المسائل الفقهية التي حُكي فيها رجوع الصحابة جمعاً ودراسة
بحث لنيل درجة الدكتوراة في الفقه الإسلامي
خالد بن أحمد بابطين
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا البحث النفيس، جمع فيه الباحث المسائل التي رجع عنها الصحابة في فتواهم أو قولهم، وذكر الأسباب التي حملتهم على الرجوع عنها، والتي منها عدم بلوغ السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسألة الورادة عليهم، أو عدم بلوغه نسخ الحكم الذي عمل أو أفتى به، أو كان رجوعه لمصلحة اقتضتها الشريعة، بالإضافة إلى كثرة التلقي والسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قلة ذلك.
ولا شك أن رجوعهم يدل على تجردهم للحق ورجوعهم إليه متى ما اتضح لهم وبان، وذلك أن قصدهم هو إظهار الحق الذي بعث االله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
ورتب الباحث أبواب بحثه على ترتيب كتاب «الإنصاف» للعلاء المرداوي وهو منقِّح ومُحقق مذهب الحنابلة، مبتدئاً بكتاب الطهارة إلى آخر أبواب الفقه، كما قدَّم أنه لكل مسألة من مسائل البحث مقدمة مختصرة، يصوِّر من خلالها المسألة، وذلك بتلخيصها، وذكر اختلاف الصحابة والصدر الأول فيها.
وهو ف يكل ذلك يثبت القول القديم للصحابي في المسألة، وذلك بذكر الروايات الثابتة عنه، ثم يثبت رجوع الصحابي عن قوله في المسألة أو عدمه.. وذلك ُّ بالرجوع – في كلتا الحالتين - إلى كتب الآثار، وشروح الأحاديث، وكتب الفقه المقارن، والناسخ والمنسوخ وغيرها مما يفيد في هذا الجانب .. مع تتبع ما حكاه أهل العلم في رجوع الصحابي عن قوله في المسألة، مع التعليق على بعض المسائل بما يناسب المقام ويقتضيه.
وبلغ مجموع المسائل التي حصرها البحث في الموضوع "إحدى وخمسين" (٥١) مسألة، سيأتي سردها لاحقاً.
وتكمن أهمية هذا الموضوع في التحقق من نسبة القول أو الفتوى إلى الصحابي حتى لا ينسب قول أو فتوى لصحابي رجع عنها، ولكي لا ينسب الرجوع لصحابي في قول أو فتوى لم يثبت ذلك عنه.
وتبين من البحث حرص الصحابة على الرجوع إلى الحق، مع تنصلهم مما قالوا به في الأول، وحرصهم على تقديم قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد، وكان أكثر الصحابة رجوعاً عن أقواله: عمر بن الخطاب، يليه عبد الله بن مسعود، يليه عبد الله بن عمر، يليهم عبد الله بن عباس، رضي الله عنهم أجمعين.
اشتملت الرسالة على مقدمة، وفصل تمهيدي، وسبعة عشر فصلاً، وخاتمة
مباحث الكتاب:
المبحث الأول: تعريف الصحابي وعدالته، وحجية قوله
المبحث الثاني منهج الصحابة في استنباط الأحكام ونماذج من ذلك وتعريف بالمفتين منهم
المبحث الثالث أسباب اختلاف الصحابة في الفروع ونماذج من ذلك.
الفصل الأول
المسائل التي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الطهارة
(وفيه خمس مسائل):
١-رجوع أُبي بن كعب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة عن القول بعدم وجوب الغسل عند التقاء الختانين وعدم الإنزال.
٢-رجوع عمر بن الخطاب وابن مسعود -عن القول بعدم جواز التيمم للجنب.
٣-رجوع عائشة وابن عباس وأبي هريرة عن إنكارهم َ المسح على الخُفين.
٤-رجوع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله --عن القول بالمسح على الخُفين بلا توقيت.
٥-رجوع ابن عمر -عن رأيه بِعدم جواز المسح على الخُفين في الحَضر.
الفصل الثاني
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الزكاة
(وفيه مسألة واحدة)
٦-رجوع ابن عمر -رضي االله عنهما -عن القول بوجوب دفع الزكاة للولاة.
الفصل الثالث
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الصيام
(وفيه مسألتان)
٧-رجوع أبي هريرة عن فتواه بأنه لا صوم لمن أصبح جنُباً.
٨-رجوع ابن عمر -عن قوله بجواز الحجامة للصائم.
الفصل الرابع
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب المناسك
(وفيه ست مسائل)
٩-رجوع عمر بن الخطاب عن نهيه عن مُتعة الحج.
١٠-رجوع أبي موسى الأشعري عن الإفتاء بالمتعة في الحج إلى قول عمر بن الخطاب -في النهي عنها.
١١-رجوع ابن عمر -عن أمر المحرمة قطع الخُفين أسفل الكعبين.
١٢-رجوع ابن عمر -عن نهي المحرم عن التطيب قبل الإحرام وقبل الإفاضة إلى مكـة.
١٣-رجوع ابن عمر -عن قوله بعدم جواز التشريك في الهَدي.
١٤-رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن القول بوجوب طواف الوداع في الحج على الحائض.
الفصل الخامس
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الجهاد
(وفيه أربع مسائل)
١٥- رجوع عمر بن الخطاب عن معارضة أبي بكر الصديق - بشأن قتال مانعي الزكاة.
١٦-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه في قسمة الفيء بين النَّاس بحسب الفضل والسابقة.
١٧-رجوع عمر بن الخطاب عن توقفه في أخذ الجزية من المجوس.
١٨-رجوع عمر بن الخطاب عن قسمة الأراضي التي فتحت عنْوة.
الفصل السادس
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب البيوع
(وفيه مسألة واحدة)
١٩-رجوع ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وغيرهم، عن أقوالهم بإباحة ربا الفضل.
الفصل السابع
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الشركة
(وفيه مسألة واحدة)
٢٠-رجوع ابن عمر - رضي الله عنهما - عن القول بجواز المزارعة والمخابرة.
الفصل الثامن
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الفرائض
(وفيه سبع مسائل)
٢١-رجوع أبي بكر الصديق إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في ميراث الجدة.
٢٢-رجوع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إلى التشريك بين الجدتين في السدس.
٢٣-رجوع عمر بن الخطاب إلى القول بالتشريك بين الإخوة لأم والإخوة لأبوين في الفريضة المشـرَّكة.
٢٤-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه بحجب الجد للإخوة.
٢٥-رجوع ابن مسعود عن مقاسمة الجد مع الإخوة من السدس إلى الثلث وعلي بن أبي طالب من الثلث إلى السدس.
٢٦-رجوع أبي موسى الأشعري عن قضاء له في مسألة فرضية.
٢٧-رجوع عبد االله بن الزبير -رضي الله عنهما -عن قضاء له في مسألة فرضية.
الفصل الثامن
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب العتق
(وفيه مسألتان)
٢٨-رجوع عمر بن الخطاب عن القول بجواز بيع أمهات الأولاد إلى النَّهي عنه.
٢٩-رجوع علي بن أبي طالب عن القول بمنع بيعهن إلى جواز ذلك.
الفصل التاسع
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب النكاح
(وفيه خمس مسائل)
٣٠-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه منع المغالاة في الصداق.
٣١- رجوع ابن مسعود عن فتواه بجواز نكاح الأُم قبل الدخول بالبنت.
٣٢-رجوع ابن مسعود عن رأيه في العزل بأنه الموءودة الصغرى الخفية.
٣٣-رجـوع ابن مسعود وابن عباس عن القول بإباحة نكاح المتعة.
٣٤-رجـوع ابن عمر -رضي الله عنهما -عن القول بكراهة نكاح الكتابيات.
الفصل العاشر
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الطلاق
(وفيه ثلاث مسائل)
٣٥-رجوع علي بن أبي طالب عن القول بأن تحريم الزوجة يقع به ثلاث تطليقات.
٣٦-رجوع علي بن أبي طالب عن قوله في المخـيرة.
٣٧-رجوع ابن عباس -رضي الله عنهما -عن القول بأن طلاق الثلاث بلفظ واحد يقع طلقة واحدة.
الفصل الحادي عشر
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب العدد
(وفيه خمس مسائل)
٣٨-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه في عدة امرأة المفقود.
٣٩-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه بأن من تزوج امرأة في عدتها فإنها تحرم عليه على التأبيد.
٤٠-رجوع عمر وعثمان -رضي الله عنهما -عن رأيهما في تحديد أقل مدة الحمل.
٤١-رجوع عثمان بن عفان عن رأيه بأن المتوفى عنها زوجها تعتد حيث شاءت.
٤٢-رجوع ابن عباس عن القول بأن عدة الحمل أقصى الأجلين.
الفصل الثاني عشر
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الرضاع
(وفيه مسألة واحدة)
٤٣- رجوع أبي موسى الأشعري عن فتواه في رضاع الكبير.
الفصل الثالث عشر
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الديات
(وفيه ثلاث مسائل)
٤٤-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه بعدم توريث المرأة من دية زوجها.
٤٥-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه في المفاضلة بين دية الأصابع.
٤٦-رجوع عمر بن الخطاب عن رأيه في دية الجَنِين.
الفصل الرابع عشر
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الحدود
(وفيه مسألتان)
٤٧-رجوع أبي بكر الصديق عن رأيه تضمين المحاربين ما أتلفوه من دم أو مال.
٤٨-رجوع عمر بن الخطاب عن القول بقطع السارق أقطع اليد والرجل إلى القول بحبسه.
الفصل الخامس عشر
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الأطعمة
(وفيه مسألتان)
٤٩-رجوع ابن عباس -رضي الله عنهما -عن القول بإباحة أكل لحوم الحمر الإنسية.
٥٠-رجوع ابن عمر –رضي الله عنهما –عن النهي عن أكل ما لفظه البحر.
الفصل السابع عشر
المسائل التي لتي حكي رجوع الصحابة عنها في أبواب الأيمان والنذور
(وفيه مسألة واحدة)
٥١-رجوع ابن عباس - رضي الله عنهما - عن فتواه فيمن نذر أن ينحر نفسه بأن عليه ذبح مائة بدنة.
منهج الباحث في بحثه:
١- جمعت المسائل التي حكي فيها رجوع الصحابي، وذلك:
(أ) بأن يصرح الصحابي برجوعه عن رأيه؛ إما بقوله أو فعله:
* كقول عمر بن الخطاب: «لو اعتمرت في عام مرتين، ثم حججت لجعلتها مع حجتي» مع نهيه عن المتعة.
* وكما فعل عبد الله بن مسعود بعد أن نهاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عن إباحته ربا الفضل، فلما قدم الكوفة أتى الصيارفة فقال لهم: "يا معشر الصيارفة! إن الذي كنت أبايعكم لا يحل، لا تحل الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن".
* وكقول ابن عباس لما ناظره أبو سعيد الخُدري في إباحته ربا الفضل أيضا: "أتوب إلى الله عز وجل مما كنت أفتِي به".
(ب) أن يصرح أحد التابعين برجوع الصحابي عن قوله الذي قاله به، أو رأيه الذي رآه:
* كما قال زياد بن أبي زياد – رحمه االله - : "كنت مع ابن عباس بالطائف فرجع عن الصرف قبل أن يموت بسبعين يوما".
* وكقول سعيد بن المسيب – رحمه االله -: "إن أبا هريرة رجع عن فتياه من أصبح جنباً فلا صوم له".
(ج) أن يحكي أحد من العلماء رجوع الصحابي عن رأيه في مسألة فقهية:
* كحكاية ابن قدامة المقدسي رجوع عمر بن الخطاب عن القول بقطع السارق أقطع اليد والرجل إلى القول بحبسه.
خلاصة البحث:
١-أن اختلاف َّ الصحابة في الفروع كان قليلا في زمن الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما– إذا ما قورن بزمن عثمان وعلي –رضي الله عنهما - فضلا عن زمن صغار الصحابة.
٢-أن مجمل أسباب اختلاف الصحابة دائرة على ثلاثة أشياء:
( أ ) ما نشأ بسبب اختلافهم في حفظهم للسنَّة أو ثبوتها عندهم.
( ب ) ما نشأ بسبب اختلافهم في فهم المراد من النَّص
(ج) ما نشأ بسبب الرأي فيما لا نصَّ فيه.
٣-أن للصحابة منهج دقيق في استنباط الأحكام، تمثَّل في أربعة معالم، وهي:
الأول: النظر في كتاب الله تعالى.
الثاني: النظر في سنة رسول االله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: الأخذ بمبدأ الشورى.
الرابع: الأخذ بالرأي (الاجتهاد).
٤- أن الصحابة متفاوتون في أخذهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي فقههم، وعلمهم وترتب على هذا تباين مراتبهم في الفتوى، فمنهم المكثرون، ومنهم المتوسطون، ومنهم المقلون.
٥– ظهر من خلال جمع ودراسة المسائل التي ُحكي فيها رجوع الصحابة أهمية هذا الموضوع، حتى لا ينسب قول أو فتوى لصحابي رجع عنها.
٦-تبين بجلاء حرص الصحابة على الحق، وركونهم إليه، وعدم تقديم أي شيء عليه، مع تنصلهم عما قالوا به أول الأمر، كما حصل مع ابن مسعود غير مرة.
٧-كذلك حرصهم على تقديم قول النبي صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد، وهو التطبيق العملي لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ..} (الحجرات: ١).
٨-أن أكثر الصحابة رجوعا عن أقواله وآرائه عمر بن الخطاب، يليه في ذلك عبد الله بن مسعود، فابن عمر، يليهم ابن عباس – رضي الله عنهما.
٩-أن أسباب رجوع الصحابة عن آرائهم وأقوالهم تنوعت
(أ) فقد يكون سببه خفاء السنَّة َّ الثابتة عن رسول االله صلى الله عليه وسلم عندهم في المسألة الواردة عليهم.
(ب) وقد يكون الحكم الذي قال به الصحابي نسخ ولم يبلغه الناسخ، فإذا بلغه رجَع إليه.
(ج) وقد يكون سبب رجوعه مراعاة المصلحة التي راعتها الشريعة.
١٠-بلغ مجموع المسائل التي حصرتها في الموضوع إحدى وخمسين مسألة (٥١).
١١-كما أن هناك مسائل حكي فيها رجوع بعض الصحابة، ولكن بعد البحث والدراسة تبين للباحث أن الرجوع المحكي عنه لا يثبت، وذلك على النحو الآتي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق