تطهير الأرجاء من مخالفات سفر الحوالي في كتابه: ظاهرة الإرجاء
أو (حوار مع الدكتور سفر الحوالي في كتابه: ظاهرة الإرجاء)
د. عبد العزيز بن ريس الريس
المشرف على موقع الإسلام العتيق
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ إن الواقع الذي نعيشه اليوم بما فيه من تيارات وأحزاب وطوائف وأشخاص مليءٌ بالمهاترات والمنافرات والخصومات الباطلة، كما أنه مليءٌ بالمجاملات والمداهنات والإسفاف الدنيء -أضف إلى ذلك تقصير كثيرٍ من الدُّعاة والعلماء في بيان ما يجب بيانه من قضايا الإسلام الكبرى، واشتغالهم بقضية جزئية من فروع العقيدة، وهي: (هل العمل جزء فرعي عن الإيمان، أو ركنٌ أصيل منه كالقول والتصديق ؟) وللأسف نُصبت لهذه المسألة ألوية الولاء والبراء، فمن عدَّه جزءاً فرعياً اتهموه بـ"الإرجاء"، ومن عدَّه ركناً أصيلاً اتهموه بـ"الخروج" (نسبةً إلى الخوارج).
ورأينا كيف تنازع العلماء فيما بينهم في هذه المسألة على رءوس الأشهاد، وطال الخلاف بينهم جداً، حتى أصبح كل فريقٍ يُلقي اللوم على صاحبه بلسانه وقلمه، ولم يلتفت أكثرهم إلى هذا الكم الهائل من النفور والفُرقة التي استوطنت قلوب الطلبة، واستعمرت نفوس العوام بسبب هذا النزاع البسيط.
وبعد هذا النفور اشتهر بعض هؤلاء الدُّعاة بموقفه السيء من بعض قضايانا الحساسة "كقضية فلسطين"، فكان موقفهم هو موقف التيار المتصهين الذي ينصر اليهود بطريقة غير مباشرة على إخوانه المسلمين في فلسطين، وتركوا الناس في حيص بيص، ومستنقعٍ من الجهل والضلال لا يعلمه إلا الله.
ولم يكن بالحسبان أن يكون العلماء وقوداً يذكي نيران هذه الفتنة، بالإضافة إلى التُخمة الكبيرة والخانقة التي أصابت المكتبة الإسلامية من كتب الردود وردها، حتى أُلفت العشرات بل المئات منها في أقل من نصف قرن في نفس الموضوع، وكل هذه المؤلفات والكتابات تحكي آراءً مزدوجة ومتوازية، عانى بسببها كثيرٌ من الناس.
ولهذا شهد الخط البياني لهذا المنهج السقيم في التبديع تذبذباً شديداً، ثم انحيازاً تاماً في النهاية إلى جانب الأهواء، وبقي الدور الرئيس على العالم النابه أن يُحذر من مثل هذه التجاذبات الفارغة وهذا من خلال الممارسة والتجربة الطويلة.
وأعجب من مردودٍ عليه (كالريس) يردُّ على غيره (أعني الحوالي =وإن كان الحوالي لديه بعض الغلو في هذه المسألة)، واعجب من هو مُتَّهمٌ بعقيدة الإرجاء يردُّ على (ظاهرة الإرجاء)، فكلامه والحالة هذه -غير مقبول، وقد نصَّ على ذلك الشيخ المفتي صالح الفوزان، وأحمد سير مباركي، وعبد الله الجربوع، وعبد الكريم الخضير، وكلهم أخبروا بإرجائه، فلا يُقبل كلامه، وذكروا أن الرجل صاحب تلبيس وصاحب مذهب باطل، بالإضافة إلى مواقفه السيئة من قضايا المسلمين كقضية فلسطين.
وقد جمع الريس الحوالي مع غيره من الحركيين ودعاة التثوير والانقلاب في بوتقة واحدة، بدعوى أن دعوتهم واحدة تهدف إلى تكتيل الأفراد حولهم، أو المساهمة في فقه التجميع والتوفيق من كل الأطياف المبتدعة وغيرهم، من أجل الإطاحة بالحكام، فهذه تهمة لا نلمسها في كتابه بل نجد ما ينقضها، ولا يعدو ما في كتاب "الحوالي" أن يكون خطئاً في الفهم؛ فلا نقره على خطئه، ولا نجعله في زمرة الخوارج -عياذاً بالله تعالى.
وجوه الرد التي ذكرها الشيخ عبد العزيز الريس على "الحوالي" باختصار في تسعة نقاط:
1. أن "الحوالي" يقرر أن من ارتكب كبيرةً من الكبائر كالزنى أو السرقة أو القتل، فإنه يرتفع عنه قول القلب الذي هو تصديقه، وبين أن الحق هو أنه يرتفع عنه "كمال الإيمان الواجب" فهو عاصٍ لله بترك الطاعات؛ أما من ارتفع عنه قول القلب، فهو كافر. واتهم "الرئيس" الدكتور "الحوالي" بموافقة غلاة المرجئة في إثبات الإيمان مع ارتفاع قول القلب =الذي هو التصديق.
2. أن "الحوالي" جعل اصرار الرجل على ترك الطاعة "كفراً" و"جحوداً"، حتى مع التزامه واعتقاده أنها من الدين، وهذا نتيجة الفهم الخاطئ لكلام ابن تيمية، حيث فسَّر الالتزام بالفعل لا بالاعتقاد وحده، وإنما مقصود ابن تيمية بعدم الالتزام عدم الاعتقاد لا عدم الفعل، فترك الالتزام ليس تركاً للفعل ولو على وجه الإصرار.
3. أن "الحوالي" جعل مجرد التعامل بالربا استحلالاً لها، فكفَّر الذين يتعاملون بالربا، وكذلك جعل شرب الخمر استحلالٌ لها، وبنى هذا الأمر من تصوره الخاطئ لكلام ابن تيمية -أيضاً -وهو: أن التزام المحرم يقتضي استحلاله، والمراد بالالتزام هو اعتقاد حله لا مجرد الفعل.
4.أن "الحوالي" لديه غلو في مسألة "الحكم بغير ما أنزل الله" نظراً لتأثره بفكر سيد قطب، وشقيقه محمد قطب الذي وضع له مقدمة للكتاب، وقد أدى به ذلك إلى تخطئة بعض رموز الدعوة المعاصرين، ورميهم بالإرجاء كالألباني رحمه الله.
5. أن "الحوالي" أكثر من ذكر مسألة "ترك جنس العمل" (وتارك جنس العمل كافرٌ بإجماع السلف، كما ذكره الشافعي، والحميدي، والآجري)، وبين أنها من معتقدات أهل السُّنة والجماعة، ولكنه جعلها بوابةً للطعن في رموز الدعوة، والعلماء المعاصرين، وهي فرعٌ عن مسألة تلازم الظاهر والباطن (فهي مسألة فرعية جزئية من مسألة كلية)، وأنه يمتنع وجود إيمان في القلب مع عدم العمل بالكلية، "فجنس العمل" ركنٌ في الإيمان، ولا وجود للإيمان إلا به، وهو حقٌّ وصدق...ولكنه تناقض بعد ذلك بتصوره إيماناً شاذاً لا عمل معه، وأنه إيمانٌ غاية في الضعف، وبهذا لا يصحُّ طعن الحوالي في الألباني في مسألة "تارك جنس العمل".
6.أن "الحوالي" كرَّر أن من لم يُكفر تارك الصلاة" فقد دخلت عليه شبهة الإرجاء، ولكن يرده أن كثيراً من فقهاء السلف لم يُكفروا تارك الصلاة، من أمثال الزهري (ت 124 هـ)، وعزاه ابن القيم لبعض التابعين ومنهم عمر بن عبد العزيز، وإبراهيم النخعي، وهو مذهب مالك والشافعي، ورواية عن أحمد، وقول حماد بن زيد، ووكيع، فهل هؤلاء متأثرون ببدعة الإرجاء؟!! ولا شكَّ أن هذا غلو من الدكتور الحوالي في هذه المسألة.
7. أن "الحوالي" جعل الخروج على الحاكم من المسائل الاجتهادية المصلحية، التي يجوز الاجتهاد فيها، هذا مع استقرار قول السلف على عدم الخروج على السلطان أو الحاكم المسلم.
8. أن "الحوالي" تأثر بفكر سيد قطب، وكثرة النقول عنه، مع كون "سيد" من الأشخاص الذين انحرفوا في فقه الدعوة وغالى في التكفير، وقدمه "الحوالي" على كثير من دعاة السُّنة المعاصرين.
9.أن "الحوالي" ذكر ملاحظات كثيرة حول الإمام الألباني رحمه الله في آخر الكتاب، ولا تخلو هذه الملاحظات من تجنٍّ ظاهر أو خطأ، سواء تجنيه على الألباني بحشره في زاوية المرجئة الأُوَل، هذا مع أن الشيخ الألباني يُكفر بالعمل بالسب والاستهزاء. وبالشك، وبالإباء، وبالاستكبار، وبالتكذيب، وبالإعراض، بالإضافة إلى أنه استدرك على الألباني مسائل حديثية أخطأ فيها الحوالي وأصاب الألباني، وذكر في هذه الفقرة ما يُقارب من تسع مغالطات للشيخ الحوالي..
وذكر الريس في خاتمة كتابه بعض الردود التي جاءت على كتاب الحوالي، ومنها:
الدرر المتلألئة بنقض العلامة الألباني فرية موافقته المرجئة، للشيخ علي حسن عبد الحميد.
مآخذ منهجية على الشيخ سفر الحوالي، ربيع المدخلي.
تنبيهات على كتاب ظاهرة الإرجاء، الشيخ أنيس المُصعبي.
سفر الحوالي بين سيد البدعة وناصر السنة، رسالة لا يُعرف مؤلفها (؟!!).
قراءة نقدية لبعض ما ورد في كتاب ظاهرة الإرجاء، والرد عليها، د. ياسر برهامي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق