أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 ديسمبر 2020

دراسة حول كتاب القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى - أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

دراسة حول كتاب

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى

من تأليف الإمام العلامة: محمد بن صالح العثيمين

إعداد:

 أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة


تمهيد/ هذا كتابٌ عظيمٌ في بابه، أعني (القواعد المثلى)، جمع فيه مؤلفه سبع (7) قواعد في أسماء الله عز وجل، وسبع (7) قواعد في صفاته، ثم أربع (4) قواعد في أدلة الأسماء والصفات، وكلها تدور على الإيمان بهذه الأسماء والصفات على ظاهرها من غير تأويل، ولا تحريف، ولا تمثيل، وكان الهدف منه بيان طريقة السلف في الاعتقاد الصحيح، وأنهم أسلم الناس اعتقاداً، وأعلمهم بالله وأحكامه، وأقومهم منهجاً.

ثم أردف ذلك بعرض بعض الشُّبه والتي أوصلها إلى (14) أربعة عشرة شبهةً، والتي يُعارض بها المخالفوم منهج أهل السُّنة والجماعة، وجعل الردَّ عليها أصلاً يشمل ما عداها من الشُّبه، بحيث لا يبقى لمتدعٍ أو جهميٍّ شُبهةٌ في هذا الباب.

وضمَّن ذلك الحديث عن مسألة المعيَّة وفق مذهب أهل السُّنة، فهو كتابٌ مُهمٌّ، وحريٌّ بطالب العلم أن يُتقنه ويهتمَّ به، لأهميته، لأنه يستغني به المبتدي عن كثير من المطولات.

ولا ريب أن العلم بأسماء الله عز وجل وصفاته وأفعاله هو أجلُّ العلوم، وأفضلها، وقد كان أصحابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسانٍ آخذين في هذا الباب كتاب الله، وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يجاوزونها. فظلت هذه العقيدة صافيةً رائقة، لا تشوبها شائبة إلى أن جاءت مقولة الجهم بن صفوات، وظهرت البدع الكلامية، فانبرى رجالٌ من أهل السُّة وأصحاب الحديث، أمثال: "مالك"، و"الأوزاعي"، و"أحمد"، و"الثوري"، يوضحون للناس عقيدة السلف، وألَّف آخرون في الرد على المبتدعة، وبيان ضلالهم، ودحض شُبههم.

فألف عثمان بن سعيد الدارمي "رده على بشر المريسي"، و"الرد على الجهمية"، وكتب البخاري رحمه الله كتابه "خلق أفعال العباد" رداً على المعتزلة والقدرية، وصنَّف عبد العزيز الكناني كتابه "الحيدة" في الرد على بشر المريسي، ثم تتابع التأليف والتصنيف في نُصرة مذهب السلف، وذم مذاهب أهل البدع.

حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فكان له الباع الطويل والجهد الوفير في مناقشة أهل البدع، والرد على شبههم، وكشف زيفهم وضلالهم، وتنوعت كتبه وردوده، ومناقشاته للمخالفين، فكتب في بيان عقيدة السلف، وأقوال أئمة الإسلام، كما ردَّ وناقش الفلاسفة والمعتزلة والقدرية والجهمية والمرجئة والخوارج والصوفية والرافضة والأشاعرة، وكان موقفه من هؤلاء ومنهجه في الرد عليهم نابعاً من المنهج السلفي الأصيل المعتمد على الكتاب والسنة، وأقول سلف الأمة.

وسار على منهجه واقتفى أثره تلميذه المُحبِّ له ابن قيِّم الجوزية، وجماعةٌ من طلابه، فصارت كتبه وكتب شيخة مرجعاً وملاذاً لكل من سلك طريق أهل السُّنة والجماعة.

وممن أسهم في هذا الجانب في عصرنا الحاضر الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى، فصار على نهج هذين الإمامين الجليلين، يوضح مذهب أهل السنة والجماعة، ويردُّ عل من خالفهم بأسلوبٍ سهلٍ مُيسَّر.

وقد لاقى هذا الكتاب النفيس (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى) استحساناً كبيراً لدى العلماء، وطلبة العلم، فشرحه الكثيرون، وأثنى عليه الكثيرون، وقرَّظ له العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.

وتميَّز هذا الكتب: بأسلوبه الخالي من التعقيد والحشو، وتميَّز أيضاً بتقسيماتٍ بديعة، ونماذج فريدة من الأمثلة التي توضح المقصود بأوجز عبارة مع حُسن البيان، وشموله لمعظم قواعد هذا الباب.

ولا شك أن ثمرة الإيمان بأسماء الله وصفاته على هذه الطريقة المستقيمة التي ذكرها الشيخ رحمه الله لها آثارها الطيبة على سلوك العبد وشعوره، حتى أنه يجد لذة الإيمان وحلاوته تخالط قلبه وفؤاده، ويورثه سعادةً وطمأنينةً لا تخطر على باب أولئك المبتدعة المحرفين من الأشاعرة والرافضة والمتصوفة وغيرهم.


وإذا أردنا أن نُجمل هذه القواعد، في نقاط؛ نقول:

أولاً: القواعد المتعلقة أسماء الله عز وجل:

القاعدة الأولى: أسماء الله تعالى كلها حسنى.

القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف.

القاعدة الثالثة: أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعدٍّ تضمنت ثلاثة أمور:

أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.

الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.

الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها.

القاعدة الرابعة: دلالة أسماء الله تعالى على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة، وبالتضمن، وبالالتزام.

القاعدة الخامسة: أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها

القاعدة السادسة: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين.

القاعدة السابعة: الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها

ثانياً: القواعد المتعلقة بصفات الله عز وجل:

القاعدة الأولى: صفات الله كلها صفات كمال لا نقص فيها.

القاعدة الثانية: باب الصفات أوسع من باب الأسماء.

القاعدة الثالثة: صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: ثبوتية. وسلبية.

القاعدة الرابعة: الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال.

القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية. وفعلية.

القاعدة السادسة: يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:

أحدهما: التمثيل.

والثاني: التكييف.

القاعدة السابعة: صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها.

ثالثاً: قواعد متعلقة بأدلة الأسماء والصفات

القاعدة الأولى: الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

القاعدة الثانية: الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف، لا سيما نصوص الصفات.

القاعدة الثالثة: ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة. وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة.

القاعدة الرابعة: ظاهر النصوص ما يتبادر منها إلى الذهن من المعاني وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام.

رابعاً: الشُّبهات التي أوردها المبتدعة والتي أجاب عنها المؤلف:

الأولى: صفة اليمين لليد في حديث (الحجر الأسود يمين الله في الأرض).

الثانية: صفة الأصابع في حديث ( قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن).

الثالثة: حول النفس في حديث: (إني أجد نَفَسَ الرحمن مِنْ قِبَلِ اليمن).

الرابعة: حول صفة الاستواء في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}.

الخامسة، والسادسة: حول صفة المعية: في قوله تعالى في سورة الحديد: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم}، وقوله في سورة المجادلة: " وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}.

السابعة والثامنة: حول صفة القُرب في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق: 16)، وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} (الواقعة: 85).

التاسعة والعاشرة: حول صفة العين في قوله تعالى عن سفينة نوح: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} (القمر: 14)، وقوله لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} (طه: 39).

الحادي عشر: حول معنى الحديث القدسي: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).

الثانية عشرة: حول جمع اليد، في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} (يس: 71).

الثالثة عشر: حول فوقية اليد في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: 10).

الرابعة عشر: حول حديث: ( يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني…).

وظائف العقل المشروعة في باب أسماء الله وصفاته من خلال كتاب القواعد المثلى:

أولاً: فهم معانيها:

فإن الله  عز وجل خاطب عباده بلسانٍ عربي مُبين، وجعل كتابه تبياناً لكل شيء، وشفاءً لما في الصدور، ولم يستثنِ نوعاً من الآيات يمتن فهمها، ومعرفة معناها، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 193 - 195).

وقال أيضاً: {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ } (الأحقاف: 12)، وقال: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا…} (الشورى: 7)، ولا يُمكن أن تتحقق النذراة المذكورة، إلا بفهم معناه وتعقُّله، ولهذا قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف: 2)، وقال سبحانه: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } (الزخرف: 3)، فالتلازم بين كونه عربياً وتعقّله واضحٌ؛ فالألفاظ إنما هي أوعية للمعاني، كما أن عربية القرآن سبب لحصول التقوى الناشئة من الفهم، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} (طه: 113)، وعربية القرآن سبب لحصول العلم الذي هو ثمرة الفهم للمعنى، قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت: 3)، وقد قطع الله حجة الذين قد يتعللون بعدم فهمه بجعله عربياً مفهوم المعنى لدى المخاطبين؛ فقال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (فصلت: 44).

فالعقل مدعوٌّ لفهم خطاب الشارع دون استثناء، ومن ادَّعى استثناء نصٍّ مُعيّن، أو نوعٍ مُعيَّن من النصوص طُولب بالدليل، ولا دليل.

ومن أمثلة فهم معاني ما أخبر الله عن نفسه من الأسماء والصفات، قول الإمام الأصبهاني أبي القاسم إسماعيل بن حمد في "شرح أسماء الله الحسنى": (ومن أسماء الله تعالى: الحليم: حليم عمن عصاه؛ لأنه لو أراد أخذه في وقته أخذه، فهو يحلم عنه ويؤخره إلى أجله، وهذا الاسم وإن كان مشتركاً يوصف به المخلوق، فحلم المخلوقين حلم لم يكن في الصغر، ثم كان في الكبر، وقد يتغير بالمرض والغضب والأسباب الحادثة، ويفنى حلمه بفنائه، وحلم الله عز وجل لم يزل ولا يزول، والمخلوق يحلم عن شيء ولا يحلم عن غيره، ويحلم عمن لا يقدر عليه، والله تعالى حليم مع القدرة).

فهذا مثالٌ للمنهج الشرعي في فهم نصوص الصفات، تصمَّن إثبات المعنى المشترك للفظ الصفة المعهودة بالأذهان، ثم فرَّق بين ما ينبغي للخالق وما ينبغي للمخلوق، وأن لله تعالى المثل الأعلى، وهكذا صنع قوام السُّنة في بقيَّة الأسماء والصفات.

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعاً: (إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلّا واحِدًا، مَن أحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ) (رواه البخاري)، قال أبو إسحاق الزجاج رحمه الله في ذكر معنى الإحصاء: (ويجوز أن يكون معناه من عقلها ، وتدبر معانيها، من الحصاة التي في القل)، وأنشد في هذا المعنى قول الشاعر:

وإن لسان المرء ما لم تكن له … حصاةٌ على عوراته لدليلُ

ثانياً: التفكر والتدبُّر:

وهذه وظيفةٌ زائدةٌ على مجرد العلم بالمعنى الأصلي، وقد أمر الله تعالى بتدبر كتابه مُطلقاً دون أن يستثني نوعاً من النصوص لا يشملها التدبُّر، فقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص: 29)، ونعى الله على المعرضين عن تدبره؛ فقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 24)، وهذا شاملٌ لنصوص الصفات وغيرها.

ومن التدبُّر الذي يتعلق بصفات الباري تدبُّر آثار هذه الأوصاف الشرفة ومقتضياتها؛ كما قال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (الروم: 50)، وهذه الوظيفة ميدانٌ فسيح، ومجالٌ واسع، ترتاد عقول المؤمنين فلا تُحيط به، ولا تبلغ منتهاه، فكل المخلوقات والأعراض والأحداث شواهد حيَّة لآثار أسمائه وصفاته، ومظاهر ناطقة بعظمته ورحمته، وانطلاق القُوى العقلية في هذا المجال تنظر وتتفكر من أعظم أسباب زيادة الإيمان وامتلاء القلب بمحبة الله، وتعظيمه، وقد صنَّف العلماء المصنفات في التأمل العقلي في مخلوقات الله تعالى، والاستدلال بذلك على الإيمان به وعبادته.

انظر على سبيل المثال: "مفتاح دار السعادة"، و "شفاء العليل" لابن القيم، وانظر تفسير "في ظلال القرآن"، للآيات الكونية لسيد قطب، وانظر كتاب "التوحيد"، و"الإيمان" لعبد المجيد الزنداني.

ثالثاً: استعمال الأقيسة العقلية الصحيحة اللائقة بالله عز وجل:

ولمّا كان "العقل" أحد مصادر المعرفة بما أودع الله فيه من قوة الاستدلال والنظر والمقايسة، جرى استعماله في إثبات العقائد لتأييد دلالة الشرع، وقد تضمَّن الكتاب والسنة جملةً من "المقاييس العقلية" التي هي بمثابة مقدمات منطقية للوصول إلى النتائج التي جاء بها الشرع، ويعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأمثال المضروبة في القرآن "أقيسة عقلية"، وبذلك يجمع بين الحينيين باتفاق الدلالتين: دلالة العقل، ودلالة الشرع، قال رحمه الله في "درء التعارض": (وإذا كان الشيء موجوداً في الشرع، فذلك يحصل بأن يكون في القرآن الدلالة على الطريق العقلية والتنبيه عليها والبيان لها والإرشاد إليها. والقرآن ملآن من ذلك، فتكون شرعية: بمعنى أن الشرع هدى إليها، عقلية: بمعنى أنه يعرف صحتها بالعقل، فقد جمعت وصفي الكمال).

وقد قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ} (الشورى: 17)، وقال جل في علاه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25)، وقد فسَّر السَّلف "الميزان" بالعدل، والعدل يقتضي التسوية بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات.

  • ومن المقاييس العقلية الصحيحة المتعلقة بباب الصفات ما يلي:

1. إثبات الكمال لله ونفي النقص عنه:

وهذه قضيةٌ يستقلُّ العقل بالحكم بها موافقاً بذلك دلالة الشرع والفطرة، وخلاصتها: أن كل "موجود" في خارج الذهن لا بُد أن يكون متصفاً بصفة، وهذه الصفة إما أن تكون صفة كمال أو صفة نقص، وصفة النقص ممتنعةٌ في حقِّ الإله المعبود، واللائق به الكمال، ومن جهة أخرى فإن المشاهدة والجس تدلُّ على ثبوت صفاتٍ كمالية للمخلوق، وأنه خالق المخلوق وصفاته، فواهب الكمال أولى بالكمال.

والمقدمات السابقة بالإضافة إلى هذه النتيجة هي محل اتفاق بين جميع العقلاء، وبين جميع أرباب الملل، وجمهور أهل الفلسفة والكلام، لكنهم يختلفون في تحقيق مناطها في أفراد الصفات مع الإجماع على أن الرب المعبود مستحقٌّ للكمال مُنزه عن النقصان.

ويُفصِّل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه الجملة العقلية في "مجموع الفتاوى"؛ بقوله: (فإذا قيل: الوجود إما "واجب" وإما "ممكن"، والممكن لا بد له من واجب فيلزم ثبوت الواجب على التقديرين؛ فهو مثل أن يقال: الموجود إما "قديم" وإما "حادث"، والحادث لا بد له من قديم؛ فيلزم ثبوت القديم على التقديرين).

قال: (والموجود إما "غني" وإما "فقير"، والفقير لا بد له من الغنيّ؛ فيلزم وجود الغني على التقديرين. والموجود إما "قيوم بنفسه" وإما "غير قيوم"، وغير القيوم لا بد له من القيوم؛ فيلزم ثبوت القيوم على التقديرين. والموجود إما "مخلوق" وإما "غير مخلوق"، والمخلوق لا بد له من خالق غير مخلوق؛ فلزم ثبوت الخالق غير المخلوق على التقديرين ونظائر ذلك متعددة).

فهذا المقياس العقلي يعرض على الصفات فيُثبت لله صفات الكمال ويُنفى عنه صفات النقص، وهو مدرك مقرر ببداهة العقول، ثم ينتقل شيخ الإسلام إلى بسط الوجه الثاني في استحقاق الله للكمال، وانتفاء النقص عنه؛ فيقول في "المجموع": (ثم يقال: هذا الواجب القديم الخالق: إما أن يكون ثبوت الكمال الذي لا نقص فيه للممكن الوجود ممكناً له وإما أن لا يكون. 

والثاني ممتنع؛ لأن هذا ممكن للموجود المحدث الفقير الممكن؛ فلأن يمكن للواجب الغني القديم بطريق الأولى والأحرى؛ فإن كلاهما موجود. والكلام في الكمال الممكن الوجود الذي لا نقص فيه. 

فإذا كان الكمال الممكن الوجود ممكناً للمفضول؛ فلأن يمكن للفاضل بطريق الأولى؛ لأن ما كان ممكناً لما هو في وجوده ناقص، فلأن يمكن لما هو في وجوده أكمل منه بطريق الأولى، لا سيما وذلك أفضل من كل وجه، فيمتنع اختصاص المفضول من كل وجه بكمال لا يثبت للأفضل من كل وجه، بل ما قد ثبت من ذلك للمفضول فالفاضل أحق به؛ فلأن يثبت للفاضل بطريق الأولى). 

قال رحمه الله: (ولأن ذلك الكمال إنما استفاده المخلوق من الخالق، والذي جعل غيره كاملاً هو أحق بالكمال منه؛ فالذي جعل غيره قادراً أولى بالقدرة، والذي علّم غيره أولى بالعلم، والذي أحيا غيره أولى بالحياة. 

والفلاسفة توافق على هذا ويقولون: كل كمال للمعلول فهو من آثار العلة والعلة أولى به).

وهذه حجةٌ عقليَّةٌ قرآنية، قال تعالى مُنبهاً على هذا المعنى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (النحل: 17)، وقال جل شأنه: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (النحل: 75)، وقال سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (النحل: 76)، وقال جل في علاه: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} (الفرقان: 3).

فهذه الآيات وأمثالها كثيرٌ في القرآن، ميزانٌ عقليٌّ أثبت الله به ألوهيته لاتصافه بالكمال وبطلان ألوهية ما سواه لاتصافها بصفات النقص والعيب والعجز، وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على طائفة من المتكلمية زعموا أن ثبوت الكمال لله وانتفاء النقص عنه لا يُعلم بالعقل، وإنما يُعلم بالسَّمع والإجماع، وبيَّن خطأهم ومخالفتهم لسائر الطوائف.

فهذا المقياس العقلي وظيفة يُمارسها العقل باستقلال للحكم على الصفات العقلية، فصفة "العلو" مثلاً تثبت بالعقل -كما تثبت بغيره -فالعقل يحكم أن العلو صفة كمال، كما أن نقيضه "السفل" صفة نقص، فيثبت الأولى ويُنفى الثانية.

2. قياس الأولى:

وهذا مقياس عقلي يلي المقياس السابق في الرتبة، فإذا دلَّ العقل على إثبات جنس الكمال لله تعالى وآحاده وأفراده؛ فإن قياس الأولى يقضي بأن ما ثبت من الكمالات ثبوتاً عاماً للخالق والمخلوق فإن لله تعالى أكمله، وأعظمه، ليس له فيه مكافئ ولا نظير، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (النحل: 60)، وقال أيضاً: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (الروم: 27)، فلما كانت الألفاظ الدالة على الصفات تحمل معاني مشتركة باعتبار أصل المعنى، كان لا بُد من القياس، والقياس الصحيح هنا: هو قياس الأولى، وهو طريقة السلف التي وافقوا بها القرآن.

قال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية": (ومما يوضح هذا: أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يجوز أن يمثل بغيره، ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها… ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى، سواء كان تمثيلاً أو شمولاً، كما قال تعالى: {ولله المثل الأعلى} (النحل: 60).

 مثل أن يعلم أن كل كمال للممكن أو للمحدث، لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وهو ما كان كمالاً للوجود غير مستلزم للعدم بوجه: فالواجب القديم أولى به. وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ثبت نوعه للمخلوق والمربوب المدبر: فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره، وهو أحق به منه. 

وأن كل نقص وعيب في نفسه، وهو ما تضمن سلب هذا الكمال، إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات: فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الأولى).

ويُبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مدى هذه الأولوية في قياس الأولى، ومقدار ذلك التفاضل المندرج تحت ذلك المعنى العام المشترك؛ فيقول في "مجموع الفتاوى": (وأما "قياس الأولى" الذي كان يسلكه السلف اتباعاً للقرآن: فيدل على أنه يثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها أكمل مما علموه ثابتاً لغيره، مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل كما لا يضبط التفاوت بين الخالق وبين المخلوق، بل إذا كان العقل يدرك من التفاضل الذي بين مخلوق ومخلوق ما لا ينحصر قدره، وهو يعلم أن فضل الله على كل مخلوق أعظم من فضل مخلوق على مخلوق، كان هذا مما يبين له أن ما يثبت للرب أعظم من كل ما يثبت لكل ما سواه بما لا يدرك قدره. فكأن "قياس الأولى" يفيده أمرا يختص به الرب مع علمه بجنس ذلك الأمر)

3. نفي الصفة إثباتٌ لنقيضها:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "درء التعارض": (وهذه الطريقة هي من أعظم الطرق في إثبات الصفات، وكان السلف يحتجون بها، ويثبتون أن من عبد إلهاً لا يسمع, ولا يبصر, ولا يتكلم فقد عبد رباً ناقصاً, معيباً, مؤوفاً).

ومن أمثلة احتجاج السلف بهذه الطريقة العقلية، قول الإمام الدارمي في "رده على المريسي": (وكيف استجزت أن تسمي أهل السنة وأهل المعرفة بصفات الله قدسة: مشبهة، إذ وصفوا الله بما وصف به نفسه في كتابه بالأشياء التي أسماؤها موجودة في صفات بني آدم، بلا تكييف.

وأنت قد شبهت إلهك في يديه وسمعه وبصره بأعمى وأقطع، وتوهمت في معبودك ما توهمت في الأعمى والأقطع، فمعبودك -في دعواك- مجدع منقوص، أعمى: لا بصر له، وأبكم: لا كلام له، وأصم: لا سمع له، وأجذم: لا يدان له، ومقعد: لا حراك به، وليس هذه بصفة إله المصلين؟ 

فأنت أوحش مذهبا في تشبيهك إلهك بهؤلاء العميان والمقطوعين، أم هؤلاء الذين سميتهم مشبهة؛ أن وصفوه بما وصف به نفسه بلا تشبيه؟

فلولا أنها كلمة هي محنة الجهمية التي بها ينبزون المؤمنين، ما سمينا مشبها غيرك؛ لسماجة ما شبهت ومثلت).

وقد حاول نفاة الصفات التخلُّص من هذا الإلزام العقلي بالزعم بأن ذلك متحقق إذا كان المحل قابلاً للاتصاف بالصفتين المتقابلتين وما لا فلا.

وأجاب شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع متعددة من كتبه على هذه الشُّبهة، ومن ذلك قوله: (ومن قال: إنه ليس بحي ولا ميت ولا سميع ولا بصير ولا متكلم لزمه أن يكون ميتاً أصم أعمى أبكم.

 وأيضاً -فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصاً ممن لا يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها. فالجماد الذي لا يوصف بالبصر ولا العمى ولا الكلام ولا الخرس: أعظم نقصا من الحي الأعمى الأخرس). فقد فرَّ هؤلاء النُّفاة من تشبيهه بالحيوانات -بزعمهم -فوقعوا في تشبيهه بالجمادات.

  • شروحات هذا الكتاب:

  1. شرح ابن عثيمين، من إصدار مؤسسة الشيخ، ودار الآثار، وغيرها.

  2. شرح أسامة عبد العزيز شتية، دار التيسير- مصر.

  3. التعليق الأسنى على القواعد المثلى، ياسين العدني، مكتبة ميراث الأنبياء.

  4. فتح العلي الأعلى شرح القواعد المثلى، عُبيد بن عبد الله الجابري، دار الميراث النبوي.

  5. التعاليق العُلى على القواعد المُثلى، كمال بن ثابت العدني.

  6. شرح القواعد المثلى للشيخ زيد المدخلي

  7. السَّبكُ المُعلَّى شرح القواعد المُعلى، سعود بن إبراهيم الشريم، دار ابن حزم.

  8. التعليق على القواعد المُثلى، عبد الرحمن بن ناصر البرَّاك، دار التدمرية.

  9. المجلى شرح القواعد المُثلى؛ كاملة الكواري، دار ابن حزم.

  10. شرح أ. د. صالح بن عبد العزيز السندي في 30 محاضرة.





الجمعة، 4 ديسمبر 2020

الرحلة إلى نقطة البداية -أحمد الحبيشي

الرحلة إلى نقطة البداية

أحمد الحبيشي

دار العودة- بيروت، 1983 م.

تمهيد/ أحمد محمد علي الحبشي، صحفي وسياسي يماني، وشاعر وكاتب، ولد في مارس من العام 1951م في عدن، درس البكالوريوس في جامعة بغداد عام 1978م، وشارك في الكفاح ضد الاستعمار البريطاني مدة طويلة.

ويبدو أن شاعرنا قد ملَّ من حياة الدماء، ومن القتل والتشريد والدمار الذي أصاب العالم العربي عامة، واليمن وبيروت خاصة… ورغب في عودة اليمن السعيد سعيداً كما كان، ينعم بالهدوء والدِّعة والسلام، وكذلك الأمر في "بيروت"، وغيرها من بقاع العالم العربي التي أحرقتها نيران الحروب الداخلية...

وقد كتب جزءاً من هذا الديوان الصغير في بغداد وعينه ترمق ما يجري في اليمن، في صنعاء وعدن، من حرب ضروس بين الإخوة المتصارعين، والذي دار لسنوات طويلة وممتدة بين تياري "الجبهة القومية"، و"جبهة التحرير" اللتان تنازعتا حكم اليمن إبان استقلاله من الاحتلال البريطاني عام 1967م، بعد 120 عاماً من الاحتلال الغاشم، وقد قُتل في هذه الأحداث الدموية المئات من قيادات الثورة اليمنية الشرفاء، والآلاف من الأبرياء بلا ذنب ولا خطيئة.

وأجمل ما في النثر ترنيمة الشاعر على إيقاعات الأطفال، وذكر أمجاد الآباء...ومما جاء فيه:

[1]

قوله: أيها النائمون.. وقد غضب الرَّعدُ من فوقكم ؟!.. 

هل ينامُ المساء بأجفانكم؟!.. صامتاً كالمآتم !

لينحني الفجر ليُشاهد قيثارةً حُوصرت بالعويل !.

ليُحاصر ما تيسَّر من كبرياء .. وليُشاهد زيتونةً لونتها الدماء !.

[2] 

ويقول: غضبَ الليلُ على الأحياءِ ..وانصبَّ البلاء!

أوقف الناسُ الكلام… ونامت كل الأشياء!.

في بلادي... في بلاد البسطاء!.

كان في الدار وميضُ الضُّوءِ نداً للمساء .. ويُقاوم !.

[3] 

ويقول: تهفو قلوب الحالمين بعالم خالٍ من "النيترون" والموت المطوَّر بـ"الأواكس".. ويُشع الكون بريق النجمة الحمراء..

 إذ يمتدُّ متصلاً توحده الأغاني والسنابل والحمام..

وتسافر الأحلام تصحبها الطفولة في عيون الساهرين على السلام…

والراحلين إلى السلام..

[4]

ويقول أيضاً: مُحالٌ أن يكون لقاؤنا ضغثاً من الأحلام..

فقد تصابى جراح أمتنا … واغتربت جوانحنا…

أمسافرون إلى الصباح بلا دليل ؟!!..

[5] 

ما هذا الآتي كالحُلمِ ؟..

لا تسأل عن "سيف بن ذي يزن"، أو عن "بلقيس"..

فالناسُ نيام .. والصمتُ كلام ..

وبِشِرعَة أحزانِ اليومٍ، فالعاشقُ يُصبح زنديقاً.. والحُبُّ حرام ..

لكن القلب برغمِ الخوفِ،، يُحبُّ الحُبَّ، ويحيا على أضغاث الأحلام...




مكارم الأخلاق لأبي بكر عبد الله بن محمد ابن أبي الدُّنيا

مكارم الأخلاق

لأبي بكر عبد الله بن محمد ابن أبي الدُّنيا

(208 -281 هـ)

تحقيق:

مجدي إبراهيم السيد


بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة


تمهيد/ إن الأخلاق الفاضلة مطلبٌ إسلاميٌّ شريف، وتمثُّلها بالقول والفعل مقصدٌ شرعيٌّ مَنيف، وقد جاء الإسلام بمبادئ سماوية رفيعة تُربي الإنسان على الارتقاء والسمو بأخلاقه؛ وتتجلى هذه التعاليم بوضوح في المعاملات كالبيع والشراء والعقود، كما أنَّه ثمرةٌ تنضج بكثرة العبادة لله، فالخلق: هو السَّجية والطبع والدين الذي يكون عليه الإنسان.

وإذا أردنا المفاضلة بين الأخلاق الكريمة، سنجد أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وأعقل الناس أذكرهم للعاقبة والمآل، وأقوى الناس أكثرهم توكلاً على الله عز وجل، وأغنى الناس من كانت ثقته بما في يد الله أعظم من ثقته بما في بيده، وأحمد الناس أطوعهم لله، وأرفع الناس قدراً أصبرهم، وأفضل الناس أحاسنهم أخلاقاً. 

وفي المقابل نجد أن أسوأ الناس حالاً من يُضيع حسناته في ذكر مساوئ غيره، ومن يتبع السيئة السيئة، ويُكثر الوقيعة في إخوانه وجيرانه.

ولا شكَّ أن الخلق الحسن زينةٌ كاملة، وحِليةٌ برَّاقة تعكس صفاء العبد ونقائه، وليس من خُلق كريم، ولا فعلٍ جميل إلا وقد وصله الله عز وجل بالدين، ولا خُلق قبيح وسيء إلا ونهى الله عز وجل عنه، إجمالاً وتفصيلاً، ولا شك أن المكارم موصولةٌ بالمكاره، ومن أراد الكرامة صبر على المكروه.

فالأخلاق الفاضلة هي الأساس العظيم الذي بُني عليه الدين، من الشجاعة والعفة والمروءة، وصلة الرحم، والفروسية، وآداب الصُّحبة، وهي القاعدة المكينة لتقدم الشعوب، وازدهار الأمم. 

وقد اهتم الإسلام بالأخلاق الكريمة ودعا إلى تربية النفوس عليها، حيث مدح الله رسوله صلى االله عليه وسلم فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4). وقال انبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتم صالح الأخلاق) (رواه البخاري) ، وقال رسول الله صلى االله عليه وسلم: (إن من أحيكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) (رواه الترمذي).

 وهي عاملٌ مهم في درء الفتن وحماية الصف من التهتُّك والتشقُّق، لأنها تساهم في تماسك المجتمع وسيادة روح الأخوة والمحبة والتعاون على الخير والتقوى.

كذلك فإن الأخلاق مصدرٌ من مصادر فلاح العبد ونجاحه في الدُّنيا والآخرة؛ حيث قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 9، 10)، والخلق الحسن يتضمن: السماحة والصبر والعفو وإقالة العثرات واجتناب الظنون السيئة، وعدم خداع أو إيذاء الآخرين.

وكما قال الشَّاعرُ:

أحُبُّ مكارم الأخلاق جَهدي … وأكره أن أعيبَ وأن أُعابا

وأُعرض عن سباب الناس جَهدي … وشرُّ الناس من بحث السِّبابا

كذلك فإن الأخلاق الكريمة سبب من أسباب نيل المسلم الدرجات العالية في الجنة؛ يقول ربُّ العزة سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 133، 134)؛ فعلى العاقل أن يغتنم الفرص في تمثُّل هذه الأخلاق الكريمة التي يُحبُّها الله ويرضاها، قبل انقضاء المدة، وحلول الأجل، وليحذر أن يخرج العبد من هذه الدار من غير زادٍ من الأخلاق الكريمة.

وقد جاء الشرع الحنيف بالأخلاق الفاضلة لما لها من أهمية عظيمة في حياة المسلم، ودورها المؤثر على حياة الفرد والمجتمع، وكان السلف يقولون: "ليتَّقِ الرجل دناءة الأخلاق كما يتَّقي الحرام، فإن الكرم من الدين".

وقد عرَّف المُربُّون الأخلاق بأنها: "هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الإرادية الاختيارية سواءٌ كانت: حسنة وسيئة وجميلة وقبيحة، وهي قابلة بطبعها لتأثير التربية الحسنة والسيئة فيها" .

وفي هذه الصفحات المباركة نقرأ جملةً من الأحاديث العظيمة، والآثار المباركة في باب الأخلاق والتي بلغت (488) خبراً سواءٌ كان مرفوعاً أو موقوفاً أو مقطوعاً، أو من قصص السيرة وأخبار التابعين، عن الجود والإحسان، وبذل المعروف، وحسن الخليقة، ولين الكلام، وخفض الجناح، وحفظ الأمانة، وإكرام الضيف، والصدقة، وصلة الأرحام، والحلم مع الناس، والرفق في المعاملة، إلى غير ذلك من الخصال الطيبة الحسنة.

أما عن أهمية الأخلاق:

فالأخلاق في الإسلام لها أهمية بالغة في تشكيل الشخصية السويَّة في نفسها، والفاعلة في المجتمع، وتُسهم الأخلاق كذلك- في بناء أنماط السلوك الصحيح، وإشاعة العلاقات الاجتماعية القويمة، ولذلك ينبغي على المربين غرس الأخلاق الحميدة والفاضلة في نفوس النشء، ليشبوا على هذا الخير.

كذلك فإن لهذه الأخلاق أهميةٌ بالغةٌ في التغيير الجذري لسلوك الإنسان ونظرته إلى الكون والخلق والحياة، فإذا ما صُبغ بالأخلاق الصالحة، فإن عمله سيكون صالحاً؛ يُرجى منه الخير في الدنيا والآخرة، ومن ثمَّ ستصبح الأخلاق لديه ميزاناً وأساساً يزن به كل شيء من حوله. 

ومن الطبيعي أن الاقتصار على معرفة الأخلاق وموازينها دون التطبيق والامتثال لا يكفي في حركة الإصلاح المجتمعية، ولن يُفيد شيئاً في عمارة الكون؛ إذ إن المعرفة وحدها غير مجدية مالم يصاحبها تطبيق لها لتعكس آثارها وتظهر معانيها على الفرد والمجتمع.

وخلاصة هذا الكتاب

1. أن مكارم الأخلاق عشر، وهي:

الصدق، والوفاء، والجود، والشجاعة، وحسن العشرة، ودوام الألفة، وصنائع المعروف، وصلة الرحم، والإحسان إلى الجار، ورأسُهُنَّ: الحياء.

2. ومساوئ الأخلاق عشرٌ، وهي:

الجبن، والبخل، والغضب، والوقيعة، والخيانة، والغدر، والتجسس، والحقد، والحسد، وأعظمُهُنَّ: الكذب.






عقيدة الشيعة في الخضر من مجلس الخضر -بقلم: أ. محمد حنُّونة

عقيدة الشيعة في الخضر من مجلس الخضر

فاطمة الجعفر (أم أسامة الشيعية)

بقلم: أ. محمد حنُّونة


تمهيد/ ليس كل كتابٍ يستحق النقد والنظر، وإنما أردتُ من تعُّقبي لهذا الكتاب بيان عقيدة الشيعة في الخضر عليه السلام كما يراها بسطاء الشيعة في العراق والكويت، وبيان ما ذكروه من أخبار الخضر، وأحواله، وبعض القصص التي قد تبدوا شعبية أو خرافية وغير منطقية، ولن أتعرض إلى الخوارق الكونية التي يزعم الشيعة أن الخضر قادرٌ على صنعها، ولكن أتعرض فقط إلى النواحي العقدية التي لها صلة وثيقة بمعتقداتهم الموروثة، وتراثهم الثقافي.

  • وهذا الكتاب ينقسم إلى فصلين:

    الفصل الأول: في اسم الخضر، وحياته، ولقبه، والروايات التي وردت فيه.

    الفصل الثاني: ذكر مجلس الخضر (الذي يُعقد بنية الشفاء والتوسُّل).

وفي ختام هذا الكتاب، ختمت فاطمة الشيعية كتابها بأدعية، وتسليمات على أئمة الشيعة والخضر، وعقبت ذلك أبيات واستغاثات تتوسل فيها إلى الخضر (تُسميها نخوات) تنخى فيها الخضر ليُجيب دعواتها، وتستنجد به في كشف كربتها، وهذا شرك عظيم، وضلالٌ مبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 

  • تقول الكاتبة في النخوة الأولى لها على الخضر!!:

نخينا الخضر وحيدر علينا… نريد المراد بالعجل أمسية

مقام وجاه ما أريدن ولا مال … بس الخضر أريده يُمر عليَّه

يالخضر بو محمد بحق المَشت يسره … تنظر حاجتي وتسهلها ليَّه

إلك مُحب يتوسَّل مره … يالخضر بو محمد فرجله يا شفيَّه

ناديت اللي مر على عين الحياة وشربها… يحضَرني ويخلِّصني من الأذيَّة

[والعياذ بالله تعالى]..

  • وتقول في النخوة الثانية:

يا بو محمد يالخضر … أريد من عندك نصر!!

على أعدائي طول العمر… بجاه منحور النحر!!

[والعياذ بالله تعالى]..

  • عقيدة الشيعة في الخضر:

1) اسمه: تاليا بن ملكان (مالك) بن عابر بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.

2) وهو نبيٌّ عندهم كما في رواية محمد بن عمار عن جعفر الصادق، وهو رجلٌ نورانيّ، يُسمع صوته، ولا يُرى شخصه.

3) وأنه كما يروون عن الإمام علي الرضا: حيٌّ في البَرِّ؛ لأنه شرب من ماء الحياة أيام ذي القرنين وكان من أصحابه، وستطول مدة حياته إلى يوم القيامة.

4) وأنه كان مع ذي القرنين، وكان مسكن ذي القرنين بدومة الجندل (بين العراق وسوريا) وكان الخضر يرشده في بعض أعماله، ومنها بناء السد.

5) وأنه هو الذي دفن آدم عليه السلام بعدما مات بمدة، وكان آدم دعا لمن يدفنه بطول العمر.

6) وأن الخضر يُجالس أهل البيت، ويجتمع بهم في مناسباتهم، وكان يُسلِّم على عليٍّ بالخلافة، واعتبر الإمام علي رضي الله عنه هو رابع خليفةٍ لله في الأرض بعد: آدم، وداود، وهارون عليهم السلام.

7) أن الخضر من شيعة أهل البيت، يتلقى عنهم العلوم اللدنية، وعليٌّ رضي الله عنه أعلم منه ومن موسى عليه السلام، وهذا بهتان عظيم.

8) أنه-الخضر- عزَّى أهل البيت بوفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وبموت عليٍّ، والحسين لما قتل ورثاه ببيتٍ من الشعر، وأن الخضر لما التقى بموسى عليه السلام، أخبره بمصاب آل محمد، فأخذا يبكيان واشتدَّ بكاؤهما!!.

9) أن جميع الرسل والأنبياء يتوسلون ويتشفعون بآل البيت، بما فيهم آدم عليه السلام عندما ارتكب الخطيئة، وإبراهيم لما ألقي في النار، وموسى لما ألقى عصاه، ويونس في بطن الحوت، ويوسف في غابة الجُب، ونوح في السفينة !.

10) أن غيبة الإمام الحجة (المنتظر عندهم) لحكمة، ولكنها غير معلومة! ومثله في هذه الأمة كمثل الخضر، ومثل ذي القرنين، وأنه نطق في مهده، فقال: أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه!!.

11) أنه لا بُدَّ من إمامٍ حُجَّةٍ قائم (القطب عند الصوفية)، يدفع الله به البلاء، ويكون حجة لله على خلقه!.

12) وأن الخضر شارك الإمام المهدي -عندهم - في بناء مسجد جمكران في إيران (يبعد حوالى 5 كيلو عن قُم الإيرانية)، وذلك سنة 398 هـ !! مع تعظيم الخضر (كما يقولون) لهذا المسجد، وفرضه أداء صلاة خاصة فيه ، وتقدير أجر مُضاعف لها، واعتبار من صلى فيه كأنه صلَّى في البيت العتيق!!.

13) وأن الرجل الذي يكشف أمر الدجال للناس هو الخضر عليه السلام، وأن الدجال لا يُسلَّط عليه، وأنه يقتل الدجال، ويُسمِّي ذلك اليوم  (عند الشيعة) "يوم الخلاص"!.

14) وأن أهل البيت -عندهم- هم أصحاب الولاية المطلقة، ينزل عليهم الوحي، ويأتيهم الإلهام من الله، وعلمهم جزء من علم الله، غير أنهم لا يبلغون إلا ما أمروا بتبليغه. 

15) وأن الخضر له مقامات كثيرة صلى فيها: أشهرها التي في الصحن الغربي لقبة الصخرة عند صخرة تُسمى (بج بج)، ومسجد الكوفة، ومسجد السهلة (الذي أخذت منه طينة الأنبياء!)، ومقام ببغداد (بجانب جسر الكرخ)، ومقام في السماوة (على ضفة الفرات الأيسر)، ومقام الأسكندرية بالعراق، وهناك مقامات أخرى في مناطق مختلفة في العالم العربي، والتي يتخذها الناس مزارات ومواطن للتبرك ..

16) وأن الخضر يحضر المجلس الذي يُعقد باسمه في البيوت، ويشفي المرضى من الشلل، ويزيل الأمراض المستعصية، ويُعالج العاهات المستديمة، وتأخر زواج الفتيات.

  • وصورة هذا المجلس:

أن نساء الشيعة كُن يُجهزن غرفةً بالمواد الجافة من السكر والطحين ويضعون إبريق ماء وسجادة، ويجلسن خارج الغرفة بعد إغلاقها، ثُمَّ يُصلين على محمد وآل محمد، فليوح لهم نورٌ خاطف داخل الغرفة، فإذا فرغ فتح الباب! يتبركون بآثار الماء والطحين والسكر، وتُصلى كل واحدة على السجادة ركعتين!!.

17) والشيعة في حسينياتهم وعزاءاتهم: إذا ساد الصمت، يقولون: مرَّ الخضر أبو محمد، وهم يُعظمونه جداً كتعظيم الصوفية أو أشد !!..

18) وأن صلاة الحاجة هي: أن تُصلي ركعتين قربةً لله تعالى، ثُم تنويها هدية للخضر، وبعد التسليم والتسبيح، ويدعو بدعاء خاص لذلك.



الخميس، 3 ديسمبر 2020

البُشرى معانيها -أنواعها -أعلامها

البُشرى

معانيها -أنواعها -أعلامها

أحمد خليل جمعة- محمود خليل محفوض

اليمامة، دمشق، ط 1، 1998م


تمهيد/ من المعاني الرائقة التي أخذت مساحةً ميمونةً في القرآن الكريم "البُشرى"، واشتقاقاتها، والتي اشتملت على كثيرٍ من المعاني والدلالات التي يغلب عليها معاني السُّرور والفرح والخير، والانبساط، وارتياح القلب، وحصول السعادة، ووجود ما يرغبُ فيه، ولا شكَّ أن هذه البشارات الطيِّبة مشروطةٌ بالإيمان والعمل الصالح عموماً؛ كما قال الله عز وجل: { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (يونس: 2)، وقال جلَّ في علاه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة: 25).

وقد جاءت البُشرى للمُسلمين الذين حفظوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه، وجُعلت بشارتهم في كتاب الله؛ كما في قوله سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89)، وقال جل وعلا: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 102).

كما أن أهل الإيمان لهم بشارةٌ خاصَّة عند الله عزَّ وجل، قال الله عز وجل:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (البقرة: 223/ التوبة: 122/ يونس: 87/ الصف: 13)، وجاء بشارتهم بالفضل الكبير، والفوز العظيم، والفتح القريب، والنصر المُبين، فخصَّ الله سبحانه المؤمنين بحلاوة البُشرى وجمالها، هؤلاء المؤمنون الذين عزفوا عن متابعة الهوى، وآثروا الآخرة على الدنيا، فأكثروا من الطاعات، وعادوا بالإنابة إلى الله عز وجل. 

وقد تكون البشارة مقرونة بعمل مُعيَّنٍ لبيان عظيم منزلة العامل به عند الله سبحانه، كالصبر مثلاً؛ كما في قوله سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155)، والإخبات لله سبحانه كقوله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (الحج: 34)، والإحسان كذلك في قوله: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (الحج: 37).

وفي المقابل نجد أن البشارة قد تجيء بالشرِّ إذا كانت مُقيدةً بالعذاب أو الوعيد الشديد، كما جاء في بشارة الكافرين على سبيل التهكم والتقريع؛ في قوله سبحانه {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة: 3).

وهذا كتابٌ نفيس جمع من معاني البشارات الطيبة والمباركة الواردة في القرآن الكريم والتي يرغب كل مؤمنٍ تقي أن يكون من أهلها، وذكرت -في المقابل -أنواع البشارات الأخرى التي وقعت للكافرين بالوعيد والعذاب والتي ينفر منها كل عاقلٍ ذكي، ويقع الكتاب في ثمانية أبواب، نذكرها كما يلي:

الباب الأول: من أضواء البشرى

الفصل الأول: معاني البشري ومدولالتها في القرآن واللغة.

الفصل الثاني: البشرى والاستبشار في ميزان الأخلاق

الباب الثاني: الأمر بالبشري ونوعها:

الفصل الأول: أقسام البشرى.

الفصل الثاني: البشرى بالشر ومفهوما.

الباب الثالث: البشري في ميزان الإيمان والعبادة:

الفصل الأول: البشر والإيمان.

الفصل الثاني: البشرى وأداء العبادات.

الفصل الثالث: البشري وذكر الله عز وجل.

الباب الرابع: البشرى بين مكارم الأخلاق:

الفصل الأول:البشرى حلية للمؤمنين.

الفصل الثاني: البشرى تصاحب المتصدقين

الفصل الثالث: البشرى تصاحب المتصدقين.

الفصل الرابع: البشرى والصبر. 

الباب الخامس: البشري في حياة الأنبياء والرسل:

الفصل الأول: الأنبياء مبشرون أمر الله.

الفصل الثاني: بشارات تخصُّ الأنبياء.

الفصل الثالث: البشارات بالنبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم.

الباب السادس: البشرى والنساء:

الفصل الأول: سارة والبشرى بإسحاق النبيِّ عليه السلام.

الفصل الثاني: مريم ابنة عمران، والبشرى بعيسى النبيّ عليه السلام.

الفصل الثالث: عائشة ابنة الصديق والبشرى بالبراءة والطهر.

الباب السابع: بشرى وبشارات:

الفصل الأول: وقفة في واحة الأدب مع الصحابة.

الفصل الثاني: من روائع البشارات بالجنات.

الباب الثامن: البشرى بالنار:

الفصل الأول: المبشرون بالنار.

الفصل الثاني: أقوام مبشرون بالنار.

الفصل الثالث: من المبشرين بالنار في عصر النبوة.





الثلاثاء، 1 ديسمبر 2020

المشروع الاستعماري تحالفات وأهداف -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


المشروع الاستعماري تحالفات وأهداف

أنور عبد ربه

القدس- الطبعة الأولى -1993 م

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ استطاع الأوروبيون أن يُطوقوا العالم الإسلامي بعدة أنواع من الأطواق، لا سيما بعد انهيار "الدولة العثمانية"، التي تُمثل الناظم السياسي للأمة الإسلامية في ذلك الوقت، والذي كان النتيجة الحتمية للصراعات الكبيرة بين أمراء العثمانيين بالإضافة إلى أنها خسرت قواها في معارك ضارية بين ملل الكفر لا علاقة لها بها، وتعاون بعض العثمانيين مع الصليبيين واليهود حتى طردوا عبد الحميد الثاني إلى مدينة "سالونيك" اليونانية، وتنازل الأخير عن أمواله المودعة في البنوك الألمانية، تحت ضغط الاتحاديين، وبالنتيجة سقطت هذه الدولة المُعمِّرة، والتي وُصفت في نهاياتها بـ"الدولة المريضة".

وتفرَّق المسلمون إلى شيعٍ وأحزاب، وبرزت كيانات إقليمية هزيلة في مجملها، تتبنى أطروحات قومية أو اشتراكية نكدة، ومرتبطة ارتباطاً بشعاً بتحالفات آثمة ومجرمة، وقامت في مقابلها أحزابٌ أخرى إسلامية كرَّست جهودها في إعادة الحكم العثماني للعالمي الإسلامي، ولكنها جهود مبعثرة وضعيفة، بل غير مُحكمة على أساس متين، وقد استيقظ العالم على الوعد المشؤوم في ثلاثينيات القرن المنصرم، والذي أعطى اليهود الحق في فلسطين، باعتبارها وطن قومي لهم والمُسمَّى بوعد "بلفور"، وكانت هذه آخر صيحات هذه الأمة.

ومن بين تلك الأطواق التي فرضها المستعمر على هذه الأمة: الطوق السياسي والعسكري، فقد أحكموا أمر الأمة بحيث جعلوها عالةً عليهم، ومنعوا عنها كل وسيلةٍ يمكنهم بها أن يُطوروا أسلحتهم وعدتهم، فالسلاح نستورده من الأعداء، ولك أن تتخيل كم هذا السلاح متهالك ومتآكل، وقد خسر العرب العديد من المعارك بفضل هذه الأسلحة المعطلة، والتي دفع المسلمون في مقابلها ثروات طائلة، كذلك فكل أدوات القوة نستوردها من ذلك الكافر، وحتى أبسط الأدوات فإننا نستوردها من مصانعهم ومعاملهم.

 ومن المضحك المبكي أننا إذا أردنا أن نُقاتل أعداءنا فإنه يجب أن يوافقوا أولاً، وإذا أرادوا سلاماً فرضوه علينا قسراً، وإذا أرادوا أن يجعلوا قطراً ضعيفاً فعلوا ذلك بمساعدة قطرٍ عربيٍّ آخر، وإذا أرادوا أن يُسلطوا عليه جيرانه كان لهم ذلك بسهولةٍ ويُسر، وهذا كله يجعلهم في وضع المتحكم في أدق الأمور وأكبرها؛ حتى إن أكثر الأقطار الإسلامية تظاهراً باستعصائها على الضغط الخارجي أكثرها تنازلاتٍ خفيَّة، والله المستعان على هذا الزمان.

وفي العالم الإسلامي مناطق وأقطار تحتلها دول كبرى عالمية، وأنظمة تسندها قوى عالمية، ومناطق ضُمت إلى أقطار على رأسها الفجرة الظلمة، كما أن في العالم العربي أنظمة تجسس ساعدت الدول الكبرى في التمكين لها في هذا الشرق المظلوم، كما أن هناك أحزاباً وطوائف ارتدت على أعقابها للحفاظ على مصالحها الزائلة مع هذه القوى المزعومة.

وهذا الكتاب فيه فصلان:

الفصل الأول: بيان أن ملة الأعداء من اليهود والنصارى واحدة، وأن اليهود مُفسدون في الأرض، واعتقاداتهم أفسد العقائد، وذكر أمثلة ذلك في إباحتهم الكذب والخداع، والزنا، والقتل، والشرك بالله، والربا، وغيرها من الموبقات والأمور العظيمة، والإفتراء على رب العزة جل جلاله من كتبهم المعتمدة.


والفصل الثاني: تحدث فيه عن الولاء لليهود والنصارى الذي تتبناه بعض الأنظمة العربية القائمة، وبيان أنواع هذا الولاء، وكذلك العداء التاريخي لليهود لهذه الأمة، وأخيراً النفس المتحمس لإيران الشيعية، وكان هذا في بدايات قيام الثورة المشؤومة للخميني، مما لا نوافق المؤلف عليه، وقد دافع المؤلف عن النظام الإيراني في انضمامه إلى التحالفات العالمية في الوقت الذي يُذبح المسلمين في شتى بقاع الأرض بدعوى التكتيكات الفاشلة في حقيقتها، وقد برز في الحقبة الأخيرة وجه "إيران" الصفوية المُعادية للعرب والمسلمين.

وخلاصة القول في هذا لكتاب: أن الهجوم الغربي المضاد على "دار الإسلام" منذ مطلع القرن التاسع عشر؛ وحتى نشوب الحرب العالمية الأولى، أدى إلى انحسار "الدولة العثمانية" بعد انهيارها قبل ذلك داخلياً بكثرة الصراعات بين أمراء العثمانيين، ومشاركتهم في حربٍ لا مصلحة لهم فيها بين ملل الكفر، وتكدُّس الديون بالربا؛ وفشو ظلم الأتراك للناس، حتى طرد عبد الحميد الثاني في نهاية الأمر إلى اليونان.

ومرت الأمة بحقبةٍ استعماريِّةٍ جديدة، سقطت خلالها العديد من الأقطار تحت رزح الاحتلال الأجنبي ورحمته، وتعرض المسلمون قرابة قرنٍ من الزمان إلى محاولات الإبادة، وتغيير الهوية، والفتن الكثيرة في العقيدة والعبادة.

وما ننتظره الآن هو خلافة راشدة على منهاج النبوَّة لا خلافة تركية، ولا دولة مدنية، ولا حكم علماني، وولا غير ذلك من المناهج الهدامة، والأفكار المنحرفة.