محمد صلى الله عليه وسلم
توفيق الحكيم
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذه السيرة الحواريّة، المُصوّرة بأعذب الألفاظ، وأدق التفاصيل، يحكي فيها قصة مولده، وأمانته وصدقه في قومه، والإرهاصات التي سبقت بعثته، ثم تجارته إلى الشام، ولقائه ببحيرا الراهب، ثم زواجه بخديجة، وإصلاحه بين قومه عند بناء الكعبة، ثم نزول الوحي عليه في غار حراء، وبعد ذلك إعلان دعوته لقومه، وما تلا ذلك من عرض نفسه على القبائل، وتعرضه وأتباعه للإيذاء والتعذيب، وهجرة بعضهم إلى الحبشة، وقصة إسلام عمر بن الخطاب، والأراشي الذي ردَّ له دينه من أبي جهل.
ثم لقياه رهط الخزرج عند العقبة في موسم الحج، واتباعهم إياه، واجتماع المشركين في دار الندوة للبت في أمره، ثم حادثة الهجرة، وخروجه من بين أظهر القوم، واختبائه في غار ثور، ثم رحلته إلى المدينة، وقصته مع سُراقة، ولقاؤه بأم معبد.
وفي الفصل الثاني: وصوله للمدينة، وحفاوة الناس به، ثم بناؤه للمسجد، ولقاؤه بأحبار اليهود، وقصة إسلام سلمان الفارسي، ثم اعتراض قافلة قريش، ومعركة بدر الكبرى، وريا عاتكة، واستنفار ضمضم الغفاري لقريش، وبدء القتال بالمبارزة وانتصار المسلمين.
ثم يعرض مقطعاً من طبيعة الحياة داخل بيت النبوة، وبعض ما كان يجري بين النبيّ وعائشة، ثم تآمر المشركين على قتال النبيّ، والأخذ بثأر أهل بدر، ودعوة الرسول لليهود، وخروج النبيّ إلى أحد بعد وصول كتاب عمّه العباس، وانصراف ثلث الجيش بقيادة "ابن أُبيّ"، وتهيؤ المسلمين للقتال وأخذهم مواقعهم، ثم احتدام المعركة، ومقتل حمزة على يد وحشي.
ثم حالة الحزن العام للمسلمين على المقتلة في بدر، وأسر المشركين لاثنين من المسلمين: خبيب بن عدي، وزيد بن الدمنة، وشجاعتهما عند تنفيذ الإعدام فيهما، ثم التجهيز لمعركة "الأحزاب" واحتشاد المشركين لذلك، وإشارة سلمان على النبيّ بحفر الخندق، وقصة الصخرة التي اعترضت المسلمين أثناء الحفر، ونجاح نعيم بن مسعود في تخذيله بين المشركين واليهود.
وبعد ذلك حصار "بني قريظة"، وعرض سيدهم "كعب بن أسد" عروضاً مختلفة عليهم، وخيانة أبي لبابة، ونزول بني قريظة على حكم "سعد بن معاذ" الذي حكم عليهم بالقتل والسبي وتقسيم الأموال.
الفصل الثالث: غزوة بني المصطلق، وزواج النبيّ من "جويرية بنت الحارث"، ثم حادثة الإفك التي رافقت هذه الغزوة، واتهام "مسطح" و"حسان" لعائشة بـ"صفوان بن المعطل"، ومكثها مدة في المرض والتعب، ثم نزول الوحي ببراءة عائشة.
ثم ما جري في "صلح الحديبية"، ومكاتبات النبيّ لملوك الأمصار ودعوتهم، وإشارة عمر بغزو "خيبر" قبل فتوح الشام وفارس، وقصة اليهودية التي دسّت السم في الشاة، وقصة عمرو بن العاص وعمرو بن أمية الضمري مع النجاشي، وإرادتهما الفتك بالمهاجرين من المسلمين، ثم إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وسيرهما إلى المدينة، وإخبار النبيّ بذلك، وبقتل "كعب بن الأشرف" و "ابن أبي الحقيق".
ثم ولادة إبراهيم ابن النبيّ صلى الله عليه وسلم -من مارية القبطية، وغيرة عائشة من ذلك، ثم موت "إبراهيم"، وانكساف الشمس حينها وموقف الناس منها، وإخبار "بلال" بنقض قريش لصلح الحديبية، وطلب "أبي سفيان" بتوثيق العقد وإطالة المدة، ورفض النبيّ لذلك، وتجهزه للقتال، ثم سير المسلمين إلى مكة، وإسلام أبي سفيان في الطريق، وفتح مكة، وتأمين الناس بها.
الخاتمة: وفيها حجّ النبيُّ، وخطبة الوداع، ثم زيارة البقيع ومناجاة الموتى، ثم أمارات مرضه الذي كان بداية رحيله عن الدنيا، واشتداد ذلك المرض، وأمره لأبي بكر بأن يُصلي بالناس، ثم اعتلاء النبيّ المنبر، ونعيه نفسه للناس، ثم مجيء جبريل واستئذان ملك الموت، واختيار النبيّ للقاء الله، وموته، وافتتان الناس في ذلك، ثم قطع أبي بكر للشك باليقين، ثم قصة وداعه والصلاة عليه، ودفن جسده الشريف.
يقول الحكيم في "مقدمة" كتابه:
ويلاحظ أن الكلام الذى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا الكتاب هو كلام تاريخي، وردت نصوصه في كتب معتمدة، هي على سبيل الحصر: سيرة ابن هشام وتفسيرها للسهيلي، وطبقات ابن سعد، والإصابة لابن حجر، وأسد الغابة لابن الأثير، وتاريخ الطبرى ؛ وصحيح البخاري، وتيسير الوصول، والشمائل للترمذي وللبيجورى.
وكذلك الوقائع الواردة في هذا الكتاب كلها صحيحة مروية في الكتب السابق ذكرها. على أن ترتيب هذه الوقائع وتنسيقها، لم يتبع فيه النظام الزمنى المعروف في كتب التاريخ لما هو مفهوم من أن هذا الكتاب ليس عملا تاريخيا ولا عملياً، وإنما هو عمل المألوف في كتب السيرة أن يكتبها الكاتب، سارداً باسطاً، محللا معقباً، مدافعاً مفنداً.
غير أني يوم فكرت في وضع هذا الكتاب قبل نشره عام ١٩٢٦ م ألقيت على نفسي هذا السؤال: -إلى أي مدى تستطيع تلك الطريقة المألوفة أن تبرز لنا صورة بعيدة ـ إلى حد ما عن تدخل الكاتب ؟... صورة ما حدث بالفعل، وما قيل بالفعل دون زيادة أو إضافة، توحى إلينا بما يقصده الكاتب أو بما يرمى إليه ؟... »
عندئذ خطر لي أن أضع السيرة على هذا النحو الغريب. فعكفت على الكتب المعتمدة والأحاديث الموثوق بها، واستخلصت منها ما حدث بالفعل وما قيل بالفعل. وحاولت - على قدر الطاقة - أن أضع كل ذلك في موضعه كما وقع في الأصل، وأن أجعل القارئ يتمثل كل ذلك ؛ كأنه واقع أمامه في الحاضر، غير مبيح لأي فاصل - حتى الفاصل الزمني - أن يقف حائلا بين القارئ وبين الحوادث، وغير مجيز لنفسي التدخل بأى تعقيب أو تعليق، تاركا الوقائع التاريخية، والأقوال الحقيقية ترسم بنفسها الصورة
كل ما صنعت هو الصب والصياغة فى هذا الإطار الفني البسيط ؛ شأن الصائغ الحذر، الذي يريد أن يبرز الجوهرة النفيسة في صفائها الخالص، فلا يخفيها بوشى متكلف، ولا يغرقها بنقش مصنوع، ولا يتدخل إلا بما لا بد منه ؛ لتثبيت أطرافها في إطار رقيق لا يكاد يرى
هذا ما أردت أن أفعل: فإذا اتضح للناس - بعد هذا العمل - أن الصورة عظيمة حقا ؛ فإنما العظمة فيها منبعثة من ذات واقعها هي، لا من دفاع كاتب متحمس، أو تفنيد مؤلف متعصب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق