أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 17 ديسمبر 2022

ريح النسرين فيمن عاش من الصحابة مائة وعشرين الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 -911 هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ريح النسرين فيمن عاش من الصحابة مائة وعشرين

الإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي 

(849 -911 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ اصطفى الله تعالى لنبيه خير الناس في زمانهم، وجعلهم أعواناً وأصحاباً، فكانوا نعم العون، وخير الصحب، ويستحيل أن يأتي ممن بعدهم بخير منهم -ولو أتي بكل أنواع الخير، رضوان الله عنهم جميعاً، وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة من سلفنا الصالح، والآيات والأحاديث المتواترة كثيرة ومشهورة في كتب الحديث وغيرها.

وهذا الكتاب للإمام السيوطي هو تلخيص لكتاب الإمام الحافظ ابن منده (من عاش مائة وعشرين سنة من الصحابة)، يذكر فيه جملة من الصحابة الذين عاشوا إلى هذا السن، مع زيادته بعض نفرٍ لم يذكرهم ابن منده، وقد بلغ عدتهم (٢٠) عشرين صحابياً.

وإذا أردنا الحديث عن فضل الصحابة ومكانتهم عموماً؛ فلنا ما ذكره الإمام ابن قدامة في كتابه "ذم التأويل"، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: من كان منكم متأسيا فليتأسَّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وذكر الحسن البصري أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: "إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".

عدالة الصحابة

اتفق أهل السنة على أن جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عدول، ولم يخالف في ذلك إلا بعض المبتدعة.

قال الخطيب في الكفاية (ص ٤٦ - ٤٧): عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن، فمن ذلك قوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وقوله: ﴿وَكذَالِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وهذا اللفظ وإن كان عاماً فالمراد بـه الخاص، وقيل هو وارد في الصحابة دون غيرهم.

وقوله: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَلَبَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ... وذكر كثيراً من الآيات، ثم قال: «في آيات يكثر إيرادها، ويطول تعدادها، ووصف رسول الله الله الصحابة مثل ذلك وأطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم. 

ثم أسند عن عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ، قال: «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». 

وأسند عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه». 

إلى أن قال: «والأخبار في هذا المعنى تتسع، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحـد مـن الخلق له، فهو على هذه الصفة إلا أن يثبت على أحد ارتكاب مالا يحتمل إلا قصد المعصية والخروج من باب التأويل» .. إلى أن قال: «على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذي يجيئون بعدهم أبد الآبدين».

ثم اسند عن أبي زرعة الرازي، أنه قال: «إذا رأيت الرجل ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة ا.هـ».

وانظر الإصابة لابن حجر (۱۷/۱-۱۸).

ترجمة موجزة للإمام السيوطي -رحمه الله تعالى

اسمه: 

عبد الرحمن بن الكمال، أبـو بكـر بـن محمـد، بـن سـابق الـدين، بـن الفخـر عثمـان بـن ناظــر الديـن محمـد، بـن ســيف الـدين خضــر، بـن نجــم الديــن أبـي الصـلاح أيـوب، بـن ناصـر الـدين محمـد، بـن الشـيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي.

نسبته: 

والأسيوطي نسبة إلى مدينة أسيوط الواقعة غرب النيل مـن نـواحي صـعيد مصـر وهـي أكبـر مـدن الصعيد.

كنيتــه: أبــو الفضـــل: فقــد كنــاه بهــا شــيخه وصــديق والــده القاضــي عــز الــدين أحمــد بــن إبراهيم الكناني الحنبلي. يقـــول الســـيوطي: "فإنــه ســألني مـــا كنيتـــك، فقلـــت لـــه: لا كنيـة لي. فقـــال: أبــو الفضــل كتبـه بخطه.

لقبه: 

هو جلال الدين، والظاهر أن والده هو الذي لقبه بذلك، وكان يلقب بابن الكتب.

ولادته:

قـال عـن نفسـه فـي شـأن ولادتـه: "وكـان مولـدي بعـد المغـرب ليلـة الأحــد مســتهل رجــب ســنة تســع وأربعــين وثمانمائــة، وحملــت فــي حيــاة أبــي إلــى الشــيخ محمــد المجــذوب".

طلبه للعلم: حفظ القرآن الكريم وله دون ثمـان سـنين، ثـم حفـظ كتـاب عمـدة الأحكـام فـي الفقـه لعبـد الغنـي المقدسـي وشـرحه لابـن دقيـق العيـد، ومنهـاج النـووي، وألفيـة ابـن مالـك فـي النحـو، ومنهـاج البيضـاوي فـي الأصول؛ وتنقل بين العلماء يأخـذ عـنهم فنـون العلـم؛ ويقـول عـن نفسـه: "والـذي اعتقـده، أن الـذي وصـلت إليــه مــن هــذه العلــوم الســبعة ســوى الفقــه وهــي "التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع"، والنقـول التـي اطلعـت عليهـا فيهـا، لـم يصـل إليـه ولا عليـه أحـد مـن أشـياخي، فضـلاً عمـن دونهـم..".

مؤلفاته: 

لقـد ذكر السيوطي أن مؤلفاته بلغت ثلاثمائة كتـاب سـوى مـا غسـله وتـاب عنـه – فـي التفسـير والقراءات والحديث والفقه، والعربية والآداب، ولـه "الحـاوي للفتـاوى" فـي الفقـه وعلـوم التفسـير والأصـول والنحو والإعراب وسائر الفنون، يقع في نحو من خمسين وسبعمائة صفحة، ويحـوي ثمان وسـبعين كتابـاً مذكور معظمها في حسن المحاضرة له

ثنـاء العلماء عليه: 

يقـول الشوكاني في "البدر الطالع": "الإمـام الكبيـر صاحب التصانيف ... أجاز لـه أكـابر العلمـاء مـن سائر الأمصار، وبرز فـي جميـع الفنـون وخاصـة الأقران واشتهر ذكـره، وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة كالجـامعيين فـي الحـديث والـدر المنثـور..".

ويقـول الغزي في "الكواكب السائرة": "وأجيز بالإفتاء والتدريس... وألـف المؤلفات الحافلة الكثيرة الكاملة الجامعة النافعة..".

تنبيه:

والإمام السيوطي رغـم سـعة علـمه واطلاعـه لكنـه كـان يعتـد بـأقوال الأشاعرة والصوفية؛ لأنـه كـان يجمـع كـل شـيء مـن العلـوم وعقيدتـه أشـعرية؛ وربما ينهج نهج أهل السنة في بعض مؤلفاته، وذلك بحسب السياق والحال.

وفاتـه: 

ذكــر الشوكاني في "البدر الطالع" وفاتـه؛ فقــال: "وكــان زمــن وفاتـه يــوم الجمعــة تاســع عشــر جمــادى الأولـى ســنة الحادي عشر وتسعمائة – رحمه الله.

مُقَدّمَة

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الْحَمد لله الَّذِي يخص من يَشَاء بِمَا يَشَاء من فَضله، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على مُحَمَّد وَصَحبه وَأَهله، هَذَا جُزْء مُخْتَصر من كتاب الْحَافِظ أبي زَكَرِيَّا بن مَنْدَه رَحمَه الله فِيمَن عَاشَ من الصَّحَابَة مائَة وَعشْرين.

(١) حسان بن ثَابت

حسان ابو عبد الرَّحْمَن وَقيل ابو الْوَلِيد وَقيل ابو الحسام بن ثَابت من الْمُنْذر بن حرَام بن عَمْرو بن زيد بن عدي بن النجار بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن الْخَزْرَج.

شَاعِر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الاسلام وَكَذَلِكَ عَاشَ أبوه وجده وأبو جده.

لَا يعرف فِي الْعَرَب اربعة تَنَاسَلُوا من صلب وَاحِد اتّفقت مُدَّة تعميرهم مائَة وَعشْرين سنة غَيرهم. قلت: وَشبه هَذَا أن لِسَانه كَانَ يصل إِلَى جَبهته وَنَحْوه، وَكَذَلِكَ كَانَ أبوه وجده وَابْنه عبد الرَّحْمَن وَالله اعْلَم

(٢) حَكِيم بن حزَام:

حَكِيم، أبو خَالِد بن حزَام بن خويلد بن أسد بن عبد الْعُزَّى بن قصي بن كلاب.

ولد فِي جَوف الْكَعْبَة وَأسلم يَوْم الْفَتْح وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ، وعاش مائَة وَعشْرين سنة: سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الاسلام.

وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ سنة ارْبَعْ وَقيل ثَمَان وَخمسين، وَأعْتق مائَة رَقَبَة بالجاهلية وَمِائَة بالاسلام.

(٣) حمنن بن عَوْف

حمنن أخو عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة.

(٤) نتجع جدُّ ناجية:

عاش مائة وعشرين سنة،  وَلم يرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلا ثَلَاثَة أحاديث.

(٥) حويطب بن عبد الْعُزَّى

حويطب وَقيل حوط وَقيل حويط، أبو مُحَمَّد وَقيل أبو الْأَصْبَغ بن عبد الْعُزَّى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مَالك بن حسل.

اسْلَمْ يَوْم الْفَتْح وعاش مائَة وَعشْرين سنة سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّة وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَام وَتُوفِّي سنة أَربع وَخمسين

(٦) سعد بن إياس الشَّيْبَانِيّ

سعد، أبو عَمْرو بن إياس الشَّيْبَانِيّ الْبكْرِيّ، لَهُ إدراك، رُوِيَ عَن اسماعيل بن ابي خَالِد انه رَآهُ وَقد أَتَى عَلَيْهِ سبع عشرَة وَمِائَة سنة.

(٧) سعد بن جُنَادَة

سعد بن جُنَادَة الْعَوْفِيّ الأنصاري، عَاشَ كَمَا رُوِيَ عَن حفيده الْحسن بن عَطِيَّة مائَة وَعشْرين سنة.

(٨) سعيد بن يَرْبُوع

سعيد أَبَا هود بن يَرْبُوع بن عنكثة بن عَامر بن مَخْزُوم، عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة: سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّة، وَسِتِّينَ فِي الاسلام، توفّي سنة أرْبَعْ وَخمسين.

(٩) أبو شَدَّاد الذمارِي الْعمانِي:

أبو شَدَّاد الْعمانِي، عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة.

(١٠) عَاصِم بن عدي

عَاصِم بن عدي بن الْجد بن العجلان، وهُوَ الَّذِي سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعويمر عَن الْوَاجِد مَعَ زَوجته رجلاً؛ فنزلت آية اللعان.

(١١) عبد خير بن يزِيد:

عبد خير أبو عمَارَة بن يزِيد، وَقيل بن يحمر الْكُوفِي، عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة.

(١٢) اللَّجْلَاج الْغَطَفَانِي:

اللَّجْلَاج الْغَطَفَانِي، اسْلَمْ وعمره خمسين سنة، وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة,

(١٣) مخرمَة بن نَوْفَل:

مخرمَة بن مسور بن نَوْفَل بن أهيب بن عبد منَاف بن زهرَة بن كلاب بن مرّة بن لؤَي، اسْلَمْ عَام الْفَتْح: وَتُوفِّي سنة ارْبَعْ وَخمسين وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين، وَقيل: خمس وَعشْرين.

(١٤) نَافِع بن سُلَيْمَان الْعَبْدي:

نَافِع بن سُلَيْمَان الْعَبْدي مولى الْمُنْذر عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة.

(١٥) النَّابِغَة الْجَعْدِي:

والنابغة الْجَعْدِي ،الَّذِي قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يفضض الله فَاك)؛ فَمَا سَقَطت لَهُ من سن، قَالَ القَاضِي عِيَاض فِي الشفا: عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة وَهُوَ وهم، فَإِنَّمَا عَاشَ مِائَتَيْنِ وَعشْرين سنة، قَالَ ابْن قُتَيْبَة -وَنَقله فِي الاغاني، وَقَالَ: مَا ذَاك بمنكر؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي شعره ثَلَاثَة أهلين أفنيتهم، وَقد سَأَلَهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كم لَبِثت مَعَ كل أهل؟، فَقَالَ: سِتِّينَ سنة، فَهَذِهِ مائَة وَثَمَانُونَ، ثمَّ عمَّر بعده إِلَى أيام ابْن الزبير. انْتهى

نعم وَافق القَاضِي عِيَاض على أن النَّابِغَة عَاشَ مائَة وَعشْرين الْحَافِظ الصريفيني، وَذكر أيضا مِمَّن عَاشَ كَذَلِك من الصَّحَابَة

(١٦) لبيد بن ربيعَة

(١٧) أَوْس بن مغراء

(١٨) وَأَوْس بن مغراء السَّعْدِيّ

(١٩) وَذكر ابْن سعد عدي بن حَاتِم الطَّائِي

(٢٠) وَذكر ابْن قُتَيْبَة نَوْفَل بن مُعَاوِيَة وَالله أعلم



من عاش مائة وعشرين سنة من الصحابة للإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده الأصبهاني (434 -511 هـ) بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

من عاش مائة وعشرين سنة من الصحابة

للإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن منده الأصبهاني

(434 -511 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا الجزء الحديثي النفيس، يعرض فيه الإمام ابن منده صوراً مشرقة لأخبار لأربعة عشر صحابيٍّ، بلغت أعمارهم المائة وعشرين سنة، وقد نالوا شرف الصحبة والرؤية والاجتماع بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، ويذكر لنا ابن منده طرفاً من أنبائهم، فيذكر اسم الصحابي، ونسبه، وبداية إسلامه، وفضله، وبعض الأحاديث التي حفظها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنده، وذكر من خرّجها من الأئمة.

وقد لخص هذا الكتاب الإمام السيوطي -رحمه الله -في جزءٍ سماه (ريح النسرين فيمن عاش من الصحابة مائة وعشرين)، فجاء بها مقتضبة وموجزة جداً، وزاد على ابن منده ستة أسماء.

ونحن نقتصر في هذا المقال على: ذكر ترجمة موجزة للحافظ ابن منده، والتي ذكرها المحقق في كتابه، مع ذكر الأحاديث الواردة عن بعضهم مختصرةً محذوفة الأسانيد، مع بيان رتبتها من الصحة والضعف، الأمر الذي لم يُشر إليه السيوطي في رسالته اختصاراً.

وقد بلغت هذه الأحاديث (عشرة أحاديث)، أكثرها صحيح أو حسن.

وفيما يلي مختصر أسماء الصحابة الذين ذكرهم ابن منده في كتابه (من عاش مائة وعشرين سنة من الصحابة):

1) حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ. وُلِدَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ.

2) عَاصِمُ بْنُ عَدِيِّ.

3) حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ العُزَّى.

4) سَعْدُ بْنُ إِيَاسٍ، أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ.

5) مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ، وهو الذي قال فيه بئس أخو العشيرة.

6) سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعِ، وَكَانَ اسْمُهُ صَرْمًا، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعِيدًا.

7) سَعْدُ بْنُ جُنَادَةَ العَوْفِيُّ الأَنْصَارِيُّ.

8) حَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ الْخَزْرَجِي، شَاعِرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

9) أَبُو عِمَارَةَ عَبْدُ خَيْرٍ بْنُ يَزِيدَ، وَيُقَالُ: ابْنُ يَحْمَدَ بْنُ خَوْلِيٍّ الْكُوفِيُّ.

10) حَمْنَنٌ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، لَا يُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ.

11) نَتْجَعُ جَدُّ نَاجِيَةَ، لَمْ يَرْوِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ.

12) نَافِعٌ أَبُو سُلَيْمَانَ الْعَبْدِيُّ، مَوْلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوِيٍّ.

13) اللَّجْلاج بن حَكيم السُّلَمي العامري، وكان يقول: مَا مَلَأْتُ بَطْنِي مِنْ طَعَامٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آكُلُ حَسْبِي، وَأَشْرَبُ حَسْبِي.

14) أَبُو شَدَّادٍ العُمَانِيُّ.

ترجمة موجزة للإمام الحافظ ابن منده

(١) نسبه ونشأته العلمية:

هو الشيخ الإمام، الحافظ المحدث أبو زكريا يحيى بن أبى عمرو عبد الوهاب الحافظ الكبير أبي عبد الله إسحاق محمد بن يحيى بن منده، العبدى الأصبهاني.

ولد في شوال سنة ٤٣٤ هـ ، وبگر به والده في طلب العلم، فلقد نشأ في أسرة عُرفت بطلبها للعلم، وشغفها به، حتى يذكر لنا الإمام الذهبي أنه ألف رسالة في شأن آل منده، وعلو شأنهم في العلم.

بدأ مبكراً في سماع الحديث على علماء بلدته بأصبهان ، فسمع الكثير من أبى بكر بن ريذة، وأحمد بن محمد الفضاض، وغيرهما.

ولقد رحل إلى بغداد بعد سماعه لأهل العلم بأصبهان، وما حولها، فجلس في جامع المنصور ببغداد، وأخذ فى التحديث والإملاء، فأملى وصنف، وجمع الكثير آنذاك.

(۲) شيوخه الذين أخذ عنهم:

أخذ الحافظ ابن منده عن خلق كثير، فسمع من أحمد بن محمود الثقفي، ومحمد بن على الجصاص، وإبراهيم بن منصور سبط بحرويه، ، وأبى الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي، وأبى بكر البيهقي الحافظ، وأبى الفتح على بن محمد الدليلي، ومحمد بن على بن الحسين الجوزدانى، وأبى بكر أحمد المغربي، وسعيد العيار، وأبي الوليد الحسن ابن محمد الدربندي، وأكثر في السماع عن أبيه، وعمه أبى القاسم وأجاز له من بغداد أبو طالب بن غيلان.

(۳) تلاميذه الذين أخذوا عنه :

روى عنه: عبد الوهاب الأنماطي، وابن ناصر، وعلى بن أبى تراب، وأبو طاهر السلفى، وعبد الحق اليوسفي، وأبو محمد بن الخشاب النحوي، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، وأبو موسى المديني، وغيرهم. 

(٤) مؤلفاته العلمية:

عرف الإمام ابن منده رحمه الله بكثرة التصانيف، ومما ذكره له أصحاب التراجم مايلي:

۱ - كتاب «مناقب العباس».

 ۲-كتاب  «مناقب أحمد بن حنبل».، في مجلد كبير.

۳ - كتاب «تاريخ أصبهان».

٤- مصنف على الصحيحين، شبيه بالمستخرجات.

٥- كتاب «التنبيه على أحوال الجهال والمنافقين».

٦-كتاب «من عاش مائة وعشرين سنة الصحابة».

(٥) صفاته الذاتية:

عُرف -رحمه الله - بسعة الرواية، ودقة الحفظ، والبعد عن التكلف. 

ولقد كان أحياناً يتمثل بأبيات شعرية تدور حول المعاني الإسلامية، والمضامين الأخلاقية، ولقد كان ينشد:

عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى .. وللمشتري دنياه بالدين أعـجبُ

وأعجب من هذين من باع دينه .. بدين سواه فهو من ديـن أخـيب

(٦) ثناء العلماء عليه :

قال السمعاني -رحمه الله: "شیخ جلیل القدر، وافر الفضل، ثقة، حافظ، مكثر، صدوق، كثير التصانيف، حسن السيرة، بعيد التكلف، أوحد بيته في عصره، وسألت عنه إسماعيل الحافظ، فأثنى عليه، ووصفه بالحفظ والمعرفة، والدراية".

وقال محمد بن أبي نصر اللفْتُوانى رحمه الله: "بیت بني منده بدىء وختم بيحي".

وقال الذهبي رحمه الله: "الحافظ، العالم، المسند، المحدث، الشيخ، الإمام أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب العبدى الأصبهاني".

وقال ابن العماد الحنبلي رحمه الله: "أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب العبدى الأصبهاني، الحافظ الحنبلي ، صاحب التاريخ".

 وقال عبد الغافر رحمه الله: "هو رجل فاضل من بيت العلم والحديث، المشهور في الدنيا".

وقد مدحه الحافظ السلفى بأبيات شعرية طيبة، منها:

إن يحيى فديته من إمام ** حافظ متقن تقيٍّ حليم 

جمع النبل والأصالة والعقـل ** وفى العلم فوق كل عليم

 ويبدو في هذين البيتين مدى الحب والتعلق العلمي الذي يكنه أبو طاهر السلفى، وهو شيخ الإسلام في زمانه، إلى شيخه ابن منده رحمهما الله تعالى.

(۷) وفاته:

وبعد عمر ملىء بالجد والاجتهاد، والعلم والتعليم، والتصنيف، ارتقت روح الإمام ابن منده إلى بارئها، وذلك في ذى الحجة سنة إحدى عشرة وخمسمائة، فجزاه الله كل خير عما قدمه للمسلمين من علم نافع، وأسكنه فسيح جناته، ونور ضريحه.

الأحاديث الواردة في كتاب ابن منده مختصرة

1-عن حكيم بن حزام، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثلاث مرات، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حكيم، إن هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس لم يُبارك له فيه، وكان كالآكل لا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى»، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق.

إسناده حسن. والحديث صحيح. في سنده فليح بن سليمان، وهو صدوق كثير الخطأ، حديثه في الكتب الستة، كما فى التقريب [٢ / ١١٤ ].

2-عن عاصم بن عدي، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِرعَاءِ الإِبِلِ فِي البَيْتُويَّةِ عَنْ منى، يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، يَرْمُونَ من الغدِ، وَمِن بَعْد الغد ليومين، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ الغد ليومين ، ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النفرِ".

إسناده حسن. والحديث صحيح. أخرجه أحمد [٤٥٠/٥]، ومالك ٢٨٥ ]، وأبو داود [ ١٦٥٩ ]، [ ١٩٦٠ ]، والترمذى [ ٩٦١ ]، [ ٩٦٢ ]، والنسائى [۲۷۳/٥]، وابن ماجه [ ٣٠٣٦ ]، [ ٣٠٣٧ ]، وابن الجارود في المنتقى [ ٤٧٧ ]، وابن حبان [ ١٠١٥ ]، والحاكم [ ١ / ٤٧٨ ]، والطبراني [ ١٧ / ١٧١ ] في الكبير.

3-وعن عويمر الأنصاري -من بني عجلان، أنه أتى عاصم بن عدي، فقال له: يا عاصم، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه ؟! أم كيف يفعل ؟ سل يا عاصم عن ذلك رسول الله. فسأل عاصم رسول الله الله فكره رسول الله له المسائل وعابها، حتى كبر على عاصم.

صحيح، أخرجه عبد الرزاق في المصنف [١٢٤٤٦ ]، [ ١٢٤٤٧ ]، وأحمد في مسنده [٣٣٤/٥، ٣٣٦ ، ۳۳۷ ]، والبخارى فى الفتح [٤٢٣]، [٤٧٤٥]، [ ٥٢٥٩] [٧٣٠٤ ]، ومسلم [ ١٤٩٢ ].

4-عن حوط بن عبد العزى، أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ برفقة فيها جرس ، فأمرهم النبى الله أن يقطعوها، قال: "إن الملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس".

صحيح . وإسناده حسن . أخرجه الطبرانى فى الكبير [ ٤١٨٩]، [ ٤١٩٠]، بنفس الطريق، لكنه جعله عن حوط.

5-عن مخرمة بن نوفل، قال: "لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، وأسلم أهل مكة كلهم، وذلك قبل أن تفرض الصلاة، حتى أن كان ليقرأ السجدة فيسجدون، ما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء قريش: الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وغيرهما، وكانوا بالطائف في أرضهم، فقالوا: تدعون دين آبائكم، فكفروا".

إسناده ضعيف، أخرجه ابن معين في تاريخه [ ٢١٢ ]، والحاكم في مستدركه [ ٣/ ٤٩٠ ] وقال: قال يعقوب بن سفيان: ولا نعلم لمخرمة بن نوفل حديثاً، مسنداً غير هذا، وأخرجه الطبراني في الكبير [٢٠ /٥].

6 - عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: جاء مخرمة بن نوفل رضي الله تعالى عنه، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته قال: «بئس أخو العشيرة» ، فلما جاء أدناه.

صحيح، وإسناده حسن في الشواهد، أخرجه من هذا الطريق عبد الغني بن سعيد في "المبهمات"، والخطيب في "تاريخه"، وهو في "فوائد أبي إسحاق الهاشمي"، كما في "الفتح" [١٠ /٢٥٢].

7-عن سعيد بن يربوع، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «أينا أكبر أنا أو أنت؟» قال: قلت: أنت أكبر مني، وأنت خير رأيا، وأنا أقدم، رواه البخاري عن علي بن المديني.

إسناده ضعيف، أخرجه الطبراني في الكبير [٥٥٢٨]، والبزار كما في "مجمع الزوائد" [٨ / ٥٣]، والبغوي كما في الإصابة [٣/ ١٠٢]، وأورده ابن الأثير في "أسد الغابة" [٢/ ٤٠١] من هذا الطريق.

8-عن ابن المسيب، أن حسان بن ثابت كان في حلقة فيهم أبو هريرة رضي الله عنه، فقال: أنشدك الله يا أبا هريرة، "أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أجب عني أيدك الله بروح القدس؟ قال: نعم".

إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في المصنف [ ٤٠٥۰۹ ]، وأحمد [ ٢٩/٢ ]، والبخارى [٤٥٣]، ومسلم [ ٢٤٨٥ ].

9-عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، عن أبيه، قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور».

صحيح بشواهده أخرجه من حديث حسان ،أحمد [٢٤٢/٣ ]، وابن ماجه [ ١٥٧٤ ]، والحاكم [٣٧٤/١] ، والطبراني في الكبير [٣٥٩١ ]، [ ٣٥٩٢ ]، والبيهقي في السنن الكبرى [٧٨/٤]، وابن الأثير في أسد الغابة [٧/٢].

10-عن نافع العبدي، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلمت عبد القيس طوعا، وأسلم الناس كرها، فبارك الله تعالى في عبد القيس، وموالي عبد القيس».

إسناده ضعيف. لجهالة سليمان بن نافع العبدى ورواه الطبراني في الكبير، والأوسط، وفيه سليمان بن نافع العبدى، ذكره ابن أبى حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً، ولا توثيقاً، وبقية رجاله ثقات. قاله الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد [ ٣٩٠/٩ ].



التربية الإيمانية أساس مكافحة الفساد الأخلاقي رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني يليه الآثار السلبية للتلفاز والهواتف الذكية على أطفالنا بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

التربية الإيمانية أساس مكافحة الفساد الأخلاقي

رشيد بن أحمد الإدريسي الحسني

يليه الآثار السلبية للتلفاز والهواتف الذكية على أطفالنا

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ تعد قضية الفساد الأخلاقي من أكثر القضايا التي أرقت عقول وقلوب العلماء والمصلحين في هذا العصر، لكثرة التأثيرات الخارجية على هذا الجيل، لا سيما الهواتف النقالة والذكية التي سيطرت ببرامجها المختلفة عل عقول وقلوب أبنائنا، حيث ساهمت هذه الهواتف في تشييد منظومة معقدة من الاتجاهات والقيم البعيدة كل البعد عن الأخلاق والأعراف والآداب الإسلامية الأصيلة، وتمكنت هذه الآلة الصغيرة من إضعاف العقائد الإيمانية، وخلق حالة من الفراغ والبطالة وسوء التربية والكسل، بالإضافة إلى دورها السيء في تفكيك الروابط الاجتماعية وتردي الحالة الثقافية والعلمية لدى النشء.

وهذا يقودنا للحديث عن العقيدة الإيمانية باعتبارها صمام الأمان في حياة كل مسلم، والبرنامج البشري الذي يحد من عمل تلك الفيروسات الثقافية والأمراض الاجتماعية، ولا شك أن العقيدة الإيمانية تشكل الوقود الحيّ الذي يغذي مناعة الفرد، ويجعله يحس بالخطر تجاه ما يعرض أمامه عبر هذه الشاشة الصغيرة والملوثة بالأفكار والثقافات المشوهة.

وتكمن أهمية العقيدة الإيمانية، أنها تعطي الفرد القوة والثقة في اتخاذ القرار في أن يحجب عن نفسه كل ما هو ضار في علاقاته وفكره وثقافته، وهي تمثل الزاجر الأكبر للإنسان عن ارتكاب الأعمال المشينة والقبيحة في هذا العالم المفتوح بلا قيود، كما أنها تضبط سلوكياته التي قد تخرج عن الحد المشروع من غش، وخديعة، وكذب، وتزوير، وظلم، وسوء خلق، وفقدان للرحمة.

وفي المقابل فإن الارتكاز على هذه العقائد والتمسك بها، يُحسن الأخلاق ويُرقيها، ويبعث في النفس الأمن والطمأنينة، بل والقدرة على التأثير والغصلاح في هذا العالم الذي يتحرك بحسب الأهواء والمصالح والشهوات. 

ومن أهم الطرق الباعثة على تحقيق التربية الإيمانية المثمرة، هي العلم النافع، الباعث على العمل الصالح، ذلك أن العلم هو الذي يورث النفس السمو والرفعة إذا نطق الإغراء، والوفاء والتفاني في ساعة النكوص والتراجع، والتقدم والاندفاع في مواطن الانخزال والتراجع.

ولا شك أن أصل الإصلاح عموماً وأساس مكافحة الفساد الأخلاقي خصوصاً يتمثل في تعميق هذه التربية الإيمانية، وفق منهج الكتاب والسنة، وبالطبع لا يمكن الاستغناء عن كتابات أهل التربية والإصلاح، لأن الخبرات والكتابات وسيلة من وسائل الفهم الجيد لنصوص القرآن والسنة، ويضاف إلى ذلك وازع السلطان باعتباره الرافد المساعد الذي يؤكد قانون الإصلاح والتربية في المجتمع.

والمقصود بالفساد الأخلاقي: الحالة التي يتحرر فيها الإنسان من جميع القيود الاجتماعية والدينية، ومن جملة الأعراف والتقاليد المتوارثة، وتتعارض مع تعاليم الدين.

ولعل الدافع إلى الكتابة في مثل هذا الموضوع ما نراه من آثار خطيرة لهذه المظاهر التي نراها في الشوارع والمقاهي والمحلات وعلى الشواطئ، ولعل أبرزها: 

(1) اختلال نظام المصالح والمفاسد في العرف العام، وكون الموازين الشخصية والمكاسب الدنيوية هي التي تحكم علاقات الناس طريقة حياتهم.

(2) المحاولات الكثيرة من أصحاب الأموال والاستثمار لإشباع الرغبات الجنسية وزيادة الموارد المالية بأي طريقة كانت، دون النظر إلى حكم الشرع فيها.

(3) التأثر بالحالة المتردية للأخلاق في الغرب وذلك في كثير دول العالم العربي والإسلامي في وقت لاحق، حتى نشأت جمعيات الشذوذ، ونوادي الليونز والريتوري، والجمعيات المشبوهة التي تروج للانحراف الديني والأخلاقي، سيراً على خطى الغرب المجرم.

ونظرة سريعة على قضية الشذوذ -مثلاً -نجد أن أوروبا وأمريكا اعترفت بحقوق الشواذ جنسياً بشكل متسارع، مثلما اعترفت الدنمارك بزواج المثليين عام 1989م، ثم تبعتها بقية الدول الاسكندنافية وهولندا عام 2000م ثم ألمانيا عام 2001م، وبلجيكا عام 2003م، وبريطانيا عام 2004م، وسويسرا وفنلندا وإسبانيا عام 2005م، وفرنسا عام  2006م. واليوم يحوال الغرب إقحام هذا الشذوذ في عالمنا العربي والإسلامي، وقد نجحوا في بعض البلدان العربية للأسف باسم بعض الاتفاقيات المجحفة بحق الدين والإنسان والشرف.

أما مظاهر الفساد الأخلاقي؛ فكثيرةٌ جداً، منها:

1) الانحلال عن أحكام الدين بترخيص الزنا والخمور، وفتح الباب لها.

2) ذيوع الفسق والخيانات الزوجية والاستبداد والاختلاسات والسرقات.

3) ظهور الفواحش والانحرافات الجنسية من خلال إقامة النوادي والحفلات المختلطة.

4) نشر المسلسلات الهابطة والأفلام الخليعة التي تملكت الكثير من القلوب الضعيفة.

وأساس التغيير إنما ينبع من الداخل {إن الله لا يُغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فأخبر تعالى في هذه الآية أنه لا يُغير أحوال الأقوام حتى يقع منهم التغيير الشامل على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع، كما غيّر الله المنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة مواقعهم.

والتغيير تغييران، وأحدهما شرط للآخر:

الأول: تغيير الأنفس والأعمال، وهو على العبد بتوفيق الله.

الثاني: تغيير الواقع والحال، وهو على الرب سبحانه وتعالى.

والغيث مع أنه صالحٌ في نفسه إلا أنه يحتاج إلى أرضٍ خصبة، حتى ينبت النبات الطيب، فيأتي أكله كل حين بإذن ربه، وكذلك المنهج الإسلامي هو نهج صالح إلا أنه يفتقر إلى من يطبقه في واقع الحياة ليؤتي ثمره وأكله، وتنعم البشرية بعدله ورحمته.

- الآثار السلبية للتلفاز والهواتف الذكية على أطفالنا:

هناك آثار سلبية على الطفل من الناحية الجسمية والعقلية حيث "يؤكد الأطباء وعلماء النفس أن جلوس الأطفال أمام التلفزيون لساعات طويلة، قد يهدد صحتهم البدنية والعقلية ويؤثر على حواسهم البصرية والسمعية ويحد من حركتهم، لذلك نجد في عصرنا الحالي الكثير من الأطفال من يرتدي النظارات الطبية، وهم في عمر صغير، وهذا نتيجة الإكثار من مشاهدة التلفزيون.

أما من الناحية الاجتماعية ، فإن التلفاز يهدر الوقت ويؤدي بالمشاهد إلى التساهل، وإلى شيوع ثقافة عدم المبالاة بالوقت وعدم استثماره "أما بالنسبة للوقت الذي يقضيه الأطفال، فهناك دراسات أجنبية تقدره بحوالي 28 ساعة في الأسبوع، أي بمعدل أربع ساعات يومياً في أمريكيا وكندا، ولكن المعدل ينخفض في السويد إلى ما بين ساعتين وساعتين ونصف، ولا يزيد هذا المعدل عن ساعة ونصف في النرويج، وفي مجتمعنا الفلسطيني يقضي الأطفال وقتاً طويلاً في مشاهدة التلفزيون ،لاسيما في فترة الإجازات.

إن التلفاز يعرض كثير من مشاهد العنف والجريمة والرعب، مما يثير في نفوس الأطفال الصغار الخوف والرهبة، وهذا يؤثر عليهم في يقظتهم ونومهم، وقد أكد الباحثون دور التلفزيون في انحراف أحداث السن وجنوحهم بسبب تقليدهم لما يرونه من أفلام العنف والجريمة والجنس على شاشة التلفزيون.

كما أن كثيراً من البرامج التلفزيونية المخصصة للأطفال، تؤثر تأثيراً سلبياً على الفطرة السليمة، فيشوبها الانحراف والفساد وتمحو معالم الخير في ، ومن أبرز الانتقادات الموجهة لهذه البرامج ما يلي:

أ- تدني مستوى اللغة المقدمة في بعض البرامج المخصصة للأطفال، وهذا ما يؤخذ على بعض البرامج هبوط في المستوى اللغوي، واعتمادها بشكل رئيسي على اللهجات العامة.

ب- احتواؤها على مشاهد عنف وعدوان وألفاظ غير مقبولة، مما يؤدي إلى غرس السلوك العدواني لدى الأطفال، وإغراق عقولهم في الخيال.

ج- قلة الإنتاج المحلي لهذه البرامج، واستيرادها من الغرب، الذي يختلف عن مجتمعاتنا في المعتقد والثقافة والأخلاق، بالإضافة إلى"اغتراب معظم القائمين على توجيه البرامج بحكم تكوينهم الثقافي، الذي تولد في فترة الابتعاث والدراسة في الدول الأجنبية.

د- انعدام التخطيط القائم على معرفة طبيعة الأطفال في هذه البرامج.

هـ- التناقض التام بين القيم التي تقدمها هذه البرامج ،مع القيم الإسلامية ، مما ينتج عنه انفصام في شخصية الطفل ،ومما يدلل على ذلك بعض البرامج المخصصة للأطفال التي تبثها قنوات تلفزيونية فضائية ،مثل ،mbc3، وبراعم وغيرها.

إن للتلفاز تأثيراً كبيراً على شخصية الأطفال، ولكن هناك مؤسسات يمكن أن تقلل وتحد من هذا التأثير، وأقدر هذه المؤسسات على فعل ذلك الأسرة، فلا بد أن تقوم بدورها في الاستخدام السليم للتلفاز عبر:

- غرس التربية الإسلامية في نفوس الأطفال، لأنها التربية الصحيحة التي سوف يقبلها الأطفال بسهولة لأنهم ولدوا على الفطرة .

- تحديد وقت معين لمشاهدة التلفزيون، وأوقات أخرى للمطالعة واللعب والدراسة.

- متابعة البرامج مع أطفالهم لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتعزيز المفاهيم الإيجابية، ومساعدة الأبناء على التمييز بين الحقيقة والخيال.

- توجيه الآباء النصائح لأطفالهم ، بأن تكون الجلسة صحيحة، والبعد عن التلفزيون أمتار عديدة حتى لا يتعرضوا لضعف البصر .

- منع الأطفال من مشاهدة البرامج العنيفة والمرعبة لما له من أثر سلبي على الأطفال.

- اختيار قنوات فضائية، تعزز القيم والأخلاق الإسلامية ، والبعد عن القنوات التي تدس السم في العسل للأطفال.

- أن يكون الوالدان مثالا للقدوة السليمة وليس العكس في اختيار البرامج المفيدة للأسرة .

-تحديد موعد للنوم ، وعدم سهر الطفل على البرامج التلفزيونية ، مهما كانت جاذبيتها.

دور الإعلام الإسلامي في الحفاظ على الفطرة

لابد من وجود إعلام إسلامي بديل عن ما هو موجود على الساحة ، من خلاله يمكن المحافظة على فطرة أبنائنا كما خلقها الله.

ويمكن تعريف الإعلام الإسلامي بأنه "تكوين رأي صائب،يدرك الحقائق الدينية ويفهمها ويتأثر بها ،في معتقداته وعبادته ومعاملاته، من خلال الكلمة المكتوبة أو المسموعة أو المشاهدة". 

وهذا الإعلام الإسلامي المنشود لابد أن يقوم على لحماية الأجيال المسلمة من الانحراف والفساد، و يتم ذلك من خلال ما يلي:

- إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية، تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

- إنتاج رسوم متحركة للأطفال تزرع في نفوسهم حب الإسلام والاعتزاز به.

- إعداد برامج يقوم بتقديمها أطفال ،لصناعة جيل جريء في قول الحق.

- إعداد حلقات تاريخية تلفزيونية عن شخصيات إسلامية كان لها تأثير في التاريخ الإسلامي.

- إعداد برامج ترفيهية، اجتماعية، اقتصادية تهم أفراد المجتمع من منظور إسلامي.

- نشر الثقافة الإسلامية عبر عدة برامج تهتم بالقرآن الكريم، وبالسنة النبوية، وبسير التابعين، بالأخلاق الحميدة.

- لابد أن يكون للمرأة نصيب في ذلك من خلال إعداد برامج تخصها ويكون كل ذلك من منظور إسلامي.









الخميس، 15 ديسمبر 2022

تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال السيوطي (849 -911 هـ) د. جابر السميري د. حسن نصر بظاظو بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تنزيه الاعتقاد عن الحلول والاتحاد

أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن الكمال السيوطي

(849 -911 هـ)

د. جابر السميري د. حسن نصر بظاظو

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ الحلول والاتحاد ووحدة الوجود هي أبرز العقائد التي شاعت في الأديان الوثنية القديمة، والتي تعني اتحـاد جسمين معاً بحيـث تكـون الإشـارة إلى أحدهما إشارةٌ إلى الآخر، والتعبير الحقيقي عن هذه العقيدة: هــو الــزعم بــأن الإلــه قــد حــلَّ فــي جســم عــدد مــن عبــاده، أو بعبــارة أخــرى أن اللاهوت حلَّ في الناسوت، ويقصـد أصـحاب الحلـول بهـذا القـول أن الله جل في علاه حلَّ فـي جميع المكونات من الشجر والحجر والإنسان والحيوان والبحر والجبل والمنخفض -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ويُفرق بعضهم بين الحلول والاتحاد، بأن الحلول يعني وجـود شـيء داخـل شـيء آخـر دون أن يفقـد أحـدهما طبيعتـه أو هويتـه، ويعتقد أصحاب هذا القول أن الــذات الإلهيــة حلَّت فــي الــذات الإنســانية، دون أن يفقد أحدهما طبيعته، فيحــل علــى حــد تعبيــرهم اللاهــوت فــي الناســوت كحلول الماء في الإناء، وأما الاتحـــــاد فيكـــــون أكثـــــر قربـــــاً وامتزاجـــــاً وتـــــداخلاً، وقـــــد يفقـــــد الشـــــيء الممتـــــزج ذاتـــــه أو بعـــــض صـــــفاته وخصائصـه؛ كاتحاد الماء باللبن. وعلى كُلٍّ فإن كلا العقيدتين فاسدتين، والقول بها كفرٌ بالله وبآياته وصفاته.

واتخذت الحلولية أشكالاً وأنماطاً متعددة، فبعضهم يقول بإلهية بعض البشر أو الملائكة أو الحيوان والطير، وكونوا حول هذه الحلولية أفكاراً مختلفة من التناسخ والتطور والإباحية، وتسربت هذه العقائد إلى أقوام من الزنادقة والفلاسفة من أصحاب الخلفيات الوثنية، وحاولوا من خلالها محاربة الشرائع السماوية، والعبث بعقيدة التوحيد الصافية.

وجعل الفلاسفة هذه العقيدة رمزاً دالاً على وحدة المكونات في عالم الشهود، فقالوا: إن الموجود الحق هو الله، وما عداه فإنها صور زائفة وأوهام وخيالات، وانتقلت هذه الوثنية منهم إلى النصارى الذين قالوا بإلهية عيسى بن مريم -عليه السلام، وانتقلت هذه الفكرة تدريجياً إلى طوائف الباطنية، التي أفرزتها على الموجودات المختلفة، ومن ضمن هذه الطوائف غالية الرافضة الذين اعتقدوا حلول الرب في ذات علي بن أبي طالب، كما ذهب بعض من ينتسب إلى التصوف إلى حلول الذات الإلهية في ذوات الأولياء أو بعضهم، وبرز ذلك جلياً مع نهاية القرن الثالث الهجري .

وتعد عقيدة الحلول من العقائد التي أحالها الشرع والعقل والعرف، وأجمع الأنبياء والأولياء والمشايخ الإسلام، وعلماء المسلمين وعوامهم على بطلانها، وكونها من أكبر أبواب الإلحاد والزندقة. وقد أثرت هذه العقيدة الفاسدة في ظهور نظريات الفيض والإشراق على يد متأخري الصوفية في القرن الخامس والسادس الهجريين.

وهذا البحث الوجيز، جمع فيه الإمام السيوطي -رحمه الله -جملة معتبرة من كلام الأئمة المحققين، والعلماء الكاملين في إنكار مقالة الحلول والاتحاد، واعتبارها مقالة كفرية، وتكفير القائلين بها، مع تحقق الداعي وانتفاء المانع.

وبين -رحمه الله -أن الحلوليين هم أبلد الخلق ذهناً، وأعماهم قلوباً، ومنهم بعض غلاة الصوفية، الذين قالوا بمثل هذه المقالة، فزادوا في تعدية الحلول ليشمل الخلق جميعاً، بينما قصره النصارى على واحد، فزادوا بذلك كفراً على كفر النصارى.

وفي المقابل نجد تورع الإمام السيوطي عن تسليط كلمة الكفر على أعيان بعض المتصوفة الذين صدرت عنهم هذه الكلمات، فالتمس لهم الأعذار التي شيعها بعض المتأخرين، ولم تكن رائجة بين المتقدمين، ويمكن حصر هذه الأعذار في أربعة نقاط: 

الأولى: أن بعض من صدرت عنهم هذه الكلمات كانوا في حالة سكر وغيبوبة، ومعلوم أن المُغيّب لا يؤاخذ بما يقوله حالة غيبته وسكره.

الثانية: أنهم قالوه حكايةً عن الله، لا اعتقاداً أنهم أصبحوا آلهةً، أو أن الله حلَّ بهم.

الثالثة: أن ذلك وقع من بعض جهال المتصوفة تقليداً لمن بدرت منه هذه الكلمات، ظناً منهم أنه تحقيق في التوحيد، وهذا الجهل يرفع حكم الكفر عنهم.

الرابعة: أنهم وقعوا في ذلك خطئاً؛ عندما خانتهم العبارة في التعبير عن مدلول توحيد الإرادة، ذلك أنهم أرادوا تسليم الأمر كله لله، وترك الإرادة معه والاختيار، الجري على مواقع أقدار الباري بلا اعتراض، فعبروا عن ذلك بما يفيد الحلول والاتحاد ولم يقصدوه.

ومع سرد هذه الأعذار إلا أن بعضها بعيد أو فيه نوع مجاملة وتبرير، لكن الإمام السيوطي أغلق الباب أمام كل من تسول له نفسه الولوج في هذا المنزلق الخطير، ففحرّم تحريماً قاطعاً تداول مثل تلك الكلمات الحلولية، أو جعلها مذهباً يُعتنق؛ لأنها ضلالٌ وكفر صريح.

ولنا ما قاله القاضي عياض رحمه الله -: "أجمع المسلمون على كفر أصحاب الحلول، ومن ادّعى حلول الباري سبحانه في أحد الأشخاص، كقول بعض المتصوفة والباطنية والنصارى والقرامطة؛ فقد كفر".

-تعريف الحلول والاتحاد:

يقول ابن تيمية في بيان هذه العقيدة: "والحلول إمّا معين في شخص، وإمّا مطلق. أمّا الاتحاد والحلول المعين كقول النصارى: أن الاتحاد كاتحاد الماء واللبن.وأما الحلول المطلق، وهو أنّ الله تعالى بذاته حال في كل شيء، فهذا يحكيه أهل السنة والسلف عن قدماء الجهمية، وكانوا يكفرونهم بذلك. فأمّا ما جاء به هؤلاء من الاتحاد العام فما علمت أحداً سبقهم إليه إلا من أنكر وجود الصانع، مثل: فرعون والقرامطة، وذلك أنّ حقيقة أمرهم أنّهم يرون أنّ عين وجود الحق هو عين وجود الخالق، وأنّ وجود ذات الله خالق السموات والأرض، هي نفس وجود المخلوقات، فلا يتصور عندهم أن يكون الله تعالى خلق غيره، ولا أنه رب العالمين، ولا أنه غني وما سواه فقير، لكن تفرقوا على ثلاثة طرق، وأكثر من ينظر في كلامهم لا يفهم حقيقة أمرهم لأنه أمر مبهم".

وقال ابن تيمية عنهم أيضاً في "مجموع الفتاوى" (2/ 52): "مذهبهم الذي هم عليه أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود، ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق، عين وجود المخلوقات، فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبيح، ومدح وذم، إنَّما المتصف به عندهم عين الخالق، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلاً، بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه. ومن كلماتهم: ليس إلا الله، فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم، لأنهم ما عندهم له غير، ولهذا جعلوا قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} الإسراء:23، بمعنى قدر ربك أن لا تعبدوا إلا إيَّاه، إذ ليس عندهم غير له تتصور عبادته، فكل عابد صنم إنما عبد الله. وقيل عن رابعة العدوية أنها حجت فقالت هذا الصنم المعبود في الأرض، والله ما ولجه الله، ولا خلا منه.

ومن العلماء الذين بينوا فساد اعتقاد أهل الحلول والاتحاد، وذكرهم السيوطي في هذه الرسالة:

1-أبو حامد الغزالي في "الإحياء" (باب السماع -وبالمحبة). قال السيوطي: "وقد بدأنا بالنقل عنه؛ لاجتماع الفقه والأصول والتصوف فيه، وهو أجل من اعتمد عليه في هذا المقام".

2-إمام الحرمين في "الإرشاد".

3-الأستاذ ابن فورك في كتابه "النظامي في أصول الدين".

4-فخر الدين الرازي في كتابه "المحصل في أصول الدين".

5-أبو الحسن الماوردي في "مناظراته لبعض النصارى".

6-القاضي عياض في "الشفاء"، ونقله عنه النووي في "شرح مسلم".

7-القاضي ناصر الدين البيضاوي في "تفسيره".

8-الشيخ عز الدين بن عبد السلام في "قواعده الكبرى".

9-الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "أول الحلية".

10-قطب الدين عبد الله بن محمد النوري الأصفهاني الشافعي في كتابه "معيار المريدين".

11-علي بن عبد الله الهروي في كتابه "نهج الرشاد في الرد على أهل الحلول والاتحاد"، ونقل فيه عن شيخ الإسلام ابن دقيق العيد.

12-الشيخ سعد الدين التفتازاني في كتابه "شرح المقاصد".

13-السيد الشريف الجرجاني في كتابه "شرح المواقف".

14-العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر الجوزية في "شرح منازل السائرين".

15-الأصفهاني في تفسيره "جامع التأويل المحكم والتنزيل".

16-تاج الدين بن التقي السُّبكي في كتابه "جمع الجوامع".

17-تقي الدين السبكي في كتابه "غيرة الإيمان الجلي".

18-قصيدة لعلي وفا أحد شيوخ الشاذلية.


أهم النتائج التي توصل إليها المحققان:

1-أن الحلول والاتحاد من قول الزنادقة، وأول من قال به هم النصارى إلا أنهم خصوه بعيسى بن مريم، بينما عممه الزنادقة ليشمل كل المخلوقات، وقولهم لا يليق بالله عز وجل.

2-وضوح صفة العلو لله عز وجل، وأن الله تعالى عالٍ على عرشه، فوق سماواته، وقد بين العلماء ذلك من خلال كتبهم، وأقوالهم المتواترة.

3-حاول السيوطي أن يثبت صفة العلو وهو مُصيب في ذلك، لأنه يريد أن ينتقد قول من يقول بالحلول والاتحاد.

4-من كلام الصوفية ما هو مبهم وعام، ومنه ما هو صريح وواضح في قضية علو الله تعالى على خلقه، ومنهم من ليس له مذهبٌ ليسير عليه.

5-من ينظر في كتب الترجمة يجد أن عقيدة الحلول لم تجن على المسلمين سوى الدمار والفرقة وتسلط الزنادقة والدهرية، وتجبر الجهمية وانتشار المبتدعة، وإدخال ما ليس في دين الله فيه.