناؤه للمسجد، ولقاؤه بأحبار اليهود، وقصة إسلام سلمان الفارسي، ثم اعتراض قافلة قريش، ومعركة بدر الكبرى، وريا عاتكة، واستنفار ضمضم الغفاري لقريش، وبدء القتال بالمبارزة وانتصار المسلمين.

ثم يعرض مقطعاً من طبيعة الحياة داخل بيت النبوة، وبعض ما كان يجري بين النبيّ وعائشة، ثم تآمر المشركين على قتال النبيّ، والأخذ بثأر أهل بدر، ودعوة الرسول لليهود، وخروج النبيّ إلى أحد بعد وصول كتاب عمّه العباس، وانصراف ثلث الجيش بقيادة "ابن أُبيّ"، وتهيؤ المسلمين للقتال وأخذهم مواقعهم، ثم احتدام المعركة، ومقتل حمزة على يد وحشي.

ثم حالة الحزن العام للمسلمين على المقتلة في بدر، وأسر المشركين لاثنين من المسلمين: خبيب بن عدي، وزيد بن الدمنة، وشجاعتهما عند تنفيذ الإعدام فيهما، ثم التجهيز لمعركة "الأحزاب" واحتشاد المشركين لذلك، وإشارة سلمان على النبيّ بحفر الخندق، وقصة الصخرة التي اعترضت المسلمين أثناء الحفر، ونجاح نعيم بن مسعود في تخذيله بين المشركين واليهود.

 وبعد ذلك حصار "بني قريظة"، وعرض سيدهم "كعب بن أسد" عروضاً مختلفة عليهم، وخيانة أبي لبابة، ونزول بني قريظة على حكم "سعد بن معاذ" الذي حكم عليهم بالقتل والسبي وتقسيم الأموال.

الفصل الثالث: غزوة بني المصطلق، وزواج النبيّ من "جويرية بنت الحارث"، ثم حادثة الإفك التي رافقت هذه الغزوة، واتهام "مسطح" و"حسان" لعائشة بـ"صفوان بن المعطل"، ومكثها مدة في المرض والتعب، ثم نزول الوحي ببراءة عائشة.

ثم ما جري في "صلح الحديبية"، ومكاتبات النبيّ لملوك الأمصار ودعوتهم، وإشارة عمر بغزو "خيبر" قبل فتوح الشام وفارس، وقصة اليهودية التي دسّت السم في الشاة، وقصة عمرو بن العاص وعمرو بن أمية الضمري مع النجاشي، وإرادتهما الفتك بالمهاجرين من المسلمين، ثم إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وسيرهما إلى المدينة، وإخبار النبيّ بذلك، وبقتل "كعب بن الأشرف" و "ابن أبي الحقيق".

ثم ولادة إبراهيم ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم -من مارية القبطية، وغيرة عائشة من ذلك، ثم موت "إبراهيم"، وانكساف الشمس حينها وموقف الناس منها، وإخبار "بلال" بنقض قريش لصلح الحديبية، وطلب "أبي سفيان" بتوثيق العقد وإطالة المدة، ورفض النبيّ لذلك، وتجهزه للقتال، ثم سير المسلمين إلى مكة، وإسلام أبي سفيان في الطريق، وفتح مكة، وتأمين الناس بها.

الخاتمة: وفيها حجّ النبيُّ، وخطبة الوداع، ثم زيارة البقيع ومناجاة الموتى، ثم أمارات مرضه الذي كان بداية رحيله عن الدنيا، واشتداد ذلك المرض، وأمره لأبي بكر بأن يُصلي بالناس، ثم اعتلاء النبيّ المنبر، ونعيه نفسه للناس، ثم مجيء جبريل واستئذان ملك الموت، واختيار النبيّ للقاء الله، وموته، وافتتان الناس في ذلك، ثم قطع أبي بكر للشك باليقين، ثم قصة وداعه والصلاة عليه، ودفن جسده الشريف.

يقول الحكيم في "مقدمة" كتابه:

ويلاحظ أن الكلام الذى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا الكتاب هو كلام تاريخي، وردت نصوصه في كتب معتمدة، هي على سبيل الحصر: سيرة ابن هشام وتفسيرها للسهيلي، وطبقات ابن سعد، والإصابة لابن حجر، وأسد الغابة لابن الأثير، وتاريخ الطبرى ؛ وصحيح البخاري، وتيسير الوصول، والشمائل للترمذي وللبيجورى. 

وكذلك الوقائع الواردة في هذا الكتاب كلها صحيحة مروية في الكتب السابق ذكرها. على أن ترتيب هذه الوقائع وتنسيقها، لم يتبع فيه النظام الزمنى المعروف في كتب التاريخ لما هو مفهوم من أن هذا الكتاب ليس عملا تاريخيا ولا عملياً، وإنما هو عمل المألوف في كتب السيرة أن يكتبها الكاتب، سارداً باسطاً، محللا معقباً، مدافعاً مفنداً.

غير أني يوم فكرت في وضع هذا الكتاب قبل نشره عام ١٩٢٦ م ألقيت على نفسي هذا السؤال: -إلى أي مدى تستطيع تلك الطريقة المألوفة أن تبرز لنا صورة بعيدة ـ إلى حد ما عن تدخل الكاتب ؟... صورة ما حدث بالفعل، وما قيل بالفعل دون زيادة أو إضافة، توحى إلينا بما يقصده الكاتب أو بما يرمى إليه ؟... »

عندئذ خطر لي أن أضع السيرة على هذا النحو الغريب. فعكفت على الكتب المعتمدة والأحاديث الموثوق بها، واستخلصت منها ما حدث بالفعل وما قيل بالفعل. وحاولت - على قدر الطاقة - أن أضع كل ذلك في موضعه كما وقع في الأصل، وأن أجعل القارئ يتمثل كل ذلك ؛ كأنه واقع أمامه في الحاضر، غير مبيح لأي فاصل - حتى الفاصل الزمني - أن يقف حائلا بين القارئ وبين الحوادث، وغير مجيز لنفسي التدخل بأى تعقيب أو تعليق، تاركا الوقائع التاريخية، والأقوال الحقيقية ترسم بنفسها الصورة

كل ما صنعت هو الصب والصياغة فى هذا الإطار الفني البسيط ؛ شأن الصائغ الحذر، الذي يريد أن يبرز الجوهرة النفيسة في صفائها الخالص، فلا يخفيها بوشى متكلف، ولا يغرقها بنقش مصنوع، ولا يتدخل إلا بما لا بد منه ؛ لتثبيت أطرافها في إطار رقيق لا يكاد يرى

هذا ما أردت أن أفعل: فإذا اتضح للناس - بعد هذا العمل - أن الصورة عظيمة حقا ؛ فإنما العظمة فيها منبعثة من ذات واقعها هي، لا من دفاع كاتب متحمس، أو تفنيد مؤلف متعصب.






 


جمال الدين الحسيني الأفغاني عبد القادر مصطفى أحمد المغربي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

جمال الدين الحسيني الأفغاني

عبد القادر مصطفى أحمد المغربي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

  

تمهيد: تفتقد الأمة اليوم إلى الإمام الراسخ، والعالم الصادق، والفليسوف الناصح، الذي يضع يده على جروحها، ويكشف عن علتها، ويصف لها الدواء، بكل دقّةٍ وأمانة، بعيداً عن شيوخ الفتنة، ومرتزقة الحكومات، الذين يُصانعون الظلمة، ويُسارعون في أهوائهم، ويؤولون لهم مخازيهم باسم الدين والإسلام.

ولعل من أوائل الصيحات التي ارتقت بقوة في هذا الصرح، جهود المصلح العظيم: السيد جمال الدين الأفغاني، الذي كان من كبار المصلحين في القرن الماضي، وأحد المخلصين في دعوته للدين، الذين أيقظوا الشعوب، وأثاروا فيهم الوعي والحماسة، ليحرروا بلادهم من براثن الاستعمار وذل الاستعباد.

غير أن هناك من أساء الظن بالأفغاني؛ فرماه بالماسونية والمكر والخداع، ووصمه بالكفر والإلحاد والسعي في تقويض العروش وإسقاط الأنظمة، والكيد للإسلام والقضاء على الخلافة الإسلامية، وتوحيد الأديان، وهناك من جعله شيعي رافضي يتبع عقيدة الإيرانيين، وهناك من رماه بوحدة الوجود، وشأنه في ذلك شأن غيره ممن حظي بشهرة في جانب الحياة من أنصاره ومن يواليه وخصومه ومن يناوئه ويعاديه.

وقد حاول الدكتور محمد عمارة الدفاع عن الرجل في كتابه "جمال لدين الأفغاني المفترى عليه"، وليس هدفنا معرفة مكنون ما يخفيه الرجل، أو اتهامه بشيء مما يذكره الناس، وهذا لا يعني نقد أفكاره، أو محاولة تصويبها؛ وإنما الغاية من هذا العرض هو الاطلاع على شيء من سيرته المسجلة والمكتوبة في هذا الكتاب.

ولكي يكون الكلام علمياً ومنطقياً نورد أبرز التُّهم التي وُجّهت إلى الرجل، وهي: أن دعوته سياسية، تغريبية، باطنية، انحلالية، علمانية، قومية، اشتراكية، وطنية، وأنه دعا إلى توحيد الأديان الثلاثة، بالإضافة إلى السفور، وأنت ترى ما في هذه التُّهم من التناقض، وهي التي ذكرها مصطفى غزال في رسالته العلمية "دعوة الأفغاني في ميزان الإسلام".

ترجمة الإمام جمال الدين الحسيني

       اسمه ولقبه:

محمد بن صفدر الحسيني، الملقب بجمال الدين الأفغاني، هو أحد أعلام القرن الماضي، وأحد فلاسفة الإسلام في عصره، كما كان أحد الأفذاذ الذين قامت على سواعدهم نهضة الشرق الحاضرة.

نشأته:

ولد الشيخ جمال الدين في أفغانستان في قرية "أسعد آباد" سنة (1245 هـ)، ونشأ بكابل بعد انتقاله إليها مع أبيه وأعمامه بعد طردهم منها بعد استيلاء دوست محمد خان عليها.

دراسته وتعليمه:

بدأ تعليمه في الثامنة؛ حيث تلقى العلوم العقلية والنقلية، لا سيما في العربية من نحو وصرف ومعان وبيان وكتابة وتاريخ عام وخاص، ومنها علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وأصول فقه وكلام وتصوف، وبرع في الرياضيات، وسافر إلى الهند، وحج (سنة 1273 هـ) وعاد إلى وطنه، فأقام بكابل.

       مغادرته افغانستان:

انتظم الأفغاني في سلك رجال الحكومة في عهد الأمير (دوست محمد خان)، وشارك في الحروب الداخلية التي جرت بين أمراء الأفغان، حتى كان الظفر لمحمد أعظم خان، الذي انحاز الأفغان له، وكان الشيخ جمال الدين بمثابة وزير دولته، ثم تحالف خصمه شير علي مع الإنكليز، حتى كانت الغلبة له، ولم يتعرض حينها للشيخ الجمال بسوء لاعتبارات دينية، ولكنه أضمره له، ولم يسلم الأفغاني من المؤامرات التي حيكت ضده، فقرر مغادرة أفغانستان إلى الهند.

       رحلته إلى الهند ومصر:

 ثم رحل مارّاً بالهند ومصر، يقول محمد عبده: "ولما وصل إلى التخوم الهندية تلقته حكومة الهند بحفاوة في إجلال، إلا أنها لم تسمح له بطول الإقامة في بلادها، ولم تأذن للعلماء في الاجتماع عليه إلا على عين من رجالها، فلم يقم أكثر من شهر، ثم سيرته من سواحل الهند في أحد مراكبها على نفقتها إلى السويس، فجاء إلى مصر وأقام بها نحو أربعين يوماً".

       انتقاله إلى الأستانة

ثم سرعان ما تحول إلى الآستانة (سنة 1285 هـ) فجعل فيها من أعضاء مجلس المعارف، يقول الشيخ محمد عبده: "وتعجل بالسفر إلى الآستانة، فبعد أيام من وصولها أمكنه ملاقاة الصدر الأعظم عالي باشا، ونزل منه منزلة الكرامة، وعرف له الصدر فضله، وأقبل عليه بما لم يسبق لمثله، وحومت عليه لفضله قلوب الأمراء والوزراء، وعلا ذكره بينهم، وتناقلوا الثناء على علمه ودينه وأدبه، وهو غريب عن أزيائهم ولغتهم وعاداتهم، وبعد ستة أشهر سمي عضواً في مجلس المعارف، فأدى حق الاستقامة في آرائه".

       نفيه من الأستانة إلى مصر:

ونفي منها (سنة 1288هـ)، فقصد مصر، يقول الشيخ محمد عبده: "وقام عليه شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي، لأنه كان يرى الشيخ يمس بشيء من رزقه، فأرصد له العنت، وأقام من الحق باطلاً ليصيب غرضه من الانتقام، فأشاع أن الشيخ جمال الدين زعم أن النبوة صنعة، واحتج لتثبيت الإشاعة بأنه ذكر النبوة في خطاب يتعلق بالصناعة، وهكذا تكون حجج طلاب العنت، ثم أوعز إلى الوعاظ في المساجد أن يذكروا ذلك محفوفاً بالتفنيد والتنديد، فاهتم السيد جمال الدين للمدافعة عن نفسه وإثبات براءته مما رمي به، وأكثرت الجرائد من القول في المسألة، فمنها نصراء للشيخ جمال الدين، ومنها أعوان لشيخ الإسلام، وحمله بعض من كان معه على التحول إلى مصر".

       النهضة الدينية في مصر:

ولما استقر بالديار المصرية نفخ فيها روح النهضة الإصلاحية، في الدين والسياسة، وتتلمذ له نابغة مصر الشيخ محمد عبده، وكثيرون. يقول الشيخ محمد عبده: "ولم يكن عازماً حلية الإقامة بها، حتى لاقى صاحب الدولة رياض باشا فاستمالته مساعيه إلى المقام، وأجرت عليه الحكومة وظيفة ألف قرش مصري كل شهر نزلاً أكرمته به لا في مقابلة عمل، واهتدى إليه بعد الإقامة كثير من طلبة العلم". وكان يُدرس العلوم المختلفة من فلسفة وحكمة وغيرهما في داره،

       حفاوة المصريين بالأفغاني وطرده منها:

وأصدر أديب إسحاق، وهو من مريديه، جريدة (مصر) فكان جمال الدين يكتب فيها بتوقيع (مظهر بن وضاح) أما منشوراته بعد ذلك فكان توقيعه على بعضها (السيد الحسيني) أو (السيد)، وكان الخديوية من أعظم المناصرين لمذهبه ومقالاته، حتى جاء توفيق باشا، يقول الشيخ محمد عبده: "وكان الخديوي توفيق من المؤيدين لمقاصد السيد، الناشرين لمحامده، إلا أن بعض المفسدين ومنهم مستر قيفيان قنصل إنكلترا الجنرال سعى فيه لدى الجناب الخديوي، ونقل المفسد عنه ما الله يعلم أنه بريء منه حتى غير قلب الخديوي عليه، فأصدر أمره بإخراجه من القطر المصري، ففارق مصر إلى البلاد الهندية".

       نفيه إلى الهند:

ونفته الحكومة المصرية (سنة 1296 هـ) فرحل إلى حيدر آباد، يقول محمد عبده: "وأقام بحيدر أباد الدكن، وفيها كتب رسالته التي ألفها في إبطال مذهب الدهريين وبيان مفاسدهم، وإثبات أن الدين أساس المدينة، والكفر فساد العمران. ولما كانت الفتنة الأخيرة دعي من حيدر أباد إلى كلكته، وألزمته حكومة الهند بالإقامة فيها، ولما انتهت الأزمة المصرية مع الإنكليز، أُبيح له الذهاب إلى أيّ بلدٍ شاء، فاختار باريس".

       انتقاله إلى باريس:

 ثم انتقل إلى باريس، وأقام بها ما يزيد على ثلاث سنوات، وأنشأ فيها مع الشيخ محمد عبده جريدة (العروة الوثقى)، يقول الشيخ محمد عبده: " وقد وافيناه في أثناء هذه المدة، ولما كلفته جميعة العروة الوثقى أن ينشئ جريدة تدعو المسلمين إلى الوحدة تحت لواء الخلافة الإسلامية، أيدها الله، سألني أن أقوم على تحريرها فأجبت، ونشر من الجريدة ثمانية عشر عدداً، وقد أخذت من قلوب الشرقيين عموماً والمسلمين خصوصاً ما لم يأخذه قبلها وعظ واعظ ولا تنبيه منبه، وذلك لخلوص النية في تحريرها، وصحة المقصد في تحبيرها، ثم قامت الموانع دون الاستمرار في إصدارها حيث قفلت أبواب الهند عنها، واشتدت الحكومة الانكليزية في إعنات من تصل إليهم فيها".

ورحل رحلات طويلة، فأقام في العاصمة الروسية (بطرسبرج) كما كانت تسمى، أربع سنوات، ومكث قليلا في ميونيخ (بألمانيا) حيث التقى بشاه إيران (ناصر الدين) ودعاه هذا إلى بلاده، فسافر إلى إيران.

       عودته إلى إيران، ثم أفغانستان:

وصل الشيخ الأفغاني إيران سنة (1303 هـ) ثم ضيق عليه فيها، فاعتكف في أحد المساجد سبعة أشهر، كان في خلالها يكتب إلى الصحف مبيناً مساوئ الشاه، محرضاً على خلعه.

       عودته إلى الأستانة:

وخرج إلى أوروبا، ونزل بلندن، فدعاه (السلطان عبد الحميد) إلى الآستانة، فذهب وقابله، وطلب منه السلطان أن يكف عن التعرض للشاه، فأطاع، وأراد السلطان عبد الحميد أن يتأكد من ذلك، ويشتري صمته فمنحه رتبة قاض عسكري وهي وظيفة يسيل لها لعاب كثير من أصحاب المناصب والشهوات لها، لما تقتضيه من رواتب وحلل زاهية ومركز مرموق، ولكن جمال الدين الأفغاني لم يكن من هذا النوع فعندما جاء رجال السلطان يتسابقون إليه بهذه البشرى قال لهم: قولوا لمولاكم السلطان: إن جمال الدين الأفغاني يرى رتبة العلم هي أعلى رتبة ثم قولوا له: إنني لا أستطيع أن أكون مثل البغل المزركش.

وعلم السلطان بعد ذلك أنه قابل (عباس حلمي) الخديوي، فعاتبه قائلا: أتريد أن تجعلها عباسية؟ ومرض بعد هذا بالسرطان، في فكه، ويقال: دس له السم.

وتوفي بالآستانة سنة (1315 هـ). ونقل رفاته إلى بلاد الأفغان سنة 1363 هـ.

       معرفته باللغات، واطلاعه الكبير:

وكان عارفا باللغات العربية والأفغانية والفارسية والسنسكريتية والتركية، وتعلم الفرنسية والإنجليزية والروسية، وإذا تكلم بالعربية فلغته الفصحى، واسع الاطلاع على العلوم القديمة والحديثة، كريم الأخلاق كبير العقل، لم يكثر من التصنيف اعتمادا على ما كان يبثه في نفوس العاملين وانصرافا إلى الدعوة بالسر والعلن.

تأسيسه جريدة العروة الوثقى:

وهو صاحب الفضل في تأسيس جريدة "العروة الوثقى"، والتي أنشأها لنصرة الضعفاء، والرد على استبداد الغرب بدول الشرق، وتفريط الحكام في مصالح شعوبهم، وقد أبرز المؤلف أهمية هذه الجريدة، في استحداث المعاني، وتعريب الكلمات، وكونها المقدمة التي وضعت بين يدي ناشئة العرب مناهج الكتابة وأساليب الإنشاء، التي لم يكونوا يعهدونها من قبل، بما تضمنته من الكلمات الفصيحة، والتعابير الرشيقة.

وتعد هذه الجريدة هي بادرة الوعي العربي لما يجري بين الناس، بما تضمنته من الموضوعات الاجتماعية، والأخلاقية، والسياسية، والإصلاح الديني، ومن أبرز العناوين التي تضمنتها التشنيع على الإنكليز في أطماعهم في البلاد العربية، وتهييج النفوس عليهم، وتأريث نيران الفتن من حولهم.

وممن تأثّر بالشيخ الأفغاني:

أحمد لطفي بن السيد أبي علي (ت 1382 هـ)، المعروف بأستاذ الجيل، وكان رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وقد تأثر به أثناء وجوده في استنبول.

سعد (باشا) بن إبراهيم زغلول (ت 1346 هـ)، ويُعد زعيم نهضة مصر السياسية، وأحد أبرز خطبائها، واتصل بالأفغاني، وتأثر به وبالشيخ محمد عبده.

عبد القادر بن مصطفى المغربي الطرابلسي (ت 1375 هـ)، نائب رئيس مجمع اللغة بدمشق، وله "مذكرات جمال الدين الأفغاني -ط".

فتح الله بن محمد جواد الأصفهاني (ت 1339 هـ) ويُلقب بشيخ الشريعة، وكان أحد فقهاء الإمامية، ومن أصدقاء الشيخ جمال الدين الأفغاني.

محمد بخيت بن حسين المطيعي الحنفي (ت 1354 هـ)، مفتي الديار المصرية، اتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني، ثم كان من أشد المعارضين للشيخ محمد عبده.

الشيخ محمد عبده بن حسن خير الله (ت 1323 هـ)، مفتي الديار المصرية، وأحد قادة النهضة الإصلاحية، والمحرر الأول لجريدة العروة الوثقى، وأحد أصدقاء الشيخ جمال الدين الأفغاني، وقد ترجم له كما في "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر (ص 440)".

معارضي الشيخ جمال الدين الأفغاني:

1-وكان من أشد الناس معارضةً للشيخ الأفغاني هو الشيخ يوسف بن إسماعيل بن يوسف النبهاني (ت 1350 هـ)، وشنَّ حملةً شعواء على الأفغاني ورفيقه الشيخ محمد عبده، وله "الرائية الصغرى - ط" قصيدة طويلة فيها هجاء للسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والسيد محمد رشيد رضا، وقد ردَّ عليه الشيخ محمود شكري الآلوسي في ذلك.

2-الشيخ محمد بن يوسف بن محمد بن سعد الحيدري الخلوتي (ت 1380 هـ)، وكان من الناقمين على دعاة فتح باب الاجتهاد، ومن المنتقدين لآراء الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده لأنهما لا يقولان بما يقوله المتقدمون ويخالفون في بعض آرائهما الفقهاء والمفسرين، وله آراء أخرى كنفي كروية الأرض ودورانها، وفي زعمه أن ذلك عقيدة المسلمين وقول علمائها.

ومن مؤلفاته:

 (تاريخ الأفغان - ط) و (رسالة الرد على الدهريين بالفارسية- ط) ترجمها إلى العربية تلميذه الشيخ محمد عبده بمساعدة عارف أفندي أبي تراب الأفغاني، وقد أثبت فيها أن الدين هو أساس المدنية، وأن الكفر هو فساد العمران. وجمع محمد باشا المخزومي كثيراً من آرائه في كتاب (خاطرات جمال الدين الأفغاني - ط). وله كثير من الرسائل المطبوعة، منها: (الإخاء -ط)، و(الرد على النيشريين)، ورسالة (البيان في تاريخ الإنكليز والأفغان)، و(العلة الحقيقية لسعادة الإنسان)، وكلها مطبوع.






وعد الآخرة: زوالٌ لا إبادة تأملات في سورة الإسراء نصر خليل فحجان

وعد الآخرة: زوالٌ لا إبادة

تأملات في سورة الإسراء

نصر خليل فحجان

 

       تمهيد: هذا الكتاب هو تأملات عقلية، وتحليلات سياسية وأمنية، منحها المؤلف خياله ووقته وجهده، في محاولة استشرافية للتنبؤ بوعد الآخرة، الذي سيزول فيه الاحتلال عن أرض فلسطين، وهو بالتالي يذهب إلى ترجيحات بعض المعاصرين الذين ذهبوا إلى أن الوعد الآخرة في القرآن لم يأتي بعد، كالشيخ محمد متولي الشعراوي، والأستاذ سعيد حوى، والدكتور أحمد نوفل، وبسام جرار، وعبد الله الطوالة، ويونس الأسطل، وغيرهم.

وحاول المؤلف توظيف الواقع والتاريخ لإثبات صوابية منهجه، كما أن كتابه لم يخلُ من مناقشات علمية جديرة بالتأمل، سيما في مناقشة بعض المعاصرين؛ كالدكتور محمد راتب النابلسي عند تفسيره {بعثنا عليكم عباداً لنا}، والذي تأوّل الآية على كون الإفساد الأول وقع في المدينة من بني قينقاع وبني النضير، وناقش من تأول الآية على زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

يقول الدكتور يونس الأسطل: "ولا بُدّ من الإقرار بصعوبة الحسم في الخلاف بين العلماء والمفسرين قديماً وحديثاً في تحديد المرة الأولى للإفساد والعلو الكبير، وأن وعد الآخرة لا يخلو من عراكٍ علميٍّ أيضاً، وقد رجّح الباحث بعض الآراء مشكوراً، لكني لا أشايعه بالضرورة في بعض ما ذهب إليه" اهـ.

ويتضمن الكتاب اثنتين وعشرين وقفة، إحداها وقفة مع العلو الكبير لبني إسرائيل، التي زاد في هذه الأرض على الثماني مرات، وأخرى مع النفير التي زاد على ست مرات، وثالثة مع إساءة وجوه بني إسرائيل التي بلغت العشرة، وقد افتتح هذه الوقفات بأول آية من سورة الإسراء.

وفي الكتاب إشارات مُلهمة، وخواطر تسبح في الفضاء، ولكنها لا يُعتد بها في باب التفسير، لأنها لا تسير على منهجية صحيحة، أو ميزان قويم، بل هي أقرب إلى الأمنيات، وأحاديث القُصّاص.

يقول المؤلف: 

وإن مما يجعلني متيقناً من أنَّ الكيان الإسرائيلي القائم حالياً على أرض فلسطين هو الإفساد الثاني والأخير لبني إسرائيل ما يلي:

1. هذا الإفساد الذي نراه سبقه ردّ للكرة لبني إسرائيل على العرب، وهو ما صرحت به هذه الآية ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) الإسراء: ٦

2. الإمداد الواضح لبني إسرائيل بالأموال والبنين، كما وضحت سابقاً، وَأَمْدَدْنَكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ﴾ [الإسراء: ٦}.

3. اليهود هم الأكثر نفيراً من العرب، والأكثر نفيراً واستنفاراً للعالم كله لشن الحروب منذ 1948م، كما قَالَ تَعَالَى: كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَاهَا اللهُ ﴾ [المائدة: ٦٤}.

4. إساءة الوجوه التي يتعرض لها اليهود على يد أهل فلسطين، والمقاومة الفلسطينية يوما بعد يوم، فقد انكشفت سوءاتهم أمام الكثير من شعوب العالم، وعُرف عنهم الوحشية، وظهرت عوراتهم، ولم يعودوا هم الجيش الذي لا يُقهر ، كما كانوا يزعمون دائماً.

5. إن مجيء اليهود لفيفاً إلى فلسطين من كل مكان يؤكد أن هذا الإفساد الذي نراه هو الإفساد الثاني والأخير لبني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين) : فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (الإسراء: ١٠٤).

ولا أشك في أنَّ الإفساد الثاني والأخير لبني إسرائيل في الأرض المقدسة (فلسطين) هو هذا الإفساد الذي نراه بأعيننا الآن، وهو المتمثل في هذا الكيان الجاثم فوق الأرض الإسلامية العربية والمُسمَّى (إسرائيل)، وإنَّ المرجح أنَّ معظم اليهود الموجودين على أرض فلسطين ليسوا من بني إسرائيل نسبًا، إنما من الخزر، ولكن لحكمة يريدها الله تعالى قدر أنْ يُلَقِّبُوا كيانهم بإسرائيل، ليكون هؤلاء الشراذم من بني (إسرائيل) الدولة، أي أنَّ الانتساب إلى إسرائيل سياسي، وليس عَصَبةً، وهو الذي تم الإعلان عنه في 1948/5/15م.

الدراسات المتعلقة بزوال دولة إسرائيل:

صدرت دراسات عربية إسلامية لمفكرين مسلمين توصلوا من خلال هذه الدراسات إلى قرب زوال (إسرائيل)، وأن العد التنازلي لزوال الإفساد الإسرائيلي في فلسطين يقترب من نهايته.

ومن أشهر هذه الدراسات العلمية دراسة للمفكر الفلسطيني الأستاذ / بسام جرار بعنوان: زوال إسرائيل 2022.. نبوءة أم صدف رقمية)، والتي اعتمد فيها على استقراء القرآن الكريم، وخاصة الإعجاز العددي فيه.

وسار على نهجه أيضًا المفكر السوري / م. عدنان الرفاعي في دراسته: نهاية إسرائيل في القرآن الكريم، والتي توصل فيها إلى نتائج مشابهة تقريباً.

من هم البابليون أصحاب السبي الأول؟

أصحاب الوعد الأول هم البابليون هم الكلدانيون الذين ورثوا دولة أشور في العراق، وهم قبائل عربية جاءت من الجزيرة العربية، وسيطرت على منطقة العراق فهم عرب من أصول عربية، وهم أجداد أهل العراق والشام الحاليين.

يقول د. مروان عقراوي: تاريخياً : الأشوريون والكلدانيون كانوا دولتين أو نظامين سياسيين لبلد واحد ، ولغة واحدة، وحضارة واحدة، في حقبتين متتابعتين زمنياً، وللتوضيح: إن من يقول بأن قوميته أشورية أو كلدانية كمن يقول : إن قوميته أموية أو عباسية، حيث كما هو ثابت أن الدولة الأموية والدولة العباسية كانتا دولتين عربيتين في فترة الحضارة العربية الإسلامية، فليس للأموية أو العباسية لغة خاصة أو حضارة خاصة.

ويقول أيضاً : إن سكان شمال العراق في الفترة الأشورية وما سبقها ينحدرون من هجرات العرب العموريين الذين هاجروا من عرب الجزيرة العربية شمالاً باتجاه العراق والشام، أما الكلدانيون فينطبق عليهم ما ينطبق على الآشوريين، فهم ينحدرون من هجرات من الجزيرة العربية التي استقرت في وسط العراق وجنوبه، وهجرتهم تزامنت مع هجرة الآراميين، أو أنهم من الآراميين، وقد استطاع زعيم عائلة (كالدو) أن يسيطر على النظام السياسي، وهو ما نطلق عليه في زماننا الدولة البابلية الجديدة.

وينحدر من بيت كالدو) الملك البابلي الشهير (نبوخذ نصر)، و (كلدان) جمع لكلمة ( كالدو) أو (كلدي)، وهو اسم عائلة (نبوخذ نصر)، فالكلدان هم أقوام خرجت من شبه الجزيرة العربية، وقد اندفعوا من هذه المنطقة، ودخلوا العراق خلال الألف الأول قبل الميلاد متخذين طريق ساحل البحر العربي، ثم الخليج العربي الذي أصبحمقترناً باسمهم فسمي بالبحر الكلدي).

ويرى الدكتور أحمد سوسة أن موطن الكلدان الأصلي هو شواطئ الخليج العربي جنوب العراق، وينقل الباحث جواد علي عن (سترابو) أن مدينة (الجرها) التي تقع في القطيف في ساحل الخليج العربي في السعودية هي موطن الكلدان الأصلي).

يقول الأستاذ بسام جرار : وأُحِبُّ أنْ يعلم القارئ أن الأشوريين والكلدانيين هم قبائل عربية هاجرت من الجزيرة العربية إلى منطقة الفرات، ثم انساحت في البلاد، حتى سيطروا على ما يسمى اليوم العراق وسوريا الطبيعية، وقد أسلم معظم هؤلاء، وأصبحوا من العرب المسلمين)

ثم إِنَّ المُراد بقوله تعالى: (عَلَيْهِمْ) هم العرب، والذين يُعرفون اليوم بأسماء بلادهم ودولهم: (الفلسطينيون، الأردنيون السوريون اللبنانيون العراقيون، المصريون الخليجيون، المغرب العربي ....) وقد كانوا في مراحل من التاريخ يُعرف بعضهم بالبابليين، أو الأشوريين، أو الكلدانيين، أو الآراميين

ومن أشهر الحروب التي خاضها العرب مع  اليهود:

1. حرب فلسطين 1948م (النكبة)، حيث سيطرت (إسرائيل) على %78 من أرض فلسطين، وهجرت مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم.

2. العدوان الثلاثي على مصر وغزة 1956م، حيث احتلت (إسرائيل) شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة لمدة ستة أشهر، وارتكبت مجازر كثيرة في تلك الفترة القصيرة.

3. حرب حزيران 1967م، حيث شنت (إسرائيل) حرباً على مصر وسوريا والأردن، وكان من نتائج هذه الحرب:

أ. احتلال (إسرائيل) لشبه جزيرة سيناء المصرية، وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية، في ستة أيام، أو قُل: في ست ساعات بتعبير أدق.

ب احتلال هضبة الجولان السورية، وهي منطقة عسكرية استراتيجية مطلة على فلسطين من الشمال الشرقي.

ج. احتلال الضفة الغربية التي كانت تحت الإدارة الأردنية، بالإضافة إلى منطقة وادي عربة، وهي منطقة أكبر من قطاع غزة.

4. حرب أكتوبر 1973م، والتي تم فيها انسحاب (إسرائيل) من قناة السويس المصرية، فكأنها حرب تحريك لا تحرير، هدفها إعادة الملاحة في قناة السويس، فضلا عن التهيئة لاتفاقية كامب ديفيد التي أُخْرِجَتْ مصر من جبهة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

5. اجتياح جنوب لبنان 1978م، بهدف ضرب المقاومة الفلسطينية.

6. اجتياح لبنان، والوصول إلى بيروت عام 1982م، وإخراج المقاومة الفلسطينية إلى تونس وبلدان عربية، وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا.

7. حرب تموز ضد المقاومة اللبنانية عام 2006م، وقد امتدت (33) يومًا، وتوقفت بعد مجزرة في الدبابات الإسرائيلية.

8. حرب الفرقان ضد غزة في 27 ديسمبر عام 2008م، واستمرت حتى 18 يناير 2009م

9. حرب حجارة السجيل ضد غزة عام 2012م، وكانت سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، ضربت فيها المقاومة الفلسطينية قلب الكيان الإسرائيلي في وسط تل الربيع (تل أبيب)

10. حرب العصف المأكول ضد غزة عام 2014م، والتي كانت بمباركة الأنظمة العربية وخذلانها، وامتدت إلى 51 يوما، وتمكنت المقاومة الفلسطينية فيها من خطف عددٍ من جنود الاحتلال، وضربت حيفا بالصواريخ.

مع ما تخلل الانتفاضة الأولى والثانية من العدوان على الشعب -الفلسطيني، وكذلك المجازر المختلفة التي ارتكبها اليهود - ولا يزالون -ضد الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها

خلاصة هذه الدراسة:

ويُمكنني أنْ أُجْمِل في هذه الخاتمة أهم ما توصلت إليه في دراستي من خلال هذه التأملات:

أولاً : إنَّ أرض فلسطين هي الأرض المباركة، وهي قلب الشام، والمسجد الأقصى هو محور هذه البركة.

ثانيا : بيت المقدس (القدس) هي عاصمة دار الخلافة الإسلامية القادمة، وستكون ناظمًا لكل المسلمين في الأرض، بإذن الله تعالى.

ثالثا : الإفساد الأول لبني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين) انتهى على أيدي الأشوريين بقيادة ملك بابل (نبوخذ نصر) سنة 586 ق. م، والذين ترجع أصولهم إلى قبائل عربية هاجرت من جزيرة العرب إلى منطقة بابل بالعراق

رابعا : الإفساد الثاني لبني إسرائيل في الأرض المباركة (فلسطين) هو هذا الذي نراه الآن من إقامة دولة (إسرائيل) على أرض فلسطين منذ .العام 1948م

خامسا : : يستمر أهل فلسطين في ظهورهم على الحق، وقهرهم للأعداء، وبقاء خذلان العرب والمسلمين لهم حتى يأتيهم أمر الله.

سادسا : يكون تحرير فلسطين المباركة على أيدي أبنائها من أهل بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس، ومرابطي عسقلان (غزة)، مع احتمالية مساندة أهل دمشق وما حولها لأهل فلسطين عن بعد، من خلال الاشتباك مع اليهود وإشغالهم، بإذن الله تعالى.

سابعا : تحرير فلسطين وإقامة دولة الخلافة في بيت المقدس، ليس من أشراط الساعة الكبرى المعروفة، ولكنه دليل على دُنُو أشراط الساعة والأمور العظام.

ثامنا : تحرير فلسطين وزوال (إسرائيل)، وإقامة دولة الخلافة في القدس، يكون قبل ظهور المهدي عليه السلام، وقبل خروج الدجال وقبل نزول عيسى بن مريم عليه السلام، بإذن الله تعالى.

تاسعا : يعود اليهود إلى فلسطين مع الدجال في محاولة للإفساد من جديد، وعندها ينزل عيسى بن مريم عليه السلام، فيقتل الدجال عند باب لد بفلسطين، وينطق الحجر والشجر ، وينطق كل شيء وقوفا مع المقاتلين المسلمين الذين يقاتلون اليهود، ولا يبقى يهودي في فلسطين بإذن الله تعالى.

عاشرا : إِنَّ زوال (إسرائيل) بات قريبًا جدًّا ، تدل على هذا العديد من الدراسات العلمية، والبحوث المتخصصة التي تؤكد بأن (إسرائيل) ستزول خلال السنوات القليلة القادمة بإذن الله تعالى.










شرح القصيدة الشمقمقية

عبد الله كنون الحسني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: هذه القصيدة الفائقة، والجوهرة الناطقة في ألفاظها ومعانيها؛ لابن الونان، والتي تٌشبه الطلاسم في حُسن سبكها، والعزائم التي تجذب القلوب برونقها، وبهجتها، وقوة أسلوبها، يُذكر فيها رحيل الأحبة، واصفاً الإبل التي تحملوا عليها، والبيد التي تعرفوها، حتى أنه لام الحادي على جدّه السير ليلاً ونهاراً، حتّى أضرّ بالإبل ضرراً بليغاً، مما أثار شفقته عليها، وقد حثّه على ألا يتعجّل الذهاب والسّفر؛ لما في القلب من لواعج الشوق، وألم الحزن على الفراق.

       وقد بيّن الناظم أن الحُب بينه وبين خليلته مُتبادل، لكنه لم يكن يتوقع هذا الفراق والبُعد بعد هذا الحُب العميق والهوى الذي يُحرق الأكباد، وهي مع جمالها وزهائها، تضمنت أخبار العرب، وأيامهم الشهيرة، وفرسانهم الكبار، ومعاركهم الخالدة، والمواقع التاريخية، والأمثال والحكم التي زينت كتب التراث، مع ما فيها من العبر والعظات.

       وقد مدح الناظم شعره، وتفنّن في رسم ذلك، وأتى بصياغات بليغة تُعضّد فصاحته، وبلاغته في النظم، وذلك لتمكنه من فنون العربية والعلوم الأخرى، وقد أظهر هذا الفخر في أبياتٍ أولها:

وهل أنا إلا ابنُ ونّان الذي ... قرَّبه كُلُّ أميرٍ مُرتَقِ

ويقول أيضاً:

وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ شَاعِراً … فَحْلاً فَكُنْ مِثْلَ أَبِي الشّمَقْمَق

مَا خِلْتُ فِي الْعَصْرِ لَهُ مِنْ مَثَلِ … غيرَ أَبِي فِي مَغْرِبِ وَمَشْرِقِ

لِذَاكَ كَنَّاهُ بِهِ سَيِّدُنَا … السُّلْطَانُ عِزُّ الدِّينِ تَاجُ الْمَفْرِقِ

الشاعر الفحل: المفضل عموماً، والغالب بالهجاء من هاجاه وأبو الشمقمق شاعر كوفي أديب ظريف من موالى مروان ابن محمد آخر خلفاء بني أمية وكان هجاء كثير الهزل في شعره ومن ظریف شعره قوله يهجو سعيد بن سلم:

هيهات تضرب في حديد بارد … إن كنت تطمع في نوال سعيد 

والله لو ملك البحور بأسرها … وأتاه سلم في زمان مدود 

يبغيه منها غرفة لطهوره …. لأبى وقال تيممن بصعيد

  قوله ما خلت؛ أي: ما ظننت والمثل الشبيه والنظير لغة في المثل وكناه به أي أطلق عليه كنيته، وعز الدين أي معزه وتاج المفرق أي هو كتاج المفرق: في الرفعة والجلال والمفرق: موضع افتراق شعر الرأس وهو محل التاج، وكان والد الناظم أديبا المعياً، صاحب نکات وملح، واتخذه السلطان سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل نديما وقربه وأحبه، وكناه بأبي الشمقمق فاشتهر بها هو وولده.

يقول الشارح أول كلامه على القصيدة: "فهذا تفسير الألفاظ [الشمقمقية] دعاني إليه أني رأيت كثيراً من الطلبة يحفظونها ولا يفهمونها وآخرين يطلبونها فلا يجدونها، فأحببت أن أقرب ما بين أولئك وبينها، وأزفها إلى هؤلاء بعد أن أزينها، والله المسئول في القبول، وبلوغ السؤال، آمين".

ترجمة المؤلف كما في المقدمة

فأول ما نذكر مما نعرفه عنه اسمه ونسبه: فهو أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الونان الملوكي، الحميري النسب، التواتى الأصل، النماسي الدار، وهو يدلى إلى الحميرية بقومه بنى معقل من عرب الصحراء الذين تملكوا وطنه توات بعد زناتة، وبنو معقل هؤلاء رجح ابن خلدون أنهم من مرحج. ومذحج من كهلان ابن سبأ أخي حمير وبهذا يفسر افتخار المترجم بالأنصار فى الشمقيقية لأن نسب الأنصار في كهلان، لكن شهرة قومه بفاس إنما كانت بأولاد الونان. و ببني ملوك.

ثم تذكر أن والده كان من ندماء السلطان سيدي محمد بن عبد الله وكان أديباً ظريفاً خفيف الروح، لطيف الحس، صاحب نوادر وملح. قال أبو عبد الله الجربرى: وكان شديد الصمم، قد زال حس سمعه وانعدم، وكان مع ذلك يفهم بلطيف الإشارة، ما لا يفهمه غيره بصريح العبارة، حتى أنه يجيب عما يكتبه الكاتب على أعضائه في الظلام. وعما يرقمه الراقم فى الهواء نهاراً من الكلام، من غير أن يبطىء في الجواب ويخطىء عين الصواب فهو كما قال الشاعر:

تشير له بلحظك من بعيد … فيفهم طرفه عنك الإشاره

وهذا لا يستغرب ممن كان على شاكلته، فإن ما حجبه الله من سمعه قد أفاضه على سائر مشاعره، فقوى بذلك إدراكه، ولطف حسه، وقد يكون هذا مما قوى رغبة السلطان. فيه وزاد اغتباطه به.

ولقد كان من أثر إعجابه به أن كناه بأبي الشمقمق. تشبيها له بذلك الشاعر الكوفى الماجن الذي نقرأ أخباره الطريفة في الأغانى والعقد الفريد والكامل وغيرها من كتب الأدب، فلزمته هذه الكنية وصارت علما عليه فكان لا يدعى بعد ذلك إلا بها بل تخطته إلى ابنه بل تخطت ابنه إلى أرجوزته فلا تدعى إلا بالشمقمقية.

هذا كل ما تعرفه عن والد شاعرنا، بل كل ما نعرفه عن شاعرنا نفسه إلى حين اتصاله بالسلطان سيدي محمد ابن عبد الله إنما المفروض أن هذا الوالد الموهوب قد بذل غاية جهده في تربية ولده وتنشئته على أكمل الصفات، فبرع ونبغ، وما راعنا إلا أن رأيناه على بساط البلاط العلوي ينشد شمقمقيته فيستحسنها السلطان، ويجزل صلته ويرفع منزلته.

ولا نظن أن اتصاله بالسلطان سيدي محمد بن عبد الله كان في حياة والده ؛لأن الوسيلة التي اتخذها إليه تمنع أن يكون والده في معية السلطان ويتكبد هو المشاق للوصول إليه لانشاده شعراً يمدحه به، إلا أن يكون ذلك الوالد قد كبر جداً أو مرض حتى لم يعد في مقدوره حضور مجلس السلطان.

وهذا الوجه على ما فيه من التكلف غير مقبول تماماً؛ فلتمر القصة على سجيتها ما دام ليس هناك نص تاريخي يلزمنا الأخذ به ولنقل: إن والده قد مات وإنه بقى مدة يعلل نفسه بالحصول على مكانته من السلطان خصوصاً وليس ما يمنعه من ذلك مع أدبه الجم وشعره النفيس فعمل أرجوزته وقصده بها. لكن الحسود الكنود الذى يعرف من فضله ما لا يعرف غيره ويخشى من مزاحمته لدى السلطان، كان يقف حجر عثرة في سبيله ويمنعه من الوصول إليه: فلما أعياه الأمر تحين خروج السلطان في بعض المرار واعترضه فى موكبه وصعد نشزاً عالياً من الأرض ونادى بأعلى صوته: ياسيدى سبط النبي أبو الشمقمق أبي، فعرفه السلطان وأمر بأحضاره بعد بلوغه إلى منزله الحضر وأنشد الأرجوزة التي نالت رضى السلطان ورفعت مرتبة الشاعر عنده.

وههنا ينسدل حجاب الغموض تماماً على حياة شاعرنا فلا نعرف عنه بعد ذلك لا ما قل ولا ما جل حتى تاريخ وفاته الذى إنما اكتشف، أخيراً وكان الفضل في اكتشافه للأستاذ النميشى فهو الذي ذكر في مسامرته تاريخ الشعر والشعراء بفاس أنه توفي سنة ۱۱٨٧ هـ، وقد بقينا في حيرة مع ذلك التاريخ لانفراد الأستاذ به. ثم ألقى إلى إنه وقف عليه في كناش لبعض المتوفين بفاس قريباً، وفى إحدى قدماتي لهذه المدينة كان باستطاعتي أن أقف على ذلك الكناش لكني لم أفعل لضيق الوقت ولثقتي بأمانة الناقل.

وبعد فلننظر في آثار أديبنا على قلة ما وصل إلينا منها، وهو على ما نعتقد جزء من عشرة أجزاء إن لم يكن أقل من ذلك. لأن ابن الونان كان شاعراً مكثراً سيال الطبع كما يعلم من قول الجريري. وكان حسن النظم مكتاراً، لا يخاف جواد لسانه عشاراً.. وكما يعلم من دراسة هذا النزر اليسير الذي بأيدينا من شعره وخصوصاً أرجوزته، فإنه لم يكن على ما يظهر من الشعراء و الحوليين، كثيري العناية بشعرهم، الذين ينظمون القصيدة في ليلة وينقحونها في سنة.

بل كان يرسل نفسه على سجيتها ولا يعبأ باللفظ ينبو عن الموضع الذي وضعه فيه، ولا بالعبارة تكون قلقة بازاء أختها المطمئنة ومن كان كذلك فأحر به أن يخلف ديوانا من الشعر لأنه قد ينظم عدة قصائد في اليوم الواحد كما قال أبو نواس لأبي العتاهية، وقد سأله مرة كم تعمل في يومك من الشعر ؟ فقال له: البيت والبيتين، فقال أبو العتاهية: لكنى أعمل المائة والمائتين، فقال أبو نواس لأنك تعمل مثل قولك:

يا عتب مالي ولك … ياليتني لم أرك

ولو أردت مثل هذا الألف والألفين لقدرت عليه.

وآثار ابن الونان من غير الأرجوزة هي قطعة شعرية مدح بها سيدي محمد بن عبد الله، ورسالة مسجعة كتب بها إلى الشيخ سيدي المعطي ابن الصالح صاحب ذخيرة المحتاج ثم أتبعها بشعر في مدحه، وبيتان في مدح سيدي محمد بن عبدالله، وثلاثة أبيات قالها فى ترفعه عن أخذ الزكاة وهذه كلها تجدها في شرح العلامة الناصري للشمقمقية. 

وليس منها أصلا البيتان اللذان نسبهما له العلامة الناصرى والأستاذ النميشي في الاعتذار عن بخل الكبراء على الشعراء، فقد ذكر هما العلامة الأفران في شرح التوشيح ونسبهما لابن حبيكنا البغدادي كما ذكرهما صاحب معاهد التنصيص، وكلا الأفراني وصاحب المعاهد ممن عاش قبل ابن الونان بكثير.

وله غير ما ذكر نظم رصين المسائل ابن خميس المعروفة، وهو أحسن الأنظام التي تضمنت تلك المسائل، وقد ذكرناه في مجموعتنا (أراجيز البلاغة).

أما الأرجوزة أو الشمقمقية فهي أعظم آثار ابن الونان. وديوان أدبه، ونموذج شاعريته، ومثال نظمه، ولكثير من الأدباء إعجاب بها يجاوز حد ما تستحق، وهي على روى القاف وعدد أبياتها ٢٧٥ وتنقسم بحسب الأغراض الشعرية إلى ثمانية أقسام.

1) النسب بذكر رحيل الأحبة، ووصف الإبل التي تحملوا عليها والبيد التي تعسفوها، ولوم الحادي على جده السير ليل نهار حتى أضر بالابل ضرراً بليغاً، وتذكيره بمن يحملن على ظهورهن من النساء اللاتي لا طاقة لهن بذلك السير العنيف وإظهاره شديد العطف على هذه الإبل حتى تبرع -- وهو يسر حسوا في ارتغاء - بالريادة لها والقيام عليها أحسن قيام.

2)   التغزل بصفات محبوبته، وما هي عليه من فنون المحاسن وضروب المفاتن؟

3)   الحماسة والفخر.

4)   مخاطبة الحسود.

5)   الحكم والأمثال والوصايا.

6 ) مدح الشعر.

7) مدح السلطان.

8) مدح الأرجوزة، تحدى الشعراء أن يأتوا بمثلها.

أما قيمتها الأدبية فلا نطيل الكلام فيها بعد ما عرفنا مما تقدم الشيء الكثير عن أسلوب ابن الونان وطبقة شعره. وإنا لا نغلو فيها غلو تلك الطائفة التي تجاوز بها حد ما تستحقه من الإعجاب ولا نبخها حقها وكونها في بعض الأبيات تسمو إلى درجة المطبوعين من الشعراء حتى لا تعدو بها طبقة أبي نواس ومن على طريقته، إنما في بعض الأبيات الأخرى تسفل حتى لا يبقى فرق بينها وبين الألفيات، وغالب ذلك في هذا القسم الذي يصف فيه البيد والقفار، والنباتات والأشجار والحيوانات والأطيار، وفي قسم الحكم والأمثال والوصايا.

أما القسم الأول فلانه حشر فيه من الألفاظ الغريبة والكلمات الحوشية مما يتعلق بوصف تلك الأمور المشار إليها ما جعله كأنه من متون اللغة.

وأما القسم الثاني فإنه أراد أن يسلك في ضرب الأمثال طريقة ابن دريد في مقصورته من الاشارة إلى مواردها، والتزم ذلك التزاما كليا وأغمض فيه كل الأغماض، فعميت أنباؤه على القارىء وصار لا يدرك لها معنى إلا إذا كان بجانبه من يفسرها له. وبذلك خرج هذا القسم عديم الانسجام قليل الفائدة.

وعلى الجملة فهى أرجوزة ظريفة جامعة لكثير من فنون الأدب وأخبار العرب، وهى على عالمية صاحبها أدل منها على شاعريته، ولمكانتها التي أشرنا إليها عند الأدباء، فقد عارضها ابن عمرو الرباطى من أدباء القرن الثالث عشر.

واعتنى بشرحها جماعة منهم: العلامة أبو عبد الله الجريري السلوى والعلامة الناصري (صاحب الاستقصا) وشرحه شرح حافل، وغيث من الأدب هاطل،، والعلامة أبو حامد البطاوري، بارك الله في أنفاسه، وغيرهم.

وطبعت على حدتها، ضمن مجموعة من المتون العلمية، طبع عبد الله كنون الحسني.

أبيات مختارة من الشمقمقية:

( وَلَا تُنَقَصَ أَحَداً فَكُلْنَا … مِنْ رَجُلٍ وَأَصْلُنَا مِنْ عَلَقٍ )

هذا مفرع عما قبله فإنه إذا كان الإنسان لا يأمن من غلبة من هو دونه فلا ينبغى له أن يحتقر أحدا خصوصا والبشر كلهم أبناء رجل واحد، وهو سيدنا آدم عليه السلام وأصلهم جميعاً علق: أى دم غليظ ؛ وهو المتكون من النطفة . قال تعالى: {وخلق الإنسان من علق}.

(وَلَا تَكُنْ كَوَاوِ عَمْرٍ زَائِدًا … فِي الْقَوْمِ أَوْ كَمِثْلِ نُونِ مُلْحَقِ)

أي: واربأ بنفسك أن تكون زائدا في القوم . أي طرفا فيهم كزيادة الواو في عمر و للفرق بينه وبين عمر . والنون في ضيفن مثلا لإلحاقه بوزن جعفر . فإن كلا منهما غريب عن بنية الكلمة: أتى به لغرض مخصوص لا علاقة لها به فضايقها واستثقلته حتى ضرب المثل بزيادته. وهذا نهى عن التطفل بمعناه العام. فيشمل التطفل على الطعام وإدعاء العلم مع الجهل. التام وغير ذلك مما تسوغه الوقاحة للئام.

(وَخُص عِلْمَ الْفِقْهِ بِالدَّرْسِ وَكُنْ … كاللَّيْتِ أَو كَأَشْهَب وَالْمُتَقِي )

الفقه: الفهم وقد فقه الرجل بالكسر، فقها وأفقهته الشيء هذا أصله، ثم خص بعلم الشريعة، والعالم به فقيه، وقد فقه ؛ صار فقيها، والليث هو ابن سعد أحد الأئمة المجتهدين وأشهب والعتقي، وهو ابن القاسم كلاهما من كبار أصحاب مالك.

(وَفِي الْحَدِيثِ النَّبَوِي إِنْ لَمْ تَكُنْ … مِثْلَ الْبُخَارِي فَكُن كَالْبَيْهَقِي)

الحديث هو علم السنة النبوية، ويقال للعالم به محدث، والبخاري أمام المحدثين غير منازع، وصاحب الجامع الصحيح الذي رجحه الناس على جميع كتب الحديث المشهورة ومراد الناظم في البيتين الحث على تعلم الفقه والحديث، فإنهما مورد الشريعة المعين، وكنزها الغالي الثمين

(فَالْعِلْمُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأَخرَى لَهُ … فَضْلُ فَبَشِّرْ حِزْبَهُ شَرًا وَقِي)

فضل العلم في الدنيا والآخرة مما لا ينكره أحد، وقد قال تعالى: و يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، وفي الحديث ؛ (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له طريقاً إلى الجنة) وقوله فبشر حزبه: أى أهله وأصحابه، وحذف متعلق بشر لقصد التعميم، وجملة شراً وقى: خبر معناه الإنشاء إذا أريد به الدعاء، أو خبر حقيقي إذا أريد به الوصف.

أبياتٌ أخرى انتقيتها من الشّمقمقيّة:

وهذه الأبيات مثلٌ للظالم الذي يقسو على رعيّته، ولا يهتمُّ لأمرهم، حيثُ يُفترض بالقائد أو المسؤول أن يخفف العبء عن الآخرين ويمنحهم الراحة التي يحتاجونها دون الضغط عليهم، وقد نقلتها مع شرحٍ بسيط لها:

(وكمْ بِسوْطِ البغْيِ سُقْتَ سوقَهاَ***سَوْقَ الُعَنّيفِ الذي لمْ يتَّقِ)

في هذا البيت يوبِّخ الشاعر الحادي على قسوة قلبه وقلة خشيته من الله، إذ إنه رغم ما تبذله الإبل من جهدٍ شاق، لا يتوقف عن جلدها بسوط القسوة والحقد.

(حتى غّدتْ خوُصاً عِجافاً ضُمَّرا ***اعْناقُها تَشْكو لغَيْرِ مُشْفِقِ)

وبسبب هذا التعذيب المتواصل والتضريب القاسي، غدت الإبل خوصًا غائرة الأعين، ذابلة النظرات، عجافًا هزيلة الأجساد، ضُمَرًا نحيلة تكاد تهلك من شدة الإرهاق. أعناقها، بما تبدو عليه من انكسارٍ واستسلام، تروي بصمتٍ حكاية الألم، وكأنها تشكو مرارة الطريق ووطأة السير المتسارع. وفي إسناد الشكوى إلى الأعناق مجازٌ بليغ، يعكس عمق المعاناة، كما أن في الجمع بين "أعناق" و"عنق" جناسا يُثري الإيقاع ويُضفي على المعنى قوةً وتأثيرًا.

(مَرْثُومَةَ الْأَيْدِي شَكَتْ فَرْطَ الْوَجا *** لكِنَّهَا تَشْكُو لِغَيْرِ مُشْفِقِ)

أي: وبسبب ذلك العذاب أيضًا، غدت الإبل مرثومة الأيدي، أي محطمة الأطراف، منهكة القوى، وأصابها الوَجى، وهو الألم الشديد الناتج عن الحفا ووجع الأرجل. فتئن تحت وطأة السير المضني، تشكو أوجاعها وتعبها، لكن شكواها تضيع هباءً، إذ لا تجد أذنًا رحيمة تُنصت إليها، بل تُلقى إلى قلبٍ لا يعرف الشفقة.

(قَدْ ذَهَبَتْ مِنْهَا الْمَحَاسِنُ بِإِدْ *** مَانِ السَّرَى وَقِلَّةِ التَرَفْق)

والإدمان يعني المداومة، والسرى هو المشي ليلًا. وهنا ينتقل الشاعر من التفصيل إلى الإجمال؛ فبعد أن ذكر بعض العيوب المحددة التي أصابت الإبل ولم تكن فيها من قبل، يعمم بقوله إن جميع محاسنها قد زالت عنها تمامًا. وذلك كله بسبب استمرارها في السير الليلي المُرهق، وقسوة الحادي الذي لم يُراعِ ضعفها ولم يرفق بها.

(مِنْ بَعْدِ مَا كَانَتْ هُنَيْدَةَ عَدَتْ *** أكْثَرَ مِنْ ذَوْدٍ وَدُونَ شَنَقٍ)

الهنيدة اسم يُطلق على مائة من الإبل، والذود لما كان بين ثلاثٍ إلى عشر، أما الشنق فيُستخدم لما بين العشر والعشرين. يريد الشاعر أن يُبرز فداحة ما حلّ بها من التلف، فلم يقتصر الضرر على أجسادها فحسب، بل امتد إلى نفوسها حتى كاد يُفنيها تمامًا، فلم يبقَ منها إلا القليل. فبعد أن كانت قطيعًا يضم مائة، تقلص عددها حتى صار أقل من عشرين

(وَإِن تَمَادَيْتَ عَلَى إِتْعَابِها *** وَلَمْ تَكُن مُنْتَهيا عَنْ رَهَق)

(فَسَوْفَ تَعْرُوكَ عَلَى إتلافها *** نَدَامَةُ الْكَسْعي وَالْفَرَزْدَقِ)

هذا إنذار للحادي بأن استمراره في إرهاق الإبل سيجر عليه ندامة عظيمة، كندامة الكسعي والفرزدق، وهما مثالان مشهوران في التراث. فالكسعي، وهو أعرابي خرج للصيد ليلًا، أصاب حُمرًا وحشية، لكن سهامه كانت تصطدم بصخرة فكانت توقد شررًا، فظن أنه أخطأ الرمي، فكسر قوسه وعضّ إبهامه حتى قطعها، ثم أدرك خطأه في الصباح وندم ندمًا شديدًا.

أما الفرزدق، فقد تزوج ابنة عمه النوار رغم كرهها له، ثم طلقها بناءً على رغبتها، لكنه ندم بعد ذلك حين لم يعد له سبيل إليها، وقال في ذلك:

ندمت ندامة الكسعى ... لما غدت منى مطلقة نوار

(لأنتَ أَظْلَمُ مِن ابْنِ ظالم  *** إِنْ كُنْتَ مِنْ بَعْدُ بِهَا لَمْ تَرْفَق)

ابن ظالم هو فاتك مشهور بفظائعه، ومن أبرز أعماله أنه قتل خالد بن جعفر وهو في جوار الأسود بن المنذر، وعندما طلبه الملك، فاته. فقيل له: "لن تصيبه أشد من سبي جارات له من بلى"، فأرسل في طلبهن واستاقهن مع أموالهن. وعندما بلغه ذلك، رجع وسأل عن مرعى إبلهن، فالتطف حتى وصل إليه، ثم استنقذ جاراته وأموالهن. بعدها، أخذ شيئًا من جهاز سنان بن حارثة وأتى به إلى أخته سلمى بنت ظالم، زوجة سنان، وقال لها: "ضعي ابنك حتى آتيه به"، ثم قتله. ضرب مثلاً بفتكه في الظلم، ليُجسّد قوله "أظلم مع ابن ظالم".

(رِفْقاً بها قدْ بَلغَ السَّيْلُ الزُّبَى ***واتَّسَعَ الخَرْقُ علىَ المُرَتَّقِ)

عاد فطلب منه الرفق بعد ذلك التقريع، آملاً أن يكون قد تأثر مما سمع عن حال الإبل، التي تستحق الشفقة والرثاء، ليشعر بعطف ورحمة ترفع عنها سوط العذاب والنقمة.

وقوله "قد بلغ السيل الزبى"، يُقصد به أن السيل إذا وصل إلى الزبى، وهي الرابية التي لا يعلوها الماء، كان جارفا ومدمرًا، ويُضرب هذا المثل لما تجاوز الأمر الحد واشتد. كذلك قوله: "واتسع الخرق على المرتق"، يُقصد به أن الثقب في الثوب أو غيره (الخرق) قد اتسع بشكل يفوق قدرة الرتق (الإصلاح)، وهو مثل يُستخدم عند تزايد المشكلات وعدم القدرة على معالجتها.

(وَلْتَتَّخِذْنِي رَائِدًا فَإِنْني *** ذُو خِبْرَةٍ بِمُبْهَمَاتِ الطَّرُقِ)

الرائد هو من يُرسل في طلب الكلأ، أي ليكون رسولك ودليلك في البحث عن المراعي الخصبة، ويُرشدك إلى الطرق الأقصر. فهو على دراية تامة بخفايا الطرق التي قد تكون غير واضحة، وبالتالي يكون أكثر قدرة على إرشادك إلى المسارات السليمة والظاهرة.

(إِنْ غَرِبَتْ عَلَيْتُهَا وَلَوْ بِمَا *** جَمَعْتُهُ مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقِ)

(أَوْ صَدِيَتْ أَوْرَدْتُهَا مِنْ أَدْمُعِي  *** نَهْرَ الْأُبُلَّةِ وَنَهْرَ جِلْقٍ)

غرث يعني جاعت، والذهب معروف، والورق هو الدراهم الفضية. أما صدى فهو كالعطش، في الوزن والمعنى. وأوردتها تعني أحضرتها إلى المورد.

نهر الأبلة بالبصرة وجلق دمشق، ونهر بردى، هما من أروع الأماكن. وهذا يظهر غاية الرعاية من الناظم، حيث تكفل للحادي بأنه لا يقتصر على الريادة فقط، بل يتكفل أيضًا بعلف الإبل حتى لو كلفه إنفاق كل ما جمعه من مال. والسر في ذلك أن السكن هو الأهم، كما قال المجنون:

"وما حب الديار شغفن قلبى... ولكن حب من سكن الديارا".