أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 23 سبتمبر 2023

الأربعون الكتانية في فضل أهل بيت خير البرية للإمام أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني الحسني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الأربعون الكتانية في فضل أهل بيت خير البرية

للإمام أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني الحسني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: الآل هم مفاتيح الرحمة، ومعادن الحكمة، والأمان للأمة، فقد كان بنو هاشم ولا زالوا أنضر الناس عوداً،و أرقاهم زنداً، وهذا الكتاب تضمن اثنين وأربعين حديثا في فضائل آل البيت الكرام اقتداء بمن سبقه في الأربعينات كالحافظ النووي رحمه الله.

وقد قصر المؤلف - رحمه الله تعالى - كتابه على فضائل آل البيت الكرام، وابتدأ ذلك بمقدمة يقرر فيها نصوص العلماء في ذكر فضائلهم وحقوقهم، ومزاياهم ومرتبتهم، ووجوب محبتهم والتقرب إليهم والتزلف إليهم، بل والمبالغة في ذلك

ثم أعقب ذلك بفصل ذكر فيه حرص الصحابة -رضوان الله عنهم -على إكرام أهل البيت والتودد إليهم، ابتداء بالخلفاء الراشدين فمن بعدهم، ونقل نقولاً جلها في الصحيح حول ذلك.

ثم تلاه بفصل ذكر فيه مودة السلف وتقديرهم لآل البيت الشريف، مبتدئاً بعمر بن عبد العزيز -رحمه الله -ثم الأئمة الأربعة تدلياً من ابن حنبل، فأبي حنيفة، فالشافعي، فمالك رحمهم الله، وهو في كل ذلك مقتضب.

 ثم قفى ذلك بفصل يذكر فيه بعض الآيات القرآنية التي ذكرت فضلهم، أو استنبط منها الأعلام التحريض على آل البيت الكريم، والرفعة لهم، وفيه من التفسير شيء ومن التأويل أشياء، والتأويل استظهار معنى لا يوحي  إليه ظاهر النص كما لا يخفى.

 وبعد ذلك ابتدأ المؤلف - قدس سره - في سرد الأحاديث النبوية التي رام من المؤلف جمعها، فأورد اثنين وأربعين حديثا عامة شاملة في فضلهم ومزاياهم عليهم وعلى جدهم أزكى الصلاة والتسليم، فأورد من ذلك المتواتر والصحيح، والحسن والضعيف وربما شديد الضعف المحكوم بوضعه.

ثم ختم كل ذلك بنقولات قيمة حول وجوب محبة آل البيت الكرام وعدم إذايتهم والتنقيص منهم، فختم بما به ابتدأ رحمه الله تعالى، وجعل ختامه مسكاً. 

وقد قام الشيخ محمد حمزة بن علي الكتاني بتحقيق هذا الكتاب تحقيقاً علمياً رضيناً، ووضع له مقدمة، ووضع مجموعة من المباحث القيمة، نذكرها هنا في هذا المقال.

مقدمة التحقيق 

الحمد لله الذي رفع مقدار آل بيت حبيبه مكاناً علياً، وجعلهم خير منتسب لخير منتسب إليه ظاهرين ظهوراً جلياً، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للإنس والجن والخلائق بإذن ربه الداعي إلى اقتفاء نهجه ،وقربه، القائل: "النجوم أمان لأهل السماء وآل بيتي أمان لأمتي وآله النجوم الأهلة الهداة، وصحابته نقلة الشريعة والمُبعدين عن حياضها المبتدعة والغلاة. 

وبعد؛ فمنذ عقلتُ آل البيت -رضي الله عنهم -وأنا أحبهم حباً كبيراً، وأقرأ تاريخهم وأذب عن حياضهم، محتسباً ذلك عند الله تعالى، وتملقاً وتعلقاً بأذيال الحبيب الماحي صلى الله عليه وآله وسلم، وكما قال الأول:

حب آل البيت فرض عندنا .. وبهذا الحب لا نخشى المحن

شنشنة ورثتها عن الآباء والأجداد محبي آل البيت الكرام، ومقدمي لوائهم المقدم عليهم السلام، وحالهم يقول: 

والله لو فتحوا قلبي لما وجدوا .. سوى محبتكم، والله والله 

والله لو خيروني في محبتكم .. ما اخترت غيركم والله والله 

وكيف لا وبهم يحمي الله الأمة؟ مددها ومقتدى نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد قال الخليفة الأوحد؛ الإمام أبو العلاء إدريس ابن عبد الله الكامل ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تعطوا أعناقكم لغيرنا، فإن الحق الذي تجدونه عندنا لا تجدونه عند غيرنا!".

وذلك مصداق ما تواتر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تركت فيكم ما إن - تمسكتم به لن تضلوا، أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من إلى الأرض، وعترتي آل بيتي لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض". وقال تعالى: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَنِ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّهُمْ وَمَا أَلَتْهُم من عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ}.

وهذه كنز في يد آل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم، وداع أكبر لأن نحبهم ونتمرغ في حماهم، وصدق الإمام الأديب أبو عبد الله محمد بن جابر الوادي آشي الأندلسي؛ إذ قال: 

نور النبوة في كريم وجوههم .. يغني الشريف عن الطراز الأخضر

ولقد كنتُ زرتُ دمشق الشام يوم الأحد الحادي عشر من صفر الخير لعام ألف وأربعمائة وستة عشر للهجرة، واجتمعت بأهلها الأفاضل، ورفقتي كتاب: "الأزهار العاطرة الأنفاس"، بذكر بعض محاسن قطب المغرب وتاج مدينة فاس، إدريس بن إدريس باني فاس، لجد جدي شيخ الإسلام محمد بن جعفر الكتاني الإدريسي الحسني رحمه الله، وكان ضمن الحضور في بيت العمارة يسار باب الفراديس وهو منزل عم جدنا الشيخ العارف مجدد الإسلام بالشام محمد المكي بن محمد بن جعفر الكتاني، المتوفى عام ١٣٩٣ -السيد الجليل الفاضل، المحب لآل البيت الذي فيهم مناضل؛ أبو حامد زيزة السحمي الدمشقي، ودار بيننا الحديث في مواضيع شتى ومن ضمنها آل البيت رضي الله عنهم، وتراجمهم، وكتب العائلة أزهر الله بساتينها.

قلت له: "معي كنز سيعجبك". فقال: "ما هو ؟ فأريته كتاب الإمام المذكور، فقال: "أنا أمي لا أقرأ شيئاً، فقلت له: "أقرأ لك شيئا منه". فقرأت له شيئا من فضائل الإمام الختم إدريس بن إدريس عليه السلام، فأعجبه ذلك، وقال لي ما معناه: يجب أن تُطبع كتب محبة آل البيت رضي الله عنهم، فهم البوابة إلى جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، وكلُّ داهق فمن حوضهم يُروى". 

وأطال الكلام في فضل العترة الطاهرة، والسلالة الفاخرة رضي الله عنهم، ووقع كلامه في نفسي موقعًا، ثم رجعتُ في نفس اليوم إلى عَمّان - الأردن، وفي اليوم التالي ختمت الكتاب المذكور، واكتشفت أن المؤلف - رضي الله عنه: خصص خاتمة الكتاب في فضل آل البيت الأطهار، وسرد فيها اثنين وأربعين حديثا في فضائل آل البيت الكرام اقتداء بمن سبقه في الأربعينات كالحافظ النووي رحمه الله.

  فشددت عزمي واستنهضت عزيمتي لاقتلاع هذا الكتاب النفيس ضمن الأصل، وإفراده في جزء خاص، عسى ينتفع المؤمنون به، ويعودوا إلى آل البيت الكرام الذين هم أس كل خير وأساسه ومشعل كل نور ونبراسه، والكتب في هذا الباب كثيرة، وفصولها عجيبة مثيرة، ليت الناس يتفطنون لها، ويخرجون من غلو الشيعة الروافض وجحود النواصب.

كتب الأربعين

ومن ضمن الفنون التي امتاز بها علم الحديث.التأليف في الأربعينات

وهي: مؤلفات يقصد بها أصحابها جمع أربعين حديثا في موضوع معين؛ كالآداب والأخلاق، أو أصول الشريعة، أو ما رواه أصحاب بلدة واحدة... إلخ. 

والأصل في العناية بذلك ما روي من الأحاديث - وإن كان جلها ضعيفا أو موضوعاً - في فضل من حفظ أربعين حديثا، والتي منها: 

- حديث ابن عمر مرفوعاً: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا من يؤديها إليهم؛ كنتُ له شفيعا وشهيداً يوم القيامة ". (=رواه ابن عبد البر في الجامع (١٩٣١) وقال: "هذا أحسن إسناد جاء به هذا الحديث، ولكنه غير محفوظ ولا معروف من حديث مالك، ومن رواه عن مالك فقد أخطأ عليه وأضاف ما ليس من حديثه إليه. ورواه ابن الجوزي في "الواهيات". (ص ١٧٦- ١٧٧)، وقال: "روي بإسنادين مظلمين فيهما عن جماعة من المجاهيل"). 

- وحديث أنس مرفوعاً: "من حمل من أمتي أربعين حديثا؛ لقي الله - السنة حتى بن مالك يوم القيامة فقيها عالما ". (=أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (١٩٢١)، وحكم بضعفه، وأورده ابن الجوزي في "الواهيات" (ص ١٨٣) وقال: "روي بإسناد مظلم")

- وحديث أبي هريرة مرفوعاً: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا فيما ينفعهم في أمر دينهم؛ بعثه الله يوم القيامة – يعني: فقيها عالما".

-وحديث أنس كذلك مرفوعاً: "ما من مسلم يحفظ على أمتي أربعين حديثا، يعلمهم بها أمر دينهم؛ إلا جيء به يوم القيامة فقيل له: اشفع لمن شئت".

قال عمنا حافظ الدنيا الشيخ عبد الحي الكتاني رحمه الله، في "استجلاب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم بجمع أربعين حديثا كلامه العذب المقبول": "وهو - وإن ضعفت أسانيده العديدة ووهت طرقه المديدة - لكن ينجبر بالكثرة، ويتقوى بالشهرة، كما قيل في المثل: 

لا تخاصم بواحد أهل بيت .. فضعيفان يغلبان قوياً

ولعل أول من صنف في هذا الفن: الإمام عبد الله بن المبارك الحنظلي من أهل القرن الثاني، وتبعه محمد بن أسلم الطوسي، والحسن بن سفيان النسائي، وأبو بكر الآجري.

 ومن أشهر من صنف في هذا الباب: أبو القاسم ابن عساكر، وله أربعونات منها: "الأربعون الطوال"، و"الأربعون البلدانية"، و"الأربعون في الجهاد"، وهي التي سماها "الاجتهاد في إقامة فرض الجهاد".

- وأبو الفتوح محمد بن محمد الطائي الهمذاني (ت ٥٥٥ هـ)، له أربعون سماها: "إرشاد السائرين إلى منازل المتقين من مسموع أربعين شيخا كل عاته عن حديث عن واحد من الصحابة.

-وأبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن عبد الله ابن أبي الصيف اليمني المكي الشافعي (ت ٦٠٦ هـ)، جمع أربعين حديثا عن أربعين شيخا من أربعين مدينة. 

-وأبو محمد عبد القاهر بن عبد الله الرهاوي (ت ٦١٢ هـ)، وهي: "الأربعون المتباينة الأسانيد"، في مجلد كبير. 

-ولعل أشهرها: "الأربعون النووية"، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت ٦٧٦ هـ)، وقد ضمنها ثلاثة وأربعين حديثاً في أصول الدين وآدابه وجوامع الأحاديث، وهي مشهورة مطبوعة طبعات كثيرة، واعتنى الناس بحفظها وشرحها. 

وقد سار الناس بعد الإمام النووي في جمع ثلاثة وأربعين حديثا بدل الأربعين وأحيانا اثنين وأربعين أدباً . معه أن لا يعادلوه وذلك تبركا بنيته، وسيرا وراء سنته.

ومن ضمن من ألف في ذلك من المتأخرين: 

-محمد بن جعفر الكتاني الحسني (ت ١٣٤٥ هـ)، له "الأربعون الكتانية في فضائل آل بيت خير البرية". 

-عبد العزيز بن محمد بن الصديق الغماري (ت ١٤١٨ هـ)، له "الأربعون العزيزية". 

- ومحمد الطاهر بن الحسن الكتاني، رحمه الله تعالى في "الدر المنيف في فضل طلب العلم الشريف"، فقد التزم ذلك العدد أيضا. 

-والدكتور إدريس الكتاني حفظه الله له "الأربعون حديثا في استراتيجية الدفاع عن الأمن الإسلامي". وهو موضوع فريد. ... وغيرهم ممن لا يحصون كثرة، من المتقدمين والمتأخرين.

موضوع الرسالة

موضوع الرسالة واضح من العنوان فهو يتطرق إلى فضائل ساداتنا آل البيت الكرام، ولفظ "آل البيت اصطلاحا يطلق إطلاقات لخصها الإمام جمال الدين القاسمي في "تفسيره" بقوله (٨/ ٧١) وقد تنازع الناس في آل محمد من هم؟ 

- فقيل: أمته. وهذا قول طائفة من أصحاب محمد ومالك وغيرهم. 

- وقيل: المتقون من أمته. ورووا حديثا آل محمد كل تقي. رواه الخلال وتمام في "الفوائد" له، وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم. 

- وبنى على ذلك طائفة الصوفية أن آل محمد خواص الأولياء. كما ذكر الحكيم الترمذي.

 - قلت: ومنهم من اقتصر على أن آله هم أبناؤه من علي وفاطمة عليهما السلام، ودليله حديث الكساء الآتي الذكر، وهذا أخص الأقوال. 

- وقيل: عشيرته الأقربون الذين حرمت عليهم الصدقة، آل وهم علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العباس (صحیح مسلم ٤/ ١٣٧٣). 

- والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته وهذا هو المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم". انتهى. 

- قال: "لكن هل أزواجه من أهل بيته ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد. أحدهما: أنهن لسن من أهل البيت ويروى هذا عن زيد بن أرقم. والثاني وهو الصحيح أن أزواجه من أهله قلت وقول زيد بن أرقم في صحيح مسلم كما يأتي بإذنه تعالى. 

غير أن "آل البيت" في مدلولهم الخاص؛ هم أصحاب الكساء: علي بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين عليهم السلام، وذريتهم. وفي هذا أمور ترجح انصراف الآية إلى أهل الكساء وهي رواية الاختصاص بهم من طريق عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، ومعلوم أن رواية من نزلت فيه الحادثة: تقدم التعارض على رواية من لم تنزل فيه. غير أنه لا يخلو لعموم آل البيت فضل.

قال ابن كثير في تفسيره لدى آية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وقد رجح دخول النساء الطاهرات: "ولكن إذا كان أزواجه من عند أهل بيته، فقرابته أحق بهذه التسمية". 

والراجح أن "آل البيت" المصطلح عنهم. هم أهل الكساء: فاطمة الزهراء وعلي والحسن والحسين وذريتهما، عليهم السلام. ودليل القرآن الكريم ؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب/٣٣]، وبيان ذلك:

-ما رواه مسلم في صحيحه (١٧٦٦ -منهاج): عن عائشة رضي الله عنها قالت: النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل، من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.

قلت: هذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم للآية، وتفسيره صلى الله عليه وسلم ثاني أعلى درجات التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن كما في علوم هو التفسير. 

قلت: وأعلى منه ما رواه الترمذي في كتاب التفسير من سننه (2330- تحفة الأحوذي)، وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث عطاء عن عمر عن أبي سلمة، وأشار الألباني لصحته في صحيح السنن، عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره، فجلله بكساء: قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت أم سلمة وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت على خير". 

قال الترمذي في موضع آخر (٢٦٠٩): "وفي الباب عن أم سلمة، ومعقل بن يسار، وأبي الحمراء وأنس بن مالك فانظر أخي إلى هذا الحديث الجليل كيف استثنى حتى أمهات المؤمنين من منقبة الكساء، بل من منقبة الآية عموماً، وفيه رد على من خالف ذلك. 

قلت: وفي "جامع" "الأصول" لابن الأثير (١٢٢/٩): "أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن هذه الآية نزلت في بيتي: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، قالت وأنا جالسة عند الباب فقلت يا رسول الله؛ ألستُ من أهل البيت؟ فقال: إنك على خير أنت من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة، وحسن وحسين، فجللهم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي؛ فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا".

أخرج الترمذي الرواية الأخيرة، والأولى ذكرها رزين. انتهى كلام ابن الأثير. قلت: وأخرجها أحمد في مسنده (٢٩٨/٦)، و (٦/ ٢٩٦)، و(٦/ ٣٠٤)، و(٦/ ٢٩٢) بنحوها من عدة طرق والترمذي في . . (٣٨٧١) وصححه. 

وعزاه الحافظ الشوكاني في تفسيره فتح القدير (٣٤٦/٤) إضافة لمن ذكرت: للحاكم وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة. 

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة ثم قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي؛ فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا". 

قالت أم سلمة: "وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: "إنك على خير" 

وفيه أيضا: "وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أم سلمة - أيضاً- عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيتها على منامة له عليها كساء ضبيري، فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً، فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}.

فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بفضلة كسائه فغشاهم إياها، ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها إلى السماء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي الرجس وطهرهم تطهيرا قالها ثلاث مرات. قالت أم سلمة: فأدخلت رأسي في الستر فقلت: يا رسول الله وأنا معكم؟ فقال: إنك على خير. مرتين". فأذهب عنهم. 

وقد أكثر الحافظ الشوكاني -من تعداد طرق هذه الأحاديث ورواياتها في "فتح القدير" (3464) بما في نقله طول، ثم تعقب بقوله: "ذكرنا هنا ما يصلح للتمسك به دون ما لا يصلح . فقف على قوله: "يصلح للتمسك به". 

قال الإمام الألوسي في "روح المعاني (١١/ ١٩٥): "وأخبار إدخاله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وابنيهما - رضي الله عنهم - تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: اللهم هؤلاء أهل بيتي ودعائه لهم، وعدم إدخال أم سلمة أكثر من أن تحصى لعموم أهل البيت بأي معنى كان البيت، فالمراد بهم من شملهم الكساء، ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وسلم".

 ومما يؤيد اختصاص آل البيت عليهم السلام بالآية: ما رواه الترمذي كذلك (٢٣٣٠-تحفة) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما نعرفه من حديث حماد بن سلمة قال: وفي الباب عن أبي الحمراء، ومعقل بن يسار وأم سلمة".

أقول: رواه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: "الصلاة يا أهل البيت": {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. وأخرجه كذلك الإمام أحمد (٣/ ٢٥٩) ، و(٢٨٥٣)، وعبد بن حميد (١٢٢٣). في الدعاء ويعضده حديث عائشة رضي الله عنها: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. 

روي بطرق عند الإمام أحمد في مسنده (٦/ ١٦٢)، و(٧/ ١٣٠) والإمام مسلم في صحيحه (٦/ ١٤٥) وأبي داود (٤٠٣٢)، والترمذي "السنن" (٢٨١٣)، و"الشمائل" (٦٩)، وغيرهم. 

قال الإمام الألوسي رحمه الله (١٩٦/١١): "وقد تكرر. كما أشار المحب الطبري - منه صلى الله عليه وسلم الجمع، وقول: هؤلاء أهل بيتي.. في الله عنهما، وغيرهما. وبه جمع بین اختلاف الروايات في هيئة الاجتماع، وما جلل صلى الله عليه وسلم به المجتمعين وما دعا بيت أم سلمة، وبیت فاطمة رضي به لهم". 

ودليل شمولية "آل البيت" لأبناء الحسنين عليهما السلام ما رواه أزيد من سبعين صحابياً، وأورده أصحاب الصحاح والسنن والمعاجم مرفوعا: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما!". وانظر تخريجه فيما يأتي إن شاء الله

تعالى. ووجه الاستدلال أن الخطاب للأمة جميعا، ووصية من النبي صلى الله عليه وسلم لمن بعده إلى قيام الساعة، فهو دليل استمرار آل البيت إلى آخر الزمان، كما أن كتاب الله سيستمر إلى آخر الزمان. 

ومن الآثار: قال ابن كثير في تفسيره (٥٨/ ٣٧٠) وقد قال ابن أبي حاتم: ثنا أبي ثنا أبو الوليد ثنا أبو عوانة عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي جميلة عن الحسن بن علي أنه قال يا أهل العراق؛ اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم ونحن أهل البيت الذي قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، فما زال يقولها حتى ما بقي أحد في المسجد إلا وهو يحن بكاء". 

قال: "وقال السدي عن أبي الديلم قال: قال علي بن الحسن – يعني: زين العابدين - رضي الله عنهما لرجل من الشام: "أما قرأت في الأحزاب: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؟، فقال: نعم؛ ولأنتم هم؟ قال: نعم!". ففيه تصريح واضح من هذين الإمامين من آل البيت النبوي الشريف بورود الآية بخصوص آل البيت، وإقرار للرواية من ابن أبي حاتم وابن كثير كما لا يخفى. 

قصر المؤلف - رحمه الله تعالى - كتابه على فضائل آل البيت الكرام، وابتدأ ذلك بمقدمة يقرر فيها نصوص العلماء في ذكر فضائلهم وحقوقهم، ومزاياهم ومرتبتهم، ووجوب محبتهم والتقرب إليهم والتزلف إليهم، بل والمبالغة في ذلك؛ إذ "سبب الخيرات كلها محبتهم وتعظيمهم وسبب الشرور والمعاصي بأسرها مقابلتهم بالسوء وتعنيفهم". كما قال المؤلف رحمه الله تعالى.

ثم أعقب ذلك بفصل ذكر فيه حرص الصحابة - رضي الله عنهم -على إكرام أهل البيت والتودد إليهم، ابتداء بالخلفاء الراشدين فمن بعدهم، ونقل نقولاً جلها في الصحيح حول ذلك.

ثم تلاه بفصل يذكر فيه مودة السلف وتقديرهم لآل البيت الشريف، مبتدئاً بعمر بن عبد العزيز رحمه الله ثم الأئمة الأربعة تدليا من ابن حنبل فأبي حنيفة فالشافعي فمالك رحمهم الله، وهو في كل ذلك مقتضب، ينقل ما قل ودل من كتب التواريخ والتراجم.

 ثم قفى ذلك بفصل يذكر فيه بعض الآيات القرآنية التي ذكرت فضلهم، أو استنبط منها الأعلام التحريض على آل البيت الكريم، والرفعة لهم، وفيه من التفسير شيء ومن التأويل أشياء، والتأويل استظهار معنى لا يوحي  إليه ظاهر النص كما لا يخفى.

 وبعد ذلك ابتدأ المؤلف - قدس سره - في سرد الأحاديث النبوية التي رام من المؤلف جمعها، فأورد اثنين وأربعين حديثا عامة شاملة في فضلهم ومزاياهم عليهم وعلى جدهم أزكى الصلاة والتسليم، فأورد من ذلك المتواتر والصحيح، والحسن والضعيف وربما شديد الضعف المحكوم بوضعه.

وقد حاولت جهدي تخريج تلك الأحاديث والبحث عن طرقها ورواتها وما يعضدها، إتماما للكتاب، وتقعيداً للفائدة. فوقفت من الفوائد والنكت والاستدراكات على ما يقف عليه القارئ بين الثنايا إن شاء الله تعالى. 

ثم ختم كل ذلك بنقولات قيمة حول وجوب محبة آل البيت الكرام وعدم إذايتهم والتنقيص منهم، فختم بما به ابتدأ رحمه الله تعالى، وجعل ختامه مسكاً. 

والرسالة على اختصارها وصغرها مفيدة غاية حرية بالاقتفاء والحفظ، والشرح والتدريس والخطبة بها في المجامع، إذ بالوقوف على ما صنعناه من تخريج نصوصها يُعلم صحة ما فيها والتعويل على فوائدها ومعلوماتها. 

الواجب علينا نحو آل البيت الكرام

 "يتعين على كل مسلم معرفةُ قدرهم الكريم، ومقابلتهم بالإكرام والمودة والتحبيب والتعظيم، ومحبتهم في الله المحبة الشديدة، وحفظ حرمته صلى الله عليه وسلم فيهم المحافظة الأكيدة، والتعرف إليهم بأنواع المبرة والإحسان، والمبالغة بالقيام بواجب حقوقهم حدَّ الإمكان. وقضاء حوائجهم ومطالبهم، وإسعافهم فيما يرمونه من مآربهم، والتوسل بهم إلى الله تعالى في الشدائد، والاستشفاع بعلي جاههم عند حصول المضايق والمكايد". حسبما نص مؤلف الرسالة المحققة قدس سره 

فالأصل: أننا متى ذكر آل بيت حبيبنا ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلا ونطأطئ رؤوسنا وتقشعر أبداننا، وتدمع أعيننا خشوعا وتوقيرا، ونصرا ومؤازرة، وتذكرًا لجدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم الذين هم قطعة من لحمه، وبقية من جسده الشريف الذي يرحمنا الله به كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال/ ٣٣].

ولا شك أن من أثرات ذلك: آله صلوات الله وسلامه عليهم. ويعضده أحاديث تأتي ضمن هذه الرسالة بتخريجاتها. وقد قال سيد الصحابة أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري في صحيحه (٧٧٧) "والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي". 

وقال رضي الله عنه فيما رواه عنه البخاري أيضا (٧/ ٩٥): "ارقبوا محمدا في أهل بيته" يعني احفظوه فيهم ولا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم. وقيل: المعنى: شاهدوه فيهم؛ لأن الجزء من الكل". ومحبتهم باتباعهم والاقتداء بهم والاهتداء بهديهم، والاسترشاد برشدهم، كيف وقد قال الإمام محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن بن الحسن بن علي صلاة الله وسلامه عليهم: "يا أيها الناس اتبعونا، فإن الحق الذي تجدونه عندنا لا تجدونه عند غيرنا". وهو من تابعي التابعين كما لا يخفى. 

نقل ذلك عنه غير ما واحد كالرازي في "أخبار فخ" وغيره، ونفس المقولة قالها أخوه الإمام إدريس بن عبد الله فاتح المغرب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله. 

وقد نقل المالكية في كتبهم عن الإمام مالك - رضي الله عنه -السدل، فقال: رأيت من يُرضى بفعله عبد الله بن الحسن يفعله"، فشهد فيه بالحجية والسدل هنا سدل الشعر كما نص عليه. 

وفي كتب المالكية والشيعة أن الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي سلام الله وصلواته عليه وعلى آله وآبائه كان إذا سئل فتيا أحال إلى مالك، وقال: "علومنا عنده". 

وما كان أبو كان أبو حنيفة إلا حاملاً لعلم زيد بن علي زين العابدين بن الحسين سلام الله وصلواته عليهم وعلى آبائهم وآلهم، وناصراً له ولآل بيته، حتى دس له السم. 

وقيل: بأن "السير" "الكبير" لمحمد بن الحسن الشيباني إنما هي من مغازي محمد ذي النفس الزكية. 

وما كان مالك إلا مريداً من مواريدهم وحاملاً لعلومهم: عبد الله الكامل، ومحمد النفس الزكية وجعفر الصادق، بل ابتلي من أجل نصرته لهم. كما هو مفصل في محله.

 له 

وما كان الإمام الشافعي رضي الله عنه إلا مطلبياً معدوداً من آل البيت، وكان داعية ليحيى بن عبد الله الكامل حتى كاد يقتله بنو العباس، وقيل: دس السم سئل فهذا أيضاً... وهو القائل: 

لو كان رفضاً حب آل محمد .. فليشهد الثقلان أني رافضي 

وكان إمام السنة ورائد المحنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه من المعظمين لآل البيت المقدمين لهم حتى مات، وآخر من دخل عليه في النزع العلويون رضوان الله عليهم حسبما هو مفصل في ترجمته عند الحنابلة، بل عد الحنابلة إجماع آل البيت حجة في الشريعة يقوم به الحلال والحرام. 

كما أن طريق التصوف بأسره إنما هو امتداد لمنهج آل البيت، ومعارفهم، وما من إمام من أئمة التصوف كمعروف الكرخي والسري السقطي فمن بعدهم، بل والحسن البصري قبلهم إلا وانتسبوا إليهم إما بالتلمذة أو بالتأثر، أو بالنسب. 

على أن الطريق الصوفية المتأخرة جلها منسوب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو الشيخ أحمد الرفاعي، أو الشيخ عبد السلام بن مشيش، أو الشيخ أحمد البدوي، وكلهم – رضي  الله عنهم -منسوب لفاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب عليهما السلام. 

قال سيد الطائفة الجنيد رضي الله عنه فيما رواه عنه أبو عبد الرحمن السلمي: "صاحبنا في هذا الأمر بعد النبي علي بن أبي طالب . ذلك امرؤ أعطي علما لدنيا".

وقال كذلك فيما رواه عنه أبو نصر الطوسي في "اللمع": "رضوان الله على أمير المؤمنين علي؛ لولا أنه اشتغل بالحروب لأفادنا من علمنا هذا معاني كثيرة " 

وقال الإمام الحرالي: سلسلة أهل الطريق تنتهي من كل وجه من جهة المشايخ والمريدين إلى أهل البيت...".

وقال الحافظ أبو العباس يوسف الفاسي في "المنح الصفية": "قال الشيوخ رضي عنهم في حق علي عليه السلام: إنه أعطي العلم اللدني، ولا تصح النسبة إلى الولاية – التي هي منبع الولاية الحقيقية والمعارف الإلهية -إلا من جهته وحقيقته، فهو إمام الأولياء المحمديين كلهم وأصلهم ومنشأ انتسابهم إلى الحضرة الله المحمدية... ". 

وقد خرج مع آل البيت سلام الله عليهم زمن ،الحسين، وزيد، والنفس الزكية، وغيرهم أئمة من الصحابة والتابعين كثورة (القراء) التي شارك فيها سعيد بن جبير والحسن البصري وأضرابهما، وتابع التابعين وأئمة الحديث وحفاظه، حسبما فصل ذلك جدنا الإمام محمد المنتصر بالله الكتاني رحمه الله تعالى في كتابه: "الإمام مالك". 

وما كان خروجهم معهم، واقتفاؤهم غرزهم إلا لتسبيقهم قولهم على أقوال غيرهم، وهذا أمر بدهي لا يخفى على من له مسكة من العلم، ومعرفة بالأصول ووسائل الترجيح... وقد أفرد العلماء رضي الله عنهم - في القديم والحديث المصنفات في فضائل آل البيت وحقوقهم، حتى ذكر الشيخ الأكبر محمد بن عربي الطائي الحاتمي في "الفتوحات المكية" بأن آية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} دليل على أن ساداتنا آل البيت مغفورة ذنوبهم، وأنهم يعاملون في الدنيا بظاهر الشريعة، وفي الآخرة يطهرهم الله تعالى تطهيرا. 

قال قدس سره: "يُعتقد في أهل البيت أن الله تجاوز عن سيئاتهم، لا بعمل قدموه ولا بخير عملوه، بل بسابق عناية الله لهم". وأنشد فيهم: 

فَلا تَعْدِلْ بِأَهْلِ البَيْتِ خَلْقًا .. فَأَهْلُ البَيْتِ هُمْ أَهْلُ السِيادَة

فَبغضهمُ مِنَ الإِنْسَانِ حُسرٌ .. حقیقي وحُبُهُمُ عِبَادَة

وقد ناقش الأعلام تلك المقولة، فأنكرها الإمام أبو عبد الله محمد بن قاسم القصار وتلميذه العارف عبد الرحمن بن محمد الفاسي، وأيدها الشيخ أبو العباس أحمد زروق في "القواعد" والإمام الشعراني في غيرما موضع من كتبه، وغيرهما أمة وألف في الرد على الإمام القصار: الإمام جبل السنة والدين أبو المكارم عبد الكبير بن محمد الكتاني في كتاب كبير سماه "الانتصار لآل البيت الأطهار، والرد على بحث الشيخ القصار". 

لكن لا شك أن آية: ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاتَّبَعَهُمْ ذُرِّيَّهُم بِإِيمَنِ أَحْقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّهُمْ وَمَا أَلَتْنَهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ أَمْرِي بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور: ٢١]، بها أكبر مزية لمؤمني آل البيت لأنهم يُلحقون بجدهم المصطفى سيد العرب والعجم والثقلين صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. 

وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: يُخْبِر تَعَالَى عَنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَامْتِنَانه وَلُطْفه بِخَلْقِهِ وَإِحْسَانه أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا إِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ فِي الْإِيمَانِ يُلْحِقُهُمْ بِآبَائِهِمْ فِي الْمَنْزِلَة وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَمَلَهُمْ لِتَقَرَّ أَعْيُنِ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ عِنْدِهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ فَيَجْمَعِ بَيْنِهِمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ بِأَنْ يَرْفَعِ النَّاقِصَ الْعَمَلِ بِكَامِلِ الْعَمَلِ وَلَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ عَمَله وَمَنْزِلَتَه لِلتَّسَاوِي بَيْنه وَبَيْن ذاك ".

 وأما مُذنبي آل البيت وعصاتهم؛ فقد اتفق العلماء على عدم جواز بغضهم  ومجانبتهم إنما نبغض أفعالهم ونود أشخاصهم ونرشدهم إلى طريق الحق والهداية، والابتعاد عن مدارك الشر والغواية.

قال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد السلام بناني الفاسي في جواب له في الموضوع: "لا يحل لأحد انتهاك حرمتهم، ولا التعرض للطعن في نشبتهم، وإن جَفوا وعصوا وأبدوا من سوء الأخلاق ما أبدوا فإن أهل التجريب نصوا على أن: سبب إصلاح الأحوال بموالاتهم، وسبب الخلل بإهمالهم ومعاداتهم، وإبداء شيء من إذايتهم". اهـ. 

ولا ندخل فيما شجر بين بعض الصحابة وآل البيت، فكلاهما آية من آيات الله تعالى، فنترضى عن جميع الصحابة، ونعتقد فضلهم وأسبقيتهم، ونكل ما كان بين معاوية وأضرابه وبين علي رضي الله عنهما إلى الله تعالى، مع اعتقادنا أن الصواب في جانب علي وولده، والخطأ في جانب معاوية وحزبه، ونقول: {وَالَّذِينَ جَاءُو مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَنِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمُ} [الحشر: ١٠]. 

إذا ما عظمنا كلا الطرفين إلا لنسبته للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله، ومع ثبوت النسبة يثبت التعظيم.

لا منافاة بين اتباع السنة النبوية واتباع آل البيت:

قد يرد إشكال عند البعض ؛ وهو: ها أنت تقول بالاعتناء بفقه آل البيت وفهمهم، وفيهم من كل المذاهب حتى البدعية، فهل يستقيم اتباعهم فيما يخالف بعضهم فيه الشريعة الغراء؟ فإن كان الجواب بالنفي؛ فما ضابط ذلك؟ قلت: مما هو بديهي معروف في وسائل الاستنباط ووسائل التعارض والترجيح أن الكتاب يقدم على السنة، والسنة تقدم على الإجماع، والإجماع يقدم على الأقوال المفردة، وأن الأقوال إنما ترجّح بحججها وموافقتها للكتاب والسنة وأصولهما. 

وكلام الأئمة إنما هو في توضيح مبهم وتبيين مشكل، والقياس على أصل، والتفريع على قاعدة... إلخ، فلا نرد بكلام أحد - صحابي، أو مجتهد، أو إمام من آل البيت الكرام - الواضح الصريح من القرآن الكريم أو كلام النبي صلى الله عليه  وسلم وعلى آله والله تعالى إنما تعبدنا بالوحي؛ وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فهما العمدة والمرجع، وما سواهما إنما هو فهم وترجيح وقياس، وفيه نقدم أفهام آل البيت الكرام على غيرهم.

فلو افترضنا وخالف بعض آل البيت حكما قطعيا بالكتاب أو السنة؛ فلا شك أننا نقدم كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على قوله. ولو خالف قوله إجماعًا؛ فلا ينعقد الإجماع بخلافه إن تقدم هو الإجماع، إذ المعنى بالاتباع هم أئمة الآل ومجتهدوهم، ولا يتم الإجماع بمخالفة المجتهد. وإن تأخر، ولم يمكن الجمع؛ فلا شك أن الإجماع مقدَّم؛ لأنه يكون بذلك خالف الإجماع. والله أعلم.

واحتج الحنابلة والزيدية وبعض أئمة السلف بإجماع آل البيت، ولا شك أنه حجة؛ لما تقدم ويأتي من الآثار في الأمر بالاقتداء بهم وترجيح أفكارهم وعلومهم على غيرهم، غير أننا لم نجد من يعتني بنقل إجماعاتهم من أهل السنة والجماعة، ولا من الحنابلة الذين جعلوه حجة! نعم أكثر الزيدية من إيراد إجماعات نسبوها لآل البيت، ولكنهم يحتجون بأئمتهم من الهادوية والزيدية لا بغيرهم من أئمة الآل فالأمر يحتاج إلى مزيد بحث وتأمل. والله الموفق.

كيف نعتني بفقه آل البيت الكرام:

كثر الحديث عن فقه آل البيت والاقتداء بهم وإهمال فهومهم واتخاذها، فقال قوم بقول، وقال آخرون بأقوال.. ولكن يبقى الكلام مجرد حوار مادام لم يطبق على أرض الواقع، ويبحث فيه بطريقة علمية منهجية تستخلص الحق من الزيف، والصواب من الخطأ... وقد كان دار بيني وبين بعض من ناقشوا كثيرا في هذا الموضوع حديث في هذا الباب وقلت له كفى ولولة بأن الناس أهملوا فقه آل البيت وفهمهم، واشتغل أنت ذلك وتصنيفه وتنقيحه". 

وقد كان علم الحديث سلفا متجاذباً بين أقوال المحدثين والحفاظ، وكانت دعوی اقتفاء الحديث الصحيح وفرزه من الضعيف ضربا من البذخ الفكري الذي

يعسر أو يستحيل تطبيقه في الواقع، حتى أتى شيخنا ومفيدنا محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله -بموسوعاته الفريدة مميزاً فيها -على قدر وسعه –بين الصحيح والضعيف، مُفعلاً منهجاً طالت قرون وهو إنما ترف فكري... كما كان الاجتهاد وفرز أقوال المجتهدين من فقهاء السلف الصالح، واتباعهم واقتفاء آثارهم وفهومهم، وإحياء مذاهب المجتهدين المنقرضين منهم كالظاهرية وأئمة العراق والحجاز والشام والأندلس...إلخ، وتوزيعه على أبواب فقهية -قانونية لتسهل الاستفادة منه ضرباً من البذخ الفكري والترف العلمي.

حتى جاء جدنا ومفيدنا الإمام محمد المنتصر بالله الكتاني بموسوعتيه الفريدتين: "معجم فقه السلف": عترة وصحابة وتابعين"، في تسعة أجزاء، ومعجم فقه ابن حزم الظاهري" في مجلدين، وعمل تلامذته من بعده الذي بلغ عشرات المجلدات... وبالنسبة لفقه أئمة آل البيت مازال العمل فيه أعذر لم يكد يمس، ولم يبحث فيه بطريقة علمية نقدية إلى الآن إلا ما رام جمعه الإمام الجد في "معجم فقه السلف"، وتبعه من تلامذته من أفرد فقه جعفر الصادق بالدراسة، وأي عمل من هذا القبيل يقتضي: 

١- جمع المادة العلمية المبعثرة في مختلف المصادر السنية والشيعية وغيرها.

٢- ترتيب المادة العلمية وتصنيفها
٣-تحقيق أسانيدها وتمييزها بين صحيح وضعيف وموضوع.

 أما الجهد الأول؛ المادة العلمية؛ فإننا نجد عالماً شيعياً جمع أكثر من مائة جزء، يما وصله من مرويات عن آل البيت الأطهار، اكتفى منهم بالأئمة الاثني عشر الذين يقدسهم الشيعة الإمامية، ونرى نحن مزيد فضلهم وعلو كعبهم في العلم والدين؛ وهم علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين زين العبدين، ومحمد الباقر بن علي وجعفر الصادق بن محمد، وموسى الكاظم بن جعفر، ومحمد الجواد بن موسى وعلي الرضا بن محمد والحسن العسكري بن علي، ومحمد بن الحسن الملقب بالمهدي (إن صح وجوده) عليهم السلام.. 

"محمد باقر المجلسي"، (المتوفى عام ١١١١ هـ) في كتابه: "بحار الأنوار الجامع لدرر أخبار الأئمة الأطهار"، البالغ ١٠٧ مجلدات، والكتاب مطبوع متداول. 

هذا الكتاب استخلصه مؤلفه من مصادر السنة والشيعة وغيرهم، ورتبه وصنفه فجاء كتابا فريدا في بابه عجيبا في أسلوبه، وقد صرح في مقدمته أنه تضمن الصحيح والضعيف والموضوع…

 قال في مقدمته رحمه الله ص ٢: ثم بعد الإحاطة بالكتب المتداولة المشهورة؛ تتبعت الأصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة، والأزمان المتمادية... فطفقت أسأل عنها في شرق البلاد وغربها حينا، وألح في الطلب لدى كل من أظن عنده شيئا من ذلك وإن كان به ضنينا، ولقد ساعدني على ذلك جماعة من الأخوان، ضربوا في البلاد لتحصيلها وطلبوها في الأصقاع والأقطار، طلبا حثيثا، حتى اجتمع عندي بفضل ربي كثير من الأصول المعتبرة، التي كان عليها معول العلماء في العصور الماضية، وإليها رجوع الأفاضل في العصور الخالية...".

لقد كنت في إطار تخريجي لأحاديث وآثار بعض الكتب المعتنية بفضل آل البيت وبالتخصيص هذه الرسالة: الأربعون الكتانية في فضائل آل بيت خير البرية"، يتعذر علي تخريج بعض الأحاديث أو الآثار من كتب السنة، فأعود إلى كتب الشيعة، فأجد فوائد واستدراكات يتوقف عندها وهي من كتب مسندة... 

ومما رجعت إليه واستفدت منه كتاب بحار الأنوار" للمجلسي، وقد كنت من قديم تصفحت هذا الكتاب الموجود كاملاً بمكتبة الجامعة الأردنية، فوجدت في الكتاب أموراً:

الأول: أن المؤلف قصد الجمع جمع حاطب ليل من جميع المصادر المتاحة، غير مبال بما تضمنته ،نقوله ولا من أي مصدر جاء بها. 

الثاني: أن العديد من تلك المصادر يعد مفقودا.. 

ثالثاً: أن المؤلف لم يتصرف -حسب تصريحه -في تلك النقول. 

فوجدت أن المؤلف قصر على الباحث - من ناحية علمية صرفة وموضوعية - الطريق، ولو أضيف إليه ما نقل عن غير الأئمة الإثني عشر من سلف آل البيت فسيكون العمل موضوعياً موسوعياً جامعاً شاملاً.... 

أقول: إن عاملاً في مشروع فقه آل البيت عليه أن يضم إلى هذا الكتاب، ما روي عن أئمة من غير أولئك العترة الطاهرة، وسيجده في كتب الزيدية؛ كمسند الإمام زيد بن علي وأمالي أحمد بن عيسى رحمهما الله، ومسند آل البيت لأبي عبد الله العلوي وغير ذلك، علاوة على كتب السنة التي حفظت لنا الكثير من ذلك …

 ثم يكون العمل الثاني: الترتيب والتصنيف. 

ثم العمل الثالث: تحقيق تلك النقول، ومعرفة السليم من المرفوض، باعتماد علم الحديث ومعرفة الرجال... 

وقد يعرض أمر؛ وهو: قلب الأسانيد، واصطناعها... والحل سهل؛ وهو: المصدر الذي نقل في تلك الأسانيد، إن كان مؤلفه معروفا موثقا صدقناه، وإن لم یکن؛ تركناه ثم نقابل تلك الروايات بروايات أهل السنة، سواء في المرفوع أو الموقوف... 

وقد يرد إشكال؛ وهو: أن تلك المجاميع مليئة بالمكذوب والموضوع.... الجواب: أليس "تاريخ بغداد، وحلية الأولياء"، و"تاريخ دمشق"، و"الفردوس" للديلمي، وغير ذلك من الكتب التي قصدت الجمع فقط" مليئة بالضعيف والموضوع؟.. الجواب: نعم.. فهذه من تلك. 

وقد يرد إشكال؛ وهو: الرواة، إن كانوا شيعة ضعفهم أهل الجرح والتعديل، وإن كانوا ناصبة وثقوهم.... قلت؛ بغض النظر عن صحة تلك الدعوى أو عدمها؛ فلنقم بحصر الرواة الشيعة الذين ضعفوهم، وندرس رواياتهم، وهل شوركوا فيها أم تفردوا؟.. وكذلك بحصر من وثقوا من الناصبة ونسبر رواياتهم وموضوعاتها، وهل توبعوا فيها أم انفردوا، وهل خالفوا أصلا من أصول الشريعة أم لا... وهكذا نحل المشكل بطريقة علمية…

 وهذا - كما لا يخفى – مشروع عُمر، غير أنه يزيد سهولة إن تخصصت فيه مؤسسة علمية، ونحن أهل السنة والجماعة أولى من غيرنا في هذا الباب لاختصاصنا بالنبي صلى الله عليه وسلم... وهو دين في رقبة الأمة. 

عملي في الرسالة:

 عملي في التحقيق أني: أقلت الخاتمة من الكتاب وحذفت خاتمتها التي ليس لها علاقة مباشرة بهذا الباب مع ترجمة من ذكر من أعلام المغاربة ترجمة مختصرة، وعنونة وتنقيط للنص من غير زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، وتخريج جميع نصوص الكتاب إلا ما تعذر منها، وهو نادر، تخريجاً اعتمدت فيه على المتيسر من المراجع، مع استفادتي من تحقيقات من اعتنوا بمصادري.

والحديث إذا وجدته في الصحيحين أو أحد الكتب المشتهر صحة ما فيها؛ لم أتكلف البحث عنه في مصادر أخرى، وإن كان في الكتب المشهورة أو النادرة؛ أنقل حكم أحد الحفاظ الحجج فيه، وقد أستدرك عليهم بذكر طرق أخرى لم يتنبهوا لها، وقد أرجع في بعض تخريجاتي لما بين يدي من كتب الشيعة الجعفرية أو الزيدية، نظرا لاعتنائها بما ورد في فضل آل البيت الكرام، عليهم من الله تعالى وعلى جدهم أزكى الصلاة والسلام. 

وقد يتضمن الكتاب حديثا ضعيفاً أو واهياً، أو حتى موضوعا، ولكنه يعضد في معناه بأحاديث أخر، وما وقفت على وصفه بالوضع بينته، ليتنبه القارئ في دينه، ومثال هذا قليل. 

وآثرت تسميته وإشهاره بـ: الأربعون الكتانية في فضل آل بيت خير البرية". 

جعلها الله سببا في شفاعتهم لي، ورضاء مؤلفها علي، ورضاء الله تعالى ورسوله قبل كل شي . واخترت له "الأربعون الكتانية" لأسباب: 

منها: أن مؤلفها إمام من أئمة البيت الكتاني. 

ثانيها: لأن آل الكتاني من أوسط آل البيت نسبا فجدير أن ينسب كتاب في الأحاديث الواردة في فضائل آل البيت إليهم. 

وما كان هذا إلا توفيقاً من الله وتسديداً وما فعلنا إلا ما كتب لنا، والخطأ والوزر علينا والتوفيق منه تعالى فالعبد عبد نسأله تعالى أن يعاملني برحمته، ويكفر عنا زلاتنا، فهو الرؤوف الرحيم سبحانه وتعالى. 

وكتبه حفيد حفيد المؤلف: الدكتور الشريف محمد حمزة بن محمد علي بن محمد المنتصر بالله ابن محمد الزمزمي بن محمد بن جعفر الكتاني عمان-الأردن 1416/3/15 

ثم أضفت إضافات كثيرة وتحقيقات، تمت بالرباط/ المغرب الأربعاء 10 شعبان الأبرك/ 1429هـ.

___________________________

ترجمة مؤلف الكتاب

 اسمه ونسبه هو: أبو عبد الله محمد بن جعفر بن إدريس بن الطائع بن إدريس بن محمد الزمزمي بن محمد الفضيل بن العربي بن محمد بن علي الجامع لفروع الأشراف الكتانيين الإدريسي الحسني: شيخ الإسلام، وحافظ عصره، السياسي المجاهد، والصوفي الكبير، مؤرخ فاس. 

نشأته وطلبه العلم: ولد بفاس حدود عام ١٢٧٣، وبها نشأ وتربى وأخذ عن علية أعلامها. كما التقى بأئمة من شيوخ التربية في المغرب والمشرق، ورحل إلى مختلف البلاد العربية واستجاز أعلامها. 

أخذ وممن عنهم من الشيوخ والده شيخ الإسلام جعفر بن إدريس الكتاني، وشيخ الجماعة أحمد بن أحمد بناني؛ المدعو كلا وقاضي الجماعة بفاس: الشريف محمد بن عبد الرحمن العلوي المدغري واللغوي الأديب محمد بن عبد الواحد ابن سودة المري، والعلامة الشيخ العارف: الشريف عبد المالك محمد العلوي الضرير.

وقاضي الجماعة بمكناس: أحمد بن الطالب ابن سودة المري، ونقيب الأشراف الشريف عبد الله بن إدريس البكراوي، وقاضي فاس: الشريف الهادي بن أحمد الصقلي الحسيني، وابن خؤولة والده؛ شيخ الجماعة: محمد بن المدني كنون والعلامة الشريف أحمد بن محمد ابن الخياط الزكاري.

والمحدث الماهر محمد المدني بن علي ابن جلون الكومي، والعلامة المحقق الشريف محمد بن قاسم القادري ومسند الوقت علي بن ظاهر الوتري المدني، عند زورته لفاس وغير هؤلاء عنهم رواية ودراية وتربية ممن أخذ مسيرته العلمية والإصلاحية تصدر للتدريس وهو ابن ثماني عشرة سنة، وتصدر بجامع القرويين الأعظم وغيره من مساجد وزوايا فاس لتدريس مختلف العلوم الاثني عشر من علوم الشريعة خاصة الفقه والحديث، ثم ارتقى إلى الرتبة الأولى من رتب علماء القرويين، وصار أستاذ كرسي بها. 

كما كان - قدس سره - مشاركا في الحركة الإصلاحية في زمن المولى الحسن الأول، عن طريق تحريره لعدة فتاوى مهمة حول التجارة مع الدول الأجنبية، وبيع سلعهم، يرفعها للملك باسم كبار علماء البلاد. 

وفي عهد المولى عبد العزيز ألف كتابه: نصيحة أهل الإسلام بما يدفع عنهم داء الكفرة اللثام، وهو نصيحة قدمها للمولى المذكور واصفا بها أوضاع البلاد وأسباب انتكاس الأحوال، وكيفية الخروج من الأزمة المغربية، حين زار السلطان وشرح له أحوال البلاد وقدم الكتاب له. 

حج حجته الأولى، وزار في طريقه مصر، ثم الحجاز ثم بلاد الشام، ودخل القدس ودمشق وبيروت ولقي من أهلها وأعلامها إقبالا كبيراً، وأخذوا عنه. 

وفي عام ١٣٢١ وأخذ عنهم، ثم حج ثانية وهاجر بأهله إلى المدينة المنورة عام ١٣٢٥، إثر تردي الأوضاع بالمغرب وخشية دخول الاستعمار. 

وبعد سنة عاد للمغرب إثر بلوغ نبأ الثورة الحفيظية والحركة الإصلاحية التي قام بها ابن عمته وتلميذه الإمام أبو الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني. غير أنه ما لبث أن وجد عدم انضباط أحوال البلاد، وصادف محنة ابن عمته المذكور واستشهاده.

وكان المتشفع في إخراج بقية أبناء عمه من السجن عام .١٣٢٧ وفي إطار شفاعته قربه السلطان عبد الحفيظ وجعله على رأس كبار علماء المغرب الذين يسردون الحديث بالقصر الملكي، وجعل بيده الحل والربط في مختلف القضايا العلمية. 

ثم استدعاه للدعاء للجيش الخارج من فاس لمقاتلة الثائر الجلالي الزرهوني المعروف بأبي حمارة، فدعا للجيش قبيل صدوره، فما عاد إلا وأبو حمارة مقيد في سلاسله. الأمر الذي زاد من اعتقاد الملك المذكور في المترجم. 

وبعد أن أيس من أحوال المغرب؛ هاجر مرة ثانية للمدينة المنورة عام ١٣٢٨ واستوطنها إلى عام ١٣٣٦، وفي تلك الفترة قام بنهضة علمية كبرى بالحرمين الشريفين ودرّس مختلف الكتب العلمية، وتعمق في دراسة المذاهب الأربعة وغيرها دراسة تحقيق وتوسع، فأخذ عنه جل أعلام الحجاز والواردين عليها في تلك الفترة، واعتقدوه ولازموه. وكان للإمام محمد بن جعفر الكتاني حظوة كبرى عند الخلافة العثمانية، بحيث تلمذ له وزير الحربية وقائد الجيش الرابع الجنرال أحمد جمال باشا، واعتبره شيخا له في السلوك، وكان يحترمه احتراما ما عليه من مزيد ونال من الخلافة العثمانية ظهير التوقير والاحترام هو وأسرته. 

كما حظي باحترام كبير من لدن أشراف الحجاز وحكامه، خاصة الشريف حسين، وتلمذ له نجلاه الملك فيصل والملك عبد الله وابن عمه الشريف حيدر... وغيرهم. وإثر ثورة أشراف الحجاز على الخلافة العثمانية عام (١٣٣٦ هـ)؛ اعتمدته الخلافة واسطة للصلح بينها وبين أشراف مكة. ثم إثر فتنة الحجاز سافر مستوطنا دمشق بطلب من الدولة العثمانية عام ١٣٣٦.

فاستقبل من رجالاتها استقبال الأفراد، وأقبل عليه الخاص والعام. وقام بها بنهضة دينية إصلاحية، حيث تربى عليه نخبة ،البلاد ودهق من توجيهاته الصوفية والأخلاقية والدينية أعلامها خاصة رواد الإصلاح الديني والعلمي علي الدقر وهاشم الخطيب، وعبد القادر المغربي. وفي نفس الإطار؛ كان للإمام الكتاني عمل واسع في المجال السياسي، فبالإضافة إلى علاقته المتميزة بقادة الدولة العثمانية والوساطة بينها وبين عناصر المجتمع السوري؛ كانت له حظوة كبرى في زمن تلميذه الشريف فيصل بن الحسين الذي تولى حكم سوريا عام (١٣٣٦)، والذي كان يزوره في منزله ويوكله في تنصيب مفتي سوريا. وعند دخول الاستعمار الفرنسي سوريا عام (١٣٣٨).

واعتقال زعماء الوطنيين وحكمه بالإعدام على جمهرة كبرى من مجاهدي الشام جعله وجهاء البلاد واسطة بينهم وبين جنرالات فرنسا من أجل إطلاق سراح الثوار، وتخفيف الضيق عن البلاد وأهلها. وفي تلك الفترة (١٣٤٠ -١٣٤٤) كانت ثورة الريف بالمغرب على يد تلميذ المترجم الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وثورة ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي على يد صديقه وتلميذه الشريف أحمد الشريف السنوسي، وقائده عمر المختار؛ فكان الإمام الكتاني يمد الزعيمين المذكورين بالأموال والسلاح، فيرسلها عن طريق قنوات خاصة إليهما، وكانت ثورة الريف بالمغرب وكذلك ثورة الأطلس مبنية على كتابه: "نصيحة أهل الإسلام" يخطبون به في الجوامع والجيوش.

فكان يرسل لهما مئات النسخ منها، وكان في هذا الإطار بينه وبين الزعيمين المذكورين سلسلة طويلة من الرسائل المكتوبة بالحبر السري من أجل الحفاظ على سريتها. وكان عن طريقها ينشر أخبار المجاهدين في مختلف الصحف المشرقية. 

وفي هذا الإطار؛ استدعت الدولة العثمانية المترجم لزيارة الأناضول عام (١٣٤١)، فمكث أسبوعين استقبل فيها عن طريق المجاهد أحمد الشريف استقبالاً فخماً وعرض عليه الجنرال مصطفى كمال أتاتورك -قبل انقلابه على الخلافة -استيطان تركيا في أي محل شاء، وخول له –استثناء -زيارة أي مكان بها. كما ربط المترجم في تلك الفترة علاقات مع بعض زعماء المسلمين –خاصة الدول المستقلة ومنهم: الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، وكانت بينه وبينه مراسلات يحضه فيها على التزام الشريعة الإسلامية -والرفق بالرعية. 

ثم عاد المترجم إلى فاس عام ١٣٤٥ وما إن استقر بها حتى استأنف نشاطه الديني بجامع القرويين عن طريق شرح مسند الإمام أحمد بن حنبل الذي لم يدرس قط في تاريخ المغرب، وكان شرحه هذه المرة على طريقة الاجتهاد المطلق، يذكر نصوص وفتاوى أعلام المذاهب الأربعة، ثم يذكر الراجح عنده، ويتكلم على الأحاديث كلام حافظ ناقد. 

كما لم يكن يغفل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الحضور إلى طريق الهدى والرشاد، بحيث أحدث ثورة إيمانية ودينية بفاس حينه وكان يحضر دروسه بالقرويين مختلف طبقات المجتمع، بحيث كانت تشد الرحلة إليه، وكان يمتلئ جامع القرويين عن آخره، وقد حزر حضور درسه بحوالي عشرة آلاف شخص. 

وبالرغم من أن دروسه لم تزد عن الشهرين فقط نظرا لمرضه ووفاته - فقد كان لها تأثير كبير. - حاله كان الإمام محمد بن جعفر الكتاني عالم عصره، المتضلع من جميع العلوم الشرعية، تلمذ له كبار علماء الهند والحجاز والشام ومصر والمغرب والجزائر وتونس وموريتانيا... وغيرهم بل لازم بعض المستشرقين دروسه؛ ك: سرديرا الإسباني، وفلورين الفرنسي. 

وكان فقيهاً حافظاً مجتهدًا، تخرج به جمهرة من فقهاء المغرب والمشرق المفتون، وكان منفردا عن علماء المغرب بتبحره في المذاهب الأربعة، وإحاطته بمذاهب المجتهدين، إضافة إلى معرفته الغائرة بعلم الأصول، والنحو واللغة... وغيرها من أدوات الاجتهاد. بلغ حفظه للآثار والأحاديث، بحيث كان شيخ حفاظ عصره ومحدثيه مشرقاً ومغرباً، متضلعا من علم الحديث، حافظاً للمتون والأسانيد، نقادة عارفاً بالعلل، وكان أحد من تدور عليهم دائرة علم الإسناد في عصره، روى عنه واستجاز أعلام المشرق والمغرب وألف عدة فهارس وأثبات. 

ويعد المترجم والد علم التاريخ بالمغرب، برز بكتابه: "سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بذكر من أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس"؛ الذي أرخ فيه لأعلام فاس ومعالمها ورجالاتها وألفه على طريقة التحليل العلمي الحديث، والتحقيق الفقهي الراقي، بحيث لم يؤلف في تاريخ المغرب ولا المشرق كتاب بأسلوبه الفقهي - التاريخي الدقيق، وكل من أرخ بعده لمدينة من مدن المغرب عالة عليه، إما تلميذ له أو لبعض تلامذته. 

كما كان سياسياً ماهراً، بالرغم من ولوجه في العظائم، ومقاومته للاستعمار الفرنسي والبريطاني والإيطالي بالمغرب والمشرق ومجاهرته في نصح ملوك الإسلام؛ فقد حافظ على علاقاته الطيبة مع الجميع، وكان يعد موجها مادياً وروحياً لزعيمي التحرير بليبيا والمغرب أحمد الشريف السنوسي، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي بكل سرية وثبات، الأمر الذي دفع جريدة الزمان الباريزية الفرنسية تقول يوم وفاته بتاريخ ١٩٢٧/٣/١٩: لقد مات أكبر عدو لفرنسا بالمغرب"! 

تآليفه:

وألف تأليف عديدة تربو عن الثمانين اعتمدت في مجالاتها، منها: 

١- إتحاف ذوي البصائر والحجا، بما فيه في مسألة الحرير السرور والنجا. خ.

٢- إجازة في نحو من كراستين فيها أسانيده للكتب الستة وغيرها.خ. 

٣- الأجوبة الحديثية.

٤- أجوبة خاله العارف محمد الزمزمي بن إبراهيم الكتاني في المعارف اللدنية.

٥- أجوبة عن عدة مسائل في الحيض وغيره .خ. 

٦-أخرى مشتملة على عدة فهارس وسنده إليها.خ

٧- الأربعون الكتانية في فضائل آل بيت خير البرية. وقد ضمنها في "الأزهار العاطرة الأنفاس".

٨-إرشاد العوام إلى ما به العمل في الصيام.خ.

٩- إرشاد المالك، لما يجب عليه من مواساة الهالك. طبع تحسين باشا. 

١٠- الأزهار العاطرة الأنفاس، بذكر مناقب قطب المغرب وتاج مدينة فاس إدريس بن إدريس باني فاس طبع بالمطبعة الحجرية الفاسية.

١١- إسعاف الراغب الشائق، بخبر ولادة خير الأنبياء وسيد الخلائق. طبع بالمطبعة الحجرية بفاس، وهو الذي يحفظه ويرتل به جل المادحين.

 ١٢- الإعلام بما في المجانات (الساعات اليدوية المحلاة) من الأحكام.خ. 

 ١٣. إعلان الحجة وإقامة البرهان على منع ما عم وفشا استعمال عشبة الدخان. طبع مرتين؛ الأولى باعتناء حفيده الأستاذ محمد الفاتح بن محمد المكي الكتاني، والثانية بتحقيق طبي لحفيده الدكتور عبد الله بن محمد المكي الكتاني بدار الفيحاء.

١٤- الأقاويل المفصلة لبيان حال حديث الابتداء بالبسملة. طبع مرتين، الثانية بتحقيق الشيخ محمد الفاتح الكتاني، والشيخ عصام عرار الحسني.

١٥- بلوغ القصد والمرام، ببيان بعض ما تنفر عنه الملائكة الكرام. طبع.

١٦-تخريج أحاديث الشهاب القضاعي.خ.

١٧- تعجيل البشارة للعامل بالاستخارة. وهو أول مؤلفاته.خ.

١٨- تفسير البسملة بالإشارة إلى الجناب النبوي.خ. 

١٩- تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ } الآية. خ.

٢٠- تفسير مختصر لسور الإخلاص والمعوذتين.خ. 

٢١- تقييد في تفسير الاستطاعة.خ.

٢٢- تنبيه الأغنياء ،والسادات على ما يجب عليهم وقت المجاعة من المواساة.خ

٢٣- ثبت أجاز به الشيخ أحمد بن محمد الرهوني.خ.

 ٢٤- جلاء القلوب من الأصداء الغينية ببيان إحاطته عليه السلام بالعلوم الكونية. في ثلاثة مجلدات بلسان الخاصة وهو المشهور بـ: العلم المحمدي.خ. 

٢٥- جواب عن آية: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطْهِيرًا} خ.

 ٢٦- جواب عن مسائل تتعلق بسلب الإرادة وطريق القوم.خ.

٢٧- جواب عن مسائل ثلاث تتعلق بالعيد.خ. 

٢٨-جواب عن مسائل خمس تتعلق بالعيد.خ. 

٢٩-جواب في بيان حقيقة الخز، وحكمه وحكم ما ليس بخز مما مزج فيه الحرير بغيره .خ.

٣٠- جواب في تحريم تعاطي الأعشاب الخبيثة.خ.

٣١- جواب في حكم الاحتماء بالنصارى خ.

٣٢- جواب في حكم السيادة في اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.خ. 

٣٣- جواب في وجوب التناصر بين المسلمين على أعدائهم الكافرين مع الإمكان.خ. 

٣٤- جواب فيما يعمل عليه في رمضان من أقام في بلدة من بلاد النصارى يتوالى فيها الغيم في أكثر الأوقات، بحيث لا يتأتى فيها رؤية الهلال.خ.

٣٥- حاشية على شرح الشيخ التاودي ابن سودة للجامع المنسوب للشيخ خليل. لم يتم.خ. 

٣٦- حاشية على شرح ميارة الصغير للمرشد المعين. لم تتم.خ. 

٣٧- حاشية على شرح المحلي لجمع الجوامع جمعها من دروسه العلامة أحمد العمراني في جزء. وهي صغيرة محررة.

٣٨- حكم صلاة الجمعة في حق من سافر دون مسافة القصر.خ. 

٣٩- ختم "الموطأ".خ

٤٠- ختم شمائل الترمذي.خ.

٤١- ختم صحيح البخاري.خ.

 ٤٢- ختم صحيح مسلم.خ.

 ٤٣- خطب وعظية توجيهية.خ. 

٤٤- الدعامة في أحكام سنة العمامة. طبع. 

٤٥- ديوان شعر. 

٤٦- الرحلة السامية للإسكندرية ومصر والحجاز والبلاد الشامية طبعت بدار ابن حزم بلبنان سنة ١٤٢٦ بتحقيق الدكتور محمد بن عزوز والدكتور حمزة بن علي الكتاني.

٤٧- الرسائل الحفيظية وهي رسائل توجيهية كان يرسلها للمولى عبد الحفيظ بعد خلعه، تبلغ مجلدا أو أكثر.

٤٨- الرسالة المختصرة فيما لا يسع المحدث جهله من الكتب التي لها تعلق وارتباط بالسنة المطهرة.خ.

٤٩- الرسالة المستطرفة، في بيان مشهور كتب السنة المشرفة، وما يتبعها من كتب الوسائل التي تبتغي للقاصد والسائل. طبع مرارا.

٥٠- رسالة في آداب الدخول بالزوجة.خ.

٥١- رسالة في الختم المحمدي.خ. 

٥٢- رسالة في حكم التقليد في العقائد.

٥٣- رفع الالتباس، وكشف الضر والبأس، ببيان ما للعلماء النحارير الأكياس، في مسألة الحرير الذي وقع الخوض فيها بين الناس.خ. ا

٥٤- رفع الملامة والاعتساف عن المالكي إذا بسمل في الفريضة خروجاً ودفع عن الخلاف.خ.

٥٥- سلوة الأنفاس، ومحادثة الأكياس، بذكر من أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس. ثلاثة مجلدات طبع طبعة حجرية عام ١٣١٦.

٥٦- سلوك السبيل الواضح لبيان أن القبض في الصلوات كلها مشهور وراجح.خ. 

٥٧- شرح أول ترجمة في جامع الترمذي.خ.

٥٨- شرح سنن الإمام النسائي. كتب منها من دروسه بدمشق تلميذه العلامة محمود ياسين الدمشقي مجلدا. وهو بمكتبة ورثته.خ. 

٥٩- شرح على "دلائل الخيرات" لم يتم.خ. 

٦٠- شرح على أبيات العارف بالله الحاج المفضل البقالي على طريقة خاصة الخاصة.خ. 

٦١- شرح كتاب للسلطان الحسن الأول كتبه إلى بعض أشياخه بفاس.خ.

٦٢- شرح مختصر خليل جمعه من دروسه وتقريراته العلامة أحمد العمراني، في ثلاثة مجلدات وصل فيه إلى باب النكاح. مع إضافات أضافها إليه. 

٦٣- شرح مسند الإمام أحمد كتب من دروسه بدمشق العلامة محمود الياسين أحمد ثلاث مجلدات، ومن دروسه بفاس كل من العلامة محمد إبراهيم بن الكتاني والعلامة أحمد العمراني والعلامة العابد الفاسي مجلدا.خ.

٦٤- طرر كثيرة وحواشي على عدة كتب في فنون متنوعة من العقائد والفقه والحديث، والمنطق والمصطلح والأصول والنحو والبيان وغيرها لو جمعت لكانت حواشي عديدة.خ

٦٥- فتوى في مسألة خلع الحاكم.خ. 

٦٦- فهرسة مشتملة على تراجم عدة من شيوخه .خ.

٦٧- فهرسة أجاز بها الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي.خ.

٦٨- فهرسة أجاز بها الشيخ أحمد الشريف السنوسي.خ.

٦٩- فهرسة أجاز بها الشيخ محمد توفيق الأيوبي.خ.

٧٠- الفوائد. وهو مجموع طرره وقصاصات الأوراق مضمنة لمعلومات مهمة في شتى الفنون.

٧١- الفوائد. آخر. جمعها تلميذه العلامة أحمد العمراني من مذاكراته معه، خاصة في علم الحديث وهي تقع في مجلد مفيد.

٧٢- الكشف والبيان لما يرجع لأحوال المكلفين من عقائد الإيمان.خ.

٧٣- عدة كنانيش علمية وتاريخية هامة.

٧٤- مجموع الرسائل المتبادلة بينه وبين أعلام ورؤساء وزعماء الوقت.

٧٦- مسلسلات حديثية ثانية طبعت بدار الكتب العلمية عام ١٤٢٤بتحقيق بدر العمراني.

٧٧- المطالب العزيزة الوفية، في تكلمه عليه الصلاة والسلام بغير اللغة 75 مسلسلات حديثية. خ. العربية. خ.

٧٨- النبذة اليسيرة النافعة التي هي لأستار جملة من أحوال الشعبة الكتانية رافعة. طبع بدمشق باعتناء وتحقيق الشيخ محمد الفاتح الكتاني، والشيخ عصام عرار الحسني.

٧٩- نصيحة أهل الإسلام بما يدفع عنهم داء الكفرة اللئام طبع بالمطبعة الحجرية الفاسية عام ١٣٢٦، وكذلك طبع عام ١٤٠٨/ ١٩٨٨ بالرباط بتحقيق نجله الدكتور إدريس الكتاني، وطبع عام ١٤٢٠/ ٢٠٠٠ بالأردن عن طريق دار البيارق بتحقيق حفيد حفيده الدكتور محمد حمزة بن علي الكتاني

٨٠- نظم المتناثر من الحديث المتواتر طبع مرارًا. 

٨١- نيل المنى وغاية السول بذكر معراج النبي المختار الرسول. طبع مراراً بالمغرب والشام.

٨٢- النوازل. وهي مجموع فتاواه وأجوبته عن أسئلة الأعلام له.

٨٣- الوفيات. ذيل بها على "التقاط الدرر" للقادري، وهي من حوالي عام ١١٨٠ إلى عام ١٣٠٩ ضمنها حوالي ثلاثمائة ترجمة لأعلام المغرب، وبعض أعلام المشرق.

تلاميذه والآخذون عنه:

أخذ عن المترجم جماهير من أعلام المشرق والمغرب، الأمر الذي يشير إلى معالم مدرسة الإمام محمد بن جعفر الكتاني في العلم والتربية والسياسة. 

نذكر منهم على سبيل السرد: 

من المغرب: آل بيته محمد الزمزمي ومحمد المكي ابنا محمد بن جعفر، وأحمد وعبد الرحمن وعبد العزيز أبناء جعفر، ومحمد وعبد الحي ابنا عبد الكبير، والطاهر وعبد الرحيم ابنا الحسن ومحمد بن عبد الكبير بن هاشم، ومحمد المهدي ومحمد الباقر ابنا محمد بن عبد الكبير ومحمد الكامل ومحمد المنتصر بالله ابنا محمد الزمزمي، ومحمد إبراهيم بن أحمد الكتانيون. والزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي وشقيقه المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، وأحمد بن المأمون البلغيثي، وأحمد بن محمد الرهوني، ومحمد بن محمد الفرطاخ وعبد السلام ابن القات، ومحمد المدني ابن الحسني، وعبد الحفيظ بن طاهر الفاسي، ومحمد بن محمد الحجوجي، ومحمد بن الصديق الغماري، وأحمد وعبد الله ابنا محمد بن الصديق الغماري، وعبد الرحمن بن زيدان العلوي وأحمد ابن عبد النبي ومحمد بن علي الدكالي السلوي، ومحمد المختار السوسي، وعلال الفاسي... وغيرهم.

ومن شمال إفريقيا: أحمد الشريف السنوسي، ومحمد البشير الإبراهيمي، ومحمد محمد مخلوف، ومحمد الخضر حسين ومحمد الحبيب الديدوي، ومحمد الجودي، ومحمد بن أحمد العمري والطيب العقبي ... وغيرهم. 

ومن أهل المشرق: عبد القادر بن توفيق الشلبي وعمر حمدان المحرسي وعباس بن عبد العزيز المالكي، ومحمد زاهد الكوثري وعلي الدقر، وهاشم الخطيب، وعبد القادر المغربي، ومحمد المبارك، وعبد الله المنجد، ومحمد حسنين مخلوف والمجاهد محمد شلبي أفندي المولوي والشريف ناصر بن علي، والشريف علي حيدر باشا وأولاده، ومحمد علي حسين أعظم البكري الهندي، وأبو الخير الميداني، ومحمد رشيد رضا، وشكيب أرسلان والرئيس تاج الدين بن بدر الدين الحسني. عن كناشة للشيخ محمد المنتصر الكتاني، وقد أورد فيها عشرات الأسماء. 

ومن المستشرقين: المستشرق سرديرا الإسباني، والمستشرق فلورين الفرنسي؛ كانا يقرآن عليه بالقرويين منتحلين هيئة الطالب المدرسي. 

شهادة الأعلام فيه:

قال فيه محدث الشام وإمامها محمد بدر الدين بن يوسف البيباني في بعض مجالسه وقد أمر نجله الرئيس تاج الدين الحسني بالأخذ عن المترجم: "أنا ما رأيت في حياتي مثل السيد محمد بن جعفر الكتاني!". (حياتي: ٢/ ٣٢١).

وقال المجدد المجتهد جمال الدين القاسمي في إجازته له: "وكان ممن استنارت به آفاق معالمه - أي: العلم - وعزفت له في أنديته عوارف معارفه ولطائف مكارمه؛ فبحث وحقق وقرأ ودقق وقيد وصنف وحرر وألف حضرة كوكب المغرب ودرة المطرب والمغرب، نخبة الفضائل الفضلاء الأخيار وقدوة الأتقياء الأبرار؛ السيد محمد ابن الإمام الهمام، أوحد الأعلام السيد جعفر الإدريسي الفاسي، الشهير بالكتاني، لا زال بيان بلاغته مرصعا بجواهر المعاني...". 

وقال فيه حافظ دمنات ومربيها محمد بن محمد الحجوجي في "كنز اليواقيت الغالية من الأسانيد "العالية: "هذا السيد من العلماء المحققين المتقين الورعين جمع - رحمه الله - من العلوم علوما جمة من تفسير وحديث، وفقه وأصلين، ونحو وتصريف وبيان ومنطق وتصوف والغالب عليه علم الحديث وصناعته، فإنه فيه لا يبارى... ثم قال: وقد جمع من الأخلاق الحسنة، والأوصاف المستحسنة، ما يقصر عنه اللسان، ويكل عن جمعه البنان، مع ليونة جانب وتواضع وشفقة وحلم وصفح، وكظم الغيظ، وصبر ورأفة...". (ص ٢٣ رحمه الله مخطوط). 

وقال مؤرخ المالكية القاضي محمد بن محمد مخلوف التونسي في "شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: "الأستاذ العارف بالله الرباني، جمع الله له المناقب فاختار منها وانتقى ورأى أن أحسنها وأكرمها التقوى الرجل الصالح، والإمام الناصح، خاتمة المحدثين والعلماء العاملين". (ص ١/ ٤٣٦). 

وقال الحافظ النقادة أحمد بن محمد بن الصديق الغماري في "المثنوني والبتار": "شيخنا الإمام العارف بالله تعالى بقية السلف الصالح، وخاتمة الطراز السالف؛ أبو عبد الله سيدي محمد بن جعفر الكتاني الحسني -رضي الله عنه ونفعنا به – كانت الملوك والأمراء تخدمه وتتشرف بالانتساب إليه، وهذا معلوم لدى الخاص والعام من أهل البلاد المغربية والحجازية والشامية ومن وفد إليها من الأقطار البعيدة النائية... وكان يحترمه ويعظمه أمراء الحجاز والدولة التركية، وعظماء البلاد الشامية ويفدون لزيارته والتبرك به والاهتداء بهديه..... (ص ٦٦ باختصار). 

وفاته: 

مدفنه توفي بفاس في ١٦رمضان الأبرك عام ١٣٤٥ وشيع في محفل لم تشهد فاس مثله، بحيث قدر حضور جنازته بأكثر من مائة ألف من جميع طبقات فاس إلى بروضة الشرفاء الكتانيين بالقباب قبالة باب الفتوح ثم اضطر أهله إلى نقل رفاته داخل فاس، فأدخل إليها في يوم الاثنين متم ربيع الثاني عام ١٣٤٧ في محفل رهيب منتصف الليل حضره عشرات الألوف، ودفن بزاوية خصصت له بحومة الصفاح بفاس الأندلس، وإثر فتح قبره من أجل نقله فاحت روائح المسك والطيب وانتشرت بالقباب كلها ووجد طريا لم تؤثر فيه الأرض شيئاً.

بسم الله الرحمن الرحيم 

[ مقدمة في وجوب محبة آل البيت الكرام] 

أحمدك اللهم على إنعامك، وأصلي وأسلم على نبيك ورسولك المرشد إلى أفضالك وآلائك وآله وصحبه ما سبحت بربها أو لم تسبح الخلائق والملائك، وبعد؛ قال الإمام الرباني العالم العامل المحدث الحافظ شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن جعفر الكتاني الحسني: جميع من اعلم أن الله تعالى لما اصطفى نبيه صلى الله عليه وسلم على الخلائق وخصه بما عمه به من الخصائص والمزايا والخوارق؛ أعلى ببركته درجة، انتمى إليه، ورفع مكانة من انتسب لجنابه أو عول عليه وألزم مودّة قُرباه كافة برئته، وفرض محبة جملة آل بيته المعظم وذريته. 

فتعين – من أجل ذلك - على كل مسلم معرفةُ قدرهم الكريم، ومقابلتهم بالإكرام والمودة والتحبيب والتعظيم ومحبتهم في الله المحبة الشديدة، وحفظ حرمته صلى الله عليه وسلم فيهم المحافظة الأكيدة، والتعرف إليهم بأنواع المبرة والإحسان، والمبالغة بالقيام بواجب حقوقهم حدَّ الإمكان. وقضاء حوائجهم ومطالبهم، وإسعافهم فيما يَرمُونه من مآربهم والتوسل بهم إلى الله تعالى في الشدائد، والاستشفاع بعلي جاههم عند حصول المضايق والمكايد. 

كي يسلم بذلك من العذاب المهين ويدخل به في حرز الله وحرز رسوله الأمين، وتنتشر عليه سحائب الرحمات وتهب عليه من حضرة النبوءة مواهب الخيرات والبركات. إذ سبب الخيرات كلها محبتهم وتعظيمهم، وسبب الشرور والمعاصي بأسرها مقابلتهم بالسوء ،وتعنيفهم ومن والاهم فلرسول الله صلى الله عليه وسلم والى ومن عاداهم فله عادى ومن أحبهم الله فقد أحب الله والرسول ومن أبغضهم فقد أبغضهما وحرم السول. 

وقد نصوا على أن محبتهم سبب في بقاء الديار وزيادة خيراتها، وبغضهم سبب في ذهابها وقلة بركاتها. ولذا يقال: "ما عاداهم بيت إلا خَرِب، ولا نبح عليهم كلب إلا جرب". وما عظمت نعمة الله تعالى على شخص إلا وزاد فيهم محبة وإكبارا، وما قلت عليه إلا وازداد لهم بغضا واحتقارا ولذلك لم يوجد تعظيمهم إلا في كتاب قطب أو صديق، ولا ضده إلا من فاجر أو كافر أو زنديق. ومن المجربات الصحيحة والقواعد المقررة المليحة: أن مقابلتهم بالمودة والإكرام، يوجب لصاحبه القبول والنصر على الدوام، ومقابلتهم بضد ذلك، له الخزي والهوان والذل هنالك. 

وفي حواشي العارف الفاسي (=عبد الرحمن بن محمد الفاسي الفهري) على "الصحيح": "عُرف بالاستقراء عاجلة من تعاطى إذايتهم بالعقوبة في الدنيا، {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ} [طه/ ١٢٧]. اهـ. 

وقال العلامة ابن زكري (=محمد بن عبد الرحمن بن زكري): "ما زالت الخيرات والبركات تظهر على من أحسن إليهم، وأدخل السرور عليهم". 

وقال العلامة سيدي محمد بناني الكبير (=محمد بن عبد السلام البناني) في جواب له: "لا يحل لأحد انتهاك حرمتهم، ولا التعرض للطعن في نشبتهم، وإن جَفَوا وعصوا، وأبدوا من سوء الأخلاق ما أبدوا فإن أهل التجريب نصوا على أن سبب إصلاح الأحوال بموالاتهم، وسبب الخلل بإهمالهم ومعاداتهم، وإبداء شيء من إذايتهم". اهـ. 

وما قامت دولة من الدول بواجب حقهم، ورعاية جنابهم ومجدهم، إلا أمدها الله تعالى بالبقاء والدوام، ومنّ عليها بحصول البغية والمرام، وقام بحمايتها ونصرها وكفاها هم طوائف الكفر بأسرها. وما تركت ذلك إلا وابتلاها الله عز وجل باضطراب الملك وذهابه، وسلط عليها من لا يؤمن بيوم حسابه. 

وقد قيل: "ينبغي للعاقل أن يأخذ حذره من ثلاثة أشياء: 

الأولى: الانهماك في المعاصي والمجون.

الثانية: ظلم الخلق والإضرار بهم. 

الثالثة: وهي الطامة الكبرى: انتهاك شيء من حرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإهمال تعظيم أحفاده الكرام وغيرهم. فهذه لا تبقي ولا تذر".

وقيل: إذا كان من الواجب إكرام أولاد الصلحاء والاعتناء بهم، والإحسان إليهم، حسبما استنبط من قوله تعالى: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَلِحً ﴾ [الكهف/ ٨٢]. فكيف أولاد الأولياء؟ فكيف أولاد الشهداء؟ فكيف أولاد الصديقين؟ فكيف أولاد النبيين؟ فكيف أولاد المرسلين؟ فما أن عسى أن يعبر به في أولاد سيد المرسلين، وأفضل خلق الله أجمعين؟". 

وقد ذكر ابن الشكاك في كتابه "نصح ملوك الإسلام": أن السلف الصالح- كمالك وأضرابه - كانوا يعرفون بعض أشراف زمانهم، ويؤكدون الربط بينهم، ويأخذون العهد عليهم بأن يشفعوا في عرصات القيامة ولا يُسلمونهم في تلك الشدائد.

[حرص الصحابة رضي الله عنهم على إكرام أهل البيت والتودد إليهم]

وكان سيدنا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه -شديد المحبة فيهم، كثير التعظيم لجنابهم يودهم ويواصلهم، ويقول -كما في البخاري عن عائشة عنه: لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي" وكان يوصي بهم، ويقول - كما في البخاري - أيضا - من حديث ابن عمر ارقبوا محمدا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته". يعني: احفظوه فيهم ولا تؤذوهم، ولا تسيئوا إليهم. وقيل: المعنى: "شاهدوه فيهم؛ لأن الجزء من الكل" وكذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب يحبهم كثيرا، ويعظمهم غاية التعظيم، ويستسقي بهم إذا نزل بالناس قحط، وكان إذا مر به سيدنا العباس وهو راكب، نزل عن دابته حتى يجوز إجلالا له، ويقول: "عم" رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتزوج –رضي الله عنه -أم كلثوم بنت فاطمة رغبة ومحبة في مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأمهرها أربعين ألفاً.

وقال لعلي لما امتنع أولاً من تزويجه بها، وقال: حبست بناتي على بني جعفر: "زَوّجنيها؛ فوالله ما على الأرض رجل يرصد من كرامتها ما أرصد. وهكذا كان حال الصحابة كلهم رضي عنهم، في تعظيمهم ومحبتهم، وإكرامهم والتوصية بهم، فكانوا يحبونهم ويعظمونهم، ويكرمونهم ويقدمونهم على أهاليهم وأقاربهم، بل على أنفسهم، توددا بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحثون غيرهم على ذلك ويوصونه به، ويؤكدون عليه في الوصية.

حتى روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حب آل محمد خير من عبادة سنة، ومن مات عليه دخل الجنة". 

روي عن الأعمش عن عطية العوفي قال: قال لي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "يا" عطية؛ احفظ وصيتي ما أراك تصحبني غير سفري هذا: أحبب آل محمد وحب آله ولو أوقعك في الذنوب والخطايا، وأبغض مبغض آل محمد ولو كان صواما قواما".. الحديث.

[مودة السلف وتقديرهم لآل البيت الشريف] 

وقد سلك بعدهم هذا المسلك التابعون فمن بعدهم من بقية السلف والخلف والعلماء والأولياء والصالحين فرُويت عنهم في محبتهم وتعظيمهم وتكريمهم والتوصية بهم قضايا لا تنحصر كثرة. 

وقد كان عمر بن عبد العزيز إذا جاءه أحد من أهل البيت –ولو كان حديث السن -يرفع مجلسه ويُقْبِلُ عليه ويقضي حوائجه كلها، ويقول لبعضهم: "إذا كانت لك حاجة فاكتب إلي وأرسل، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي، ويقول: ما على ظهر الأرض بيت أحب إلي منكم ولأنتم أحب إلي من أهل بيتي وكان يطلب منهم أن يشفعوا له في عرصات القيامة، وأن لا يهملوه في تلك الشدائد، ويقول: ما من أحد من بني هاشم إلا وله شفاعة يوم القيامة".

وأخرج الخطيب أن أحمد بن حنبل كان إذا جاءه شيخ أو حَدَثٌ من قريش أو الأشراف؛ قدّمه بين يديه وخرج وراءه وكان أبو حنيفة يعظمهم كثيرا، ويتقرب إلى الله تعالى بالإنفاق على المتسترين منهم والظاهرين حتى قيل إنه بعث مرة إلى متستر منهم باثني عشر ألف درهم، وكان يحض أصحابه على ذلك.

وكان للشافعي فيهم اعتقاد كريم ووداد سليم، ولمبالغته فيهم صرح بأنه شيعتهم، ونسبه الخوارج إلى الرفض حسدا وبغيا، وفي ذلك يقول: 

يا راكبا قف بالمُحَصَّب من منى .. واهتف بساكن خَيْفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى .. فيضا كمُلتَطم الخليج الفائض

لو كان رفضا حُب آل محمد .. فليشهد الثقلان أني رافضي

وفي "الحلية" لأبي نعيم: أن بعضهم قال له: إن الناس يقولون بأنك شيعي، بسبب محبتك لآل البيت؟ فقال: مثلي ومثلهم كما قيل: 

وما زال بي الكتمان حتى .. كأنني لرجع جواب السائلي عنكِ أعْجَمُ 

لأسْلَم من قول الوشاة وتسلمي .. سلمت؛ وهل حتي من الناس يسلم

وأما إمامنا مالك؛ فتعظيمه لهم شديد وحبه فيهم بالغ أكيد، وقد كان من شيعتهم، وممن يقول بتقديمهم على غيرهم، ويقر بمزيتهم وفضلهم. ويكفي في حبه لهم وتعظيمه إياهم ما وقع منه في واقعة ضرب جعفر بن سليمان العباسي إياه لما قبضه المنصور وجاء به ليقتص منه من قوله: "أعوذ بالله؛ والله ما ارتفع منها سوم إلا وأنا منه في حِلّ ذلك الوقت، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه لما ضُرب حمل مغشيا عليه، فلما أفاق ودخل الناس عليه قال: "أشهدكم أني جعلت ضاربي في حل". ثم قال في اليوم الثاني: "قد تخوفتُ أن أموت أمس، فألقى النبي صلى الله عليه وسلم، فأستحي منه أن يدخل بعض عن جسمي أهله النار بسببي.

[بعض الآيات القرآنية الدالة على فضلهم، وتفسيرها]

وقد ذكر ابن السَّكّاك وغيره من العلماء أنه: يُستنبط من الآي القرآنية ونصوص الأحاديث النبوية: أن الله تعالى أعطى لأهل البيت عطاء جليلا، لا يحيط به وصف ولا تكييف، ولا يدخل تحت مقوله حد ولا تعريف وأنهم سبق لهم في علم الله المحيط القويم سابقة عناية لا يمكن شكرها إلا بالعجز. ولنذكر ههنا شيئا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على فضلهم ومزيتهم، والحث على حبهم وإكرامهم ومودتهم والتحذير من بغضهم ومعاداتهم. فنقول: 

قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب 33). وهذه الآية الشريفة قال العلماء: "إنها منبع فضلهم النبوي، لاشتمالها على غرر من مآثرهم، والاعتناء بشأنهم، حيث ابتدأت بـ: "إنما" المفيدة لحصر إرادته تعالى في إذهاب الرجس - الذي هو الإثم والشك فيما الإيمان به – عنهم، وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة. 

وختمت بالمصدر الذي هو: "تطهيرا" للمبالغة في وصولهم لأعلاه، وفي رفع التجوز عنه، وتنوينه تنوين التعظيم والتكثير والإعجاب وهو يفيد أن هذا التطهير ليس من جنس ما يتعارف ويُؤلف.

وقال تعالى: {قُل لَّا أَسْلُكُمْ عَلَيْهِ }: يعني على التبليغ والإرشاد – {أجرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْى} [الشورى/ 23]. قال ابن عباس: "يعني: إلا أن تودوا قرابتي وتحفظوني فيهم. أي: بصلتهم وإدخال السرور عليهم، وتعظيمهم وتوقيرهم.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردوية في تفاسيرهم، وأحمد والطبراني في "الكبير"، والحاكم في "المستدرك " .. وغيرهم عن ابن عباس أنها: "لما نزلت، قالوا: يا رسول الله؛ مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: "علي وفاطمة وابناهما". وفي لفظ: "وأبناؤهما . 

وأخرج أبو الشيخ وغيره عن علي قال: "فينا آل محمد آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن... ثم قرأ الآية.

وقال تعالى: ﴿وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا﴾ [الشورى/ ٢٣]. 

روي عن الحسن بن علي قال: "اقتراف الحسنة: مودتنا أهل البيت". وأخرج الشعبي عن ابن عباس قال: "الحسنة: المودة لآل محمد صلى الله عليه وسلم

وقال تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ [الصافات/ ٢٤]. 

قال الواحدي في تفسيره: "أي: عن ولاية علي وأهل البيت كما رُوي.

وقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ [آل عمران/ ١٠٣]. 

أخرج الثعلبي عن جعفر الصادق قال: "نحن حبل الله . 

وقال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا وَاتَنهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ [النساء/ ٥٤]. 

روي عن محمد الباقر قال: "أهل البيت هم الناس والله".

وقال تعالى: ﴿سَلَامُ عَلَى إِلَّ يَاسِينَ﴾  [الصافات/ ١٣٠]. 

نقل عن ابن عباس أن المراد: سلام" على آل محمد وكذا قال الكلبي.

وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورُ﴾ [الشورى .٢٣]. 

نقل القرطبي وغيره عن السدي قال: غفور لذنوب آل محمد شكور "لحسناتهم 

وقال تعالى: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعِ يَوْمَبِذٍ ءامِنُونَ  * وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَل تُجزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل/ ٨٩، ٩٠]

ذكر بعض المفسرين أن المراد بالحسنة هنا حب آل البيت، وأن المراد بالسيئة بغضهم أخذا وقال بعضهم "ألا أنبئكم بحسنة لا تضر معها معصية؟ من هذا التفسير: فقيل: وما هي يرحمك الله؟ قال: حب آل البيت. قال: ألا أنبئكم بسيئة لا تنفع معها طاعة؟ قيل: وما هي؟ قال: بغضهم !

وبعد أن ذكر اثنين وأربعين حديثاً في فضائل أهل البيت، يقول الشيخ الكتاني:

والأحاديث في هذا الباب كثيرة لا تنحصر، وفي هذا الذي ذكرته منها – وهو: اثنان وأربعون حديثا، اقتداء بما ذكره النووي في حديثه – كفاية. 

وقد قال في "الدر السني" ما نصه: "وقد صرح العلماء من المحدثين والفقهاء، عملاً بمقتضى الآيات والأحاديث والقواعد الإيمانية: بأن محبة آل النبي صلى الله عليه وسلم من الفروض العينية الواجبة على كل مسلم. 

قال الحافظ أبو عبد الله ابن مرزوق في بعض أجوبته: أجمع المسلمون على تعظيم آل محمد صلى الله عليه وسلم لا يخالف في ذلك مؤمن خالص الإيمان.. إلخ". 

وقال الشهاب ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة" سياق كلام له: "علم الأحاديث وجوب محبة آل بیته صلى الله عليه وسلم وتحريم بغضهم تحريماً غليظا وبلزوم محبتهم صرح البيهقي والبغوي - كما مر عنه - أنها من فرائض الدين بل نص عليه الشافعي فيما حكاه عنه في قوله: 

يا أهل بيت رسول الله حبكم .. فرض من الله في القرآن أنزله 

ونص على ذلك أيضاً، وعلى مزيد ترفيع قدرهم العلي الشيخ زروق رضي الله عنه، بما يوقف عليه في كتبه إلى غير واحد من المتقدمين والمتأخرين. 

ووجوب ذلك على سائر الأمة عموما، وعلى آل البيت فيما بينهم خصوصا؛ لشمول التكليف لهم بما علم من الدين ضرورة لاندراجه في مقتضى الإيمان به صلى الله عليه وسلم". "ولا حفظ عهده ولا أحل مكانه من أبغض فريقهم الكريم وتنقصه أو أهانه "... إلخ اهـ كلام صاحب "الدر"
والكلام في هذا الجناب الكريم متسع جدا، وقد وضع الناس فيه التآليف العديدة الكثيرة، وفي هذا الذي ذكرنا منه تنبيه على ما لم يذكر... والله أعلم. انتهى والحمد لله

قال أبو الليث محمد حمزة الكتاني الحسني وإلى هنا تم المقصود بحمده تعالى في الساعة 2:27:13 من ظهر الخميس الموافق للخامس عشر من صفر، لعام ستة عشر وأربعمائة وألف للهجرة، والحمد لله وصلى الله على رسوله الكريم. وأقول متمسحاً بأهل الشعر:

کتاب جاء بالإبداع آيـــــة .. لفضل الصالحين ذوي النهاية

أهيل البيت لأقطاب الهداة  .. وأعلام الدرايـــــــة والـــــــــرواية 

رووا من فيض جدهم بغاية .. وجاؤوا بالكتاب وبالهداية 

بخط الأوسط الأنساب فيهم .. إمام القرن مـن فـاق السرايا

 محمد الهمام القطب فضلا .. وإشراقا وعلما والدراية

سليل الحاوي علما والمزايا .. إمام الوقت جعفر ذي العطايا

فجاء كتابه علما غزيرا .. وإحكاما وحكمــــا، نعـــم آيــــــة

إلى المختار أهديه نظاما .. وأسلمه إليه من بداية

وأدعــــــــــو الله توفيقاً مديدا ..وإتمامــــــا لنور، رفع رايـــــة

 فحمدا للإله علـــــى هــــــداه .. وصلي عالنبي والصحب غاية

وآل البيت ما نادى المنادي .. کتاب جاء بالإبداع آية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق