المحرمات من النساء، لماذا؟.
علي عبد العال الطهطاوي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: هذا الكتاب هو تلخيص لباب المحرمات من النساء من كتاب (فقه السنة)، ولأهمية هذا الموضوع، وجهل كثير من العامة ببعض تفاصيله والحكمة من التحريم، والتحريم المؤبد والمؤقت لبعض النساء، تم تبسيطه وتقديمه في هذا الكتيب الصغير ليسهل تناوله وفهمه.
وبين أن أسباب تحريم النساء ثلاثة: وهي النسب، والمصاهرة، والرضاع، وذكر جملة من أحكام الرضاع، منها: الرضاع الذي يثبت به التحريم، وصفة المرضع، والشهادة على الرضاع.
ثم الحكمة من تحريم بعض النساء على الرجل، سواءً كانت الحرمة مؤقتة أو مؤبدة، ثم الزوجة المعتدة وغير المعتدة، وحكم الزواج بالزانية، وغاية الإسلام من تحريم الزنا، وكون الزنا ينبوع الأمراض الخطيرة.
ثم حكم الزوج من الملاعنة، والمشركة، والصابئة، ومن لا دين لها، وحكم الزيادة على الأربع.
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تموتن إلا وانتم مسلمون﴾ (آل عمران ١٦٢) ﴿يا أيها الناسُ القُوا رَبَّكُمُ الذي خلقكم من واحدة وخلو منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتَّقُوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً﴾ (النساء ١)
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقُولُوا قَوْلاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوراً عظيما﴾ (الأحزاب: ۷۰ - ۷۱)
أما بعد:
عزيزي القارئ بعد أن قدمت لك كتاب [الطلاق داء ودواء]؛ فإن شاء الله تعالى أقدم لك كتاب [المحرمات من النساء لماذا ؟] واعلم أخي المسلم أن الله تعالى إذا أمرنا بشيء فالخير كل الخير فيه، وإذا نهانا عن شيء فالشر كل الشر فيه.
وهذا الكتاب هو تلخيص لباب المحرمات من النساء من كتاب (فقه السنة)، ولأهمية هذا الموضوع، وجهل كثير من العامة ببعض تفاصيله والحكمة من التحريم، والتحريم المؤبد والمؤقت لبعض النساء، تم تبسيطه وتقديمه في هذا الكتيب الصغير ليسهل تناوله وفهمه، ولله الحمد والمنة .
كتبه
علي أحمد عبد العال الطهطاوي
***************
المحرمات من النساء
ليست كل امرأة صالحة للعقد عليها، بل يشترط في المرأة التي يراد العقد عليها أن تكون (غير محرمة) على من يريد التزوج بها، (سواء أكان هذا التحريم مؤبداً أم مؤقتاً).
والتحريم المؤبد يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات.
والتحريم المؤقت يمنع المرأة من التزوج بها ما دامت على حالة خاصة قائمة بها، فإن تغير الحال وزال التحريم الوقتي صارت حلالاً.
وأسباب التحريم المؤبد هي:
١-النسب.
٢- المصاهرة.
٣- الرضاع.
وهي المذكورة في قول الله تعالى: ﴿حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكُم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أَرْضَعَكُمْ واخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائيكُم اللاتي في حجوركم من نسائكُم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الدين من أصلابكُم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف﴾ (النساء: ٢٣)، هذا بيان كل منها:
المحرمات من النسب هن:
الأمهات - البنات - الأخوات - العمات . الخالات - بنات الأخ - بنات الأخت,
والمحرمات بسبب المصاهرة:
۱ - أم زوجته وأم أمها وأم أبيها، وإن علت لقول الله تعالى: ﴿وأُمهات نسائكم﴾ ولا يشترط في تحريمها الدخول بها، بل مجرد العقد عليها يحرمها.
٢-وابنة زوجته التي دخل بها.
ويدخل في ذلك بنات بناتها، وبنات أبنائها، وإن نزلن؛ لأنهن من بناتها لقول الله تعالى: ﴿وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم﴾ والربائب: جمع ربيبة وربيب الرجل ولد امرأته من غيره. سمي ربيباً له؛ لأنه يربه كما يُرب ولده (أي يسوسه). وقوله: ﴿اللاتي فِي حُجُورِكُم﴾ وصف لبيان الشأن الغالب في الربيية، وهو أن تكون في حجر زوج أمها وليس قيداً.
٣- زوجة الابن وابن ابنه وابن بنته وإن نزل؛ لقول الله تعالى ﴿وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم﴾. والحلائل: جمع حليلة، وهي الزوجة، والزوج حليل.
٤ - زوجة الأب: يحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه، بمجرد عقد الأب عليها، وإن لم يدخل بها.
المحرمات بسبب الرضاع
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والذي يحرم من النسب: الأم، والبنت والأخت والعمة، والخالة، وبنات الأخ، وبنات الأخت.
وهي التي بينها الله تعالى في قوله: ﴿حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة﴾.
وعلى هذا، فتنزل المرضعة منزلة الأم، وتحرم على المرضع هي وكل من يحرم على الابن من قبل أم النسب.
الرضاع الذي يثبت به التحريم
الظاهر أن الإرضاع الذي يثبت به التحريم هو مطلق الإرضاع ولا يتحقق إلا برضعة كاملة، وهي أن يأخذ الصبي الثدي ويمتص اللبن منه، ولا يتركه إلا طائعاً: من غير عارض يعرض له، قلو مص مصة أو مصتين، فإن ذلك لا يُحرم لأنه دون الرضعة، ولا يؤثر في الغذاء.
قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُحرم المصة ولا المصتان) [ رواه الجماعة إلا البخاري ].
وللعلماء في هذه المسألة عدة آراء نجملها فيما يأتي:
١ - أن قليل الرضاع وكثيره سواء في التحريم أخذاً بإطلاق الإرضاع في الآية. ولما رواه البخاري ومسلم، عن عقبة بن الحارث، قال: تزوجت أم يحيى أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: قد أرضعتكما. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له ذلك فقال: وكيف، وقد قيل؟ دعها عنك.
فترك الرسول صلى الله عليه وسلم السؤال عن عدد الرضعات، وأمره بتركها دليل على أنه لا اعتبار إلا بالإرضاع، فحيث وجد اسمه وجد حكمه، ولأنه فعل يتعلق به التحريم فيستوي قليله وكثيره، كالوطء الموجب له وهنا مذهب (علي) وابن عباس وأبي حنيفة ومالك، ورواية عن أحمد.
٢ - أن التحريم لا يثبت بأقل من خمس رضعات متفرقات.
لما رواه مسلم وأبو داود والنسائي، عن عائشة قالت: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن.
وهذا تقييد لإطلاق الكتاب والسنة، وتقييد المطلق بيان لا نسخ ولا تخصيص، ولو لم يعترض على هذا الرأي، بأنه لو كان كما قالت عائشة لما خفي على المخالفين، ولا سيما علي وابن عباس، لكان أرجح الآراء، ولهذا عدل البخاري هذه الرواية.
وهذا مذهب عبد الله بن مسعود وعطاء والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه، وابن حزم، وأكثر أهل الحديث.
اللبن المختلط بغيره
إذا اختلط لبن المرأة بطعام أو شراب أو دواء، أو لبن شاة أو غيره، وتناوله الرضيع فإن كان الغالب لبن المرأة حَرَّم، وإن لم يكن غالباً فلا يثبت به التحريم.
وهذا مذهب الأحناف، والمزني، وأبي ثور.
قال ابن القاسم من المالكية: إذا استهلك اللين في ماء أو غيره، ثم سقيه الطفل لم تقع به الحرمة.
قال ابن رشد: وسبب اختلافهم هل يبقى للبن حكم الحرمة إذا اختلط بغيره، أم لا یبقی به حكمها؟ کالحال في النجاسة إذا خالطت الحلال الطاهر.
والأصل المعتبر في ذلك إطلاق اسم اللبن عليه كالماء هل يظهر إذا خالطه شيء من الطاهر؟ أي أنه إذا اختلط اللين بغيره هل يبقى إطلاق اسم اللبن عليه أم لا؟ فإن كان يطلق اسم اللين عليه كان محرماً وإلا فلا.
لبن المرضعة يحرم مطلقاً
التغذية بلين المرضعة محرم، سواء أكان شرابا أو وجوراً أو سعوطاً، حيث كان يغذي الصبي ويسد جوعه، ويبلغ قدر رضعة؛ لأنه يحصل به ما يحصل بالإرضاع من إنبات اللحم، وإنشار العظم، فيساويه في التحريم.
صفة المرضعة
والمرضعة التي يثبت بلبنها التحريم، هي كل امرأة در اللبن من ثديها، سواء أكانت بالغة أم غير بالغة وسواء أكانت باتة من المحيض أم غير يائسة، وسواء أكان لها زوج أم لم يكن وسواء أكانت حاملاً أم غير حامل.
سن الرضاع
الرضاع المحرم للزواج ما كان في الحولين. وهي المدة التي بينها الله تعالى وحددها في قوله: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة﴾ (البقرة: ٢٣٣)، لأن الرضيع في هذه المدة يكون صغيراً يكفيه اللبن وينبت بذلك لحمه فيصير جزءاً من المرضعة. فيشترك في الحرمة مع أولادها .
ولو فطم الرضيع قبل الحولين واستغنى بالغذاء عن اللين. ثم أرضعته امرأة، فإن ذلك الرضاع تثبت به الحرمة عند أبي حنيفة والشافعي، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما الرضاعة من المجاعة).
وقال مالك: ما كان من الرضاعة بعد الحولين كان قليله وكثيره لا يحرم شيئًا؛ إنما هو بمنزلة الماء، وقال: إذا فصل الصبي قبل الحولين، أو استغنى بالفطام عن الرضاع فما ارتضع بعد ذلك لم يكن للإرضاع حرمة.
الشهادة على الرضاع
شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع - إذا كانت مرضية - لما رواه عقبة بن الحارث، أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت: «قد أرضعتكما، قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: فتنحيت فذكرت ذلك له، فقال: وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟» فنهاه عنها.
احتج بهذا الحديث طاووس، والزهري وابن أبي ذئب، والأوزاعي ورواية عن أحمد على أن شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع.
وذهب الجمهور إلى أنه لا يكفي في ذلك شهادة المرضعة؛ لأنها شهادة على فعل نفسها.
ومذهب الأحناف أن الشهادة على الرضاع لابد فيها من شهادة رجلين، أو رجل وامرأتين، ولا يقبل فيها شهادة النساء وحدهن لقول الله عز وجل: ﴿واستشهدوا شهيدين من رجالكُمْ فَإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء﴾ (البقرة: ٢٨٢)
وعن الشافعي: أنه يثبت بهذا، وبشهادة أربع من النساء، لأن كل امرأتين كرجل، ولأن النساء يطلعن على الرضاع غالباً كالولادة.
وعند مالك: تقبل فيه شهادة امرأتين بشرط فشو قولهما بذلك قبل الشهادة.
قال ابن رشد: وحمل بعضهم حديث عقبة بن الحارث على الندب جمعاً بينه وبين الأصول، وهو أشبه وهي رواية عن مالك.
أبوة زوج المرضع للرضيع
إذا أرضعت امرأة رضيعا صار زوجها أباً للرضيع وأخوه عماً له، لما تقدم من حديث حذيفة، ولحديث عائشة لها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ائذني لأفلح أخي أبي القعيس فإنه عمُّك).
وكانت امرأته أرضعت عائشة رضي الله عنها.
التساهل في أمر الرضاع
كثير من النساء يتساهلن في أمر الرضاع فيُرضعن الولد من امرأة، أو من عدة نسوة، دون عناية بمعرفة أولاد المرضعة وإخوانها، ولا أولاد زوجها من غيرها وإخوته، ليعرفوا ذلك من الأحكام، ما يترتب عليهم في كحرمة النكاح، وحقوق هذه القرابة الجديدة التي جعلها الشارع كالنسب.
فكثيراً ما يتزوج الرجل أخته، أو عمته، أو خالته من الرضاعة، وهو لا يدري. والواجب الاحتياط في هذا الأمر، حتى لا يقع الإنسان في المحظور.
حكمة التحريم
قال في تفسير المنار: إن الله تعالى جعل بين الناس ضروبًا من الصلة يتراحمون بها ويتعارفون على دفع المضار وجلب المنافع، وأقوى هذه الصلات صلة القرابة وصلة الصهر؛ ولكل واحدة من هاتين الصلتين درجات متفاوتة.
ثم قال: ولا يخفى على إنسان أن عاطفة الأم الوالدية أقوى من عاطفة الأب، ورحمتها أشد من رحمته وحنانها أرسخ من حنانه؛ لأنها أرق قلباً، وأدق شعوراً وأن الولد يتكون جنيناً من دمها الذي هو قوام حياتها. ثم يكون طفلاً يتغذى من لبنها، فيكون له مع كل مصة من نديها عاطفة جديدة يستلها من قلبها، والطفل لا يحب أحداً في الدنيا قبل أمه.
ثم إنه يحب أباه، ولكن دون حبه لأمه، وإن كان يحترمه أشد مما يحترمها.
أفليس من الجناية على الفطرة أن يزاحم هذا الحب العظيم بين الوالدين والأولاد حب استمتاع الشهوة - فيرحمه ويفسده - وهو خير ما في هذه الحياة !!
بلى: ولاجل هذا كان تحريم نكاح الأمهات هو الأشد المقدم في الآية، ويليه تحريم البنات.
ولولا ما عهد في الإنسان من الجناية على الفطرة والعبث بها والإفساد فيها، لكان لسليم الفطرة أن يتعجب من تحريم الأمهات والبنات، لأن فطرته تُشعر أن النزوع إلى ذلك من قبيل المستحيلات.
وأما الأخوة والأخوات، فالصلة بينهما شبه الصلة بين الوالدين والأولاد من حيث كأعضاء الجسم الواحد، فإن الأخ الأخت من أصل واحد يستويان في النسبة إليه من غير تفاوت بينهما.
ثم إنهما ينشأ ان في حجر واحد، على طريقة واحدة في الغالب، وعاطفة الأخوة بينهما متكافئة، ليست أقوى في إحداهما منها في الأخرى، كقوة عاطفة الأمومة والأبوة على عاطفة البنوة. فلهذه الأسباب يكون أنس أحدهما بالآخر أنس مساواة لا يضاهيه أنس لآخر.
إذ لا يوجد بين البشر صلة أخرى فيها هذا النوع من المساواة الكاملة، وعواطف الود والثقة المتبادلة.
وجملة القول: «إن صلة الأخوة صلة فطرية قوية، وأن الإخوة والأخوات لا يشتهي بعضهم التمتع ببعض، لأن عاطفة الأخوة تكون هي المسئولة على النفس بحيث لا يبقى لواها معها موضع ما سلمت الفطرة.
فقضت حكمة الشريعة بتحريم نكاح الأخت حتى يكون لمعتلي الفطرة منفذ لاستبدال داعية الشهوة بعاطفة الأخوة.
وأما العمات والخالات فهن من طينة الأب والأم وفي الحديث: (عم الرجل صنو أبيه). أي هما كالصنوان يخرجان من أصل النخلة.
ولهذا المعنى - الذي كانت به صلة العمومة من صلة الأبوة، وصلة المخولة من صلة الأمومة - قالوا: إن تحريم الجدات مندرج في تحريم الأمهات وداخل فيه؛ فكان من محاسن دين الفطرة المحافظة على عاطفة صلة العمومة والخولة والتراحم والتعاون بها، وأن لا تتزو الشهوة عليها، وذلك بتحريم نكاح العمات والخالات.
وأما بنات الأخ وبنات الأخت، فهما من الإنسان بمنزلة بناته، حيث أن أخاه وأخته كتفه، وصاحب الفطرة السليمة يجد لهما هذه العاطفة من نفسه، وكذا صاحب الفطرة السقيمة، إلا أن عاطفة هذا تكون كفطرته في سقمها.
ثم قال: «إن هنالك حكمة جسدية حيوية عظيمة جداً وهي أن تزوج الأقارب بعضهم ببعض يكون سببا لضعف النسل. فإذا تسلسلت واستمرت بتسلسل الضعف والضوى فيه إلى أن ينقطع، ولذلك سببان:
(أحدهما) وهو الذي أشار إليه الفقهاء -أن قوة النسل تكون على قدر قوة داعية التناسل في الزوجين، وهي الشهوة. وقد قالوا إنها تكون ضعيفة بين الأقارب.
وجعلوا ذلك علة لكراهية تزوج بنات العم وبنات العمة، إلى آخره. وسبب ذلك، أن هذه الشهوة شعور في النفس، يزاحمه شعور عواطف القرابة المضاد له فإما أن يزيله وإما أن يزلزله ويضعفه.
(والسبب الثاني) يعرفه الأطباء، وإنما يظهر للعامة بمثال تقريبي معروف عند الفلاحين؛ وهو أن الأرض التي يتكرر زرع نوع واحد من الحبوب فيها، يضعف هذا الزرع فيها مرة بعد أخرى، إلى أن ينقطع، لقلة المواد التي هي قوام غذائه، وكثرة الموارد الأخرى التي لا يتغذى منها، ومزاحمتها لغذاته أن يخلص له.
حكمة التحريم بالرضاع
وقال: وأما حكمة التحريم بالرضاعة فمن رحمته تعالى بنا أن وسع لنا دائرة القرابة بإلحاق الرضاع بها؛ وأن بعض بدن الرضيع يتكون من السين المرضع، وأنه بذلك يرث منها كما يرث ولدها الذي ولدته".
حكمة التحريم بالمصاهرة
وأخيراً قال: هو حكمة تحريم المحرمات بالمصاهرة أن بنت الزوجة وأمها أولى بالتحريم، لأن زوجة الرجل شقيقة روحه بل مقومة ماهيته الإنسانية ومتممتها.
فينبغي أن تكون أمها بمنزلة أمه في الاحترام ويقبح جداً أن تكون ضرةً لها فإن لحمة المصاهرة كلحمة النسب فإذا تزوج الرجل من عشيرة صار كأحد أفرادها، وتجددت في نفسه عاطفة مودة جديدة لهم.
فهل يجوز أن يكون سبباً للتغاير والضرار بين الأم وبنتها ؟ كلا. إن ذلك ينافي حكمة المصاهرة والقرابة ويكون سبب فساد العشيرة، فالموافق للفطرة الذي تقوم به المصلحة هو أن تكون أم الزوجة كأم الزوج وبنتها التي في حجره كبنته من صلبه.
وكذلك ينبغي أن تكون زوجة ابنه بمنزلة ابنته، ويوجه إليها العاطفة التي يجدها لبنته، كما ينزل الابن امرأة أبيه منزلة أمه.
وإذا كان من رحمة الله وحكمته أن حرم الجمع بين الأختين وما في معناهما لتكون المصاهرة لحمة مودة غير مشوبة بسبب من أسباب الضرار والنفرة، فيكف يعقل أن يبيح نكاح من هي أقرب إلى الزوجة، كأمها أو بنتها، أو زوجة الوالد للولد، وزوجة الولد للوالد؟
وقد بين لنا أن حكمة الزواج هي سكون نفس كل من الزوجين إلى الآخر، والمودة والرحمة بينهما وبين من يلتحم معهما بلحمة النسب فقال: ﴿ومن آياته أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسَكُمْ أَزْوَاجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾ (الروم ٣١) فقيد سكون النفس الخاص بالزوجية ولم يقيد المودة والرحمة لأنها تكون بين الزوجين ومن يلتحم معهما بلحمة النسب، وتزداد وتقوى بالولد ..اهـ.
المحرمات مؤقتاً
الجمع بين المحرمين:
يحرم الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، كما يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة. لو كانت إحداهما رجلاً لم يجز له التزوج بالأخرى.
ودليل ذلك:
١- قول الله تعالى: ﴿وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف﴾ (النساء ٢٣).
٢-وما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها).
٣- وما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه عن فيروز الديلمي أنه أدركه الإسلام وتحته أختان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلق أيتهما شئت).
وهذا الجمع بين المحارم كما هو ممنوع في الزواج فهو ممنوع في العدة.
فقد أجمع العلماء على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاق رجعياً، فلا يجوز له أن يتزوج أختها، أو أربعاً سواها حتى تنقضي عدتها، لأن الزواج قائم وله حق الرجعة في أي وقت.
زوجة الغير ومعتدته
يحرم على المسلم أن يتزوج زوجة الغير أو معتدته رعاية لحق الزوج؛ لقول الله تعالى: ﴿والْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ (النساء: ٢٤).
أي حرمت عليكم المحصنات النساء، أي المتزوجات منهن إلا المسيبات، فإن المسبية تحل لأبيها بعد الاستبراء، وإن كانت متزوجة.
المطلقة ثلاثاً
المطلقة ثلاثاً لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره نكاحاً صحيحاً.
عقد للمُحرم
يحرم على المحرم، أن يعقد النكاح لنفسه أو لغيره بولاية أو وكالة، ويقع العقد باطلاً، لا تترتب عليه آثاره الشرعية.
لما رواه مسلم وغيره، عن عثمان بن عفان أن رسول الله ﷺ قال: (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب) رواه الترمذي وليس فيه ولا يخطب، وقال: حديث حسن صحيح.
والعمل على هذا عند بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول الشافعي وأحمد، وإسحق، ولا يرون أن يتزوج المحرم، وإن نكح فنكاحه باطل، وما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فهو هو مُعارض بما رواه مسلم من أنه تزوجها وهو حلال.
قال الترمذي: اختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة، لأنه تزوجها في طريق مكة. فقال بعضهم: تزوجها وهو حلال وظهر أمر تزوجها وهو محرم، ثم بنى بها وهو حلال بسرف في طريق مكة.
زواج الزانية
لا يحل للرجل أن يتزوج بزانية، ولا يحل للمرأة أن تتزوج بزان، إلا أن يُحدث كل منهما توبة. ودليل هذا:
١- أن الله جعل العفاف شرطاً يجب توفره في كل من الزوجين قبل الزواج. فقال تعالى : ﴿اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتِ وَطَعَامُ أُوتُوا الكتاب حلَّ لَكُمْ وطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُم والْمُحْصَات من الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ من الذين أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أجورهن محصين غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أخدان﴾ [المائدة: ٥]
٢ - يؤيد هذا ما جاء صريحا في قول الله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النور: ٣).
ومعنى ينكح : يعقد. وحرم ذلك؛ أي وحرم على المؤمنين أن يتزوجوا من هو متصف بالزنا أو بالشرك، فإنه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك.
قال الشوكاني: هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا.
وفيه دليل على أنه لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا. ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب الكريم، لأن في آخرها ﴿وحرم ذلك عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإنه صريح في التحريم
غاية الإسلام من تحريم نكاح الزنا
والإسلام لم يرد للمسلم أن يُلقى بين أنياب الزانية، ولا للمسلمة أن تقع في يد الزاني، وتحت تأثير روحه الدنيئة، وأن تشاركه تلك النفس الترمة، وأن تعاشر ذلك الجسم الملوث بشتى الجرائم المملوء بمختلف العلل والأمراض.
والإسلام - في كل أحكامه وأوامره وفي كل محرماته ونواهيه - لا يريد غير إسعاد البشر والسمو بالعالم إلى المستوى الأعلى الذي يريد الله أن يبلغه الجنس البشري.
الزناة ينبوع لأخطر الأمراض
وكيف يسعد الزناة في دنياهم وهم ينبوع لأخطر الأمراض وأشدها فتكا ًبهم، وأكثرها تغلغلاً في جميع أعضائهم؟!! ولعل الزهري والسيلان من الأمراض التناسلية التي تجعل - وحدها - الزناة شراً مستطيراً يجب اقتلاعه من العالم وخلعه من الأرض.
وكيف تسعد إنسانية فيها مثل هؤلاء الزناة. ينقلون أمراضهم النفسية إلى نسلهم وينقلون مع هذه الأمراض النفسية أمراض الزهري الوراثي؟
بل كيف تسعد عائلة تلد أطفالاً مشوهي الخلق والخلق بسبب الالتهابات التي تصيب الأعضاء التناسلية، والعلل التي تطرأ عليها.
إن المسلم الذي لا يستطيع نكاح الزانية -كما بينا لفساد نفسها وشذوذ عاطفتها - لا يمكن كذلك أن يعيش مع مشركة لا تعتقد اعتقاده، ولا تؤمن إيمانه، ولا ترى في الحياة ما يراه,
لا تحرم ما يحرمه عليه دينه من الفسق والفجور.
ولذلك قال الله تعالى: ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ ولأمةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيرٌ من مشركة ولو أعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمن خيرٌ من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون﴾.
التوبة تجب ما قبلها
فإن تاب كل من الزاني والزانية توبة نصوحا بالاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب، واستأنف كل منهما حياة نظيفة مبرأة من الإثم ومطهرة من الدنس، فإن الله يقبل توبتهما ويدخلهما برحمته في عباده الصالحين: وإلى هذا ذهب الإمام أحمد وابن حزم، ورجحه ابن تيمية وابن القيم.
إلا أن الإمام أحمد ضم إلى التوبة شرطاً آخر، وهو انقضاء العدة. فمتى تزوجها قبل التوبة أو انقضاء عدتها، كان الزواج فاسدا ويفرق بينهما.
وهل عدتها ثلاث حيض، أو حيضة؟ روايتان عنه.
ومذهب الحنفية والشافعية والمالكية أنه يجوز للزاني أن يتزوج الزانية، والزانية لها أن تتزوج الزاني؛ فالزنا لا يمنع عندهم صحة العقد.
قال ابن رشد وسبب اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: ﴿وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا رَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرَمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾
هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟ وهل الإشارة في قوله تعالى: ﴿وحرم ذلك على الْمُؤْمِنِينَ ﴾ إلى الزنا أو النكاح؟
اختلاف حالة الابتداء عن حالة البقاء
ثم إن العلماء قالوا إن المرأة المتزوجة إذا زنت لا ينفسخ النكاح، وكذلك الرجل؛ لأن حالة الابتداء تفارق حالة البقاء. واستحب أحمد مفارقتها، وقال: لا أرى أن يُمسك مثل هذه، فتلك لا تؤمن أن تفسد فراشه، وتلحق به ولداً ليس منه.
زواج الملاعنة
لا يحل للرجل أن يتزوج المرأة التي لا عنها، فإنها محرمة عليه حرمة دائمة بعد اللعان.
يقول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أزواجهم ولم يكن لَهُمْ شُهَدَاء إِلا أَنفُسُهُمْ فشهادة أحدهم أربع شهادات باللهِ إِنَّهُ لَمِن الصادقين، والخامسةُ أَنْ لَعنت الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إِنَّهُ لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقي﴾ (النور: ٦ -٩).
زواج المشركة
اتفق العلماء على أنه لا يحل للمسلم أن يتزوج الوثنية، ولا الزنديقة، ولا المرتدة عن الإسلام، ولا عابدة البقر، ولا المعتقدة لمذهب الإباحية -كالوجودية ونحوها من مذاهب الملاحدة.
ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ولا تنكحوا المشركات حتى يُؤْمِنُ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يُؤْمِنُوا ولعبد مؤمنٌ خَيْرٌ من مشرك ولَوْ أَعْجَبكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه﴾ (البقرة: ٢٣١).
قال في المغني: وسائر الكفار غير أهل الكتاب -كمن عبد ما استحسن من الأصنام والأحجار والشجر والحيوان -فلا خلاف بين أهل العلم في تحريم نسائهم وذبائحهم، قال: والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت.
زواج نساء أهل الكتاب
يحل للمسلم أن يتزوج الحرة من نساء أهل الكتاب؛ لقول الله تعالى: ﴿اليوم أحل لكم الطيبات وطعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابِ من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصين غير مسافحين ولا متخذي أَخدان﴾ (المائدة: ٥).
قال ابن المنذر ولا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك.
کراهة الزواج منهن
والزواج بهن - وان كان جائزاً - إلا أنه مكروه، لأنه لا يؤمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين، أو يتولى أهل دينها.
فإن كانت حربية فالكراهية أشد، لأنه يكثر سواد أهل الحرب.
ويرى بعض العلماء حرمة الزواج من الحربية. فقد سئل ابن عباس عن ذلك فقال: لا تحل، وتلا قول الله عز وجل: ﴿قَاتِلُوا الَّذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعْطُوا الجزية عن يد وهُمْ صَاغِرُونَ﴾ (التوبة: ٢٩) .
قال القرطبي: وسمع بذلك إبراهيم النخعي فأعجبه.
حكمة إباحة التزوج منهن
وإنما أباح الإسلام الزواج منهن ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب وبين الإسلام فإن في الزواج المعاشرة والمخالطة وتقارب الأمر بعضها بعض فتاح الفرص لدراسة الإسلام ومعرفة حقائقه ومبادله ومثله فهو أسلوب من أساليب التقريب العملي بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب ودعاية للهدى ودين الحق. فعلی يبتغي الزواج منهن أن يجعل ذلك غاية من غاياته، وهدفاً من أهدافه.
زواج الصابئة
الصابئون هم قوم بين المجوس، واليهود، والنصارى، وليس لهم دين.
قال مجاهد: وقيل هم فرقة من أهل الكتاب يقرأون الزبور
وعن الحسن: أنهم قوم يعيدون الملائكة، وقال عبد الرحمن بن زيد: هم أهل دين من الأديان، الباطلة كانوا بجزيرة الموصل. يقولون لا إله إلا الله وليس لهم عمل، ولا كتاب، ولا نبي، إلا قول لا إله إلا الله، قال: ولم يؤمنوا برسول، فمن أجل ذلك. كان المشركون يقولون لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء الصابئون، يشبهونهم بهم في قول لا إله إلا الله، ولم يصير هؤلاء مؤمنين مجرد النطق بـ لا إله إلا الله؛ لكفرهم بالنبوة والشرائع المنزلة من عند الله قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبناء على هذا اختلفت أنظار الفقهاء في حكم التزوج منهم .
فمنهم من رأى أنهم أصحاب كتاب دخله التحريف والتبديل، فسوى بينهم وبين اليهود والنصارى، وأنهم بمقتضى هذا يصح الزواج منهم.
وهذا مذهب أبي حنيفة وصاحبيه.
ومنهم من تردد لعدم معرفة حقيقة أمرهم فقالوا: إن وافقوا اليهود والنصارى في أصول الدين من تصديق الرسل والإيمان بالكتب -كانوا منهم وإن خالفوهم في أصول الدين، لم يكونوا منهم، وكان حكمهم حكم عباد الأوثان.
وهذا هو المروي عن الشافعية والحنابلة.
ولا يفهم من قول أصول الدين عند اليهود والنصارى، أن لهم ديناً مقبول عند الله بل المقصود أصول دينهم المحرف من الدين الحق، وحتى إن زعمنا أن الإنجيل والتوراة لم يدخلهما التحريف، فبعد نزول القرآن يجب على كل يهودي ونصراني أن يدع شريعته ويتبع شريعة القرآن لأنها ناسخة لشريعة التوراة والإنجيل.
زواج المسلمة بغير المسلم
أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج غير المسلم، سواء أكان مشركاً أو من أهل الكتاب. ودليل ذلك أن الله تعالى قال: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءَ كُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مهاجرات فامتحنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلَّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحلُونَ لَهُنَّ﴾ ( الممتحنة: ١٠).
وحكمة ذلك أن للرجل حق القوامة على زوجته وأن عليها طاعته فيما يأمرها به من معروف، وفي هذا معنى الولاية والسلطان عليها.
وما كان لكافر أن يكون له سلطان على مسلم أو مسلمة. يقول الله تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً﴾ (النساء: ١٤١)
ثم إن الكافر سواء كان مشركاً أو كتابياً لا يعترف بدين المسلمة؛ بل يكذب بكتابها، ويجحد رسالة نبيها ولا يمكن لبيت أن يستقر ولا الحياة أن تستمر مع هذا الخلاف الواسع والبون الشاسع.
وعلى العكس من ذلك المسلم إذا تزوج بكتابية، فإنه يعترف بدينها، ويجعل الإيمان بكتابها وبنبيها جزءاً لا يتم إيمانه إلا به.
فنحن نؤمن بالكتب المنزلة قبل القرآن إيمانا مجملاً لا إيمانا بتفاصيل الشرائع والأحكام الواردة فيها، عكس القرآن فنحن ملزمين بالإيمان بكل ما ورد فيه من أحكام وعقائد والعمل بها على حسب التكليف أن نعتقد أن الرسل دينهم واحد هو الإسلام، وأصله هو عبادة الله وحده والكفر بكل معبود سواه، أما الاختلاف بين الرسل كان في الشرائع وهي تفاصيل أحكام العبادات من صلاة وصوم إلخ وأحكام المعاملات من بيع وزواج وطلاق إلخ ..
فلذلك لا يصح أن نقول «أديان سماوية» لأن الدين السماوي واحد وهو الإسلام، قال الله تعالى: ﴿إن الدين الله الإسلام﴾ (؛آل عمران: ١٩).
لكن يجوز أن تقول «شرائع سماوية»، والله الهادي.
الزيادة على الأربع
يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في وقت واحد والدليل على ذلك قول الله تعالى: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لَكُم من النساء مثنى وثلاث ورباع فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فواحدة أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذلك أدنى أَلا تَعُولُوا ﴾ (النساء: ٣)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق