تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال
الإمام الحافظ العلامة أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ لا شك أن الزكاة طهرة للنفوس من أدران الذنوب، والزكاة صون للمال من الشر والهلكة، وسبيل إلى نمائه، وزيادة بركته، كما جاء في حديث جابر عند الطبراني في الأوسط -مرفوعاً: (من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره أي شر ماله)، وقد توعد االله تعالى من منعها بالنار، والابتلاء المهلك، ومحق البركة ، ففي الخبر عن أنس مرفوعاً: (مانع الزكاة يوم القيامة في النار)، وعن بريدة مرفوعاً: (ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين).
وقد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وأوجبها على كل مسلم ومسلمة، وذكر العلة من ذلك وهو إغناء الفقراء في ذلك اليوم، وإدخال السرور على المسلمين، وقد رأى الشيخ الغماري أن هذه العلة متحققة في المال أكثر منها في الطعام، وأن التصدق بالطعام أيام النبيّ صلى الله عليه وسلم وصحابته، إنما كان لشدة حاجة الناس إليه، وهذا أمرٌ شهد لهم به التاريخ، حيث الأسواق كانت معطلة في أيام العيد، وكانت قوافل الطعام لا تكفي.
وذكر أن المنفق من ماله مثاب، كما أن مانع زكاة ماله معاقب، فكذلك الأمر في صدقة الفطر من المال يثاب فاعله، وقد أخبر الله تعالى في كتابه أن المؤمن لا ينال البر حتى ينفق مما يُحب، والمال هو المحبوب بين الناس اليوم، وأن المال أفضل من الحبوب، فيجوز الانتقال إلى الأفضل مع وجود الفاضل، سيما وأن كثرة الثواب تتبع كثرة المصلحة، ومصلحة الناس اليوم في المال لا في الحب.
وذكر أن المال أصلٌ كالطعام تماماً، لا أنه بدل؛ لأنه يدخل في عموم علة الإغناء وإدخال السرور على الفقراء، كما أن النصَّ بيّن القدر الواجب لا عين الواجب، بدليل مخالفة الصحابة لنفس النص، حيث أخرجوا غير المنصوص عليه، فأقرّهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فكان هذا دليلاً على شمول المال بالعموم؛ لأن العلة المذكورة متحققة فيه من باب أولى.
وذكر أن التعويل يكون على قصد المتكلم ومراده لا على ظاهر كلامه، وأن العبرة اليوم بالمنفعة والمقاصد لا بالوسائل والأسباب، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يحصر زكاة الفطر في هذه الأصناف، بدليل فعل الصحابة، كما أن كل حكمٍ شرعي أمكن تعليله فالقياس فيه جارٍ، ولما لم يثبت تخصيص الطعام بعينه، لم نمع قياس المال عليه.
كما أن في إخراج زكاة الفطر بالمال تيسير على الناس، ورفعٌ للمشقة عنهم، ذلك أن المال حاضرٌ عند الناس، بينما الطعام اليوم يتكلف الناس استحضاره؛ لأنه ليس عندهم، وكذلك فإن مغايرة النبيّ صلى الله عليه وسلم بين الأعيان المذكورة، وإيجابه في البر نصف صاع، وفي الشعر صاع، دليلٌ على اعتبار القيمة دون العين، إلى غير ذلك من الأمور التي ذكرها الشيخ.
وهذا الكتاب النفيس، والذي يتلألأ نوراً وبهاءاً وإشراقاً؛ للشيخ العلامة أحمد بن الصديق الغماري -رحمة الله عليه، كتب فيه فصولاً بديعة، وزيّنها بأصول من مقاصد الشريعة، وسد فيها على المانعين الذريعة، فتحققت منه الآمال، وعرَّفنا فيه جواز إخراج زكاة الفطر بالمال، وقد أسعدنا بما أورد فيه من الآثار، ووضع عن كاهلنا كثيراً من الأغلال والآصار.
وما أجمل إيراده للقواعد والفوائد، وما أحسن نظمه للطائف والفرائد؛ حتى كأنها عقد منظوم، ورحيق كأس مختوم، وكلما أمعنت في النظر فيه، أيقنت أن صاحبه ذو قدم راسخة في جميع العلوم، فتخاله من كثرة اطلاعه ودقة فهمه غواصاً ماهراً، يسبح في أمواج المعاني الرائقة، ويكشف مكنون علمه بالعبارات الفائقة، فكان بنانه بنان الفقيه المسدد، ولسانه يستدلُّ بكل قولٍ أحمد، فجزاه الله عنا خير الجزاء، ورحمه الله رحمة واسعة.
وقد ذكر الغماري في استدلاله على جواز إخراج زكاة الفطر بالمال باثنين وثلاثين وجهاً، كلها حسن محمود، واستند إلى الكثير من الأحاديث المرفوعة، والموقوفة، والمقطوعة، وذكر آراء كلا الفريقين، وأدلتهم، وردَّ على شبهات المانعين، بكلام محكم متين، وأزعم أنه لم يصنف مثله في هذا الموضوع، ثم ذيّل الكتاب بملاحق يذكر فيها فتوى قضاة المحكمة الشرعية بالبحرين، وفتوى ابن باز بالمملكة السعودية.
مقدمة الغماري
يقول الغماري في مقدمة كتابه: "ولما كثرَ سُؤَالُ النَّاسِ عن زكاةِ الفِطْرِ، مع ارتفاع ثمن القَمْح. أَفْتَيْناهُم بجواز إخراج المالِ والدَّقيق لمن كانَ مُتَيَسَّرًا لديه. وقُلْنا: إِنَّ المالَ أَفْضَلُ مِنَ الدَّقيقِ نَظَرًا لحالِ الوَقْتِ ومَصْلَحَةِ الفُقراء. وكانَ هذا في السَّنَةِ الماضيَّة حيثُ كانَ الدَّقيقُ لا زالَ مُتَيَسَّر الحصول عليه. أما في هذه السنة التي انْقَطَعَ فيها الدقيق بالكلية فأفتيْناهُم - لما تكَرَّرَ السُّؤالُ - بإخراج المال. وَوَافَقَنا على ذلكَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ، فَأفتى أهْلَ بَلَدِه بجواز إخراج المال. فقامَتْ قِيامَةُ طَلَبَتِها، وكادت السماوات يَتَفَطَّرْن، أو تَنْشَقُ الأرض، أو تَخِرُ الجِبالُ هَذَا، أَنْ خَالَفَ المذهب وأفتى مُوافقةً لنا بجواز إخراج المال !! فَطَلَبَ مِنِّي أَنْ أُبَيِّنَ لَهُ مُسْتَنَد ما ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وأَذْكُرَ لَهُ ذلك مَبْسُوطًا، فَأَجَبْتُهُ بهذا الجُزْءِ، وسَمَّيْتُهُ: (تحقيقُ الآمالِ فِي جَوَازِ إخراج زكاةِ الفِطْرِ بالمال).
فصلٌ: في بيان مذاهب الأئمة في إخراج زكاة الفطر
وإخراج الدقيق هو مَذْهَبُ الحَنَفِيَّةِ والحنابلة، وقول أبي القاسم الأنماطي من الشافعية، وابن حبيب وأصبغ وجماعة من المالكية. بل قال ابن حبيب: "إنما مَنَعَ مالِك من أجل الريع، فإذا أُخْرَجَ بمقدار ما يريع فهو جائز على قوله كما يفهم منه".
وأمَّا إِخْراجُ المالِ فَهُو قَوْلُ جماعةٍ مِنَ الصحابة والتَّابِعِينَ، مِنْهُم: الحسنُ البَصْرِي، وعُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ، وهُو مَذْهَبُ الثَّوري، وأبي حَنِيفةً، وأبي يُوسُفَ، واخْتَارَهُ مِنَ الحَنِفْيَّةِ الفقيه أبو جَعْفَرٍ، وبه العمل والفتوى عِنْدَهُم في كل زكاة، وفي الكفاراتِ، والنَّذْرِ، والخَرَاج، وغَيْرِها، وهو أَيْضًا مذهب الإمام النَّاصِرِ، والمُؤَيَّدِ بالله، مِنْ أَئِمَّةِ أُهْلِ البيت الزيديَّة. وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثَوْرٍ، إلا أنهما قيَّدا ذلك بالضرورة، كما هو مذهبُ بَقِيَّة أهل البيت، أعني جواز القيمة عِنْدَ الضرورة، وجَعَلُوا منها: طلب الإمام المال بدل المنصوص.
وهو قول جماعة من المالكية كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، وابن دينار، وابن وهب، على ما يقتضيه إطلاق النَّقْلِ عنهم في تجويز إخراج القيم في الزكاةِ، الشامِلَةِ لزكاة المال وزكاةِ الرؤوس، بخلاف ما نقلوه عن ابن القاسم وأشهب، من كونهما أجازا إخراج القيمة في الزكاةِ إلا الفِطْرِ وكَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ.
فمن كانَ مُقَلِّدًا فَحَسْبُهُ تَقليد هؤلاء الأئِمَّةِ، ولو من غَيْرِ مَذْهَبِهِ. فَإِنَّ الانْتِقَالَ منْ مَذْهَب إِلى مَذْهَب، ولَوْ فِي بَعْضِ النَّوازِلِ، جائز على الصحيح المَشْهُورِ في كُلِّ المذاهب.
بيان استدلال الغماري من وجوه:
الوجه الأول:
إنَّ الأصل في الصَّدَقةِ المال، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِم صَدَقَةً}، والمال في الأصل ما يُمْلَكُ مِنَ الذَّهب والفِضَّةِ. وأَطْلِقَ على ما يُقتنى مِنَ الأعيانِ مجازاً. وأكثر ما يُطْلِقُهُ العَرَبُ على الإبل لكونها أكثر مالهم.
وبيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنصوص عليه، إنما هو للتيسير وَرَفْعِ الحَرَج المواشي، لا لتقييد الواجب وحَصْرِ المَقْصودِ فيه. لأنَّ أَهْلَ البادية وأرباب تعزُّ فيهم النقود، وهُم أَكْثَرُ مَنْ تَجِبُ عليه الزَّكاةُ، فكانَ الإخْراجُ مما عندهم أيسر عليهم. فلذلك فُرِضَ على أَهْلِ المواشي أن يَتَصَدَّقوا من ماشِيَتِهِم، وأهل الحَبِّ أن يَتَصَدَّقوا من حَبِّهم، وعلى أهْلِ الثَّمارِ من ثمارهم، وعلى أَهْلِ النَّقْدِ من نَقْدِهم، تيسيرًا على الجميع، ولئلا يكلف أَحَدٌ استحضار ما لَيْسَ عنده، مع اتحاد المَقْصَدِ في الجميع وهو: مواساةُ الفُقراء.
الوجه الثاني:
أن أخذ القيمة في الزكاة ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن جماعة من الصحابة في عَصْرِه وبَعْدَ عَصْرِه، وقد روي من وجوه متعددة أخذ معاذ العروض والثياب في الصدقة، وكان عمر يأخذ العروض في الجزية، وروي ذلك عن علي.
وذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخذ بنت لبون، ويدفع المُصدّق عشرين درهماً، قال الغماري: وتتبع مثل هذه الأحاديث يطول. وقال العيني في (شرح البخاري): واعلم أنَّ دَفْعَ القيمة في الزَّكاةِ جائِزَةٌ عندنا، وكذا في الكفَّارَةِ، وصَدَقَةِ الفطر، والعشر، والخراج، والنَّذْرِ. وهو قول عُمر، وابنه عبد الله، وابن مَسْعُودٍ، وابن عباس، ومُعاذ، وطاوس. وقال الثوري: يجوز إخراجُ العروض في الزكاةِ إذا كانت بقيمتها. وهو مَذْهَبُ البخاري، وإحدى الروايتين عن أحمد ولو أعطى عرضا عن ذهب وفِضَّةٍ، قال أشْهَبُ: يجوز، وقال الطرطوشي: هذا قَوْل بَيِّنٌ في جواز إخراج القيم في الزَّكاةِ. قال: وأَجْمَعَ أصحابنا على أنه لو أعطى فِضَّةٌ عن ذَهَبٍ أَجْزَاهُ. وكذلك إذا أعطى درهماً عن فضة عند مالك. وقال سحنون: لا يجزئه. وهو وَجْهٌ للشافعية. وأجاز ابن حبيب دَفْعَ القيمة إذا رآهُ أَحْسَنَ للمساكين. وقال مالك والشافعي: لا يجوز وهو قول داود.
وذكر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أجاز أخذ ابن لبون مكان بنت لبون، عند فقدها، وهذا في حقيقته انتقال إلى القيمة، قال العيني: (وحديثُ الباب حُجَّةٌ لنا لأنَّ ابن لبون لا مَدْخَلَ له في الزَّكاةِ إلا بطريق القيمة، لأنَّ الذَّكَرَ لا يجوز في الإبل إلا بالقيمة. ولذلك احتج به البخاريه أيضاً في جواز إخراج القِيَم معَ شِدَّةٍ مُخالَفَتِهِ للحنفية) اهـ قال الغماري: وكذلك قبول بنت لبون مكان بنت مخاض، مع أخذ عشرين درهماً من المُصَدِّقِ، دليل على جواز القيمة لأنَّ الواجب بعضُ بنت لبون، لا هي كلها.
وإذا ثبت ذلك في الزكاة فهي شامِلَةٌ لزكاةِ الفِطْرِ، إذ لا فارِقَ أصلاً، والقيمةُ كما تكونُ عَرْضاً، تكونُ نَقداً، بل هو الأصل فيها.
الوَجْهُ الثَّالِثُ:
إذا ثبت جواز أخذ القيمة في الزَّكاةِ المفروضة في الأعيانِ، فجوازُها في الزَّكاةِ المفروضة على الرقاب من باب أولى؛ لأنَّ الشَّرع أوجب الزكاةَ في عَيْنِ الحَبِّ والتمر، والماشية، والنَّقْدَيْنِ، كما تَقَدَّمَ في حديثِ مُعَاذ -الذي قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه- لما بَعَثَهُ إلى اليمن: (خُذِ الحبَّ من الحَبِّ، والشَّاةَ من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البَقَر». فهو حق ثابت في أعيان هذه الأشياء، خلافاً لمن قالَ إِنَّهُ ثابتٌ فِي الذِّمَّةِ.
أما زكاةُ الفِطْرِ فإنها ثابتة في الرقاب، ولذلك وَجَبَتْ على الذَّكَرِ والأنثى، والحر والعبد، والكبير والصغير، والغنى والفقير؛ ولهذا أيضاً كانَ الصحيح وجوب إخراجها على الزَّوْجَةِ نَفْسِها، لا على زَوْجها، لِتَعَلَّقِها بالرِّقابِ وما كان كذلك، فلا ينوب فيه أَحَدٌ عن أَحَدٍ، إلا مَنْ خَصَّهُ الدليلُ مِمَّنْ لا يَسْتَقِل بتموين نفسه كالصبي والمملوك.
وفي الحديث عن ابن عباس، قال: (فَرَضَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر، طُهْرَةٌ للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَةً للمساكين. من أداها قبل الصلاة؛ فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بَعْدَ الصَّلاةِ، فهي صَدَقَةٌ منَ الصَّدَقَاتِ). فَعَلَّل وجوبها بكَوْنها طُهرةً للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، فَدَلَّ على أنَّها واجبة على كُلِّ صائم غنيًّا كانَ أو فقيرا؛ لأنَّ كُلَّ صائِم مُحتاج إلى التَّطهير، غنيًّا كان أو فقيراً. وإذا اشتركوا اشتركوا في الوجوب.
والمقصود أنها مَفْرُوضَةٌ في الرِّقابِ، ولذلك سُمِّيَتْ زكاةَ الفِطْرِ؛ لأنَّها مأخوذة من الفِطْرَةِ التي هي أصل الخلقة، كما قال ابن قتيبةَ، ونَصَّ عليه صاحبُ الحاوي والنووي وغيرهم.
بل وَرَدَ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تَسْمِيَتُها زكاةَ الرؤوس، في حديثٍ رواه الطبراني في الأوسَطِ -من حديثِ زيد بن ثابتِ، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (يا زيدُ ! أَعْطِ زكاةً رَأْسِكَ مع النَّاسِ، وإنْ لم تَجِدْ إلا خيطاً).
ولما كان الحال فيها كذلك، اقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشرع البالغة، أمر الناس بإخراج الطعام، لِيَتَمَكَّنَ جميعُهُم من أداء ما فُرِضَ عليهم، ولا يَحْصُلُ لَهُم فيه عُسر ولا مَشَقَّةٌ، قد يُؤَدِّيانِ بالكثير منهم إلى تَرْكِهِ وتَفْوِيتِهِ لِمَشَقَّتِهِ أو عَدَمِ القُدْرَةِ عليه. وذلك لأنَّ النُّقودَ كانت نادِرَةَ الوجُودِ في تلك الأزمانِ ببلادِ العَرَبِ، لا سيما البوادي منها، وخصوصا الفقراء؛ فلو أمر بإعطاء النقودِ في الزَّكاةِ المفروضة على الرؤوس، لَتَعذَّرَ إِخْرَاجُها على الفقراء بالكلية.
ولَتَعَسَّر أيضا على كثيرٍ مِنَ الأغنياء، الذين كان غناهم بالمواشي والرقيق، والطعام، كحال أهل باديتنا وغيرها إلى اليوم؛ فإنَّ الكثير من الأغنياء البادية لا توجد بيدهم النُّقودُ، إلا على سبيل النُّدْرَةِ، لِعَدَم احتياجهم إليها في غالب أحوالهم.
حتَّى أنَّ من يحتاجُ منهم إلى شيءٍ من النُّقودِ، يُخْرِجُ بعض الطعام أو الماشية لِيَحْصُلَ عليه، كما هو معلوم من حالهم، خصوصاً البوادي البعيدة مِنَ المُدن؛ أَمَّا الطَّعامُ فَإِنَّهُ مُتَيَسِّر للجميع، ولا يخلو منه مَنْزِلٌ، إلا مَن بَلَغَ به الفَقْرُ مُنْتَهاهُ.
وقد أشار إلى مثل هذا أبو بكر بن العربي، فقال في (العارضة): (أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب ذلك على حكمةٍ بديعة، وهي أنَّ زكاةَ الفِطْرِ وجَبَتْ في الأَمْوالِ طُهْرَةً لِلأَبْدانِ، ورفعةً لِلغَطِ الصيام. وكانت في كُلِّ أَحَدٍ على قَدْرِ مَا عِنْدَهُ، كما كانت الزَّكاة الأصليَّة على كُلِّ أَحَدٍ في ماله، لا يُكَلِّفُ غيره. ولذلك فيما اخْتَلَفَ فيه عُلماؤنا من أَنَّ زكاة الفِطْرِ يعطيها من قُوتِهِ لا من قوتِ أَهْلِ بلده، لأنها وجبت في مالِهِ، فتكونُ بِحَسْبِ حاله، كما قال أشْهَبُ عنه، وكما قاله ابن القاسم عنه، وما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فيما بلغ إلا التوسعة على كُلِّ أحَدٍ من غير تَكلُّف، ليجمع بين أداء العبادةِ ورَفْعِ الحَرَج والكلفة) ا هـ
قال الغماري: فكانَ مِنْ أَعْظَم المصالح، وأبلغ الحكم، العدول عن المالِ النَّادِر العَسِرِ إخراجُهُ، إلى الطَّعامِ المُتَيَسِّرِ وجوده وإخراجُهُ لكُلِّ النَّاسِ، ومعلومٌ أَنَّ رَفْعَ الحَرَج والكلفة في الحواضر اليوم إنما هو في دفع المال، لا في إخراج الحَبِّ، بالنِّسْبَةِ لكل من الآخذ والمُعْطي. كما أنَّ العِلَّةَ التي مِنْ أجلها أمر الشارع بإخراج الطعام وهي قلة النقود وعدمُ تَيَسُّرِها للجميع، قد زالت. وانعكس الحال، فصارت النقود مُيَسَّرَةٌ للجميع بخلاف الحَبِّ، فَوَجَبَ أن يدورَ الحُكمُ مَعَ العِلَّةِ، ويَنْتَقِل إلى الأَسْهَلِ الأَيْسَرِ وهو المال، الذي هو أيضا الأصل في دَفْعِ الصَّدَقَاتِ، كما تَقَدَّمَ.
الوجه الرابع:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسَلَّم غَايَرَ بَيْنَ القَدْرِ الواجب مِنَ الْأَعْيانِ المنصوص عليها، مع تساويها في كفاية الحاجَةِ وسَدٌ الحَلَّةِ: فَأَوْجَبَ مِنَ التَّمْرِ والشعير صاعاً، ومِنَ البُرُ نِصْفَ صاع، وذلكَ لكَوْنِهِ أَعلَى ثَمَنًا؛ لِقِلَّتِهِ بالمدينة في عَصْرِهِ. فَدَل على أنَّهُ اعْتَبَرَ القيمة، ولم يَعْتبر الأعيان؛ إذ لو اعتبرها لَسَوَّى بينها في المِقْدارِ.
فَإِنْ قيل: إن نصف صاع. لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال ابنُ المُنْذِرِ والبَيْهَقِيُّ؟ قلنا: بل هو ثابِتٌ لِوُرُودِهِ عن صلى الله عليه وآله وسلم، والخُلفاء الراشدين، وغَيْرِهم من الصحابة والتابعين، من طرق كثيرة لا يبقى معها شَكٍّ في ثُبوتِهِ. بل لا يبعد القَوْلُ بِتَواتُرِهِ.
* فقد وَرَدَ موصولاً من حديث:
١- عبد الله بن عمرو بن العاص [عند الترمذي، والدارقطني]
٢-ـ وعبد الله بن عباس [عند أحمد، وأبي داود، والنسائي، وابن مخلد، والدارقطني]
.٣ -وعائشة [محمد بن الحسن في (الحجج)]
٤-وعبد الله بن ثعلبة [أحمد، وأبو داود، والطحاوي، والطبراني، والدارقطني، وغيرهم]
٥-وأسماء بنت أبي بكر [عند أحمد، والطحاوي في (شرح معاني الآثار)]
٦- وعبد الله بن عمر بن الخطاب [عند الدارقطني]
٧-وجابر بن عبد الله [الطبراني في الأوسط]
٨- وزيد بن ثابت [عند الدارقطني]
٩- وعصمة بن مالك [عند الدارقطني]
١٠ ــ وعلي بن أبي طالب [عند الدارقطني]
۱۱-وأبي هريرة [عند أحمد]
۱۲ – وأبي سعيد الخدري [عند ابن سعد، والحاكم، والدارقطني، وجماعة]
* وروي مرسلاً، من حديث:
١-وعن سعيد بن المُسَيَّبِ [أبو داود في المراسيل، والطحاوي في شرح معاني الآثار، وأبو عُبيد ي الأموال]
٢ -وأبي سَلَمَةَ بن عبد الرحمن، ٣ -وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود كلاهما =[الطحاوي في شرح معاني الآثار]
٤- والقاسم بن محمد، ٥- وسالم بن عبد الله كلاهما = [الطحاوي في شرح معاني الآثار]
* وروي موقوفاً من حديث:
١ ــ أبي بكر [عبد الرزاق في مصنفه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، والدارقطني]
۲- وعمر [الطحاوي في شرح معاني الآثار، وتقدم إضافته إلى عمر وأبي بكر في مرسل سعيد بن المسيب]
٣- وعثمان [الطحاوي في شرح معاني الآثار]
٤ - وعلى [محمد بن الحسن في (الحجج)، والدارقطني]
٥ــــ وجابر [عبد الرزاق في مصنفه]
٦-وابن مسعود [عبد الرزاق في مصنفه]
٧- وابن الزبير [عبد الرزاق في مصنفه]
۸ ـــ وابن عباس [عبد الرزاق في مصنفه]
٩ - ومعاوية [؟]
۱۰ – وأبي سعيد الخُدْرِي [الطحاوي في مشكل الآثار، وشرح معاني الآثار]
* وروي مقطوعاً من حديث:
۱ - عطاء [ابن أبي شيبة في مصنفه]
٢ -مجاهد [ابن أبي شيبة في مصنفه]
٣- والشعبي [ابن أبي شيبة في مصنفه]
٤- وعبد الله بن شداد [ابن أبي شيبة في مصنفه]
٥ - والحَسَنِ البَصْرِي [ابن أبي شيبة في مصنفه]
٦ - وطاوس [ابن أبي شيبة في مصنفه]
٧- وعُمَرَ بنِ عبد العزيز [ابن أبي شيبة في مصنفه]
۸ -وإبراهيم النخعي [ابن أبي شيبة في مصنفه]
٩ ـــ والحكم [ابن أبي شيبة في مصنفه]
١٠ - وحَمَّاد [ابن أبي شيبة في مصنفه]
١١-عبد الرحمن بن القاسم [ابن أبي شيبة في مصنفه]
١٢- سعد بن إبراهيم [ابن أبي شيبة في مصنفه]
يقول الغماري: فهذه الروايات تُثبِتُ صِحَّةَ ورودِ نِصْفِ الصَّاع عن النبي صلى الله عليه وآله وسَلَّم بطريق القطع والتَّوَاتُرِ، إذ يستحيل - عادةً ـ أَنْ يَتَوَاطأ كُلَّ هؤلاء الرُّواةِ على الكَذِب، أو اتفاقُ الخُلفاء الراشدين ومَنْ ذُكِرَ مَعَهُم مِنَ الصحابة والتابعين الذين لَمْ يَفْشُ فيهم داءُ التَّقْلِيدِ على القَوْلِ بما لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
وإذا ثَبَتَ ذلك، وبطل ادّعاء البيهقي: ضعف أحاديث نِصْفِ الصَّاعِ مِنَ البُرِّ، ثَبَتَ المَطْلُوبُ، وهو كَوْنُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعْتَبَرَ القِيمَةَ في زكاةِ الفِطْرِ.
• ثُمَّ إنَّ ما دَلَّتْ عليه الأحاديثُ المذكورة، هو مَذْهَبْ التَّوْرِي، وأبي حنيفة، وابْنِ المُبارَكِ، وأَكْثَرِ أَهْلِ الكوفَةِ. وهو أيضا قول سعيد بن جبيرٍ، وعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، ومُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، مَعَ مَنْ تَقَدَّم النَّقْلُ عنهم مِنَ الصحابة والتابعين. وقول ابن حبيب من المالكية، فيما نَقَلَهُ عنه ابنُ يُونس.
الوجه الخامس:
أَنَّه ورد عن الصحابةِ التَّصَرُّفُ في القَدْرِ الواجب في الفِطْرَةِ على سبيل الاجتهادِ منهم، وهو دليل على أنَّهم فَهِمُوا مِنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتبار القيمة ومراعاة المَصْلَحَة، وروي عن الحسن، أنه قال: خَطَبَنَا ابنُ عباس في آخر رمضان على مِنْبَرِ البَصْرَةِ؛ فقال: (فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ هذه الصَّدَقَةَ: صَاعًا مِنْ تَمْرِ، أو شعير، أو نِصْفَ صاع مِن قَمْح، على كُلِّ حُرِّ ومَمْلُوكٍ، ذكرٍ وأنثى، صغير أو كبير، فلما قدم عليٌّ، ورأى رخص السعر، قال: قد أَوْسَعَ الله عليكم، فلو جعلتموه صاعًا مِنْ كل شيءٍ).
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كانَ النَّاسُ يُعطون زكاة الفطر نصف صاع؛ فأَمَّا إِذ أَوْسَع الله على النَّاسِ، فإني أرى أن يَتَصَدَّقَ بصاع).
وروى الأئِمَّةُ السَّتَةُ في كتبهم وغيرهم، عن أبي سعيد الخُدْرِي، قال: (كُنَّا نُخْرِجُ إذ كانَ فينا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر، عن كُل صغير وكبير، حُرِّ أو مَمْلُوك: صاعاً من طعام، أو صاعا من أقط، أو صاعًا مِنْ شَعير، أو صاعا من تَمْرٍ، أو صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فلم نَزَلْ نُخْرِجُهُ حتى قَدِمَ مُعاوية حاجًا أو مُعْتمِرًا، فكَلَّمَ النَّاسَ على المِنْبَرِ، فكان فيما كَلَّمَ النَّاسَ، أَنْ قَالَ: إِنّي أرى أنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْراءِ الشَّامِ تَعْدِلُ صَاعًا من تَمْرٍ، فَأَخذَ النَّاسُ بذلك، قَالَ أَبو سَعِيدٍ: أَمَّا أنا فلا أزالُ أُخْرِجُهُ أَبَدًا ما عِشْتُ).
وروى الشيخان، عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: (أَمَرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزكاةِ الفِطْرِ صاعًا من تمرٍ، أو صاعاً من شعير، قال عبد الله: فجعل النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَة).
فهذا التصرف مِنَ الصحابة دليل واضح لما قلناه؛ إذ لو لم يكن كذلك، لما استجاز الصحابة، خصوصا عُمَرُ وعلي رضي الله عنهما، مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شَيْءٍ حَدَّهُ وقَدَّرَهُ، ولذلك تَمَسَّكَ به أبو الخُدري لِعَدَم فَهْمِهِ من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما فَهِمُوه، وكذلك عبد الله بن عُمَرَ، لِشدَّةٍ تَمَسُّكه بالواردِ وَوُقُوفِه معه.
وروى ابْنُ وَضاح: بإسناده، عن أبي مجلز، قال: قُلْتُ لابن عُمَرَ: إِنَّ الله قَدْ أَوْسَعَ، والبر أَفْضَلُ مِنَ التَّمْرِ ؟ فقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ: (إِنَّ أَصْحابي سَلَكُوا طَرِيقًا، فأنا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ)
فَأَقَرَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ على تبديل الواردِ بغَيْرِهِ لِمَصْلَحَةِ الفُقراء، ولم ينكر عليه ذلك بقوله: لكنَّهُ أَجابَ بأن اخْتِيَارَهُ نَفْسِهِ في الله التَّمَسُّكُ بالواردِ، وعَمَل مَنْ مَضى قَبْلَهُ مِنَ الصحابة على عادَتِهِ رضي الله عنه، والسبب في هذا، أن عبد الله بْنَ عُمَرَ لم يرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم البر، بل أحاديثه المتفق على صحتها ليس فيها إلا التمر والشعير فقط.
. وبها تَمَسَّكَ ابْنُ حَزْم وأَهْلُ الظاهرِ، فقالوا: لا يجوز في الفِطْرَةِ إلا التَّمْرُ والشعير فقط! ولا يجوز فيها البر ولا غيره، مُسْتَدِلِّينَ بأَنَّه لم يَصِح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صريحًا إلا التَّمْرُ والشَّعِير.
الوَجْهُ السَّادِسُ:
أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أَغْنُوهُم عَنِ الطَّوَافِ هَذا الْيَوْمَ) كما رواه ابنُ سَعْدٍ، والحاكم، والدارقطني وجماعة، وروى الدارقطني، عن ابن عمر، قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم صَدَقَةَ الفِطْرِ، وقال: أغنوهم في هذا اليوم) .
فَصَرَّحَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بِعِلَّةٍ وُجُوبِ الزكاةِ، وهي إغناء الفقراء يوم العيد. وذلك بالمالِ أَفْضَلُ من غيرِهِ؛ لِأَنَّهُ الأَصْلُ الذي يُتَوَكَّلُ إلى كُلِّ شَيْءٍ من ضرُورِيَّاتِ الحياةِ. إِلَّا أَنَّ الطَّعَامَ في ذلك العَصْرِ كَانَ أَفْضَلَ، من جهة كَوْنِهِ صلى الله عليه وآله وسلم أرادَ إغناء الفُقَراءِ في خصوص يَوْم العيد وكفايتهُمْ عن الطَّوافِ والتَّعَبِ في الحصول على القُوتِ فيه؛ لأنَّه لم يكن وقتيذ بالأسواق دقيق، ولا خُبرٌ، ولا طعامٌ مطبوخ، كما هي الحال في البادية اليوم.
بل رُبَّما كانَ الحَبُّ يُفْقَدُ مِنَ الأسواق، ولا يُوجَدُ إِلَّا فِي وَقْتِ مَعْلُومٍ حينَ يَرِدُ به التَّجَّارُ مِنَ الخارج. فَرُبما يُصادف يوم العيد إقفال سوق الطعام أو عدم وجوده للبيع. فلو أمَرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالدراهم؛ لَفَاتَ المَقْصُودُ من كفاية الفقيرِ هَمَّ الطَّعامِ يَوْمَ العيد، الذي هو يَوْمُ سُرورٍ وذِكْرِ وعبادة، ولَظَلَّ يَطُوفُ ويَسْأَلُ القوتَ كسائر الأيام: فَأَمَرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالطَّعام ليُكْفَوا مَشَقَّةَ الشؤال وهمَّ البَحْثِ.
أما وقتنا هذا، فالحال فيه بخلاف ما ذُكِرَ؛ فَإِنَّ الطعامَ مُتَيَسِّر بالأَسْواقِ والدكاكين، فكل ما يحتاجُهُ الفقيرُ يَجِدُهُ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ ولا مَشَقَّةٍ متى كانَ بِيَدِهِ المال. بل انعكست القضيَّةُ، وانْتَقَلَ التَّعَبُ والمَشَقَّةُ والسُّغُلُ إلى الانتفاع بالحَبِّ. فكانَ إخْراجُ المال من أجل هذا أَفْضَلَ.
الوَجْهُ السَّابِعُ:
أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أغْنُوهم عَنِ الطُّوافِ في هذا اليوم)؛ فَقَيَّدَ الإغناء بيوم العيد لِيَعُم السرور جميع المؤمنين، ويستوي فيه الغني والفقير، ويَتَفَرَّغَ الجميعُ لذكر الله تعالى، وعبادته، وحَمْدِه، وشُكْرِهِ، على ما أُنْعَمَ من التوفيق لأداء فريضة الصوم المُكَفِّرِ للذنوب، والمُقرب من رَبِّ الأَرْباب على إباحة الفطر، تخفيفًا مِنَ الله سبحانه، ورحمةً. ولو شاء لجعل الدَّهْرَ كله مفروضاً فيه الصيام، لا يُسأل عما يفعل، إلى غير ذلك من جليل نِعَمِهِ، وعظيم مِنَنِهِ
وهذا المعنى لا يحصل اليوم بإخراج الحبّ الذي ليس هو طعام الفقراء والناس كافة. ولا في إمكانهم الانتفاع به ذلك اليوم، حتى لو أرادوا اقتيائه - على خلاف عادتهم ــ لفقدان الأرحاء من بيوتهم، وعدم إمكان طحنه للأكثر الأغلب في آلات الطَّحْنِ الكُبرى ؛ لأنه لا يجتمع لأكثرهم ما يَسْتَحِقُ الطحن فيها، ثُمَّ لو أرادوا بَيْعَهُ لما تَمَكَّنُوا منه ذلك اليوم كما هو معلوم فلا يحصل مقصد الشارع من إغنائهم وكفايتهم في خصوص يوم العيد، وإنما يحصل مقصوده بإخراج المال الذي يَنْتَفِعُ به الفقير في الحال، فكانَ إخراجه هو الأولى والأفضل.
الوجه الثامن:
أَنَّهَ صلى الله عليه وآله وسلم فَرَضَ زكاةَ الفِطْرِ طُعْمَةً للمساكين، كما روى ابن ماجه بإسناده عن ابن عبّاس قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللهُ صلى الله عليه وآله وسلم زكاةَ الفِطْرِ، طُهْرَةٌ للصَّائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، وطُعْمَةً أداها للمساكين؛ فمن أداها قبل الصَّلاةِ فهي زكاةً مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أَدَّاها بعد الصلاةِ فهي صدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ) .
ورواه أبو داود، والدَّارَ قُطْنِي، والحاكم، وصَحْحَهُ على شَرْطِ البخاري؛ فالنَّبي صلى الله عليه وآله وسلم فَرضها طُعْمَةً للمساكين يوم العيد، والحَبُّ ليس طعام الناس اليوم، خصوصا المساكين، بل من كان منهم متاهلاً فطعامه الدقيق، ومن كانَ مُنْفَرِدًا فطعامُهُ الخبرُ المُباعُ بالأسواق هذا في المَغْرِبِ. وأما في مثل مصر، فإنّ طعام الغني والفقير إنما هو الخبز من السوق.
فكانَ المُتَعَيِّنُ إخراج هذين الصنْفَيْنِ؛ لأنهما طَعامُ النَّاسِ بِالحَواضِرِ، لا غيرهما من بُر، وشعير، وتَمْرٍ، وزبيب. ولما كانَ الفُقَراءُ لا يُمَيَّزُ فيهم بَيْنَ الْمُتَأْهْلِ الذي مَصْلَحَتُهُ في الدَّقيق؛ لأنَّهُ طعامه، على ما جَرَتْ بهِ العادةُ فِي المَغْرِبِ، وبين العزب والمُنْفَرِدِ الذي لا يَنْتَفِعُ بالدقيق لعدم من يَخْبِرُ له، بل مَنْفَعَتُهُ في الخُبز، انتقل الحكم إلى المالي الذي فيه مَصْلَحَةُ. فَيَأْخذُ به المُتَأَهلُ الدقيق، ويأْخُذُ غيرُهُ الخُبز. وأيضا قد يجتمع له مِنَ الخُبز ما يَفْضُلُ عن قُوتِ اليوم واليومين فَيَيْبَسُ وتنعدمُ به الفائدة، فيكون فيه ضياعُ المال، وضياع الجميع الفقير، بخلاف المال.
الوجه التاسع:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَيَّنَ الطَّعَامَ في زَكَاةِ الفِطْرِ لِنُدْرَتِهِ بالأسواقِ في تلك الأزمانِ، وشِدَّةِ احتياج الفُقراء إليه لا إلى المال، كما يَعْلَمُهُ من سَبَرَ الأحاديث وأحوال الصحابة وأخبارهم، ومارَسَ كُتُبَ الحديث والسِّيرِ؛ فَإِنَّ غالب المُتَصَدِّقِينَ في عَصْرِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كانوا يَتَصَدَّقُونَ إلا بالطعام. فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كُلَّما حَثَّ على الصدقة بمناسبة قدوم فقراء أو ضيوف، بادروا إلى الإتيان بالطَّعام لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وآله وسلم، لَمَا كانَ به مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، ومن كان يَؤُمُّه من الوفود والفقراء. ورُبَّما تَصَدَّقوا بالتياب في بَعْض المناسباتِ، وتَصَدَّقَ نساؤهم بِحِلِيِّهِنَّ، ولم يُنْقَلْ أَنَّهم كانوا يَتَصَدَّقُونَ بالمال إلا على سبيل النُّدْرة، لشدَّة احتياج الفقراء إلى الطعام واللباس لا إلى المال.
ولهذا كانَ الفُقراءُ يَفْرَحُونَ بمن يأتيهم بطعام أو يدعوهم إليه، كما يحكيه أبو هريرة وغيرُهُ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ وغَيْرِهِم. ومِنْ أجل هذا تَجِدُ الحَق سبحانه وتعالى يَمْدَحُ بإطعام الطَّعام، ويُوَعدُ مَنْ يُبْخَلُ به ولا يَحُضُّ عليه، فيقول جل جلاله: {ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ على حُبِّهِ}.
ويقول تعالى في حَقِّ بعض الكُفَّار: {إنه كانَ لا يُؤْمِنُ بالله العظيم، ولا يَحُضُّ على طعام المسكين}، و{فذلك الذي يَدُعُ اليتيم، ولا يَحُضُّ على طعام المسكين}، و{كلا بَلْ لا تُكرمون اليتيم، ولا تَحاضُون على طعام المسكين}.
فَخَصَّ سُبحانه وتعالى الإطعامَ بالذِّكْرِ من أَجْلِ شِدَّةِ الحاجة إليه في عصر النُّزُولِ. وعدم الحاجة إلى المال، مع شُمُولِهِ لكُلِّ الْأَزْمانِ. وإلا فَمَعْلُومٌ بالضرورة أَنَّ الذي يُنْفِقُ المال على حُبِّهِ مَمْدُوحٌ ومُتَابٌ، كَمُطْعِم الطعام. والذي يَبْخَلُ بالمال ولا يَحُضُّ على إنفاقه مذمومٌ ومُعاقب بمثل ذلك العقاب. وهذا أيضا هو السر في تعيين الطَّعام في الكفَّاراتِ. ولذلك كان الحكم شاملا لجميعها عند أكْثَرِ من قال بالقيمة كما قَدَّمناه.
ويُؤَيِّدُ هذا ما رواه الطبراني في الأوسط من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الأعمال أفضل ؟ قال: «إدخالُكَ السُّرُورَ على مُؤْمِنٍ: أَسْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أَو كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أَو قَضَيْتَ له حاجةٌ».
فَجَعَلَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إدخال السُّرورِ على المُؤْمِنِ بالطَّعامِ واللباس لا بالمال، مع أَنَّ الحال في عَصْرِنا بخلاف ذلك، فَإِنَّ السُّرورَ يَدْخُلُ على الفُقراءِ اليوم بالمال لا بالطَّعام. ولهذا لو خُيّر كثير منهم بين أكلةٍ غالية ثمينة، وبينَ نِصْفِ ثَمَنَها، لاختار الثَّمَنَ، كما شاهدنا ذلك حتى من المعتوهين والمجدوبين، الذين لا يَعْرِفُونَ للمال قيمةً في الكثير الغالب ! فإنَّ منهم مَن إذا أُعْطِي المالَ قَبلَهُ، وإذا أغطي الرغيف أو الطعامَ رَدَّهُ وأَعْرَضَ عنه، ما لم يكن شديد الجوع !! ومَنْ يأْخُذُ الطَّعامَ مِنَ الْفُقراء اليوم فإِنَّما يَأْخُذُهُ لبيعه، لا ليأكله هو وعياله، وهذا في الطَّعام المُهَيَّأ المطبوخ، فضلا عن الحب: من بر وشعير وغيرهما . ولم يكن شيء من هذا في زَمَنِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الوجه العاشر:
أنَّ الله تعالى قال: ﴿ لَنْ تَنالُوا البِرَّ حتى تُنفقوا مما تُحِبُّونَ﴾، والمال هو المحبوبُ اليوم. فإن كثيرًا مِنَ النَّاسِ يهون عليه إطعام الطعام، وإعمال الولائم، ويَصْعُبُ عليه دَفْعُ ثمن ذلك للفقراء، بل ونصفه وربعه وعُشره ! كما أنه يَهُونُ عليه دَفْعُ خُبزة، ولا يهون عليه دفع ثمنها، كما هو مُشاهد في كثير مِنَ الناس والحال في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بخلاف هذا كما أَوْصَحْنَاهُ، ولذلك كانَ إخْراجُ الطَّعامِ في حَقِّهِم أَفْضَلَ؛ لأنَّه إليهم أَحَبُّ. وإخراجُ المالِ في عصرنا أفْضَلُ، لأنه إلينا أَحَبُّ.
الوجه الحادي عشر:
أن الفقهاء قالوا يجوز الانتقالُ في الزَّكاةِ الواجبة إلى ما هو أفضلُ، للآية المذكورة والأحاديث السابقة. والمال في وقتنا أفضلُ مِنَ الحَبُّ، فيجوز الانتقال إلَيْهِ على قَوْلِهم، ويكون - مع مراعاة المصلحة - هو الأفْضَلُ.
الوجه الثاني عشر:
أن الطبراني روى في (الأَوْسَطِ) عن زيد بن ثابت، أنَّ النبيَّ صلی الله عليه وآله وسلم، قال له: (يا زيد ! أعْطِ زكاةً رَأْسِكَ مع النَّاسِ ولو لم تجد مع إلا خيطاً). فيجوز إعطاءُ كُلِّ ما يُمْكِنُ أن يُنْتَفَعَ بِهِ، فدل على جواز إخراج المال بطريق الأولى. وهذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن أراد التَزَوج بالمرأةِ وَهَبَتْ نفسها له صلى الله عليه وآله وسلم: (الْتَمِسُ وَلَوْ خَاتمًا مِنْ حَدِيدٍ) ،ـ أي أقل ما يُتمولُ .وإنْ كانَ المراد - في حديث الباب – المبالغة في الحث على إخراج الزَّكاةِ، وعدم التَّأخر عنها، إلا أنه يشير إلى ما ذكرناه .
. أما ضعف هذا الحديث من جهة الإسناد، فإنَّه لا يَضُرُّ في الشواهد، بل إِنَّ الفقهاء يَحْتَجُونَ بما هو أضعف منه فيما لا دليل له غيره، كما أوضحناه في غير هذا الموضع. وبيَّنا أنَّ قولَهم في الحديث الضعيف: (لا يُعْمَلُ به في الأحكام) - كلام غير مَعْمُولٍ به إلا عند التنازع والخصام.
الوجه الثالث عشر:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أَخَذَ من أَهْلِ البادية الأقط، كما رواه الطبراني في الأوسَط من حديث أبي سعيد الخُدْرِي؛ ولهذا، قال الشافعية: (لا يجوز إخراجُهُ لِأَهْلِ الحَواضِر؛ لأنَّه لَيْسَ طَعَامًا لهم) فَدَلَّ على أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتبر في كُلِّ قَوْم طعامهم وعادَتَهُم وعادتنا اليوم الانتفاعُ بالمال، فيكون هو المُخْرَج .
الوجه الرابع عشر:
أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أغْنُوهُم)، كما سبق- والغنى: وجودُ ما يَتَوَصل به الإنسانُ إلى حاجَتِهِ، والحاجة كما تكون إلى الطعام تكونُ إلى الباس وغَيْرِه مِنْ لَوازِم الحَيَاةِ. فقد يكون الفقير عنده قُوتُهُ يَوْمَ العيد، ولكنّه مُحتاج إلى المَلْبُوسِ أَوْ غَيْرِه من الضروريات !
فإخراج المال الذي يَسَدُّ الخلل من جميع الوجوه، هو الذي يتحقق به الغنى المَقْصُودُ للشَّارِع، فهو المُتَعَيَّنُ أو الأفضل.
الوجه الخامس عشر:
أن مُرادَ الشارع بفَرْض هذه الزكاة يَوْمَ العيد، جلب السرور إلى الفقراء كفايتهم من الطعام فيه، حتى يَعُمَّ السُّرورُ جميع المؤمنين، ولا يَنْفَرِدُّ به الأغنياء. ولذلك اشترط إخراجها قبل الصَّلاةِ؛ فقال: (من أداها قبل الصلاةِ فهى زكاة مقبولة، ومَن أدَّاها بعد الصلاةِ فهي صَدَقَةٌ من الصَّدَقاتِ)، وذلك لِيَتَمكَّنَ صلى الله عليه وآله وسلم هو، وخلفاؤه في الأُمَّةِ مِن بَعْدِهِ، مِنْ تَفْرِيقها أَوَّلَ النَّهارِ، كما كانَ يَفْعَلُهُ صلى الله عليه وآله وسلم -فَإِنَّه كَانَ يُفَرِّقُها قَبْلَ الغُدُوِّ إلى المُصَلَّى ليكونَ اليوم مشمولا بالسُّرور من أَوَّلِهِ، حَيْثُ يَطْمَئِنُّ الْفُقَرَاءُ بِوُجُودِ قوتهم فيه.
ولولا هذا المعنى لما شَرَطَ صلى الله عليه وآله وسلم إخراجها قَبْلَ الصَّلاةِ، وغاير بين حكمها قبل الصلاةِ،وبعدها، بِجَعْل الأولى فَرْضًا مَقْبُولاً، والثانية صدقة من الصَّدَقَاتِ، لأنَّ الفَرْضَ مُتَابٌ عليه أكثر من غيره، فيسارع الناسُ إليه، والحكمة ما ذكرناه.
وإلا فمن المعلوم أنَّ انتفاع الفقير بالمُدِّ من الطَّعام قَبلَ الصَّلاةِ مساو له إذا أخَذَهُ بعدها، بدونِ فارق أصلا !! وهذا القَصْدُ لا يَحْصُلُ اليَوْمَ للفقراء بالحَبِّ، لأنه -مع كونه غير طعام لهم، فإنهم محتاجونَ إلى غيره مِمَّا يُؤْتَدَمُ به من لحم وإدام وخُضَرٍ وغيرها، مما يَشْتَدُّ حُزْنُهم مِن فقدانها يوم العيد ما لا يَشْتَدُّ ـ بل ولا يحصل ـ في سائرِ الأَيَّامِ، حيثُ جَرَتِ العادة بالتوسع في الطعام يوم العيد.
ولهذا نَوَّعَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفطرة إلى ما هو طعام مجرد: كالبُرُ، والسُّلْتِ، والشعير؛ وإلى ما هو طعام وحلواء: كالتَّمْرِ، والزبيب. لأنَّ هذه الأشياء كانت طَعَامَ جميع الطبقاتِ في ذلكَ العَصْرِ، فَيَسْتَوِي في تَناولها الغني والفقيرُ يَوْمَ العيد.
أما في عَصْرِنا هذا، فإِنَّ السَّمْرَ والزبيب لا يُستعملان، خصوصاً في الحواضر: لا طعامًا ولا حلواءً ! بل القائم مقامهما بالمغرب اليوم هو السكر والشاي !! فإنَّ غالب النَّاسِ يتأدَّمُ به، ومنهم مَنْ يُفَضِّلُهُ على الإدام ويكتفي به عنه !
وإذا انتقلت الحاجةُ جاز إخراجُهُ، أو إخراجُ القيمة التي يتوصل بها إليه، كما جَوْزَ الفقهاء إخراج الأرْزِ، والذَّرَةِ، والجُبْنِ، والخُبز، واللحم، وغيرها مما لا ذكر له في الحديث، لكونها طعامًا للناسِ .
الوجه السادس عشر:
أنَّ الزكاةَ وَجَبَتْ على كُلِّ أَحَدٍ في مالِهِ الذي عنده، لا يُكَلَّفُ استحضار غَيْرِه، كما وَرَدَ في الأحاديث التي سبق بَعْضُها، وكما نص عليه ابنُ العربي في العارضة وغيره .
والذي عند الناس اليوم هو الدَّقيقُ أو المال . فالواجب عليهم الإخراجُ مِمَّا عندهم، ولا يُكَلِّفُونَ استحضار الحبّ الذي ليس عندهم .
الوجه السابع عشر:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يَحْصر الواجب في المنصوص عليه، ويقل: لا يجوز لكم إخراجُ غيره. بل صَرَّح بالعلة التي تشمل المال بالطريق الأولى. ولذلك أخْرَجَ الصحابةُ في حياتِهِ الزبيب، والسُّلْتَ، والأقط، مع أنَّه لم يَفْرِضُ إِلا التَّمْرَ، والشَّعير، والبر. فَقَبِلَ منهم ولم يَرُدَّهُ عليهم، فكانَ أَعْظَمَ دليل على عَدَمِ الحَصْرِ في الأنواع المذكورة.
وأنَّ المُرادَ ما صَرَّحَ بهِ فِي العِلَّة وهو: إغناء الفقراء يوم العيد . ولذلك أتى الصحابةُ بكُلِّ ما يُعَدُّ عَنِّى في عَصْرِهم، وإن لم ينص عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . والإغناء في عَصْرِنا بالمال، فكان إخراجه هو الأولى والأفضل.
الوجه الثامن عشر:
أنَّهُ لو لَمْ يَردْ نَصَّ بالتَّعْليل، أو على فرض عدم صحته: فالعَقْلُ، وشواهد الحال، وأصول الشرع قاضيةٌ باعتباره. خصوصاً وقد تَقَرَّرَ في أصول الفقه، وقواعدِ مَذهب مالكٍ، أَنَّ الأصل في الأحكام المعقولية لا التَّعَبُدُ، لأنَّهُ أَقْرَبُ إلى القبول، والبُعْدِ عن التَحَرُّج، كما نَصَّ عليه المَقْرِيه في قواعده .
الوجه التاسع عشر:
أنَّ كُل كلام معناه أوسع من اسمه، فالحكم لمعناه لا لاسمه، كما تقرر في الأصول. وذلك كالنَّهي عن الاستجمار بدون ثلاثة أحجار. فإنَّ معنى الحجر أوْسَعُ من اسمه في هذا التركيب. فَيُجْزِئُ ثلاث مسحات بحروف حَجَرٍ واحدٍ، كما يجزئ بغيره مِمَّا في معناه، مِن كُلِّ طاهرٍ مُزيل لعين النجاسة. وكذلك القول هنا، فإن معنى المنصوص عليه أوسعُ من اسمه . فيجوز إخراجُ كُل ما يَنْفَعُ الفقير، ويَسُدُّ حاجَتَهُ، وخلّته يوم العيد.
الوجه العشرون:
أنَّ مراعاة المقاصد مُقَدَّمَةٌ على رعاية الوسائل، كما هو مُقرَّر في أصول المالكية وقواعدِ مَذْهَبِهم. ونحنُ نَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ قَصْدَ الشارع نَفْعُ الفقراء. والمنصوص عليه وسيلةٌ أَعَمُّ من أن تكون محصورةً فيه. فكل ما كان وسيلة للنَّفْع فهو جائز.
أَمَّا إذا انْتَقَلَ النَّفْعُ من وسيلة إلى أخرى، كما انتقل من الحب إلى المال، فالواجب اتباعُ الأخيرة لوجهين ؛ أحدهما، أنَّ معنى الوسيلة انتقل منها فلم تبق وسيلةً وثانيهما، أن مراعاة المقاصدِ توجب علينا إلغاءها، حيث صارت المقاصد تفوتُ بها .
وقد تَقَرَّرَ في قواعد المالكية أيضًا: أن سقوط اعتبار المقصودِ يُوجِبُ سقوط اعتبار الوسيلة. فإذا أسقطنا اعتبار المقصود، الذي هو نفع الفقراء المنحصر في المال، سقط به اعتبار الوسيلة - وهي الحَبُّ - ولم يبق لها اعتبار ولا فائدة.
الوجه الحادي والعشرون:
ان كثرة الثَّوابِ تَتَّبَعُ كثرة المصلحة؛ ولذا كانت القُرْبَةُ المُتَعَدِّيَةُ أَفْضَلَ ؛ لأنَّ مَصْلَحَتَها أكثر. قال القرافي: إنَّما الفَضْلُ على قَدْرِ المصالح الناشِئَةِ عن القُربات، انتهى. ومصالح التَّقَرُّب بالمال أكثر، فالقُرْبةُ به أفضل .
الوجه الثاني والعشرون:
تقرر في قواعدِ المالكية أيضاً، مِنْ أنَّه لا فَضْلَ للمنصوص على غيره مما هو في معناه، ولذا قدَّمَ ابْنُ الحاجبِ العَسَلَ في قوله: (وأما الجامد كالعسل والدهن الجامدين)، إشارةً إلى هذه القاعدةِ لأَنَّ العَسَلَ غَيْرُ مَنصوص عليه في المسألة المذكورة.
فكذا يُقالُ هنا في الدقيق والمال: لا فَضْلَ للمنصوص عليهما، على مقتضى هذه القاعدة. وقد عمل بها الفقهاء في مَسْأَلَتِنا أيضاً. بل فَضْلُوا بعض ما لم يَرِدْ به النَّص على ما وَرَدَ . بل منهم من مَنَعَ بعض الوارد، وقال: لا يجوز إخراجه، مع تجويزه ما لم يرد !!
الوجه الثالث والعشرون:
إن المنصوص عليه بيان القدر الواجب لا لِعَيْنِهِ. إذ لو كان بيانا لعين الواجب، لما خالفه الصحابة، والتابعون، والأئِمَّةُ، والفقهاء، فذكروا مِنَ الأعيانِ ما لم يَرِدْ به نَص من الشارع.
وإذا ثبت ذلك، جاز إخراج المال. وعلى هذه القاعدة، بنى مَنْ قال بجواز إخراج القيمة، كابن القاسم، وأشهب، وأصبغَ، وابْنِ وَهْبٍ، وابْنِ حبيب وغيرهم من المالكية. واستثناء ابن القاسم لزكاةِ الفِطْرِ خروج عن هذه القاعدة، وتَحَكُمْ لا دليل عليه. بل هو مجرد استحسان، لأنَّه لا فارِقَ بين زكاة الفطر وزكاة المال، فإما أن تجوز القيمة فيهما، أو تُمْنَعَ فيهما.
الوجه الرابع والعشرون:
أن مراعاة حَقِّ الفُقراءِ مُقَدَّمٌ عند الإمام مالك، كما نص عليه فقهاء مذهبه ويُؤيده في مسألتنا، كون الشارع فَرَضَ زكاة الفطر حتى على الصغار الذين لم يبْلُغُوا الحُلُمَ، بل وعلى الذي لم يُخلق بعد، على مذهب بعض الأئمة. مَعَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسَلَّمَ عَلَّل وجوبها بكونها طُهْرَةً للصائم من اللغو والرفث.
ومعلوم أنَّ الأولاد الصغارَ لَمْ يَصُومُوا، ولَمْ يَحْصُل منهم لَغْو ولا رَفَ، وما ذاك إلا لتوسيع كميَّة الزكاةِ مُراعاة لحقِّ الفُقراء . وكذلك وَجَبَتِ الزَّكَاةُ في مال اليتيم الصَّغير، الذي لم يجب عليه صيام ولا صَلاةٌ ولا غيرهما من التكاليف، لهذا المعنى أيضا أَنَّ فيه مخالفة لأصل عظيم من أصول الشريعة، وهو رَفْعُ التكليفِ عَمَّن لَمْ يَبْلُغَ الْحُلُمَ. كُلُّ ذلك مُراعاةٌ لِمَصْلَحَةِ الفقراء، وإذا ثبت هذا لم يَبْقَ شَكٍّ في أنَّ العُدُولَ عن المنصوص عليه إلى ما فيه نَفْعُ الْفُقَراءِ ومَصْلَحَتُهم أولى.
الوجه الخامس والعشرون:
أَنَّ كُلَّ حُكم شرعي أَمْكَنَ تَعْليلُه، فالقياسُ جارٍ فيه، على قواعد مالك وهذا حُكْمٌ مُعَلَّل، فالقياسُ جارٍ فيه، إذ لم يَقُم دليلٌ على المَنْعِ منه.
الوجه السادس والعشرون:
أنَّ المَشَقَّةَ تَجلبُ التّيسير، كما هو مُقَرَّرٌ في أصول الشريعة، وقواعد الفقه. لما رواهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وأَحْمَدُ، في (مُسنديهما) من حديث ابن عباس قال: قيل: يا رسول الله ! أي الأديانِ أَحَبُّ إلى الله ؟ قال: (الحنيفية السَّمْحَةُ).
الوجه السابع والعشرون:
وعلى فرض انتفاء المشقَّةِ، فالحاجة قد تقومُ مقامَ المَشَقَّةِ، ولذلك أبيحَ النَّظَرُ المُحَرَّمُ إلى مَنْ يُريدُ نكاح المرأةِ أو معاملتها ببيع أو غيره، كَتَحَملِ الشَّهادةِ وأدائها، وكاللمس المُحَرَّم أيضًا للطبيب والحجَّامِ ونحوهما، والنَّظَرِ إلى فُروج الزانيين لتحمل شهادة الزنى، وإلى فَرج المرأة للشهادة على الولادة والبكارة، وإلى تديها للشهادة على الرضاع، وغير ذلك فإذا أباحت الحاجة ما هو مُحَرَّم، فلان تبيح المال في الزكاة التي هو الأصل فيها أولى.
الوجه الثامن والعشرون:
أنَّ الفقهاء القائلين بَعَدَم إِجْزاءِ الدَّقيقِ عَلَّلُوهُ بِكَوْنِهِ غير كامل المنفعة لذهاب رَيْعِهِ، وهذه العِلَّةُ موجودة اليوم في الحَبِّ. فإنَّ الْفُقراء يبيعونه بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ بما يعدل أضعافَ مَنْفَعَةِ الرَّيع الساقِطِ مِنَ الدَّقيق، فَوَجَبَ أن يدور الحكمُ مَعَ العِلَّةِ.
الوجه التاسع والعشرون:
أن إخراج المال في هذا العَصْرِ يجتمع فيه جَلْبُ مَصْلَحَةٍ، وَدَفْعُ مَفْسَدَةٍ، فَيُقَدَّمُ على إخراج الحَبِّ الذي فيه مَصْلَحَةٌ مقرونةٌ بِمَفْسَدَةِ إضاعة المال، لأَنَّ الفقراء يبيعونه بأبخس الأثمانِ، فيضيع بسبب ذلك مال كثير بين مشتريه للزكاة، وبَيْنَ بائعه الفقير . وكم مِنَ الفُقراء من لا يجتمع له ما يكفيه للطحن والبيع فيضيع ولا يَحْصُلُ به انتفاع.
الوجه الثلاثون:
أنَّ الحُكْمَ إِذَا وَقَعَ فيه خلافٌ، هل هو مَخصوص بالنَّص أو غير مخصوص؟ فالظاهر حَمْلُهُ على عَدَمِ الخُصوص حتى يثبت الخُصوص بِنَص أو إجماع، كما تَقَرَّرَ في أصول الفقه. والزَّكاة لم يثبت تَخْصِيصُ الحُكْم فيها بِنَص ولا إجماع، فَوَجَبَ عدم اعتباره، والقولُ بالعموم.
الوجه الحادي والثلاثون:
أنَّ مراعاة المصالح مِنْ أَعْظَم أصول الشريعة، وعلل أحكامها التي ينبني عليها جميعها، وحيثما دارت تدور معها؛ فالشريعة كلها مبنية على جلب المصالح وَدَرْعِ المفاسد.
وعلى هذه القاعدة بنى العِز بن عبد السلام قواعِدَهُ الكُبرى، التي يَجِبُ على الفقيه والمفتي بناء الأحكام عليها، فَمَنْ تَأمَّل الأوامِرَ، وَجَدَ الشَّارِعَ أَمَرَ بها، لما فيها من المصالح الدنيوية أو الأخروية.
ومَنْ تَأمَّل النواهِي، وجده - كذلك ـ نهى عنها لما فيها من المفاسد الدُّنْيَوِيَّة أو الأخروية، وبحسب تأكد المصلحة وعظمها يكون الوجوب، والنَّدْبُ، والاستحباب.
وبِعِظَمِ المَفْسَدَةِ وشِدَّتِها يكون الحرام، والمكروه، وخلاف الأولى. إِلَّا أَنَّ ذلك: منه ما هو ظاهر يشترك في إدراكه الخاص والعام؛ ومنه ما هو خَفِي لا يَطَّلِعُ عليه إلا ذُو القَدَمِ الرَّاسِخ في الفهم والعُلُومِ.
الوجه الثاني والثلاثون:
أنَّ الوقوف مع النَّص والتَّمَسُّكَ بالظاهر فيما هو بَيِّنُ العِلَّةِ، واضحُ الحكمة قلب للحقائق، وعكس لمقاصد الشارع. فإِنَّ مَنْ يسمع قَوْلَ اللَّهِ تعالى: {الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلْمًا} فيحملها على خصوص الأكل، ويُتلفها وينتفع بها في اللباس، والركوب، والمسكن، وغير ذلك، يكون مخالفًا للآية، داخلا في الوعيد بإجماع الأُمَّةِ، بل والعُقلاء، وإِنْ تَمَسَّكَ بالظَّاهِرِ وَوَقَفَ مع النَّص !
وكذلك من يَسْمَعُ قولَ اللهِ تعالى في حق الوالدين: {فلا تَقُل لهما ولا تَنْهَرْهُما}. فَيَبْصُقُ فِي وَجْهِهِما ويَضْرِبُهُما ويَتَمَسَّكُ بنص التأفيف والانتهار، يكون عاقا داخلاً في النهي والوعيد بلا خلاف بينَ العُقلاء !
ولهذا لما تمَسَّكَ اليهودُ بمثل هذا الوقوف مع النَّص والظَّاهِرِ فِي صَيْد السَّمَكِ الذي نهاهُم اللهُ عَنْهُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَنَصَبُوا الشَّبَاكَ عَشِيَّةَ الجُمُعَةِ، وأَخَذُوها يومَ الأَحَدِ، عاجَلَهُم الله بعقابهِ، فَمَسَخَهُم قِرَدَةً وخنازير، مع أنهم لم يَخْرجوا عن ظاهر اللفظ.
لأنَّ التعويل على قَصْدِ المتكلم ومُرادِهِ لا على الألفاظ، لأنها لم تُقصد لنفسها، وإنَّما قُصِدَت للمعاني، والتوصل بها إلى مَعْرِفِةِ المُرادِ، فلو تَمَسَّكْنا اليَوْمَ بالنَّص في زكاةِ الفِطْرِ وأَخْرَجْنَا التَّمْرَ والزبيب لما كُنَّا مُمْتَثِلِينَ ولا مُزَكِّينَ !
ولهذا نَصَّ الفقهاء على أنَّ الأعيان المنصوص عليها لا تُجزي إلا لمن كانت قُوتَهُ. وقالوا في الأقط: لا يُجزي إلا لأهل البادية – أي بادية الحجاز ــ الذين كان الأقط طعامهُم؛ لأنَّ المراد ما يكون قُونًا للفقراء لا عين المنصوص.
فكما نَصَّ الفقهاء على هذا، وانْتَقَلَ الحُكْمُ في نَظَرِهِم مِنَ المنصوص إلى غيْرِه، كذلك يَنْتَقِلُ إلى المال الذي لم يكن في عَصْرِهم بمنزلته الآن. على ان المال الحقيقي ـ الذي هو الذهبُ والفِضَّةُ - قد انْتَقَلَ حُكْمُهُ أيضًا إلى الوَرَقِ الذي لو أعطيه مُندُ أعوام خَلَت لَعَدَّهُ سُخرية واستهزاء! واليوم لو أعطي قرشا مِنَ الفِضَّةِ لَعَدَّه سُخرية واستهزاء به، بخلاف الورق. فالعبرة بالمَنْفَعَةِ والمقاصدِ، لا بالوسائل والأسباب.
فصل
فمراعاة لهذه المقاصد؛ نقول: إنَّ الواجب على أهل البادية البعيدة من المدن، إخراجُ الطَّعامِ المُقْتاتِ عندهم، لا التّمر ولا المال، لأنَّ لا التمر ولا المال، لأنَّ حالهم مُشابة لحال أهل عَصْرِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في كَوْنِ طعامهم الحبُّ، مع وجود الأرْحاءِ في بيوتهم التي تُمكِّنُهم من الانتفاع به . بخلاف المال، فإنَّ الفقير لو في البادية، لاضطَرَّ مَعَهُ إلى السُّؤال حيث لا تُوجَدُ أسواق ولا دكاكين لبيع الطعام المهياً المطبوخ، لا خبز ولا غيرها، كما كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وكذلك لو تغيّر الحال في المُدنِ وانْقَطَعَتْ هذه الآلاتُ وعادت المياه إلى مجاريها الأصلية، فإنَّ الحُكم يكون كذلك. أما اليوم، فالمال في الحواضر انْفَعُ للفقراء، وإخراجُهُ هو الأفضل والأولى أخذه، والله أعلم.
فصل
وإذا ثبت من هذه الوجوه والدلائل جواز إخراج المال، فاعلم أن تقليد الفقهاء القائلين بعدم إجزائه لا يجوز لأسباب:
السبب الأول:
أنهم حكموا بذلك بناءً على ما كان عليه الحال في عَصْرِهم المشابه لعصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي استمر كذلك إلى أوائل هذا القَرْنِ الرابع عشر.
أما اليوم فقد تغيَّر الحالُ تَغَيُّرا لو وَقَعَ فِي عَصْرِهم لما أفتوا إلا بإخراج المال، مُراعاة لما ذكرناه مِنَ الأدلة.
ومثل هذه المسألة أيضا، زكاةُ الأوراق الماليَّة؛ فإِنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بنصوص الفقهاء، الذين كان التعامل في زمانهم محصورًا في النقدين، وقَرَّرُوا أَنَّ الزكاةَ لا تدخل غيرها مِنَ الفلوس، فحكم بإسقاط الزكاة في الأوراق بناءً على نصوص الفقهاء - فإنَّهُ يكون بذلكَ مُسْقِطًا لِأُحدِ أركان الإسلام وهادِمًا أَصْلًا من أصولِهِ، ومُلغيًا مَقْصدًا مِنْ أَهَمِّ مقاصدِه !
وكم من نظير لمن تأمل ذلك وتَتَبَّعَهُ، مَعَ أَنَّ مِنْ أصول المالكية القول بما جرى به العَمَلُ، والاعتماد على الأعراف، ولو فيما خالف صريح الكتاب والسنَّةِ من غيرِ مُبرِّرٍ ولا مُعْتَمَدٍ يعتمد عليه أصلاً سوى العرف والعمل الجاري.
السبب الثاني:
إنَّ العلم بضعف الدَّليلِ، يُوجِبُ عَدَمَ اعتبارِ القول المبني على ذلك الدليل؛ ولهذا قرَّرَ عُلماء الفقه والأصول، أنَّ الإمامَ لا يُقَلَّد فيما ضعف مدركه فيه، بل يجب إلغاءُ مَذْهَبِهِ واعتبار الدليل الذي نحنُ مُتَعَبَّدُونَ به. وإذا عُلِمَ هذا، فَإِنَّ الفقهاء تَعَلَّقُوا في هذه المسألة بشبهتين ضعيفَتَيْنِ:
إحداهما: كون الشارع أوجب أشياء مختلفة القيمة، فدل على إرادة الأعيان وهذه شُبهة ضعيفة أو باطلة، من وجهين:
الوجه الأول: أنها من قياس الحاضر على الغائب المجهول؛ فإنَّهم قاسوا عصرهم على عَصْرِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وظنُّوا أنَّ هذه الأشياء لما كانت مختلفة القيم في عَصْرِهم، كانت كذلك في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا أمر يحتاجُ إلى نقل صريح في إثباتِه، وإلا فالأزمنة والعصور، ومساواة الأشياء وتفاضلها، تختلف في الأسعار.
وقد وجدنا هذه الأشياء اختلفت مِن عَصْرِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عصر عمر وعلي رضي الله عنهما. فكان البر قليلاً أو مفقوداً في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينةِ المُنَوَّرَةِ. وكَثُرَ في زمانِ عُمَرَ وعثمان وعلي رضي الله عنهم بسبب فتح الشام ومصر وغيرهما من الأقطار.
وأقصى ما بَيْنَ زمانِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمان عمر ثمانية عشر عاماً، فكيف بستمائة سنة ؟ فإنَّ هذا الدليل استدل به ابنُ العربي من المالكيَّةِ في المائة السادسة، ومِنْ قَبْلِهِ الخطابي من الشافعية في المائة الرابعة.
كما أنَّ أهل المدينة كان طعامهم في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم التمر مُجردًا، بحيث يمكثون الشهر والشهرين بل والشهور ــ لا يذوقون فيها طعامًا غيره. ثُمَّ بعده بقليل تَغَيَّر الحال وصارَ طعامهم كسائر النَّاسِ، وبقي التَّمْرُ عندهم للتفكه والنادم لا للاقتيات به وحْدَهُ . فكيف يُقاسُ العَصْرُ المُتَأخُرُ على المتقدم مع هذا التباين العظيم ؟
الوجه الثاني: أنَّ هذه دعوى غير مُسَلَّمة، فإِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم غاير بين الأعيان ولم يُسَوِّ بينها، كما قَدَّمناهُ من طُرُقٍ بَلَغَتْ حَدَّ التَّواتُرِ، فَبَطَلَ هذا الدليل مِنْ أَصْلِهِ.
الشبهة الثانية:
قولهم: إن المال بَدَل، والبَدَلُ لا يُنتقل إليه إلا عند فقدان المُبْدَلِ. وهذه الشبهة ضعيفةً أيضا من وَجْهَيْن:
أحدهما: أنها قاعدة غير مُطَّرِدَةٍ، بل منقوضةٌ. فالمَسْحُ على الخُفَّيْنِ بَدَلٌ مِنَ الماءِ، وهو جائز مع وُجُودِ المُبْدَلِ وهو الماء.
ثانيهما: عَدَمُ تسليم كون المال بدلا من الطعام. بل نقول: إِنَّهُ أَصل داخل في عُموم العِلَّةِ التي صَرَّحَ بها الشَّارِعُ، وهي إغناءُ الفُقراء، بل لا يبعد أن يُقال: إِنَّهُ الأصل، والطَّعامُ بَدَل منه، لفقدان فائِدَتِهِ في ذلك العَصْرِ، مَعَ نُدْرَتِهِ كما أوضحناه .
السبب الثالث:
أنهم اضطربوا في هذه المسألة وتناقضوا فيها تناقضاً يوجب عدم اعتبار قولهم فيها، لأنهم لم يَتَمَسَّكُوا فيها بِنَص، ولا قياس، ولا تَعَبدِيَّةٍ، ولا معقولية !!
-أمَّا النَّصُ فَمُخالفوه في قولهم: بجواز إخراج كُلِّ مُقتاتٍ غالبًا: كالأرز، والدخن، والذَّرَةِ، والسُّلتِ، والسويق، والقطاني، واللحم، واللبن، وغيرها. مَعَ أَنّ النَّصَ لم يَرِدْ بشيءٍ منها ! وخالفوه أيضا في قولهم أنَّ الأقط لا يجوز إلا لمن كان قُوتُه.
-ومنهم من مَنَعَ مِنْهُ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ وَرَدَ في النَّص الصحيح ! وخالفوه أيضا في قولهم إنَّ الواجب من البر صاعٌ. مَعَ أَنَّهُ لم يَصِح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا نصف صاع.
بل أنْكَرَ جَمْعٌ مِنَ الحُفَّاظِ كابْنِ المُنْذِرِ، وأَبْنِ حَزْم، والبيهقي، والحافظ،، ثُبوت البر عليه وآله وسلم مُطلقًا، لا بصاع ولا بنصف صاع.
وأكدوا ذلك بأن البر لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة -كما وَرَدَ في الصَّحِيحَيْنِ وغيرهما من حديث أبي سعيد وعبد الله بن عمر، وبَيَّنُوا أَنَّ المُراد بالطَّعام في حديث أبي سعيد هو الشعير لا البر. وردّوا على مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ البُر، وأبطلوا زَعْمَهُ بما لا يَقْبَلُ النّزاعَ.
ولولا خوفُ التطويل لبيَّنا ذلك، ولتكلمنا على جميع الأحاديث الواردة بصاع من البر، حتى يَتَحَقَّقَ النَّاظر مِن ضعفها. وفي تضعيف هؤلاء الحفاظ كفاية.
فصل
فإن قالوا: إن المنصوص عليه تَعَبُّدي لا يُفْهَمُ له معنى ولا علة. قلنا: قد ناقضتم هذا، وصرحتم بأنَّه معقول المعنى بَيِّنُ العِلَّة، ولذلك قِسْتُم عليه كل ما في معناه.
وإن قالوا: هو معقول المعنى، فلذلك قسنا عليه. قُلْنا: قد ناقضتم هذا أيضا، ولم تقيسوا عليه كُلَّ ما في معناه. بل تَحَكَمْتُم فَالْحَقْتُم أشياءَ وَمَنَعْتُم غيرها مع اتحادِ الجميع في العِلَّةِ !!
ثُمَّ نَسألهم عن العِلَّةِ التي جَوَّزَتْ لَهُمُ القياس والإلحاق؟ فإن قالوا: المطعومية. قُلنا: قَدْ ناقضتُم هذا، فلم تُجيزوا كُلَّ مطعوم من خُضَرٍ، وفواكه، وحلواء !
وإن قالوا: الاقتيات. قلنا: قد ناقضتم هذا أيضا، فَمَنَعْتُم الدَّقيق، والسويق، والحمص، والعَدَسَ، والقُولَ، وغيرها مقتات!
واضطَرَبَ مالك في القطاني، فأجازها مَرَّةً وَمَنَعَ منها أخرى! وجعلها خاصة بالمُعَشَرِ. قُلْنا: ناقضتم ذلك باللَّحْم، واللَّبَن، والأُقِطِ، والدقيق، وغيرها، وهي غيرُ مُعَشَرَةٍ !
وإِنْ قالوا: مما تُنبِتُهُ الأَرْضُ خَاصَّةً قلنا: ناقضتم ذلك باللحم، واللبن، والأقط، فإنها من الحيوان، فهكذا اضْطَرَبَتْ أقوالهم، وتناقضَتْ آراؤهم، في هذه المسألة، فلم تجرِ فيها على نَص ولا قياس !!
وما كانَ هذا سبيله فلا يجوزُ لِمُسْلم العَمَلُ به، استحسان مُجَرَّد عن الدَّليل، ونحنُ مُكَلِّفُونَ باتِّباع الحق والدليل، لا باتباع استحسانِ النَّاسِ وآرائهم، وحينئذ فلا يخلو الحال في هذه المَسْألِةِ مِنْ أَمْرَين لا ثالث لهما: إما الوقوف مع النَّص والجمود عليه والقولُ بأَنَّهُ لا يجوزُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا، كما هو مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وبعض الحنابلة والمالكية، وإِمَّا النَّظَر إلى المعنى، واعتبارها، وتجويز كل ما يُحصل مقصود الشارع، مِمَّا فيه نَفْعُ الفُقراء وسَدُّ خلتهم؛ وما سوى هذا فَتَحَكُمْ يأباه العَقْلُ ولا يَرْضاهُ الدَّليل. والسَّلام.
كملت الرسالة المسماة: (تحقيق الآمال في إخراج زكاةِ الفِطْرِ بالمال) على يَدِ مُؤَلّفها الفقير أحمد ابن محمد بن الصديق، غَفَرَ الله له بِمَنْهِ، آمين . وذلك يوم الخميس خامس القعدة من سنة تسع وخمسين وثلاثمائة وألف ١٣٥٩ هـ.
مقدمة المحقق نظام يعقوبي
يتكرر علينا في كُلِّ عام -وفي شهر رمضان المبارك بالذات -الخلاف في حُكْم إخراج زَكَاةِ الفِطْرِ بالطعام وبالقيمة، وهل يجوز دفع القيمة أم لابد من دَفْع الطعام؟ والمسألة ليست جديدة مُسْتَجدّةً، فقد أشبعها الفقهاء بحثا في مُطوّلاتهم، ولكل دليل يستشهد به، وحُجَّةٌ يحتج بها، ومع قدم الخلاف في هذه المسألة، إلا أننا ما علمنا ـأنها أدت إلى معارك، ومهاترات، وخطب رَنَّانةٍ، ومساجلات طنانة!
وأنا بحمد الله تعالى لا أضيقُ ذَرْعًا بالبحثِ العِلْمِي، أو النقاش المفيد، مع مراعاة أدب الخلاف والاختلاف، والحرص على الأخوة والألفة والمودّة، ولكنّي لا أَتَحَمَّلُ بعض الذين يَفْتَحُونَ كتابًا أو كتابين، أو يسمعون فتوى من إذاعة، أو يَقرؤونها في جريدة، ثُمَّ يُرَدُّدُونَها كالببغاء، دُونَ بحث ولا تمحيص، ولا مراجعة، ولا تفحيص، ويَدَّعون أن هذا هو الحق الذي لا حق غيره، والصواب الذي لا صواب سواه !!
ولو تواضعوا قليلًا وقالوا: رَأينا صوابٌ يحتمل الخطأ، ورَأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ـ كما قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى ـ لزال الإشكال، وارتفع القيل والقال.. هذا مع العلم بأنَّ من أولياتِ شروط البحث، أَنْ يُلم الباحث بموضوعِهِ إلماماً، وأن يُشبع المسألة تتبعا واستقصاء، ثُمَّ يُقارن ويوازن، ويُرجحُ ويُصَحْحُ ويُضعف. أما مجرد النقل عن فلان وعلان، فإنَّه لا يُغني من الحق شيئًا.
وخيرُ مَنْ رَأَيْتُ طَبّق هذا المنهج في مسألة زكاةِ الفِطْرِ ودفع قيمتها هو مؤلف هذه الرسالة شيخ شيوخنا خاتمةُ الحُفَّاظِ العَلامَةُ السَّيِّدُ أَحْمَدُ بْنُ الصِّدِّيقِ الغماريه الحسني رحمه الله تعالى، وقد أتى فيها بالعَجَبِ العُجاب، واستقصى فيها الأحاديث والآثار، استقصاء لم يُسبَق - فيما أعلمُ ـ إِلَيْهِ، ولا تَقَدَّمَ أَحدٌ في هذا الباب عليه. وضَمَّنَهُ من التحقيقات النفيسية، والقواعد والضوابط الفقهية، والاستنباطات اللطيفة، ما يندر وجوده في غيره.
ولَمَّا كانَ الكتابُ قد عَزّ وجوده، وغاب عن الأنظار شهوده، استعنتُ بالله تعالى في إخراجه وطبعه، مع إضافاتٍ في التحقيق والعزو، وتعليقات يسيرة، دون تطويل مُمِل، ولا تقصير مُخلٌ؛ لكن لا تخلو بإذن الله تعالى من فائدة، وتقييد شاردة أو واردة.
ترجمة أحمد بن الصديق الغماري
(١٣٢٠ -١٣٨٠ هـ)
اسمه ونسبه
السيد محمد بن أحمد بن محمد الصديق بن محمد بن قاسم بن بن محمد بن عبد المؤمن الإدريسي المغربي الطنجي الغماري.
الإمام الحافظ المحدث الناقد، نادرة العصر وفريد الدهر، ذو التصانيف والذكاء والحافظة المفرطة شهاب الدين أبو الفيض وأبو الخير الحسني.
ينتهي نسبه إلى مولانا إدريس الأكبر فاتح المغرب بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
ونسبه من جهة أمه ينتهي أيضاً إلى مولانا إدريس الأكبر فهي حفيدة الإمام المفسر العارف بالله سيدي أحمد بن عجيبة الحسني المتوفى سنة ١٢٢٤ هــ.
وصاحب الترجمة ذكر نسبه وتراجم كثير من آبائه في (التصور والتصديق بأخبار سيدي الشيخ محمد بن الصديق) المطبوع وكذا في (البحر العميق في مرويات ابن الصديق) و(المؤذن بأخبار سيدي أحمد بن عبد المؤمن) و(سبحة العقيق).
مولده ونشأته:
ولد صاحب الترجمة بقبيلة بني سعيد وهي قريبة من قبيلة غمارة وذلك في يوم الجمعة السابع والعشرين من رمضان سنة ١٣٢٠ هـ، وبعد شهرين من ولادته رجع به والده إلى طنجة وعندما بلغ الخامسة من عمره أدخله والده المكتب لحفظ القرآن الكريم على تلميذه سيدي العربي بن أحمد بودرة .
طلبه للعلم:
وبعد أن أكمل حفظ القرآن الكريم وجوده، حَفِظَ «الآجرومية» و «المرشد المعين» و«بلوغ المرام» و «السنوسية» و«ألفية ابن مالك» و «الجوهرة » و «البيقونية» و«مختصر خليل» وغير ذلك.
م اشتغل بالدرس فحضر دروس شيخه بودرة في النحو والصرف، والفقه المالكي، والتوحيد، ودروس والده في الجامع الكبير في النحو، والفقه والحديث وكان والده رحمه الله تعالى معتنياً به أشد الاعتناء، ويذاكره في شتى الفنون، ويحته على الطلب والتعب في التحصيل، ويذكر له تراجم العلماء ليتخلّق بأخلاقهم، ويسعى مسعاهم. وقرأ أيضًا على الفقيه أحمد بن عبد السلام العبادي.
ولما أمر والده الإخوان المتجردين بالزاوية الصديقية أن يحفظوا القرآن الكريم، كتب كتابًا في فضل القرآن الكريم وحفظه وتلاوته سماه (رياض التنزيه في فضل القرآن وحامليه) وهو أول ما صنف وكان دون العشرين.
وأثناء ذلك حبب الله تعالى إليه الحديث الشريف فأقبل على قراءته خاصة الأجزاء الحديثية وكتب التخريج والرجال.
رحلته في طلب العلم:
وفي سنة ١٣٣٩ هـ وصل للقاهرة للدراسة على علماء الأزهر المعمور بتوجيهات والده
السقا قرأ في القاهرة على شيوخ أجلاء، منهم الشيخ محمد إمام بن إبراهيم الشافعي، قرأ عليه (الآجرومية) بشرح الكفراوي و(ابن عقيل) و(الأشموني على الألفية) و(السلم) بشرح الباجوري و(جوهرة التوحيد) و(شرح التحرير) لشيخ الإسلام الباجوري في الفقه الشافعي وسمع عليه (مسند الشافعي) و(ثلاثيات البخاري)، و(الأدب المفرد) و(مسلسل عاشوراء) بشرطه والمسلسل بالأولية وغير ذلك وكان يتعجب من ذكائه وسرعة فهمه وشدة حرصه على التعليم ويقول له: لابد وأن يكون والدك رجلا صالحًا للغاية، وهذه بركته فإن الطلبة لا يصلون إلى حضور (الأشموني بحاشية الصبان) إلا بعد طلب النحو ست سنين وقراءة (الأجرومية) و (القطر) وغيرهما، وأنت ارتقيت إليه في مدة ثلاثة وكان يذيع هذا بين أشهر العلماء.
وكان أحيانًا يقول له لما يرى من حرصه على قراءة الكتب التي تدرس إلى أن تشرب العلم في أقرب وقت.
شيوخه:
ومن مشايخه بمصر أيضا شيخ الشافعية محمد بن سالم الشرقاوي الشهير بالنجدي (ت ١٣٥٠ هـ) قرأ عليه مشكاة المصابيح و الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، وغير ذلك .
ومنهم محمد السمالوطي المالكي قرأ عليه التهذيب في المنطق و تفسير البيضاوي و موطأ مالك.
ومنهم شيخ المالكية أحمد بن نصر العدوي، قرأ عليه (صحيح مسلم) بشرح النووي وأوائل سنن أبي داود .
ومنهم الشيخ عبد المقصود عبد الخالق قرأ عليه «مختصر خليل».
ومنهم شيخ علماء الدنيا مفتي الديار المصرية ومفخرتها الشيخ محمد بخيت المطيعي حضر دروسه في «شرح الأسنوي على المنهاج» في الأصول و «شرح الهداية» في الفقه الحنفي وصحيح البخاري، كما لازم دروسه في التفسير وله مشايخ آخرون بمصر في القراءة:
منهم الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوي المالكي
والشيخ محمود خطاب السبكي المالكي .
والشيخ محمد شاكر المالكي
والشيخ ياسين الجندي .
والشيخ حسن حجازي .
والشيخ عمر حمدان المحرسي التونسي، قرأ عليه وقت قدومه للقاهرة في صحيح البخاري، والأذكار للنووي، وعقود الجمان في البلاغة، غير ذلك
وله مشايخ في سماع الحديث والإجازة، من أجلهم السيد المحدث محمد بن جعفر الكتاني المتوفى سنة ( ١٣٤٥ هـ ) .
والسيد محمد بن إدريس القادري شارح الترمذي المتوفى سنة ( ١٣٥٠ هـ )
وشيخ الجماعة السيد أحمد بن الخياط الزكاري المتوفى سنة ( ١٣٤٣ هـ ) .
ومسند عصره المحقق السيد أحمد رافع الطهطاوي الحنفي المتوفى سنة ( ١٣٥٥ ) هـ
وشيخ علماء الشام بدر الدين البيباني المتوفى سنة ( ١٣٥٤ هـ )
وصاحب التصانيف العديدة الشيخ عبد المجيد الشرنوبي الأزهري المتوفى سنة ( ١٣٤٥ هـ) وغيرهم مما هو مذكور في فهارسه المتعددة.
وفاة والدته:
وفي أثناء وجوده بالقاهرة رجع للمغرب بسبب وفاة والدته التي توفيت شهيدة بجمع رحمها الله تعالى.
انقطاعه للعلم والتأليف:
وبعد عودته للقاهرة واصل الدراسة بالأزهر، ثم أقبل على مطالعة كتب الأصول وحده ثم انقطع في منزله لمطالعة الحديث واعتنى به حفظاً، وتخريجاً، ونسخاً، ومكث في منزله سنتين لا يخرج إلا للصلوات، ولا ينام الليل حتى يصلي الضحى، وشرع أثناء ذلك في كتابة تخريجه الموسع على «مسند الشهاب» الذي سماه (فتح الوهاب) وقد وقع في مجلدين.
رحلته للشام:
واستمر على هذا الحال إلى أن قدم والده لحضور مؤتمر الخلافة سنة ١٣٤٤ هـ فشد الرحلة مع أبيه لدمشق لزيارة سيدي محمد بن جعفر الكتاني ثم رجعا إلى المغرب.
عودته للمغرب
بقي المترجم بالمغرب حوالى أربع سنوات أقبل فيها على الاشتغال بالحديث حفظا ومطالعة، وتصنيفا، وتدريساً، فدرّس (نيل الأوطار) و (الشمائل المحمدية).
وأثناء ذلك كتب شرحًا كبيرًا على رسالة ابن أبي زيد القيرواني لم يصنف مثله يذكر لكل مسألة أدلّتها من الكتاب والسنّة سمّاه (تخريج الدلائل لما في رسالة القيرواني من الفروع والمسائل) كتب منه مجلدًا ضخما إلى كتاب النكاح ثم عدل عن التطويل فكتب كتابًا مختصرًا سماه (مسالك الدلالة على متن الرسالة) تم في مجلد وهو أيضاً لم يصنف مثله.
رجوعه للقاهرة:
ثم رجع للقاهرة سنة ١٣٤٩ هـ وصحب أخويه شيخنا علّامة العصر سيدي عبد الله، والسيد الزمزمي للدراسة بالقاهرة وأثناء وجوده بالقاهرة هذه المرة كتب المصنفات التي تعرب عن تمكنه وبراعته بل واجتهاده في الحديث وأنه لا يوجد له نظير عدة وتردد عليه من علماء الأزهر جماعة منهم للزيارة والاستفادة من علومه رغم صغر سنه وطلب أن يقرأ معهم (فتح الباري) سردًا ويشرح لهم مقدمة «ابن الصلاح» ففعل وجلس للإملاء بمسجد الحسين، ومسجد الكخيا، وأتى بسيرة الحفاظ النقاد.
وكان العلماء والطلاب يتعجبون من حفظه وفهمه واحتاج إليه مشايخه، كالشيخ بخيت، واللبان، والخضر حسين، وعبد المعطي السقا، والسيد أحمد رافع الطهطاوي، وعمر حمدان، ويوسف الدجوي وغيرهم وأخباره مشايخه المذكورين سطّرها في (البحر العميق في مرويات ابن الصديق) .
وفاة والده وعودته للمغرب:
رحمه الله تعالى فاستلم وفي سنة ١٣٥٤ هـ رجع إلى المغرب بسبب وفـ وفاة والده الزاوية وقام بالخلافة عن والده واعتنى بتدريس كتب السنة المطهرة فدرّس الكتب الستة عدة مرات مع عديد من كتب المصطلح وسُمِعَ عليه بعضا من كتب التخريج، والأجزاء، والمشيخات، والمسلسلات، وأملى مجالس حديثية بالجامع الكبير بطنجة، فكان يملي أكثر من خمسين حديثا في المرة الواحدة بأسانيدها حفظه بلا تلعثم حتى إذا فرغ منها رجع للأول فتكلم على سنده وغريبه وفقهه ثم الثاني وهكذا وإذا تكلم على رجال الحديث كأنهم نصب عينيه، فله بهم خبرة تامة من جرحهم وتعديلهم وطبقاتهم .
حث الناس على العمل بالسنة الشريفة وترك ما خالف الدليل ونبذ التقليد:
المخالف للسنة وله في ذلك مصنفات وقد أثرت دعوته للعمل بالسنة الشريفة على عديد من بلاد المغرب غير طنجة فتبعه غالب أهالي تطوان، وسلا، والقصر الكبير، وغمارة .
وكان يحارب السفور والمدارس العصرية والتشبه بالكفار وله في ذلك جزء سماه (الاستنفار لغزو التشبه بالكفار) . وكان لا يرى النظر في الجرائد ويبغض الوظائف الحكومية
جهاده:
ولم يكن صاحب الترجمة من الذين قصروا أنفسهم على العلم فقط بل حارب الاستعمار وسعى في إخراجه من المغرب وقام بثورتين ضد الكفار الأسبان، الأولى سنة ( ١٣٥٥ هـ ) والثانية سنة ( ١٣٦٩ هـ ) وانتهت بالحكم عليه بالسجن مدة ثلاث سنوات ونصف . ثم حددت إقامته في طنجة بعد خروجه كما قام بالاحتجاج على فرنسا بسبب أعمالها في الدار البيضاء، وتفصيل تاريخه السياسي تجده في (البحر العميق) .
عودته للقاهرة:
وبعد خروجه من المعتقل أحاطت به فتن الاستعمار ومحاولة إيذائه من الاستعمار تارة ومن الحزبيين تارة أخرى، ففضل أن يغادر المغرب فوصل القاهرة في ربيع النبوي سنة ۱۳۷۷ هـ فاستقبل بكل إجلال واحترام واشتغل بالتصنيف.
رحلته للحجاز والشام والسودان:
ثم دخل الحجاز حاجًا ومعتمرا مرتين ودخل دمشق وحلب وحصل عليه فيهما إقبال عظيم مشهور واحتفل به العلماء وأكرموه كثيرًا واستقبل عند دخوله هذه البلاد من بعد مائة كيلو متر واستجازه جميع العلماء ثم بعد زيارته للشام دخل السودان وحصل له الإقبال.
مرضه ووفاته بالقاهرة
وبعد رجوعه مرض مرضا شديدًا . وفي يوم الأحد غرّة جمادى الثانية سنة ( ١٣٨٠ هـ ) انتقل إلى رحمة الله تعالى ودفن بالقاهرة بمقابر الخفير رحمه الله تعالى وأثابه رضاه.
رثاؤه:
ورثاه جماعة العلماء من وقد عم الحزن عليه في المغرب عامة وفي طنجة خاصة منهم الطالب محمد بوخبزة التطواني قال فيها:
ما زلت بدرًا تضيء الكون مزدهرا .. في اللحد نورك ينسيني سنا المرج
كملت فضلا ونقص المرء مفترض .. فكان في العمر مجلى النقص والعرج
لو كنت تفدى فدتك النفس يا سند .. الإسلام يا طيب الأنفاس والأرج
قد كان نعيك مأساة الأنام فهل من .. مسلم غير محزون ومنزعج
إلى أن قال:
مَنْ للفرائد يزجيها ويعرضها .. للمستفيد بفكر غاص في اللجج
من للأحاديث يميلها ويوسعها .. بحثا ونقدا بقول ساطع الحجج
مَنْ للشريعة يبدي من محاسنها .. ما يخلب اللب من غاو ومنتهج
مكانته العلمية:
كان المترجم الحافظ السيد أحمد بن الصديق تذكرة لابن الصلاح، والنووي، وابن ناصر الدين، والعسقلاني، والسخاوي في عصر بعد الناس فيه عن الحديث ومعرفة مسائله والبحث عن دوره، نظر في الرجال والطبقات وعرف العالي والنازل والصحيح والسقيم مع حفظه لمتونه فهو عجيب في استحضاره للمتون واستخراجه للحجج، عرف فنون الحديث حق المعرفة حتى صار مجتهدا مطلقًا فيها وإذا قلت إنه لم يأت بعد الحافظ السخاوي والحافظ السيوطي مثله في معرفة فنون الحديث وتمييز الصحيح من السقيم أكون قد قلت الحق إن شاء الله تعالى.
وطالع كتبه وخاصة الأجزاء الحديثية تستفد، وتَرَ فيها الفوائد، وسعة الاطلاع، والتمكن في الصناعة، وليس الخبر كالمعاينة لكن كانت له حدة تعتريه عند الكتابة رحمه الله تعالى وغفر لنا وله نصر السنة المحمدية، وشجاعته اشتهرت بين الخاص والعام، ولا يستطيع مداراة خصومه . عليه نضرة أهل الحديث رضي عنهم وكرمه مشهور.
اشتغل بالتصنيف طوال حياته فلم ينقطع عنه حتى عندما دخل السجن في آزمور كتب عدة من الكتب منها (البحر العميق) و(المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير) و(جونة العطار) وغيرها .
مؤلفاته:
بلغت مصنفاته أكثر من (۲۰۰) مصنف أكثرها في الحديث الذي كان يمشي فيه على طريقة الحفاظ الأوليين ولا يقلد أحدًا ومصنفاته شاهدة على إمامته، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
١ - إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون ـ طبع بدمشق
٢- الاستعاذة والحسبلة ممن صحح حديث البسملة طبع بمصر
٣ - إرشاد المربعين إلى طرق حديث الأربعين ـ طبع بمصر .
٤- إزالة الخطر عمن جمع بين الصلاتين في الحضر ـ طبع بمصر.
٥- إحياء المقبور بأدلة بناء المساجد والقباب على القبور ـ طبع بمصر
٦- إقامة الدليل على حرمة التمثيل -طبع بمصر .
۷ -الإقليد في تنزيل كتاب الله على أهل التقليد
٨- الإفضال والمنة برؤية النساء الله في الجنة
٩- إياك من الاغترار بحديث اعمل لدنياك
۱۰ - مجلدان ضخمان الإسهاب في الاستخراج على مسند الشهاب
۱۱-اختصار مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا .
١٢-الأخبار المسطورة في القراءة في الصلاة ببعض السورة .
١٣ -الاستفاضة بحديث وضوء المستحاضة، وقد ذكره المؤلف في الحديث (۱۳۲) من هذا الكتاب . [أي الهداية في تخريج البداية].
١٤ - الأربعون المتتالية بالأسانيد العالية في مجلد.
١٥ ـ الإشراف بتخريج الأربعين المسلسلة بالاشراف.
١٦- إظهار ما كان خفيًا من بطلان حديث: «لو كان العلم بالثريا»
۱۷ - الأمالي المستظرفة على الرسالة المستطرفة في أسماء كتب السنة المشرفة
۱۸ ـ الاستئناس بتراجم فضلاء فاس وهو اختصار سلوة الأنفاس مع الذيل عليها .
۱۹ - الإلمام بطرق المتواتر من حديثه عليه الصلاة والسلام تم منه مجلد .
۲۰ - الأمالي الحسينية .
۲۱ - الأجوبة الصارفة لإشكال حديث الطائفة .
٢٢- الائتساء بإثبات نبوة النساء .
٢٣ - إسعاف الملحين ببيان حال حديث: (إذا ألف القلب الإعراض عن الله ابتلي بالوقيعة في الصالحين) .
٢٤- الإجازة للتكبيرات السبع على الجنازة
٢٥ - اغتنام الأجر في تصحيح حديث «أسفروا بالفجر»
٢٦ - إيضاح المريب من تعليق إعلام الأريب
۲۷ -البرهان الجلي في تحقيق انتساب الصوفية إلى علي ـ في مجلد .
۲۸ - بيان الحكم المشروع في أن الركعة لا تدرك بالركوع ــ في مجلد .
۲۹-البحر العميق في فهرست ابن الصديق. جزآن
٣٠- بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري تمت مقدمته في مجلد.
۳۱- بیان غربة الدين بواسطة العصريين المفسدين.
٣٢- البيان والتفصيل لوصل ما في الموطأ من البلاغات والمراسيل .
٣٣- بذل المهجة منظومة تائية في ستمائة بيت في التاريخ.
٣٤ ـ-تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ـ طبع بتطوان [ وهو كتابنا هذا ]
٣٥ - تحسين الفعال بالصلاة في النعال طبع بمصر
٣٦ ـ تشنيف الآذان باستحباب السيادة في اسمه الله في الأذان ـ طبع بمصر .
٣٧-التصور والتصديق بأخبار الشيخ محمد بن الصديق ـــ طبع بمصر
٣٨ ــ توجيه الأنظار لتوحيد العالم الإسلامي في الصوم والإفطار ــ طبع بمصر
٣٩-تبيين البله ممن أنكر حديث (ومن لغا فلا جمعة له)
٤٠- تعريف المطمئن بوضع حديث: «دعوه يئن»
٤١ - تعريف الساهي اللاه بتواتر حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله » .
٤٢ - تخريج الدلائل لما في رسالة القيرواني من الفروع والمسائل تم منه جزآن .
٤٣ - تحفة الأشراف بإجازة الحبيب السقاف.
٤٤ ـ تبيين المبدأ في طرق حديث: (بدأ الدين غريبا وسيعود كما بدأ).
٤٥ - تحسين الخبر الوارد في الجهاد الأكبر
٤٦-التعريف لما أتى به حامد الفقي في تصحيح الطبقتين خاصة من التصحيف، يعني طبقات الحنابلة وذيلها .
٤٧-جؤنة العطار في طرف الفوائد ونوادر الأخبار. تم منه مجلدان وبعض الثالث.
٤٨ - جهد الإيمان بطرق حديث الإيمان
٤٩-جمع الطرق والوجوه الحديث: «اطلبوا الخير عند حسان الوجوه».
٥٠- الجواب المفيد للسائل المستفيد.
٥١- الحنين بوضع حديث الأنين
٥٢- حصول التفريج بأصول العزو والتخريج.
٥٣-درء الضعف عن حديث: « من عشق فعف».
٥٤- دفع الرجز بطرق حديث: «أكرموا الخبز».
٥٥-رفع شأن المنصف السالك وقطع لسان المتعصب الهالك في سنية القبض في الصلاة عند مالك. طبع بمصر
٥٦ - رياض النزيه في فضل القرآن وفضل حامليه ـ في مجلد .-
٥٧-الرغائب في طرق حديث: «ليبلغ الشاهد منكم الغائب»
٥٨- رفع المنار لحديث: (من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار) .
٥٩- رفض اللي بتواتر حديث: «من كذب علي».
٦٠ - الزواجر المُقلِقة لمنكر التداوي بالصدقة.
٦١ - زجر من يؤمن بطرق حديث: «لا يزني الزاني وهو مؤمن» .
٦٢-سبل الهدى في إبطال حديث: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا» طبع بتطوان وبمصر
٦٣-سبحة العقيق في ترجمة الشيخ سيدي محمد بن الصديق . في مجلد ضخم .
٦٤ - شوارق الأنوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة ـ طبع بمصر .
٦٥-شهود العيان بثبوت حديث «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان».
٦٦- شمعة العنبر ببدعة أذان الجمعة على المنارة وعند المنبر.
٦٧ - شرف الإيوان في حديث: «الممسوخ من الحيوان» .
٦٨ -الصواعق المنزلة على من صحح حديث البسملة وهو رد على رسالة الرحمة المرسلة.
٦٩ - صفع التياه بإبطال حديث: «ليس بخيركم من ترك دنياه».
٧٠- صلة الوعاة بالمرويات والرواة ـ تم منه مجلد كبير
۷۱ - صرف النظر عن حديث: «ثلاث يجلين البصر»
٧٢-صدق اللهجة .
٧٣-طباق الحال الحاضرة لخير سيد الدنيا والآخرة ـ طبع بمصر
٧٤ ـ الطرق المفصلة لحديث أنس في البسملة
٧٥ - طرفة المنتقي للأحاديث المرفوعة من زهد البيهقي .
٧٦ -عواطف اللطائف بتخريج أحاديث عوارف المعارف ـ في مجلد.
۷۷ - العتب الاعلاني لموثق صالح الفلاني.
۷۸ -العقد الثمين في حديث: «إن الله يبغض الحبر السمين».
٧٩ ـ غنية العارف بتخريج أحاديث عوارف المعارف وهو اختصار عواطف اللطائف
٨٠ ــ فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ـ طبع بمصر
٨١ - فصل القضاء في تقديم ركعتي الفجر على صلاة الصبح عند القضاء طبع تباعا في جريدة بتطوان .
٨٢ - فتح الوهاب بتخريج أحاديث «الشهاب» جزآن
٨٣-ـ فك الربقة بطرق حديث الثلاث وسبعين فرقة
٨٤ - قطع العروق الوردية من صاحب البروق النجدية .
٨٥- كشف الرين في طرق حديث: «مر على قبرين»
٨٦ - الكسملة في تحقيق الحق في أحاديث الجهر بالبسملة .
۸۷ -ـ كشف الخبي بجواب الجاهل الغبي
۸۸ -كتاب الحسن والجمال والعشق والحب من الأحاديث المرفوعة خاصة.
٨٩ - لب الأخبار المأثورة في مسلسل عاشوراء ـ طبع بطنجة .
٩٠- لثم النعم بنظم الحكم لابن عطاء الله السكندري
۹۱ المنح المطلوبة في استحباب رفع اليدين في الدعاء بين المكتوبة طبع بفاس
۹۲ - مطالع البدور في بر الوالدين ـ طبع بطنجة ومصر .
٩٣ ــ المثنوني والبتار في نحر العنيد المعثار الطاعن فيما يصح من السنن والآثار طبع بمصر
٩٤-مفتاح الترتيب لأحاديث طبع بمصر تاريخ الخطيب.
٩٥ - مفتاح المعجم الصغير للطبراني .
٩٦ - المداوي لعلل المناوي في شرحيه على (الجامع الصغير) في ستة مجلدات .
٩٧- المستخرج على «الشمائل الترمذية » في مجلد
۹۸- المؤانسة بالمرفوع من حديث المجالسة للدينوري
١٠٠-مسالك الدلالة على مسائل الرسالة لابن أبي زيد وهو شرح لها طبع بمصر
١٠١ -المسهم بطرق حديث: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» .
١٠٢- المنتده بتواتر حديث: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»
١٠٣- موارد الأمان بطرق حديث: «الحياء من الإيمان»
١٠٤- المناولة في طرق حديث المطاولة
١٠٥ ـ مسامرة النديم بطرق حديث «دباغ الأديم».
١٠٦- مجمع فضلاء البشر من أهل القرن الثالث عشر تم. منه مجلد كبير إلى حرف العين.
۱۰۷ - مناهج التحقيق في الكلام على سلسلة الطريق.
١٠٨ - المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الضغير ـ طبع بمصر ་
۱۰۹ -مسند الجن .
١١٠- المؤذن في أخبار سيدي أحمد بن عبد المؤمن
١١١- الميزانيات
١١٢- منية الطلاب بتخريج أحاديث « الشهاب » مجلد.
۱۱۳ – نفث الروع بأن الركعة لا تدرك بالركوع .
١١٤ - نيل الحظوة بقيادة الأعمى أربعين خطوة
١١٥ – نصب الجرة لنفي الإدراج عن الأمر بإطالة الغرة .
١١٦- هداية الرشد لتخريج أحاديث «بداية ابن رشد»
۱۱۷- هداية الصغراء بتصحيح حديث التوسعة على العيال يوم عاشوراء . طبع بمصر
۱۱۸ - الهدي المتلقى من حديث أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقاً .
۱۱۹ ـ وشي الإهاب بالمستخرج على مسند الشهاب. ثلاثة مجلدات كبار .
۱۲۰ – وسائل الخلاص من تحريف حديث: (من فارق الدنيا على الإخلاص )
إيقاظ (۱)
بعض هذه المُصَنَّفات لا أوافق مُؤَلِّفها - رحمه الله ـــ على بعض اجتهاداته واختياراته فيها، مثل: ٥، ٢٢، ٢٧، ٣٦، ٨٤، ١٠٧، ولكلِّ وِجْهَةٌ هو مُوليها ) !
إيقاظ (٢)
يعيب على بعض الإخوةِ المُحِبين اعتنائي بمصنّفاتِ المُؤَلِّف - رحمه الله - ومؤلفات سائر إخوانه الأفاضل لا سيّما شيخنا العلّامة عبد الله بن الصديق، وشيخنا العلّامة عبد العزيز بن الصديق - حفظهما الله تعالى ـ، وأقول لهم: أنا كالنحلة تَنْتَقِلُ من وَرْدَةٍ إلى وَرْدة، تَرْتَشِفُ مِنْ رَحيقها، بغيتي الدليل والحق إن شاء الله تعالى - أذعِنُ له عند المؤالف والمخالف، قائدي قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (لا يُعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف - أُهْلَه).
والقاعدة الذهبية عندي: (خُذْ ما صفا ودَعْ ما كَدَر) !: مَنْ ذا الذي لا يَزِلُّ ولا يُخطئ حاشا أنبياء الله ورسله ـ وكفى بالمرء فخرا أن تُعَدَّ معايبه !
على أَنَّ مَذهب أهل السنة والجماعة يُقَرِّرُ أنَّ قليل الخطأ يُغْتَفَرُ في كثير الصواب، ومَنْ غَلَبَتْ حَسَناتُه سيئاته سألنا الله له المغفرة، والأجر على قدر الإخلاص .
ومِنَ الإنصاف هنا أن أذكر أني كتبتُ إلى شيخنا العلامة عبد الله بن الصديق أول ما كتبت إليه - وذكرتُ له بعض مآخذي وعتبي، فرد علي ردا عن علم وفضل وإنصاف، وقال: إنَّ مخالفَتَكَ لي في هذه المسائل لا تَضُرُّني بل تَسرُّني إن كانت مبنيَّةً على أصل أصيل، ودليل صحيح فجزاه الله عنا خيرًا، ونفع به، وغفر لنا جميعًا بمنه وكرمه، آمين . كتبه: نظام يعقوبي - غفر الله ذنوبي وستر عيوبي، آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق