أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 سبتمبر 2023

حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياتها صالح بن فوزان الفوزان بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

حكم إحياء الآثار والعناية بأمور الجاهلية وشخصياتها

صالح بن فوزان الفوزان

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: لقد أغنى الله عباده المؤمنين به عن كل ما سواه، وجعل ميراث هذه الأرض لخلفائه من الرسل والأنبياء والمتقين من عباده، ثم هو سبحانه يرث الأرض ومن عليها، ونحن بهذا نعتز ونفتخر، فلا نعتز بآثار الأقوام المعذبين، ولا نفتخر بمساكن الظلمة والجبارين، ولا نتباهى بحضارات الوثنية والإلحاد، ولا نرتضي أن نرتبط بماضي هؤلاء الأقوام، الذين كذبوا الرسل، وجحدوا ربهم.

بـل إننا نعتز بديننا، ونفاخر بتراثنا، ونتمدح بتاريخنا، فلا يليق بالمسلمين أن يتركوا الاعتزاز بالإسلام والمسلمين، ويذهبوا إلى الاعتزاز والافتخار بالجاهلية وأهلها؛ لأنَّ هذا إحياء للجاهلية التي أذهبها الله بالإسلام، وأبدل المسلمين خيراً منها.

فلله قد أذهب عن المسلمين عبية الجاهلية، وفخرها، بل وذمها، وحذر منها، وكذلك الأمر في كل الأمور المضافة إلى الجاهلية، فهي مذمومة وإحياء لفخر الجاهلية وتمجيد لرجالاتها، بل إن محاولات إحياء هذه الآثار هو تنكر للإسلام ولمعالمه وجحود لفضله، فأي عزّةٍ يبتغيها هؤلاء الظلمة بإحياء هذه المعابد والكنائس والمقابر، وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن سخط الله وغضبه على من (يبتغي فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ).

وللأسف، فإن من خطط الماسونية العالمية إحياء آثار الجاهلية، خصوصاً في بلاد الإسلام، فقامت فيها دعاية لإحياء آثار أهل الجاهلية في بلاد الإسلام؛ لأجل جلب السياح للمفاخرة والاستثمار، وتشجعهم على ذلك منظمات أجنبية.

وبيّن المؤلف -وفقه الله -حكم هذه الآثار، وأنواعها، وقصد الناس من النظر إليها، سواء كانت تتعلق بها أحكام شرعيَّة، أو أحداث تاريخية:

وبين أنه لا يجوز إحياء الأماكن التي فيها علم من أعلام المشركين،أو نزل بأهلها نوعٌ من أنواع العذاب، أو كان يقام بها عيد من أعيادهم، فإنها تترك وجوباً، ولا يجوز الإقامة فيها، ولا استثمارها، ولا الاعتناء بها، ولا ترميم ما اندرس منها، ولا الاحتفاظ بالأصنام التي فيها، ولا بأجزائها، ولا التنقيب عنها، ولا جلبها من بلاد الكفار.

بل تهمل هذه الآثار المقيتة، حتى تذبل وتذهب كسائر الخرابات، ويُقاس على ذلك القبور والأضرحة التي يتبرك بها، ويُدعا أصحابها من دون الله، وكذلك الأماكن التي تقام فيها الأعياد المبتدعة، والأماكن التي يُعصى الله تعالى فيها.

وأما إن كانت هذه الآثار الجاهلية ليست من أعلام دين المشركين، ولم ينزل بأهلها عذاب، وإنما هي مساكن ومرابع وأراضٍ لهم، فلا بأس باستغلالها في الخير، وزراعتها بما يعود نفعه على المسلمين، ويحسن والحالة هذه تغيير معالمها إلى معالم المسلمين، وإقامة شعائر الدين بها.

القصد من النظر في الآثار

 ١ - الكُفَّار ينظرون إلى الآثار إعجاباً بها وتعظيماً لأصحابها من الفراعنة والجبابرة والطغاة، واستثمارا لها بما يحصلون عليه من الزوار، ويفتخرون بها وبأصحابها من الكفرة والطغاة والمجرمين؛ لأنهم ينهجون منهجهم ويسيرون على طريقتهم. وأيضاً يريدون بإحيائها الإبقاء على الكفر، ومحاربة ديـن الأنبياء عليهم السلام. 

٢- وأما المسلمون فإنهم ينظرون إلى هذه الآثـار نـظـر اعتبار واتعاظ عملاً بقول الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَقَبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾ (النمل: ٦٩).

وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ اذَانُ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: ٤٦)، وذلك بعد قوله تعالى: ﴿فكأيّن مِن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِثْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ (الحج: ٤٥).

وقال تعالى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ (النمل: ٥٢)، ولا ينظرون إليها نظر افتخار وإعجاب، ولا يعتنون بها، ولا ينقبون عما تحت الأرض منها

حكم إحياء الآثار

  - أنواع الآثار:

أولاً: الآثار النبوية الحديثية:

ویراد بها ما ورد عن النبي ﷺ من الأحاديث الشريفة، ويطلق عليها اسم السُّنَّة، وتأتي في المرتبة الثانية في التعظيم، وفي الاستدلال بها بعد القرآن الكريم، وتطلق الآثار أيضًا على ما ورد عن السلف الصالح من اجتهادات وأقوال في الأحكام الشّرعيّة، وهذه الآثار النبوية، والأقوال والاجتهادات السَّلفيَّة، يجب العناية بها والاحتفاظ بها، فهي مصادر الدين الإسلامي بعد القرآن الكريم.

وقد اعتنى بها العلماء حفظًا وضبطاً وروايةً، وتفقهوا في معانيها، وسموا ذلك بفن الأثر أو علم الأثر، وألقوا فيه المؤلفات الكثيرة من السنن والصحاح والمسانيد والآثار. وقد شبه النبي ﷺ ما جاء به من الكتاب والسنة بالغيث النازل على الأرض: 

فمنها -أي من الناس -طائفة: حفظت الماء وأنبتت الكلأ، وهـو العـشـب فـارتوى النَّاس من مخزونات مياهها، ورعوا من كلئها، وذلك مثل العلماء الحفاظ الفقهاء.

ومنها طائفة: أمسكت الماء ولم تنبت كلاً؛ لأنها أجادب لكنها أمسكت الماء فارتوى الناس من مخزون مياهها، وهذا مثل الحفاظ غير الفقهاء. وفي كلا الطائفتين خير.

وطائفة ثالثة: لم تمسك ماءً ولم تنبت كـلاً، وهـذا مـثـل مـن لم يقبـل هدى الله الذي جاء به الرسول ﷺ، ولم يرفع بذلك رأسًا. 

ثانياً: الآثار النبوية المنفصلة عن جسمه الشريف: 

من عرق وريق وشعر والملابس التي لامست جسمه، فيتبركون بها، ويستشفون بما بقى منها، وهذا خاص بالنبي ﷺ دون غيره.

ثالثاً: الآثار عند المؤرخين الجغرافيين: 

الذين يحددون الديار والأقاليم، ويؤلفون فيه المؤلفات مثل عجم البلدان لياقوت الحموي، وصفة جزيرة العرب للهمداني، وصحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار، فإن كانت هذه الآثـار تتعلق بها أحكام شرعيَّة، أو أحداث تاريخية، أو جاء ذكرها في أشعار العرب فهي شواهد للغة العربية، فهذه الآثار يستفاد منها تاريخيا ولغويا وغير ذلك، وكان الشعراء يتغنون بها في أشعارهـم تـذكرًا لعشيقاتهم الساكنة فيها، فيفتحون بها قصائدهم، مثل معلقة امرئ القيس:

قفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَمَنْزِل *** *** بِسقْطِ اللَّوَى بَيْنَ الدَّخُوْلِ فَحَوْمَل

ومثل قول لبيد: 

عَفَتِ الدِّيارُ مَحَلَّهَا فَمُقَامُهَا *** بِمِنِّي تَابَدَ غَوْهُنَا فَرِجَامُهَا 

وقول النابغة: 

يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَلْيَاءِ فَالسَّنَدِ أَقْوَتْ *** وَطَالَ عَلَيْهَا سَالِفُ الأَبَدِ 

وقول الأعشى: 

وَدَّعْ هُرَيْرَةَ إِنَّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ *** وَهَلْ تُطِيقُ وَدَاعًا أَيُّهَا الرَّجُلُ 

وقال عنترة: 

هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ مِن مُتَرَدَّم *** أَمْ هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُم 

يا دار عبلةَ بالجواء تكلّمي *** وعِمَي صَباحَاً دارَ عَبْلَةَ وَاسلَمِي 

رابعاً: الآثار السياحية التي صارت مرفقًا اقتصاديًا من مرافق بعض الدول:

وهـي محـل بحثنا، وهذه الآثار أقسام:

١ - منها آثار الأمم الهالكة المعذبة: مثل ديار ثمود بالحجر، وديـار عـاد بالأحقاف، وديار مدين، وقوم لوط، قال تعالى فيها: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾، وآثار عاد بالأحقاف.

وهذه الآثار ينظر فيها للعظة والاعتبار، كما قال تعالى: ﴿فَكَأَين من قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِثْرِ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ مَاذَانُ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَرُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (الحج: ٤٥ - ٤٦).

ولما مرَّ النَّبي ﷺ بديار ثمود في طريقه لغزوة تبوك، قال لأصحابه: (لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذِّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ)، فنحن لا ننظر إليها نظر إعجاب ونفتخـر بهـا، أو ننظر إليهـا اقتصاديًا، كما تفعل الدُّول غير المسلمة، أو المسلمة المقلدة لها؛ لأنَّ هذا يخالف ما جاء به ديننا نحوهـا، مـن عـدم العناية بهـا وحمايتهـا، فـضـلاً عـن استثمارها، ولا تجوز الإقامة فيها، ولا فتح مشاريع استثمارية فيها من مطاعم ومقاهي وفنادق ممـا يرغب في زيارتها ويجلب السياح الكفـار إلى بلاد المسلمين.

٢- ومنها آثار جاهليّة مما قبل الإسلام، فإذا كانت هذه الآثار أمكنة عبادة الجاهلية، فنحن مأمورون بطمسها، وإتلاف معالمها حفاظًا على عقيدتنا من الموروث الجاهلي، الذي يجر إلى الشرك، وقد أمر النبي بكسر الأصنام وإتلافها، وإزالة معالمها، ونهى عن إحيائها ومشابهة أهلها. 

ومن ذلك لما سأله رَجُلٌ: نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلًا بِبُوَانَةَ -اسم موضـع قـريـب مـن رابغ -قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ). قَالُوا: لا. قَالَ: (هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ). قَالُوا: لَا، قَالَ: (أَوْفِ بِنَدْرِكَ، فَإِنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ).

ولا يجوز الاحتفاظ بهذه الأصنام أو بأجزائها أو التنقيب عنها، أو جلبهـا مـن بلاد الكُفَّار، كما فعل عمرو بن لحي لما جلب الأصنام من بلاد الشام إلى أرض الحجاز وغيَّر دين إبراهيم، وأمر بعبادتها من دون الله. 

وإن كانت هذه الآثار الجاهلية ليست من أعلام دين المشركين، ولم ينزل بأهلها عذاب، وإنما هي مساكن ومرابع لهم، فإنها تترك ولا يعتني بها ولا ترمم حتّى تندرس وتذهب كسائر الخرابات.

٤-وإن كانت تصلح للسكن أو الزراعة، فإنها تعمر وتزرع. 

٥- وإن كانت هذه الآثار مساكن للمسلمين، وقد تركت وهجرت واستغني عنها، فإنها تترك ولا يُلتفت إليها ولا تكون ذات أهمية دينية ولا دنيوية، ولا تنزع ملكيتها من أهلها الذين ورثوها عمن قبلهم. 

٦- وإن كانت هذه الآثار لها ارتباط بالصَّالحين أو المعظمين من الملوك كمساجدهم ومجالسهم وقصورهم، وسائر استعمالاتهم، وقــد خـربـت وهجرت، فلا تجوز العناية بها وإحياؤها؛ لأنَّ هذا يفضي إلى الشرك بالتبرك بها، والاعتقاد بأصحابها، كما حصل لبني إسرائيل لمـا تتبعـوا آثـار أنبيائهم وصالحيهم فآل بهم ذلك إلى الشرك. 

ولما رأى عمر -رضي الله عنه -قوماً يذهبون إلى شجرة بالحديبية يزعمون أنهـا الشَّجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان ليصلوا عندها أنكر عليهم، وأمر بقطع الشجرة. 

ومن باب أولى المساجد القديمة المهجورة كـمـسـجـد عـلي، كما يسمونه في خيبر، ومثل المساجد السبعة في المدينة، ومسجد الكوع، ومسجد عداس في الطائف، فأنها لا تحيى هذه المساجد ولا تزار، كما لا يبنى على آثار الصَّالحين، ولا على قبورهم مساجد؛ فقد لعن من يفعل ذلك، لأن هذا وسيلة من وسائل الشرك وذرائعه. 

فقد (لعن النبيُّ ﷺ زوارت القبور، والمتخذين عليه بالمساجد والسرج)، وأخبر أن من فعل ذلك فهو (من شرار الخلق عند الله)، فلا يجوز للمسلمين أن يعملوا عملهم ويتشبهوا بهم؛ لأن ديننا يمنع من ذلك.

 وقد قامت الآن منظمات دولية تعتني بهذه الآثار، وتحييها وتحافظ عليها ويقلدهم بعض جهلة المسلمين فاشتركوا مع هذه المنظمات. وعلى ولاة أمور المسلمين أن يمنعوا ذلك، ويطهروا بلادهم منه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُل حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ (الروم: ۳۱-۱۳۲)، ولا نعتز بها، ولا نفتخر بها، ولا نقول إنّها تربطنا بالماضي كما يقوله الجهال؛ بـل نعتز بديننا ونتمسك به، فقد أغنانا الله به عن كل ما سواه، وفي الاعتزاز بغيره ذلة، وهوان، كما قال عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه: ( نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله).

ولا نرتبط بالجاهليّة بأي رباط وقد حذرنا النبي ﷺ من كل ما يرتبط بالجاهلية، ولا يجوز الافتخار بأهل الجاهلية والاحتفال بشخصياتهم: وكذلك لا يجوز إحياء آثار أهل الجاهلية والاحتفال بشخصياتهم، وإقامة المناسبات لها، وجلب الشعراء والأدباء لإحياء هـذه الذكريات الممقوتة. 

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: (نـحـن أمـة أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله)، فلا يجوز للمسلمين أن يفتخروا بأهل الجاهلية: وهم من كان قبل الإسلام. 

والجاهلية: مذمومة وأهلها مذمومون – ولا يليق بالمسلمين أن يتركوا الاعتزاز بالإسلام والمسلمين، ويذهبوا إلى الاعتزاز والافتخار بالجاهلية وأهلها؛ لأنَّ هذا إحياء للجاهلية التي أذهبها الله بالإسلام، وأبدل المسلمين بها بخير منها – وكل ما نسب إلى الجاهلية، فهو مذموم مثل: حمية الجاهليّة، وظن الجاهليّة، وتبرج الجاهلية، وعزاء الجاهلية، ودعوى الجاهلية، وحكم الجاهلية.

قال النَّبِي ﷺ: (مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُوهُ بهن أبيه وَلا تَكْنُوا)، وقال ﷺ: (لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ، أَوْ لَيَكُونَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهُ مِنَ الجعلان، إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُيَّة الجَاهِلِيَّةِ، وَفَحْرهَا بِالْآبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ مِن آدَم وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ).

وكل ما هو منسوب إلى الجاهليّة من أشخاص وآثار ونخوات، فهو مذموم لا يفتخر به؛ لأنَّه إحياء لأمور الجاهلية وتناس لنعمة الإسلام وما فيه من العز والكرامة: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَالرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون: ۲۸).

وقال تعالى: ﴿وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: ١٣٩)، وقال تعالى: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ (المائدة: ٣)، فما كان من عز وخير فهو في ديننا، لأنَّ الله أكملـه وأتمـه ورضـيـه لـنـا ومـا سواه، فهو ذلة ومهانة خصوصاً ما يرجع إلى أمور الجاهلية وأهلها.

فالله قد أذهب عنا عبيتها وفخرها والعبية هي: الفخر والنخوة والكبر وإضافة هذه الأمور الجاهلية ذم لها وتحذير منها، وكل الأمور المضافة إلى الجاهلية، فهي مذمومة وإحياء لفخر الجاهلية وتمجيد لرجالاتها، والتشبه بهم تنكر للإسلام وجحود لفضله وهذا كفران للنعمة ونسيان لأمجاد الإسلام ورجوع إلى الوراء. 

وما عرف عن الجاهليّة إلَّا التَّفرق والاختلاف والكفر والشرك، وأكل الربا وأكل الميتات ووأد البنات والظلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: (أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهُ ثَلَاثَةٌ مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ وَمُبْتَغِ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٌّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ، وقال: أَلا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ). 

وقال عمر بن الخطاب: (تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية). فالذي يريد أن يجتر أمور الجاهلية، ويعظم شخصياتها ويحتفل بها ويقيم لها المناسبات، إنما يريد أن يرفع ما وضعه الرسول ﷺ ويحيي عاداتها وتقاليدها، فلا يفتح هذا الباب الذي أغلقه الرسول ، فيجب الأخذ على يديه لئلا يفتح على النَّاس شراً.

ولما أراد يهودي أن يذكر الأوس والخزرج بـمـا كـان بينهم في الجاهلية من حروب بـعـدمـا مـن الله عليهم بالإسلام والائتلاف أنزل الله تعالى قوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: ١٠٣). 

فالواجب أن نرفض أمور الجاهلية ولا نفتخر بها ولا برجالاتها وشخصياتها؛ لأنَّ ذلك من إحياء الجاهلية وموالاة الكفار، فتصبح كل قبيلة تريد أن تحيي ذكر من ينتسبون إليهم من أهل الجاهلية، فيعود إلينا التفاخر بالآباء ويحصل بيننا التفرق والاختلاف والانقسام.

والله قد جعلنا إخوانًا في الإسلام لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبـيـض على أسود إِلَّا بِالتَّقوى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقاكُمْ ﴾ (الحجرات: ١٣). ففخرنا وعزنا بديننا لا بأنسابنا، ولا ببلادنا، ولا بآبائنا وقبائلنا، ولا بأمجاد الجاهلية ومفاخرها نسأل الله تعالى أن يبصرنا بدينه ويمسكنا به. (رضينا بالله ربا والإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلَّم نبيا ورسولاً).

وإذا كان لا يجوز إقامة احتفال بذكرى معظمي الإسلام فكيف يجوز الاحتفال بذكر معظمي الجاهلية والافتخار بذلك، سواء كان المعظم شجاعًا كعنترة، أو كريماً كحاتم وابن جدعان، فما عندهم من الكفر والشرك يغطي ما عندهم من الكرم والشجاعة 

مقتطفات من كلام أهل العلم في تحريم إحياء الآثار:

 ۱- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ما بنى رسول الله ﷺ بمكة غير المسجد الحرام، ولا شرع لأمته زيارة موضع المولد وغيره، ولا زيارة موضع العقبة الذي خلف مني، ولم يأت هو وأصحابه غار حراء، ولا شيئاً من البقاع التي حول مكة. انتهى.

٢ـ وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: أما اتخاذ دار الأرقم بن أبي الأرقـم مـزاراً للوافدين إلى البيـت الحرام يتبركون بـه بأي وسيلة كان ذلك سواء كانت إعلان كتابة دار الأرقم عليها وفتحها للزيارة أو اتخاذها مكتبة أو متحفاً أو مدرسة فهذا أمر لم يسبق إليه الصحابة الذين هم أعلم بما حصل في هـذه الـدار مـن الدعوة إلى الإسلام والاستجابة لها؛ بل كانوا يعتبرونها دار الأرقـم لـه التعرف فيها شأن غيرها من الدور. انتهى.

٣- وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: في رده على كاتب صحفي يدعو إلى إحياء الآثـار لمـا ذكـر الشيخ الأدلة الشرعية على تحريم ذلك، قال: إذا عرفـت مـا تقـدم مـن الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم في هذا الباب علمت أن ما دعا إليه الكاتب المذكور من تعظيم الآثار الإسلامية كغار ثور ومحل بيعة الرضوان وأشباهها، وتعمير ما تهدم منها، والدعوة إلى تعبيد الطرق إليها، واتخاذ المصاعد الكهربائية لمـا كـان مرتفعـا منهـا كالغارين المذكورين، واتخاذ الجميع مزارات، ووضع لوحات عليها، وتعيين مرشدين للزائرين كـل ذلك مخالف للشريعة الإسلامية التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وسد الذرائع، ذرائع الشرك والبدع، والنهي عنها ولو حسن قصد فاعلها، أو الداعي إليهـا لمـا تفـضـي إلـيـه مـن الفساد العظيم، وتغيير معالم الدين، وإحداث معابد، ومزارات وعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله، وقد قال الله عز وجل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: ٣). انتهى.

وأقول: قد يقول قائل : هذا الكلام في الآثار التي يقضي إحياؤها إلى الشرك. وأما الآثار التي تقصد للسياحة والنزهة، ويُقصد استثمارها فليست كذلك ونقول له: إن إحياءها للزائرين والسائحين وسيلة لتعظيمها والتبرك بها من قبل الخرافيين، فقد نشطوا لمـا فـتـح هذا الباب، وفرحوا بهذه الفكرة، واتخذوها حجة لهم في إحياء الآثار الشركية، والممارسات البدعية. فيجب سد هذا الباب من أصله، ثم في هذا العمل لمجئ الكفار إلى بلاد المسلمين، ونشر أخلاقهم، وعاداتهم بين المسلمين. وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلّم




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق