أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 22 يونيو 2021

منازل الأئمة الأربعة (أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد).
لأبي زكريا يحيى بن إبراهيم الأزدي السلماسي
(٤٧٤ ﮪ - ٥٥٠ ﮪ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا كتاب في بيان مناقب الأئمة الأربعة الفقهاء، وتجلية فضائلهم بأسلوب أدبيٍّ رفيع، وبيان اتفاقهم في أصول الاعتقاد، وكونهم حُجَّةٌ على من جاء بعدهم من الذين بدلوا من أتباعهم. وكان السلماسي مطعوناً فيه لقدحه في الصحابة، ثم رجع إلى مذهب أهل السُّنة بالإمساك عما شجر بينهم، وحسن الثناء عليهم، واعتقاد فضلهم وعدالتهم.

ثم هنيئًا -بعد ذلك -لمن التزم التقوى درباً ونبراس هدى، فهي الموصلَةُ إلى جنَّة الله البهية مـن غيـرِ عذابٍ، والذي يوصلُ إلى التقوى هو العلم والمعرفةُ والعملُ بهذا، فمن تعلَّم العلم الشرعي ليعمـلَ به رفعه علمه، والعلم بكتاب الله وسنة رسوله، ودينه أولُ واجبٍ على العبد.

ومن هنا نرى أن سيرةَ العلماء الصالحين، والأئمة المُقتدى بهم: هي سيرةُ علمٍ وعملٍ وإخلاصٍ وتواضـعٍ للَّـه تعالى، فللعلمِ رجالٌ قاموا به ونشروه طمعا في مرضاة الله ليكونوا على دربِ المصطفى سـيدنا محمد الأمينِ عليه أفضلُ الصلاة والتسليمِ.

قال الحافظ ابن عساكر عن السلماسي (وهو أحد شيوخه): وصنف كتابا سماه (باب المدينة)، وذكر فيه أحاديث في فضل علي لم تسمع، تقرب بذلك إلى الرئيس أبي الفوارس بن الصوفي ونفق عنده بذلك، وقد وقفت على ذلك الكتاب، فأبان عن قلة معرفة منه بالحديث،  وكثرة نفاق في الاعتقاد اهـ. 

(تاريخ دمشق، ٤٥/ ٦٤).

وقال الإمام الذهبي تبعا لابن عساكر:  "يحيى بن إبراهيم السلماسي، معروف،  صنف في مناقب علي كتاب (باب المدينة)، أبان فيه عن جهل وهوى".

(المغني في الضعفاء؛ للذهبي، ٢/ ٧٢٩)

وتابعهما على ذلك ابن حجر في لسان الميزان ( ٦/ ٢٤٠)، فقال مثل قولهما فيه!.

ثم رجع السلماسي إلى اعتقاد أهل السنة والجماعة في مصنفه الثاني والأخير (منازل الأئمة الأربعة)، وبين ما يجب اعتقاده من عدالة الصحابة، وترتيبهم في الفضل والخلافة، وغير ذلك.

●الموضوع الأساسي للكتاب هو:
- بيان عقيدة الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد - رضي الله عنهم.
- وبيان اتفاقهم على هذه العقيدة، مع ذكر نبذة من سيرتهم ومناقبهم وفضائلهم.

● أهمية الكتاب:
إقامة للحجة على كل من يتبع مذاهب هؤلاء الأئمة وهو مخالف لهم في العقيدة.
فمن قال: أنا شافعي الشرع، أشعري الاعتقاد،
قلنا له: هذا من الأضداد، لأنك مخالف لإمامك في الدين والاعتقاد، وهذا من النكوص والخذلان، والله المستعان !.

*************

فصل في ذكر الأئمة الاربعة (ب/ ٤):

١) ابو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي (٨٠ - ١٥٠ﮪ):
أما أبو حنيفة، فهو إمام ائمة الفقهاء، له في الدين المراتب الشريفة والمناصب المنيفة، إمام تعقد عليه الخناصر ويشير إليه الأكابر والأصاغر، انتشر مذهبه في الآفاق، وعد من الأفراد بالاتفاق، فضله وافر، ودينه ثابت، وعلمه في مراده للمجد ثابت، اسمه النعمان وأبوه ثابت.
(ص ١٦١- ١٨٠).

*************

٢) الإمام مالك بن أنس الأصبحي (٩٣- ١٧٩ﮪ):

أما مالك، فإنه لممالك الفضائل مالك، ولمسالك التقوى والورع سالك، إمام دار الهجرة بالاتفاق، ومفتي الحجاز بالإطباق، فقيه الأمة، وسيد الأئمة، زكي الطبع والهمة،
أول من صنف كتابا في الإسلام، جمع فيه شرائع الحلال والحرام، ونظم عقود الشرع فيه أحسن نظام، بين فيه عيون الدلائل، وفنون المسائل في الأحكام، فغدا كتابه غرة في جبين الدين، ودرة في تاج الفضل واليقين. 

علم سار بذكره الركبان، وتعطرت بنشر أخباره الزمان، جمع بين فصاحة البيان وسماحة البنان. قال فيه أبو المعافى بن أبي رافع المزني:

ألا إن فقد الحلم في فقد مالك ... ولا زال فينا صالح الحال مالك
يقيم طريق الحق والحق واضح ... و يهدي كما تهدي النجوم الشوابك
فلولاه ما قامت حقوق كثيرة ... ولولاه لانسدت علينا المسالك
فجاء برأي مثله يقتدي به ... كنظم جمان زينتها السبائك

 وكتب أبو المعافي المزني ايضا:

إذا قيل من نجم الحديث وأهله ... أشار ذوو الألباب يعنون مالكا
إليه تناهى علم دين محمد ... فوطأ فيه للرواة المسالكا
وقد جاء في الآثار من ذلك شاهد ... على أنه في العلم خص بذلكا
فمن كان ذا طعن على علم مالك ... ولم يقتبس من نوره كان هالكا

وأنشد أبو الحسن عمران بن موسى المغربي الطولقي لنفسه من قصيدة:

حتى إذا ختموا منها بعالمها ... أضاء للعلم نجم غير منكدر
بمالك وضحت سبل العلوم لنا ... فلاح غامضها كالشمس للبصر
هو الإمام الذي اخترت مذهبه ... وما تخيرته إلا على خبر

(ص ١٨١- ١٩٥).

****************

٣) الإمام محمد بن إدريس الشافعي (١٥٠- ٢٠٤ﮪ):

أما الشافعي؛ فهو صدر الصدور، وبدر البدور، والماء المعين والدر الثمين، سيد السادة المعروف في قريش بالسيادة، وله بين الأشراف صدر الوسادة، كلامه شفاء الأسقام ودواء الآلام، وتصانيفه درر مرصوعة، وسرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، جمع أشتات الفضائل، ونظم أفراد المناقب، وبلغ في الدين والعلم أعلى المراتب، هو في التفسير ابن عباس، وفي الحديث ابن عمر، وفي الفقه معاذ، وفي القضاء علي، وفي الفرائض زيد، وفي القراءة أبي، وفي الشعر حسان، وجهه للصباحة، ويده للسماحة، ورأيه للرجاحة، ولسانه للفصاحة، إمام الأئمة، ومفتي الأمة، والمصباح الزاهر في الظلمة، 

 قيل فيه:

زادت مناقبه على المدح التي ... ارتداها بعد الفصاحة والحجى
إن قلت أمدحه وأذكر فضله ... قال المديح قصرت عن فلك الدجى

(ص ١٩٦- ٢٣١).

*************

٤) الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (١٦٤- ٢٤١ﮪ):

هو شيخ الأئمة، ومزكي الأمة، وأوحد الملة، رفيع القدر والهمة، صيرفي الأخبار وقدوة العلماء في معرفة الآثار، إليه في فنونها الرد والقبول، وله في عيونها الغرر والحجول، إمام الأنام، مفتي الأمة في الحلال والحرام، في علم الحديث بحر زخار، وفي علم الفقه سماء مدرار، مالك أزمة العلوم في عصره، والقائم بإحياء الدين ونصره، أقوى من ضرب في عصره عن بيضة الدين بالحسام المرهف، وأعلم من تمكن في وقته في شاهق الملة الحنيفية من الشعب الأشرف، مشاهده في الذب عن حريم السنة مشهورة،
ومآثره في جمع الحديث مأثورة، وآية صبره في نصره السنة على جبينها مسطورة.

قال فيه ابو المظفر محمد بن ابي العباس الأبيوردي يثني على ثباته في محنة خلق القرآن مع احمد بن ابي دؤاد المعتزلي:

وما الردة الأولى وقد قل عربها ... عتيق وبيض الهند في الهام تغمد
بأدهى من الأخرى التي شب نارها ... وقد كاد أنوار الشريعة تخمد
رمى أحمد الغاوي بها فرقة الهدى ...فأطفاها شيخ الأئمة أحمد
ولم يثنه عن نصرة الدين موطن ... به الدم يمريه الحسام المهند

إلى ان قال فيه:

وكل حديث لم يصححه مظلم ... على ناقليه طرقه حين يسند
ومن كان لا يصفيه في الله وده ... ولا يتقرى هديه فهو ملحد

  وقيل فيه:

لله ما لقي ابن حنبل صابرا ... عزما وتبصرة بلا أعوان
فعلى ابن حنبل أحمد بن محمد .... وعلى الذين تلوه في البلدان
صلى الإله وصب فوق عظامهم.... صوب الربيع يسح في تهتان

(ص ٢٣٢- ٢٥٨).

...........................
اختصره: ا. محمد حنونة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق