أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 13 مارس 2021

شرح حديث (اتَّقِ اللهَ حيثُ كُنتَ) -لفضيلة الشيخ الوالد: عُبيد بن عبد الله الجابري

شرح حديث (اتَّقِ اللهَ حيثُ كُنتَ)

لفضيلة الشيخ الوالد: عُبيد بن عبد الله الجابري

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذا الحديث العظيم هو وصية العلماء لأتباعهم، ووصية الآباء لأبنائهم، وهو خير زاد لمن أراد السفر، وكلنا سفر.. وهذا الحديث يتضمن قواعد كلية تحدد علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، ومع غيره..

وأصل هذا الكتيب هو محاضرة، ألقاها الشيخ عبيد الله الجابري على شبكة سحاب السلفية، ضمن سلسلة اللقاءات السلفية في دولة قطر،

ولا شك أن الدور البارز اليوم لنصرة الدين والسنن يقوم على عاتق الإخوة السلفيَّين على اختلاف مشاربهم، وعلمائهم، فلهم علينا منَّة جليلة، بما يقدمونه من خدمة جليلة لكتب السلف: شرحاً، وتحقيقاً، وتعليقاً، وتعقباً، سيما كتاباتهم الرائعة التي تخطُّها أقلامهم الصافية، التي تُبيِّن الحق وتُدافع عن عرين السنة، جزاهم الله عنا خيراً.

● الحديث رواية:

عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺَ: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»

(رواه الترمذي في سننه: ١٩٨٧، والدارمي: ٢٨٣٣، وحسنه الألباني).

● معاني الحديث ومفرداته:

تضمن هذا الحديث ثلاث وصايا جليلة، من تأملها بفطنة، وتدبر، وجميل انقياد ظهر له أنها تُحصل للعبد كل خيرٍ في الدُّنيا، والفلاح في الآخرة:

الوصية الأولى: تقوى الله عز وجل:

(اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَفعلاقة الانسان بربه أن "يتقِ الله"، وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده: {وَلَقَدۡ وَصَّیۡنَا ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَابَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَإِیَّاكُمۡ أَنِ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ} (النساء: ١٣١). وهي وصية الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم خاصة: {یَا أیُّهَا ٱلنَّبِیُّ ٱتَّقِ ٱللَّهۚ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ وَٱلۡمُنَافِقِینَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا} (الاحزاب: ١). ومنه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء: 1)،

و(التقوى) في اللغة: من التوقي، وهو اتخاذ المرء وقاية تمنعه مما يكره ويحذر. وفي الشرع: التحرز بطاعة الله عن معصيته التي هي سبيل عقابه. أو: هي عبارة طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تدع معصية الله، على نورٍ من الله، تخشى عقاب الله.

فالتقوى حقٌّ من حقوق الله عز وجل: وهي إفراد الحق جل وعلا بالطاعة، وتوحيد العبادة. ومراتب التقوى ثلاثة، هي:

- فعل المأمورات.

- ترك المحظورات.

- اتقاء الشبهات.

الوصية الثانية: حق النفس: (وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا): فعلاقة الإنسان بنفسه أن "يتبع السيئة الحسنة تمحها"، وهذا هو الفقه العالي في معالجة الأخطاء، ومعالجة السيئات والمعاصي..

والحسنة هي الصلاة والتوبة والاستغفار اللذان يعقبان الذنب، صغيره وكبيره، جليله وحقيره، بالإضافة إلى الأعمال الصالحة: من النوافل، والصدقات بأنواعها، وأعظم ذلك كله سلامة القلب من الشرك والكبر.

وفي هذه الوصيَّة: أمرنا نبينا ﷺَ بأن نجاهد أنفسنا على فعل محابِّ الله سبحانه، واجتناب مساخطه.

الوصية الثالثة: حق عباد الله: (وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ): فعلاقته بغيره أن "يخالق الناس بخلق حسن"، وذلك بأن تفعل معهم ما تحبّ أن يفعلوه معك، فتجتمع القلوب وتتآلف، وذلك جماع الخير وملاك الأمر…

وهذا فيه إظهار محاسن ديننا من الأمانة، والعدل، وحفظ العهد، وحسن الجوار، ومخالطة الناس بالخلق الحسن، ولو أن تتكلف ذلك، وتنظر إلى الكيفية التي نُعامل بها الناس؛ فتبذل الندى، وتكف الأذى، وتصبر عليهم.

(اتق الله) بامتثال أمره، واجتناب نهيه، أو اجعل العبادة وقايتك من كل ما تحذره وتخافه.. تخاف النار والعذاب.. تخاف الضيعة والخسارة.. تخاف على أولادك.. تخاف على منصبك ومركزك.. اتق الله.

والعاقل هو من يوطن نفسه على الكمال، فلا تبدي شيئا للناس في الظاهر، حتى تربي عليه نفسك في الباطن.. والناس يوم القيامة عراة، وأول من يكسى هو إبراهيم الخليل عليه السلام، ثم يكسى الناس كل بحسب تقواه..

ولو جلس كل واحد منا مع نفسه في خلوته لعرف أين هو من تقوى الله ؟  ثم بعد ذلك اعرض نفسك على كتاب الله، تعلم مع أي الفريقين تكون، قال ربنا: {إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم}..

إذا كنت تقلب القنوات في التلفاز، وعلى مواقع التواصل تتنقل بين فيديوهات الفيس، والتويتر، والواتس، والتيليجرام، والانستجرام.. اتق الله. 

قبل أن تنشر خبرا، أو تذيع أمرا في الناس، وعلى الناس، وكنت لا تخاف الله.. فاتق الله.

إذا جاءك طفل صغير إلى بقالتك يريد أن يشتري منك وتريد أن تغشه.. قبل أن تبيعه: اتق الله.

إذا دخلت الفصل لتدريس الطلاب، ثم جلست دون ان تشرح، فقبل أن تدعوهم للدرس الخصوصي.. اتق الله.

إذا جلست على المكتب في العيادة لتعالج المرضى، قبل أن تخبرهم بمواعيد عيادتك الخارجية.. اتق الله.

إذا جاءتك معاملة إنسانية فورية تعتمد عليك، فقبل أن ترفضها وتردها.. اتق الله.

إذا كنت مسؤولا عن مساعدة الناس، وتقديم الطرود والأموال للفقراء والمحتاجين، قبل أن تطلب من ذلك الفقير نصف تلك الكابونة، أو ثلث ذلك المال.. اتق الله.

قبل أن تضع أسماء أقربائك، وأبنائك وإخوتك .. تذكر أن هناك من هو أحوج إلى هذا الطرد منهم، واتق الله.

إذا هممت بمعصية، وغلبتك نفسك عليها، ثم وقعت فيها لضعف فيك، فبادر إلى التوبة. واتق الله.

ثم لا تكن عند المعصية كالذي يعاند ربه، فإذا لم تستحي من الله فاستحي من الملائكة التي تسجل عليك عملك، وابك.. فالبكاء يغسل القلب .. واتق الله. ولو لم تثمر التقوى إلا المحبة لكفت، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: ٤).

(حيثما كنت) وحيثما كنت فأنت في ملك الله وسلطانه وقبضته، ان تكلمت فهو سميع، أو سكت فهو عليم، او تحركت فهو بصير، فاتق الله في كل مكان تكون فيه، وفي أية مكانة تكون فيها.. إن كنت وحدك أو في جماعة، في البيت او خارجه، في السفر والحضر، حيث يراك الناس وحيث لا يرونك، فحقه سبحانه عليك أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر بقدر الإمكان ..

ومن صور عدم التقوى أن يؤذي الرجل زوجته أمام أبنائها، أو يهينها أمام بناتها.. فإذا أردت أن تؤدبها فافعل ذلك بعيدا عن أبنائها وبناتها..

(وأتبع السيئة الحسنة تمحها)  وهذا يعلمنا أن الشيء يعالج بضده. قال ربنا: {إن الحسنات يذهبن السيئات} (هود: 114). ومعنى قوله: {يذهبن السيئات} أن الحسنة تمحو السيئة من الصحف. فالعلاقات المحرمة تعالج بالزواج المباح، وسماع الأغاني والموسيقى تعالج بسماع كتاب الله، والربا تعالج بالبيع والكسب الحلال، والغيبة تعالج باستحلال من اغتبته، أو الاستغفار له، وأن تذكره بالخير في مجلس ذكرته فيه الشر، وأذية الجيران تعالج بكف الأذى واتباعه بالإحسان.

قال العلماء: إذا عملت ذنبا في السر فتب إلى الله في السر ، وإذا عملت ذنبا في العلانية فتب إلى الله في العلانية، ولا تدع ذنبا يركب ذنبا، وأكثر من البكاء ما استطعت..

(وخالق الناس بخلق حسن) أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة من نحو طلاقة الوجه، وبذل المعروف إليهم، والحلم عنهم، والشفقة عليهم، وخفض الجناح لهم، وكف الأذى عنهم، وعدم ظن السوء بهم، وتودد إلى كل كبير وصغير وتلطف في سياستهم مع تباين طباعهم؛ لأن ما عند الله لا يشترى إلا بالإحسان إلى خلقه.. والنبي معصوم بمفرده، والأمة معصومة بمجموعها.

س/ هل يدل حديث: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) على أن الحسنات تمحو الصغائر، وإن لم يتب منها صاحبها؟

والجواب: نعم، السيئات تمحو الصغائر وإن لم يحصل منها توبة؛ لأن التي لابد لها من توبة هي الكبائر، والتوبة تجب كل شيء: الكبائر والصغائر.

س/ الأمر في قوله ﷺَ: (وخالق الناس بخلق حسن) هل هو على سبيل الاستحباب أو الوجوب؟

والجواب: أنه على سبيل الوجوب، وعليه يأثمُ من آذى الناس بأي صورةٍ من صور الإيذاء الحسية والمعنوية، وإن لم تُحسن المخالطة فلا أقل من أن تعتزل، وتكفَّ أذاك.

----------------------------------------

اختصره: أ. محمد حنونة، مع بعض الإضافات والتعديلات.

كتاب الكتروني، شبكة سحاب السلفية- القاءات القطرية، محاضرة عبر الهاتف: 15/ جمادى أول/ 1432 هـ.





قواعد القواعد -صالح بن عبد العزيز آل شيخ

قواعد القواعد

صالح بن عبد العزيز آل شيخ

إعداد: سالم بن محمد الجزائري


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لكل علم قواعده وأصوله التي ينبني عليها، ويرتكز إليها، لذا كان من المناسب لكل طالب علم أن يتعرف على أصول العلم الذي يهتمُّ بتعلمه، ويرنو إلى أن يتضلع به.

وهذا كتابٌ عظيم نفعه، كبيرٌ قدره، وإن لم يكن -في نظري -وافياً بموضوعه، أو شاملاً لعناصره وأهدافه؛ إذ هو نبذةٌ يسيرة وبذرة صغيرة صالحة -بإذن الله -إذا نبتت في عقل الطالب وقلبه وسُقيت بماء الصدق والاجتهاد؛ فإنه ستنبت علوماً نافعة بإذن الله تعالى. 

تعريف القواعد: 

أ. في اللغة: جمع قاعدة، والقاعدة هي كل ما ينبني عليها غيرها.

ب. في الاصطلاح: هي أمرٌ كلي، ترجع إليه فروعٌ كثيرة.

إذن (القاعدة عبارة تتكون من ألفاظ قليلة، ويدخل تحتها صورٌ كثيرة)

أقسام القواعد باعتبار المعرفة بها:

أ. قواعد عامة: يشترك في معرفتها جميع أهل العلم.

ب. قواعد خاصة: يشترك في معرفتها أصحاب علم خاص، مثل القواعد الفقهية، تختلف في كل مذهب عن الآخر.

أقسام القواعد باعتبار نوع العلم:

أ. قواعد في أصول العقيدة.

ب. قواعد في أصول الفقه.

ج. قواعد في أصول السلوك والأخلاق.

قال ابن قيم الجوزية:

والعلم أقسامٌ ثلاثٌ ما لها … من رابع والحق ذو تبيان

علمٌ بأوصاف الإله ونعمه … وكذلك الأسماء للديّان

والأمر والنهي الذي هو دينه … وجزاؤه يوم المعاد الثانِ

أهمية علم القواعد:

أ. ضبط أصول العلم والفهم وأفراده.

ب. منع الشذوذ بالآراء المختلفة لا سيما في النوازل والمستجدات.

ج. حماية طالب العلم من الالتباس والتأثر بالمتشابهات.

د. تيسير الاجتهاد في مسائل النوازل.

ه. صيانة عقلية المسلم أمام هذا التغيُّر الهائل في القيم والأخلاق، وكما أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (لا يأتيكم زمانٌ إلا والذي بعده شرٌّ منه، حتى تلقوا ربكم)، وقال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور -أي بسبب بُعد الناس عن الدين.

و-بيان أن هذه الشريعة صالحةٌ لكل زمان ومكان؛ لأن أحكامها ثابتةٌ لا تتغير، فحكمها في أول الزمان هو حكمها في آخر الزمان.

من الذي يضع القواعد:

أ. لا بُد لمن يضع القواعد أن يكون عالماً راسخاً في علمه، فيعلم دقائق دقائق العلم وتفاصيله، وعالماً كتاب الله تعالى، عالماً بحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، عالماً بأقوال السلف، وبأقوال أهل الفن، وما عليه الجمهور والآراء الشاذة.

ب. أن تكون هذه القواعد غير منخرمة؛ فلا يُخالفها هو في بعض مسائله وفتاواه، ولا يأتي من غيره ما يخرمها.

ج. ولا بُد أن تكون القاعدة أغلبية، فلا تصلح القاعدة التي جاء ما يُخالفها أكثر مما يُوافقها.

د.مراعاة الاختلاف والتنوع في الفروع تبعاً لاختلاف الآراء لا سيما في الفقه، وبناءً عليه تختلف القواعد من باب إلى باب.

ه. أن قواعد أصول الدين (العقيدة) ثابتة لا تتغير، وهي واضحة لا تتبدل.

متى يجوز نسبة القاعدة للسلف:

لا يجوز إثبات قاعدة إلى السلف رحمهم الله تعالى -إلا بطريقتين:

الأولى: أن يجد نصاً يدلُّ على أنها قاعدة، مثل: (والقاعدة كذا، والأصل كذا) بنقل إمامٍ مُعتمدٍ ثقة.

الثاني: أن يستقرئ عالمٌ راسخٌ في العلم متأنٍّ كلام السلف في المسألة، ثُم يُقعّد لها.

المحكم والمتشابه:

وهذا المبحث هو أحد المباحث المهمة في علم العقائد والفقه والتفسير والحديث. والمحكم: هو البيّن المعنى، الواضح الذي يُفهم من غير إشكال. والمتشابه: هو الذي يشتبه ولا يُدرى ما وجهه حتى يُردَّ إلى المُحكم.

ومن القواعد في هذا الباب:

أ. ليس كل من استدل بالقرآن والسنة يكون مُصيباً وناجياً، بل لا بُد من العودة إلى فهم أهل العلم وكلام السلف.

ب. من أراد التقعيد (وضع القواعد) لا بُد له من ضبط المحكم وفهم المتشابه.

ج.الأصل في الاستدلال أن يكون بالمحكم لا بالمتشابه.

د. ضرورة إنصاف العالم المخطئ في اجتهاده، وجلَّ من لا يُخطئ، يقول الإمام الذهبيُّ رحمه الله: (ما من إمامٍ كاملٍ في الخير إلَّا وثمَّ أناسٌ من جهلةِ المسلمين ومبتدعيهم يذمُّونه، وما مِن رأسٍ في التجهُّم والرَّفضِ إلا وله أناسٌ ينتصرون له ويذبُّون عنه، ويدينون بقوله بهوىً وجهل، وإنما العبرة بقول الجمهور، الخالين من الهوى والجهل، المتصفين بالورع والعلم).

ه. لا بُد لكل قاعدة من دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ومثال ذلك قاعدة (الأمور بمقاصدها) دليلها: حديث "إنما الأعمال بالنيات"، وقاعدة (لا محرم مع الضرورة) دليلها: قوله تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه}.

و. يستدلُّ للقاعدة باستقراء إمام مأمون ثقة من الأئمة في مسألة مُعينة أو باب مُعين، فيخرج قاعدة باستقرائه.

ز. يُمكن الاستدلال للقاعدة بقاعدة كلية، وتكون بمعنى الأصل.

من القواعد في باب العقائد:

أ. النص محكم والعقل معطل إلا في أجزاء بسيطة.

ب. الأسباب مرتبطة بمسبباتها.

ج.إلغاء الأسباب لا يجوز وهو معارضة للشرع وقدحٌ في العقل.

من القواعد في باب الفقه:

أ. الأمور بمقاصدها.

ب. التابع تابع.

ج. المشقة تجلب التيسير.

د. الضرورات تُبيح المحظورات.

من القواعد في باب السلوك:

أ. العبادات مبناها التوقيف.

ب.كل عبادة لم يفعلها أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا نتعبد بها.

ج. والمعاملات مبناها مصالح الناس ما لم يرد نصٌّ بتحريمها.

د. ليس كل مدحٍ أو قدحٍ يكون حقاً؛ لأنه قد يُمدح بهواه من يوافقه ويعجبه، ويقدح فيمن ليس على طريقته.

ه. أسباب القدح: الحسد، والتعصب، والتحزب، وطلب الرياسة والسلطة، وإسقاط فلان في أعين الناس، وأسباب المدح كثيرة وقد يكون بحق أو بغير حق. 

و.ما وافق الشرع فهو محمودٌ عقلاً وشرعاً، وما خالف الشرع مذمومٌ عقلاً وشرعاً.

ز. والمؤمن يجتمع فيه موجبان: المحبة والبغض بحسب نصيبه من الطاعة والمعصية؛ فنحبه بقدر الطاعة التي فيه، ونبغضه بقدر المعصية التي هو عليها.

ح. الجماعة هل ما وافق الحق، ولو كنت وحدك.





حكم حجز الأماكن في المساجد -جمع وإعداد: د. عبد العزيز بن محمد السدحان

حكم حجز الأماكن في المساجد

جمع وإعداد: د. عبد العزيز بن محمد السدحان

المملكة العربية السعودية- الرياض، الطبعة الأولى، 2009 م.

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ من مناقب الإسلام العظيمة أنه أعطى لكل ذي حقٍّ حقه، فأعطى الطريق حقَّه، والمسجد حقَّه، والبيت حقَّه، والمسلمون مأمورون بمراعاة هذه الحقوق والعناية بها، وعدم الإخلال والتفريط في شيءٍ منها.. ولا شك أن المسجد هو أعظم هذه الأماكن حقَّاً؛ لأنه مجمع الناس، ففيه: الصلاة، والقراءة، والذكر، وتعليم العلم، والخطب، وفيه السياسة، وعقد الألوية للجهاد، ونحو ذلك.

ومن المسائل التي كثُر الحديث فيها، وعمَّت بها البلوى مسألة: "حجز المكان في المسجد"، وبخاصة في المساجد التي يقصدها المصلون لحُسن تلاوة أئمتها، ونحو ذلك.

والداخل للمسجد مُبكراً يعرف سلفاً أن هناك أماكن محجوزة في السطر الأول: بسجاجيد، أو كراسي، أو محامل مصاحف، وغيرها.

ولا شكَّ أن في حجز مكان في الصف الأول: يحرم المُتقِّدمَ إلى المساجد بسبب فعل المتأخِّر، أو من ينوب عنه ممن أتى مبكراً، ولا شك أن هذا مما يُحزن قلب العبد سيما إن كان مُشتغلاً بالعبادة، حريصاً عليها، وقد يجرُّه ذلك إلى أن يفعل كفعلهم، أو يقع في مجادلة مع هؤلاء عند حضورهم إلى تلك الأماكن التي احتجزوها!.

وكان ينبغي على هؤلاء المتأخرين (الذين يحجزون الأماكن) أن يُسارعوا ويتنافسوا في التبكير إلى الصلاة، وأن يستشعروا أجر التبكير والرباط في المسجد.

وعند تصوُّر هذه المسألة نجد أنَّ في حجز المكان لمن يأتي متأخراً:

  • فيه: أذيَّةٌ لبعض الغيورين الحريصين على تحصيل الأجر والثواب.

  • وفيه: حرمان السابقين المبكرين من الصلاة في مكانٍ هم أحقُّ وأولى به.

  • وفيه: غصبٌ لمكان في المسجد لا يستحقه.

  • وفيه: تعطيلٌ لمحلٍّ في المسجد للعبادة والذكر، لا يحلُّ تعطيله.

  • وفيه: أن ذلك يوجب له الكسل والتأخر عن الحضور مبكراً إلى المسجد.

  • وفيه: أنه يحدث الشحناء، والعداوة، والخصومة في بيوت الله التي لم تُبنَ إلا لذكر الله وعبادته.

الحكم في المسألة:

وعليه: فقد شدَّد الأئمة والعلماء في بيان أنه لا يحلُّ، ولا يجوزُ: حجز المكان في المسجد لمن يتأخر في الحضور إلى المسجد، وأنَّه لا ينال فضيلة التبكير، ولا فضيلة الصَّفِّ الأول، بل هو مذمومٌ بكل حال.

أولاً: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مجموع الفتاوى (22/ 189- 190):  "وأما ما يفعله كثير من الناس من تقديم مفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها قبل ذهابهم إلى المسجد؛ فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين؛ بل محرم".

ثانياً: ويقول ابن الحاج المالكي في المدخل (1/ 133- 134): "وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب إلا في وقت الصلاة، وهو في وقت الصلاة غاصبٌ له؛ فيقع في هذا الوعيد بسبب قماشه وسجادته وزيِّه، فإن بعث سجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس، ثم يأتي فيتخطى رقابهم فيقع في محذورات جملة منها غصبه لذلك الموضع الذي عملت السجادة فيه؛ لأنه ليس له أن يحجزه وليس لأحدٍ فيه إلا موضع صلاته، ومن سبق كان أولى، ولا نعلم أحدا يقول بأن السبق للسجادات وإنما هو لبني آدم".

والمشروع في المسجد أن الناس يتمون الصف الأول؛ كما في حديث جابر بن سمرة، قال: قال النبيُّ : "أَلَا تُصَفُّونَ كَمَا تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالُوا: وَكَيْفَ تُصَفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ" (رواه مسلم: 430).


وفي الصحيحين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ" (رواه البخاري: 615، ومسلم: 437).

الشاهد من الحديثين: أن الفضيلة في السبق تحصل لمن سبق بنفسه إلى المسجد، أما من سبق بفراشه، أو جواله، أو بشيءٍ يضعه في الصف، وتأخر بنفسه، فإن فضيلة السبق لا تحصل له، بل هو مخالفٌ للشريعة من وجهين: 

  • تقصيره في الحضور مبكراً، وهو مأمورٌ به.

  • غصبه لطائفةٍ من المسجد، ومنعه السابقين إلى المسجد أن يُصلُّوا فيه، وأن يُتمُّوا الصف الأول فالأول.

أضف إلى ذلك أنه ربما يتخطى رقاب المصلين قبله إن كان المسجدُ ممتلئاً بالناس، فيؤذيهم، وفي الحديث: "الَّذِي يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَتَّخِذُ جِسْرًا إلَى جَهَنَّمَ" (رواه الترمذي: 513، وابن ماجه: 1116، وحسنه الألباني). وقال النبيُّ  للرجل يتخطى رقاب الناس: "اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت"(رواه ابن ماجه: 1115)

ونقل "السدحان" فتاوى للشيوخ الأفاضل الأماجد: الشيخ عبد الرحمن السعدي، وعبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.

مســــــــائـــــل مُتفـــرقَّــــة:

  • وهل تصحُّ صلاته في المكان الذي حجزه؟

فيه قولان للعلماء، باعتبار أن ذلك المكان الذي يصلي فيه كالأرض المغصوبة، والصحيح أن صلاته صحيحة، ولكنها ناقصة الثواب والأجر.

  • فإن قيل: لستُ أنا الذي أحجز، إنما يحجز غيري، وأنا أتقدم المكان؟

فالجواب: أن الذي يحجز لك وإن كان في الصف الأول آثمٌ، لأنه غاصب للمكان حقيقةً، وأنت مُستحلٌّ لما غصبه لك، فأنت وإياهُ في وزر الغصب سواء.

  • إذا فرش شخصٌ أو وضع شيئاً لغيره في الصفِّ -على سبيل الحجز-، فهل لمن سبق أن يرفع ذلك، ويُصلِّي موضعه؟

فالجواب: أن لغيره رفعه، والصلاة مكانه، إذا علم أن ذلك لا يُثير فتنة، لأن هذا السابق يستحقُّ الصلاة في ذلك الصف المتقدم، وهو مأمورٌ بذلك، ولا يتمكن من استيفاء هذا الأمر إلا برفع ذلك المفروش أو الموضوع، وتنحيته، والصلاة فيه، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم.

  • إذا جاء الذي حجز المكان، ووجد غيره قد أماط علامة الحجز، وصلَّى مكانه، فما الحكم؟

فالجواب: أنه يحرم عليه أن يقيمه من مكانه، لأنه أولى وأحقُّ به منه، ولو فعل فإنَّهُ آثمٌ، وصلاته ناقصةٌ ولو في الصفِّ الأول.

  • ما الحكم أن يُخلَّى مكانٌ خاصٌّ في المسجد، وخاصَّةً يوم الجمعة، ويُمنع المصلون من الجلوس فيها، لأن المسؤول الفلاني يأتي إليها بخدمه وحشمه ؟

فالجواب: أنَّه لا يُصلِّي في هذا المكان درءاً للفتنة، ومن يفعل ذلك آثمٌ لا شك في ذلك، وهو غاصبٌ لطائفةٍ في المسجد بغير وجه حق.

وينبغي أن يُعلم: أن المساجد لله، والناس فيها سواء، وليس لأحدٍ فيها حقٌّ إلا إذا تقدَّم وبكَّر بنفسه، فإذا تحجَّر شيئاً وغيره أحقُّ به منه، كان آثماً عاصياً لله، وكان ظالماً لصاحب الحق، وليس الحقُّ فيها لواحدٍ، بل جميع من جاء قبله له حقٌّ في ذلك المكان الذي احتجزه، فيكون بذلك قد ظلم خلقاً كثيراً.

  • ما حكم حجز المكان لشخصٍ وهو داخل المسجد ؟

فالجواب: أنه إن طال غيابه عن الصف فهو داخلٌ في ذلك النهي والتحريم، أما إن لم تطل المدة كمن ذهب للوضوء ثم عاد؛ فجائزٌ، وأما حجز المكان للمؤذن الذي حضر الصلاة، فلا حرج في ذلك، سيما وأنه مُحتاجٌ إلى أن يقوم من مكانه، ويُقيم الصلاة، ويساعد الإمام في بعض شئونه.

  • ما الحكم لو جاء المسجد، ووجد الصَّفَّ أو جزءاً منه محجوزاً، ولم يستطع الوصول إليه؟

فالجواب: أنه يُصلي في الصفوف المتأخرة، ويكون له من الأجر والفضل، بحسب تقدُّمه وتبكيره إلى الصلاة، ويكون على الحاجز من الوزر والاثم بمثل ما حرم هذا المُصلِّي العابد من ذلك الفضل، ولمن استحقَّ ذلك المكان –بحسب تبكيره- من الفضل والثواب ما يحصل في الصفِّ الأول وزيادة؛ لأن الله يعلم من نيته أنه لو وجدها غير محجوزةٍ لتقدَّم إليها، فهو الذي حصل فضلها، وهم حصلوا الوزر وفاتهم الأجر.

  • ما حكم من يُصرُّ على حجز الأماكن في السطر الأول، وعدم اتعاظه بما نقول؟

فالجواب: أن الذي يعتاد ذلك التحجُّر: مُصرٌّ على معصيةٍ، والإصرار على المعاصي يُنقص من الإيمان، ولا يرتقي الأمر إلى أن يكون كبيرة من الكبائر؛ لأنَّ من يفعل ذلك غالباً إنما هم أناسٌ لههم رغبةٌ في الخير، ولكن مداومتهم على هذا الأمر قبيح، وهم آثمون بذلك، وعليه: فيجب عليهم التوبة من هذا الأمر، والإقلاع عنه، والمسلم الحريص على سلامة دينه لا يُقدم على هذا الفعل مطلقاً.

  • ما حكم من يدفع المال من أجل الحجز وخاصة في الأماكن المقدسة ؟

فالجواب: أنه لا يجوز لهؤلاء حجز الأماكن، ولا يجوز لأيِّ مسلم أن يدفع المال لمن يحجز عنه، فإن دفعه فهما آثمان، الدافع للمال، ومن قبضه.

  • ما حكم من يحجز بأبنائه مكاناً في المسجد بدلاً عن السجادة والجوال ؟

فالجواب: أن الحجز بالأبناء جائزٌ، بشرط ألا يتخطى رقاب الناس إذا حضر، ولا يؤذيهم، وألا يتأخَّر عن المسجد إلى إقامة الصلاة، وليس للابن أن يحجز مكاناً آخر غير الذي هو جالسٌ فيه، فإذا حضر الوالدُ تقدَّم الوالدُ وتأخَّر هو، أما إن حجز مع مكانه مكاناً آخر فهو آثمٌ.

وهذه حالةٌ خاصَّة بالولد، لأنَّ الولد من كسب أبيه، فيُثاب على عمل ولده كما يُثاب على عمله، والله أعلم.

----------------------------------

اختصره أ. محمد حنونة، مع بعض الإضافات، والتعديلات، والمسائل المضافة.





وقد عني الأئمة رحمهم الله تعالى بأحكام المساجد، فعقدوا له الأبواب، فالبخاريِّ في صحيحه مثلاً، عقد ثمانية عشر باباً للحديث عن المساجد وآدابها وأحكامها:

  1. باب: كفارة البزاق في المسجد

  2. باب: هل يُقال: مسجد بني فلان؟

  3. باب: القضاء واللعان في المسجد.

  4. باب: التيمن في دخول المسجد.

  5. باب: نوم المرأة في المسجد.

  6. باب: نوم الرجال في المسجد.

  7. باب: الحدث في المسجد.

  8. باب: بنيان المسجد.

  9. باب: التعاون في بناء المسجد.

  10. باب: المرور في المسجد.

  11. باب: الشعر في المسجد.

  12. باب: كنس المسجد.

  13. باب: الخدم للمسجد.

  14. باب: الخيمة في المسجد.

  15. باب: الخوخة والممر في المسجد.

  16. باب: دخول المشرك المسجد.

  17. باب: رفع الصوت في المسجد.

  18. باب الحلق والجلوس في المسجد.





الجمعة، 12 مارس 2021

الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع -محمد بن الصالح العثيمين

الإبداع في بيان كمال الشرع وخطر الابتداع

محمد بن الصالح العثيمين


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ إن الحقيقة التي ينبغي لكل مسلمٍ أن ينصح نفسه بها، هي استبانة صدقه في الانتماء لهذا الدين، بالامتثال للأمر واجتناب النهي، والشعور العميق بضرورة متابعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتتميم ذلك باعتقاد أن هذا الدين كاملٌ بتكميل الله عز وجل له، {اليوم أكملتُ لكم دينكم}، فلا يتقدم بين يدي الله ورسوله بقولٍ ولا عمل ولا نية، ممتثلاً قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}.

وحريٌّ بكل من يدَّعي اتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يتمثل ذلك عملياً؛ فيكون سلوكه مطابقاً لدعواه، وحاله تبعاً لمقاله، حتى تكون عزيمته في الاتباع صادقة، قال الله تعالى: {فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم} (محمد 21). 

ويتجلى هذا الصدق في أمرين لا ثالث لهما:

الأول: إخلاص العبودية لله تعالى وترك الشرك كله صغيره وكبيره، ظاهره وباطنه، دقيقه وجليّه.

والثاني: اتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله وأحواله، وعدم الخروج عن هديه في الطاعة والعبادة والذكر قيد أنملة، لا زيادةً ولا نقصاً.

ومن يرى أحوال المسلمين في هذا الزمان المتأخر، وما تتعرض له السُّنة المحمدية من محاولات الإقضاء والتهميش والتشويه يُدرك أن حرباً هوجاء، يقودها خفافيش الشيطان على أتباع السُّنة ودعاة التوحيد، حيث كثرة أهل الأهواء والبدع، الذين يتكلمون على منابر السوء بفاسد الاعتقاد، ويوهموا الجُهّال بصدق حميّتهم للدين والدفاع عن الأمة، ولا يدري الجُهّال أن هؤلاء الطغام عادوا أتباع الأنبياء، وشوهوا صورتهم في كل محفلٍ وناد، وجعلوا أنفسهم عملاء أوفياء لأعداء الدين، يوفرون طاقته في التصدي لدعاة التوحيد والسُّنة، فبئسما اشتروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون، ومهما تكلموا من قومٍ رعاع، ومهما صدوا الناس فإن ميراثهم الوحيد من ذلك الحرمان وسوء العاقبة: {ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون}، نسأل الله العافية.

وللأسف فإن من يقرأ تاريخ أمتنا يستيقن أنها لم تُؤتَ إلا من عند أنفسها قبل كل شيء، حين تمسَّك بعض أبناء جلدتنا بسنن الفرس والعجم، تقليداً لأرباب الانحراف، الذين جاءوا بهرطقات وبدع ورقص وأذكار مطلسمة وتركوا جوهر الدين ولُبِّه، فنسوا حظهم مما جاء به النبيُّ الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، وسلكوا طريقاً غير طريقه، وهدياً غير هديه، فعارضوه، وافتاتوا على شريعته.

  • وما ادعاه بعض العلماء من أن هناك "بدعة حسنة". فلا تخلوا من حالين:

1 ـ أن لا تكون بدعة في حقيقتها، لكن يظنها بدعة.

2 ـ أن تكون بدعة في حقيقتها؛ فهي سيئة لكن لا يعلم عن سوئها.

  • وليعلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة:

* الأول: السبب؛ فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعيّاً فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثال ذلك أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً. 

* الثاني: الجنس؛ فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك أن يضحي رجل بفرس، فلا يصح أضحية؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، الإبل، البقر، الغنم.

* الثالث: القدر فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول: هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق.

* الرابع: الكيفية فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول: وضوءه باطل؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية.

* الخامس: الزمان فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان. وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً لله تعالى بالذبح وهذا العمل بدعة على هذا الوجه لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة. وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز.

* السادس: المكان فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت. فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان. ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت قال الله تعالى لإبراهيم الخليل: {وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ} (الحج 26) .