أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 23 سبتمبر 2023

الدر المنيف في طلب العلم الشريف الموصل إلى رضا الملك اللطيف تأليف أبو الجمال محمد الطاهر بن الحسن الثاني الكتاني الحسني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الدر المنيف في طلب العلم الشريف 

الموصل إلى رضا الملك اللطيف

تأليف أبو الجمال محمد الطاهر بن الحسن الثاني الكتاني الحسني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: العلماء في كل عصر سادة، والفقهاء منهم قادة، والجلوس إليهم بركة وزيادة، وعالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد، ومن فضل العلم أن قليله ينفع مع العمل، وكثير العمل لا ينفع مع الجهل، وكما قيل: تعلم العلم خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، ورُوي: أن مداد العلماء يفوق في الميزان دماء الشهداء.

وهذا الجزء الحديثي النفيس، جمع فيه الشيخ أبو الجمال الكتاني، ثلاثة وأربعين حديثاً نبوياً في فضل طلب العلم، وفضل أهله، وذلك قتداء بالإمام النووي الذي ضمن أربعينه ثلاثة وأربعين حديثاً بدل الاقتصار على الأربعين. 

ثم ذيل هذا الجزء بخاتمة ذكر فيها أقاويل أئمة السلف وتابعيهم، خاصة المالكية، في فضل العلم والرحلة إليه والاعتناء به، وكيفية تحصيله، والحض عليه، وقد استهلها بتفسير قوله تعالى: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة ٢٦٩].

ويعرض المؤلف مساوئ الجهل وأضراره، وأنه السبب في كل وبال وخبال، وأنه لا عذر لأحد في الجهل إذا لم يتعلم أو يسائل العلماء، مستدلا بقول الله تعالى: ﴿ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء ٧]. 

مقدمة التحقيق 

الحمد لله رب العالمين الذي علم الإنسان ،بالقلم علمه ما لم يكن يعلم والصلاة والسلام على سيدنا محمد المعلم الأكبر"، القائل: "إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه"، وآله ثاني الثقلين، وصحابته وسائط الشريعة.

أما بعد؛ فيسعدني التقديم لكتاب الدر المنيف في فضل طلب العلم الشريف"، للإمام العلامة الخطيب المصلح؛ أبي الجمال محمد الطاهر بن الحسن بن عمر الكتاني الإدريسي الحسني، المتوفى بفاس عام ١٩٣٠/١٣٤٧ رحمه الله تعالى.

جمع المؤلف - رحمه الله - في هذا الكتاب ثلاثة وأربعين حديثاً نبوياً في فضل العلم والعلماء وطلبة العلم، والحض على التعلم والتعليم، وكل ما هو من شأنه.

ثم ذيل الرسالة بخاتمة ذكر فيها أقاويل أئمة السلف وتابعيهم، خاصة المالكية، في فضل العلم والرحلة إليه والاعتناء به. 

ولا شك أن للعلم في الدين الإسلامي مكانة كبرى، ومنزلة سامية، حتى قال الله تعالى في العلماء: ﴿إِنَّمَا تَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ [فاطر/ ٢٨]، فقصر خشيته تعالى على العلماء، ولا شك أن غير العالم - بالمعنى الاصطلاحي – يخشى الله تعالى، ولكن يستفاد من الآية الكريمة أن: 

١- شدة الخشية علامة على العلم بالله تعالى. 

٢- العلم المفيد في القرب من الحق تعالى هو الذي يورث صلة روحية بالله تعالى تفيد الخشية والاتباع والتقوى. 

٣- أن من ثمرات الخشية العلم، فهو سبب في الخشية، وثمرة من ثمارها. 

وهو هنا المصطلح عليه بالعلم اللدني، وقد قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ الله﴾ [البقرة/ ٢٨٢]؛ ولذلك؛ فما زال أئمة الصحابة والتابعين والسلف الصالح يحضون على العلم وترك الجهل والاعتناء بشد الرحلة، حتى ثبت أن بعضهم سافر من بلد إلى بلد من أجل التثبت في حديث أو رواية وألف بعض المعاصرين كتابا سماه: "الحسرات فيمن رحل إلى عالم فوجده قد مات". 

كما نصت السنة المطهرة على مكانة العلم والعلماء؛ حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله إرث النبوة التي أورثها لأتباعه العلم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر". 

ثم اعتنى العلماء بإفراد فصل في كتبهم في الحض على العلم وتعلمه، فقد أفرد الإمام البخاري في صحيحه كتاب العلم، وكذا بقية أصحاب الكتب الستة. 

ثم ألف من تبعهم من الأئمة كتبا خاصة في فضل العلم والتعلم، وروايته وترويته وطريقة وآداب ذلك، ومن أهم تلك الكتب:

١- "العلم" لأبي خيثمة زهير بن حرب الحربي النسائي البغدادي. المتوفى سنة ٢٣٤ هـ. 

2- المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي أبي محمد الحسن الرامهرمزي المتوفى سنة ٣٦٠ هـ.

٣- "فضل العلم"  لأبي نعيم الأصفهاني. المتوفى سنة ٤٣٠ هـ.

٤- "الفقيه والمتفقه" لأبي بكر الخطيب البغدادي. المتوفى سنة ٤٦٣ هـ.

٥- "الجامع لآداب الشيخ والسامع" للخطيب البغدادي كذلك. 

٦ - جامع بيان العلم وفضله" للإمام يوسف ابن عبد البر النمري الأندلسي. المتوفى عام ٤٦٣ هـ. 

وغير ذلك الكثير. حتى نضج التصنيف في القرن الخامس الهجري فما بعده، فأصبح البحث في العلم ووسائله وشروطه وفروعه وبيداغوجيته، فناً قائما بذاته، وباباً أصيلاً لا يخلو منه بحث موسع من بحوث الفقه والأصول والمصطلح.

رسالة"الدر المنيف في فضل طلب العلم الشريف":

  هذا الكتاب هو رسالة للشيخ أبي الجمال محمد الطاهر الكتاني – رحمه الله – قصد فيها جمع أربعين حديثا في فضل طلب العلم الشريف، ونشره وبثه، ثم ذيلها أئمة السلف تابعين وتابعيهم، ثم أعيان المالكية – خاصة – في الحديث عن العلم وفضله، ووجوبه وكيفية تحصيله، والحض عليه. 

والمؤلف - رحمه الله تعالى - قبل ذلك يقدم الرسالة بديباجة من حمد الله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والثناء عليه وعلى آله وأصحابه. 

ثم يعرض المؤلف أهمية العلم وتعليمه ومكانته في الديانة، وأنه كثير الفضائل بنقول عنهم بحيث لا يمكن إحصاؤها، ولا جمعها في طرس واحد. 

ويصف حالة وقته من قلة اعتناء أهله بالعلم والتعلم، بحيث "قد رضوا بالجهل خليلاً، واتخذوه لما تهوى نفوسهم دليلا، فلا عما يعرض لهم من أمر الدين والدنيا يسألون، ولا إلى مجالس العلم لتعلم ما ينفعهم يذهبون... إلخ. 

فأهل زمنه أهملوا علم الدين والدنيا وحتى العلماء – حسب وصفه – جعلوا العلم مطية لمآربهم الشخصية وحاجاتهم الضيقة، ولذلك لا يُستغرب كيف صار العلماء يحكمون في المحاكم بغير ما أنزل الله وكيف أدخلوا أبناءهم زرافات ووحدانًا مدارس النصارى، وهم مفتخرون بهم ومباهون، وسبب وجود أباطرة للعلمانية وحرب الإسلام هم من أبناء علماء كبار.

حتى قال لي أحدهم، ووالده كان من كبار علماء المغرب، متخصصاً في الفقه المقارن ومعدوداً الأفذاذ: لم يسألني والدي قط عن الصلاة هل صليتها أم لا؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

ومن هنا يظهر جليا سبب تأليف الرسالة: 

وهو إيقاظ الناس من سنة الغفلة، وتنبيههم إلى خطر محدق بهم: من  داء عضال وخسران عظيم ووبال، ومصيبة لا تعدلها مصيبة، وريبة في الدين ليس فوقها ريبة"... 

وحسب مقدمة المؤلف. فعمله يقوم في إطار دعوي إصلاحي، يحاول من خلاله إصلاح الوضع القائم، وتنبيه الناس لما فيه صلاح دينهم ودنياهم. 

ثم يعرض المؤلف مساوئ الجهل وأضراره، وأنه السبب في كل وبال وخبال، وأنه لا عذر لأحد في الجهل إذا لم يتعلم أو يسائل العلماء، مستدلا بقول الله تعالى: ﴿ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء / ٧]. 

ثم يستعرض المؤلف - رحمه الله - ثلاثة وأربعين حديثا مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله في الحض على طلب العلم والتعلم، اقتداء بالإمام النووي الذي ضمن أربعينه ثلاثة وأربعين حديثاً بدل الاقتصار على الأربعين. 

وربما كانت الحكمة في ذلك: أن العدد ٤٣ لا يقبل القسمة إلا على نفسه، فهو عدد وتر كامل، وللوتر مغزى في الشريعة الإسلامية كما لا يخفى. 

منهج المؤلف في كتابه الأربعين:

والمؤلف في كل حديث يورده يذكر راويه من الصحابة، ومخرجه من أصحاب الكتب المعتمدة في التخريج معتمداً على قواعد التخريج المتبعة من حيث الترتيب الزمني، وتقديم الكتب الستة على غيرها. 

وقد يتحدث أحياناً عن صحة الحديث وضعفه أو الزيادة إن لم تكن في الرواية المشهورة، وأحياناً يفصل بذكر راوي الحديث من الصحابة واختلاف المصادر في إيراد الحديث من عدة طرق، فيقول في الحديث الخامس مثلا: "عن سيدنا عبد الله بن عمر... رواه الديلمي. ورواه الشيرازي عن أنس وابن عبد البر عن أبي الدرداء"..

 وفي الحديث السادس يبين رتبة الحديث بقوله: رواه أبو نعيم وغيره بإسناد ضعيف".

 والحديث الثامن: رواه الحاكم وغيره بإسناد ضعيف .... وهكذا. 

ويبين لفظ الحديث عند تعدد رواته، ففي الحديث السابع والثلاثين يقول: "رواه الإمام أحمد واللفظ له، وابن حبان والحاكم وصححه.. وغيرهم". فهو أمين في النقل، وفي العزو، أمين في التنبيه لرتبة الحدث. 

كما يميز وبحسب تتبعي لتخريج "أحاديث الدر المنيف"، لاحظت أن المؤلف ضابط في نقل ألفاظ الأحاديث، بحيث يقل جدا الخلاف بينها وبين المصادر المطبوعة. 

ثم بعد ذلك خصص المؤلف - رحمه الله - خاتمة استهلها بتفسير آية: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة ٢٦٩]، ثم استطرد بنقول عن الصحابة وأئمة التابعين في فضل العلم والتعلم، وأنه أفضل من الجهاد في سبيل الله، ويأتي في المقام بعد النبوة.

 ثم يعقب بما ورد عن أئمة العلم في فضل العلم ومكانته، غير مراع لترتيب تاريخي، ولا يمنعه ذلك من توضيح بعض النقول، وتحرير القول بأن طلب العلم خير من الصلاة النافلة لا الفرضية محققاً ذلك على مذهب الشافعية أنفسهم، مما يوحي باطلاعه على المذهب الشافعي، وغيره من المذاهب سوى المالكية، وهو أمر يوحي بموسوعيته وانفتاحه على الآخر. 

ثم يحرر ذلك من مذهب الإمام مالك الذي هو مذهبه. وهكذا يستطرد بأقوال الفقهاء والصوفية، ثم يعرض بعضًا من الأبيات الشعرية الواردة في العلم وفضله، وكأنه يحبب في أسلوب تعليمي تربوي (بيداغوجي) لطيف للقارئ والسامع طلب العلم والاعتناء به والبحث فيه.

وجعل تلك الأبيات الشعرية خاتمة مبحثه ونهاية رسالته التي تمت في سبعة عشر صفحة من القطع العادي.. ومن هنا يظهر الجانب الأدبي للمؤلف رحمه الله تعالى. 

فأسلوب المؤلف إنشائي سردي، بلغة انسيابية متينة، ولطف عبارة، ورزانة أسلوب، كما أنه يكثر من إيراد النصوص والاستشهاد بها، بحيث لا يكاد يظهر كلامه إلا في الديباجة ونهاية الخاتمة مع بعض التحريرات المفيدة، والأبحاث المتعلقة بالموضوع. 

وكتابة المؤلف تنم عن اطلاع واسع على كتب الحديث والسنة، وكتب الفقه والتصوف خاصة مع يد بيضاء، وذهن حاضر عند البحث. 

فالرسالة يحتاجها كل عالم وطالب علم، وهي جديرة بالخطابة بها في الجمع والجوامع، وتحفيظها للصغار والكبار.

وصف المخطوطة 

توجد المخطوطة بالخزانة العلمية الصبيحية بمدينة سلا، ضمن مجموع، وهي نسخة فريدة، إذ لم أقف على نسخة أخرى في جميع ما وقفت عليه فهارس الخزائن المغربية تقع النسخة في سبعة عشر صفحة مكتوبة بخط كوفي مغربي واضح، غير مكتوب اسم الناسخ.

ولم يتيسر لي تصوير الرسالة وعرضها هنا؛ نظرًا لمنع إدارة الخزانة الصبيحية من تصوير المخطوطات مطلقا، فاضطررت إلى نسخها داخل المكتبة، فاقتضى ذلك مني جلستين ما مجموعه نحو ثلاث ساعات، تيسيرًا منه تعالى. 

نسبة المخطوطة للمؤلف:

اسم المؤلف مكتوب في أول صفحة من المخطوط، وفي آخر ورقة ختم باسمه. كما نسبه له العلامة محمد الباقر الكتاني حين ترجمته في (الكواكب الزاهية في أعلام الأسرة الكتانية) مسودة مخطوطة بخط المؤلف، ناسبا له إليه. 

عملي في التحقيق: 

حاولت في تحقيق للكتاب إثراءه بالحواشي والتحقيقات ليكون أسهل للقارئ، وأطوع للباحث والمحقق فكان عملي على النحو التالي:

١. إغناء النص بأدوات الترقيم بحيث يكون شارحا نفسه بنفسه.

٢. عزو الآيات القرآنية إلى مصادرها من القرآن الكريم.

٣. تخريج الأحاديث النبوية.

٤. عزو نصوص الكتاب إلى مصادرها ما أمكن.

٥. ترجمة من ذكر في النص ممن تحتاج معرفته إلى ترجمة.

٦. التعليق على ما استوجب التعليق عليه من مواضع النص.

٧. أثبت في الكتاب ترقيم نسخة الطبعة الحجرية نظراً لأن المصادر تعزو إليها، ووضعت أرقام صفحاتها بين قوسين مربعين تمييزًا.

٨. تقديم الكتاب بدراسة حول موضوعه وتحليل للكتاب، مع ترجمة مقتضبة لمؤلف الكتاب الشيخ محمد الطاهر الكتاني. 

ولا شك أن كتابا في ثراء هذا الكتاب قد أخذ مني جهدا ليس بالقليل، ووقتاً ليس بالقصير مع مراجعة العشرات من الكتب والمجلدات في مختلف فنون المعرفة من فقه وحديث وتصوف، وتراجم.

ترجمة المؤلف

اسمه ونسبه:

هو الإمام العلامة الخطيب المشارك، المحدث الفقيه النظار، الداعية إلى الله تعالى، العارف بالله الناظم الناثر المدرس المحاضر؛ أبو الجمال محمد الطاهر ابن الفقيه العدل الصالح الذاكر أبي محمد الحسن ابن الفقيه العارف بالله، الصالح الذاكر أبي حفص عمر ابن العارف بالله الدال الناصح مولاي الطائع المدعو المسلطن الشريف الكتاني، الإدريسي الحسني. 

نشأته وطلبه العلم:

ولد بفاس في جمادى الأولى عام ١٢٩٩، وأخذ عن والده الشيخ الحسن بن عمر الكتاني، ووالدته الولية الصالحة مريم بنت إدريس الكتانية، وخاله جعفر بن إدريس الكتاني وابن خاله محمد بن جعفر الكتاني، وزوج خالته عبد الكبير بن محمد الكتاني، وابن خالته محمد بن عبد الكبير الكتاني وسلم له القياد، واعتبره شيخ علمه وفتحه، وكان من كبار أصحابه وأحمد بن الطالب ابن سودة المري، وأحمد بن محمد ابن الخياط الزكاري الحسني، وحميد بن محمد بناني النفزي، وعبد الله ابن خضراء السلوي وعبد السلام الهواري... وغيرهم. 

كما تحصل على إجازات من عدة علماء ؛ كمن ذكر عدا والديه، وماء العينين الشنقيطي، وأحمد بن الشمس الشنقيطي؛ في الطريقة القادرية خاصة. وغيرهما. وأدرج عام ١٣٢١ في طبقة العلماء.

وفي نهاية عام ١٣٢١ توفي والده وترك له عائلة كثيرة، فحتم عليه القاضي عبد الله ابن خضراء السلوي الجلوس بمحل والده من سماط العدول، فجلس به على كره، وبقي كرهه يتجدد له كل وقت من صعوبة الزمان وأهله، إلى أن استأنف التدريس بجد ونشاط بعد استعداد ساعد إخوته وفتوتهم حاله كان من كبار علماء وقته فقيها مفتيا مدرسا بجامع القرويين وغيره من مساجد وزوايا فاس متضلعا من علوم الحديث واللغة والأدب والسيرة النبوية، مؤرخا مؤلفا، شاعرا مبدعا كتب في مختلف مواضيع الشعر. 

وكان مبرزا في علم التوثيق ماهرا في الفرائض جيد الفهم سديد النظر، تجمعت فيه أوصاف حميدة، ومآثر عديدة، يقضي جل أوقاته في نشر العلم تدريسا وتأليفاً، وفي العبادة ليلا ونهارا زاهدا في الدنيا ومناصبها وما إليها.

 وظائفه ودعوته إلى الله: 

وكان الناس يحضرون من بعيد لسماع خطبه المنبرية التي كان يلقيها بمسجد المنية بفاس كل جمعة؛ لما اشتملت عليه من الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ولما تضمنته من حملات شعواء على أهل البدع والضلالة. 

كما كان أحد المدرسين الوطنيين الذين درسوا بالمدارس الحرة التي كانت تنافس مدارس الاستعمار من خلال تدريسه بالمدرسة الناصرية التي كانت من أوائل المدارس الحرة بفاس تولى عدة وظائف غير رسمية؛ كالعدالة بسماط عدول فاس، والتدريس بجامعة القرويين، والزاوية الغازية، والخطابة بجامع المنية بها، والإفتاء، كما شارك – رحمه الله في الحركة الوطنية، وكان له الفضل في تكوين جملة من روادها الأوائل، وذلك بالتدريس بالمدرسة الناصرية بفاس التي كانت من أوائل المدارس الحرة بالمغرب بعد الحماية.

كما كان له اعتناء بنشر وتحقيق التراث العلمي؛ فقد نشر بتصحيحه اشتراكا: نبذة من خطب الشيخ أبي مدين الفاسي و "عدة الفرق" للونشريسي. 

كلام الأعلام فيه: 

قال عنه الشيخ محمد الباقر الكتاني: "كان رحمه الله - والفقه - عالما جليلا، وصوفيا نبيلا، مشاركا في الأصلين وكثير من العلوم المتداولة في عصره، مبرزا في علم التوثيق، ماهرا في الفرائض، جيد الفهم سديد النظر، تجمعت فيه أوصاف حميدة، ومآثر عديدة، ترغمك على الاعتراف بأنه من بقايا السلف الصالح القلائل، يقضي جل أوقاته في نشر العلم تدريسا وتأليفا، وفي عبادة ربه ليلا ونهارا... وكان الناس يحضرون من بعيد لسماع خطبه المنبرية التي كان يلقيها بمسجد المنية بفاس كل جمعة لما اشتملت عليه من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولما تضمنته من حملات شعواء على أهل البدع والضلالة، وكان كثير التواضع سالم السريرة، لاهجا بذكر الله تعالى والثناء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأقطاب شريعته معدودا من كبار علماء القرويين والطريقة الكتانية" "وبالجملة... فقد كان آية من آيات الله في الكون". 

وقال عنه عبد السلام ابن سودة في "سل النصال": "العلامة المشارك، المطلع المحدث المدرس الكاتب المقتدر ... ".

وقال عنه الشيخ إدريس بن الماحي القيطوني في معجم المطبوعات المغربية": "الفقيه العلامة المحصل المدرس النفاعة المحدث الخطيب البليغ، المؤلف العدل النزيه...". "كان فقيها عالما مدرسا نفاعة عارفا بالنحو والفقه والحديث والسير والتفسير خيرا دينا هينا لينا صالحا زاهدا ورعا طويل الصمت السمت، كثير الوقار، متواضعا، كريم الأخلاق، مشتغلا بما يعنيه، مقبلا على عبادة ربه، مقلا من الدنيا، جانحا إلى الخير، محبا في أهل الصلاح متمسكا بالسنة، مكبا على التدريس والإفادة، محسنا للتلقين خصوصا للمبتدئين. سهل العبارة، كثير التواضع متحريا في الشهادة".

مؤلفاته: 

وترك ما يدنو من مائة مؤلف في مختلف فنون المعرفة؛ منها:

١- "إتحاف الخليل بشرح حديث جبريل". 

٢-"إتحاف الطالب بما ينفعه من المطالب". 

٣- إذهاب الرسن فيما أسندناه عن والدنا أبي علي الحسن". 

٤-الأجوبة المرضية عن ا الأسئلة الحديثية والفقهية". 

٥-"إرشاد السالك إلى خطبة ألفية ابن مالك". 

٦- "الأزهار الندية في الأحاديث القدسية".

٧- "إسعاف الراغب في شرح إتحاف الطالب". 

٨- إشراق البدر بشرح أسباب الغنى والفقر". 

٩- "الإعلام ببعض شيوخنا الأعلام". 

١٠- الإعلام بحكم من سب النبي عليه السلام". 

١١- الإعلان" بما التقطته من الفوائد الحسان". 

١٢-"البحر الزاخر بمفاخر سيد الأوائل والأواخر". 

١٣- "البدور المتبعة في مناقب الخلفاء الأربعة". 

١٤- "بلوغ الآمال فيما يستمر أجره من الأعمال". 

١٥- "بلوغ الأمنية فيما يتعلق بالنية". 

١٦- بلوغ المرام في التعريف ببعض العلماء الكرام". 

١٧- "بهجة البصر بذكر بعض أعيان القرن الرابع عشر"

١٨- تأليف في تعمير وسماع القرآن من المذياع". 

١٩-"تحرير الكلام فيما يتعلق بالوضوء قبل الطعام". 

٢٠- "تحفة الأخيار بفضل بعض الأذكار". 

٢١- "تحفة الأذكياء بما حدثنا به سيدنا الوالد من كرامات بعض الأولياء". 

٢٢-تحفة أهل الذكاء بفضيلة الدعاء". 

٢٣- "تحفة أهل النظر بقول صاحب المختصر ونزع مأكول أو مشروب أو فرج طلوع الفجر" 

٢٤-"تحفة ذوي الذنوب والأوزار فيما يكون فداء من عذاب النار". 

٢٥- "تحفة ذوي الصفا والوفا في التمتع بذات المصطفى". 

٢٦- "تحفة الصادر والوارد بولادة صاحب الشفاعات في المواقف والمشاهد". 

٢٧-التحفة" المهداة لمن أراد التثبت عند الوفاة". 

٢٨- "تذكرة الغافل في التحذير من الخوض في الباطل". 

٢٩- ترجمة" الإمام مولاي الطيب الكتاني رضي الله عنه". 

٣٠- تقييد" على أوائل القصيدة الهمزية للبوصيري".

٣١ تنبيه الطالب من التحريف فيما يتعلق بشروط التصنيف". 

٣٢- تنوير الفكرة في خصال الفطرة". 

٣٣- الجواهر الثمينة في فضائل المدينة". 

٣٤- "الجواهر الحسان في ذكر أربعين حديثا من كلام سيد ولد عدنان". 

٣٥- الجوهر المكنون في ذكر فرع الحلبي المصون. منظومة في تراجم الفرع الحلبي المنتمي للسيدة فاطمة بنت الإمام أحمد بن عبد الحي الحلبي رضي الله عنهم.

 ٣٦- الجواهر الملمة لما اتفق عليه من أحاديث الأئمة". 

٣٧- حاشية على أوائل صحيح مسلم. 

٣٨-حاشية على أوائل صحيح البخاري. 

٣٩- "ختم شمائل الترمذي.

٤٠- الخطب المنبرية ضمنها ما يدنو من مائة خطبة محررة. في سفر. 

٤١- "الدر النظيم في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم / ٤]. 

٤٢- "الدر الثمين في بذل السلام بين المؤمنين". 

٤٣- الدر المنيف في طلب العلم الشريف وهي أربعون حديثا مخرجة في فضل طلب العلم الشريف مع مقدمة وخاتمة قمنا بتحقيقها وسنعرضها للطباعة قريبا بإذنه تعالى. 

٤٤-- الدرر البهية في ذكر الأمور السبعة المخفية". 

٤٥- الدرر المنتشرة في النهي عن تعظيم يوم العنصرة". 

٤٦- الدرر المنيفة في ذكر شمائله عليه السلام بصلوات منيفة". 

٤٧ - ديوان شعر له رضي الله عنه. 

٤٨- السماعات من الإمام أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني الشهيد 

٤٩- السيف المسلول في الرد على من أنكر القيام بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. 

٥٠- شرح الحكم الكتانية" للشيخ أبي الفيض. 

٥١- شرح خطبة ابن مالك". في سفر كبير. 

٥٢-"شرح المرشد المعين". 

٥٣-- شرح الورد الأحمدي الكتاني. 

٥٤- شفاء الغرام بمولد خاتم الأنبياء وصفوة الرسل الكرام". 

٥٥- "شفاء الصدور بخير الأيام والشهور". 

٥٦- "شموس الحقائق في اللهج بأسماء خيرا الخلائق". 

٥٧- "العقد المنضد بجواهر الاسم المفرد". 

٥٨- الفتح المبين في شرح المرشد المعين على الضروري من علوم الدين". 

٥٩- "فتح الملك الجليل فيما التقطته من الفوائد في مختصر خليل". 

٦٠-فتح المنان في شرح تذكرة الإخوان".

٦١-قصيدة في القبض في الصلاة المفروضة. 

٦٢-- قصيدة في مدح الإمام إدريس الأزهر. رضي الله عنه. 

٦٣- قصيدة في مدح الإمام إدريس الأكبر رضي الله عنه. 

٦٤- قصيدة في مدح الإمام محمد بن عبد الكبير الكتاني الشهيد رضي الله عنه. 

٦٥- قصيدة في نظم أسماء النبي صلى الله عليه وسلم التي في "دلائل الخيرات". 

٦٦- القول الشافي في عقوبة تارك الصلاة الجافي". 

٦٧- "القول المنصور في العمل بالحديث المخالف للمشهور". 

٦٨-كتاب في سيرة الطريقة الأحمدية الكتانية. 

٦٩- كشف الغمة فيما يوجب خصائص هذه الأمة". 

٧٠- "كشف القناع في الرد على أهل الزيغ والابتداع". 

٧١- "كشف اللثام فيما يوجب حسن الختام". 

٧٢- كناشة. ذكر فيها فوائد ووفيات مهمة، بحوزتنا صورة عنها. 

٧٣- كنوز الأسرار في فضل حديث النبي المختار". 

٧٤- الكواكب الدرية في الصلاة على خير البرية". 

٧٥- الكواكب السيارة على شرح ميارة". 

٧٦- مطالع السعادة في اقتران كلمتي الشهادة".ط. 

٧٧- مفتاح الوصول بفضائل المدينة وزيارة الرسول". 

٧٨- "المقاصد المهمة، فيمن قرأت عليه أو أجازني من الأيمة". 

٧٩- "منتهى الأماني في التعريف بالنسب الكتاني". 

٨٠-منتهى الأماني وطريق السعادة، في شرح حديث الشفاعة". 

٨١- المنح القيومية في ختم الآجرومية". 

٨٢- "المواهب الربانية في شرح الحكم العطائية". 

٨٣- "المواهب الرحمانية في الشعبة الكتانية". 

٨٤- "المورد العذب الزلال فيما يصلح القلب وينوره من الأعمال". 

٨٥- "النجم الثاقب فيما تضمنه كتاب الله من مدح النبي العاقب".

٨٦- "نظم الدرر والجواهر في معجزات سيد الأوائل والأواخر". 

٨٧- "نفحات الأسرار العرفانية في شرح الحكم القدسية الكتانية". يعني: "الحكم الإلهية والمحمدية لابن خالته وشيخه الإمام أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني الشهيد رضي الله عنه.

 ٨٨- "النفحات القدسية في ترجيح مقام العبودية". 

٨٩- نيل الابتهاج، بتخريج أحاديث مدخل ابن الحاج".

 تلامذته والآخذون عنه: 

وأخذ عنه جمهرة من أعلام المغرب منهم أخواه عمر وعبد الرحيم ابنا الحسن الكتاني، ونجله النقيب إدريس بن الطاهر الكتاني، ومحمد الباقر بن محمد الكتاني، ومحمد إبراهيم بن أحمد الكتاني، ومحمد المنتصر بالله بن محمد الزمزمي الكتاني، ومحمد بن محمد ابن سودة المري، ومحمد المختار السوسي، وعبد السلام بن عبد القادر ابن سودة المري، وإدريس بن الماحي القيطوني الإدريسي... وغيرهم. 

وفاته:

توفي بمدينة فاس عند أذان الجمعة يوم الجمعة ٢ صفر عام ١٣٤٧، وصلي على شفير قبره بعد عصر اليوم المذكور، ودفن بروضة أولاد بناني خارج باب الفتوح

_____________________________________

خاتمة

ختم الله لنا بالحسنى، وجعلنا من الذين لهم المقر الأسنى: جاء في التفسير في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا﴾ [البقرة ٢٦٩]، أنها: الفقه في دين الله عز وجل. 

وعن الحسن البصري رضي الله عنه قال: باب" من العلم يتعلم الرجل خير له من الدنيا". 

وعنه أيضا قال: "لولا العلم لصار الناس مثل البهائم " 

وعن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لأن أَعْلَمُ بابا من العلم في أمر ونهي؛ أحب إلي من سبعين غزوة في سبيل الله". 

وعنه أيضا: "لأن أجلس ساعة فأفقه؛ أحب إلي من إحياء ليلة القدر".

وعن الحسن البصري: "لا أعلم شيئا أفضل من الجهاد إلا طلب العلم". 

وعن الشافعي: "مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة". 

وعن سالم بن أبي الجعد، قال: اشتراني مولاي بثلاثمائة درهم، فأعتقني، فقلت: بأي حرفة أحترف؟ فاخترتُ العلم على كل حرفة، فلم يمض بي كثير مدة حتى أتاني الخليفة زائرا فلم آذن له.

وعن الزبير بن بكار، قال: كتب إلي بالعراق: عليك بالعلم؛ فإن افتقرت كان لك مالاً، وإن استغنيت كان لك جمالا". 

وقال ابن المبارك: "لا أعرف بعد مقام النبوة أفضل من مقام العلماء". 

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "عليكم بالعلم قبل أن يرفعه الله، ورفعه: موت رواته. فوالذي نفسي بيده؛ ليودن رجال قُتلوا في سبيل الله شهداء أن يبعثهم الله علماء، لما يرون من كراماتهم. وإن أحدا لم يولد عالما، وإنما العلم بالتعلم". 

وقال الأحنف: "كاد العلماء أن يكونوا أرباباً، وكل عز لم يُوَطِّن بالعلم فإلى ذل مصيره". 

وقال الإمام السبكي: مجامع السعادة سبعة أشياء: الدين والعلم والعقل والأدب، وحسن السمت والتودد إلى الناس، ورفع الكلفة عنهم"

 ثم قال: "تظاهرت الآيات والأخبار والآثار وتواترت وتطابقت الدلائل الصريحة وتوافقت على فضيلة العلم والحث على تحصيله والاجتهاد في أسبابه وتعليمه"

وقال ابن العربي: "لا خلاف أن طريق العلم هي طريق إلى الجنة، بل هي أوضح الطرق إليها".

وقال الحطاب في شرحه على "المختصر: "قال النووي في كتاب "التبيان": قال الإمامان الجليلان أبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهما: إن لم يكن العلماء أولياء الله؛ فليس الله من ولي".

وفي ابن يونس عن ابن عبد الحكم قال: "أخبرني ابن وهب، قال: كنت عند مالك جالساً أسائله فرآني أجمع كتبي، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أبادر الصلاة لئلا تفوتني. فقال: ما الذي أنت فيه بدون الذي تذهب إليه إذا صحت منك النية".

قلت: وهذا يدل على أن مذهب الإمام مالك - رضي الله عنه – أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما، خلافا لمن نسب للشافعي تفضيل الصلاة على طلب العلم.

فقد قال الشعراني في العهود: "وأُخِذ علينا العهد العام من رسول الله ﷺ أن ندمن مطالعة كتب العلم وتعليمه للناس ليلا ونهارا، ما عدا العبادات الموقتة، والحوائج الضرورية، ومذهب إمامنا الشافعي - رضي الله عنه – أن طلب العلم على وجه الإخلاص أفضل من صلاة النافلة". 

ومثله له في "المنن"، وزاد: فجعله أفضل من وقوف العبد بين يدي ربه ومناجاته بكلامه، والركوع والسجود بين يديه في حضرة ربه". انتهى. وانظره 

وقال ابن رشد في "البيان": "روي عن مالك أن العناية بالعلم أفضل من الصلاة"، أي: صلاة النافلة. 

وقد نص المحقق ابن زكري في "شرح الحكم"، وتلميذه الشيخ جسوس في "شرح الرسالة على أن الاشتغال بالعلم تعلماً وتعليماً –بعد أداء الواجبات أفضل من الاشتغال بسائر نوافل الخيرات؛ من صوم وصلاة وتسبيح ... وغير ذلك من الطاعات.

وفي "سنن المهتدين للإمام المواق: سئل عز الدين ابن عبد السلام: أقراءة القرآن أفضل أم النظر في العلم؟ فقال: معرفة الأحكام الشرعية أفضل؛ لعموم الحاجة إليها في الفتاوى والأقضية، والولاية العامة والخاصة. ومصلحة القراءة مقصورة على القارئ. وما عمت مصلحته ومست الحاجة والضرورة إليه أفضل مما كانت مصلحته مقصورة على فاعله هـ. ونقله أيضا في "المعيار". ونقل نحوه عن المازري وأبي سعيد بن عبد الرحمن. 

ونقل في "الإبريز عن شيخه أنه قال: "تعظيم العلماء يزيد في الإيمان... ولو علم العامة قدر العلماء عند الله تعالى؛ ما تركوهم يمشون على وجه الأرض، ولتناوب أهل كل حومة العالم الذي فيهم وحملى على أعناقهم". اهـ 

وقد نصوا على أن حضور مجالس العلم من باب الهجرة إلى الله ورسوله، علامات سعادة المرء، ومن معنى مجالسته ، فإن أهلها ورثته، فمجالستهم سر من أسرارهم، ونصيب من علومهم وأنوارهم.

قال الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي، في كتابه "مشاهد الأنوار القدسية": "إن كان فقد شخص النبي ورؤيته، فما فقدت شريعته وسنته. بل أودعها الله تعالى خزائن صدور العلماء الورثة، فإذا قرع السائل بسؤاله تلك الخزائن؛ انفتحت أبوابها، وهي ألسنة العلماء، فأخرجوا إليه ما يحتاج إليه، لا يزيدونه على ما يحمله عقله شيئا، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: خاطبوا الناس على قدر عقولهم". 

وكم من واحد كان في واد القطيعة فصار في حضرة الوصال بسماع آية أو حديث، أو حكاية أو شعر، حتى قال ابن شافع: عليك" بحضور مجالس التذكير: الوعظ والخير ولو كانت الخمر في بيتك ولم تقدر على إزالتها، ولا تقل: ما الفائدة في حضور مجالس الحكمة ولا أقدر على ترك المعصية. بل على الرامي أن يرمي؛ إن لم يأخذ اليوم أخذ غدا، ولعلك أن تلبس لباس التقوى وأنت بالمجلس. وأقل ما تستفيد معرفتك بإساءة نفسك، ومن عرف نفسه لم يفته خير". قلت: وفي الحديث الشريف: "من عرف نفسه عرف ربه".

وفي كتاب "التنبيه والإعلام عن يحيى بن يحيى قال: "دخلنا على مالك في مرضه الذي مات فيه، فسلمنا عليه وكنا مائة وثلاثين رجلا، فأقبل علينا بوجهه، وقال: الحمد لله الذي أضحك وأبكى، والحمد لله الذي أمات وأحيا". 

ثم قال: "أما أن قد جاء أمر الله، ولا بد من لقاء الله. فقلنا: يا أبا عبد الله؛ كيف تجدك؟ قال: أجدني مستبشرا بصحبة أولياء الله وهم أهل العلم وليس شيء أعزّ على الله بعد الأنبياء منهم ومستبشرا بطلبي هذا الأمر؛ لأن كل عمل فرضه الله أو سنه رسوله فقد بينه رسوله ، فقال من لزم الصلاة وحافظ عليها فله كذا وكذا، ومن حج البيت حجة مبرورة فله كذا وكذا، ومن جاهد في سبيل الله فله عند الله كذا وكذا، كل هذا قد ألهمه الله طالب هذا الأمر إلا طالب العلم ومعلمه، فلن يبلغ علم عالم أن يعلم ما لطالب العلم عند الله من الكرامة والثواب..". 

"والله لأحدثنكم بحديث حدثنيه ربيعة، ما حدثتكم به إلى وقتي هذا؛ سمعته يقول: والله الذي لا إله إلا هو؛ لرجل يخطئ في صلاته فلا يدري كيف يُرَقِعُها، فيأتي مستفتيا فأفتيه فيها بالعلم فأحمله على الصواب؛ خير من أن تكون لي الدنيا فأقربها للآخرة". 

"ولأحدثنكم بحديث ما حدثتكم به قبل وقتي هذا والله الذي لا إله إلا هو؛ لست أقول بابا من العلم ولكن أقول لكم شيئا من العلم أسمعه من العالم فيتشابه علي بعضه، فأقول في نفسي: قال لي كذا وكذا، فأذكره وقد أخذت مضجعي، فأبيت متفكرا فيه حتى أصبح، فإذا أصبحت أتيته فسألته. فلهي به خير من حجة مبرورة". 

"وسمعت ابن شهاب -غير مرة يقول: والله الذي لا إله إلا هو؛ لرجل يأتيني مستفسراً عن شيء من دينه، فلا أسرع إليه بالجواب حتى أستفسر، فأحمله على السنة، أحب إلي من مائة غزوة أغزوها في سبيل الله". 

"قال مالك رضي الله عنه: فقلت لكل منهما حين حدثني بحديثه: هذا لكم فكم للطالب؟ فكل قال لي: هيهات؛ انقطع العلم أي من الوصول إلى إدراك ما للطالب عند الله - سبحانه - من الكرامة والثواب والآثار في هذا الباب كثيرة لا حصر لها، ومن رام حصرها؛ رام محالا. 

ولله در القائل:

العلم نور وهدى .. فكـن بـجـدّ طالبه 

 واحرص عليه واعتمد .. من لازم العلم علا 

والقائل: 

تعلم؛ فليس المرء يولد عالمــا ..وليس أخو علم كمن هو جاهل 

وإن كبير القــوم لا علــم عــنده ..صغير إذا التفت عليه المحافل 

 وكل صغير العلم إن كان عالما .. ير إذا ردت إليه المسائل

والقائل: 

العلم زين وتشريف لصاحبه .. أتت إلينا بذا الأنباء والكتب 

والعلم يرفع أقواما بلا حسب ..فكيف من كان ذا علم له حسب؟ 

 فاطلب بعلمك وجه الله محتسبا.. فما سوى العلم فهو اللهو واللعب

 والقائل: 

العلم في الصدر مثل الشمس في الفلك .. والعلم للمرء مثل التاج للملك 

واشدد يديك بحبل العلم معتصما .. فالعلم للقلب مثل الماء للسمك

وليكن هذا آخر الكلام، بحسب الوقت والمقام، ونرجو من الله سبحانه بلوغ المقصود والمرام، بجاه الشفيع المشفّع يوم العرض والقيام. وكان انتهاؤه بعد عشاء يوم الخميس سابع رجب الفرد الحرام، عام ثلاثة وعشرين وثلاثمائة وألف على يد جامعه ومؤلفه عبيد ،ربه، وأسير ذنبه: محمد الطاهر بن الحسن بن عمر الحسني الإدريسي الشهير بالكتاني. أحسن الله عاقبته، وغفر له ولوالديه ولكافة المسلمين بفضله وكرمه... آمین یا رب العالمين. 

انتهيت من نسخه أنا محمد حمزة بن محمد علي بن محمد المنتصر بالله الكتاني في 29 ذي الحجة ،الحرام عام ١٤٢٥ من الخزانة الصبيحية بمدينة سلا بالمغرب، الساعة الخامسة وثمانية عشر دقيقة عصرا. نفعنا الله به.








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق