قصص من التاريخ
علي الطنطاوي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ تميزت هذه الأمة المتيقظة بأن لها دين قيم، وشرع حكيم، ومجد لم يصف التاريخ له من نظير، ولذا كان حقاً على الأجيال المتعاقبة أن تقرأ هذه السيرة، أو تتعرض لبعض نفحاتها؛ حتى تستقيم لهم المسيرة، وتعلو بهم الهمة، فتصفو لهم البصيرة، وتحسن لهم العاقبة، وتهتدي عقولهم إلى غوامض الأمور.
فإذا لم نرسم في نفوس النشء الغيرة على حقائق الدين وشرف الأمة، وما سنّه سلفنا الصالح من آداب، ضلوا عن أسمى الحقائق، وأضاعوا أكبر المصالح، وتجردوا من أسنى الآداب.
وهذا الكتاب النفيس، من روائع الأدب الإسلامي المعاصر، لما تضمنه من حِكَم رائعات، وعِظاتٌ بالغات، وغرضه عرض التاريخ الإسلامي بأسلوب قصصي ممتع وجديد، يخلط فيه الكاتب المشاعر بالحقائق، والأدب بالتاريخ، وقدم فيه نموذجاً يُحتذى به، ونهضةً حضاريةً لم يشهد لها التاريخ نظيراً، وعدالةً إنسانيةً شهد لها العدو قبل الصديق، وخُطَّتْ إنجازاتها بماء الذهب.
وتحدث عن بطولات وعبقريات المسلمين، وسير أشخاص طمست الأيام ذكرهم، ودرست معالمهم، والغاية منه تحقيق الإيمان العميق، والثبات الراسخ، والتذكير بالتضحيات الكثيرة، وأن تزكية النفس هي إحدى المقومات الأساسية لحضارتنا.
ملخص موضوعات الكتاب:
١) نحن المسلمون:
يتحدث الكاتب في هذا الموضوع عن أمجاد المسلمين، من خلال قصيدة محكمة المعاني، تحمل رثاء هذه الأمة، التي تهاوت حضارتها أمام الطغيان العالمي؛ وحاول من خلالها أن يعيد ثقة الإنسان المسلم في دينه وأمته وحضارته وثقافته.
٢) في بيت المقدس:
يحكي قصة "ماربريت" التي ذهب زوجها لقتال المسلمين في بيت المقدس مع الصليبيين، وفيها تمثل أخلاق المسلم المنتصر، عند فتحهم بيت المقدس، حيث يقارن بين البطل المسلم الذي يرحم الأعداء وبين الصليبي المجرم، الذي لا يرحم حتى أبناء جلدته.
٣) وديعة الله:
وهي تمثل قصة حب بين فتى وجارية، باع لأجلها دنياه، وضيّع أمواله؛ حتى تركها وهي حامل، ومرضت أخرياته وأوشكت على الموت، فاستودعها وذهب ليأتي لها بالعسل والدقيق، ولكنه لم يعد، وتغرّب في البلاد، وهام على وجهه إلى أن عاد، فوجد بيتاً غير بيته، وشاباً يرتاده، فسأل فوجد أن ذلك الشاب هو ابنه، وأن المأمون رضع من زوجته -وهو صغير -فكافأوها على ذلك.
٤) محمد الصغير:
يحكي فيها قصة الأندلس وكيف أحالها الأسبان المجرمون دولة للصليب، فنحروا أهلها، وسبوا نساءها، ونصّروا غلمانها، وذلك بعد أمجاد ثمانية قرون، فقتلوا كل المسلمين؛ حتى بقي محمد وأبيه وأمه اللذان علماه دينه، وأمراه بالفرار من الأندلس، قبل أن يظفر به الأسبان؛ فيُقتل.
٥) ابن الحب:
وهي تحكي قصة حب جرت بين أبو سفيان صخر بن حرب، والشابة الحسناء فائقة الجمال سمية الرومية، ذات العينان الزرقاوان، والوجه المشرق، وكانت بائعة للهوى، ثم أحبها وتعلق بها، وأنقذها مما هي فيه، وتزوجها، وقد أثمر هذا الحب طفلاً سموه (زياد بن أبي سفيان)، وتركها مدة طويلة، إلى أن شبَّ الغلام، فتعلمت (سميّة) منه معنى الحب والشرف، بعد أن كانت بائعةً للهوى، فتركت هذا العمل، ولما علم أبناء أبي سفيان بأخيهم هذا، احتضنوه، واحتووه.
٦) قضية سمرقند:
يحكي فيها عدالة الإسلام التي حققها عمر بن عبد العزيز -رحمه الله -في نفسه، وأهل بيته، ثم طبقها على قتيبة بن مسلم؛ حينما فتح سمرقند عنوةً، بلا تنبيهٍ لأهلها، ولا دعوة إلى الإسلام، فلما دخلها عنوة، أرسل أهل سمرقند برقية إلى خليفة المسلمين، فأمره الخليفة بالخروج منها، فنهض جميع من في البلاد وأسلموا، لإداركهم عدالة الإسلام.
٧) هيلانة ولويس:
هيلانة هي تلك المرأة الحامل، الذي خرج زوجها ليرد المسلمين عن بيت المقدس، وكانت تتصور المسلمين وحوشاً يأكلون البشر، وهي تنتظر زوجها الذي لم يعد بعد، وتتصور شراسة المسلمين وغدرهم، إلى أن فتح المسلمون بيت المقدس، وظنت أنها هالكة لا محالة، بعد أن فقدت زوجها، ونالها حظ كبير من البكاء على زوجها المفقود، ثم تفاجأت بكونه أسيراً لم يقتل بعد؛ فلما رآها المسلمون رقوا لها، وأطلق صلاح الدين زوجها، وأسلما وحسُن إسلامهما.
٨) سيدة بني أمية:
يحكي فيها قصة فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، وكيف كانت مرفهة في حياة الترف والقصور، وكيف انتقلت من هذه الحياة إلى حياة الشقاء والتعب، بعد تولي زوجها عمر بن عبد العزيز الخلافة، وهي ابنة الأمير، وزوجة الأمير، وحفيدة الأمير، وأخت الأمير -سليمان بن عبد الملك -الذي تولى زوجها الخلافة من بعده، وفيها قناعة الزوجة الأميرة، ونبلها، وعفتها.
٩) ثلاثون ألف دينار:
هو المبلغ الذي أودعه فروخ زوج سهيلة الشابة الرقيقة، عندما توجه لفاح البلاد، ومكث حوالي ثلاثين سنة، ليرجع بأربعة آلاف جديدة، وكانت قد انفقت عمرها وماله على ابنه "ربيعة"، الذي علقت به قبل خروجه من المدينة، ليجده بعد ذلك إمام أهل المدينة، وشيخاً لمالك، وجرت بينهما عند رؤيته قصة طريفة.
١٠) هند والمغيرة:
يحكي فيها قصة هند بنت النعمان بن المنذر، لما رأت الشاعر عدي بن زيد وقع في قلبها، وكان عندها جارية تُحبُّ عدياً، ولا تجد سبيلاً للوصول إليه، فنمت العلاقة بين هند وعدي الشاعر، إلى حد التعلق الشديد؛ حتى تزوجها، وتعرّضت الجارية -بعد ذلك -لعدي حتى أحبها؛ وكانت هند جعلت من الجارية مهراً لحبها له، فهشّ لها وبش، فاحتالت له في هند؛ حتى أخرجها مما هي فيه من النعيم إلى أن سكنت الدير وحدها، حتى خطبها الأمير المغيرة بن شعبة.
١١) هجرة معلم:
يحكي قصة كليب الشاب المعلم (لذي يقطن قرية نائية)، ويدرس في كُتّابٍ يملكه عقيل، وكان كُليب صاحب طموح كبير، جعله يتقلب في مخيلته بين أروقة الحكم وقصور السلاطين، وقد رفعه طموحه الكبير إلى نظام الدولة، فأصبح فيما بعد يُدعى (بالحجاج بن يوسف الثقفي)، وكان قد ترك أهله ودياره، وهام في الصحراء بحثاً عن الإمارة؛ حتى وجد ضالته عند بني أميّة، بعدما ساعدته الأقدار بواسطة قافلة عابرة، أنقذته من حتف مؤكد.
١٢) ليلة الوداع:
ويمثل هذه العنوان قصة القائد الصنديد، والرجل المهيب، عبد الله بن الزبير، الذي خرج على نظام بني أمية، واعتصم بمكة، وكيف ودعته أمه أسماء بدموع حرّاقة، وقلب متوجع، بعدما أصابها العمى، وأجهدها كبر سنها، وينثر في أجواء مكة ربيع ذلك الشاب الذي ترعرع في روضها، وعلى مأدبتها، وكيف أسلمته يد القدر ليُقتل على يد الحجاج بن يوسف الثقفي.
١٣) عشية وضحاها:
تحكي قصة الأندلس الجريحة، والتي حكمها المعتمد بن عباد، والذي غدر به أوفى أصدقاءه (ابن تاشفين)، في قصة مثّلت مأساة آخر ملوك الطوائف، وكانا يمثلان رأس الحربة ضد الأسبان، فكانا يتعاونان في حربهم، وقد أنقذ المعتمد ابن تاشفين من ألفونسو، ليتفاجأ المعتمد بأن صاحبه المعتمد يسوق له البربر، ويزحف إليه بجيشه الجرار؛ فقتل ابن صاحبه "الراضي بالله"، وسجن المعتمد، وجعل بناته يتسولن في الطرقات، وساق الأمير وأهله في سفينة اللاعودة، وتمثل على عرش المملكة الجديدة.
١٤) أحد أبطال غرناطة:
يحكي قصة موسى بن أبي الغسان، فارس غرناطة المقاوم، والذي منع تسليم مفاتيح غرناطة من أبي عبد الله الصغير إلى فرناندو الخامس وإيزابيلا ملكي أسبانيا، وحين بعث فرناندو الخامس يطلب من حاكم غرناطة تسليم الحمراء كان موسى من أشد المعارضين لتسليمها، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل راح يقاتل الغزاة حتى قتل ذاباً عن شرف أمته ودينه ووطنه.
١٥) رجل وامرأة:
يحكي قصة الفتاة ميسون، وإخوتها الأربعة، وقتالهم لغزاة فلسطين (الصليبيين)، ولما بلغها مقتلهم ثارت وغضبت غضباً شديداً، ولم تكن لتحمل سيفاً، بل قصّت شعرها وكذلك تفعل الحرة؛ ليكون لجاماً لفرس المجاهدين، وصنعت الفتيات الأخريات مثلها، وأرسلته إلى إمام الجامع الأموي -سبط ابن الجوزي؛ فحمله إلى الجامع يوم الجمعة في حماسة منقطعة النظير؛ فارتقى المنبر، وقذف بخطبته التي استحالت مجداً يُسطره الأبطال، فانتصر الملك المعظم، فكان النصر على يد رجل جعله الدهر من العظماء الخالدين، وعلى يد امرأة ظفرت بإخوتها، بعد أن اكتشفت أن الخبر كان مكذوباً.
١٦) عالم:
جاءَ إبراهيمُ باشا بنُ مُحَمَّد عَلي باشا (ت ١٢٦٤ هـ) لزيارةِ فقِيهُ الشَّامِ فِي عَصْرِه الشَّيخ سَعيد بن حسن الحَلبِي (ت ١٢٥٩ هـ)، وكانَ إبراهيم باشا معروفاً ببطشِه وَجَبروتِه؛ حتَّى قِيل: "إنَّ لسانَه إلى السَّيفِ أَسْبَق مِن لِسانَهُ إلى القَول"، ِوَالشَّيخُ أَيضَاً مَعْروفٌ بأنَّه صَادِعٌ بِالحَقِّ، لا تُهِمُّهُ الدُّنيا إِذا ما أقبَلَتْ، ولا تُزعِجهُ إِذا ما أَدْبَرَتْ؛ دَخَل عَلَيْهِ الباشَا فِي كِبريَائِهِ وأَنَفَتِهِ، حتَّى جَلَسَ، فَرأىٰ الشَّيْخَ مادَّاً رِجلَيْهِ؛ كأنَّمَا عَمُودَينِ فِي عَيْنَيه، فأَنْصَت إلى رَوْعَةِ كلامِ الشَّيْخِ؛ فتَغيَّر مَرْأى قَدَمَي الشَّيخِ، حتَّى صَار يَراهُمَا خَشَبةَ النَّجاةِ للْغَريْقِ، ولمّا ذهبَ البَاشا أرسَل للشَّيخِ ١٠٠٠ دينار؛ فتَبَسَّمَ الشَّيخُ، وَقالَ: مَن يَمُدُّ رِجلَيْهِ لا يَمُدُّ يَديه..!!
١٧) مع النابغة الذبياني (على أطلال دار نُعم):
على مشارف نجد وفي تل بني عامر، هناك كانت خيمة الحبيبة، ويمثل الكاتب (نُعم) وهي المرأة الحسناء، التي طالما حنَّ إليها النابغة بشعره وفنّه، بمجد هذه الأمة التي اندرس ولم يعد؛ فحاول البحث عنه في أطلال "نُعم"، فوجده خالياً لا يسكنه أحد، فبكى حتى انتشر الليل، ومشت القافلة، وكفَّ النابغة عن الحنين!
١٨) في صحن الأموي:
يصف الكاتب جمال المسجد الأموي وبهاءه، ورونقه، وصحنه الدامع، ويتذكر قبة النسر التي كان آخر من جلس تحتها محدث الدنيا، الشيخ العلامة بدر الدين الحسني، ويذكر فيه أيضاً قصة القروي صاحب المسألة المعجزة، حيث سأل في مجلس المفتين ما أعجز العلماء، فلم يردوا له جواباً، فدار على جميع من في المسجد من المحدثين والفقهاء؛ فلم يجيبوه، فتصدى له رجل فقير ليجيبه عن ذلك، فسخر منه، وقال: اعرض عليَّ؛ فلما أجابه ذُهل الجميع ن يكون هذا الرجل؟ فلما ألحوا عليه، قال: إنه أبو حامد الغزالي.
١٩) حكاية الهميان:
وهو كيس مال وجده أبو غياث، الذي لم يكن يجد لعياله لقمة تسد رمقهم من الجوع، ولا لباساً يستر عورتهم، فكان التقاطه بمثابة الفرج الذي أطل بعد هذا الشقاء الطويل، وكانت زوجته لبابة تلح عليه في شراء شيء؛ فيأبى إلا أن يرده لصاحبه، فذهب إلى الحرم، وإذ بصارخ: من وجد همياناً فليردَّه عليَّ، فقال شاب طبري -يطلب العلم في الحرم: اجعل له شيئاً؛ فإن أهل هذه البلدة فقراء، فأبى الخراساني، هذا والشيخ يسع ولا يجيب، حتى استجاب ورد المال إلى صاحبه، ثم اصطحبه إلى البيت، فرأى حال العيال وما هم فيه من الشقاء، فأعطاه الهميان، وقال: لم أجد في طريقي من خراسان من هو أفقر منك، ودفعه إليه، وإذ به ألف دينار، ونال الطبري منه مائة دينار، قال الطبري: فنفعني الله بهذه الدنانير.
٢٠) على أبواب المدينة:
خرج الحسين -عليه السلام - إلى الكوفة، رافضاً جور بني أمية، ونهبهم الأموال، فنصحه أخوه محمد بن الحنفية بعدم الخروج، وأقسم عليه ابن عباس، وابن عمر أن يقيم في الحاز، وألا يشق عصا المسلمين، لكنه لم يُرع لهم سماعاً، ظنّاً منه أن أهل الكوفة ينصروه، فلما أخرج وأصبح على مقربة منها، أتاه الخبر بمقتل مسلم بن عقيل بعد أن انقلب أهل الكوفة عليه، وكان أهل الكوفة دعوه، فلما جاءهم انقلبوا عليه بسيوفهم، وقتل الحسين على يد سنان بن أنس النخعي.
٢١) طالب علم:
يحكي قصة بقي بن مخلد، الذي خرج من الأندلس من الدور والقصور والبساتين العامرة متوجهاً إلى بغداد، ليطلب العلم على يد الإمام أحمد زمن الفتنة، وكانت هيئته رثة، واكترى بيتاً لم يستطع أن يسد ثمنه، حتى ساءت حاله، وطلب صاحب البيت منه أن يترك بيته خشية أن يتشاءم الناس منه، فلما مرض وعاده الإمام أحمد فرح صاحب البيت، وصار منزله مقصد المسافرين، وراحلة لطلبة العلم، ودرّ عليه الكثير من الأموال.
٢٢) أبو جهل:
يجري حواراً بين سادة قريش قُبيل معركة بدر الكبرى، ويدور الحوار عن عير أبي سفيان، ورؤيا عاتكة بنت عبد المطلب في مصرع القوم، ثم أحداث معركة بدر التي صُرع فيها سادة قريش: أبو جهل الحكم بن هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وزمعة وأميّة بن خلف، ويصور فيه عزة الإسلام، وغلبته لأهل الشرك والطغيان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق