الشرف المؤبد لآل محمد
يوسف بن إسماعيل النبهاني
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد: من المقرر عند أهل السنة والجماعة محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نحب آل البيت، ونحترمهم، ونتولاهم، ونكرمهم من أجل قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال العلامة عبد العزيز الرشيد - رحمه الله - في التنبيهات السنية: فاحترامهم، ومحبتهم والبرّ بهم من توقيره واحترامه ﷺ، وامتثالاً لما جاء به الكتاب والسنة من الحث على ذلك ..... وقد تكاثرت الأحاديث بالأمر بذلك، والحث عليه.
قال ابن كثير - رحمه الله ـ بعد كلام: ولا ننكر الوصاية بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم، وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، وأشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخراً ووحسباً ونسباً، ولا سيّما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجليّة، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وأهل بيته وذويه.
قال: وأهل البيت هم آل النبي ﷺ، الذين حرمت عليهم الصدقة. كما فسر ذلك راوي الحديث، وهم آل علي وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس، وبنوا الحارث بن عبد المطلب، كما جاء تفسيره في صحيح مسلم، وكذلك أزواج النبي ﷺ، من أهل بيته كما دل عليه سياق آية الأحزاب، كما قرر ذلك الشيخ تقي الدين وابن القيم وغيرهما. اهـ
إذن فوجوب محبة آل بيت رسول الله ﷺ، من عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن من غير غلو فيهم، كما هو حال الرافضة الذين غلو في حب آل البيت . وادعوا زوراً وبهتاناً أنهم يحبوهم ، فغلوا في ذلك الحب، وغلوا في علي وأولاده إلى حد التأله نعوذ بالله من الضلالة بل جعله بعضهم إلها، وبعضهم جعله نبياً، ومن غير تقصير كما هو حال النواصب ، الذين ناصبوا عليا العداء .... إلخ، فأهل السنة بحمد الله وسط بين ذلك
والغرض من هذا الكتاب هو بيان رفعة مكانة أهل البيت على غيرهم من عموم الناس، ومقل في ذلك الأحاديث والآثار الدالة على ذلك، وجعله في ثلاثة مقاصد وخاتمة:
المقصد الأول: وهو الحامل على جمع الكتاب في الكلام على آية {إنما يريد الله}، وحديثى (إني تارك فيكم الثقلين)، و(أهل بيتي أمان لأمتي).
المقصد الثانى: فى الكلام على شرفهم ومزاياهم، وما اختصهم الله به دون من عداهم، فذكر سيرة فاطمة، فعلي، فالحسنين، ثم ما ورد في فضلهما.
المقصد الثالث: في الكلام على ما في حبهم وتوابعه من الفور العظيم، وما في بعضهم وتوابعه من المرتع الوخيم.
الخاتمة: فى بيان فضل الصحابة، وأن محبة آل البيت لا تجدي نفعاً إذا خالطها بغض أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بين فضائل الخلفاء الأربعة، ثم ترجمة موجزة له. وفي هذا المقال ذكرنا ستة مواضيع، بيانها فيما يلي:
التنافس بين العرب والعجم على علوم الدين -والكلام على حديث فارس -والخصائص التي انفرد بها أهل البيت عن بقية المسلمين -ثم موالاة العلماء والأئمة لأهل البيت عليهم السلام -ثم جملة من الآثار والقصص الوادة في محبة أهل البيت -ثم الأخبار الواردة في فضل الصحابة عموماً، والخلفاء الأربعة خصوصاً: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.
التنافس بين العرب والعجم
إذا تصفحنا أخبار علماء الأمة في بعض القرون السالفة نجد من كان منهم من الموالى والأعاجم أكثر عددا ممن كانوا من قريش والعرب، والحكمة في ذلك -والله أعلم -أن أولئك لما رأوا هؤلاء متقدمين عليهم في شرف الحسب والنسب، أرادوا أن يلحقوهم فلم يجدوا وسيلة للحاق بهم غير العلم فجدوا فيه واجتهدوا حتى أدركوا منه بغيتهم، ووصلوا إلى غايتهم، ويزاد على ذلك أن العرب كانوا يشتغلون بالعلم حتى إذا بلغوا منه مبلغاً، ولوا الأعمال وتنافسوا فيها، فلا يتمكنون من ملازمة القراءة والإقراء، وهذا أمر أغلبي وقع في بعض الأعصر، وإلا فأنت على علم من أن الأربعة الأئمة الذين هم قدوة الأمة المحمدية عربيها وعجميها منذ رمنهم إلى الآن وإلى يوم القيامة ثلاثة منهم من العرب مالك والشافعي وأحمد رضى الله عنهم، وواحد من غيرهم وهو أبو حنيفة رضي الله عنه.
وكيفما كان الأمر فهي أمة مرحومة معبودها واحد، ونبيها واحد، فمهما كان من خير في عربها أو عجمها فهو واصل إلى الآخرين، وأي بأس باختلاف الجنس إذا اتحد الدين.
لو كان العلم بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس
فائدة قوله: (لو كان العلم بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس) حمله بعضهم على الإمام الأعظم أبي حنيفة رضى الله عنه. قال المناوي: فيه فضيلة لهم وتنبيه على علو هممهم.
قال في معجم البلدان العرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا فارس وإنما عنى في الحديث أهل خراسان لأنك إذا طلبت مصداقه في فارس لم تجده لا أولا ولا آخرا أو تجد هذه الصفة نفسها في أهل خراسان دخلوا في الإسلام رغبة ومنهم العلماء والنبلاء والمحدثون والمتعبدون، وإذا حررت المحدثين من كل بلد وجدت نصفهم من خراسان وجل رواة الرجال منها. وأما أهل فارس فكفار خمدوا ولم يبق لهم بقية بذكر ولا شرف اهـ.
وأما قوله: (لو كان الإيمان عند الثريا)، وفي رواية: (معلقا بالثريا لتناوله رجال من فارس) فهو محمول على سلمان الفارسي رضي الله عنه كما ذكره سيدي الشيخ الأكبر في الفتوحات وكثير من العلماء.
ومن الخصائص التي انفرد بها أهل البيت عليهم السلام عن بقية المسلمين:
أولاً: تحريم الزكاة عليهم:
فمن خصائصهم رضى الله عنهم تحريم الزكاة عليهم. قال الإمام النووي في شرح مسلم تحرم الزكاة على النبي وعلى آله وهم بنو هاشم وبنو عبــد المطلب، هذا مذهب الشافعي وموافقيه وبه قال بعض المالكية وقال أبو حنيفة ومالك هم بنو هاشم خاصة.
قال القاضي عياض: وقال بعض العلماء هم قريش كلها وقال أصبغ المالكي هم بنو قصى. دليل الشافعي أن رسول الله ﷺ قال: إن بني هاشم ويني عبد المطلب شيء واحد وقسم بينهم سهم ذوي القربى، وأما صدقة التطوع فللشافعي فيها ثلاثة أقوال أصحها أنها تحرم على رسول الله ﷺ وتحل لآله. والثاني تحرم عليه وعليهم. والثالث تحل له ولهم. وأما موالى بنى هاشم وبنى عبد المطلب فهل تحرم عليهم الزكاة فيه وجهان لأصحابنا أصحها تحرم والثاني تحل. وبالتحريم قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين وبعض المالكية، وبالإباحة قال مالك وادعى ابن بطال المالكي أن الخلاف إنما هو فى موالى بني هاشم، وأما موالى غيرهم فتباح لهم بالإجماع وليس كما قال بل الأصح عند أصحابنا تحريمها على موالى بني هاشم ويني عبد المطلب ولا فرق بينهما والله أعلم ا هـ
وعبارة الصبان في الإسعاف قصر مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما تحريمها على بني هاشم، وقال الشافعي وأحمد بتحريمها على بني هاشم وبنى المطلب. وروى عن أبي حنيفة جوارها لبنى هاشم مطلقا وقال أبو يوسف تحل: من بعضهم لبعض، ومذهب أكثر الحنفية والشافعية وأحمد جوار أخذهم صدقة النقل، وهو رواية عن مالك وروى عنه حل أخذ الفرض دون التطوع لان الذل فيه أكثر اهـ.
وفي كشف الغمة قال ابن عباس رضي الله عنهما كان كثيرا ما يقول عن الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وكان أنس رضي الله عنه يقول: أخذ الحسن بن على رضى الله عنهما يوما ثمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله ﷺ: كن كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة، وكان يقول لسبنى هاشم وبنى عبد المطلب: «إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم. وعن أنس كان رسول الله ﷺ يقسم سهم ذوى القربي على بني هاشم وينى المطلب دون بنى نوفل وعبد شمس ويقول: «إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد وقال ابن عباس رضي الله عنهما جاء أبو رافع مولى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن فلانا عاملك على الصدقة دعاني لاكون مساعدا له ويعطينى منها، فقال رسول الل : إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم اهـ. وقال المناوى قوله: «إنما هى أوساخ الناس أى أدنامهم وأقذارهم لأنها تظهر أدرانهم وتزكى أموالهم ونفوسهم، وخُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةٌ تُطَهِّرُهُمْ وَتُرَكِيهِم بِهَا ... [التوبة]، كغسالة الأوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض ومن رحم استثناء فقد أبعد. وقد سأل بعض الآل عمر أو غيره جملا من الصدقة فقال: أتحب أن رجلا بادنا في يوم حر غل ما تحت كذا فشربته؛ فغضب وقال انقول لي هذا؟ قال: إنما هى أوساخ الناس يغسلونها اهـ
وعبارة الصبان في الإسعاف: قصر مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما تحريمها على بني هاشم، وقال الشافعي وأحمد بتحريمها على بني هاشم وبنى المطلب . وروى عن أبي حنيفة جوارها لبنى هاشم مطلقا وقال أبو يوسف تحل: من بعضهم لبعض، ومذهب أكثر الحنفية والشافعية وأحمد جواز أخذهم صدقة النقل، وهو رواية عن مالك وروى عنه حل أخذ الفرض دون التطوع لأن الذل فيه أكثر اهـ. وفي كشف الغمة قال ابن عباس رضي الله عنهما كان كثيرا ما يقول عن الصدقة إنما هى أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، وكان أنس رضي الله عنه يقول: أخذ الحسن بن على رضى الله عنهما يوما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله ﷺ: كخ كخ ارم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة، وكان يقول لسبنى هاشم وبنى عبد المطلب: «إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم أو يغنيكم. وعن أنس كان رسول الله ﷺ يقسم سهم ذوى القربى على بني هاشم وبنى المطلب دون بنى نوفل وعبد شمس ويقول: «إنما بنو هاشم وينو عبد المطلب شيء واحد وقال ابن عباس رضي الله عنهما جاء أبو رافع مولى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إن فلانا عاملك على الصدقة دعاني لاكون مساعدا له ويعطينى منها، فقال رسول الله ﷺ: إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم منهم اهـ. وقال المناوى قوله: «إنما هى أوساخ الناس، أي أدناسهم وأقذارهم لأنها تظهر أدرائهم وتزكى أموالهم ونفوسهم» (خذ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةٌ تُطَهِّرُهُمْ وَتُرَكِيهِم بِهَا …) [التوبة]، كغسالة الأوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض ومن رحم استثناء فقد أبعد. وقد سأل بعض الآل عمر أو غيره جملا من الصدقة فقال: أتحب أن رجلا بادنا في يوم حر غسل ما تحت كذا نشربته، فغضب وقال انقول لي هذا؟ قال: إنما هي أوساخ الناس يغسلونها اهـ
وفي البحر المورود لسيدى الولى الكبير الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه: لما سأل الفضل بن عباس النبي أن يستعمله على الصدقات قال له : (معاذ الله أن أستعملك على غسالة ذنوب الناس، وقد قال بعض أئمة اللغة إن الوسخ يشمل الغائط فما دونه، ولكنه كان يكنى عن القبيح ما أمكن. ثم أعلم يا أخى أن الوسخ يزيد في القبح وينقص بحسب كسب المتصدق فإن كان يرابى ويغش في المعاملة ويأخذ المكس من التجار ويأكل الرشوة فحكمه كالخراج والفيح وإن كان ينصح في المعاملة ولكنه يبيع على من فعل ذلك من الظلمة والقضاة فحكمه كالبول والدم، وقس على ذلك، وأقل المراتب أن يكون كالبصاق اهـ. قال الطيبي لا يقال كيف أباحها بعض أمته ومن كمال إيمان المرء أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه لأنا نقول ما أباحها لهم عزيمة بل اضطرارا، وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال، فعلى الحازم أن يراها كالميتة فمن اضطر غيز باغ ولا عاد فلا إثم عليه. وقوله : ومنها أن حكيم بن حزام رضي الله عنه سأل النبي ﷺ من غنائم حنين فأعطاه مائة من الإبل ثم سأله فأعطاه مائة ثم سأله فأعطاه مائة ثم قال له : ديا حكيم هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فنيه، ومن أجله بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذى يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلي فأخذ حكيم المائة الأولى وترك ما عداها وقال: يا رسول الله والذى بعثك بالحق لا أرزاً أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، وكان كذلك, فكان أبو بكر وعمر رضى الله عنهما يعرضان عليه العطاء فيأبى. رضی الله . عنه قال العارف الشعراني : وقد رأيت مرة شخصا جاء إلى سيدى على الخواص بمال والشيخ رمد وهو جالس يضفر الخوص فقال له سيدى خذ هذه الدراهم
فاستعن بها على نفقة البيت واترك الضفر حتى تبرأ فرده وقال: والله إني كما .. تراني أصفر في هذا الرمد ولا يطيب لي أن أكل من كسبى هذا فكيف أكل من . كسيك أنت. فقال: يا سيدى إن مثلك لا يغش في صنعته فكيف لا تطيب نفسك صنعتك ؟ فقال ثم إن شاء الله تعالى غش ولكن أبيع على صحيح ماء أن تأكل من شيئا لا يرده من؟ وجميع الفقهاء والتجار والزياتين وغيرهم إذا أتاه مكاس أو قاض يشترى منه قط بل يفرح بفلوسه غاية الفرح وإذا أخذنا فلوس الظلمة والمكاسين فنحن سواء لاتحاد العين المتداولة بايديهم فقال يا سيدى هذا شيء ما كان لي بال وتركه وانصرف وهو يقول الله يا أولياء الله ا هـ . من مال وهذا التدقيق من الشيخ رضى الله عنه لا يقتضى منع غيره من قبول الصدقة فإنها مباحة حتى لأهل البيت إن كانت نفلا كما تقدم ما لم يتحقق أنها . حرام وهى مع إباحتها أمر مرغوب عنه إلا للضرورة، وانظر إلى قوله : واليد العليا خير من اليد السفلى تعرف ذلك، فإن قلت قد ثبت تحريم صدقة الفرض على آله وصدقة النفل وإن كانت مباحة لهم على الصحيح إلا أن نفوسهم الشريفة ربما تأباها إلا من يرى لقوة إيمانه ونفاذ بصيرته أن لهم الفضل والمنة عليه بقبول صدقته وقليل ما هم فمن أين يتعيش من لا مال له . منهم. قلت: أما سمعت قوله و مخاطبا لهم : إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم، وفى بدل خمس الخمس الذى هو حقهم في بيت مال المسلمين أدامه الله عامرا ما فيه كفايتهم، وليس القصد إلا ذلك لا أن يكثر مالهم فإن بينهم وبين ذلك سدا حاجزا من قوله : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاه وما أشبهه من الأحاديث الواردة في هذا المعنى. قال الشعراني رضي الله عنه نعمة التقلل من الدنيا أكبر من نعمة الإكثار منها لأنها طريق الأنبياء والأصفياء ولولا أن التقلل أفضل وأكثر أجرا ما قال: اللهم اجعل رزق آل محمد (قوتا والقوت هو الذى لا يفضل منه شيء من الغداء والعشاء فشي اختاره لنفسه وأهل بيته لا أكمل منه ا هـ .
وقد دعا المبغضه وأهل بيته بعكس ذلك فعن على رضي الله عنه : اللهم ارزق من أبغضنى وأهل بيتى كثرة المال والعيال» رواه الديلمي، قال ابن حجر: كفاهم أن يكثر مالهم فيطول حسابهم وأن تكثر عيالهم فتكثر شياطينهم، ولا يشكل هذا بالدعاء لأنس بمثل ذلك؛ لأن ذلك نعمة في حقه يتوصل بها إلى كثير من الأمور المطلوبة بخلافه في حق مبغضهم
ثانياً: كونهم أشرف الناس نسباً وأفضل الخلق حسباً:
فقد ولد صلى الله عليه وسلم في أشرف بيت من بيوت العرب، فهو من أشرف فروع قريش، وهم بنو هاشم، وقريش أشرف قبيلة في العرب، وأزكاها نسباً وأعلاها مكانة.
وقد روي عن العباس رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم من خير فرقهم، وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً، وخيرهم بيتاً» (صحيح، سنن الترمذي: 6/ 7، برقم: 3607)
وهذا الحديث يدل على أن أهل البيت أفضل الناس حسباً ونسباً، وهم تابعون في هذا الفضل والشرف لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثاً: أن الناس أطلقوا عليهم لفظ الأشراف دون غيرهم:
فقد كان يطلق اسم الأشراف في الصدر الأول على كل من كان من أهل البيت، سواء كان علوياً أم جعفريا أم عقيلياً، أم عباسياً، ولهذا تجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحوناً في التراجم بذلك... فلما ولي الفاطميون أرض مصر، قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين فقط، فاستمر ذلك بمصر إلى الآن، وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الألقاب: الشريف ببغداد لقب لكل عباسي، وبمصر لقب لكل علوي ( الحاوي للفتاوي؛ للسيوطي: 2/ 39)
واصطلح الناس -بعد ذلك -على إطلاق لفظ "السيد" على ذرية الحسن والحسين، وهذا في غير الحجاز، وأما في الحجاز فاصطلحوا على تسمية أولاد الحسن "بالشرفاء"، وأولاد الحسين "بالسادة"، وقال ابن حجر المكي: إذا كانت الوصية للأشراف، كانت لذرية الحسن والحسين دون غيرهما (الشرف المؤبد لآل محمد، ص 46).
ثالثاً: استعمال النقباء منهم عليهم:
والأصل في هذه النقابة أنها وضعت منهم عليهم، صيانةً لهم عن أن يتولى عليهم من لا يكافئهم في النسب، ولا يساويهم في الشرف، ويُختار لها أجلُّهم بيتاً وأكثرهم فضلاً، وأجزلهم رأياً، فيراعوا في تنصيبه المصلحة، بحيث تستقيم أمورهم بسياسته، ويلزمه بتقلدها اثنا عشر حقاً:
أحدها: حفظ أنسابهم من داخلٍ فيها وليس منها، أو خارج عنها وهو منها.
والثاني: معرفة أنسابهم وتمييز بطونهم ويثبتهم في ديوانه على التمييز.
والثالث: معرفة من ولد منهم من ذكر أو أنثى فيثبته ومعرفة من مات فيذكره.
والرابع: أن يحملهم على الآداب التي تضاهى شرف أنسابهم وكرم معدنهم؛ لتكون حشمتهم في النفوس موفورة وحرمة رسول الله ﷺ فيهم محفوظة.
والخامس: أن ينزههم عن المكاسب الدنيئة ويمنعهم من المطالب الخبيثة، لا يستقل ولا يستضام منهم أحد.
والسادس: أن يكفهم عن ارتكاب المآثم ويمنعهم من انتهاك المحارم ليكونوا على الدين الذي نصروه أغير وللمنكر الذي أزالوه أنكر فلا ينطلق بذمهم لسان ولا يشنؤهم إنسان.
والسابع: أن يمنعهم من التسلط على العامة لشرفهم والتشطط عليهم لنسبهم فيدعوهم ذلك إلى المقت والبغض ويبعثهم على المناكرة والبعد، وأن يندبهم إلى استعطاف القلوب وتألف النفوس ليكون الميل إليهم أوفى والقلوب لهم أصفى.
والثامن: أن يكون عونا لهم في استيفاء حقوقهم حتى لا يضعفوا عنها وهوناً عليهم في أخذ الحقوق منهم حتى لا يمنعوا أهلها منها ليصيروا بالمعونة لهم منتصفين وبالمعونة عليهم منصفين فإن من عدل السيرة فيهم إنصافهم وانتصافهم.
والتاسع: أن ينوب عنهم في حقوقهم في بيت مال المسلمين.
والعاشر: أن يمنع نساءهم أن يتزوجن إلا من الأكفاء لشرفهن على سائر النساء صيانة لأنسابهن وتعظيما حرمتهن.
والحادي عشر: أن يقوم ذوي الهفوات منهم ويقيل ذا الهيئة منهم عثرته ويغفر بعد الوعظ رلته.
والثاني عشر: أن يراعى وقوفهم بحفظ أصولها وتنمية فروعها ويراعى قسمتها عليهم بحسب الشروط والأوصاف.
ويزاد على ذلك في النقبة العامة خمسة أشياء أخرى:
أحدها: الحكم بينهم فيما تنازعوا فيه.
والثاني: الولاية على أيتامهم فيما ملكوه.
والثالث: إقامة الحدود عليهم فيما ارتكبوه.
والرابع: تزويج الأيامى اللاتى لا يتعين أولياؤهن أو قد تعينوا فعضلوهن.
والخامس: إيقاع الحجر على من عنَّه منهم أو سفه وفكه إذا أفاق ورشد. انتهى ملخصاً من الأحكام السلطانية للإمام الماوردى.
هكذا كانت نقباء الأشراف في الأزمنة السالفة، أما الآن فهم كما ترى لا يجدون طاعة ولا سمعاً ولا يملكون ضراً ولا نفعاً.
رابعاً: طلب إكرام فاسقهم وتوقيره واعتقاد أن ذنبه مغفور:
ومن خصائصهم رضى الله عنهم طلب إكرام فاسقهم وتوقيره واعتقاد أن ذنبه مغفور وأن الله متجاوز عن سيئاته ولا بد ولو بتوفيق الله إياه للتوبة النصوح قبل الموت، قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُظهِرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وقال ﷺ: (يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبت قائمكم وأن يَهْدِي ضالكم وأن يعلم جاهلكم)، وقد تقدم قوله ﷺ: (إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار)، وغيره من الأحاديث الدالة على القطع لهم بالجنة من غير سابقة عذاب فلا حاجة لإعادتها هنا.
وإنما طلب إكرام فاسقهم؛ لأن إكرامه ليس لفسقه وإنما هو لعنصره الطاهر ونسبه الزاهر وهذا موجود في طالحهم كوجوده في صالحهم، وفسق أحدهم لا يخرجه عن بيت النبوة وهم بشر غير معصومين فلا يطرأ بذلك خلل فى نسبهم وإن كان يشين قدرهم الرفيع ويحط بين الصالحين من رتبهم
ومن خصائصهم رضی الله عنهم اتصال نسبهم به يوم القيامة وانتفاعهم به بخلاف سائر الأنساب فإنها تنقطع ولا ينتفع بها كما صرح به حدیث اكل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وحديث ما بال أقوام يقولون إن رحم رسول الله ﷺ لا تنفع يوم القيامة بلى إن رحمى موصولة في الدنيا والآخرة، وإنى أيها الناس فرط لكم على الحوض وقوله تعالى : و ... فلا أَنسَابَ بينهم يو متد...) [المؤمنون] ونحوه مخصوص بغيرهم. ومن خصائصهم رضى الله عنهم أن وجودهم في الأرض أمان لأهلها كما وردت به الأحاديث كقوله : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل
ومن خصائصهم رضی الله عنهم اتصال نسبهم به يوم القيامة وانتفاعهم به بخلاف سائر الأنساب فإنها تنقطع ولا ينتفع بها كما صرح به حدیث اكل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سيبي ونسبي وحديث ما بال أقوام يقولون إن رحم رسول الله ﷺ لا تنفع يوم القيامة بلى إن رحمى موصولة في الدنيا والآخرة، وإنى أيها الناس فرط لكم على الحوض وقوله تعالى : و ... فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُم يو مقد... ﴾ [المؤمنون) ونحوه مخصوص بغيرهم. ومن خصائصهم رضى الله عنهم أن وجودهم في الأرض أمان لأهلها كما وردت به الأحاديث كقوله : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل
* كان للعلماء المجتهدين والأئمة المهتدين فى موالاتهم الحظ الوافر والفخر الزاهر.
فهذا الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان رضى الله عنه، والى إبراهيم بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط رضوان الله عليهم، وأفتى الناس بلزوم وجودهم معه ومع أخيه محمد، وقيل إن سجنه رضى الله عنه كان في الباطن لهذا السبب، وفى الظاهر لامتناعه من القضاء.
وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه والى إبراهيم بن زيد بن على زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم وأفتى الناس بلزوم وجودهم معه، واختفى من أجله عدة سنين، وقيل إن الذى والاه الإمام مالك آخر هو محمد إبراهيم بن عبد الله المحض الذى والاه الإمام أبو حنيفة.
ولا أحفظ عن الإمام الجليل أحمد بن حنبل رضى الله عنه شيئا مخصوصا في ذلك غير أنه مع كمال ورعه ودقة نظره قال بكفر يزيد بن معاوية وجواز لعنه وما ذاك إلا لموالاته لآل مصطفى مع ما ثبت عنده من الدليل.
أما الإمام القرشي ابن عم النبي محمد ابن إدريس الشافعى رضى الله عنه فقد حمل إلى بغداد مكبلا بالقيود بسبب شدة ولائه لآل الرسول ووقع له فى ذلك أمور يطول شرحها بل بلغ معه الحال في محبتهم إلى أن نسبه أهل الزيغ والضلال إلى الرفض حاشاه ثم حاشاه.
فصل
في جملة آثار وقصص فى إكرام السلف الصالح وغيرهم لهم رضی الله منهم
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني كما في الإصابة: قال يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد بن حنين حدثني الحسين بن على، قال: أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه، فقلت: انزل عن منبر أبي، واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر لم يكن لأبي منبر وأخذني فأجلسنى معه أقلب حصى بين يديه، فلما نزل انطلق بي إلى منزله، ثم قال لي لو جعلت تغشانا قال فأتيته يوماً وهو خالٍ بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر فرجعت معه، فلقيني بعد، فقال: لي لم أرك قلت يا أمير المؤمنين إلى جنت وأنت خالٍ بمعاوية، فرجعت مع ابن عمر، فقال: أنت أحق من ابن عمر فإنما أثبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم انتم. قال الحافظ سنده صحيح.
وروى أبو الفرج الأصفهاني: من طريق عبيد الله بن عمر القواريري، قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبان القرشي، قال دخل عبد الله بن حسن بن حسن على عمر بن عبد العزيز وهو حديث السن له وفرة، فرفع مجلسه وأقبل عليه وقضى حوائجه، ثم أخذ عكنة من عكنه فغمزها حتى أوجعه، وقال: أذكرها عندك للشفاعة، فلما خرج لامه قومه وقالوا فعلت هذا بغلام حدث، فقال: إن الثقة حدثني حتى كانى أسمعه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة على يسرني يسرها)، وأنا أعلم أن فاطمة لو كانت حية لسرها ما فعلت باينها، قالوا فما معنى غمزك بطنه وقولك ما قلت، قال: إنه ليس أحد من بني هاشم إلا وله شفاعة، فرجوت أن أكون في شفاعة هذا.
روى عن عبد الله هذا قال أتيت باب عمر بن عبد العزيز في حاجة، فقال لي إذا كانت لك حاجة فأرسل إلى واكتب إلى فإني استحي من الله أن يراك على بابي.
وروي أن الإمام مالكاً ضربه جعفر بن سليمان، ونال منه ما نال، وحمل مغشياً عليه ودخل عليه الناس فأفاق، فقال أشهدكم.
وعن الشيخ زين الدين عبد الرحمن الخلال البغدادي أن بعض أمراء تيمورلنك، أخبره أنه لما مرض مرض الموت اضطرب ذات يوم اضطرابا شديداً، واسود وجهه وتغير لونه، ثم أفاق فذكروا له ذلك، فقال: إن ملائكة العذاب أنوه فجاء رسول الله ﷺ، فقال لهم اذهبوا منه فإنه كان يحب ذريتى ويحسن إليهم، فذهبوا.
وعن شمس الدين محمد بن حسن الخالد، قال: رأى بعض أصحابنا النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ورأى عنده تيمورلنك فقال له وصلت إلى هنا يا عدو الله، فقال له النبي: إليك يا محمد فإنه كان يحب ذريتى.
وحكى العلامة ابن حجر الهيتمي: عن الشقى الفارسي، عن بعض الأئمة أنه كان يبالغ في تعظيم الأشراف فسئل عن سبب تلك المبالغة فقال إن شخصاً من الأشراف يقال له مطير قد مات وكان كثير اللعب واللهو، فتوقف الأستاذ من الصلاة عليه، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ومعه فاطمة الزهراء، فأعرضت عنه فاستعطفها حتى أقبلت عليه وعاتبته، وقالت له: أما يسع جاهنا مطيراً.
وقال المقريزى: حدثنى قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن عبد العزيز البكري البغدادي الحنبلي، قال: رأيت في المنام كأني بمسجد رسول الله وقد انفتح القبر المقدس، وخرج منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس وعليه أكفانه وأشار بيده المقدمة أن تعال، فقمت وجئت حتى دنوت منه، فقال لي: قل للمؤيد يفرج عن عجلان، فانتبهت وصعدت على عادتى إلى مجلس السلطان الملك المؤيد شيخ أحلف له ايماناً، حرجة أتى ما رأيت عجلان قط ولا بيني وبينه معرفة، ثم قصصت عليه رؤياي، فسکت وأقمنا حتى انقضى المجلس، فقام وخرج من مجلسه إلى حركة القلعة ووقف عند مرماة نشاب استجدها، ثم استدعى الشريف عجلان الحسيني أمير المدينة من سجنه وأفرج عنه.
قال: واتفق أن الشريف سرداح بن مقبل الحسنى قبض على أبيه مقبل أمير ينبع فى سنة خمس وعشرين وثمانمائة وأقيم عوضه في إمرة ينبع ابن أخيه عقيلاً
وحمل حتى سجن بالإسكندرية ومات في سجنه وكحل ابنه سرداح هذا حتى دماغه ونتن وأقام خارج القاهرة مدة وهو أعمى ثم مضى إلى المدينة ووقف تجاه قبر جده المصطفى وشكا ما به ويكى ودعا الله تعالى ثم انصرف وبات تلك الليلة فرأى في منامه رسول الله ﷺ وقد مسح بيه المقدسة على عينيه، فانتبه وقد رد الله عليه بصره، فاشتهر خبره عند أهل المدينة، وأقام عندهم مدة ثم عاد إلى القاهرة، فبلغ السلطان الملك الأشرف برسباى قدومه وأنه يبصر، فقبض عليه وطلب المزينين الذين كحلاء وضربهما ضرباً مبرحاً، فأقاما عنده بينة يرتضيها من أتباعه، بأنهم شاهدوا الميل وقد أحمى بالنار، ثم كحل به سرداخ فسالت حدقتاه بحضورهم فكف عنهما، وكذلك أخبر أهل المدينة أنهم شاهدوا سرداحاً وهو ذاهب الحدقتين، ثم أنه أصبح عندهم وقد أبصر بعد عماء وقص عليهم رؤياه فأفرج عنه حتى مات بالطاعون سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
* ونقل الشيخ العدوى في مشارق أنواره: عن ابن الجورى فى كتابه الملتقط، أنه كان رجل يبلغ من العلويين نازلاً بها، وكان له زوجة وبنات فتوفي الرجل، قالت المرأة فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفا من شماتة الأعداء فوصلت في شدة البرد، فأدخلت البنات مسجداً، ومضيت لاحتال لهن فى القوت فرأيت الناس مجتمعين على شيخ، فسألت عنه فقالوا هذا شيخ البلد، فتقدمت إليه وشرحت حالي له، فقال: أقيمى عندى البينة أنك علوية، ولم يلتفت إلى فعدت إلى المسجد فرأيت في طريقي شيخاً جالساً على دكة وحوله جماعة، فقلت: من هذا؟ فقالوا: ضامن البلد وهو مجوسي، فقلت: عسى أن يكون عنده فرج، فتقدمت إليه وحدثته حديثي، وما جرى لى مع شيخ البلد، وأن بناتى فى المسجد ما لهن شيء يقتتن به، فصاح بخادم له فخرج، فقال: قل لسيدتك تلبس ثيابها فدخل وخرجت ومعها جوار، فقال لها: اذهبي مع هذه إلى المسجد الفلاني، واحملي بناتها إلى الدار فجاءت معى وحملت بناتی إلى الدار وقد أفرد لنا دارا فى بيته وأدخلنا الحمام وكسانا ثياباً فاخرة وأرغد علينا بألوان الأطعمة.
فلما كان نصف الليل رأى شيخ البلد كأن القيامة قد قامت وأن اللواء على رأس محمد: فأعرض عنه، فقال يا رسول الله ﷺ تعرض عنى وأنا رجل مسلم، فقال: له أقم البيئة عندى أنك مسلم، فتحير الرجل، فقال رسول الله ﷺ نسيت ما قلت للعلوية وهذا القصر للشيخ الذى هى في داره الآن، فانتبه الرجل وهو يبكى ويلطم وبعث علمائه فى البلد، وخرج هو بنفسه يدور على العلوية، فأخبر أنها في دار المجوسى، فجاء إليه، فقال: أين العلوية فقال عندى، فقال: إني أريدها، قال: ما إلى هذا سبيل، قال هذه ألف دينار وتسلمها إلي، فقال: لا والله ولا بمائة ألف دينار، فلما ألح عليه قال له المنام الذى أنت رأيته أنا أيضاً، رأيته والقصر الذي رأيته لى حق وأنت تتعزز على بإسلامك، والله ما دخلت بيتنا إلا وقد أسلمنا كلنا على يديها عادت بركاتها علينا. ورأيت رسول الله ﷺ فقال لي هذا القصر لك ولأهلك بما فعلت مع العلوية وأنت من أهل الجنة
* وحدث سيدى عبد الوهاب الشعراني، قال: أخبر السيد الشريف بزاوية الحطاب رحمه الله تعالى، قال: ضرب كاشف البحيرة شريفاً، فرأت رسول الله تلك الليلة في منامه وهو يعرض عنه، فقال يا رسول الله ﷺ: ما ذنبي قال تضربنى وأنا شفيعك يوم القيامة، فقال يا رسول الله ما أتذكر أني ضربتك، فقال أما ضربت ولدى فقال نعم، فقال ما وقعت ضربتك إلا على ذراعى هذا، ثم أخرج ذراعه متورماً كخلايه النحل نسأل الله العافية.
وقال المقريزى: حدثني الرئيس شمس الدين محمد بن عبد الله العمري، قال: سرت يوماً في خدمة القاضي جمال الدين محمود العجمى محتسب القاهرة من منزله، حتى جاء إلى بيت الشريف عبد الرحمن الطباطبي المؤذن، ومعه نوابه وأتباعه، فاستأذن عليه فخرج من منزله وعظم عليه مجىء المحتسب إليه وأدخله منزله، فدخلنا معه وجلسنا بين يديه على مراتبنا فلما اطمان به الجلوس قال للشريف: يا سید حاللنى، قال: لم أحالك يا مولانا؟ قال: لما صعدت البارحة إلى القلعة، وجلست بين يدى مولانا السلطان الملك الظاهر برقوق فجئت أنت وجلست فوقي في المجلس، قلت في نفسي: كيف يجلس هذا فوقى بحضرة السلطان، ثم لما قمنا وكان الليل ونمت، رأيت رسول الله ﷺ، قال لى: يا محمود تأنف أن تجلس تحت ولدي، فبكى عند ذلك الشريف عبد الرحمن، وقال: يا مولانا، ومن أنا حتى يذكرني رسول الله ﷺ؟ فبكى الجماعة وسألوه الدعاء وانصرفنا.
وعن سيدى محمد الفارسي: أنه قال كنت أبغض أشراف المدينة بنى حسين؛ لأنه كان يرى منهم ما يخالف ظاهره السنة، فقال لى النبي ﷺ مناماً: يا فلان باسمي، ما لى أراك تبغض أولادى، قلت حاشا لله ما أكرههم يا رسول الله ﷺ،وإنما كرهت ما رأيت من فعلهم، فقال لى: مسألة فقهية أليس الولد العاق يلحق بالنسب، قلت: بلى يا رسول الله، قال هذا ولد عاق فلما انتبهت صرت لا ألقى منهم: أحداً إلا بالغت في إكرامه، وقد تقدمت هذه القصة في خصائصهم.
قال ابن حجر الهيتمي: قال تعالى لنبيه في عشيرته: {فإنْ عَصَوكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء]، ولم يقل إنى بريء منكم مراعاة لحق القرابة ولحمة النسب.
قلت: وحدثني أحد الأجلاء، قال: كان أمير من أمراء العراق شديد المحبة للأشراف، كثير التعظيم والإجلال لهم، فكان إذا حضر أحدهم في مجلسه لا يجلسه إلا في الصدر، وإن كان هناك من هو أكثر منه مالاً وأعظم جاهاً من أبناء الدنيا، فدخل عليه مرة شريف وفى المجلس عالم ذو منزلة، فلم يسع الشريف إلا الجلوس فوقه لاستحقاقه، وعلمه بأن ذلك يرضى الأمير، فظهرت الكراهية في وجه العالم، وتكلم بما لا ينبغي، فأعرض الأمير عن حديثه، وانتقل إلى حديث آخر، ثم بعد أن تنوس هذا الأمر سأله عن ولد له يطلب العلم، فأجابه بأنه ما زال يحفظ المتون ويقرأ الدروس، وأنه علمه كذا وقرأ له كذا، ورتب له درساً في الصباح وآخر في وقت آخر، وأخذ يخبره بأحواله، فقال له: هلا رتبت له نسباً، وعلمته شرفاً، حتى يكون من أولاد النبي ﷺ، فقال وقد غفل عما اقترفه: هذا لا يكون بالترتيب والتعليم، وإنما هو بسابق عناية لا مدخل للكسب فيها، فصاح به الأمير: إذا كنت تعلم هذا يا خبيث، فلماذا أنفت من جلوس الشريف فوقك، والله لا تطأ مجلسى أبداً، ثم أمر بطرده فطرد.
الخاتمة
في بيان فضل الصحابة
وأن محبة آل البيت لا تجد نفعاً إذا خالطها بغض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن أصحابه قد صحبوه في السراء والضراء • ولازموه في الشدة والرخاء • وفدوه بالأموال والأرواح * وجالدوا أمامه بالسيوف والرماح * ووالوا من والاه وعادوا من عاداه ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم • وكانوا يحبون الخير الأقارب رسول الله ﷺ أكثر من أقارب أنفسهم • هذا سيدهم أبو بكر الصديق رضى الله عنه لما أسلم أبوه يوم الفتح وهناه رسول الله بذلك، قال: والله لإسلام أبي طالب كان أحب إلى من إسلامه، وما ذاك إلا لأني أعلم أنه أحب إليك يا رسول الله • وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أسلم العباس عم النبي ﷺ قال والله لإسلامه أحب إلى من إسلام الخطاب لأنه أحب إلى رسول الله ﷺ • وقد نال المهاجرين منهم في ابتداء الإسلام من معاداة قريش وأذاهم لهم وتعذيبهم إياهم بأنواع العذاب ما لا تثبت له الجبال والرواسخ • وهم مع ذلك لا يبغون بدين الله بدلاً ولا يصدهم عن محبة رسوله صاد .
ولا تنسى الأنصار، رحم الله الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، فقد واسوه والمهاجرين من أصحابه بأموالهم وفدوه بنفوسهم حتى ظهر أمر الله • وانظر رحمك الله إلى جواب سيدهم سعد بن معاذ حين قال قبيل وقعة بدر أشيروا على فاجابه من المهاجرين أبو بكر وعمر والمقداد رضى الله عنهم فأحسنوا، فلم يقنع باجوبتهم وكرر قوله أشيروا على ثلاث مرات، فقال سعد رضي الله عنه: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: أجل قال قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهوداً ومواثيق على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما شئت وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت وما أمرت به من أمر فأمرنا تبع أمرك فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى عدونا إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر على بركة الله فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك وخلفك، ولا نكونن كالذين قالوا لموسى {اذهب أنت وربك فقائلا إنا ههنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون.
وهذه في الحقيقة صفات الصحابة عموماً المهاجرين والأنصار رضى الله عنهم أجمعين.
تنبيه: قال الفخر الرازى قوله تعالى: (إلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فيه منصب عظيم للصحابة رضوان الله عليهم لأنه تعالى قال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) [الواقعة] فكل من أطاع الله كان مقرباً عند الله تعالى فدخل تحت قوله: (إلا المودة في القربي )، والحاصل أن هذه الآية تدل على وجوب حب آل رسول الله وحب أصحابه، وهذا المنصب لا يسلم إلى على قول أصحابنا أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة.
قال ﷺ: (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا). وقال: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتهم)، ونحن الآن في بحر التكليف وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات وراكب البحر يحتاج إلى أمرين أحدهما السفينة الخالية من العيوب والثقوب، والثاني الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب كان رجاء السلامة غالباً، فلذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد، ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة، فرجوا من الله أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة اهـ.
فمن فضائلهم رضوان الله عليهم بوجه العموم قوله ﷺ: (احفظوني في أصحابي وأصهاري فمن حفظتى فيهم حفظه الله في الدنيا والآخرة ومن لم يحفظني فيهسم تخلى الله عنه، ومن تخلى الله عنه أوشك أن يأخذه). وقال ﷺ: (أكرموا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
فائدة نفيسة:
نقل الحافظ السيوطي عن الإمام السبكي رحمهما الله تعالى أن الخطاب في الحديث لمن أسلم بعد الفتح، وقوله أصحابي المراد بهم من أسلم قبل الفتح، قال ويرشد إليه قوله ﷺ: (لو أن أحدكم أنفق ... إلخ)، مع قوله تعالى : {و ... لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتِلُوا…} [الحديد]، فالحديث على هذا في حق المتقدمين قبل الفتح ويدخل من بعدهم في حكمهم، فإنهم بالنسبة إلى من بعدهم كالذين من قبلهم بالنسبة إليهم.
قال -يعنى السبكي: وسمعت شيخنا الشيخ تاج الدين بن عطاء الله يذكر في مجلسه في الوعظ تأويلا آخر يقول إن النبي ﷺ له تجليات يرى فيها من بعده فيكون الكلام منه في تلك التجليات خطابا لمن بعده في حق الصحابة الذين قبل الفتح وبعده اهـ.
وقال ﷺ: (إن الله اختارني واختار لى أصحابي وجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلاً) رواه الطبراني وقوله (صرفا ولا عدلا) أى فرضا ولا نفلا وعن ابن عمر قال: لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره، وقال ﷺ: (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن أحبهم فبحبى أحبهم ومن أبغضهم فببغضى أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه).
وعن جابر سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن الناس يكثرون وأصحابي يقلون فلا تسبوهم، لعن الله من سبهم). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من شتم الأنبياء ثم أصحابي ثم المسلمين). وقال ﷺ: (إذا أراد الله برجل من أمتى خيرا ألقي حب أصحابي في قلبه). وقال ﷺ: (إذا رأيتم الذين يسبون أصحابي فقولوا لعنة الله على شركم).
وقال ﷺ: (إن شرار أمتى أجروهم على صحابتی). وقال ﷺ: (سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدى فأوحى إلى يا محمد إن أصحابك عندى بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضواً من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه فهو عندى على هدى). وقال ﷺ: (شفاعتي مباحة إلا لمن سب أصحابي). وقال ﷺ: (ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا بعث قائدا ونورا لهم يوم القيامة). وقال ﷺ: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا).
قال العلقمي: هذا علم من أعلام النبوة معلم به وأمرنا أن نمسك عنما شجر بين الصحابة أى وجوبا وما وقع بينهم من الحروب والمنازعات التي قتل بسببها كثير منهم فتلك دماء ظهر الله منها أيدينا فلا تلوث بها الستنا ونرى الكل مأجورين في ذلك؛ لأنه صدر منهم باجتهاد والمجتهد فى مسألة ظنية مأجور ولو أخطأ.
وقال المناوي في شرح قوله ﷺ: (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدى ... إلخ) وخص الوعيد بالبعدية لما اطلع عليه مما سيكون بعده من ظهور البدع وإيذاء بعضهم رعما منهم الحب لبعض آخر، وهذا من باهر معجزاته. وقد كان في حياته حريصا على حفظهم والشفقة عليهم.
أخرج البيهقي عن ابن مسعود قال خرج علينا رسول الله ﷺ فقال: (ألا لا يبلغني أحد منكم على أحد من أصحابي شيئًا فإنى أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر)، قال وإن ملحدا تعرض إليهم وكفر نعمة قد أنعم الله بها عليهم فجهل منه وحرمان وسوء فهم وقلة إيمان إذ لو لحقهم نقص لم يبق في الدين ساق قائمة لأنهم النقلة إلينا، فإذا جرح النقلة دخل الطعن في الآيات والأحاديث، وبذلك ذهاب الأنام وخراب الإسلام إذ لا وحى بعند المصطفى وعدالة المبلغ شرط الصحة التبليغ ا هـ .
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في كتابه أسنى المطالب فى صلة الأقارب: يلزم المسلم أن يتأدب مع صحابة رسول الله ﷺ وأهل بيته بالترضى عنهم ومعرفة فضلهم وحقهم والإمساك عما شجر بينهم مع نزاهة كل منهم عن ارتكابه شيئا يعتقد حرمته، بل كل منهم مجتهد فهم مجتهدون مثابون المحق منهم بعشرة أجور المخطئ بأجر واحد، والعقاب واللوم والنقص مرفوع عن جميعهم، ففطن لذلك وإلا زلت قدمك وحق هلاكك وندمك اهـ.
وقال العلامة اللقاني في شرح جوهرته الكبير: وسبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام: قسم ظهر له بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة الإمام العادل في قتال البغاة في اعتقاده، وقسم عكسه سواء بسواء، وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها فلم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر استحقاقه لذلك، وبالجملة فكلهم معذورون مأجورون، ولهذا اتفق أهل الحق ومن يعتد به فى الجماع على قبول شهادتهم ورواياتهم وتحقق عدالتهم اهـ
وقال العلامة السعد: والذي اتفق عليه أهل الحق أن المصيب في جميع ذلك على رضى الله عنه والتحقيق أنهم كلهم عدول متأولون في تلك الحروب وغيرها من المخاصمات والمنازعات لم يخرج شيء منها أو أحدا منهم عن عدالته إذ هم من مجتهدون اهـ.
تنبيه:
اطلعت للحافظ السيوطى على رسالة سماها إلقام الحجر لمن زكي ساب أبي بكر وعمر نقل فيها الاتفاق على فسق ساب مطلق الصحابة إذا لم يستحل ذلك، وإذا استحله فهو كافر؛ لأن أدنى مراتبه أنه محرم وفسق واستحلال الحرام كفر؛ إذا كان تحريمه معلوما من الدين بالضرورة، وتحريم سب الصحابة كذلك.
قال: وهو من الكبائر لأن الكبيرة مع ما صححه المتأخرون كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة. وممن صحح ذلك ابن السبكي في جمع الجوامع، كذلك وما أجراً فاصله على الله ورسوله وأقل اكتراثه بالدين أظن الخبيث لعنه الله أن مثل هؤلاء يستحق السب وهو مبرأ تقى نقى مستأهل للمدح والثناء كلا والله بفيه الحجر بل إذا ظن أنهم يستحقون السب اعتقدنا أنه يستحق الحرق وسبهم وزيادة اهـ.
وقال المناوي في شرح قوله : من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، هذا شامل لمن لابس القتل لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون، فسبهم كبيرة ونسبتهم إلى الضلال أو الكفر كفر ا.هـ.
وقال القاضي عياض في الشفاء سب الصحابة وتنقيصهم حرام ملعون فاعله. قال: وقال مالك: من قال أن أحدا منهم على ضلال قتل، ومن شتمهم بغير هذا نكل نكال: من شديدا اهـ
هذا فى مطلق الصحابة، وأما سب أحد الشيخين أبي بكر وعمر أو أحدا الختنين عثمان وعلى فيعلم حكمه مما نقله السيوطى فى رسالته المذكورة عن الإمام السبكي حيث قال: ورأيت الشيخ تقى الدين السبكي صنف كتاباً سماء خيرة الإيمان الجلى لأبي بكر وعمر وعثمان وعلى بسبب رافضي وقف في الملا وسب الشيخين وعثمان وجماعة من الصحابة فاستتيب فلم يتب فحكم المالكي بقتله وصوبه السبكي فيما فعل وألف في تصويبه الكتاب المذكور، وذكر فيه عن القاضي حسين من أصحابنا وجهين فيمن سب أحد الشيخين أو الحتنين يكفر إن لم يستحل لأن الأمة أجمعت على إمامتهم. والثانى يفسق ولا يكفر، ثم نقل عن الحنفية نقولا كثيرة بعضها بالتكفير وبعضها بالتضليل ثم مال السبكي إلى تصحيح التكفير المأخذ ذكرها ثم نقل عن المالكية والحنابلة نقولا كذلك اهـ.
ولتكتف بهذا هنا ونذكر شيئا من فضائل الخلفاء الراشدين الأربعة رضوان الاتفاق الله عليهم وترتبهم بحسب الاستحقق.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه:
قال تعالى: (إلا تنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا قَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْقَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِيه لا تحزن إن الله معنا فَأَنزَلَ اللهُ سكينته عليه ...) [التوبة]. قال المفسرون الصاحب هو أبو بكر وهو المنزل عليه السكينة؛ لأن النبي ﷺ ما والت عليه السكينة. قال الحسن البصرى رضى الله عنه: عاتب الله تعالى جميع أهل الأرض غير أبي بكر فقال: (إلا) تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله) الآية.
وقال تعالى: (وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتركى وما لأحدٍ عِندَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجرى إلا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّه الأعلى ولسوف يرضى) [الليل] نزلت في أبي بكر رضى الله عنه كما في التفاسير، وعنه رضى الله عنه قال قلت للنبي وأنا في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدمه لأبصرنا. قال: (ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) أخرجه البخارى ومسلم.
وأخرجا عن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله أى الناس أحب إليك. قال: «عائشة». فقلت من الرجال.. قال: «أبوها». قال قلت: ثم من قال عمر بن الخطاب إن الله تعالى يكره فوق السماء أن يخطأ أبو بكر الصديق في الأرض.
وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: قال رسول الله في مرضه: ادعى لى أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بکر رواه مسلم.
وعن أبي موسى الاشعرى رضى الله عنه قال: مرض النبي ﷺ فاشتد مرضه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق القلب إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، فقال: مرى أبا بكر فليصل بالناس فعادت فقال: مرى أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف فأتاه الرسول فصلى بالناس في حياة رسول الله ﷺ أخرجه البخاري ومسلم.
وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله ﷺ: «أتاني جبریل آنفا فقلت يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب فقال يا محمد لو حدثتك بفضائل عمر منذ ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتى».
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله. رواه الترمذي وقال صحيح.
وعنه قال: قال رسول الله ﷺ: (ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه إلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعنى مال أحد قط ما نفعنى مال أبي بكر، وقال: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت وواساني بنفسه وماله) رواه البخاري
وعن على رضى الله عنه أنه قال: أيها الناس أخبروني من هو أشجع الناس؟ قالوا: أنت قال إنى ما بارزت أحد إلا انتصفت منبه، ولكن أخبروني بأشجع الناس؟ قالوا: لا تعلم فمن قال أبا بكر أنه لما كانوا يوم بدر جعلنا لرسول الله عريشا فقلنا من يكون مع رسول الله ﷺ لثلا يهوى إليه أحد من المشركين فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله ﷺ لا يهوى إليه أحمد إلا أهوى إليه، فلهذا كان أشجع الناس ذكره السيوطي في الرسالة المذكورة.
وفيها وفى أسنى المطالب لابن حجر المكي: أخرج البزار وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن على كرم الله وجهه أنه قال: أيها الناس أخبروني بأشجع الناس قالوا لا نعلم فمن قال أبو بكر، لقد رأيت رسول الله ﷺ وقد أخذته قريش فهذا يجؤه وهذا يتله وهم يقولون أنت الذى جعلت الآلهة إلها واحدا. قال: فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويجأ هذا ويتلثل هذا. وهو يقول: ويلكم أنقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ثم رفع على بردة كانت عليه، فبكى حتى الخضلت لحيته. قال: أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني فوالله لساعة من أبي بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.
وأخرج البزار عن أسيد بن صفوان قال: لما توفى أبو بكر سجى بثوب فارتجت المدينة بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض رسول الله ﷺ، وجاء على كرم وجهه مسرعا مسترجعا وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذى فيه أبو بكر فقال: رحمك الله أبا بكر كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشدهم يقينا وأخوفهم الله وأعظمهم عناء وأحفظهم على رسول الله وأحدهم على الإسلام وآمنهم على الصحابة وأحسنهم صحبة وأفضلهم مناقب وأكثرهم سوابق وأرفعهم درجة وأقربهم من رسول الله ﷺ وأشبههم به هديا وخلقا وسنا وأوثقهم عنده وأشرفهم منزلة وأكرمهم عليه فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله ﷺ وعن المسلمين خيرا.
عمر الفاروق رضى الله عنه
أخرج الترمذى عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله ﷺ: لو كان بعدى نبي لكان عمر بن الخطاب، وروى عن ابن عمر أن رسول ﷺ قال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، قال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط فقالوا له. وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر.
وعن ابن عباس لما أسلم عمر نزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر. رواه ابن ماجه.
وعنه قال: لما أسلم ع قال المشركون قد انتصف القوم اليوم منا. وأنزل الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِي حَسبُكَ اللهُ وَمَنِ الْبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال]. وعن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: هذا غلق الفتنة وأشار بيده إلى عمر لا يزال الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم» رواه البزار.
وقال ﷺ: إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلاخر لوجهه. وقال ﷺ: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر، وقال ﷺ: عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة». وقال ﷺ: قال لي جبريل ليبك الإسلام على موت عمر».
وروى الترمذي عن جابر بن عبد الله أن قال لأبي بكر: أخير الناس بعد رسول الله ﷺ، فقال له: أما إنك إن قلت ذلك فلقد سمعته يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمره. وقال ﷺ: (ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر).
وعن على كرم الله وجهه قال كنا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر عمر رواه غير واحد، وعن أسماء بنت عميس قالت دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو يشتكي في مرضه فقال له أتستخلف علينا عمر وقد عنا علينا ولا سلطان له فكيف لو ملكنا كان أعتى وأعتى فكيف تقول الله إذا لقيته؛ فقال أبو بكر: أجلسوني فلما أجلسوء قال: أبالله تعرفونى فإنى أقول إذا لقيته استخلفت عليهم.
وقال معاوية لصعصعة بن صوحان صف لي عمر بن الخطاب، قال كان عالما برعيته عادلا في نفسه قليل الكبر قبولا للعذر سهل الحجاب مفتوح الباب متحرى الصواب بعيدا من الإساءة رفيقا بالضعيف غير صخاب كثير الصمت بعيدا من العبث.
وفى طبقات ابن السبكي عن أبي بكرة رضي الله عنه قال وقف أعرابي على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا عمر الخير جزيت الجنة * اكس بنياتى وأمهنه * أقسم بالله لتفعلنه * فقال عمر: وإن لم أفعل يكون ماذا؟ فقال الأعرابي : إذا أبا حفص لأمضينه * قال : فإن مضيت يكون ماذا؟ قال والله لتسألنه * يوم يكون الأعطيات ثنه * أى ثمة أبدل الميم نونا وهي لغة. والواقف المسئول بينهنه. إما إلى نار وإما جنة. فبكى عمر حتى اخضلت لحيته وقال لغلامه يا غلام اعطه قميصى هذا لذلك اليوم لا لشعره ثم قال والله لا أملك غيره.
وقال أبو بكر الخرائطي: رحم الله ما كان أنظره بنور الله وأفرسه كان والله كما قال الشاعر: عنهن في ذات الله عمر بصير بأعقاب الأمور برأيه كان له في اليوم عينا على في وورد فيهما قوله ﷺ: (إذا كان يوم القيامة نادى مناد لا يرفعن أحد من هذه الأمة كتابه قبل أبي بكر وعمر). وقوله ﷺ: إن الله تعالى أيدني بأربعة وزراء اثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر».
وقال ﷺ: إن لكل نبي خاصة من أصحابه، وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمره. وقال : حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهما نفاق». وقال ﷺ: خير أمتى أبو بكر وعمر». وقالﷺ: (سيدا كهول الجنة أبو بكر وعمر». وقال ﷺ: (صالح المؤمنين أبو بكر وعمر)، وقال ﷺ: ما قدمت أبا بكر وعمر ولكن الله قدمهما». وقال ﷺ: أحشر أنا وأبو بكر وعمر هكذا، وأخرج السبابة والوسطى والبنصر.
عثمان ذو النورين رضي الله عنه:
قال عثمان بن عفان ولسى فى الدنيا وولي في الآخرة. وقال ﷺ: اعثمان حتى تستحى منه الملائكة». وقال ﷺ: عثمان أحيى أمتى وأكرمها». وقال : لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقى فيها عثمان». وقال ﷺ: ليدخلن بشفاعة عثمان سبعون ألفا، كلهم قد استوجبوا النار الجنة بغير حساب». وقال ﷺ: ليدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتى أكثر من بني تميم، قال المناوى قيل هو عثمان وقال ﷺ: لكل نبي خليل في أمته وإن خليلى عثمان بن عقان. وقال ﷺ: اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض.
قال ابن اسحاق أنفق عثمان في جيش العسرة نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها. وروى عن قتادة أنه قال حمل عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا.
وعن حذيفة بن اليمان أن عثمان رضى الله عنه جاء يومئذ بعشرة آلاف دينار، نصبت بين يديه فجعل يقول بيده ويقلبها ظهر البطن ويقولﷺ: «غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة ما يبالي عثمان بعدها.
وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن خباب رضى الله عنه قال: خطب رسول الله ﷺ فحث الناس على جيش العسرة فقال عثمان على مائة بعير باحلاسها وأقتابها، ثم نزل مرقاة أخرى من المنبر فحث الناس، فقال عثمان على مائة بعير أخرى بأحلاسها وأقتابها ثم نزل مرقاة أخرى فحثالناس فقال عثمان على مائة: أخرى بأحلاسها وأقتابها فرأيت رسول الله ﷺ يقول بيده هكذا يحركها كالمتعجب، وقال: ما على عثمان بعد هذا اليوم. وقد ورد في حق الثلاثة قوله: إذا أنا مت وأبو بكر وعمر وعثمان فإن استطعت أن تموت فمت
على المرتضي رضى الله عنه وكرم وجهه:
قال ﷺ: من كنت مولاه فعلی مولاه وقال ﷺ: أنا مدينة العلم وعلى بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. وقال ﷺ: أنا دار الحكمة وعلى بابها». وقال ﷺ: خير إخواني على وخير أعمامي حمزة». وقال ﷺ: على أخي في الدنيا والآخرة . وقال ﷺ: من آذى عليا فقد آذاني . وقال ﷺ: من سب عليا فقد سبنى ومن سبنى فقد سب الله.
وحينما استخلفه على المدينة يوم غزوة تبوك أرجف المنافقون بأنه إنما خلفه استثقالا فأخذ سلاحه وأتى النبي وأخبره الخبر فقال ﷺ: «كذبوا ولكن خلفتك لما تركت وراثى فارجع في أهلى وأهلك أفلا ترضى يا على أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبی بعدی فقال رضيت ثم رضيت ثم .رضيت.
قال السيد أحمد دحلان في سيرته: قال أهل السنة إن هارون عليه السلام إنما كان خليفة فى حياة موسى عليه السلام حين ذهب إلى الميقات فدل ذلك على تخصيص خلافة على رضى الله عنه في أهل النبي ﷺ مدة عنهم غيبته فى تبوك كما كان هارون خليفة موسى عليهما السلام في قومه مدة غيبته للمناجاة، وقد استخلف غير على في مرات أخسر فهل يلزم أن يكون مستحقاً لخلافة؟ ولما سئل على رضى الله عنه وكرم وجهه في زمن خلافته هل أوصى لك النبي ﷺ بالخلافة قال: لا ولو أوصى لى بها لقاتلت عليها حتى لو لم يبق معى إلا سيفى، وردائى ولو أوصى له بها لما بايع أبا بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم. وقول الرافضة إن ذلك منه تقية كذب ورور فإنه كان رضي الله عنه ذا قوة وشجاعة وقد توافرت عشيرته من بنى هاشم فكانوا أهل قوة ومنعة فيلزم الرافضة نسبته للجبن والذل وحاشاه الله من ذلك اهـ.
وأخرج الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخ بغداد عن ابن المعتمر مسلم ابن أوس وحارثة بن قدامة السعدى أنهما حضرا على بن طالب رضي الله عنه، يخطب وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإني لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أخبرت عنه.
وأخرج أبو نعيم في الخلية عن على كرم الله وجهه قال : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين نزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا.
وفي صحيح مسلم عنه رضى الله عنه أنه قال والذي فلق الحبة ويرأ النسمة أنه لعهد النبي ﷺ إلى لا يحبنى إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو نعيم عنه رضى الله عنه أنه قال على منبره: أما إنى فقات عين الفتنة وإني وايم الله لولا أن تتكلوا فتدعوا العمل الحدثتكم بما سبق على لسان نبيكم ثم قال سلونى فإنكم لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلا حدثتكم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ربيع قال بلغ عليا أن أناسا يقولون فيه فصعد المنبر فقال: أنشد الله رجلا سمع من النبى شيئا إلا قام فقام جماعة فقالوا نشهد أن رسول الله ﷺ قال: من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
وقال : أقضاكم على وأخرج الحاكم وصححه عن على قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى اليمن فقلت يا رسول الله بعثني وأنا شاب أقضى بينهم ولا أدرى ما القضاء فضرب صدرى ثم قال: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين.
وروى أن سبب قوله ﷺ أقضاكم على أنه عليه الصلاة والسلام كان جالسا مع جماعة من الصحابة فجاء خصمان فقال أحدهما يا رسول الله: إن لى حمارا وإن لهذا بقرة وإن بقرته قتلت حمارى، فبدأ رجل من الحاضرين فقال: لا ضمان على البهائم فقال: اقض بينهما يا على فقال على لهما كانا مرسلين أم مشدودين أم أحدهما مشدودا والآخر مرسلا ؟ فقالا كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة وصاحبها معها فقال على صاحب البقرة ضامن الحمار. فأقر و حكمه وأمضى قضاءه.
وكان ﷺ إذا غضب لا يجترئ أحد أن يكلمه إلا علي. وروى ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: «النظر إلى على عبادة».
ومما ورد في الأربعة رضوان الله عليهم قوله ﷺ: أرأف أمتي بامتى أبو بكر وأشدهم في دين الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقضاهم على».
وقوله رحم الله أبا بكر زوجتى ابنته وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالا من ماله وما نفعنى مال في الإسلام ما نفعنى مال أبي بكر، رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرا لقد تركه الحق وماله من صديق رحما الله عثمان تستحييه الملائكة وجهز جيش العسرة وزاد في مسجدنا حتى وسعنا، رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار.
وقد ورد في فضائل كل منهم رضوان الله عليهم من الكتاب والسنة وكلام الأئمة ودون في التواريخ والسير وكتب التفسير والأثر من محاسن أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم وأحوالهم ما لو أريد استقصاءه لملا مجلدات، وكان ما فات أكثر مما هو آت.
تنبيه:
قال اللقاني في هداية المريد الجوهرة التوحيد: أفضل الصحابة أهل الحديبية. وأفضل أهل الحديبية أهل أحمد وأفضل أهل أحد أهل بدر، وأفضل أهل بدر العشرة وأفضل العشرة الخلفاء الأربعة وأفضل الأربعة أبو بكر. والمراد من الأفضلية أكثرية الثواب وكما يجب اعتقاده أن أفضل الصحابة رضي الله عنهم معين الذين ولوا الخلافة بعده وبين عليه الصلاة والسلام مدتها بقوله الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تصير مكا عضوضا فقد صرح كلامه عليه الصلاة والسلام بأن الأئمة الأربعة أفضل الصحابة لأن هذه المدة كانت دور ولايتهم وترتيبهم في الفضل على حسن ترتيبهم في الخلافة؛ فالأسبق فيها أكثرهم فضلا ثم التالي فالتالي عند أهل السنة وإماميهم أبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي فأفضلهم أبو بكر فعمر فعثمان فعلى رضوان الله عليهم
قال الإمام الغزالي: حقيقة الفضل ما هو عند الله تعالى وذلك مما لا يطلع عليه إلا رسول الله ﷺ. وقد ورد الثناء عليهم في أخبار كثيرة ولا يدرك دقائق الفضل والترتيب فيه إلا المشاهدون للوحي والتنزيل بقرائن الأحوال، فلولا فهمهم ذلك لما رتبو الأمر، كذلك إذا كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عن الحق صارف ونحوه قول السعد على هذا وجدنا السلف والخلف، والظاهر أنهم لو لم يكن لهم دليل على ذلك لمنا حكموا به، وقوله في شرح المقاصد يدل لنا إجمالاً أن جمهور عظماء الملة وعلماء الأمة أطبقوا على ذلك، وحسن الظن بهم يقض بأنهم لو لم يعرفوه بدلائل وأمارات لما أطبقوا، ا هـ كلام اللقاني ملخصاً.
قلت: وقول السعد (جمهور عظماء الملة) يفيد أن ذلك ليس إجماعياً، وهو كذلك في الترتيب بين عثمان وعلى رضى الله عنهما، فقد قال بعض أكابر أهل السنة بتفضيل على على عثمان ومنهم سفيان الثورى والإمام مالك في قوله الأول ثم رجع عنه إلى تفضيل عثمان على على. قال النووى :وهو الصحيح، وقال اللقاني: وهو الأصح أما تفضيل أبي بكر على الثلاثة وعمر على الاثنين، فهو أمر إجماعي كما قاله العلامة ابن حجر في خاتمة الفتاوى، وعبارته: قد صح عن على نفسه خير الناس بعد النبي أبو بكر ثم عمر ثم رجل آخر، فقال له ابنه محمد رضى الله عنهما ثم أنت يا أبت فقال: ما أبوك إلا رجل من المسلمين ومن أجمع أهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم على أن أفضل الصحابة على الإطلاق أبو بكر ثم عمر رضى الله عنهما.
وفى موضع آخر منها سئل أي ابن حجر هل الأفضلية بين الخلفاء الأربعة قطعية أم اجتهادية إذ لا شاهد من العقل يقطع بأفضلية لعضهم على بعض، والأخبار الواردة في فضائلهم متعارضة، فأجاب رحمه الله بقله : إن أفضلية أبي بكر رضى الله عنه على الثلاثة ثم عمر رضي الله عنه على الاثنين مجمع عليها عند أهل السنة لا خلاف بينهم في ذلك، والإجماع يفيد القطع. وأما أفضلية عثمان على على رضى الله عنهما فظنية لأن بعض أكابر أهل السنة كسفيان الثورى فضل عليا على عثمان، وما وقع فيه خلاف بين أهل السنة فظني. وأما الأحاديث في ذلك فمتعارضة جدا بل على كرم الله وجهه ورد فيه من الأحاديث المشعرة بفضله ما لم يرد في الثلاثة وأجاب عنه بعض الأئمة بأن سبب ذلك أنه عاش إلى زمن الفتن وكثرت أعداؤه وقدحهم فيه وحطهم عليه وخمصهم لحقه بباطلهم، فبادر حفاظ الصحابة رضوان الله عليهم وأخرجوا ما عندهم في حقه ردعا لأولئك الفسقة المارقين والخوارج المخذولين. وأما بقية الثلاثة فلم يقع لهم ما يدعو الناس إلى الإتيان بمثل ذلك الاستيعاب اهـ.
وقال الإمام الشعراني في المنن: قال أبو بكر بن عياش لو أناني أبو بكر وعمر وعلى في حاجة لبدأت بحاجة على قبلهما لقرباه من رسول الله ، ولشن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلى من أن أقدمه عليهما.
قال اللقاني: ولا يخفي صحة شمول الفضل لسائر أسبابه من علم وشجاعة وحسن رأى وقرب من ورسوله ومحبة لهما ومنهما.
لطيفة:
قرأت في طبقات ابن السبكي في ترجمة الحارث بن سريج ابن داود بن على الأصفهاني قال سمعت الحارث بن سريج يقول: سمعت إبراهيم بن عبد الله الحجبي يقول للشافعي رضى الله عنه: ما رأيت هاشميا قط يفضل أبا بكر وعمر رضى الله عنهما على على كرم الله وجهه غيرك، فقال الشافعي على ابن عمى وابن خالتي وأنا رجل من بنى عبد مناف وأنت رجل من بني عبد الدار، فلو كانت هذه مكرمة كنت أولى بها منك ولكن ليس الأمر على ما يحسب.
وروى عنه رضي الله عنه أنه قال: اضطرب الناس بعد رسول الله ﷺ فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فلذلك استعملوه على رقاب الناس.
تنبيه:
دین قد ظهر لذهني القاصر معنى شريف وحجة قوية فى تأييد مذهب أهل السنة الجامعين بين حب الصحابة والآل وتزييف مذهب المفرقين بينهم من أهل الرفض والضلال، وذلك أن جميع ما ثبت من فضل الصحابة رضوان الله عليهم هو في الحقيقة من فضائل أهل بيت النبوة زيادة على ما نالوه بانتسابهم إلى حضرة صاحب الرسالة من الفضل، فإنهم صحابة جدهم الأعظم لا صحابة نبي سواء وهم وإن كانوا في أنفسهم فضلاء نبلاء حائزين من كل وصف جميل محضه ولبابه إلا أن أفضليتهم على من سواهم من الأمة إنما هي لفوزهم بتلك الصحية الشريفة التى لا يوازيها عمل عامل ولا اجتهاد مجتهد، وما يلزمها من اقتباس الأنوار والأسرار فضلا عن فدائهم له بكل ما قدروا عليه من نفس ومال وولد ووالد.
وخوض كثير منهم أمامه في غمار الحروب ومخالطتهم المنايا حتى ظهر الله المبين وخفقت اعلامه فى العالمين وإلا فإنا نجد فى التابعين فمن بعدهم من أعلم وأعبد وأورع وأزهد وأكثر حربا وجهادا وطعانا وجلادا من بعض الصحابة الذين لم تطل صحبتهم له ولم يلازموه في كثير من مواطنه الشريفة وغزواته المظفرة، فتلخص أنه هو الأصل الذى تفرغ عنه فضل الصحابة رضوان الله عليهم، وكذا جميع ما ثبت لأهل البيت من الفضل هو أيضا يحسب من فضائل الصحابة الكرام زيادة على ما اتصفوا به من الفضل والفخر بصحبتهم له؛ فإنهم ذرية نبيهم الذى استنقذهم من ظلمات الشرك وزجهم في أنوار التوحيد وفازوا بما فازوا به بسببه من السيادة الدنيوية والسعادة الأبدية وذريته بعضه، فكما أن فضل الكل وهو النبي عليه الصلاة والسلام هو زيادة في فضل أصحابه الذي هو متفرع عن فضله فكذلك بعضه وهم الذرية الظاهرة فإن فضلهم فرع عن فضله فقد علمت أن أصل الفضلين فضل الذرية وفضل الصحابة هو رسول الله ﷺ وهما فرعان عن أصل واحد، فمهما حصل لأحدهما من مدح أو ذم لا بد وأن يتعدى إلى الآخر، فلعنة الله على من فرق بينهما بولاء بعضهم ومعاداة البعض، فإن من عادى أحدهما لم ينفعه ولاء الآخر، وكان عدوا ورسوله ولمن التزم ولاءه أيضا. وانظر إلى سيدنا ريد بن على زين العابدين رضى الله عنهما حين خرج على هشام بن عبد الملك فقد بايعه وقتل ناس كثير من أهل الكوفة وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر لينصروه، فقال: كلا بل أتولاهما، فقالوا: إذن نرفضك فقال: اذهبوا فأنتم الرافضة قسموا رافضة من حينئذ، وجاءت طائفة وقالوا نحن نتولاهما ونتبرأ ممن يتبرأ منهما فقبلهم وقاتلوا معه فسموا الزيدية غير أنهم خلف من بعدهم خلف خرجوا عن مذهب زيد ويقى عليهم الاسم فقط، فمن أراد سعادة الدارين فعليه بمحبة الطرفين ملتزما في ذلك الطريق الشرعى غير حائد عن سنن السلف والخلف وهو مذهب أهل السنة السنية وهذاة الملة الحنيفية. أماتنا الله على ذلك غير مبدلين ولا مغيرين ولا مفتونين ولا فاتنين، قال ابن السبكي فى الطبقات قال الإمام عبد الله بن المبارك رضى الله عنه:
(إني امرؤ ليس في ديني لغامزة ... لين ولست على الإسلام طعانا)
(فلا أسب أبا بكر ولا عمرا ... ولن أسب معاذ الله عثمانا)
(ولا الزبير حواري الرسول ولا ... أهدي لطلحة شتما عز أو هانا)
(ولا أقول علي في السحاب إذا ... قد فلت والله ظلما ثم عدوانا)
وهي قصيدة طويلة منها
(الله يدفع بالسلطان معضلة ... عن ديننا رحمة منه ورضوانا)
(لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهبا لأقوانا)
وقيل إن هارون الرشيد أعجبه هذا ولما بلغه موت ابن المبارك أذن للناس أن يعزوه فيه وقال أليس هو القائل: الله يدفع.. البيتين
فإن قلت: تفريعك هذين الفرعين أهل البيت والصحابة رضوان الله عليهم عن الأصل الواحد وهو النبي ﷺ بالصفة التي ذكرتها يشعر بتفضيل الذرية الظاهرة على الصحابة الكرام رضوان الله على الجميع. قلت نعم، وهو كذلك من حيث إنهم ذريته لا من كل حيثية، وهذا مما لا يشتبه فيه عاقل؛ فإن الذرية الطاهرة من هذه الحيثية أفضل العالمين على الإطلاق، فإن ذلك لتفضيله عليه الصلاة والسلام، ولا يشك مؤمن بأنه يرجع أفضل الخلق كافة وهو بمنزلة قولك: جدهم عليه الصلاة والسلام أفضل من كل جد، وهل يرتاب في هذا مؤمن.
ومن هنا قال الإمام السبكي وغيره في حق فاطمة رضي الله عنها لا نفضل على بضعة رسول الله أحدا فأنت تراهم وصفوها بالبضعية التي هي داعية التفضيل على أمها خديجة ومريم وعائشة ولم يقولوا لا نفضل على زوجة على أو أم الحسين أو غير ذلك من أوصافها الشريفة، وهذا المعنى موجود في سائر أولاده وبناته وأولاد فاطمة خصوصية منه فهم من تلك الحيثية أفضل الناس، وصرح بأفضلية فاطمة على جميع الصحابة الشيخين فمن عداهما الشمس العلقمي وقيده المناوى بحيثية البضعية . قال فإن الشيخين بل الخلفاء الأربعة أفضل منها من حيث المعرفة والعلم ورفع منار الإسلام، ولهذا نبه العلامة اللقائي في شرح الجوهرة بعد ذكر أفضلية الخلفاء الأربعة على من سواهم بقوله لا يشكل الحكم المذكور بالذرية الشريفة؛ لأنه لا من حيث البضعية المكرمة يعنى وأما من حيث البضعية فالذرية أفضل فاعلم ذلك واعرف منزلة أهل بيت النبوة وما خولهم من الفضل الوهبي واختصهم به من الشرف القربي:
(هم القوم فاحطط رحل دينك عندهم ... لتنشد دين الله فى موطن النشد)
(يجيئون إن جاءوا بآيات ربهم ... وتأتيهم إن جئت بالآى عن مرد)
(لشتان ما بين الفريقين فى الهدى ... كشتان ما بين اليزيدين فى الرفد)
قال في الإسعاف: واعلم أن المحبة المعتبرة الممدوحة هي ما كانت مع اتباع لسنتهم المحبوبة إذ مجرد محبتهم من غير اتباع نستهم كما تزعمه الشيعة والرافضة من محبتهم مع مجانبتهم للسنة لا تفيد مدعيها شيئا من الخير بل تكون عليه وبالا وعذابا في الدنيا والآخرة، على أن هذه ليست محبة فى الحقيقة، إذ حقيقة المحبة الميل إلى المحبوب وإيثار محبوباته ومرضياته على محبوبات النفس ومرضياتها والتأدب بأخلاقه وآدابه، ومن ثم قال على كرم الله وجهه: لا يجتمع حبى وبغض أبي بكر وعمر أى لأنهما ضدان وهما لا يجتمعان .
وأخرج الدارقطني مرفوعا يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك في الجنة وأن قوما يزعمون أنهم يحبونك يصغرون الإسلام ثم يلفظونه يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية لهم نيز يقال لهم الرافضة فإذا أدركتهم فقاتلهم، فإنهم مشركون. قال الدارقطني ولهذا الحديث عندنا طرقات كثيرة ا هـ :وقوله الشيعة والرافضة أراد غلاة الشيعة فيكون عطف الرافضة عليهم عطف مرادف أو عطف تفسير، أما شيعتهم الذين لم يفارقوا ستهم من محبة الصحابة ومعرفة منازلهم في الفضل فهم القوم الأخيار المبرءون من كل عار وهم الذين عناهم رسول الله ﷺ بقوله: «يا أبا الحسن أما أنت وشيعتك ففى الجنة قال موسى بن على بن الحسين بن على وكان عن أبيه عن جده إنما شيعتنا من أطاع الله وعمل عملنا كأصحاب على رضی الله عنه مدة خلافته وجميع من نصره وخاض معه غمرات الحروب في جميع وقائعه كوقعة الجمل وصفين والنهروان فإنه رضى الله عنه وكرم وجهه هو المصيب في جميعها وغيره مخطئ، والكل على هدى لاجتهادهم في طلب الحق
ما عدا الخوارج الذين منهم أهل النهروان فإنهم كفرة فجرة لأهم كانوا يعتقدون - معاذ الله كفره بالتحكيم وكفر كثير من الصحابة والمسلمين الذين رضوا بذلك. وهناك طائفة من الشيعة يقال لهم المفضلة يقولون بتفضيل على كرم الله وجهه على سائر الصحابة مع اعتقاد فضلهم وعدلهم والاعتراف بما خولهم الله من الشرف وعلو المنزلة وهؤلاء وإن خالفوا ما انعقد عليه الإجماع من تفضيل الشيخين على على فهم أهل بدعة خفيفة لا يتفرع عليها خلل فى الدين، فقد ذكرهم الحافظ السيوطى ولم يطعن في عقيدتهم.
ونقل عن الحافظ الذهبي وغيره أنهم عدول ثقات وأن روايتهم مقبولة وشهادتهم غير معلولة هذا مع تدقيق الذهبي في رجال الحديث إلى درجة أدته للطعن في بعض الثقات الذين زكاهم غيره قال ومن هذه الطائفة كثير من السلف والخلف وإذا أطلق لفظ الشيعة فى الكتب فالمراد منه هؤلاء ما لم يقيد بالغلو كان يقال شيعى غال أو غلاة الشيعة. أما الروافض فهم ما بين كافر وفاسق لأنهم رفضوا موالاة كثير من الصحابة رضى الله عنهم. والكافر من يطعن في السيدة عائشة أم المؤمنين وينكر صحبة أبيها رضي الله عنهما ولا تشتبه بما سأتلوه عليك من كلام العارف الشعراني فإنه إنما قصد من الروافض مفضلة الشيعة كما تصرح به عبارته .. قال: أخذ علينا العهود أن لا نسب الروافض الذين يقدمون علياً في المحبة على أبي بكر وعمر رضى الله عنهما لا الذين يسبونها لا سيما إن كانوا أشرافا من أولاد فاطمة رضى الله عنهما أو من أهل القرآن.
فإياك يا أخى من قولك فلان رافضي كلب؛ فإن ذلك لا ينبغي والذي نعتقده أن التغالي في محبة على والحسن والحسين وذريتهما مطلوب بنص القرآن في قوله تعالى : (قُل لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ في القُربى) والود ثبات المحبة ودوامها فنسكت عن سب من قدم جده في المحبة على غيره ما لم يعارض النصوص ؛ وذلك لأن تعصب الإنسان لأجداده الذين حصل له بهم الشرف أمر واقع في كثير من العلماء فضلا عن آحاد الناس من الشرفاء ولذلك قالوا من النوادر شريف سنى يقدم أبا بكر وعمر على جده على رضى الله عنهم وكان الإمام الشافعي رضی الله عنه ينشد:
إن كان رفضا حب آل محمد.. فليشهد الثقلان أني رافضي
فاعذر يا أخي كل من قامت له شبهة ما لم تهدم شيئا من أصول الدين الصريحة كانكار صحبة أبي بكر لرسول الله أو براءة عائشة رضي الله عنها واترك أمر الروافض إلى الله يفصل بينهم يوم القيامة اه.. وهو كلام عارف كبير منصف خبير رضى الله عنه ونفعنا به، وقوله من النوادر شريف سنى ليس هو مقابل الرافضي بمعناه الحقيقى وإنما هو مقابل الشيعي المفضل، ولذلك قال بعده يقدم أبا بكر وعمر على جده على رضى الله عنهم.
والرافضي لا يقر لأبي بكر وعمر بفضل لا مقدما ولا مؤخرا بل يصفهما بما لا ينبغي، ومعاذ الله أن يقول بذلك أحد ممن صحت نسبته إلى رسول الله ﷺ وحاصل العبارة أن الشريف البنى الموصوف بتقديم أبي بكر وعمر على جده على من النوادر وأكثرهم سنيون لا يقولون بالتقديم مع حب الشيخين والصحابة جميعا والاعتراف بفضلهم، وهذا لا يضرهم في دينهم شيئا ولا سيما إذا كان التقديم في المحبة لا التفضيل وهو الذى ينبغى حمل العبارة عليه فافهم والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال جامعه هذا ما أراد الله إبرازه على يد هذا العبد الضعيف وتم تبييضه وطبعه في بيروت في شهر شوال سنة ۱۳۰۹ بعد أن بقى فى مسودته إحدى عشرة سنة وأسأله سبحانه أن يتقبله مني ويرضى به عنى وصلى الله على سيدنا محمد الأنبياء والمرسلين والهم وصحبهم أجمعين عدد خلقه ورضا نفسه . وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكرهم الغافلون وسلم وعلى جميع تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين.
يوسف النبهاني
ترجمة النبهاني لنفسه
قال جامعه: خطر فى أن أذكر شيئاً من ترجمة معاليّ، فأقول:
أنا الفقير يوسف ابن إسماعيل بن يوسف بن إسماعيل بن محمد ناصر الدين النبهاني، نسبة لبنى نهان قوم من حرب البادية، توطنوا منذ ارمان قرية الجزم بصيغة الأمر الواقعة في الجانب الشمالي من أرض فلسطين من البلاد المقدسة، وهي الآن تابعة لقضاء حيفا من أعمال عكا في ولاية بيروت.
ولدت في القرية المذكورة سنة خمس وستين تقريباً، وقرأت القرآن على سيدي ووالدي الشيخ الصالح الحافظ المتقن لكتاب الله الشيخ إسماعيل النبهاني، وهو الآن في عشر الثمانين كامل الحواس قوى البنية، جيد الصحة مستغرق أكثر أوقاته في طاعة الله تعالى، كان ورده في كل يوم وليلة ثلث القرآن، ثم صار يختتم فى كل أسبوع ثلاث ختمات والحمد على ذلك: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (يونس).
ثم أرسلني حفظه الله وجزاء على أحسن الجزاء إلى مصر لطلب العلم، فدخلت الجامع الأزهر يوم السبت غرة محرم الحرام افتتاح سنة ثلاث وثمانين بعد المائتين والألف واقع=مت فيه إلى رجب سنة تسع وثمانين، وفى هذه المدة أخذت ما قدره الله لي من العلوم الشرعية ووسائلها من أساتذة الشيوخ المحققين، وجهابذة العلماء الراسخين. من لو الفرد كل واحد منهم فى إقليم. لكان قائد أهله إلى جنة النعيم. وكفاهم عن كل من هذاء في جميع العلوم. وما يحتاجون إليه من منطوق ومفهوم.
أحدهم، بل أو حدهم الأستاذ العلامة المحقق. والملاذ الفهامة المنقل وشيخ المشايخ وأستاذ الأساتذة سيدي الشيخ إبراهيم السلام الشافعي المتوفى سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين عن نمو السبعين، وقد قضى هذا العمر المبارك الطويل في قراءة الدروس، حتى صار أكثر علماء العصر للامينه إما بالذات أو بالواسطة، لازمت دروسه رحمه الله ثلاث سنوات وقرأت عليه شرحى التحرير والمنهج الشيخ الإسلام زكريا الأنصاري بحاشيتيهما للشرقاوى والبجيرمي، وقد أجازني رحمه الله بإجازة فائقة، وهي هذه بحروفها:
بسم الله الرحمن الرحيم
لك الحمد على مرسل الملائك ومرفوعها. ولك الشكر على مسلسل نعمائك وموضوعها. بحسن الإنشاء وصحيح الخبر. يا من تجيز من استجارك وافر الهبات. وتحيز من استجارك واهر العقبات. فيقدر موقوفا على مطالعة الأثر. ما بين مؤتلف الفضل ومتفقه. ومختلف العدل ومفترقه. جيد الفكر سليم الفطر . يجتنى بمنتج قياسه شريف الفوائد. ويجتنی بمبهج اقتباسه شريف الفوائد. ويحلي نفيس النفوس بعقود العقائد الغرر. فإن صادفه مديد الإمداد، وصادقه مزيد الاتحاد. وصفا مشرب الهنى ولا كدر. روجد دور الجواهر يا نعم الوجادة. بادر عند ذلك بالاستفادة والإشاعة ولا أثر ولا بطر. في بذل المعروف ويدل المنكر • إذ ليس عنده إلا صحاح الجوهر ومعتنى وما اقتنى غيرها عندما عشر • لا يزور ولا يدلس ويظهر ولا يدنس • ولا يعانى الشرر • فيا من من على هذا المتقطع الغريب • ومنعه منحة المستصل القريب • امنحنى السلامة في داره ونجني من سقر • ومنك موصول صلات صلواتك ومقطوعها • وسلسل سلسبیل تسليماتك ومجموعها • على سلانا وسيدنا محمد سيد نوع البشر • وعلى آله وأصحابه . وحملة شريعته وأحبابه . ومن اقتفى أثرهم وعلى جهاد نفسه صبرا • أما بعد فلما كان ! الإسناد مزية عالية • وخصوصية لهذه الأمة غالية • دون الأمم الحالية • اعتنى بطلبه الأئمة النبلاء أصحاب النظر . إذ الدعى غير المنسوب • والقصى غير المحسوب . وسليم البصيرة غير أعشى الفكر . ولما كان منهم الإمام الفاضل • والهمام الكامل والجهبذ الأبر • اللوذعى الاريب • والألمعي الأديب • ولدنا الشيخ يوسف ابن الشيخ إسماعيل النبهاني الشافعي أيده الله بالمعارف ونصر • طلب منى إجازة ليتصل بسند سادتي سنده . ولا ينفصل عن مددهم مدده • وينتظم في سلك قد فاق غيره ويهر • فأحببته وإن لم أكن لذلك أهلا . رجاء أن تفشوا العلم وأنال من الله فضلات والجو فى القيامة مما للكاتمين من الصرر • فقلت أجزت ولدى • المذكور بما تجوز لى روايته • أو تصح عنى درايته • من كل حديث وأثر • ومن فروع وأصول • ومنقول ومعقول • وفنون اللطائف والعبر • كما أخذته من الأفاضل السادة والاكابر القادة • مسددى العزائم في استخراج الدرر • منهم: أستاذنا العلامة ولى الله المقرب • وملاذنا الفهامة الكبير لعيلب • بوأه الله أسنى مقر • عن شيخه الشهاب أحمد الملوى فى التأليف المفيدة • وعن شيخه العيد الجوهر الخالدي صاحب التصانيف الفريدة • عن شيخهما عبد الله بن سالم صاحب الثبت الذى اشتهر • ومنهم شيخنا محمد بن محمود الجزائري عن شيخه على عبد القادر بن الأمين • عن شيخه أحمد الجوهرى المذكور الموصوف بالعرفان والتمكين • عن شيخه عبد الله بن سالم الذى ذكره غبر • ومنهم الشيخ محمد صالح البخاري عن شيخه رفيع الدين القندهارى • عن الشريف الإدريسي عن عبد الله بن سالم راوى أحاديث الأبر . ومنهم سيدى محميد الأمير • عن والده الشيخ الكبير • عن أشياخه الذين حوى ذكرهم ثبته الشهير • ومنهم غير هؤلاء الله الجميع ولى وللمجار ولهم أكرم وغفر • هؤلاء وغيرهم يروون عن جم غفير • وجمع كثير • كالشيخ الحفنى والشيخ على الصعيدى وغيرهما فمسانيدهم مسائيدى فما أكرمها من نسبة وأبر • وقد سمع منى المجاز كتبا عديدة • معتبرة مفيده . كالتحرير والمنهج وفقه الله لمحاسن ما به أمر آمين بجاه طه الأمين
في ۱۸ رجب سنة ۱۲۸۹ هجرية الفقير إليه سبحانه إبراهيم السقا الشافعي بالأزهر،/عفى عنه وعن أشياخي المذكورين سيدى الشيخ العمر العلامة السيد محمد الدمنهورى الشافعى المتوفى سنة ألف ومائتين وست وثمانين من نحو السبعين.
وسيدى العلامة الشيخ إبراهيم الزور الخليلي الشافعي المتوفى سنه ألف ومائتين وسيع وثمانين من نحو السبعين. وسيدى العلامة الشيخ أحمد الأجهوري الضرير الشافعي المتوفى سنة ألف ومائتين وثلاث وتسعين عن نحو الستين.
وسيدي العلامة الشيخ حسن العدوى المالكي المتوفى سنة ألف ومائتين وثمان وتسعين عن نحو الثمانين.
وسيدى العلامة الشيخ السيد عبد الهادى لجا الإبياري المتوفى سنة ألف وثلاثمائة وخمسة وقد أناف على السبعين. رحمهم الله اجمعين. وجمعني بهم في مستقر رحمته بجاه سید المرسلين.
ومنهم وحيد مصر وفريد هذا العصر سيدى العلامة الشيخ شمس الدين محمد الإنباني الشافعي شيخ الجامع الأزهر الآن لازمت دروسه سنتين في شرحى الغاية لابن القاسم والخطيب وفي غيرهما.
وسيدي العلامة الشيخ عبد الرحمن الشربيني الشافعي، وسيدي العلامة الشيخ عبد القادر الرافعي الحفى الطرابلي شيخ رواق الشوام . وسيد العلامة الشيخ يوسف البرقاوي الحنبلى شيخ رواق الحنابة حفظهم الله وأطال أعمارهم وأدام النفع بعلومهم.
ولی شيوخ غيرهم منهم من هم موجود الآن. ومنهم من قد دخل في. خير كان. وكلهم علماء اعلام • جزاهم: عنى خيرا وجمعني بهم في دار الكرامة والسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق