المجموعة العلمية -الرسالة الخامسة
((تغريب الألقاب العلمية))
تأليف الشيخ بكر أبو زيد
دار العاصمة (ص 301 -351)
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ للألقاب العلمية سحر كسحر الجمال، و بريق كبريق المال، وومن أكثر الألقاب العلمية في العالم الإسلامي اليوم زخرفةً وألََقاً هو لقب «دكتور» وهو لقب علمي محدث، تلقاه العرب في جملة ما تلقوه من المعارف والمصطلحات الغربية، وقد انتشر هذا اللقب انتشاراً مريعاً، حتى أصبح الحصول عليه هدفاً للقادرين والعاجزين، والمستحقين وغير المستحقين، فأصبح مصدراً من مصادر البلاء في عالمنا الإسلامي المنكوب، ولا شك أن الجامعات والمعاهد والكليات مسؤولة عن هذا البلاء العارم، حيث تعدت بهذه الألقاب عن منازلها.
وقد كان لقب الدكتوراه -في الماضي -يعني أن صاحب هذا اللقب العلمي أصبح في تخصصه عالماً ضليعاً متبحراً، يُرجع إليه في كل صغيرة وكبيرة في هذا التخصص، وهو اليوم أشبه ما يكون برتبة اجتماعية يستحقُّ حاملها نوعاً مُعيناً من التقدير والشرف الباذخ أو المباهاة والمكاثرة، أو استكمالا للابهة والعظمة بعيداً عن استحقاقات هذا اللقب الأكاديمية والعلمية.
وللأسف فإن واقعنا المعاصر يشهد فوضى عارمة في منح الشهادات العلمية في سبيل المناكدة والتمدح بغير حق، بالإضافة إلى امتهان مثل هذه الألقاب، بحيث لا تستطيع تمييز من يحمل هذه الشهادة بحقها، أو يقوم بواجباتها، فمن السهل أن ترى الوضعاء وأصحاب الأهواء يحملون هذا اللقب، بل ترى كثيراً منهم منحرفون عن النهج السديد في المعرفة والتقرير.
وقد ازداد عدد الحاصلين على الدكتوراه الفخرية ازدياداً مطرداً، بناءً على مواقف سياسية أو خدمات اجتماعية، لأجل أن يصدروا أسماءهم بلقب "دكتور"، وهذه هي الطامة الكبرى وأعجوبة الأعاجيب، وأصبحت الحركة العلمية -إلا من رحم الله -حركة زائفة خواء يفتي فيها من لا عقل له، ويشارك فيها من لا علم عنده، ولعل جيلنا هذا هو أكثر الأجيال اكتواءً بنارهذا الزيف، حتى اختلط عليه النور بالظلام.
وبين أيدينا رسالة نفيسة كتبها الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله -بين فيها ضرورة تعريب الألقاب العلمية، ومنحها لمستحقيها الذين هم أهلٌ لها، ودعوةٌ إلى تفعيل دور أصحاب هذه الألقاب في المجتمع، والتصدي لحركات التغريب، ومنع السرقات العلمية المنتشرة بين طلبة العلم والكليات الشرعية وغيرها، ويلي ذلك مقالين نفيسين في هذا المعنى، نقلت ذلك كله كاملاً، ليقتبس منه الطلبة، وينتفع به الباحثون.
ختاماً أنقل ما قاله ابن جرير الطبري في تفسير قول الله عز وجل: {والذين لا يشهدون الزور}، لأن منح الألقاب العلمية بغير وجه حق يُعدُّ من هذا الباب، قال رحمه الله (١٧/ ٥٣٣):
(وأصلُ الزور تحسين الشيء ،ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك؛ لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء؛ لأنه أيضاً مما يحسنه ترجيع الصوت، حتى يستحلي سامعه سماعه، والكذب أيضاً قد يدخل فيه؛ لتحسين صاحبه إياه؛ حتى يظن صاحبه أنه حق، فكل ذلك مما يدخل في معنى الزور. فإذا كان ذلك كذلك، فأولى الأقوال بالصواب في تأويله أن يقال: والذين لا يشهدون شيئا من الباطل، لا شركاً، ولا غناءً، ولا كذبا ولا غيره، وكل ما لزمه اسم الزور؛ لأن الله عم في وصفه إياهم، أنهم لا يشهدون الزور، فلا ينبغي أن يخص من ذلك شيء إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر أو عقل). انتهى.
أولاً: أهمية البحث، وذكر من تعرَّض له بالبحث:
الحمد لله العلي الكبير، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى صحابته أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن واقعة الألقاب العلمية وغيرها من الألقاب الفخرية، والآداب في الألفاظ: هي من مسائل العلم التي عناها العلماء قديما وحديثا بالبحث والتوجيه تبعا واستقلالاً، على اختلاف مشاربهم: مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، ومؤرخين، وأدباء.
فافرد مبحث الألقاب : شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ في رسالته المشهورة «رسالة في الألقاب»، وذكر ابن عابدين في الحظر والإباحة» من «حاشيته» أن بعض المالكية ألفت رسالة في المنع من الألقاب بشمس الدين، ونحوه، وفي الجواهر والدرر للسخاوي: (٤٨/١) بحث مهم في الألقاب المضافة إلى «الدين»، وأنها حدثت في أول القرن الخامس، وأن أول لقب هو «علاء الدين».
وللأديب اللغوي المشهور محمد كرد علي محاضرة باسم «الألقاب العلمية» ضمن كتابه «القديم والحديث»: (ص / ٢٩٨).
وللعلامة أحمد تيمور باشا كتاب باسم «الزبب والألقاب المصرية لرجال الجيش، والهيئات العلمية والقلمية منذ عهد أمير المؤمنين عمر الفاروق - رضي الله عنه.
وللغوي محمود تيمور كتاب «معجم الحضارة».
وللعالم الفاضل نور الحسن بن السيد صديق خان كتاب حافل باسم «الجوائز والصلات في الأسامي واللغات». وفيه مباحث للألقاب والآداب الشرعية في الألفاظ مهمة .
وللأستاذ حسن الباشا كتاب باسم الألقاب الإسلامية». وآخر باسم «الفنون الإسلامية والوظائفي على الآثار العربية».
وللشيخ طه الولي البيروتي مقال بعنوان: «الألقاب عند العرب والمسلمين»، كما في مجلة «اللسان العربي» الجزء الأول (٨/ ١٨٩ - ١٩٥).
وبحثها ابن القيم في مواضع منها: في أوائل الجزء الثاني من كتابه النافع العظيم «زاد المعاد، وفي ثنايا كتبه: «تحفة المودود في أحكام المولود»، و«الوابل الصيب»، «والداء والدواء»، ومدارج السالكين»، و «بدائع الفوائد»، و«مفتاح دار السعادة»، وفي فاتحة الجزء الأول من «إعلام الموقعين» .
ومن المفسرين من يبحثها في تفسير آية الحجرات {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} الآية .
وفي تفسير قوله : {لم نجعل له من قبل سمياً} من سورة مريم.
وقوله تعالى: {فقولا له قولا ليناً} من سورة طه
والمحدثون يعقدون أبوابها في كتب الأدب، والرقاق، من مؤلفاتهم الحديثية . وفي تراجم النووي على صحيح مسلم قال: «كتاب الألفاظ» .
وفي مصنفات أهل الاصطلاح منهم، وآداب العالم والمتعلم تبيان ألقاب المحدثين، وما يلحق بذلك استطراداً عند بعضهم.
وفقهاء الشريعة المطهرة يذكرونها عرضاً في مباحث تسمية المولود، وأخريات الجهاد، وباب الردة، ونحو ذلك في مناسبات فقهية كمباحث القضاء والفتيا، وقد بحثها ابن عابدين في الخامس من «حاشيته في الحظر والإباحة» بحثا مستفيضا ممتعا، ولخصه الشيخ/ محمد الحامد ـ رحمه الله تعالى - في كتابه «ردود على أباطيل»: (ص١٢٨ - ١٢٩).
وبما أنها من مباحث الأدب في الألفاظ فقد أتى العلامة النووي على جملة صالحة منها في كتابه «الأذكار»، وبسط الحافظ ابن حجر القول في شأنها في «أماليه» عليها، وقد أرخ ابن علان المكي جُلَّ أمالي الحافظ في شرحه على الأذكار وهو مطبوع، وانظر «المدخل» لابن الحاج: (١/ ١٢٢ - ٢١٣٠.
ويجد منعم النظر في مصنفات أهل الأثر بحوثا عارضة في هذا كما في «الرد الوافر» لابن ناصر الدين الدمشقي، وفي رسالة البدر العيني «الروض الزاهر» وفي «تنبيه الغافلين» لابن النحاس: (ص ٣٩١ - ٣٩٢)، وعنه أفاد اللكنوي في «الفوائد البهية»: (ص ٢٣٩).
وفي كتاب «السامي في الأسامي» لأبي الفضل الميداني، وكتاب «المرصع» لابن الأثير: جهود محررة في ذلك .
وفي ثنايا «صبح الأعشى» للقلقشندي كما في «فهارسه» المطبوعة مجدداً في مجلدة مستقلة، وفي كتاب «مجمع الآداب في معجم الألقاب» لأبي الفضل عبد الرزاق بن أحمد الشيباني الصابوني البغدادي الحنبلي المعروف بابن الفوطي، المتوفى سنة ٧٢٣هـ، و «ألقاب الشعراء» لابن حبيب، وفي الأول من «ريحانة الألباء» للخفاجي، و «نقط العروس» لابن حزم، وفي أخريات الخامس من «البحر الزخار» للمرتضي، وفي كتاب «التنبيه والإشراف» للمسعودي: (٣٣٥/١)، و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: (ص١٠)، وفي «محاضرات الراغب»: (٢/ ٢٠٥)، وفي كتاب «أباطيل وأسمار» لمحمود شاكر: إلماعة عنها، وكتاب «في الهواء الطلق» لأمين نخلة: (ص٨٤)، وفي كتاب «حكم الإسلام في الاشتراكية» للبدري، و «منهاج الإسلام في الحكم» لمحمد أسد، و«فتاوي» رشيد رضا: (ص٥٩، ٨٣١، ١١٥٧)، و «ربانية لا رهبانية» للندوي، وفي مجلة «مجمع الألقاب اللغة بدمشق» مقال باسم: الرومانية عند قدماء العرب» للكرملي، المجلد الأول عام ١٩٢١ م، وفيها أيضاً من المجلد الرابع عام ١٩٢٤ م مقال باسم: «مميزات الألقاب للملوك وأرباب الخطط والعمل» سليم عنموري .
ومحاضرة باسم الألقاب والتشريفات» لعارف النكدي عام ١٩٤٦ م من محاضرات مجمع دمشق .
وفي مجلة «المنار مقال باسم: لقب الأديب»: (١٣٦/١)، وفيها أيضاً: (١/ ٧٠٩) بعنوان «الألقاب واللقب في فرنسا».
وفي مواضع من «التراتيب الإدارية» للكتاني، وأصله الذي بني عليه للخزاعي، وهو «تخريج الدلالات السمعية» لطائف وفوائد جوامع في ذلك .
وهذه الكتب غيض من فيض وفيها وفي غيرها مما لم يذكر ما يعين الناظر في هذه المسألة للكشف عن تاريخ تطوراتها، ومعانيها المصطلح عليها، وبيان مواقعها من لغة العرب، وبالتالي يحصل ترتيب الحكم بأمان.
وهذا هو السبب الأول في استعراض مواطن هذا البحث، وسبب آخر وهو أن يعلم الذين يحسبون البحث في هذا لا يستحق أن يبرى له القلم، أنه عند ذوي العقول الزكية والآراء الرصينة: عظيم، فأولوه تلك العناية من البحث والتحقيق ، ولتكون على ما أقول شهيداً.
ومن لطيف الاستطراد أن الأمير الصنعاني أنشد في الوضيعة من الألقاب جملة أبيات مسطرة في «ديوانه» التي تحمل التزكية، مثل: نور الدين، - ونحوه منها قوله :
تسمى بنور الذين وهو ظلامه … وهذا بشمس الدين وهو له خَسفُ
وذا شرف الإسلام يدعوه قومه … وقد نالهم من جوره كلهم عَسفُ
رويدك يا مسكين سوف ترى غدا … إذا نُصبَ الميزان وانتشر الصحف
بماذا تسمى هل سعيداً وحبذا … أو اسم شقي بئس ذا ذلك الوصف
فواقعة الألقاب إذاً قديمة في أصل وجودها، واتساع دائرة التلقيب، وحديثة بحدوث بعض الألقاب وتجددها، وذلك بانتقال الغربي منها إلى الصعيد الشرقي؛ لكثافة عوامل الاتصال بين المشارق والمغارب، وسرعة تأثر بني جلدتنا بكل وافي غربي، حتى في ألفاظ مولدة تلوكها ألسنة الوافدين منهم، فيقذفون بها آذان المجتمع، فما تلبث تلكم الألفاظ المؤذية لأهل اللسان العربي جملةً وتفصيلاً، والمرفوضة من حيث المبدأ لدى حملة الشريعة المطهرة إلا وقد أصبحت سمة من السمات في درج الكلام شفاها أو تحريراً، فازدادت المحنة في هجنة اللسان العربي، وطغت مولدات التغريب على لغة القران فعظم العدوان على بنت عدنان، وندر الآخذون بالثأر الموقظون لأمتهم من تغريب اللسان، فاشتدت الأزمة وأصبح سراج الأمل يضيء إضاءة خافتة تناكدها رياح الخوف واليأس؛ لتضافر عوامل التغريب في سائر مقومات الامة الإسلامية، في بنيتها، وأخلاقها، وخططها الإنمائية .
وعلى مسارب تلكم التبعيات لفتنة التغريت الهادرة، نفذ إلى الامة في شكلها وجوهرها: ضروب من التفاعل والصراع والتفكك والانحلال، حتى اطلق على رقعة البلدان العربية «قوس الأزمات» وبه أصبح معظم العرب المسلمين أصلاً وداراً ولساناً يفتكون بأنفسهم حتى صار غالبهم جسداً بلا روح، وهم مع ذلك مبتلون بأعظم بلية، وهي موت قلوبهم ولكن لا يشعرون.
وفي هذه الورقات لا ألجُ في تجسيد هذه المعضلات . . ولكن من خلال ما صدرت به هذه المقالة ابدي نظرة ولكنها متأنية في عامل تغريب اللسان، محاولاً أن أصل بها تلك الرحم، رحم لغة القرآن الكريم، بعد أن قطعتها يد التغريب، وفي خصوص واحدة من قضاياه وهي : (تغريب الألقاب العلمية):
وإن من يبدي في هذا تألماً لا ينبغي بحال أن يُنحِي باللائمة عليه؛ لأن معه قيام دليل مادي على صدق دعواه، وتأييد ما عداه. ذلك: أن معالم اللغة العربية تضعف مناظرها أمام حدقة العين الباصرة، ولا تكاد تدق طبلة الأذن في جل ميادين الحياة!!!
فهذه الشوارع التجارية في ديار العروبة ومنازل الإسلام يجدها الناظر مشحونة بالعناوين والأسامي، واللغات التي لا يمكن بحال أن يرضاها أهل اللسان العربي، بل إن طابع الاستفزاز يبدو عليها واضحاً.
وما هذا والله إلا من ملاعبة العقول الأجنبية لعقولنا، وتمزيقها لذاتيتنا على أرضنا وأمام أبصارنا وبصائرنا الضمنة .
وهؤلاء الدارسون في ميدان التعليم يتلقون من ألسنة مدرسيهم على كراسي التعليم، وردهات النوادي: ألفاظا صارت في مجال التعليم من المسلمات في الاصطلاح، ولا تكاد تجد لها منكراً مع انقطاع سندها عن ذاتية الإسلام، وأصالة العروبة. وهل هذا إلا قطع لفتية المسلمين عن عامل الاتصال بمجدهم الأثيل؟ فالله طليب قطاع الطريق وحسيبهم.
بل إن ذلك الاندفاع الرهيب قد وصل إلى تسمية المولود، فانتشرت الأسماء الغربية المتنافرة لمواليد أهل الإسلام انتشار النار في الهشيم، ورغب فيها المغبونون رغبة المؤمنين الصادقين في رحمة الله الرحيم.
وأخيرا فإلى ما يقوله حافظ إبراهيم في مقدمة كتاب: «البؤساء» إذ يقول كما نقله عنه المنفلوطي في مختاراته»: (ص٦٢)، في مثاني كلمة له حافلة في : التعريب والترجمة. قال: (واها لهذه اللغة التي أصبحت بين أعجمي ينادي بوأدها وعربي يعمل على كيدها. ومن نظر في بطون تلك الكتب التي تترجم اليوم رأى هذه الغادة الشرقية وهي على فراش موتها تندب جدراً قد ابتذلته الأقلام، وستراً قد هتكته الأوهام، وقد فتحوا لها في بطون هذه الكتب قبوراً، وخاطوا لها من تلك الصحف أكفاناً، وهيأوا من هذه الأقلام أعواداً، وما هو إلا أن يثني ذلك الغربي بدعوته حتى يسرع إلى جنازتها أهلها وذوي قرابتها) اهـ .
وقد كفانا العلماء - رحمهم الله تعالى- قديماً وحديثاً بيان حكم الإسلام في التشبه بأعداء الله ومجازاتهم في أنواع السلوك والتصرف، والمعروف بلسان العصر باسم: «التغريب» (= التغريب، هو: نزعة لقافية يتطلع من خلالها الشرقيون بكل إعجاب إلى دول الغرب كمثال يحتذى به في جميع مجالات الحياة...) انظر: «التحديث والتغريب» لغوث الأنصاري).
ومن أعظم ما ألف في ذلك كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أهل الجحيم» وهو مطبوع ومتداول والحمد لله.
وللغزّي الدمشقي كتاب «حسن التنبه إلى أحكام التشبه» من مخطوطات الظاهرية بدمشق وفقى الله من شاء من عباده لطبعه.
وفي تفسير قوله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} من سورة الإسراء، في «أضواء البيان» لشيخنا العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى - ما ينير السبيل في هذا الباب.
وفي خضم تلكم المآسي التي عظم خطرها وطار في المسلمين شررها:
(فتنة لا تزال تضرم ناراً … كل بيت من حرِّها اليوم صال!)
[هذا البيت من قصيدة لشيخنا الفاضل والأديب الشاعر الشيخ/ سعد بن محمد اليحيى الوهيبي التميمي من بلد الشعراء قرب الدوادمي، توفي - رحمه الله تعالى - سنة ١٤٠٢هـ في الدوادمي ودفن بها وهذه القصيدة من ضمن مجموعة عدد كبير من شعره في: الإسلاميات والرثاء ومناسبات أخرى . وأبيات في المعاياة والألغاز. أرجو من الله أن يمن علي بتحقيقها وطبعها].
في ذلك أتناول فتنة التغريب للألقاب العلمية، وقد ألقت منها حِبالاً وعصياً كُثراً، وعلى وجه الخصوص لقباً علمياً قذفت به في عامة ديار الإسلام، ثم تغلغل حتى ضرب بجرانه في وسط جزيرة العرب، فوقعت منه الوحشة أياما ثم استمرىء حتى أصبح عليه كظيظ من الزحام يخبُّ فيه أقوام ويضع آخرون .
وزاد في الزمانة علة والطين بلة أن صار غالب الحاصلين عليه يقدمون به أسماءهم في مُحّراتهم تصريحاً بلفظ الدكتوراه أو رمزاً إليه بحرف «د» [وكدت أن أساير في عيب الاجترار في بعض المحررات غب الحصول على الإجازة بالعالمية العالية]، ويتلفظون به عند التعريف بأشخاصهم، وما هذا إلا من الذوي الهالك، والمناكدة لأهل اللسان العربي وعلى أرضيته!!!
وهل هذا إلا أثر إعجابٍ بالنفس، وما الإعجاب بالنفس إلا أثر ضعف لم تتناوله التربية بتهذيب .
ولم يكن والله يخطر ببالي ولا يدور في خيالي أن الزمان سيجسئه المخاض فيضع بين هؤلاء المسلمين ذلكم الوليد «التغريب» فيس يظهرونه يستنبطونه. وكان أمر الله قدراً مقدوراً.
وإنه من باب العتب الجميل، والأخذ بأطراف الحديث مع الباحئين، أقول: إن العجب لا ينقضي حين ترى اللغوي الأديب تشتد ثورة غضبه من طغيان الأسامي واللغات المولدة، والغريبة الهزيلة، ويصيح بالدعوة إلى التعريب وردِّ العامي إلى الفصيح، ثم يكون هو أول ناكث للعهد، فيرسم على طُرّة كتابه أو بحثه ومقاله: هذا اللقب الأجنبي من كل وجه.
وإن العجب يمتد حين ترى العالم الفقيه تشتد ثورته في ذلك كذلك، ويضيف بحكم اختصاصه أنه لا يجوز إطلاق المصطلحات العلمية الدخيلة على علوم الشريعة، مثل إطلاق لفظ «الأحوال الشخصية» على أحكام النكاح والفُرَق ونحوها، ثم هو يشتد تعلقه بهذا اللقب من كل وجه .
وما هذا إلا من استبدال الأدنى بالذي هو خير، وذلك الخير هو لقب: أبُ الأنبياء وعمود العالم نبي الله إبراهيم عليه السلام، إذ قال نبينا محمد في شأنه : «أبونا إبراهيم شيخ الأنبياء»(انظر «جلاء الأفهام» لابن القيم: ص١٥٤، ١٥٥، ١٥٦).
وبعد وصول هذه الرسالة في طبعتها الاولى إلى: رصيفنا الشيخ أحمد بن الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد بعث إلي برسالة في ١٤٠٣/٤/١٥هـ، مطولة مشفوعة بهذين البيتين من قوله :
استبدلوا لفظ الفقيه بغيره … ومن الغريب محدثون دكاتره
والله لو علم الجدود بفعلنا … لتناقلوها في المجالس نادره
وإن مرارة التحول الخطير لتشتد حين يكون الحصول على هذا اللقب الغريب يزيد في ارتفاع القيمة الأدبية في الوسط الاجتماعي، ويكون مقياساً ومعياراً للتأهيل، وإن كانت أحياناً لا تعدو أن تكون كمناظر السينماء والتلفزة في الوهم والتخييل، بينما من هو أعلى منه في العلم كعباً، وأكثر رزانة وأرجح عقلاً لا يكون كذلك لعدم نيل هذا اللقب، وعليه: أصبح ثلة من المسلمين يعيشون يوم التغابن على حساب هذه الورقة المقواة. ومن أبصر علم.
ولهذا تجد في البلدان الغربية التي ترى أن المقياس لتأهيل الموظف للعمل هو: ماذا عمل؟ تجد فضل السبق والجودة في الإنتاج على البلدان الغربية الأخرى التي تقول عن الموظف: ماذا يحمل من مؤهل؟
يقول بعض الكاتبين (هو: الأستاذ: علي جواد الطاهر في كتابه: «منهج البحث الأدبي ط. الثالثة عام١٩٧٩م والمؤلف مع جودة كتابه لم يستطع التخلص من وضر التبعية، فقد رسم ذلك اللقب له على طرة كتابه، وأرخه بالتاريخ الميلادي، ولم يفتتحه بذكر الله تعالى فما معنى الدعوة إلى الشيء وعدم الالتزام به. اللهم فسدد الخطى): (في تاريخ التعليم الإسلامي مصطلحات وألقاب علمية لم يكتب لها أن فتصبح الليسانس - مثلاً الإجازة، ويصبح الدكتور: الفقيه، أو العلامة تتطور فتدخل الحياة التعليمية وإنما أخذنا الألقاب الأوروبية كما وصلت هناك في أخر أطوارها كأننا نرى في الألقاب الغربية دلالة الرقي والمدنية، وبلغنا في ذلك أن تخلى علماء الأزهر وشيوخه عن ألقابهم فصاروا: دكاترة.
وتبقى المسألة - بعد ذلك وقبله - مسألة الجوهر والمعنى، والحرص على إيفاء اللقب حقه من الجد، والجهد، والذكاء، والشخصية، وصيانته من الابتذال، ومواضع السخرية، ويتحمل المسؤولية في ذلك الغرب والشرق على حد سواء.
فلتكن للألقاب حرمتها، ولنسهر نحن - الباحثين وطالبي البحث - على رعاية كرامتها) انتهى .
وإن منهج الرعاية للشكل دون الحقيقة يسير في خط مناقض تماما لما ارتضاه المسلمون منهجاً لهم في الصدر الأول، فكانوا يعتمدون الحقائق لا الشـكليات، ورحم الله أئمة التابعين إذ كانوا لا يؤمرون في الجيوش عليهم إلا من كانت له صحبة مع النبي صلى الله عليه وسلم ـ فأعطوهم قدرهم لسابقة الإسلام، وصحبة خير الأنام، حتى صار هذا المسلك دليلاً على الصحبة كما حزره الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى - في مقدمة «الإصابة» .
وأمام هذا فإن مبدأ هضم النفس، واللصوق إلى الأرض، ونحوهما من مكارم الأخلاق من حلية المسلمين عامة - وأهل العلم والمعرفة منهم خاصة - ليحس المسلم بانخفاض مستواها عند من يأنف من أن يُدعى باسمه مجرداً من هذا اللقب، ومن يلفظ به عندما يعرف بشخصه، أو يرمز به في محرراته، وهذا مسلك مناهض لآداب أهل العلم والمعرفة كافة) .
(هاهنا لطيفة علمية وهو أن لفظ «كافة» لا تستعمل إلا حالاً، فلا يجوز استعمالها مضافة ولا بالألف واللام كما هو منتشر. وقد بسط القول في هذا النووي - رحمه الله تعالى - في مادة «اكفف» من كتابه «تهذيب الأسماء واللغات»: (١١٦/٢ - ١١٧). لكن العلامة مصطفى الغلاييني له بحث في تجويزها مضافة كما في كتابه «نظرات في اللغة والأدب»: (صهه - ٥٦)، وأشار إلى بسط الشهاب الخفاجي لذلك الحكم في «شرح درة الغواص»: (ص ٧٠)، والله أعلم.
وفي: «الكليات» لأبي البقاء الكفوي: (٥/ ١٧٤)، قال: استعمال الثقات لألفاظ المعاني يجعل بمنزلة نقلهم وروايتهم، وإن لم يوجد في كتب اللغة ولا في الاستعمالات لدى العرب وذكر أمثلة، منها: قول «وكافة الأبواب» بالإضافة. وانظر أيضاً منه: (٤/ ١٣٢)، وفي «الطرة على الغرة»: (ص٨٩-٩٠) بحث مهم في ذلك، وفي مجلة الضياء: (ص ١٨٠ - ١٨١)، السنة الرابعة، عام ١٩٠١م).
ويستطيع الناظر في كتب التراجم عندما ينعم النظر في السير والرجال أن يتجلى له بوضوح مظهر الانطباع بروح التواضع والافتقار، ونتيجة لهذا فلن يرى من يلقب نفسه بما كان يستحقه من لقب علمي، أو لقب تزكية في حياته وزمانه، بل سيرى مواقف الأنفة من ذلك، وهذا منتشر في كتب النقلة للسير والرجال .
فهذا الإمام المحدث أبو إسحاق السبيعي: عمرو بن عبد الله، المتوفى سنة ١٢٩هـ لما قال له شخص: أأنت الشيخ أبو إسحاق؟ قال : لا أنا أبو إسحاق .
وهذا العماد الحنبلي: إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي المتوفى سنة ٦١٤هـ كان إذا سمع عليه جزء، وكتبوا على ظهره: سمع على العالم الورع، نهاهم عن ذلك كما في «ذيل الروضتين» لأبي شامة المقدسي.
وفي «الشذرات» لابن العماد (٦/ ٣٤)، قال : (قال التقي السبكي كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحداً إلا بقوله : يا إنسان، غير اثنين: الباجي، وابن الرفعة، يقول للباجي: يا إمام، ولابن الرفعة : يا فقيه) اهـ.
وفي ترجمة القاضي أبو البركات أحمد بن إبراهيم الكناني العسقلاني الحنبلي المتوفى سنة ٨٨٦هـ. كما في «ذيل رفع الإصر» للسخاوي: (/ ٣٥)، قال: (ألزم المرقعين بالمنع من مزيد الألقاب له ولأبيه ولجده، وأمرهم بالاقتصار على قاضي القضاة لكل منهم، وقال: هذا وصف صحيح. وكذا منعني - القائل السخاوي-من إطرائه، وأمرني بالاقتصار في ترجمته على شيوخه ونحو ذلك. وقال: لست في حل من زائد عليه.
ومن الاقتصاد في الألقاب ما جاء في ترجمة عبد الله بن وهب المالكي، المتوفى سنة ١٩٧ هـ، كما في «وفيات الأعيان»: (٣/ ٣٦، برقم ٣٢٤)، قال: (وكان مالك يكتب إليه إذا كتب في المسائل: إلى عبد الله بن وهب المفتي، ولم يكن يفعل هذا مع غيره) اهـ .
وفيه أيضاً (٣/ ٥٣٤) في ترجمة الهكاري الملقب بشيخ الإسلام المتوفى سنة ٤٨٦هـ، قال: (وسمعت أن بعض الأكابر قال له: أنت شيخ الإسلام، فقال: بل أنا شيخ في الإسلام) اهـ.
وقال أبو الحسن العامري المتوفى سنة ٣٨١هـ في كتابه: «الأمد على الأبد»: (ولقد كان شيخنا أبو زيد أحمد بن سهل البلخي - رحمه الله -مع توسعه في أصناف المعارف، واستقامة طريقته في أبواب الدين، متى نسبه أحد من موقريه إلى الحكمة يشمئز منه ويقول: لهفي على زمان يُنسب فيه ناقص مثلي إلى شرف الحكمة .. ثم قال: وهذا حال استاذه: يعقوب بن إسحاق الكندي).
وقال ابن الحاج في «المدخل»: (١/ ١٢٧) في معرض بحثه النفيس في ذلك: (ألا ترى إلى الإمام النووي - رحمه الله تعالى - من المتأخرين - لم يرض قط بهذا الاسم، وكان يكرهه كراهة شديدة على ما نقل عنه وصح، وقد وقع في بعض الكتب المنسوبة إليه -رحمه الله تعالى -، أنه قال: إني لا أجعل أحداً في حلٍّ ممن يسميني بمحيي الدين. وكذلك غيره من العلماء العاملين وقد رأيث بعقى الفضلاء من الشافعية من أهل الخير والصلاح إذا حكى شيثاً عن النووي - رحمه الله -يقول: قال يحيى النووي؛ فسألته عن ذلك فقال: إنا نكره أن تسميه باسم كان يكرهه في حياته. فعلى هذا فهذه الأسماء إنما وضعت عليهم تفعلا وهم براء من ذلك) اهـ.
وهذا أبو العباس شيخ الإسلام/
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام النميري الشهير بابن تيمية، المتوفى سنة ٧٢٨هـ - رحمه الله تعالى-رائد القيادة إلى السلفية الرشيدة على أنقاض التأويل ومحض التقليد ومستحكم الأهواء والبدع، كان كثيراً ما يقول": (أما أنا بشيء، وما مني شيء)، وكان لا يرضى تلقيبه بتقي الدين، ويقول: لكن أهلي لقبوني بذلك [«مدارج السالكين»: (٥٢٤/١)].
وهذا الشيخ محمد المبارك الجزائري ثم الدمشقي، المتوفى سنة ١٣٣٠ هـ - رحمه الله تعالى -وجهت إليه الدولة رتبة علمية فاستاء جداً، ولم يقبلها، ولم يبعث بشكر إلى الوالي، وما رؤي يغضب مثل غضبه عند ذكرها، وهذا في ترجمته من كتاب «تاريخ علماء دمشق»: (١/ ٢٧٥ - ٢٧٦).
وهذا ابن هبيرة الشيباني ، صاحب «الإفصاح»، المتوفى سنة ٥٦٠هـ قال يوماً كما في «الشذرات» (٤/ ١٩٣): (لا تقولوا في ألقابي سيد الوزراء، فإن الله سبحانه سمى هارون: وزيراً، وجاء عن النبي: أن وزيريه من أهل السماء جبريل وميكائيل، ومن أهل الأرض أبو بكر وعمر).
بل إن تشددهم في ذلك وصل إلى حد عدم إطلاقها إلا بقدر الاستحقاق، ويتعقبون من تجاوز ذلك. وانظر في: «القديم والحديث» (ص ٢٩٧) لمحمد كرد علي فهو مهم.
وهذا باب من النقول موسع يقع الناظر عليه من خلال تراجم الرجال وسيرهم لاسيما الصحابة - رضي الله عنهم، ثم التابعون لهم بإحسان، ثم للورثة عنهم بحب سهامهم من ميراث النبوة، ومنه يتحصل أن تلقيب المرء نفسه بألقاب العلم والتزكية هو خلاف الأدب النافع، والسمت الصالح.
أما اللقب بهذا اللفظ بخصوصه فإني قد أجلت النظر فيه فوجدته لقباً غير سائغ لأمور منها سوى ما تقدم، ما يلي:
١ - إن هذا اللفظ المستورد هو في أصل إطلاقه من عدو لنا في دنيانا وآخرتنا، وقد علم من نصوص الشريعة المطهرة: أن من مباني الإيمان بغض أهل الإشراك، وعدم موالاتهم، والبعد عن التشبه بأعداء الله الكافرين حتى في الألفاظ، وهذا اللقب من هذا القبيل. وقد أبان جمع من الكاتبين عن ذلك، ومنه ما جاء في كتاب «منهج البحث الأدبي» إذ قال: (كثير من الدرجات لدى الغربيين من أصل إغريقي، أو لاتيني ثم تبناها الاستعمال الديني فكانت من مصطلحات الكنيسة ورجالها.
فالليسانس تعني في الأصل: الإجازة التي تمتح صاحبها حق أن يكون محامياً أو معلماً... ثم أطلقت على السنتين اللتين يمضيهما خريج الدراسة الثانوية في دراسة اللاهوت قبل أن يقبل للدكتوراه على مقاعد الدرس.
والدكتور في الأصل هو الذي يعلم علنا، وأطلقه اليهود على الرباني أو «الحاخام» العالم بالشريعة، وأطلقه المسيحيون على الذي يفسر الكتب المقدسة.
ودخل اللقب الجامعات لأول مرة بجامعة بولونيا في إيطاليا في القرن الثاني عشر ثم تبعتها جامعة باريس بعد قليل.
وفي عام ١٣٤٠ م جعلت جامعة باريس أربع كليات هي: اللاهوت، القانون، الطب، الفنون - أي الآداب والعلوم، وبقي اللقب في الكليات الثلاث الأولى دون الفنون، ولا يمنح إلا بعد دراسة صعبة قاسية تستغرق ما بين الـ ٨ - ١٤ سنة تعقبها مناقشة علنية يحصل الطالب فيها على أثر نجاحه فيها الدرجة - شعار الدكتوراه - وهي الجبة «الروب» والخاتم والقبعة المربعة، ولم يسمح لكلية الفنون - الآداب والعلوم - بلقب الدكتور إلا بعد الثورة الفرنسية بموجب مرسوم ١٧ مارس سنة ١٨٠٨م، الذي ينص على نظام جديد للدكتوراه، تمنح بمقتضاه في كلية الآداب والعلوم والقانون والطب، ثم ألغت الجامعة كلية اللاهوت سنة ١٨٨٥ م) انتهى .
ولعله بعدُ يتضح أن في استمراء هذا اللفظ والاعتزاز به ضرباً من ضروب التشبه في الظاهر، ونوع ركون في الباطن، ولا يجمل بالمسلم تكثير سوادهم.
وعن أيي ذر - رضي الله عنه -«ومن كثر سواد قوم فهو منهم»، رواه أبو يعلى، وغيره .
وأقل ما في هذا الوجه من المحاكاة أنه من مظاهر الذلة والضعة وتبعية المغلوب للغالب، والمسلم مطالب بالعزة والأنفة من التبعيات الماسخة المجردة من العوائد النافعة.
وما ألطف ما صاغه العلامة/ محمد الخضر حسين من كلام في ذلك مضمناً لمقولة ابن خلدون كما في «رسائل الإصلاح»: (م١٤٨ -١٥٠).
٢ - وأيضا فإنه من مبناه "دكتور" غربي مُحدَث لا يمت إلى اللسان العربي بصلة، فهو: أتيٌّ لا أصل له". (الأَتيّ: الغريب. كما في: «كفاية المتحفظ»: (ص ٤٦٧).
ففي إطلاقه نبد للغة العرب في شتن كلامها، ومناحي لغتها، وغض من شأنها، فهو إذاً من مواطن التخذيل، والمسلم مطالب بإحياء لغة القرآن وشدِّ الامة إليها وتحريرها مما يشوبها. واللغة كما يقول ابن جني: (أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم). فهل نعبر عن أغراضنا بغير لغتنا؟؟
[بواسطة القياس في اللغة العربية: (ص٧)، لمحمد خضر حسين، وقد تمالأ علماء اللغة على هذا التعريف كابن سيده في: المحكم، والمخصص، وابن فارس وصاحب القاموس، وغيرهم كما في : «كفاية المتحفظ»: (ص ٦٣ - ٦٤)].
ويقول ابن تيمية في «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص ٢٠٣): (إن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الامم التي بها يتميزون) اهـ .
وإذا كان اللحن يعد هجنة في اللسان تمسخ المعنى وتفسد المبنى. وفيه يقول عبد الملك بن مروان كلمته المشهورة: (اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه). [«المعجم لبقية الأشياء للعسكري: (ص٣٦)].
ويقول أيضا: (شيبني ارتقاء المنابر مخافة اللحن). [انظرها بواسطة كتاب سعيد الأفغاني في أصول النحو: (ص٩)، ط. جامعة دمشق ١٣٨٣هـ].
إذا كان كذلك فما بالك إذا انضم إليه نقص بنية اللغة من أطرافها واجتثاثها من أصلها حتى تصبح المولدات لغة للتخاطب، وزادا لحملة الأقلام؟
يقول البيروني/ محمد بن أحمد الخوارزمي المتوفى سنة ٤٤٠ هـ: (والله لأن اُهجَى بالعربية أحب إلي من أن اأُمدح بالفارسية).
. وقد قالوا: إن الكلام مشتق من الكلم- بفتح فسكون- الذي هو الجرح؛ لتأثيره في النفوس كما يؤثر الجرح، حتى قال الشاعر:
جراحات السنان لها التئام … ولا يلتام ما جرح اللسان
فكيف يجوز لنا أن نكلم ابنة عدنان وصالح ذريتها؟ إنها سموم إن تجرعها المسلمون تبدلوا الدخيل بالأصيل، والهجين بالفصيح، وصار سفط الكلام حليفا للغة القران؟
وإن المسلمين حقا أرجح عقلاً، وأرفع فهماً من أن يسلُّوا أيديهم من لغتهم الفسيحة المجال، الناسجة على أحكم مثال، ويضعوها في قالب لغات نُزعَ عنها أصالة الفصحى ولباس التقوى. فاللهم سلم.
يقول الشافعي - رحمه الله تعالى - في «الرسالة» (ص٤٨): (فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر، فيما افترض عليه من التكبير ، وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك.
وما ازداد من العلم باللسان، الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته، وأنزل به أخر كتبه - كان خيراً له، كما عليه يتعلم الصلاة، والذكر فيها، ويأتي البيت وما أمر بإتيانه، ويتوجه لما وجه له، ويكون تبعا فيما افترض عليه وندب إليه، لا متبوعاً) اهـ.
ويعلق المحقق أحمد شاكر- رحمه الله تعالى - على هذا بقوله (ص ٤٩): (في هذا معنى سياسي وقومي جليل، لأن الامة التي نزل بلسانها الكتاب الكريم يجب عليها أن تعمل على نشر دينها، ونشر لسانها، ونشر عاداتها وآدابها: بين الأمم الأخرى، وهي تدعوها إلى ما جاء به نبيها من الهدى ودين الحق، لنجعل من هذه الأمم الإسلامية أمة واحدة، دينها واحد، وقبلتها واحدة، ولغتها واحدة، ومقومات شخصيتها واحدة، ولتكون أمةً وسطاً، ويكونوا شهداء على الناس، فمن أراد أن يدخل في هذه العُصبة الإسلامية فعليه أن يعتقد دينها، ويتبع شريعتها، ويهتدي بهديها، ويتعلم لغتها، ويكون في ذلك كله كما قال الشافعي -رحمه الله تعالى -: تبعاً لا متبوعاً) انتهى.
٣ - إنه في معناه لا يحمل من الوقار والقيمة الأدبية في اعتبار المسلمين، ومن السمت الإسلامي النقيِّ من الشوائب، ما تخمله الألفاظ السائدة في أرضية البلاد الإسلامية مثل لفظ : شيخ، وفقيه ، ومحدث، ومفسر، واستاذ...
[اجتماع السين والذال في كلمة، هل تكون عربية أو معربة؟ فيه بحوث متكاثرة تجد مجامعها في «لجام الأقلام» لأبي تراب: (ص ٥٧ - ٧٥)، وانظر: «جمع الجوامع» (٢/ ٣٦٤)].
ومعيد…
[ انظر: «معيد النعم ومبيد النقم» للسبكي: (ص١٠٨)]،
… وأديب، ولغوي، ونحوي، ونحوها من الألفاظ التي يعنى بها ما يحدده مفهومها، فيعطى كل ما يستحقه من لقب يحدد اختصاصه ويوائم منزلته، ويدلُّ عليه بجلاء كفلق الصبح.
وتجد أصل هذا في السنة المشرفة حيث أعطى النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة - رضي الله عنهم - ما يستحقه من وصف؛ لعلمه الذي برز فيه: فاقرأ الصحابة أبي بن كعب - رضي الله عنه، وأفرضهم زيد، وأقضاهم علي، ومعاذ أعلمهم بالحلال والحرام. ودعا لابن عباس -رضي الله عنهما - بالفقه في الدين وعلم التأويل لكتاب الله الكريم فسماه الصحابة -رضي الله عنهم: البحر، ورباني هذه الأمة ولقب بترجمان القرآن .
وهكذا تجد هذا النمط في صحابة رسول الله فذ كما تجده منثوراً في تراجمهم من كتب الصحابة كـ «الاستيعاب» و «الإصابة» وفي فاتحة «إعلام الموقعين» جملة وافرة منها. وهكذا درج أهل العلم في إعطاء كل ما يستحقه من لقب من غير إسراف ولا تفريط.
[«إعلام الموقعين»: (ص ١١، ٣٠)، وفي «التراتيب الإدارية»: (١/ ٥) نقلا عن الحاوي أن أول من لقب شيخ الإسلام هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وفي «كنز العمال»: (١٠/ ٢٨٠) إطلاق لفظ العلامة على العالم بالأنساب].
قال العامري في «الأمد على الأبد» (ص٦٢): (إن من برع في حفظ اللغة وصف بأنه لغوي، ومن تمهر في علم الإعراب وصف بأنه نحوي، ومن حذق في قوانين العروض وصف بأنه عروضي، ثم إذا جمع بين هذه الأبواب الثلاث واقتدر بها على نظم الكلام ورصفه قيل إنه أديب على الإطلاق. كذا من برع في علم التقادير يوصف بأنه مهندس).
أما هذا اللقب «دكتور» فهو مضطرب الدلالة إذ يستوي في إطلاقه كل من نال هذه الرتبة النظامية من طبيب، وبيطار، ولغوى، وأديب، وفقيه، ومحدث، ومهندس [أصلها: مهندز، انظر: «مقدمة القاموس» : (١/ ٥)].
وهكذا من كافر أو مسلم، صالح أو غير صالح، فالرؤوس به مستوية، وإذا استوت الرؤوس فعلى الطهر والصلاح العفاء.
والتسوية من هذا القبيل مخالفة لسنن الفطرة، وقد علم أن الألفاظ كالمعارف للمعاني فيجب أن يكون اللفظ ملائماً لمعناه وبقدره، كما يجب أن يكون الثوب ملائماً للجسم المعروفى فيه وبقدره.
يقول إبراهيم بن المدبر في «الرسالة العذراء» (ص ٣٢): (وشبهت الحكماء المعاني بالغواني، والألفاظ بالمعارض، فإذا كسا الكاتب البليغ المعنى الجزل لفظاً رائعاً، وأعاره مخرجاً سهلاً كان للقلب أحلى، وللصدر أملى، ولكنه بقي عليه أن ينظمه في سلكه مع شقائقه كاللؤلؤ المنثور، الذي يتولى نظمه الحاذق والجوهري العالم الذي يظهر بإحكامه الصنعة له حسناً هو فيه، ويمنحه بهجة هي له، كما أن الجاهل إذا وضع بين الجوهرتين: خرزة، هجن نظمه وأطفأ نوره) انتهى .
وفي «طبقات المفسرين» للداودي (٢/ ٣٧)، في ترجمة أبي عبيد، قال: (مثل الألفاظ الشريفة، والمعاني الظريفة، مثل القلائد اللائحة في الترائب الواضحة . وقال: إني لأتبين في عقل الرجل أن يدع الشمس ويمشي في الظل) اهـ.
وينتظم هذا كلام لطيف للزمخشري في «ربيع الأبرار» إذ يقول: (قل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب، ولم تزل في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في المخاطبات والمكاتبات من غير نكير، غير أنها كانت تطلق على حسب استحقاق الموسومين بها .
وأما ما استحدث من تلقيب السفلة بالألقاب العلمية، حتى زال التفاضل وذهب التفاوت وانقلبت الضعة والشرف، والفضل والنقص، شرعاً واحداً؛ فمنكر.
وهب أن العذر مسوط في ذلك فما العذر في تلقيب من ليس له في الدين بقبيل ولا دبير ، ولا له فيه ناقة ولا جمل، بل هو محتو على ما يضاد الدين وينافيه: بجمال الدين وشرف الإسلام؟ هي لعمر الله الغصَّة التي لا تساغ، والغبن الذي يتناثر الصبر دونه، نسأل الله إعزاز دينه، وإعلاء كلمته، وأن يصلح فاسدنا، ويوقظ غافلنا .
وكم من أسامٍ تزدهيك بحسنها … وصاحبها فوق السماء اسمه سَمجُ
[«ربيع الأبرار ونصوص الأخيار»: (٢/ ٣٨٤ -٣٨٥)].
ويقول ابن حزم - رحمه الله تعالى -في كتابه «نقط العروس» في مبحث الألقاب (٢/ ١٠١ - ١٠٢) رسائل ابن حزم: (وانخرق الأمر واتسع ورذل جداً حتى سمي بهذه الأسماء في المشرق والمغرب السماسرة واللصوص والأنذال ورذالات الناس وتطايب الناس بذلك حتى لعهدي بالعامة تُسمي رجلاً من أهل قرطبة يسمى أسيد بن حبيب -أيام المستكفي: أمل الدولة. ليري الله عباده هوان ما تناحروا عليه وباعوا دينهم وأخلاقهم وما غالوا به. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقيقاً على الله تعالى أن لا يرفع الناسُ شيئاً إلا وضعه (الله)، أو كلاماً هذا معناه، ولاح أن الحقيقة إنما هي العمل لدار البقاء والخلود، بما يرضي الله تعالى، والعدل في البلاد، والعمل بمكارم الأخلاق، وحمل الناس على الكتاب والسنة، والاقتصار من حطام الدنيا الفاني الرذل على ما لا بد منه، فهذا هو الذي لا يقدر عليه سخيف، ولا يطيقه ضعيف.
وبهذا يتبين فضل الفاضل القوي على الساقط المهين، لا بأسماء يقدر على التسمي بها كل نذل خسيس واهن، ولا بملابس لا تصلح إلا للجواري، أو بكل ما يصح في الكف من نشب [في: م، خسرو مهر، أي خاتم الملك]، أو بمشار تذهب عقل شاربها، وتلحقه بالمجانين.
ولقد كانت دولة عبد الملك وبنيه الوليد ويزيد وهشام وعمر بن عبد العزيز لا عضد لها ولا عماد ولا لقب إلا أسماؤهم وأسماء آبائهم فقط، وقد طبقت الدنيا طاعة واستقامةً ونفاذ أمرٍ، وهي الآن أكثر ما كانت أعضاداً وعُمداً، وقد طبَّقَت الدنيا خساسةً وضعفاً ومهانةً، ولله الأمر من قبل ومن بعد وحسبنا الله ونعم الوكيل) انتهى .
وللشاعر محمد رضا الشبيبي العراقي -رحمه الله تعالى - مقطوعة شعرية، فائقة الحسن قال فيها:
فتنة الناس وقينا الفتنا … باطل الحمد، ومكذوب الثنا
رب جُهمٍ حولاه قمراً … وقبيح صيراه حسنا
أيها المصلح من أخلاقنا … أيها المصلح، الداء هنا
كلنا يطلب ما ليس له … كلنا يطلب ذا حتى أنا
ربما تعجبنا مُخْضرة … أربعٌ في الأصل كانت دِمَنا
لم تزل ويحك يا عصر أفق … عصر ألقابٍ كبار وكنى
حكم الناس على الناس بما … سمعوا عنها وغشوا الفينا
فاستحالت وأنا من بعضهم … أذني عينا وعيني أذنا
أخطأ الحق فريق بائس … لم يلومونا ولاموا الزمنا
إننا نجني على أنفسنا … حين نجني ثم ندعوا من جنى
خسرت صفقتكم في معشر … شروا المال وباعوا الوطنا
أو عصوه ولو أعاضوا به … هذه الدنيا لقلَّت ثمنا
يا عبيد المال خير منكم … جهلاء يعبدون الوثنا
انني ذاك العراقي الذي … ذكر الشام وناجى اليمنا
إنني أعدُّ نجداً روضتي … وأرى جنة عدني عدنا
انتهى من مجلة اللغة العربية بمصر (٢٢/ ١٩٥)( ٧/ ٢٨٩). ويريد بالبيت الأخير ، أي: «في الدنيا».
إذا ففي هذا الإطلاق ضروب من التعسف والمناكدة، وكسر اعتبارات المفاهيم السليمة، وتقليل ضمني من شأن هذه الألقاب القويمة في مبناها، الدقيقة فيما تعنيه. ومن وراء ذلك ففي هذا الإطلاق قضاء على هذا السنن القويم، والمنهج السليم على المدى البعيد، وواجب والله على الامة المحمدية في يقظتها أن تنابذ التبعيات الماسخة قبل انطماس معالمها الشريفة في عين فتنة التغريب الحمئة.
وأقول: انظر إلى أعظم معقل للعلم في عصور كثيرة «الأزهر»، لما تكاثر فيه هذا اللقب تساقط زهره، فالله المستعان.
٤ - في التحلي به على هذا المنوال الفخري أنانية ينوء بملاقاتها أرباب الذوق الرفيع. والأنانية عقبة كؤود لا يقتحمها إلا المتخلصون من عرائقها، المتحلون بالسمت الإسلامي في جو تلكم الأهواء الهادرة؟؟ فانظر من أيهما أنت ؟؟؟
٥ - في نصب شعار التغريب للألقاب العلمية على المتعلمين من مواليد أهل الإسلام نافقاء لشحن فؤاد الناشيء بأنه وليد حكة تعليمة غربية ... فلها من المردودات المضادة ما الله به عليم: من هبوط في مستوى الاستقلال والذاتية، وتشكيك في القدرة على الإبداع والابتكار، ودبيب للتغريب بفعالية إلى جوهره وموضوعيته. فما يلبث ذلك الوليد إلا وقد وقع أسيراً في فتنة التغريب، ينثر صداها الناقع في جم أمته وقبيله.
٦ - تعريف المرء نفسه بانفتاح باب قالة الناس من أنه يحمل الاسم بلا حقيقة، فهو مزجى البضاعة، ومهما كست هذا اللقب من الدعاية فلن يملأ فراغاً يحس به الناس ويعتقدونه .
وما أجمل بالمرء أن يعيش تحت ستر الله، ومن كان صافي الجوهر، عميق المادة فأمام الحقائق تتلاشى المظاهر وتزول؛ كتقلص الظل وزوال الخيال.
يقول العامري في «الأمد على الأبده»: (ص٩٧): (الفائز بالحكمة الحقيقية، والمرتاض بالعبادة الخالصة هو الموصوف بالفضيلة المطلقة، فإذا كل من لم يكن حكيماً متعبداً، فإن إطلاق وصف الفضيلة عليه لن يكون إلا بمنزلة الظل والخيال).
ومن المليح قول مالك - رحمه الله تعالى: (إنما فسدت الأشياء حين تعدي بها منازلها) كما في «المدخل» لابن الحاج: (١/ ١٢٨).
وعليه فمن خلال هذه الوجوه جميعها أو بعضها ينبغي لطلاب العلم والمعرفة من أهل الإسلام ما يلي :
١ - اقتحام عقبة الأنانية بالابتعاد عن إطلاق هذا اللقب لا يلوي به لسانه، ولا يطوي عليه جنانه. فلا يحتئ أن يطلقه المرة على نفسه ولا أن يلقب به غيره، وما يقتحم تلكم العقبة إلا الرجال المتخلصون من عوائقها، الثابتون أمام أجواء التغريب المتلاحقة. وما أحسن ما رواه البخاري في كتاب الأذان من «صحيحه»": أن عبيد الله بن عدي بن خيار دخل على عثمان -رضي الله عنه - وهو محصور، فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة ونتحرج. فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم» . [نظر: عمدة القارىء شرح صحيح البخاري»: (٥/ ٢٣٠)].
فما موقع هذه التبعية الغربية من كل وجو من هاتين المنزلتين ؟؟؟ وهل يحق للمقلد الافتخار؟؟؟
٢ - أن تأخذ الجامعات خطوة جادة إلى الأصل الإسلامي في تسمية الإجازات العلمية بما يتفق ومقوماتنا، ويعيدنا إلى سنة الرمز الإسلامي والتزامها خشية غيابها ويبعد عار التبعية والاستجداء عنا، مع توحيد الاصطلاح العلمي للشهادة النظامية على اختلاف درجاتها في الجامعات كافة، لا أن تنفرد كل جامعة باصطلاح مقابل.
وإني وأنا اسجل الأحرف الأخيرة من مقالتي هذه أحس بانفتاح باب الأمل في أن تجد هذه الدعوة ترحيباً يسير بها عَنَقاً فسيحاً؛ تحقيقا لإيجابية الحفاظ على عروبة لغتنا وأصالة منهجنا، لاسيما في جامعاتنا الكريمة القائمة على صُعدات جزيرة العرب، إذ هي قلب الامة وعاصمتها، والرقعة الإسلامية على امتدادها بمثابة الجسد «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله».
وجميع الأمة رأس مال فيجب على كل مسلم أن يحافظ على رأس ذلكم المال فلا يؤتى من قبله أولاً، ويذب عن حزته وحماه ثانياً، ولا يحقرن من المعروف شيئاً.
ولبعض علماء الشريعة كلمة لطيفة تفيد أولوية ذلك على قتال المشركين، ذلك أنه من قبيل حفظ راس مال الإسلام، وقتال أهل الشرك طلباً للربح، وحفظ رأس المال أولى من طلب الربح.
وقد ألمح إلى هذا المعنى الحافظ ابن حجر نقلاً عن ابن هبيرة-رحمه الله تعالى-كما في «فتح الباري»: (٣٠١/١٢).
وإن ما في مقالتي أيضاً لا يعني ذلك المصطلح بخصوصه، وإنما يعني أن تكون انطلاقة من دور العلم، ومعاهد التعليم، لمد ظلال التعريب والتصحيح ورد العامي إلى الفصيح، ومواجهة زحف التغريب للمصطلحات العلمية التي يبثها الغرب في كل وقت وآنٍ حتى ينطوي بساط تلكم الفتنة.
ويقول بعض الكاتبين في ذلك: ولقد ذكر عبد العزيز بن عبد الله المعروف بجهده الخصب في باب المصطلح العلمي الحديث أن (ما تزخر به مخابر الكشوف في الأسواق الدولية من مصطلحات يبلغ عددها خمسين مصطلحاً كل يوم). فلنقف عند هذا العدد قليلاً.
ولنسأل هذا السؤال: إذا سمحنا لهذه المصطلحات أن تدخل اللغة العربية بصورتها الأجنبية دون أن نضع لها أو لمعظمها المقابلات العربية العلمية... فكم سيكون عدد تلك الألفاظ الدخيلة في لغتنا على مدى قرن واحد من الزمان، ثم قرنين، ثم على خمسة، ثم على عشرة ..؟؟؟
هذا إذا افترضنا أن العلم لن يتطور، وأن المصطلحات لن تزداد، وأن النسب المذكورة ستظل ثابتة خلال هذه القرون.
وأرجو من الله المانِّ سبحانه وحده أن يحقق التعريب أمام التغريب؛ فإنه بتحقيقه مع التزام وسائل الإعلام والدعاية به يقضي على هذه المشكلة وينفيها عن أرضنا، أو يصيبها بتعطر حتى تمشي على استحياء وتتسلل لواذاً من بيننا.
[انظر: «حركة التصحيح اللغوي في العصر الحديث» للأستاذ محمد ضاري جمادي: ص ٢٨٣ - ٢٨٤)].
يقول الأستاذ/ رمضان عبد التواب: (وفي رأيي أنه لو صاحبت دخول الـمخترع الأجنبي إلى البلاد العربية وضع لفظ عربي له، وتحمى وسائل الإعلام والصحافة للدعاية له، لقضي على الكثير من مظاهر هذه المشكلة من أساسها، وإنك لتعجب حين ترى الألمان يقومون بمثل ما ننادي به هنا، ومعظم المخترعات لها عندهم أسماء ألمانية خالصة، فالتلفون مثلا هو عندهم ... والتلفزيون ... وغير ذلك.،وفي قدرتنا النسج على هذا المنوال للحفاظ على عروبة لغتنا).
[بواسطة المرجع المذكور، وانظر في التعريب: مجلة الضياء، الجزء الأول لعام ١٨٩٩م، (ص٤٤٩، ٥١٣، ٦٠٩، ٧٠٥)].
إن استشراء تلكم الألفاظ بلا تعريب دلالة الجهل، ولا علاج للجهل إلا بالعلم، ولا يكون إلا عن طريق أهله وإن لغة العرب التي لا يعلم لها نظير في لغات العالم في حيويتها واتساع مادتها وقد جاء فيها ما ينيف على ألف اسم للسيف كما في (القاموس) في مادة (سيف) وهكذا، كالخيل، والخمرة، نحوهما مما له من الأسماء كثر.
يقول الشافعي في «الرسالة» (ص ٤٢): (ولسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه) اهـ .
لن يكون إذاً بعسير على علمائنا تعريب ألقابهم وما جرى مجراها من كل وافي، وقد قام رجال في صدر القرن المنصرم الرابع عشر الهجري، وفي عقوده كافة بتعريب طائفة كبيرة من تلكم المصطلحات فمثلا (الليسانس) البديل لها (العالية)، والماجستير (العالمية) والدكتوراه (الاستاذية) أو (العالمية العالية) وهكذا…
فإلى جامعاتنا في هذه الديار الكريمة وقد أفاء الله عليها بأسباب الاقتدار أوجه الدعوة في إنشاء مجمع للغة العربية يهدف إلى نشرها وحمايتها، فهل من تزكية؟؟ وهل من مجيب؟؟؟
وأوكد لمن يتجهم أمامهم اقتلاع هذه المولدات؛ لوجود الاستسلام الذريع لها من طبقات الناس كافة، أن هذا في الحقيقة لا يعدو أن يكون كالوعكة والصداع العارض ما يلبث أن يزول، ما دام أن ثمة جهد متواصل ونزعة متينة للتعريب، وأذكر على سبيل المثال أن كلمة (أتوبيس) وفدت إلى هذه الجزيرة مع قدوم ذلك النوع من السيارات، وقبل سنوات قليلة رسم عليها التعريب لها باسم (الحافلة) فأصبح التعريب هو المنتشر، وأخذ الأول في الغياب، هذا وهو في جو العامة. فكيف إذا بدأنا بانطلاقتنا من دور العلم وشحنا بذلك أفئدة طلابه؟
أما الضربة القاضية على التغريب، وتداول المصطلحات الأجنبية فهي أن لا تدخل البضائع المصنعة في البلاد، إلا وقد وضع لها الاسم العربي، ويكون تداول هذه البضاعة رسمياً وتجارياً وإعلامياً بالاسم العربي لا غير.
وأخيراً . . فلا يحسبن أحدٌ أنني بهذا أدعو إلى التأخر عن نيل مثل هذه الرتب العلمية، لا وكلا، بل أرى ما فوق ذلك وهو أن يجد الطالب في الترقي إلى أقصى درجات الطلب، وأن يهب حياته ويتفانى في سبيل العلم وخدمته، فيكون كما أثر عن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: (من المحبرة إلى المقبرة)، وكما قال سهل بن عبد الله التستري: (اجهدوا أن لا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر)، وسئل: إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: (حتى يموت، ويصب باقي حبره على قبره).
لكن لا ينبغي لنا بحالي أن نتعلق بالشكليات، وزخرف الألقاب فيقيم الناس على حب ألقابهم، فإن هذا من خطل الرأي المنتج لإسناد الأمر إلى غير أهله، إذ الامور مرهونةٌ بحقائقها، فالعبرة بجوهر الإنسان ومعناه لا بزخرف لفظه ومبناه.
وبهذا تسلم من الدخول في قالب سجناء الألفاظ الذين عناهم ابن القيم في «إعلام الموقعين» (٤/ ١٩٣): بقوله: (وأكثر الناس نظرهم قاصر على الصور لا يتجاوزونها إلى الحقائق، فهم محبوسون في سجن الألفاظ، مقيدون بقيود العبارات، كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، ولو شاء ربك ما فعلوه، فذرهم وما يفترون، ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه، وليقترفوا ماهم مقترفون}.
ويقول أيضا:
(وإذا لاحت الحقائق فكن أسعد الناس بها وإن جفاها الأغمار).
انتهى ما أردت تحريره في الطائف المحروس، ضحوة يوم الخميس الموافق لليوم الرابع عشر من شهر ذي القعدة من عام اثنين وأربعمائة وألف من الهجرة النبوية .
والحمد لله رب العالمين .
===================================
ملحقان لهذه الرسالة:
١ - بحث منقول من «مجلة الضياء» في عامها الثالث ١٩٠٠ م، لصاحبها: إبراهيم اليازجي: (ص ٦٥٤، ٦٧٦، ٧١٣).
٢ - مقال نشر في «مجلة الدعوة» في الرياض، عددها: ٩٤٩، بقلم عبده زايد .
***
(1 ) كليات أمريكا الجامعة وألقابها العلمية
بقلم/ حضرة الأديب شحادة أفندي شحادة نزيل أميركا
يوجد في الولايات المتحدة أربع وخمسون مدرسة كلية ما عدا المدارس العليا التي تعد بالآلاف، وتختلف هذه الكليات في العظمة والأهمية فمنها ما لا ينبغي أن يطلق عليها إلا اسم مدرسة عالية، ومنها ما قد خدمت البلاد في مباحثها العلمية وجمعت من أكابر الأساتذة وأخرجت من ألوف الطلبة ما حق لها به أن تعد في مصاف أعظم كليات العالم. ومن النوع الأخير تعد كلية «مشيكن» الجامعة و «هارفرد» في ضواحي بوسطن و«يائيل» في نيوهافن و «كولمبيا» في نيويورك. وليس في العالم بلاد انتشرت فيها الكليات بالسرعة والكثرة اللتين انتشرت بهما في أمريكا، لما أن البلاد كثيرة الخيرات وعند أهلها رغبة عظيمة في التهذيب والوقوف على الحقائق العلمية ولاسيما ما كان منها وسيلة إلى اكتساب الماديات .
وأقدم كليات أميركا كليتا: «هارفرد ويائيل» الجامعتان وكلتاهما أسستا في القرن السابع عشر على نظام كليات انكلترا، كما أن كليات انكلترا إنما اقتبست نظامها عن مدارس فرنسا وإيطاليا وألمانيا. ولا يطلق على مدرسة لقب كلية (College) أو جامعة (University) إلا بإذن خاص من حكومة الولاية، ويدخل تحت هذا القانون كل كلية، سواء انشئت على نفقة الحكومة أو بعض ذوي الغيرة من الأهالي، وسواء كانت علمية أو دينية. وكذلك فإن حق منح الألقاب العلمية لا يكون إلا بعد نيل الإذن من حكومات الولايات، وهذا أيضاً مأخوذ عن نظام الكليات الأوروبية، وقد ابتدأت فيها هذه العادة في القرن الثالث عشر، وانتشرت مع انتشار الكليات في القرون التالية.
ومما يجدر بالذكر هنا أن تسعة أعشار كليات أميركا الكبرى انشئت في الخمسين سنة الأخيرة، وقد بلغ بعضها في هذا الزمن القصير الغاية القصوى من العظمة والشهرة. فكلية كاليفورنيا الجامعة تعد الآن مع حداثة عهدها من كليات أميركا العظمى.
ولكثير من هذه الكليات أوقاف عظيمة فإن «ستنفرد يونيفرستي» في كاليفورنيا تحسب أغنى كلية في العالم؛ لأن مسز ستنفرد وهي التي أنشأت هذه المدرسة بذلت كل ما تملك من الملايين لتأسيسها وامدادها، إلا أن مقامها العلمي لا يعلو مقام «كلية براون» في مدينة بروفيدنس وألقابها العلمية لا - تعتبر بمنزلة الألقاب التي تمنحها «كلية براون» مع أن هذه دون تلك ثروة وعدد تلامذة، إلا أنها أقدم منها عهداً، وأعظم خدمة للعلم.
على أن مستقبل «ستنفرد» سيكون عظيماً جداً بالقياس إلى سرعة نمو كاليفورنيا، وبما لديها من المال الجزيل، اللهم بشرط! أن يطلق للأساتذة أن يشبعوا ما شاءوا من المباحث العلمية والدينية والسياسية والاقتصادية، لآنه متى قيدت أفكار الأساتذة بمذهب مخصوص فقدت الكلية مزيتها؛ إذ الحرية في البحث والاستقلال في الرأي من أهم دعائم الكليات الجامعة.
وقد لاحظت مدة إقامتي في كاليفورنيا، وأيضا مدة إقامتي في شرقي الولايات مما قرأته في المجلات أن مسز ستنفرد مقيدة المدرسة بخطة لا تتعداها، حتى اتفق حديثاً أن أحد الأساتذة نشر مذهباً اقتصادياً مخالفا لميل مسز ستنفرد فأجبر على الاستعفاء. وإنما ذكرت هذا الحادث لأنبه القارئ إلى أن المال ليس الأساس الوحيد الذي تبنى عليه الكليات الجامعة، بل قد يكون أحياناً حجر عثرة في سبيل الوصول إلى الحقائق العلمية، وعندي أن مدرسة فقيرة فيها نفر قليل من المدرسين، وعدد يسير من الطلاب تطلق فيها الحرية للبحث والاستقراء أجدر بلقب كلية جامعة من مدرسة يعضدها المال الوافر، ويضيق فيها على الأفكار، وتلزم في المباحث حدا لا تتجاوزه.
قلت: إن منح الرتب والألقاب مقتبس عن كليات أوروبا في الأعصار المتوسطة فلقب بكالوريوس علوم (.B .A) أو (B .A) كانت تمنحه عمدة المدرسة في أوربا لمن تجده بعد الفحص أهلاً للتدريس، وكذا لقب دكتور في اللاهوت (D .D) ولقب دكتور في الشريعة (T .L.L)، وما شاكل ذلك فإنها كانت تعطى للذي يدرس هذه الفروع في الكلية مدة مرسومة، ويثبت عند الامتحان أنه قد حصل من العلم أو اللاهوت أو الشريعة ما يؤهله لنيل تلك الرتبة.
وكذا في أميركا فإن «كلية هارفرد» في القرن السابع عشر نالت من حكومة انجلترا الإذن في إعطاء الألقاب العلمية بعد الفحص ثم لما تحررت البلاد، وكثرت الكليات، صارت تستمد هذا الحق من حكومة كل واحدة من الولايات التي انشئت فيها.
ويوجد في العالم العلمي ما ينيف على متتي لقب، ولا نعني بهذا أن كل واحدة من الكليات تمنح هذا العدد من الألقاب، فإن «هارفرد» مثلا تهب اثني عشر لقباً، «ويائيل» تعطي خمسة عشر و «مشيكن» تمنح عشرين، ولأجل ذلك يصعبُ عليَّ أن أبين ماهية كل لقب، واشير إلى أهميته ومعناه.
على أنه يوجد خمسة ألقاب تمنحها جميع كليات العالم العظيمة بالتقريب، وخصوصا في أميركا، اوهي :
١ - لقب بكالوريوس علوم (.R .A).
٢ - لقب معلم علوم (.A .M) .
٣ - دكتور في الفلسفة (.D .PH).
٤ - دكتور في اللاهوت (.D D).
٥ ـ دكتور في الشريعة (.D .L.L).
وهذه ما خلا لقب دكتور في الطب (D M) فإنه من خصائص المدارس الطبية. أما لقب بكالوريوس علوم فينال في كل كلية بعد درس ثلاث أو أربع سنوات، ولكن بعض الكليات لا تهبه إلا لمن يتلقى في تلك المدة علوماً مخصوصة كاللغة، والإنشاء، والتاريخ، والفلسفة، والمنطق، وغيرها، ولكنه لا ينال في كلية من الكليات إلا بعد الامتحان أي أن لقب بكالوريوس علوم لقب امتحان لا لقب شرف.
وأما لقب معلم علوم فينال بعد لقب بكالوريوس علوم، وبعد المواظبة على الدرس والمطالعة مدة سنة أو سنتين، وبعض الكليات لا تهبه إلا بعد الإقامة في المدرسة ثلاث سنوات، واستماع الخطب والحضور ساعات التدريس.
وأما لقب دكتور في اللاهوت فيعطى للقُسُوس الذين بعد فراغهم من درس العلوم اللاهوتية يخصصون أوقاتهم للتبشير أو التعليم اللاهوتي، بشرط أن يمتازوا في هذه العلوم امتيازاً ظاهراً.
وأما لقب دكتور في الفلسفة فيشترط لإعطائه في الكليات الكبرى أن يقيم الطالب فيها لا أقل من سنتين، وفي بعضها أن يقيم ثلاث سنوات، ولا بد أن يكون قبل ذلك قد حاز لقب بكالوريوس علوم، وقد يشترط أن يكون نائلاً لقب معلم علوم. والكليات الكبرى لا تهبه إلا بعد الفحص، وبعد أن يؤلف الطالب كتاباً أو مقالة وضعية في فن من الفنون بحيث تتحقق عمدة الكلية أنه عالم يستحق ذلك اللقب.
وأما لقب دكتور في الشريعة فهو لقب شرف بمعنى أن منحه لا يختص بمن قضى المدة المفروضة لتناول هذا العلم في المدارس النظامية، كما أنه لا ينحصر في المحامين، ودارسي الشريعة، بل قد أصبح يعطى من المدارس الكبرى مكافأةً لبعض ذوي الإفضال ممن خدم البلاد خدمة جليلة، بشرط أن يمتاز في شيء من العلوم، ولو لم يكن من المتمكنين في فن المحاماة، ولذلك ترى أن هذا اللقب قد فقد معناه الأصلي فصار يعطي للسياسي كمكنلي، والواعظ كأبوت، والحاكم كولكت وغيرهم .
على أنهم قد استحدثوا ألقابا أخر تعطى لمن انفرد في طب علم مخصوص، فمن تلك الألقاب لقب: بكالوريوس فلسفة (.B .PH) ومعلم فلسفة (.M .PH) وبكالوريوس بلاغة (Lit .B) وبكالوريوس في الحيوان (.B Z) وبكالوريوس في النبات (.R .B) وغير ذلك.
وأهمية الألقاب تختلف باختلاف الكليات التي تنال منها، فحامل لقب من كلية يائيل، أو هارفرد، أو مشيكن، أو كولمبيا، أو يوحنا هبكنس يعد أعلى رتبة في المقام العلمي ممن ينال مثل ذلك اللقب من إحدى الكليات الأخر، وذلك أن الكليات المذكورة لها المنزلة الأولى بين مدارس أميركا، حتى تعد في رتبة أعظم كليات ألمانيا وانكلترا وفرنسا. على أن كليتي هارفارد ويائيل قد سبقتا كليات أوروبا في الميكانيكيات، وكذلك في بعفى العلوم الطبيعية، ولو كان لتلامذة أوروبا من المال ما لتلامذة أميركا لقصدوا الولايات المتحدة ليتلقوا بعض العلوم، كما يذهب تلامذة الأميركان إلى أوروبا لتتميم دروسهم.
بيد أن الذي جعل رتب وألقاب أميركا العلمية رخيصة هو: سهولة تحصيلها، وكرم بعض الكليات في إعطائها، وانتحال بعض المدارس فيها اسم كليات، أو كليات جامعة، وهي غير أهل له.
والذي زاد احتقار رجال العلم في أوربا وأمريكا للألقاب العلمية هو كثرة منحها على سبيل الشرف، أي: بغير فحص ولا امتحان، بحيث التبست الألقاب الحقيقية بالألقاب الزورية وصار ينالها غير المستحق كالمستحق .
وقد تفاقم شرّ هذه الألقاب في أواخر القرن الغابر إلى حد فاحش فقد أخبرني بالأمس الاستاذ «كانت» مدرس اللغات القديمة، والمباحث اللاهوتية في كلية براون الجامعة: أنه يعلم عن ثقو أن بعض الكليات الصغرى وعلى الخصوص في غربي الولايات وجنوبيها كانت تبيع الألقاب بالدرهم. وذكر لي الدكتور فونس رئيس كلية برون: أن بعض هذه الكليات تؤسس على أن تكون مدارس عالية، ولكنها تؤمل أن تنمو وتعظم وتصل إلى درجة الكليات الكبرى.
فعوضاً عن أن تقتنع باسم مدرسة عالية، وتنتظر إلى أن يزداد رأس مالها المالي والعلمي والأدبي، وتتسع فيها حلقات الدروس، وتتشعب فروعها إلى فنون مختلفة كالطب، والشريعة، واللاهوت، وغيرها، حتى تنال لقب كلية جامعة، تنتحل لنفسها هذا اللقب من أول تأسيسها، ثم تنال من حكومة الولاية التي تكون فيها حق منح الشهادات، فتأخذ في توزيع الألقاب العلمية بسخاء لا مزيد عليه. فمثل هذه المدارس أشبه بمثل تلك السيدة التي كانت تحدث نفسها؛ فقالت: إن ابنتي ذات عقل وجمال وأدب، فهي إذا بلغت مبالغ النساء كانت ولا شك أهلاً؛ لأن تكون زوجة طبيب، وإني لأتمنى أن يكون ذلك الطبيب اسمه «جونسن»، فإني أحب هذا الا سم، ثم أخذت تتكرر عليها تلك الأحلام حتى قررت أخيراً أن ابنتها سوف تقترن بطبيب اسمه جونسن، وما اكتفت بذلك بل أوصت نقّاشاً أن ينقش لها على قطعة نحاس اسم الدكتور جونسن، ثم وضعت تلك القطعة على باب منزلها، غير أن آمالها لم تتحقق، ولم تنل من االدكتور «جونسن» إلا اسمه. وهكذا حالة تلك المدارس فإنها لم تحصل من الكليات الجامعة إلا اسمها ... والحق يقال فإن الألقاب من هذه المدارس ليست إلا حبراً على ورق، وصاحبها لا يمتاز في منتديات العلم الكبرى على من لا لقب له، فهي أشبه شيء بهذه النياشين والرتب التي كثر إعطاؤها في الشرق في هذه الأيام، فربما توهم حاملها أنها قد أكسبته شرفاً باذخاً، وفخراً رفيعاً، ولكن الحقيقة أن مقامه لا يزال كما كان عليه، لم يرتفع في عيون الناس شبراً.
والذي زاد في الطين بلة أن كثيراً من مدارس أميركا هي مدارس طائفية أعني أن بعضها أسسها الماثودست، وبعضها أسسها البيتست، وبعضها أسسها الاسقفيون؛ فتجتهد كل واحدة منها أن تكثر عدد دكاترة اللاهوت من قيسيها طلباً للمباهاة والمكاثرة. وبعض تلك المدارس تهب لقب دكتور لاهوت لأناس لا يعرفون أن يقرأوا التوراة بالعبرانية، ولا إلمام لهم بشيء من اليونانية، بل قد عرفتُبعضاً من أولئك القسوس الدكاترة لا يميزون بين سوريا وأرمينيا، أو بين آسيا الصغرى والأرض المقدسة. ولقد كانت نسبة دكاترة اللاهوت سنة ١٨٨٢ م إلى سائر قسيسي البلاد كنسبة ١ إلى ٧، أو ما يقرب من ١٥ في المئة، وهذه ولا شك نسبة فاحشة، على أنه لو اقتصرت الكليات على الألقاب في الفروع التي هي من اختصاصها لهان الأمر، وخف بعض البلاء، ولكنك كثيراً ما ترى المدارس العلمية مثلاً تهب لقب دكتور لاهوت ، أو لقب دكتور في الشرع، وقس على ذلك .
وقد تمادت الكليات وعلى الأخص في الثلث الأخير من القرن الغابر في منح لقب دكتور في الفلسفة بدون امتحان طالب اللقب، حتى أنه في سنة ١٨٨٩ م أعطت مدارس أمريكا الكبرى لقب دكتور في الفلسفة لمثة وواحد وعشرين شخصاً، ولم يكن بينهم غير واحدٍ وسبعين شخصاً نالوه بعد الامتحان، والخمسون الباقون نالوه كلقب شرف أي أن الذين نالوه شرفاً كانوا على نسبة ٤٢ في المئة، حالة كونهم في ألمانيا لم يزيدوا على ١.٥ في المئة، أي أنه من كل مئتين ممن نالوا لقب دكتور في الفلسفة لم يكن إلا ثلاثة نالوه شرفاً، والباقون لم يعط لهم إلا بعد الامتحان، والثقة من أهليتهم واستحقاقهم فلا غرو بعد هذا إذا كان حائز لقب دكتوراة الفلسفة من ألمانيا يفتخر بلقبه على من حاز نفس هذا اللقب من أغلب كليات أميركا.
وإنما قلت: أغلب هذه الكليات، ولم أقل: كلها؛ لأن الألقاب من كلية هارفرد، ويوحنا هبكنس، ومشيكن، ويائيل، وكولومبيا، عزيزة المنال، ومحترمة في أميركا وفي أوروبا أيضاً.
وقد بحث رجال العلم كثيراً في أمر الألقاب الأميركية، وأقاموا عليها أشد النكير، ومن اولئك الدكتور «غلمن» أحد أقطاب العلم في الولايات فإنه يرى أن إعطاء ألقاب الشرف عارٌ على المدارس الأميركية، وطلب أن لا تعطى تحت أية حالة كانت. ولما التأمت جمعية اللغات في سنسناتي سنة ١٨٨١ م اعترضت أشد الاعتراض على إعطاء لقب دكتور في الفلسفة بدون فحص رسمي، وفي سنة ١٨٩١ م اجتمع الذين تلقوا علومهم في كلية يوحنا هبكنس الجامعة فأبدوا نفس الاعتراض مع الاستياء الشديد.
وفي سنة ١٨٩٣ م التأم المجمع العلمي الدولي في شيكاغو، وبعد البحث والمناقشة قرروا أنه لا يجوز أن يعطى لقب دكتور في الفلسفة بدون فحص وامتحان. ولكي يعلم المطالع شدة ما حدث في المدارس الكبرى من النفور والاشمئزاز من إعطاء ألقاب الشرف العلمية، أقول: إن لجنة من العلماء
بعثت تأخذ آراء مثة كلية في مسألة لقب دكتور في الفلسفة، فظهر من الأجوبة أن إحدى عشرة كلية لا غير راضية عن إعطاء هذا اللقب بدون امتحان، والتسع والثمانين الباقية أظهرت استياءها منه، وأوجبت أن لا يعطى إلا بعد امتحان الطالب، والوقوف على حقيقة منزلته العلمية.
ومنذ نحو سنتين اجتمع رؤساء كليات: متوري، وانديانا، وأيوا، وكولورادو، وبحثوا في سبب احتقار أوروبا لرتب أميركا العلمية، وبعد المفاوضة رأوا أن من الحكمة أن لا تسمح حكومات الولايات لإحدى الكليات أن تمنح لقباً فوق لقب بكالوريوس ما لم تكن من الكليات المعتبرة عندها وهي التي تكون دروسها مطابقة للرسم الذي تعينه لها، وهذا الرسم تضعه لجنة مؤلفة من حاكم الولاية وبعض العلماء الذين تختارهم الحكومة. ويؤمل العقلاء أن هذه الأمور لابد أن تصير إلى أصلح، ومن تأمل في حداثة البلاد، وإقدام أهلها وما وصلت إليه مدارسها الكبرى، كهارفرد، ويائيل، وبرون، وغيرها يتحقق أن أميركا ستسبق مدارس أوروبا في إحكام دروسها وقوانينها، وما ينشأ عنها من جليل الخدم للعلم والإنسانية) انتهى .
***
(2 ) ألقاب زائفة بقلم/ عبده زايد
(للألقاب سحر كسحر الجمال، و بريق كبريق المال، وربما كان أكثر الألقاب سحراً وبريقاً ولمعاناً في العالم الإسلامي اليوم هو لقب «دكتور» وهو لقب علمي محدث يزداد انتشاراً كل يوم، حتى أصبح الحصول عليه هدفاً للقادرين والعاجزين ومن يستحق ومن لا يستحق، فأصبح مصدراً من مصادر البلاء في عالمنا الإسلامي المنكود.
كان لقب الدكتوراه يعني أن صاحب هذا اللقب العلمي أصبح في تخصصه عالماً ضليعاً يُرجع إليه في كل صغيرة وكبيرة في هذا التخصص، وهو في الوقت نفسه يستطيع أن يضيف إلى ما وصل إليه، ويعدل فيه، ويحذف منه، وهذه مهمة كان يقوم بها العلماء في كل التخصصات من قديم الزمان، من غير أن يصدروا أسماءهم بلقب دكتور، أو يعلقوا في حجرات الاستقبال هذه الشهادة الكريمة في إطار من الذهب، ومازال إلى الآن يعيش بيننا علماء في مختلف التخصصات لهم وزنهم وخبرتهم ومكانتهم العلمية الرفيعة التي يتضاءل أمامها حملة هذا اللقب العلمي الرفيع، ومن الحائزين على جائزة فيصل الإسلامية - وهي أكبر جائزة في العالم الإسلامي اليوم - من لم يتشرف بحمل هذا اللقب العلمي بينما يسيل لعاب الكثيرين من أصحاب هذا اللقب إلى أن يرشحوا مجرد ترشيح لهذه الجائزة أو ما دونها.
إن إغراء هذا اللقب العلمي جعل الكثيرين يتمحون به بحق وبغير حق، فالطيب يصدر اسمه بهذا اللقب والصيدلي كذلك، حتى الحاصلين على الدكتوراه الفخرية وهم في ازدياد مطرد يصدرون أسماءهم بلقب دكتور، وهذه اعجوبة الأعاجيب.
وفي هذا الخضم اختلط الحابل بالنابل، واختلطت الطرق وتشابهت المسالك، وربما كان هذا هو ما أغرى أثرياء المسلمين، وأصحاب المقامات الرفيعة !! أن يحصلوا على هذا اللقب استكمالا للابهة والعظمة.
أضف إلى ذلك أن العالم الإسلامي اليوم أصبح مفتوح الشهية للتوسع في التعليم العالي، فالكليات تفتتح كل يوم في بقاع العالم الإسلامي، وهذه الكليات لابد لها من أعضاء هيئة تدريس حاصلين على هذا اللقب العلمي الكريم - ولا مجال للبحث هنا عن القيمة العلمية - فإن السعي للحصول على هذا اللقب أصبح محموماً، والتسابق إليه أضحى رهيباً.
وكان من الطبيعي أن تظهر في هذه المعمعة أسواق التزييف ابتداء من تزييف الأوراق والأختام والتوقيعات - وهذه يقوم بها سفلة الناس في العادة - إلى تزييف المادة العلمية والبحث العلمي - وهذه مهمة يقوم بها من ينتمون إلى نادي صفوة المثقفين =إلى سرقة وانتحال جهود الآخرين في غفلة - أو تغافل - المشرفين، وأعضاء لجان المناقشة والحكم، إلى غير ذلك من ألوان التزييف التي يعجز عن تصورها إبليس اللعين.
ولم تترفع عن ممارسة التزييف مدينة من مدن العالم التي بها جامعات تمنح هذا اللقب العلمي، حتى تورطت في عملية التزييف هذه كثير من جامعات العالم العريقة لأسباب سياسية أو نفعية أو عقائدية كما في جامعات المعسكر الاشتراكي أو لأسباب مادية، أو لغير ذلك من الأسباب.
وانتشر بيننا حملة هذا اللقب المزيف في أي صورة من صورة التزييف، بل وصل بعضهم إلى منصب عميد أحد المعاهد العلمية العالمية العريقة، ولم ينكشف أمر تزييف لقبه العلمي إلا عرضا بعد أن انكشف أمر عمالته الحقيرة لإسرائيل !!
لكن مهما تعددت صوو التزييف وتنوعت مسالكه؛ فإن أخطر أنواعه على الإطلاق هو ما كان المشرف طرفاً فيه، إن الذين يتولون أمر هذه العملية في الجامعات في العالم الإسلامي على الأقل يجب أن يكونوا فوق مستوى الشبهات، ويجب أن تكون هناك قائمة سوداء بأسماء الذين يشتركون ولو مرة واحدة في عملية من عمليات التزييف لا حفاظاً على كرامة هذا اللقب العلمي الرفيع - بغض النظر عن ماضيه الكنسي اللاهوتي - فحسب، ولكن حفاظا على الحركة العلمية نفسها من أن تصبح في يوم من الأيام حركة زائفة خواء يفتي فيها من لا عقل له، ويشارك فيها من لا علم عنده، ويوجه فيها الناشئة من يحتاج هو إلى توجيه وترشيد، وقد يستشهد مستشهد بقول الله تعالى في هذا الصدد: {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.
ونحن نقول: صدق الله العظيم، هذه حقيقة لا خلاف حولها، ولكن بقاء الزبد في حياتنا إلى أن يذهب محنة وفتنة تذهب ضحيتها أجيال وأجيال، ولا عذر لمن يعرف هذا الزيف ولا يعلن الحرب الشعواء عليه، ويستنفر الناس ضده، ولعل جيلنا هذا هو أكثر الأجيال اكتواءً بنار الزيف، حتى اختلط عليه النور والظلام، والحق والباطل، وهذا موضوع شرحه يطول.
إن إعلان الحرب على التزييف واجب مقدس تفرضه شريعة الإسلام قبل أن توجبه مصلحة الإنسان، وإن محاربة الزيف على القمم أوجب من محاربته في السفوح والقيعان .
والزيف في مركز القيادة والتوجيه أخطر أنواع الزيف على الإطلاق، والأخطر من هذا كله أن يتغلغل الزيف إلى أروقة العلم التي لا رسالة لها إلا الوصول إلى الحقيقة والحقيقة وحدها.
ولكن برغم هذه القتامة التي نراها ونحسها نحن القريبين من دخانها الذي يخنق الأنفاس فإن الأمل عندنا لم يلحق بعد بركب الغول والعنقاء. وإن الرغبة في الإصلاح موجودة ومتصاعدة، ويكفي أن تكون بؤر التزييف معروفة بالأسماء والأفعال على صورة من الصور، حتى يصبح علاجها ميسوراً، وإن طال مداه، وتعثرت خطواته، وقامت العوائق في طريقه.
فهل يمكن أن نبدأ الإصلاح ؟! وهل لي أن أتقدم باقتراح ؟!
إن هذا الاقتراح سيكون خاصاً بناحية واحدة من نواحي التزييف، لأن تنفيذه ممكن ميسور لا تتوجه فيه أصبع الاتهام إلا إلى شخص واحد فقط هو طالب اللقب العلمي - أيا كان هذا اللقب -ولن يضار أحد سواه إن صح أن ما يلحق به من جزاءٍ ضررٌ.
ذلك الاقتراح يتعلق بمن يسرقون إنتاج غيرهم ليحصلوا به على لقب علمي، وهذا اللون في دنيا التزييف كثير وكثير؛ لأنه ممكن وميسور، وقلما ينكشف أمره وتظهر خبينته، وربما كان هذا هو ما أغرى الكثيرين باقتحام هذا الميدان في جرأة غريبة.
إن أحداً أي أحد لا يستطيع أن يحيط إحاطة كاملة بكل ما كتب في مادة تخصصه، وإذا كانت الإحاطة بما يصدر من مؤلفات ومقالات وبحوث أمراً ممكناً وميسوراً لسدنة العلم الذين أخلصوا حياتهم لهذه الرسالة، فإن الوقوف على عشرات ومئات الرسائل المخطوطة التي تحتفظ بها مكتبات الكليات المنتشرة في شتى بقاع العالم يعد أمرا مستحيلاً أو متعذرا على أقل تقدير.
وهذا ما أغرى كثيراً من المغامرين باقتحام هذا الميدان رغبة في الوصول إلى لقبٍ كريم، أو كرسي وثير في إحدى الجامعات.
إن علاج هذا الأمر في نظري أمر ممكن وميسور، وإذا أغلق هذا الباب إغلاقاً محكماً؛ فإننا نكون قد قضينا على أكبر بؤر التزييف في حياتنا العلمية.
إن اعتبار السرقة العلمية جريمة يعاقب صاحبها بحرمانه حرمانا أبدياً من الحصول على اللقب العلمي من أي جامعة من الجامعات الإسلامية على أقل تقدير سيجعل هؤلاء المغامرين يحجمون عن هذا التلصص الممقوت.
إن معاملة السارق بنقيض قصده أكبر رادع له يحول بينه وبين الإقدام على هذا الفعل الشنيع، وهذا أمر يتطلب التعاون والاتفاق بين الجامعات على تنظيف الحياة العلمية من الزيف و الزائفين .
إن الكليات المتناظرة إذا ما تراسلت فيما بينها، ووضعت أمام بعضها البعض أحدث ما يسجله الطلاب من أطروحات علمية حتى تكون أمام الأساتذة ورؤساء الأقسام في مختلف الفروع كفيل بأن يضيق دائرة السرقات.
وإن اعتبار اللقب العلمي فاقد المفعول تلقائياً في أي يوم من الأيام إذا ما تبين أن صاحبه سرق إنتاجه العلمي سوف يضيق أيضا دائرة هذه السرقات.
وإن حرمان الطالب من التسجيل في أي كلية أخرى في حالة ثبوت سرقته للإنتاج العلمي ومعاملته بنقيض قصده كفيل بأن يضيق أيضاً دائرة هذه السرقات.
وإن أخذ توصية في أي مؤتمر من المؤتمرات التي تملأ رقعة الساحة الإسلامية في هذه الأيام باقتراح عقوبة صارمة ضد هذا اللون من السرقات العلمية يمكن أن يكون له مفعول في تضييق دائرة هذه السرقات خاصة إذا نفذت التوصية جهة واحدة.
إن السرقة العلمية أشنع أنواع السرقات في نظري، وإن وضع عقوبة رادعة لها يعد أمراً واجباً، وهو في الوقت نفسه ممكن وميسور؛ لأنه كما قلت موضوع لا يتوجه أصبع الاتهام فيه إلا إلى شخص واحد فقط هو طالب اللقب العلمي، ولا مساس فيه بمشرف ولا جامعة، وذلك وحده كفيل بأن يرفع حياتنا العلمية - ولو تنقية الحساسية في معالجة مثل هذا الموضوع حتى ننقي جزئية - من الزيف.
وتبقى كلمة . .
هل أتتكم آخر الأنباء في موضوع هذا اللقب الجليل؟!
إن إحدى الممثلات المعروفات بأدوار الخلاعة والمجون ... و... أعلنت أنها سوف تحصل على الدكتوراه من إحدى جامعات باريس العريقة حتى تدخل نادي صفوة المثقفين!!
هل رأيتم تدنيسا لهذا اللقب أشنع من هذا التدنيس؟
وهل سيصبح هذا اللقب بعد ذلك بنفس البريق واللمعان؟!
إن تعليق أحد الإسكافيين لوحة على دكانه تقول إنه دكتور في إصلاح الأحذية!! -وهذه حقيقة -أهون عندي من هذا الهوان الذي لحق بهذا اللقب المهيب.. ) انتهى .
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق