أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 يونيو 2025

فتح العليم في معرفة عبد الله بن إبراهيم حياته ومناقبه وآثاره لأحمد بن ممون بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

فتح العليم في معرفة عبد الله بن إبراهيم

حياته ومناقبه وآثاره

لأحمد بن ممون

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

      

تمهيد: هذا الكتاب في مناقب الشيخ عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي، وهو أحد أعلام النهضة العلمية والأدبية والدينية في موريتانيا في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين، وهو صاحب مدرسة متكاملة في أصول الفقه، وصاحب النظم الأصولي الشهير "مراقي الصعود"، وله شرحٌ عليه شهير سماه "نشر البنود"، وله أيضاً: "طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض مسائل العمل"، أي: فيما يُعمل به بناءً على القواعد الأصولية، وقد بيّن فيه العلاقة بين علم الأصول وعلم الفروع، وحاجة المفتي والقاضي لعلم الأصول.

وهو صاحب: "طلعة الأنوار" في علم الحديث، وشرحه في "هدي الأبرار"، وله: "غرة الصباح" وشرحه "نيل النجاح" في الكلام على شرطي البخاري ومسلم في صحة الإسناد والعزو، وله في علم المعاني والبديع والبيان "نور الأقحاح"، و"شرح فيض الفتاح"، وله في العروض"مجدد العوافي في رسمي العروض والقوافي".

وقد أثنى عليه الكثير من العلماء، منهم أحمد بن ألمين (ت 1915 هـ) الذي قال فيه: أعطته العلوم أزمتها؛ فصار من علماء أئمتها، حاوٍ جميع الفنون، كثير الشروح والمتون، إلى أن يقول: لم يأتِ من الزمان بمثله، ولا جاء فيما مضى بشكله" اهـ.

وكان للرجل فتاوى وأجوبة عن وقائع وأحداث أفادت بلاد شنقيط، واهتم بأنسابهم، ودوَّن فيها، وحقّق بعضها، وأضاء بنور علومه ومعارفه أرجاء العالم الإسلامي، فكان كنزاً من كنوز الإسلام، وعلماً من أعلام المسلمين.

وقد تحدث المؤلف في سيرة الرجل على ثلاث مراحل، وتناول في كل مرحلة جانباً من حياته، وبيانها فيما يلي:

المرحلة الأولى: وتضمنت مباحث، وهي:

فترة مخاض بعد حرب شنقيط وشربب، والرحلة من شنقيط إلى تجكك، ومولده ونشأته، اسمه ونسبه، ونشأة الإمارات الحسانية وانعكاساتها عليه، الأحداث التي عاصرت حياته، وتأثر بها وأثر فيها، طلبه العلم في مسقط رأسه ووطنه، وأشياخه في وطنه والمغرب،

المرحلة الثانية: وتحدث فيها عن أربع مباحث، وهي:

رحلته إلى الخارج وملابساتها ونتائجها، وأشياخه في المغرب وملابساته فيه، وعودته إلى المغرب من المشرق وملابساتها، وعودته إلى الوطن وتأثيراتها.

المرحلة الثالثة: وتحدث فيها عن أربعة عشر مبحثاً:

مدرسته العلمية ودوره التاريخي، ومميزات مدرسته، والطوالب الأربعة، وتأليفاته الكثيرة، ورعه وعبادته، وخروجه من تجكك إلى البادية وأسبابه، مكانته العلمية، مكانته السياسية والاجتماعية، أبوه الإمام الحاج إبراهيم، خريجو مدرسته، أسرته الخاصة، آثاره العلمية، خطبه، عودته إلى تجكك من البادية

·     حرب شنقيط وشربب:

أما حرب شنقيط وشربب؛ فهي فتنة داخلية بين بني علوي، استمرت قرابة الثلاثين سنة، ثم قرر أحد اجداده (الإمام أحمد) الانتقال من مكانه إلى مدينة أخرى "نتيكي" وأداً للفتنة، وسار بهم حتى نزل على وادي يُسمى "عين البقر" وهو المعروف بتجكك حالياً، واختار لهم النزول والبقاء فيها.

·     مولدة ونشأته:

ولد الشيخ عبد الله بن إبراهيم في خضم هذه الأحداث والصراعات الداخلية، سنة 1152 هـ، ونشأ يتيماً في بيت علم ودين، في قبيلة "إدوعل"، وأبوه الحاج إبراهيم كان في الغاية من الزهد والورع، وكان يعتزل الناس، ويشتغل بخاصة نفسه، وكان عالماً جليلاً، ونشأ الشيخ مولعاً بتحصيل العلم، متأسياً في ذلك بآبائه وأجداده، وكان لوالدته الفضل في هذه النشأة المباركة، وهو ما آل به إلى هذا المقام الرفيع.

وبعدما توفي والده وهو صغير ابن سنتين، كفلته أمه السيدة مريم غل بنت عبد الله بن أحمد القلاوية الأحمدية، وكانت كاملةً فقيهةً، تتسم بالشهامة والكرم والعفاف، ولما بلغ سن الدراسة، أرسلته إلى المدرسة (المحظرة) عند أخيها؛ فأظهر نبوغاً نادراً، بحيث كن يحفظ ما في لوحه بسرعة فائقة، ويأخذ ألواح زملائه ويحفظها.

وقد حفظ القرآن مبكراً، واتقنه وجوّده، وهو صغير لم يبلغ الحلم، وظهرت عليه معالم العبقرية وأمارات النبوغ، ثم انتقل إلى أرض الكبلة ودرس في مدرسة المختار بن بون الجنكي ثلاث سنوات، وقرأ فيها الكافية لابن مالك في النحو، وتسهيله، وشروحه الدماميني والمساعد، ومطولات الفن، وألفية السيوطي في البيان، وشرحها عقود الجمان، والتلخيص في البيان، وشرحه للتفتازاني، وكبرى السنوسي في التوحيد ووسطاه وصغراه إلى آخر ما درس فيها.

ثم درس في مدرسة عبد الله بن الفاظل قرابة الأربع سنين، وقرأ فيها دروس العربية من تصريف، وبلاغة، ودواوين الستي، وغيلان، والنابغة، وغيرهم، ولامية الأفعال في التصريف، وغيرها.

ثم انتقل إلى المغرب وقرأ على شيوخها قرابة السبع سنين، سيما فاس ومراكش.

ثم انتقل إلى مصر ودرس في الأزهر قرابة الست سنوات، وأمضى رحلة طويلة في الطلب قرابة العشرين عاماً، حتى سنة 1190 هـ، وكان حينها بلغ الـ 37 عاماً.

·     اسمه ونسبه:

هو الشيخ عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي نسباً، الشنقيطي نسبةً إلى شنقيط، التجكوجكي منشئاً ومستقراً.

أما نسبه كاملاً؛ فهو: عبد الله بن الحاج إبراهيم بن الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن يندي أحمد بن يعقوب بن يندي موقي "عبد الله" بن أحمد بن يحيى بن علي بن يمج (=يا أمي جاء) بن يبككر (=يبكي كريراً لكثرة خشوعه) بن كمبان (=كم أبان من غامض الأحكام) بن جابر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى بن إدريس بن محمد بن يوسف بن عبد النعيم بن زيد بن عبد الواسع بن عبد الدايم بن عمر بن زروق بن عبد الله بن عمر بن سعيد بن عبد الرحمن بن سالم بن غزونه بن عبد الكريم بن خالد بن سعيد بن عبد المؤمن بن أبي زيد بن رحمون بن زكرياء بن القاسم بن يحيى بن أبي علي بن عبد الله الكامل بن محمد بن إدريس بن مولاي سليمان بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب،

وفي ذلك يقول الشيخ فتى بن الحاج:

شنقيط أهله من أبناء علي... سليل يحيى بن محمد العلي

سليل إبراهيم نجل عيسى... من ينتمي إلى الفتى إدريسا

أبوه عبد الله وهو الكامل... لا يأمل العلو عنه آملُ

نظمتُ ذا من روضة الأزهار... في ذكر آل المصطفى الأخيار

·     نشأة الإمارات الحسانية وانعكاساتها:

بدأ ظهور الإمارات الحسّانية في بلاد شنقيط في القرن الحادي عشر الهجري، واستمر ذلك حتى القرن الثاني عشر الهجري، وظهر في تلك الفترة زعماء وقادة سياسيين، وبرزت فتن كثيرة وحالات اقتتال داخلية، وأعمال سلب ونهب وانتهاك للحرمات، وكان الشيخ عبد الله بن إبراهيم يعيش في إمارة تكانت، وعاصر تلك الأحداث، وعيانها، كان له دورٌ كبير في تآلف القبيلة، وإصلاح أحوال الإمارة، وانتهى أخيراً إلى ضرورة تجريد قبيلته من السلاح.

·     أشياخه في وطنه والمغرب:

-خاله: أحمد بن عبد الله الذي حفظ عليه القرآن حفظاً وتجويداً.

-عمار بن الحاج محمد قرأ عليه في النحو والفقه.

-الطالب عبد الرحمن أمباب بن بوكس: قرأ عليه في النحو والفقه كذلك.

-الشيخ محمد بن الحسن البناني محشي الزرقاني على حاشية خليل.

-محمد بن الطالب بن سودة التاودي.

-محمد بن مولاي عبد الله بن مولاي إسماعيل السلطان.

·     من أبرز تلاميذه، وكانوا من مختلف قبائل موريتانيا:

-الطالب بن حنكوش العلوي.

-عبد الرحمن بن اطويلب.

-الطالب أحمد بن اطوير الجنة حاجي.

-الطالب أحمد بن انويجم التاجوني.

-الطالب اعمر بن اعل السيد الطلابي.

-محمد بن محم عاشور.

-سيدي بن مولود.

-السالك بن عمار.

-محمد الحافظ بن المختار.

-سيد إبراهيم بن الطالب محمد.

-عبد القادر بن سيدي الحاج.

-أحمد بن الطالب محمد.

-عبد الله بن لمرابط بن سيدي محمود.

-أبناؤه محمد، ومحمد محمود (=له الدر الخالد في مناقب الوالد)، وسيدي محمد.

-الشيخ محمد المامي.

--الشيخ أحمد بن ألمين.

-الشيخ باب بن أحمد بيب

·     أسرته الخاصة:

تزوج الشيخ عبد الله في سن العشرين من زوجه الأولى فاطمة بنت آب بليل العلوية، ورُزق منها ابنه البكر محمد، وقد توفيت أثناء ولادتها، ثم تزوج رقية بنت سيدي لمرابط محمود، ورُزق منها بولديه العلمين محمد محمود، وسيدي محمد، وتوفيت سنة 1197 هـ، ثم تزوج بسيدة شريفة، ولم تمكث عنده إلا مدة يسيرة، ثم تزوج بخديج بنت اتشفاغا، وهي أم أولاده: محمد أحمد، محمد الأمين، ومحمد المختار، ومحمد أحيدا، وعاش أربعتهم وخلفوا، وله منها ثلاثة لم يخلفوا، وهم أحمد محمد، ومحمد الجيلاني، ومحمد عالي، وله منها بناته كُلُّهن: صفية، وفاطمة، وسكينة، وآمنة، والقريشية، ورقية، وأم كلثوم، ونفيسة، وتزوج خديج بنت أحمد طاهر، وهي آخر زوجاته التي توفي عنها.

·     مدرسته:

وأسس الشيخ عبد الله بن إبراهيم مدرسته الخاصة به، والتي استمر فيها من عام 1190 هـ وحتى 1233 هـ، وتعرضه أثناء ذلك إلى مكايدات وعداءات من منافسيه، وتعرض لمحاولات للتصفية الجسدية، لكن الله سلّمه، وقد أمضى ثمانية عشر عاماً في مدينته تجكجة إماماً لمسجدها، وشيخاً لمدرستها، حتى أكمل عطاءه العلمي فيها، وحتى ارتوى من معين علمه شبابها صغارها وكبارها.

آثاره العلمية:

وللشيخ -رحمه الله -مؤلفات كثيرة، منها:

1.  مراقي السعود، وعدد أبياته (1001) بيت.

2.  نشر البنود شرح مراقي السعود في مجلدين.

3.  طلعة الأنوار (356) بيت في مصطلح الحديث.

4.  هدي الأبرار شرح طلعة الأنوار.

5.  نور الأقحاح وشرحه فيض الفتاح في مجلدين.

6.  غرة الصباح، وشرحه نيل النجاح في مجلد.

7.  روضة النسرين وشرحه يسر الناظرين في الصلاة على النبي الأمين.

8.  طرد الضوال والهمل عن الكروع في حياض مسائل العمل في القضاء والفتوى والعمل.

9.  الحادة المطروقة في تطليق الزوجة المحلوقة.

10.    مبصر من به عمى في القراءات (نظم)

11.    مطالع التنوير في آفاق التطهير.

12.    تحرير المقالة في تحريم ونكاله.

13.    تعليق على تكميل المنهج لبمارة.

14.    صحيحة النقل في الأنساب.

15.    رسالة الروض في أنساب قبائل الحوض.

16.    رشد لغافل.

17.    منظومة في جواز رجوع الوالد في هبته لابنه.

18.    نظم مسوغات الفطر للصائم.

19.    طيب المرعى في حقيقة الاسترعاء.

20.    رسالة في حكم الدخان والشم.

21.    رسالة في القراءة بالجيم والجيم الشديدة والمتفشية.

22.    النوازل وهي فتاوى فقهية.

23.    خطب منبرية وهي مجموعة من كلامه.




تحذير أهل الآخرة من الدنيا الداثرة جلال الدين السيوطي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تحذير أهل الآخرة من الدنيا الداثرة

جلال الدين السيوطي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: هذا جزء حديثي نفيس، جمع فيه السيوطي أربعين حديثاً في ذم الدنيا، والزهد فيها، والاستعداد للآخرة، على عادة العلماء في التأليف في الأربعينات، ولم يقصد السيوطي إهمال الدنيا، أو التحذير منها على وجهٍ يقتضي التخلي عنها، وإنما قصد من ذلك اتخاذها وسيلةً وممراً للعبور إلى الآخرة.

       قال السيوطي في مقدمته: "فهذا كتابٌ لقبته (تحذير الآخرة من دار الدنيا الداثرة)، أودعته أربعين حديثاً منسوبةً لمخرجيها، مُتبعةً ببيان غريب ألفاظها، ومُشكل معانيها"، وقد يذكر السيوطي بعضاً من أقوال السلف المؤيدة والشارحة.

وبدأ الحديث الأول في تحذير الرسول -صلى الله عليه وسلم -من الدنيا، ثم حثُّه على التخفف منها، وبيان مثل الدنيا وحقارتها، وفضل الزهادة فيها، والقناعة برزقها، وعدم الاغترار بزينتها، وأن في ذلك محبةٌ لله، وراحةٌ للقلب والبدن، بينما الرغبة فيها يُطيل الهم والحَزَن.

ثم كون حبها أحد الأدواء الملازمة للإنسان، وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ثم بيان خير ما فيها، وحماية الله للصالحين وآل البيت الكرام منها، والنهي عن اتخاذ الضيعات فيها، وأن من رتع فيها فقد عجّل بحتفه، وأن سحرها يفوق سحر هاروت وماروت.

كذلك الحث على أخذ الدنيا بحقها وعلى شُغلها بالذكر والعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشغلها بكل عملٍ يُبتغى به وجه الله، وكونها سجن المؤمن وجنة الكافر، وأنها لا تصفو لمؤمن، وأن خير متاعها الزوجة الصالحة.

وقد وضع المحقق مقدمة وافية في الزهد، وأدلة مشروعيته واستحبابه، وانواعه، وأقسام الناس فيه، ودواعي الزهد في الدنيا، والزهد المعاصر، ثم الكتب المؤلفة في الزهد (10 -54)، ثم تكلم عن الأربعينات (57- 62)، وأول من صنّف فيها، وفائدتها، ثم ترجمة موجزة للإمام السيوطي (63- 65)، وبعد ذلك وصف المخطوط وعمله فيه (66- 68)، وصورته (69 -70)، ثم النص المحقق.

 



دروس المساء بين المغرب والعشاء عبد الحميد كشك بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

دروس المساء بين المغرب والعشاء

عبد الحميد كشك

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

          تمهيد: هذا كتاب دعوي لطيف، تحدث فيه الشيخ كشك -رحمه الله -بلغته العامية البسيطة، وكلماته المألوفة المُحببة، ولهجته الناقدة والحادة أيضاً، عن جملةٍ من الموضوعات والمفاهيم الدينية المتعلقة بحياتنا اليومية، مما له صلة بالعبادات، وخصوصاً الصلاة، وقد يمزج أحياناً بعض الكلمات التي فيها آرائه السياسية والاجتماعية، منطلقاً من أفكار ومبادئ شتى.

          والكتاب في أصله دروس ألقاها كشك بين المغرب والعشاء بمسجده الذي يُصلي فيه، وفُرّغت هذه الدروس، وطُبعت بعد ذلك، وهو يبدأ درسه بالسلام، ثم مقدمة جميلة، اعتاد عليها من البسملة، والحمدلة، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء لشيوخه ولعموم المسلمين أحيائهم وأمواتهم.

 ثم يذكر عبارته الشهيرة: "هنا مدرسة محمد - صلى الله عليه وسلم -الجالس معنا فيها، يجب أن يُقدم التحية العاطرة المباركة للحبيب محمد، وتحيتنا إليك سيدي يا أبا القاسم يا رسول الله هي الصلاة والسلام عليك" ثم يشرع في درسه، وهو يُدعم كلامه بآيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وربما استطرد في بعض قضايا العقيدة والإيمان، ومع ذلك لم يخل درس من دروسه من حديث ضعيفٍ جداً إن لم نقل منكراً، ولعل عُذره في ذلك ضعف معرفته بهذا الفن.

وللشيخ طريقته الجذّابة والمُلفتة في الإلقاء والحديث، ناهيك عن صوته المميز، ونبرته العالية والحماسية؛ بالإضافة إلى ما يتخلل كلامه من عبارات مُلفته؛ فتره كثيراً ما يردد: "صلي على حبيبك النبي" في عفوية محببة، وربما قال: "سمعني الصلاة عليه"، "وحّد الله"، وهكذا يظل المستمع منتبهاً ومتيقظاً لكلامه.

وقد تناول كشك في دروسه: أهمية الصلاة، والكلام على تكبيرة الإحرام، والمعاني الوظيفية للصلاة، والآثار المترتبة على فعلها، وتأثيرها الأدبي والأخلاقي في المصلين، والتحذير من صدّ الناس عنها، كما تناول شرطها الأول: وهو دخول الوقت، والحالة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم من التهيؤ والاستعداد لها، ثم الحديث عن شرطها الثاني: وهو ستر العورة.

ويظهر من حديث كشك انتقاده اللاذع لعدة قضايا، منها: إهمال طباعة الكتب الدينية، وانتقد كذلك تعليم الرقص في مدارس الفتيات، والصياح أثناء تلاوة القرآن ولو بعبارات مشجعة، وقراءة القرآن بألحان موسيقية، واتهام المُصلين بالتزمت والتشدد، والحملة على الحجاب، وانتقاده لأغنياء السعودية والكويت لأنهم اشتروا الزمالك، وجاردن سيتي، والعجوزة، ومصر الجديدة وغيرها.

وانتقد بعض الممارسات الصوفية كالنذر للأضرحة التي عبر عنها بقوله "عجل السيد"، و"معزة الجارحي"، وبعض فتاوى الأزاهرة التي تُبيح دخول السينما مثلاً، أو شرب البيرة، وشرب الدخان، كما انتقد وزارة الثقافة؛ لسماحها بالعُري وبعض المسرحيات الهزلية والساقطة، وغير ذلك.

وكشك لم يُخفي حُبّه لجماعة الإخوان، بل كان يستشهد بكلام مؤسسهم البنا، بل يذكر في حديثه الفترة التي قضاها في سجن عبد الناصر، ويُصور أنه القدر انتقم له، وأن النكسة إنما وقعت بسبب وضعه في سجن عبد الناصر! بالإضافة إلى تمجيده الثورة الإيرانية، التي لم يعلم آنذاك أنها شيعية!



سلوان المرضى إبراهيم بن محمد الحقيل بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

سلوان المرضى

إبراهيم بن محمد الحقيل

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: هذا الكتيب في الأصل هو مقالة في مجلة منشورة، ويتناول الحديث عن الأجر الكبير والثواب العظيم الذي ينتظر المرضى من ذوي العاهات، والأمراض المزمنة، أو من ذوي الأمراض الخفيفة، والإصابات الطفيفة، والتي هي نوع من المصائب التي تقع على الإنسان دون اختيار منه، وفي الكتاب تسلية لهذا الصنف من الناس، وحملهم على الصبر في ذات الله تعالى، وشد أزرهم في لأوائهم؛ حتى يكون أجرهم موفوراً، وذنبهم مغفوراً إن شاء الله.

       ومن القضايا التي ذكرها المؤلف في كتابه:

1-كون المرض مصيبة توجب الصبر واحتساب الأجر عند الله تعالى.

2-أن في نزولها تكفير للسيئات، وكتابة للحسنات، ورفعة للدرجات.

3-تحريم دعاء الإنسان على نفسه بالمرض، ولو في سبيل تكفير السيئات.

4-وبيان أن أفضل الدعاء هو سؤال الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

5-وأن الأمراض سببٌ لبلوغ المنازل العالية في الجنة.

6-وأن المرض إشارة على أن الله تعالى أراد بعبده خيراً.

7-وأن المريض يرزقه الصبر على مصابه غالباً، وكون ذلك واجبٌ شرعاً.

8-وأن المرض يؤدي إلى المحاسبة، وعدمه يؤدي إلى الغرور، وذلك غالباً.

9-أن المرض سببٌ لعودة العبد إلى ربه، وتوبته من ذنبه.

10-استمرار ثواب المريض لما عجز عن عمله في مرضه، وكان يعمله وهو صحيح.

11-أن الأمراض سبب لدخول الجنة، والنجاة من النار.

12-وأن الصحة لا تكون محمودةً دائماً، وأن المرض تصلح القلوب.

13-أن الأمراض تُذكّر العبد الصحة.

14-وأن الأمراض ينبه الإنسان إلى إخوانه المرضى.

والحمد لله رب العالمين.



رفع الجناح عما هو من المرأة مباح شهاب الدين بن العماد الشافعي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

رفع الجناح عما هو من المرأة مباح

شهاب الدين بن العماد الشافعي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

       تمهيد: هذا جزءٌ لطيف، تضمن بعض المسائل الفقهية المتعلقة بالنساء في أبواب العشرة الزوجية، منها: تحريم جماع الحائض، وجواز جماع المستحاضة، مع بيان العلة في تحريم وطء الحائض، وجوازُ النظر إلى فرج الزوجة، ووطءُ المُرضع، ومسألة تحريم إتيان المرأة في دبرها، وقد فصّل المحقق في هذه المسألة تفصيلاً عجيباً، وبيّن أن المسألة فيها نظر واجتهاد.

وذكر ابن العماد -رحمه الله -الحالات والأوقات التي يُكره فيها الجماع، كما ناقش مسائل منها، وهي: جماع المرأة المُفضَاة (وهي التي اختلط مخرج غائطها بقبلها)، وجماع من قالت لزوجها: حضتُ! لتمتنع بذلك، جواز إتيان الزوجة بين أليتيها من غير جماع؛ لأنه من جملة الاستمتاع، وطهارة باطن الفرج والذَكر كظاهرهما بخلاف باطن الدُّبر، وذكر قولاً غريباً في هجران الحائض، وبيّن مخالفته لقول الجمهور.

    وذكر فروعاً تتعلق بالجماع في الدُّبر نذكرها هنا:

1-أنه لا يحل امرأةً في دُبرها بحال.

2-وأنه لا يحصل به التحليل للزوج الأول.

3-وأنه لا يحصل به إحصان.

4-وأنه لا يحصل به فيئة المُولِي، ولا تسقط به المطالبة.

5-أنه لا تزول به البكارة.

6-أنه إن نزل المني من دبرها بعد الغسل لا يلزمها إعادة الغُسل، بخلاف ما لو جامعها في قُبلها فاغتسلت، ثم نزل المنيُّ وقد قضت وطرها؛ فيلزمها إعادته.

7-إن نزل من دُبرها دم، لم يكن ذلك حيضاً إلا إن كانت مُفضاة؛ فيكون الخارج من الدبر حيضاً. بخلاف النازل من القُبل فإنه حيضٌ باتفاق.

8- أنه يُباح لمسه بلا خلاف، ويجوز الاستمتاع به كالقُبل بلا وطءٍ، وفي النظر إليه خلاف.

9-وأن الموطوء في الُّدبر من الرجال لا يُرجم بل يُجلد، ولو كان مُحصناً، بخلاف وطء المحصنة في قُبلها.

10-وأن السيد إذا وطأ عبده في دُبره حُدّ، بخلاف وطئه أمته أو زوجته في قُبلها أو ُدبرها فإنه لا يُحد، بل ينهاه الحاكم عن ذلك؛ فإن عاد عزّره.

11-وأن الرجل إذا وطئ أمة ابنه لم يُحد؛ لشبهة المالية "أنت ومالك لأبيك"، ولأنه يتعفف بذلك، بخلاف ما لو وطئ الابن أمة أبيه؛ فإنه يُحدُّ؛ لأنه لا يتعفف بذلك.

ترجمة مختصرة للمؤلف

    اسمه ونسبه:

    هو شهاب الدين، أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف بن عبد النبي الأقفهسي، ثم القاهري، الشافعي، المعروف "بابن العباد". و"الأَقْفَهسي" نسبةً إلى "أقفهس" من أعمال البهنسا بمصر.

    مولده:

    لم أقف على ما يدل على سنة مولده، ولكن قال العماد الحنبلي: "وُلد قبل الخمسين وسبعمائة".

    طلبه للعلم:

    كانت للشيخ الأقفهسي قدم راسخة في العلوم الشرعية، وله منظومات رائقة ومتقنة، سيما في فقه الإمام الشافعي.

    ثناء العلماء عليه:

    قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "أحد أئمة الفقهاء الشافعية في هذا العصر، اشتغل قديماً، وصنّف التصانيف المفيدة نظماً وشرحاً، سمعتُ من نظمه من لفظه، وكتب عنه الشيخ برهان الدين مُحدّث حلب من فوائده".

    وقال ابن العماد الحنبلي: "أحد أئمة الفقهاء الشافعية، اشتغل في الفقه، والعربية، وغير ذلك، وأخذ عن الجمال الإسنوي، وغيره، وصنَّف التصانيف المُفيدة: نظماً، ونثراً، ومتناً وشرحاً، وسمع منه ابن حجر، وكتب عنه برهان الدين مُحدِّث حلب".

    وقال الإمام الشوكاني: "قرأ على الإسنوي، والبُلقيني، والبتجي، وآخرين، ومهر، وتقدَم في الفقه".

    مصنفاته: له -رحمه الله -الكثير من المصنفات النافعة، والمؤلفات الجليلة، غالبها في الفقه، وقد ذكر من ترجم له مجموعة من هذه المصنفات، منها: "أحكام الأواني والظروف وما فيها من المظروف"، و"أحكام الحيوان"، و"آداب الطعام"، و"الاقتصاد في كفاية الاعتقاد"، و"تسهيل المقاصد لزوّار المساجد"، و"التوضيح في شرح المنهاج" وغيرها الكثير.

وفاته:

توفي -رحمه الله -في شهر جُمادى، سنة ثمانٍ وثمانمائة.