الشيعة وأهل البيت
إحسان إلهي ظهير
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: شيعة المرء أنصاره وأعوانه، الموالون له ولمذهبه، وقد غلب مصطلح "الشيعة" على الذين شايعوا علياً وناصروه، ثم تطور هذا المفهوم تحت تأثير الغلو والأحداث التاريخية المأساوية، حتى تبلورت نظرية "النص والوصية"، التي أصبحت محور الفكر الشيعي، ومعياره الممييز بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، واختلف الشيعة بعد ذلك في أعيان الأئمة المنصوص عليهم من بنيه؛ فظهرت بناءً على ذلك طوائف شيعية كثيرة، ثم استقر الأمر على ثلاثة تيارات كبرى، وهي: "الإسماعيلية"، و"الاثنا عشرية"، و"الزيدية".
وبدأ التشيع رسالته من منطلق موالاة أهل البيت، واعتقاد أحقيتهم في بالإمامة، والانتصار لمظلومية الأئمة، وما تعرضوا له من التنكيل والتعذيب والمطاردة، واختلف المؤرخون الشيعة في الوقت الذي نشأت فيه هذه الفرقة:
١- فقالت طائفة: بدأ التشيع في الوقت الذي اجتمع فيه المسلمون في سقيفة بني ساعدة لمبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويزعم الشيعة أن الفرقة الأولى تضمنت طائفة من بني هائم بالإضافة إلى المقداد، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وهؤلاء لم يتعدَّ دورهم أمنياتهم في ولاية علي وبنيه، مع دخولهم فيما دخل فيه المسلمون من طاعة الخلفاء الثلاثة، وإقرارهم بفضلهم.
ولما بويع لعلي بن أبي طالب بالخلافة، دخل هؤلاء في نصرته وحربه مع كُلٍّ من: طلحة بن عُبيد الله، والزبير بن العوام رضي الله عنهما، ثم مع معاوية بن أبي سفيان والخوارج، لكن مصطلح التشيع بالمعنى المعهود لم يكن قد تبلور بعد.
٢- بينما يؤرخ آخرون بداية الفرقة إلى عصر الإمام جعفر الصادق في منتصف القرن الثاني الهجري، حيث استطاع هشام بن الحكم الشيعي (ت ١٩٠ هـ) أن يضع قواعد الفكر الشيعي المعروف الآن، وأن يهندس نظرية "الوصية"، فألف فيها كتباً عديدة، منها: "كتاب الإمامة"، و"الرد على من أنكر الوصية"، و"كتاب الحكمين" وأخذه عنه من أتوا بعده كالحداد، وأبي عيسى الوراق، وابن الرواندي، وغيرهم.
ومن تأمل كتاب "الكافي" للكليني، وهو أهم مصادر الشيعة، التي يستندون إليها في مسألة "النص والوصية"، يجد أن معظم الروايات الواردة في هذه المسألة، جاءت عن ثلاثة من أئمة أهل البيت، وهم: أبو جعفر محمد بن علي (ت ١١٤ هـ)، وأبو عبد الله جعفر الصادق (ت ١٤٨ هـ)، وأبو الحسن علي بن موسى الرضا (ت ٢٠٣ هـ) ما يؤكد حقيقة تبلور هذه الفكرة بشكلها الحالي في تلك الفترة بالتحديد، والتي أدت إلى انقسام المسلمين.
٣- وهناك رأي ثالث: يرى أن عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم، هو سبب نشأة التشيع الغالي، وظهر ابن سبأ في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان يتنقل من الحجاز إلى أمصار المسلمين، لإضلال المسلمين، وكان أحد المحرضين على قتل عثمان، وشارك في إفساد المصالحة التي كادت تكون بين طلحة والزبير وعلي بن أبي طالب في البصرة، ثم دعوته الناس إلى الغلو المفرط في علي بالكوفة، ولكن أغلب الشيعة ينكرون وجود هذه الشخصية أصلاً، وعلى فرض وجودها فإنهم لم يرووا عنه، وغاية ما يروى عنه أنه كان يُفضّل علياً على أبي بكر وعمر وعثمان! وبالتالي لا يعد ابن سبأ المؤسس الأول للتشيع، ولا دوره كدور هشام بن الحكم.
وبعد أن تنازل الحسن لمعاوية عن الخلافة، على أن يكون الأمر له من بعده، أي: يكون ولي العهد لمعاوية، أعلن معاوية أن وعده للحسن كان ضرورة حرب، حتى تجتمع كلمة الأمة، وقد اجتمعت الأمة على معاوية، فأعلن تنصله من وعده للحسن.
وحينها قام سليمان بن صُرد (ت ٦٥ هـ) وجماعة من أشراف العراق، ودخلوا على الحسن، ولاموه أنه لم يأخذ يستوثق من معاوية بوعد مكتوب، يشهد عليه وجوه أهل المشرق والمغرب، وطالبوه بالقيام على معاوية مرةً ثانية، ومعهم ثمانين ألف مقاتل، ولم يكن التشيع قد أخذ منحاه المعروف تلك اللحظة، بل لم يتكلم أحدٌ في قضية الإمامة بعد.
ويذكر ابن النديم: أن أول من تكلم في "الإمامة" عند الشيعة هو علي بن إسماعيل بن ميثم الطيار الكوفي (=كان حياً قبل ١٧٩ هـ)، وألف فيها كتابين، هما: "الإمامة" و"الاستحقاق" وكان ذلك بعد خلافة علي بن أبي طالب بمدة طويلة، ويُضيف المؤرخون أن الرجل كانت له مجالس مع هشام بن الحكم المؤسس الحقيقي للتشيع المعروف.
ونظراً للمنازعة التي أبدها الشيعة في أول أمرهم على السلطة والسلطان، أدى ذلك إلى تجريد السيوف، وإراقة أنهار الدماء، لأجل الخلافات السياسية، والصراعات على الإمارة، أدى ذلك إلى نشوء خلافات كبيرة استعصت على التجاوز رغم مرور الزمان، وارتبطت خلافات الأسلاف الموتى الذين بليت منهم العظام، بعقائد أصبحت موروثة، واستعصى على الأحياء تجوزها أو القفز عنها.
وزاد الطين بِلَّةً ما كانت تمارسه الدولة الأموية من اضطهاد وتعذيب ضد أنصار آل البيت، فعاش هؤلاء المأساة، وكان الربط الذهني بينها وبين محبة آل البيت، وفي خضم ذلك تطلع الشيعة إلى سلطة إلهية عادلة، تتمثل في إمام معصوم، لديه علم الأنبياء، ولم يشترك الناس في اختياره أو إعطائه البيعة، وإنما اختارته السماء، ومن ثم اعتقد الشيعة بالإمامة كأصل من أصول ديانتهم، واستندوا إلى جملة كبيرة من المرويات أهمها "حديث غدير خم"، و"حديث المنزلة"، وحديث الدار"، وجعلوها في الإمامة السياسية والدينية.
ولم يكن التيار الشيعي يحمل نفس الأفكار تماماً، بل حصل الخلاف في تسلسل الأئمة المعصومين، فاتفقوا أن الأئمة الثلاثة علي وابنيه الحسن والحسين على رأس القائمة، ثم اختلفوا؛ فجعلها الإمامية أو الجعفرية محصورة في أولاد فاطمة، وكل إمامٍ ينص على من بعده، حتى بلغوا بهم اثني عشر إماماً آخرهم محمد بن الحسن العسكري (ولد ٢٥٦ هـ) الذي يعتقدون اختفاءه في سرداب بمدينة سامراء، ويعتقدون حياته إلى الآن، ويسألون الله تعالى أن يُعجل ظهوره، ويزيل حرجه، ويسهل فرجه.
بينما ترى "الكيسانية" أن الإمامة انتقلت من علي لابنه محمد بن الحنفية (ت ٨١ هـ)، واستمرت عبد ذلك في شيوخ هذه الطائفة، أما الإسماعيلية فقالوا: إنها بعد جعفر الصادق كانت لابنه إسماعيل (ت ١٤٣ هـ)، وليس لموسى الكاظم كما تقول الإمامية. أما "الزيدية"؛ فقصروا الوصية على الحسن والحسين، فكانت الإمامة فيهم نصاً، بينما في غيرهم وصفاً، فمن توافرت فيه شروط الإمامة عندهم، كان جديراً بها، شريطة أن يكون ثائراً، خارجاً، شاهراً سيفه ضد أئمة الجور والفساد، وهذه الشروط توفرت عندهم في زيد بن علي (ت ١٢٢ هـ) ثم لأئمة الزيدية من بعده.
وقد واجهت الشيعة قضية خطيرة، فرضها العامل الزماني، وافتقار الناس إلى إمام بعد غيبة مهدي الزمان عندهم، فاضطروا مع ذلك إلى تبني فكرة "نيابة المجتهد" أو "ولاية الفقيه"، والذي يعد مرجعاً للشيعة كلهم، ويمكن تعريف هذا الفقيه: بأنه المجتهد الجامع للشروط، ويعد هذا المجتهد حاكماً ورئيساً مطلقاً، تجب طاعته، وتحرم مخالفته، وطاعته من طاعة الإمام وطاعة الله، ومعصيته أو محاولة نقده ردة عن دين الله!
ومن صفات الإمام عند الشيعة: أن يكون معصوماً، وأفضل الخالق على الإطلاق، وعالماً بالسياسة، وبجميع أحكام الشريعة، وكونه حجة فيها، شجاعاً، ولديه قوة إلهام قوية، لا تخطئ، وتسمى بالقوة القدسية، بالإضافة إلى العصمة، وكل ذلك بالقياس على النبوة، لأنهم يرون أن النبوة والإمامة انبثقتا في وقت واحد.
وعل كُلٍّ فالمؤمن عند الشيعة ليس من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فحسب، وليس دخول الجنة عندهم مبنياً على فعل الواجبات وترك المحرمات، بل الإيمان عندهم من آمن بعلي إماماً معصوماً، تتلقى منه وحده أحكام الدين، وتتبع أقواله وأعماله، وأما تكفير الخطايا عندهم هو اعتقاد أن علياً هو "باب حطة" تأويلا لقوله تعالى: «وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم»،
والشيعة أنفسهم هم الذين خذلوا علياً رضي الله عنه في معاركه، وجبنوا في مواطن اللقاء، وهم الذين خذلوا الحسين في ثورته، وتسببوا في كثير من المشكلات مع الأمويين، مع ما اتصفوا به من الجبن والخور والضعف والتخاذل، وكل هذا مسطرٌ في كتبهم المعتمدة.
هذا الكتاب:
يعرض المؤلف في هذا الكتاب أربعة أبواب، تحدث فيها عن العلاقة بين الشيعة وأهل البيت، وبين أنها علاقة زائفة، لا أصل لها، وكل ما يفتريه الشيعة على أهل البيت هو من بنات أفكارهم، ولا يمثل أهل البيت، ولا أخلاقهم، ولا آدابهم ولا عقائدهم، وذلك بالرجوع إلى الآثار المروية عن أهل البيت من كتبهم المعتمدة، بيان ذلك فيما يلي:
الباب الأول: إلى تعريف أهل البيت في اللغة، والاصطلاح، ومفهوم الشيعة لأهل البيت، ومفهوم التشيع في اللغة، ومعنى التشيع لدى الشيعة، وأنهم لا يوالون أهل بيت عليٍّ رضي الله عنه كلهم، وإنما رجالاً معدودين منهم، وذكر بعض العقائد الكفرية التي يدين بها بعض الشيعة من تفضيل الأئمة على الرسل والأنبياء، وأشار إلى كتابه "الشيعة والسنة" في بيان هذه العقائد،
بينما تحدث في الباب الثاني: عن مخالفة الشيعة لأهل البيت عليهم السلام، وذلك في موقفهم من الصحابة، حيث أن أئمة أهل البيت كانوا يوقرون الصحابة، ويُجلونهم، ولا يتعرضون لهم بسوء، ولا يرضون المساس بكرامتهم، بل بايعوهم على إمرتهم، وشاركوهم في جهادهم، وسموا أبناءهم بأسمائهم، وصاهروا الكثير منهم، بينما ذهبت الشيعة إلى كفر جميع الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة، وبين موقف أهل البيت من الصديق، والفاروق، وعثمان، وما يكنوه لهم من المودة، والمحبة، والإقرار بالفضل، والتقدم، وفي المقابل نجد الموقف الشيعي من الخلفاء الثلاثة على النقيض تماماً، من الطعن والسب والتعرض لديانتهم وأمانتهم، في مخالفة صريحة لمذهب أهل البيت.
وفي أثناء ذلك تعرض إلى بعض عقائد الشيعة في أئمة أهل البيت من العصمة، والتفضيل على الأنبياء، ودعوى علم الغيب، والتصرف بالكون، إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة.
وفي الباب الثالث: تحدث عن أكاذيب الشيعة على أهل البيت، وبعض ما نسبوه إليهم زوراً وبهتاناً، ومن هذه الأكاذيب (المتعة)، وما ينبني على ذلك من (إعارة الفروج)، و(استئجارها)، وكذلك (اللواط بالنساء)، و(تعطيل الشريعة)، من الفرائض والنوافل، فزعموا أن صحائفهم تملأ من غير أعمال، ولكن بمحبة آل محمد! ونقلوا آثاراً مكذوبة في (الزيارة)، و(علم الأئمة للغيب)، و(خروج الإمام القائم) آخر الزمان، وإحيائه -بحسب زعمهم -أعداء أهل البيت وقتلهم، ثم ذكر عنهم شيئاً من المسائل الغريبة التي خالفوا فيها المذاهب الأربعة، منها (طهارة المذي والودي) وأن نزولها لا يقطع الصلاة، ونحو ذلك، ثم بعض الأكاذيب التي نقلوها في كتبهم من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ارتضع من ثدي عمه أبو طالب، وأن طنين باب الجنة هو يا علي، وأنه لولا سيف ابن ملجم لكان علي بن أبي طالب من الخالدين في الدنيا.
وناقش في الباب الرابع: إهانة الشيعة لأهل البيت من أول إمام إلى آخر إمام، بل تطاولوا على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، فيجعلونه في مرتبة ثانية بعد علي رضي الله عنه، بل جعلوا رسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم محصورة في إبلاغ الأمة لولاية علي، ولم يقتصر هذا التطاول على خاتم النبيين، بل بلغ ذلك جميع الأنبياء والمرسلين، ثم ذكر إهانتهم للعباس عم الرسول، وابنيه عبد الله وعُبيد الله، بل بلغ بهم الأمر أن استصغروا شأن ابن النبيّ إبراهيم في مقابل حفيديه الحسن والحسين، وأهانوا بنات النبي غير فاطمة، فزعموا أنهن كُنَّ ربيباتٍ عنده، بل أهانوا فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسبوا إليها أشياء هي بريئة منها، ونسبوا إلى أهل البيت من ذريتها كثيراً من الأوصاف الذميمة من النفاق والكذب والجن والخيانة والغدر.
ويمكن تلخيص الكتاب في النقاط التالية:
١- أن الشيعة هم قوم يدعون موالاة أحد عشر شخصاً من أولاد علي، وعلياً رضي الله عنه، واصطلحوا على تسميتهم (الأئمة الاثنا عشر).
٢-أنهم يعتقدون عصمة هؤلاء الأئمة كالأنبياء ورسل الله، وأنهم أفضل منهم، وأفضل من الملائكة المقربين.
٣-أنهم يدعون أن مذهبهم مؤسس على آراء أهل البيت وأفكارهم.
٤-أن الشيعة في حقيقتهم لا يهتدون بهدي أهل البيت، ولا يقتدون برأيهم، ولا ينهجون منهجهم، ولا يسلكون مسلكهم، ولا يتبعون أقوالهم وآرائهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق