فضل التهليل وثوابه الجزيل
للإمام الحافظ الحسن بن أحمد البغدادي المعروف بابن البناء
(٣٩٦ -٤٧١ هـ)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ "لا إله إلا الله"، هي كلمة الإخلاص، ومفتاح الخلاص، وهي كلمة الإحسان، ومفتاح الجنان، هي حصن الحق، ودعوة الحق، وكلمة العدل، وميزان التقوى، وكلمة التثبيت، هي كلمة التوحيد، وأصل التجريد، وعنوان التسديد.
وهي: خير ما قاله النبيون، ودعا إليه المرسلون، وجاهد في سبيله المخلصون، وهي الكلمة الباقية، التي بعث لأجلها الرسل، وأنزلت لتقريرها الكتب، فآمن العقل بصدقها، وأقرت الفطرة بضرورتها، وهي القول الثابت، وأحسن ما يتلقنه الموتى، بها أحكمت الشرائع، وفصلت الآيات، وجاءت السنن.
وبها سدت الذرائع، ووضعت الآصار، ورفعت الأغلال، فلا حرج فيها ولا مشقة، وهي أصدق الكلام، وأحسنه، وأفضله، وأحبه إلى الله عز وجل، ما قالها عبد إلا وصدقه الرحمن، وبشر بها النبي العدنان، ووجبت بها الجنة، وصاحبها أسعد الناس بشفاعة سيد ولد آدم.. كسرت عروش الأكاسرة، وقصمت ظهور القياصرة، ولم تقم لعزتها الأباطرة، ولا نال من عظمتها الجبابرة..
وهي: أعظم دعاء، وأبلغ ثناء، وهي عنوان الوحدانية، وشعار الربوبية، وعلامة الإحاطة العلمية، والعلو على جميع المخلوقات.. وهي أكمل تعظيم، وأشرف تنزيه، وهي مفتاح الرزق، وسبيل قبول التوبة، وحصول المغفرة..
لم ينته الواصلون من بلوغ معناها، ولم يشبع الصالحون من التلذذ بمبناها..وهي: العهد المسؤول، والعمل المقبول، والدعاء الموصول، والأمانة العظيمة، لا يقوم لها ميزان، ولا ترجح بها كلمة، ولا تقوم لها الجبال، كلمة ثقيلة، ودعوة بليغة، تضمنت العزة والحكمة، والصدق والرحمة، وهي الهداية التامة، والبشارة الكاملة، والنذارة التي ينذر بها بها الكافرون.
وهي سبب المفاصلة والمفارقة بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن، بها يتناصر المسلمون، وبها يتوادون، وعليها يجتمعون، ويسعى لأجلها أدناهم، لا يخفرون بها الذمام، ولا يستبيحون الحرام.
قال الرازي: وقد ذكر الله تعالى كلمة التوحيد في سبعة وثلاثين موضعاً في التنزيل؛ وهي تدل على نفي الشريك على الإطلاق.
وهذا جزء حديثي في بيان فضائل كلمة الإخلاص (لا إله إلا الله، على طريقة أهل الرواية من المحدثين، للإمام أبي علي بن البناء، أورد فيه مروياته سرداً في ذكر هذه الفضائل المروية عن خير البرية والسلف الكرام، ولكن من غير تمييز بين جيدها ورديئها،
وجملة ما في الكتاب من الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمنقطعة 49، أما الصحيح من المرفوع، فجملته 16 حديثاً، وأما الضعيف 6 أحاديث، والضعيف جداً والواهي 9 أحاديث، وأما الباطل والموضوع 3 أحاديث.
ونحن نقتصر في هذا المخلص على الصحيح الثابت من ذلك، بناءً على حكم المحقق فيها:
١-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَا يَقُولُهَا عَبْدٌ إِلَّا حُرِّمَ عَلَى النَّارِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " (سنده جيد).
٢- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ " (سنده صحيح على شرط الشيخين).
٣-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ فِي السُّوقِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَرَّةً وَاحِدَةً، كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِهَا أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ بِهَا أَلفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبُنِيَ لَهُ بِهَا بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ". (حديث ثابت من غير هذا الوجه).
٤-عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ فِي السُّوقِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَرَّةً وَاحِدَةً، كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِهَا أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ بِهَا أَلفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبُنِيَ لَهُ بِهَا بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ" (حديث حسن من غير هذا الوجه).
٥-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، مَنْ جَاءَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ غَيْرَ شَاكٍّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ " (حديث صحيح).
٦-عن ابْنَ مَسْعُودٍ، قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ يَوْمًا، فَقَالَ: " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلِ أَهْلِ الْأَرْضِ عَمَلًا يَوْمَ الْقِيَامَةَ؟: رَجُلٌ يَقُولُ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ مُخْلِصًا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِلَّا مَنْ زَادَ عَلَيْهِ " (رجاله ثقات).
٧-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُؤْتَى بِرَجُلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِيزَانِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِتَسْعَةٍ وَتِسْعِينَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فِيهَا خَطَايَاهُ وَذُنُوبُهُ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمِيزَانِ فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، ثُمَّ يُخْرَجُ لَهُ قِرْطَاسٌ مِثْلُ هَذَا، وَأَمْسَكَ بِإِبْهَامِهِ عَلَى نِصْفِ أُصْبُعِهِ الَّتِي لِلدُّعَاءِ، فِيهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَيُوضَعُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى فَيَرْجَحُ بِخَطَايَاهُ وَذُنُوبِهِ " (حديث حسن، وهو الشهير بحديث البطاقة).
٨- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " (سنده صحيح).
٩-عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ هَدَمَتْ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْخَطَايَا "، قَالُوا: كَيْفَ هِيَ فِي الْحَيَاةِ؟ قَالَ: " أَهْدَمُ، وَأَهْدَمُ " (سنده صحيح).
١٠-وعن رجل من الأعراب، أنه أتى عَلَى رَجُلٍ مِنَ اليْهَوُدِ، وَقَدْ نَشَرَ التَّوْرَاةَ يُعَزِّي بِهَا نَفْسَهُ عَنِ ابْنٍ لَهُ فِي الْمَوْتِ كَأَحْسَنَ الْفِتْيَانِ وَأَجْمَلِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى: هَلْ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ صِفَتِي وَمَخْرَجِي؟. فَقَالَ بِرَأْسِهِ: أَيْ لَا. فَقَالَ ابْنُهُ: وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى إِنَّهُ لَيَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ صِفَتَكَ وَمَخْرَجَكَ، فَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقِيمُوا الْيَهُودِيَّ عَنْ أَخِيكُمْ " (حديث صحيح).
١١- عَنْ ثَابِتٍ، أَنَّ غُلَامًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ فَوَافَقَهُ فِي الْمَوْتِ، وَأَبُوهُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَنَظَرَ الْغُلَامُ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ وَأَسْلِمْ، ثُمَّ مَاتَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ بِي مِنَ النَّارِ " (حديث صحيح).
١٢- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ حَدَّثَهُ، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي أَنْ يُسَارَّهُ، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ، فَسَارَّهُ فِي قَتْلِ رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَجَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَا شَهَادَةَ لَهُ. قَالَ: أَلَيْسَ يُصَلِّي؟. قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لا صَلاةَ لَهُ. قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ نُهِيتُ عَنْهُمْ" (إسناده صحيح).
١٣- عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنِ اخْتَلَفْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَضَرْبَتَيْنِ، فَقَطَعَ يَدِي، فَلَمَّا عَلَوْتُهُ بِالسَّيْفِ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَأَضْرِبُهُ أَمْ أَدَعُهُ؟ قَالَ: " بَلْ دَعْهُ ". قَالَ: قُلْتُ: قَدْ قَطَعَ يَدِي. قَالَ: " إِنْ ضَرَبْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا، فَهُوَ مِثْلُكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ مِثْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا" (إسناده صحيح).
١٤-عن المسيب، قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: "أَيْ عَمْ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةٌ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: أَيْ أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَكَانَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُ بِهِ أَنْ قَالَ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ. قَالَ فنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}، إِلَى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ}، قَالَ: لَمَّا مَاتَ وَهُوَ كَافِرٌ. قَالَ: وَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}" (إسناده صحيح).
١٥-عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَجَاةُ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ: " مَنْ قَبِلَ مِنِّي الْكَلِمَةَ الَّتِي عَرَضْتُهَا عَلَى عَمِّي فَرَدَّهَا عَلَيَّ، فَهِيَ لَهُ نَجَاةٌ" (حديث حسن).
١٦-عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ مِنَ الدُّنْيَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" (حديث حسن).
ترجمة المؤلف الإمام ابن البناء
• اسمه ونسبه:
هو الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء، ابو علي، البغدادي.
كان مولد ابن البناء سنة ست وتسعين وثلاثمائة.
هذا ما ذكره جماعة، لم يذكروا غيره.
• نشأته وطلبه:
نشا أبو علي في بغداد دار العلم حينئذ، وبلد الأئمة في عامة الفنون، فكيف يظن بمن ترعرع في هذه البيئة؟
ويبدو من خلال سيرة أي عل العلمية أنه ابتدأ الطلب منذ صغره، وصحب الكبار، وأخذ عن الأعلام في علوم الحديث والفقه واللغة والقراءة.
• شيوخه:
أخذ ابن البناء الفقه أولا عن أي طاهر محمد بن أحمد العباري أحد فقهاء الحنابلة ـ ثم تفقه على القاضي أبي يعلى الفراء، صحبه وانتفع به، وكان من قدماء أصحابه.
قال ابن أبي يعلى: وتفقه عل الوالد، وعلق عنه المذهب والخلاف.
وأخذ القراءة عن أي الحسن علي بن أحمد الحمّامي، وغيره.
وأخذ الحديث عن خلق كثير، فيهم طائفة كبيرة من كبار الأئمة الحفاظ والشيوخ الثقات، فمنهم:
١-أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار (٣٢٢ - ٤١٤ هـ).
٢ - أبو الفرج أحمد بن محمد بن عمر ابن المسلمة (٠٠٠ - ٤١٥ هـ).
٣- أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن فارس ابن أبي الفوارس الحافظ (٣٣٨ - ٤١٢ هـ).
٤- أبو الحسين علي بن محمد بن عبدالله بن بشران (٣٢٨ - ٤١٥ هـ).
٥- أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان (٣٣٩ - ٤٢٥ هـ).
٦ -أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه (٣٢٥ - ٤١٢ هـ).
٧ - أبو القاسم عبدالملك بن محمد بن بشران صاحب «الأمالي» (٣٣٩- ٤٣٠ هـ).
في آخرين، قال الذهبي: «فأكثر وأحسن».
• سيرته وفضله واعتقاده :
لقد سار أبو علي بن البناء سيرة أسلافه من الأثمة بعد أن حصل في أنواع العلوم الشرعية، فكان محباً لنشر العلم وبثه، قائماً بالنصيحة للأمة، منافحاً عن السنة، داعياً إليها بلسانه وقلمه، بجمع إلى ذلك حسن الشمائل وطيب الصفات، وهذه بعض أقاويل الأعلام في بيان فضله واستقامة سيرته، وحسن اعتقاده:
قال ابن أبي يعلى: «درس بدار الخلافة في حياة الوالد وبعد وفاته» .
قال: «وصنف كتبا في الفقه والحديث والفرائض، وأصول الدين، وفي علوم مختلفات، وكان متفننا في العلوم، وكان أديباً، شديداً على أهل الأهواء».
وقال ابن عقيل: «هو شيخ إمام في علوم شتى: في الحديث، والقراءات، والعربية، وطبقة في الأدب والشعر والرسائل، حسن الهيئة، حسن العبادة، كان يؤدب بني جردة».
وقال السمعاني: «المقريء، الحافظ، أحد الأعيان، والمشار إليهم في الزمان، له في علوم القرآن والحديث والفقه والأصول والفروع عدة مصنفات».
وقال الحافظ أبو الفضل بن شافع: «كان له حلقتان: إحداهما: بجامع المنصور وسط الرواق، والاخرى: بجامع القصر، حيال المقصورة، للفتوى والوعظ وقراءة الحديث، وكان يفتي الفتوى الواسعة، ويفيد المسلمين بالأحاديث والمجموعات وما يقرئه من السنن، وكان نقي الدهن، جيد القريحة، تدل مجموعاته على تحصيله لفنون من العلوم، وقد صنف قديما في زمن شيخه الإمام أي يعلى في المعتقدات وغيرها، وكتب له خطه عليها بالإصابة والاستحسان، ولقد رأيت له في مجموعاته من المعتقدات ما يوافق بين المذهبين: الشافعي وأحمد، ويقصد به تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، بما قد استقر له وجود في استنباطه، مما أرجو له به عند الله الزلفى في العقبى، فلقد كان من شيوخ الإسلام النصحاء، الفقهاء الألباء، ويبعد غالباً أن يجتمع في شخص من التفنن في العلوم ما اجتمع فيه، وقد جمع من المصنفات في فنون العلم فقها وحديثا، وفي علم القراءات والسير والتواريخ والسنن، والشروح للفقه، والكتب النحوية، إلى غير ذلك جموعا حسنة، تزيد على ثلاثمائة مجموع، كذا قرأته محققا بخط بعض العلماء».
وقال القفطي: «وله معرفة بالحديث، وكان حلو العبارة، متصدرا للإفادة في كل علم عاناه، وكان حنبل المعتقد».
وقال الذهبي: «الإمام العالم المفتي المحدث». وفي موضع آخر: «الفقيه الزاهد».
وقال أيضاً: «كان شديداً على المخالفين». وفسر شدته هذه فقال: «كان شديداً على المبتدعة، ناصراً للسنة».
ولكن مع ما ذكر عنه من سلامة اعتقاده وتحنبله إلا أن بعض آل مندة وغيرهم ذكروا أن فيه اشعريه، والتحقيق أن هذا إيراد مبهم لا يطعن على الرجل به، كما أنه مخالف لما ذكرنا من حسن اعتقاده، ويحتمل أن يكون يخالف بعض الحنابلة فيا بالغوا فيه من الإثبات بما زادوه على اعتقاد الإمام أحمد، كالقول بـإثبات ألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة ولا اعتقاد السلف والأئمة بما هو مشهور عن بعض الحنابلة، والله أعلم.
مذهبه في الفروع:
لقد علم مما سبق - أن أبـا علي كان فقيهاً مقدماً، ومفتياً مقتدراً، وكان تلقيه لذلك على أبي يعـل الفراء وغيره من الحنابلة مما رفع شأنه.
ولذا فقد كان رأسا في الحنابلة، وكونه منهم أمر لا خلاف فيه، وقد صنف في المذهب، وأغرب بأشياء.
القدح فيه والجواب عنه:
لم يسلم الإمام أبو علي من الطعن عليه، ولكن بظن لا يقاوم ما عرف به هذا الإمام من العدالة والصدق والديانة.
وإليك إيراد ذلك والجواب عنه، وهو وارد عل صورتين:
الأولى: مفسرة.
وهو ما حكاه السمعاني قال: سمعت أبا القاسم بن السمرقندي يقول: «كان واحد من أصحاب الحديث اسمه الحسن بن أحمد بن عبدالله النيسابوري، وكان سمع الكثير، وكان ابن البناء يكشط من التسميع (بوري) ويمد السن، وقد صار الحسن بن أحمد بن عبدالله البناء» قال: «كذا قيل: إنه يفعل هذا» أورد هذه الحكاية ابو الفرج بن الجوزي، ثم قال: «وهذا بعيد الصحة لثلاثة أوجه :
احدهما: أنه قال: كذا قيل، ولم يحك عن علمه بذلك، فـلا يثبت هذا.
والثاني: أن الرجل مكثر لا يحتاج إلى الاستزادة لما يسمع، ومتدين ولا يحسن أن يظن بمتدين الكذب.
والثالث: أنه قد اشتهرت كثرة رواية أبي علي بن البناء، فأين هذا الرجل الذي يقال له: الحسن بن أحمد بن عبدالله النيسابوري؟ ومن ذكره؟ ومن يعرفه؟ ومعلوم أن من اشتهر سماعه لا يخفى، فمن هذا الرجل، فنعوذ بالله من القدح بغير حجة»!
وقد أصاب ابن الجوزي في دحض هذه الحكاية، وأجاد فيما قال، سوى الوجه الثالث، فقد تعقب فيه .
فذكر الصفدي أنه رأى ابن النجار قـد أورد في «تـاريخه»: الحسن بن أحد بن عبدالله النيسابوري الصوفي، وقال: «سمع الكثير من أبي الحسن علي بن أحمد بن عمر الحرامي المقريء وأمثاله، وروى الخطيب عنه كثيراً في التاريخ الوفيات، وغيرها» ثم ذكر بعده ترجمة ابن البناء.
ولكن هذا لا يصدق النقل المجهول الذي ذكره ابن السمرقندي، فغاية مـافيه وجود رجل من طبقة ابن البناء وافقه في اسمه واسم أبيه وجده. وإنما يكون ما ذكر جرحاً لو صح.
وحين أورد الذهبي الحكاية المذكورة قال عقبها: «هذا جرح بالظن، والرجل في نفسه صدوق» ويشبه أن يكون قد بلغ السلفي الحافظ هذا النقل فقال: «كان يتصرف في الأصول بالتغيير والحك» هذا ما أورده عن ابن البناء من الجرح المفسر، وقد علمت مافيه، والمحقق المنصف لا يقبل مثله.
الصورة الثانية: غير مفسرة.
وهو ما حكاه ابن النجار في ترجمته من طريق السلفي قال: سألت أبا غالب شجاع بن فارس الذهلي عن أي علي الحسن بن البناء؟ فقال: «كان أحد القراء المجودين، والشيوخ المذكورين، سمعنا منه قطعة صالحة من حديثه وتصانيفه، ولا أذكر عنه أكثر من هذا . قال السلفي : كأنه أشار إلى ضعفه».
وأدى من هذا ما ذكر من تليين ابن خيرون له، وجميع هذا ونحوه لا يضره، لأنه جميعاً جرحٌ مُبهم، ولعله كان يقع منه تساهل في بعض سماعه، أو تصحيف، أو قلة ضبط، مما قد يعتري مثله، لمشاركته في علوم متنوعة.
تلامذته:
تخرج بالإمام أبي علي: خلق كثير، منهم:
١-ابنه أحمد.
٢ـ ابنه يحيى.
٣- قاضي المارستان أبو بكر محمد بن عبدالباقي الأنصاري (٤٤٢ -٥٣٥ هـ).
٤ - الإمام أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن السمرقندي (٤٥٤ -٥٣٦ ه).
٥ -الشيخ الثقة أبو منصور عبدالرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز، راوي «تاريخ الخطيب» عنه (٤٥٣ -٥٣٥ هـ).
تصانيفه:
لقد علمت أن الإمام أبا علي: كان عالما متفنناً، وأنه كثير التصنيف، بل كان من أكثر الناس تصنيفاً. حتى انه حكى عنه قوله : «وصنفت خمسمائة مصنف»!
١-الكامل في الفقه.
٢-الكافي المحدد في شرح المجرد.
٣-الخصال والأقسام.
٤-نزهة الطالب في نجريد المذاهب.
٥-آداب العالم والمتعلم .
٦- شرح كتاب الكرماني في التعبير.
٧- شرح قصيدة ابن أبي داود في السنة.
٨-المنامات المرئية للإمام أحمد، جزء.
٩-أخبار الأولياء والعباد بمكة، جزء.
١٠-صفة العباد في التهجد والأوراد، جزء.
١١ - المعاملات والصبر على المنازلات، أجزاء كثيرة.
١٢ - الرسالة في السكوت ولزوم البيوت، جزء.
١٣ - سلوة الحزين عند شدة الأنين، جزء.
١٤ - طبقات الفقهاء أصحاب الأئمة الخمسة.
١٥ -التاريخ.
١٦- مشيخة.
١٧- فضائل شعبان.
١٨-كتاب اللباس
١٩ -مناقب الإمام أحمد.
٢٠-أخبار القاضي أي يعلى، جزء.
٢١-شرف أصحاب الحديث.
٢٢-ثناء أحمد على الشافعي وثناء الشافعي على أحمد.
٢٣- فضائل الشافعي.
٢٤-كتاب الزكاة وعقاب من فرط فيها، جزء.
٢٥ -المفصول من كتاب الله، جزء.
٢٦ -شرح الإيضاح في النحو (لأبي علي) الفارسي.
٢٧-تختصر غريب الحديث لأبي عبيد، مرتب على حروف المعجم.
وفاته:
توفي الإمام أبـو علي بن البناء ليلة السبت خامس رجب سنة إحدى وسبعين وأربعمئة، وصل عليه أبو محمد التميمى، وكان موته ببغداد، ودفن بباب حرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق