فتح العليم في معرفة عبد الله بن إبراهيم
حياته ومناقبه وآثاره
لأحمد بن ممون
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذا الكتاب في مناقب الشيخ عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي، وهو أحد أعلام النهضة العلمية والأدبية والدينية في موريتانيا في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين، وهو صاحب مدرسة متكاملة في أصول الفقه، وصاحب النظم الأصولي الشهير "مراقي الصعود"، وله شرحٌ عليه شهير سماه "نشر البنود"، وله أيضاً: "طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض مسائل العمل"، أي: فيما يُعمل به بناءً على القواعد الأصولية، وقد بيّن فيه العلاقة بين علم الأصول وعلم الفروع، وحاجة المفتي والقاضي لعلم الأصول.
وهو صاحب: "طلعة الأنوار" في علم الحديث، وشرحه في "هدي الأبرار"، وله: "غرة الصباح" وشرحه "نيل النجاح" في الكلام على شرطي البخاري ومسلم في صحة الإسناد والعزو، وله في علم المعاني والبديع والبيان "نور الأقحاح"، و"شرح فيض الفتاح"، وله في العروض"مجدد العوافي في رسمي العروض والقوافي".
وقد أثنى عليه الكثير من العلماء، منهم أحمد بن ألمين (ت 1915 هـ) الذي قال فيه: أعطته العلوم أزمتها؛ فصار من علماء أئمتها، حاوٍ جميع الفنون، كثير الشروح والمتون، إلى أن يقول: لم يأتِ من الزمان بمثله، ولا جاء فيما مضى بشكله" اهـ.
وكان للرجل فتاوى وأجوبة عن وقائع وأحداث أفادت بلاد شنقيط، واهتم بأنسابهم، ودوَّن فيها، وحقّق بعضها، وأضاء بنور علومه ومعارفه أرجاء العالم الإسلامي، فكان كنزاً من كنوز الإسلام، وعلماً من أعلام المسلمين.
وقد تحدث المؤلف في سيرة الرجل على ثلاث مراحل، وتناول في كل مرحلة جانباً من حياته، وبيانها فيما يلي:
المرحلة الأولى: وتضمنت مباحث، وهي:
فترة مخاض بعد حرب شنقيط وشربب، والرحلة من شنقيط إلى تجكك، ومولده ونشأته، اسمه ونسبه، ونشأة الإمارات الحسانية وانعكاساتها عليه، الأحداث التي عاصرت حياته، وتأثر بها وأثر فيها، طلبه العلم في مسقط رأسه ووطنه، وأشياخه في وطنه والمغرب،
المرحلة الثانية: وتحدث فيها عن أربع مباحث، وهي:
رحلته إلى الخارج وملابساتها ونتائجها، وأشياخه في المغرب وملابساته فيه، وعودته إلى المغرب من المشرق وملابساتها، وعودته إلى الوطن وتأثيراتها.
المرحلة الثالثة: وتحدث فيها عن أربعة عشر مبحثاً:
مدرسته العلمية ودوره التاريخي، ومميزات مدرسته، والطوالب الأربعة، وتأليفاته الكثيرة، ورعه وعبادته، وخروجه من تجكك إلى البادية وأسبابه، مكانته العلمية، مكانته السياسية والاجتماعية، أبوه الإمام الحاج إبراهيم، خريجو مدرسته، أسرته الخاصة، آثاره العلمية، خطبه، عودته إلى تجكك من البادية
· حرب شنقيط وشربب:
أما حرب شنقيط وشربب؛ فهي فتنة داخلية بين بني علوي، استمرت قرابة الثلاثين سنة، ثم قرر أحد اجداده (الإمام أحمد) الانتقال من مكانه إلى مدينة أخرى "نتيكي" وأداً للفتنة، وسار بهم حتى نزل على وادي يُسمى "عين البقر" وهو المعروف بتجكك حالياً، واختار لهم النزول والبقاء فيها.
· مولدة ونشأته:
ولد الشيخ عبد الله بن إبراهيم في خضم هذه الأحداث والصراعات الداخلية، سنة 1152 هـ، ونشأ يتيماً في بيت علم ودين، في قبيلة "إدوعل"، وأبوه الحاج إبراهيم كان في الغاية من الزهد والورع، وكان يعتزل الناس، ويشتغل بخاصة نفسه، وكان عالماً جليلاً، ونشأ الشيخ مولعاً بتحصيل العلم، متأسياً في ذلك بآبائه وأجداده، وكان لوالدته الفضل في هذه النشأة المباركة، وهو ما آل به إلى هذا المقام الرفيع.
وبعدما توفي والده وهو صغير ابن سنتين، كفلته أمه السيدة مريم غل بنت عبد الله بن أحمد القلاوية الأحمدية، وكانت كاملةً فقيهةً، تتسم بالشهامة والكرم والعفاف، ولما بلغ سن الدراسة، أرسلته إلى المدرسة (المحظرة) عند أخيها؛ فأظهر نبوغاً نادراً، بحيث كن يحفظ ما في لوحه بسرعة فائقة، ويأخذ ألواح زملائه ويحفظها.
وقد حفظ القرآن مبكراً، واتقنه وجوّده، وهو صغير لم يبلغ الحلم، وظهرت عليه معالم العبقرية وأمارات النبوغ، ثم انتقل إلى أرض الكبلة ودرس في مدرسة المختار بن بون الجنكي ثلاث سنوات، وقرأ فيها الكافية لابن مالك في النحو، وتسهيله، وشروحه الدماميني والمساعد، ومطولات الفن، وألفية السيوطي في البيان، وشرحها عقود الجمان، والتلخيص في البيان، وشرحه للتفتازاني، وكبرى السنوسي في التوحيد ووسطاه وصغراه إلى آخر ما درس فيها.
ثم درس في مدرسة عبد الله بن الفاظل قرابة الأربع سنين، وقرأ فيها دروس العربية من تصريف، وبلاغة، ودواوين الستي، وغيلان، والنابغة، وغيرهم، ولامية الأفعال في التصريف، وغيرها.
ثم انتقل إلى المغرب وقرأ على شيوخها قرابة السبع سنين، سيما فاس ومراكش.
ثم انتقل إلى مصر ودرس في الأزهر قرابة الست سنوات، وأمضى رحلة طويلة في الطلب قرابة العشرين عاماً، حتى سنة 1190 هـ، وكان حينها بلغ الـ 37 عاماً.
· اسمه ونسبه:
هو الشيخ عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي نسباً، الشنقيطي نسبةً إلى شنقيط، التجكوجكي منشئاً ومستقراً.
أما نسبه كاملاً؛ فهو: عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن يندي أحمد بن يعقوب بن يندي موقي "عبد الله" بن أحمد بن يحيى بن علي بن يمج (=يا أمي جاء) بن يبككر (=يبكي كريراً لكثرة خشوعه) بن كمبان (=كم أبان من غامض الأحكام) بن جابر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى بن إدريس بن محمد بن يوسف بن عبد النعيم بن زيد بن عبد الواسع بن عبد الدايم بن عمر بن زروق بن عبد الله بن عمر بن سعيد بن عبد الرحمن بن سالم بن غزونه بن عبد الكريم بن خالد بن سعيد بن عبد المؤمن بن أبي زيد بن رحمون بن زكرياء بن القاسم بن يحيى بن أبي علي بن عبد الله الكامل بن محمد بن إدريس بن مولاي سليمان بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب،
وفي ذلك يقول الشيخ فتى بن الحاج:
شنقيط أهله من أبناء علي... سليل يحيى بن محمد العلي
سليل إبراهيم نجل عيسى... من ينتمي إلى الفتى إدريسا
أبوه عبد الله وهو الكامل... لا يأمل العلو عنه آملُ
نظمتُ ذا من روضة الأزهار... في ذكر آل المصطفى الأخيار
· نشأة الإمارات الحسانية وانعكاساتها:
بدأ ظهور الإمارات الحسّانية في بلاد شنقيط في القرن الحادي عشر الهجري، واستمر ذلك حتى القرن الثاني عشر الهجري، وظهر في تلك الفترة زعماء وقادة سياسيين، وبرزت فتن كثيرة وحالات اقتتال داخلية، وأعمال سلب ونهب وانتهاك للحرمات، وكان الشيخ عبد الله بن إبراهيم يعيش في إمارة تكانت، وعاصر تلك الأحداث، وعيانها، كان له دورٌ كبير في تآلف القبيلة، وإصلاح أحوال الإمارة، وانتهى أخيراً إلى ضرورة تجريد قبيلته من السلاح.
· أشياخه في وطنه والمغرب:
-خاله: أحمد بن عبد الله الذي حفظ عليه القرآن حفظاً وتجويداً.
-عمار بن الحاج محمد قرأ عليه في النحو والفقه.
-الطالب عبد الرحمن أمباب بن بوكس: قرأ عليه في النحو والفقه كذلك.
-الشيخ محمد بن الحسن البناني محشي الزرقاني على حاشية خليل.
-محمد بن الطالب بن سودة التاودي.
-محمد بن مولاي عبد الله بن مولاي إسماعيل السلطان.
· من أبرز تلاميذه، وكانوا من مختلف قبائل موريتانيا:
-الطالب بن حنكوش العلوي.
-عبد الرحمن بن اطويلب.
-الطالب أحمد بن اطوير الجنة حاجي.
-الطالب أحمد بن انويجم التاجوني.
-الطالب اعمر بن اعل السيد الطلابي.
-محمد بن محم عاشور.
-سيدي بن مولود.
-السالك بن عمار.
-محمد الحافظ بن المختار.
-سيد إبراهيم بن الطالب محمد.
-عبد القادر بن سيدي الحاج.
-أحمد بن الطالب محمد.
-عبد الله بن لمرابط بن سيدي محمود.
-أبناؤه محمد، ومحمد محمود (=له الدر الخالد في مناقب الوالد)، وسيدي محمد.
-الشيخ محمد المامي.
--الشيخ أحمد بن ألمين.
-الشيخ باب بن أحمد بيب
· أسرته الخاصة:
تزوج الشيخ عبد الله في سن العشرين من زوجه الأولى فاطمة بنت آب بليل العلوية، ورُزق منها ابنه البكر محمد، وقد توفيت أثناء ولادتها، ثم تزوج رقية بنت سيدي لمرابط محمود، ورُزق منها بولديه العلمين محمد محمود، وسيدي محمد، وتوفيت سنة 1197 هـ، ثم تزوج بسيدة شريفة، ولم تمكث عنده إلا مدة يسيرة، ثم تزوج بخديج بنت اتشفاغا، وهي أم أولاده: محمد أحمد، محمد الأمين، ومحمد المختار، ومحمد أحيدا، وعاش أربعتهم وخلفوا، وله منها ثلاثة لم يخلفوا، وهم أحمد محمد، ومحمد الجيلاني، ومحمد عالي، وله منها بناته كُلُّهن: صفية، وفاطمة، وسكينة، وآمنة، والقريشية، ورقية، وأم كلثوم، ونفيسة، وتزوج خديج بنت أحمد طاهر، وهي آخر زوجاته التي توفي عنها.
· مدرسته:
وأسس الشيخ عبد الله بن إبراهيم مدرسته الخاصة به، والتي استمر فيها من عام 1190 هـ وحتى 1233 هـ، وتعرضه أثناء ذلك إلى مكايدات وعداءات من منافسيه، وتعرض لمحاولات للتصفية الجسدية، لكن الله سلّمه، وقد أمضى ثمانية عشر عاماً في مدينته تجكجة إماماً لمسجدها، وشيخاً لمدرستها، حتى أكمل عطاءه العلمي فيها، وحتى ارتوى من معين علمه شبابها صغارها وكبارها.
آثاره العلمية:
وللشيخ -رحمه الله -مؤلفات كثيرة، منها:
1. مراقي السعود، وعدد أبياته (1001) بيت.
2. نشر البنود شرح مراقي السعود في مجلدين.
3. طلعة الأنوار (356) بيت في مصطلح الحديث.
4. هدي الأبرار شرح طلعة الأنوار.
5. نور الأقحاح وشرحه فيض الفتاح في مجلدين.
6. غرة الصباح، وشرحه نيل النجاح في مجلد.
7. روضة النسرين وشرحه يسر الناظرين في الصلاة على النبي الأمين.
8. طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض مسائل العمل في القضاء والفتوى والعمل.
9. الحادة المطروقة في تطليق الزوجة المحلوقة.
10. مبصر من به عمى في القراءات (نظم)
11. مطالع التنوير في آفاق التطهير.
12. تحرير المقالة في تحريم ونكاله.
13. تعليق على تكميل المنهج لبمارة.
14. صحيحة النقل في الأنساب.
15. رسالة الروض في أنساب قبائل الحوض.
16. رشد لغافل.
17. منظومة في جواز رجوع الوالد في هبته لابنه.
18. نظم مسوغات الفطر للصائم.
19. طيب المرعى في حقيقة الاسترعاء.
20. رسالة في حكم الدخان والشم.
21. رسالة في القراءة بالجيم والجيم الشديدة والمتفشية.
22. النوازل وهي فتاوى فقهية.
23. خطب منبرية وهي مجموعة من كلامه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق