أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 سبتمبر 2022

مقاصد السور القرآنية عرض ودراسة د. شافي سلطان العجمي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

مقاصد السور القرآنية عرض ودراسة

د. شافي سلطان العجمي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا شك أن البُلغاء يُشيرون في مقدماتهم إلى مقصدهم من النظم والتأليف، فيأتي كلامهم تاماً من حيث الدلالة والمدلول، ولقد جاء القرآن على أكمل وجه من أوجه البلاغة والبيان، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (الزمر: ٢٨)، والمقاصد جمع مقصد، وهو الغاية والأساس والغرض، وعلم مقاصد السور هو علم يعرف به غرض كل سورة، والموضوع الأساس الذي تقرره وتدور حوله. وفائدة هذا العلم هو أن معرفة مقصود السورة وتبين المراد منها يجعلها قريبة للفهم، مُعينة على العمل بها.

وقد كان المفسرون المتقدمون مقلين في بيان مقاصد السور لظهورها وعدم خفائها، كذلك لم تكن الحاجة داعية للبحث في هذا الموضوع في زمانهم، وأن توجه همة المفسرين كانت إلى الأسانيد والقراءات والأقوال من الإشكالات وحلها، وقد ظهرت العناية بشكل واضح في مقاصد السور في منتصف القرن الثامن الهجري، وكثر عندهم هذا اللون المقاصدي لسببين:

السبب الأول: أن العلوم في هذا العصر قد بلغت حد النضج والنهاية في حين أن علم التفسير لم يحظ بما حظي به غيره من العلوم من التأصيل والتقعيد والترتيب، فصارت همة المفسرين مقبلةً نحو هذا الفن لتكمليه وتتويجه بذكر المقاصد.

السبب الثاني: أن الحديث عن مقاصد الشريعة صار له شأن، ولا سيما عند العز ابن عبد السلام والشاطبي، فألفت القواعد والموافقات وغيرها، ولا شك أن الفهم المقاصدي للشريعة أصلٌ لمقاصد السور.

وأما في زماننا فقد اعتنى العلماء بهذا الفن اعتناءً كبيراً، من حيث التأصيل، والترتيب، وبيان طرقه، ونحو ذلك.

وهذا البحث يتناول مقاصد السور من حيث بينا أهمية هذا العلم، وأهمية تدبر كلام الله تعالى، وتعريف مقاصد السور وعلاقة المقاصد بالأهداف والمواضيع والتفسير الموضوعي، وبيان تاريخ علم مقاصد السور.

وذكر أن أول ظهور لهذا العلم كان في عهد الصحابة، ثم التابعين، ثم ظهر ذلك جلياً في كتب المفسرين لكن تبعاً لأسباب النزول، وبيان الإعجاز في الآيات، ولعل أول مصنفٍ وصلنا في هذا العلم هو لأحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي (البرهان في تناسب سور القرآن)، ثم جاء بعد ذلك ابن تيمية وبعده ابن القيم في مؤلفاتهما، وبعده الفيروز آبادي في (بصائر ذوي التمييز)، وبعده البقاعي في (نظم الدرر في بيان تناسب الآيات والسور)،وسيد قطب في كتابه (في ظلال القرآن) وذكر أمثلةً لكل واحدٍ منهم.

ثم ذكر المصنف الأدلة النقلية والعقلية على وجود علم المقاصد، فذكر الأدلة التي تحث على تدبر آيات الكتاب، وإثبات الحكمة واسم الحكيم لله عز وجل، وذكر طرق الكشف عنها: 

أما الطريقة الأولى، فهي الاستقراء، وذلك بمعرفة المعنى العام الذي تدور حوله السورة، من خلال الأمر أو النهي أو الوعد أو الوعيد، وضرب لذلك مثالاً على معرفة مقاصد السور بطريق الاستقراء في سورتي البقرة وآل عمران.

الطريقة الثانية: بمعرفة أسباب النزول، وذكر معنى سبب النزول، وعلاقة سبب النزول بمقاصد السور، وضرب أمثلة على مقاصد السور التي تُعرف بطريق سبب النزول: العنكبوت، والحشر، والمطففين.

الطريقة الثالثة: الإيماء أو الإشارة، وذلك من خلال الربط والتناسق الموضوعي بين المقدمات والأواسط ونهاية السورة، وضرب لذلك مثلاً بسورة هود، وسورة النحل، وسورة النجم.

الطريقة الرابعة: التكرار، وذلك من خلال تكرار الكلمة، أو الآية، أو الموضوع، وضرب لذلك مثلاً بسورة التوبة، وسورة البقرة، وسورة الشعراء والرحمن والمرسلات، وتكرار المال في سورة النساء والأطعمة في سورة المائدة، وتكرار الغنائم في سورة الأنفال.

الطريقة الخامسة: معرفة أسماء السور، لأن الاسم يدل على مسماه، ويمكن به تمييزه عن غيره، واسم السورة يدل على معانيها المتضمنة فيها، فهو كالعنوان لها، سواء كانت هذه الأسماء توقيفية أم اجتهادية، وضرب لذلك مثلاً بسورة الفاتحة، والإخلاص، والفيل، والزلزلة، والواقعة، والبينة، ويشمل السور التي اشتهرت باسم حادث فيها، كسورة البقرة، وآل عمران، والمائدة،ـ والأعراف، والأنفال، والتوبة، وهود، ورعد، وإبراهيم، والحجر، والنحل، والكهف، والإسراء، وغير ذلك، وأكثر سور القرآن من هذا النوع.

الطريقة السادسة: تنقيح المناط: ويُقصد به الاعتناء بصلب الموضوع دون النظر في الاستطرادات والتعليقات الواردة في السورة، وهذه الاستطرادات في القرآن تكون ذات أهمية بالغة، وأحياناً يسهب القرآن في ذكر بعض المواعظ والهدايات والقصص وأحياناً يوجز في ذلك، ويبرز وظيفة المفسر في تمييز المقصد الأصلي للسورة والمقاصد الفرعية الأخرى وهو مقصودنا بتنقيح المناط، وضرب لذلك مثلاً بسورة البقرة، وآل عمران، والنساء.

الطريقة السابعة: السبر والتقسيم: والمقصود بها هو حصر المعاني المذكورة في كل سورة ، ثم النظر في صلاحيتها لتكون مقصداً للسورة، ويمكن دمج المعاني الكثيرة في مقصد واحد ظاهر، ومثّل لذلك بسورة آل عمران، وسورة الأنعام، وسورة المجادلة.

ثم ذكر تقسيمات العلماء لمقاصد السور عموماً، وبين أنها ثلاثة أقسام:

القسم الأول: يتعلق بتقرير التوحيد، وإخلاص العبادة، وإثبات البعث، والرد على منكريه، وقد اشتهر هذا القسم في النصف الثاني من سور القرآن الكريم، لا سيما في سور المفصل.

والقسم الثاني: يتعلق بالرسالة والنبوة والوحي، والرد على شبه المشركين حولها، وقد استغرق هذا القسم ثلث القرآن تقريباً، وأكثره في الثلث الأوسط للقرآن الكريم.

والقسم الثالث: يتعلق بالعبادات والمعاملات، وهو حاضر في النصف الأول من سور القرآن الكريم المدنية، وسواء تعلقت بالعقود من نكاح وطلاق وخلع ظهار وإيلاء أم البيوع بشروطها وأحكامها أم النهي عن القذف، والربا وأكل مال اليتيم، والأطعمة المحرمة، أم بالصلاة والزكاة والصوم والحج، وحكم السارق والزاني والمرتد وقاطع الطريق.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق