تفسير القرآن الكريم بالاستدلال بأقوال الصحابة والتابعين عند الإمام الشافعي
د. صبحي رشيد اليازجي
الجامعة الإسلامية-غزة
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ يعتبر الإمام الشافعي أحد أبرز أعلام أهل السنة والجماعة، وهو صاحب المذهب الفقهي المعروف، والمؤسس الأول لعلم أصول الفقه، وكان حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وكـان شجي الصوت عذب القراءة، يقول عن نفسه: "حفظتُ القرآن وما مرَّ بي حرف إلا وقـد علمـت المعنى فيه والمراد"، وكان إذا صلَّى الصبح جلس في حلقتـه فيأتيه أهل القرآن يدارسونه فقهه ومعانيه.
وكان الشافعي قرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، عن شبل، عن ابن كثير، عن مجاهـد، عـن ابـن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا بحثٌ في بيان احتجاج الإمام الشافعي بقول الصحابة الذين هم أعلى فهماً، وقد عاصروا التنزيل، وحضروا الواقع، وعرفوا أسباب النزول.
فكان الإمام الشافعي يأخذ من قولهم في التفسير ما هو أشبه بالكتاب والسُّنة، وإلا فيأخذ بأقربهم للقياس، بشرط ألا يخالف قوله نصاً شرعياً.
وكان يأخذ بقول الصحابة رضي الله عنهم في مذهبيه القديم والجديد، لا سيما مُقدَّميهم "أبو بكر وعمر وعثمان وعلي"، ويقلدهم ويقدم قولهم على القياس، ويعتبره المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة والإجماع.
والملاحظ أن الشافعي لا يعتبر ما يأخذه عن الصحابة من "السنة"، لأنه لا يعتبر السنة إلا ما جاء منسوباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه ليحكم بأن الصحابة إن أجمعوا على أمر يكـون إجماعهم حجة.
وإذا أردنا أن نجمل أقوال الشافعي الواردة في احتجاجه بأقوال الصحابة؛ فهي كما يلي:-
(1) إذا أجمعوا على قول، فإنه يعتبر قولهم حجة، ولا يخرج عن قولهم.
(2) فإذا لم يجمعوا، ووجد قول أحدهم، ولم يوجد ما يخالفه من كتاب أو سنة أو إجماع، اعتبره حجة وأخذ به.
(3) وأما إذا اختلفوا، فنراه ينظر إلى أقوال الأئمة الأربعة الراشدين رضي االله عنهم:
أ- فما كان من قول أحدهم دلالة من كتاب، أو سنة، أخذ به لوجود الدلالة.
ب – وإن لم يكن لأقوالهم دلالة من كتاب، أو سنة، أخذ بقول الأكثر.
ج- فإن تكافئوا نُظر في أحسن أقاويلهم مخرجاً عنده، فأخذ به، لذلك نراه يقول في حقهم: وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا.
وما سبق فيما كان مجاله الرأي، وأما إذا كان قول الصحابي في ما لا مجال للرأي فيه، كالأمور الغيبيـة، مثـل: الإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق، وقصص الأنبياء، وعن الفـتن والبعـث، وأسـباب النزول، أو تحديد ثواب يحصل من عمل ونحو ذلك فهذا له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيجب الأخذ به إذا صح في سنده، ولم يرد ما يخالفه من كتاب وسنة، أو قول صحابي آخر، ولم يكن معروفاً عنه أنه يأخذ عن أهل الكتاب؛ فيكون حكم كلامه حكم الإسرائيليات.
وأما أخذ الشافعي بأقوال التابعين في التفسير فكان يأخذ بما أجمعوا عليه، وبما يوافق ظاهر القرآن استئناساً لا استشهاداً، وقد يردُّه إن تبيَّن ضعفه.
وينقسم هذا البحث إلى ثلاثة مباحث، كما يلي:
في المبحث الأول عن الحيـاة شخصية الإمـام الشافعي، وحياته العلمية.
ثم المبحث الثاني في نظرة الإمام إلى أقوال الصحابة في التفسير، وبيان رأيه في حجية قول الصحابي، واعتماده في معرفة سبب النزول على الصحابي.
أما المبحث الثالث فيه نظرة الإمام إلى أقوال التابعين في التفسير، ومدى احتجاجه بها.
أهم النتائج التي توصل إليها الباحث:
أولاً: التزام الإمام الشافعي بمنهج التفسير بالرجوع إلى القرآن والسنة وقول الصحابة والتابعين.
ثانياً: أن الإمام الشافعي جعل قول الصحابي فـي المرتبـة الثالثة، بعد القرآن والسنة النبوية.
ثالثاً: أن الشافعي لم يرَ الاحتجاج بقول التابعي، وإذا ذكره فإنما يذكره للاستئناس لا للاستشهاد.
رابعاً: أن الإمام الشافعي له قصب السبق في التفسير بالمأثور، وتأثر به غيره مـن أمثـال: محمد بن جرير الطبري إمام المفسرين.
خامساً: مخالفته لغيره من العلماء لم يمنعه من احترامه لهم، ونقله لآرائهم ومناقشتهم بالدليل.
سادساً: الرحلات العلمية تعتبر عاملاً مهماً من عوامل تكوين الشخصية العلمية، وفتح الآفـاق أمام العلماء.
سابعاً: أن الفقر لم يكن في يوم من الأيام عائقاً عن التعليم والاستفادة، فالفقر لم يمنع الشافعي من التنقل في طلب العلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق