أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 27 يونيو 2021

الرد على الدكتور زكي مبارك وأحمد أمين في نفي نسبة كتاب (الأم) عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي تحقيق أحمد صقر

الرد على الدكتور زكي مبارك وأحمد أمين 

في نفي نسبة كتاب (الأم) عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي

تحقيق أحمد صقر

بقلم:  أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ من الشبه التي افتريت على الإمام الشافعي قديماً وحديثاً، هي أن الشافعي لم يؤلف كتاب الأم. وقد ألف الدكتور زكي مبارك كتاباً في ذلك جعل عنوانه:  «إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي:
👈كتاب الأم لم يؤلفه الشافعي،
👈 وإنما ألفه البويطي،
👈 وتصرف فيه الربيع بن سليمان».

● وكان الذي هداه إلى تصحيح هذه الغلطة - كما يقول - كلمة قرأها في كتاب «الإحياء» للغزالي، يقول فيها: «وآثر البويطي الزهد والخمول، ولم يعجبه الجمع والجلوس في الحلقة، فاشتغل بالعبادة، وصنف كتاب الأم الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به، وإنما صنفه البويطي، ولكن لم يذكر نفسه فيه، ولم ينسبه إلى نفسه فزاد الربيع فيه وتصرف» اهـ.

● وكلمة الغزالي- هذه - ليست من بنات فكره، ولا من ثمرات بحثه، وإنما نقلها نقلا عن كتاب «قوت القلوب»؛ لأبي طالب المكي، المتوفى سنة ٣٨٦ﮪ، فقد جاء في هذا الكتاب ٤/ ١٣٥: «وأخمل البويطي نفسه، واعتزل عن الناس بالبويطة -من سواد مصر- وصنف كتاب الأم الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان، ويعرف به، وإنما هو جمع البويطي، لم يذكر نفسه فيه، وأخرجه إلى الربيع فزاد فيه، وأظهره وسمعه منه» اهـ.

● وقد رجح الدكتور زكي مبارك أن الأم وضع بعد وفاة الشافعي، لأنه:
-  ليس له مقدمة توضح من وضعه (!!!).
- ولأنه لا تمضي فصوله على وتيرة واحدة،
ففي أحيان كثيرة تجري عبارة:
▫«قال الشافعي».
▫وفي بعض الأحيان: «حدثنا الربيع بن سليمان، قال: أخبرنا الشافعي - إملاء -».
▫وفي بعضها:  «سألت الشافعي فقال».
- وقد يأتي في الأم أحيانا عبارة:  «قال الشافعي كذا، فقلت له كذا (!)».
- وللربيع تعليقات كثيرة في التعقيب على كلام الشافعي (!).
- ويتفق المؤلف أحياناً أن يذكر المصدر الذي نقل عنه فيقول - مثلا (٧/ ١٤٦): «هذا مكتوب في كتاب الإيلاء» (!).

- كذلك عرض المؤلف في باب الوصايا لوصية الشافعي؛ وقوله: «هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس الشافعي في شعبان سنة ثلاث ومائتين، وعنونه بعبارة: الوصية التي صدرت من الشافعي».

يقول زكي مبارك: وإذا تذكرنا أن الشافعي مات سنة أربع ومائتين، عرفنا أن كتاب وصيته أثبت (أكثر صدقا) في بيان نسبة الكتاب بعد وفاته (!).

● وجاء في كتاب الأم (٢/ ٩٣) ما نصه: «أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي بمصر سنة سبع ومائتين، قال: أخبرنا الشافعي»، فدل ذلك على أن الأم ليس من وضع الشافعي، وإنما هو من وضع تلميذه الربيع بن سليمان المرادي.

● يقول زكي مبارك: وكلمة «من سواد مصر» تدل على أن المؤلف كان مشغولا بجمع مواد الكتاب في مكان غير مصر - أعني غير العاصمة - وكلمة المكي والغزالي تعين أنه كان في بويط» (!!!).

* وقد وقع الدكتور هنا في خطأ طريف، غير الخطأ الأساسي في نفي الأم عن الشافعي، فكلمة «مصر» لا يراد بها العاصمة في هذا النص، لأن ذلك خطأ محض، وعاصمة مصر في تلك الحقبة من الزمان كانت «الفسطاط».

* ثم هي لا تدل على أن المؤلف كان مشغولا بجمع مواد كتابه في غير العاصمة، والمضحك حقاً أن يقول الدكتور: وكلمة المكي والغزالي تعين أنه كان في بويط!!.. والعبارة - كما جاءت في الأم - لا تدل على أكثر من أن راوي الكتاب عن الربيع،يقول: إن الربيع حدثه بمصر في تلك السنة، ولا مدخل للبويطي، ولا لجمعه مواد الكتاب، في هذا النص على الإطلاق.

ورحم الله الشافعي إذ يقول: «وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه، لكان الإمساك أولى به، وأقرب إلى السلامة له».

* وأما استدلاله بوجود وصية الشافعي في الأم على أنها أثبتت فيه بعد وفاة الشافعي - فغير مسلم له. ولست أدري كيف قال هذا وليس في النص ما يشير إليه من قريب أو بعيد. 

جاء في الأم ٤/ ٤٨ تحت عنوان:( الوصية التي صدرت من الشافعي): «قال الربيع بن سليمان: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس الشافعي، في شعبان سنة ثلاث ومائتين، وأشهد الله عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور - وكفى بالله ثناؤه شهيداً - ثم من سمعه: أنه شهد أن لا إله إلا الله. .» إلى آخر الوصية.

* وأكبر ظني أن أصل الكلام: قال الربيع بن سليمان: قال الشافعي: هذا كتاب كتبه.. الخ؛ لأن أول وصية للشافعي كلمة «هذا» .

ويؤيد ذلك ما رواه البيهقي في المناقب، عن الربيع أنه قال: قرئ على محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله، وأنا حاضر: هذا كتاب. . الخ.

وهذا النص يدل على أن كتاب وصية الشافعي هو الذي قرئ عليه بحضور الربيع. 

* ومعلوم أن كتاب «الوصايا» الذي سجل الشافعي فيه وصيته لم يسمعه الربيع ولا غيره من الشافعي، في حين أنه كان مكتوبا كله بخط الشافعي. 

وآية ذلك قول الربيع، كما جاء في الأم ٤/ ١٨ :«كتبنا هذا الكتاب من نسخة الشافعي - من خطه بيده، ولم نسمعه منه».

وقول المزني في مختصره بهامش الأم ٣/ ١٥٩: «كتاب الوصايا مما وضعه الشافعي بخطه، لا أعلمه سمع منه».

* وكتاب الوصايا قد ألفه الشافعي في العام الذي توفى فيه، لأنه كتب وصيته في شعبان سنة ٢٠٣ ومات في شعبان ٢٠٤ هـ. 

* وما الذي يمنع عقلا من أن يكتب الشافعي وصيته في كتابه، حتى يقول الدكتور زكي مبارك: إنها أثبتت فيه بعد وفاة الشافعي، ليثبت بذلك أنه ليس من تأليف الشافعي؟!..

ولقد كتب الشافعي كتاب صدقته كذلك في العام التي توفى فيه. 

جاء في الأم ٦/ ١٧٩ تحت عنوان: «صدقة الشافعي»: هذا كتاب كتبه محمد بن إدريس الشافعي في صحة منه وجواز من أمره، وذلك في صفر سنة ثلاث ومائتين. . .»

* أما قول الدكتور: «إن المؤلف يذكر أحيانا المصدر الذي نقل عنه، فيقول مثلا ٧ / ١٤٦: وهذا مكتوب في كتاب الإيلاء»؛ فإنه خطأ محض من جهتين:
• الأولى: أن هذا القول المذكور في هذا الجزء، وفي هذه الصفحة ليس من كتاب الأم، وإنما هو من كتاب مستقل ألفه الشافعي، وهو «كتاب اختلاف العراقيين»؛ فالاستشهاد بهذا النص لا يصح.

• والجهة الثانية: أن المؤلف المزعوم أو الحقيقي لم يقصد من هذه العبارة وأمثالها ذكر المصدر الذي نقل عنه، وإنما قصد بيان الكتاب الذي فصل فيه القول في الموضوع الذي أجمل ذكره قبل هذه العبارة.

* ولننظر كيف قال المؤلف العبارة التي مثل بها الدكتور: جاء في الأم ٧ / ١٤٦: «قال الشافعي، رحمه الله: وإذا حلف الرجل لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو أقل - لم يقم عليه حكم الإيلاء يكون الزوج لا يمين عليه. وإذا لم يكن عليه يمين فليس عليه حكم الإيلاء. وهذا مكتوب في كتاب الإيلاء».

ويريد الشافعي بالعبارة الأخيرة أن يرشد قارئ كتابه (اختلاف العراقيين) إلى الكتاب الذي فصل فيه القول من كتب (الأم)، وهو كتاب "الإيلاء" الذي يقع في الجزء الخامس، والمسألة التي يعنيها فيه ص ٢٥٤.

وجاء في صفحة ١٤٦ أيضا هذا النص من كتاب (اختلاف العراقيين): «قال الشافعي، رحمه الله: وإذا ارتد الرجل عن الإسلام، فنكاح امرأته موقوف. فإن رجع إلى الإسلام قبل أن تنقضي عدتها - فهما على النكاح الأول. وإن انقضت عدتها قبل رجوعه إلى الإسلام - فقد بانت منه. والبينونة فسخ لا طلاق. وإن رجع إلى الإسلام فخطبها - لم يكن هذا طلاقا. وهذا مكتوب في كتاب المرتد». وكتاب المرتد من كتب (الأم)،  والمشار إليه في ٦ / ١٤٩ - ١٥٠.

* وقد أشار الشافعي في كتاب «اختلاف العراقيين» هذا إلى تسعة كتب من كتب (الأم)، نجتزئ منها بهاتين الإشارتين:
● قال في ص ١١٦ : «وقد كتبنا هذا في كتاب الأقضية».
● وقال في ص ١٢٣ : «وهذا مكتوب في كتاب العتق بحججه، إلا أنا وجدنا في هذا الكتاب زيادة حرف لم نسمع به في حججهم».

*** الرد على أحمد أمين: ونذر الدكتور «زكي مبارك» ونأتي إلى الدكتور «أحمد أمين»، الذي قال في كتابه (ضحى الإسلام)، ٢/ ٢٣٠:

«وقد ثار الخلاف حديثا في مصر: 👈 هل الأم كتاب ألفه الشافعي، أو ألفه البويطي؟، وأظن أنه لو حدد موضع النزاع في دقة، لكان الأمر أسهل حلاً؛ 👈 فليس يستطيع أحد أن يقول: إن ما بين دفتي الكتاب الذي بين أيدينا هو من تأليف الشافعي!، وأنه عكف على كتابته وتأليفه في هذا الموضع النهائي (!!!)..

وأهم دليل على ذلك أن مطلع كثير من الفصول: العبارة الآتية: «أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي»، وهي عبارة لا يمكن أن يكتبها الشافعي وهو يؤلف الكتاب (!!!) وفي ثنايا الكتاب نجد أخبارا بعدول الشافعي عن هذا الرأي. 

كأن يجى في سير الكلام ٣/ ٢٣: «قال الربيع: قد رجع الشافعي عن خيار الرؤية، وقال: لا يجوز خيار الرؤية». قال: ومحال أن تصدر من الشافعي هذه العبارة وأمثالها. كما لا يستطيع أحد أن ينكر أن في (الأم) مذهب الشافعي بقوله وعبارته، فالظاهر أنها أمال أملاها الشافعي في حلقته، كتبها عنه تلاميذه، وأدخلوا عليها تعليقات من عندهم، واختلفت روايتهم بعض الاختلاف. والذي بين أيدينا منها رواية الربيع المرادي، عن الشافعي».

* يقول المحقق: ماذا أقول في نقض هذا الكلام المدخول، الذي تزور عنه العقول؟،ولست أدري كيف طوعت للدكتور نفسه أن يقول: إنه لا يستطيع أحد أن يقول إن «الأم» من تأليف الشافعي؛ لأن في مطالع فصوله عبارة لا يمكن أن تخطها يمين الشافعي أثناء تأليفه له، وهي عبارة: «أخبرنا الربيع، قال: قال الشافعي»، ولأنه تتردد في ثناياه عبارة أخرى، محال أن تصدر من الشافعي وهي عبارة: «قال الربيع»!!!..

* ولست أرتاب في أن «أهم دليل» لدى الدكتور لا يقبله من له أدني إلمام بالكتب القديمة، وطريقة الأقدمين في روايتها، وكل من قرأ فيها يعلم علم اليقين أن وجود عبارة «أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي» في أول الكتاب أو في داخله مرة أو مرات - دليل ناصع على أنه من تأليف الشافعي، وأن هذه النسبة قد ازدادت وثاقة ومتانة برواية الربيع عن الشافعي، ثم برواية تلميذ الربيع عن الربيع. ثم برواية تلميذ التلميذ. إن وجدت، وهكذا إلى آخر سلسلة رواة الكتاب عن مؤلفه. وهي أوثق طرق التوثيق، والتأكد من نسبة الكتاب المروي إلى من وضعه عن مؤلفه. وهي أوثق طرق التوثيق والتأكد من نسبة الكتاب المروى إلى من وضعه.

* وهذه من الحقائق الأولية والمسائل البسيطة التي لا تخفى على أبسط القراء، فمن العجب العجاب أن تكون سببا للارتياب في الكتاب، ودليلاً على نفيه عن مؤلفه؛ لأنه «لا يمكن أن يكتبها الشافعي وهو يؤلف الكتاب»!!!..

* ولو اتخذنا هذا الدليل الهام عند الدكتورين: زكي مبارك وأحمد أمين، وجعلناه معيارا في نظرنا إلى الكتب العربية في القرون الأولى لنفينا أكثرها عن أصحابها.

* ولو نظرنا كذلك في ضوء هذا الدليل إلى سائر كتب الشافعي التي أفردها عن مجموعة «الأم» لقلنا: إنها ليست من مؤلفات الشافعي»، ولنأخذ منها مثالاً واحدا وهو كتاب:

👈 «اختلاف الحديث» وهو كتاب كتبه الشافعي، وجعل له مقدمة طويلة، وقد سجل فيه أنه من تأليفه وكتابه، ومما قاله: «وقد وصفت في كتابي هذا - المواضع التي غلط فيها بعض من عجل بالكلام في العلم قبل خبرته» .

ومنها: «فحكيت ما كتبت في صدر كتابي هذا ...». 

ومنها: «وقد اختصرت من تمثيل ما يدل الكتاب على أنه نزل من الأحكام عاما أريد به العام. وكتبته في كتاب غير هذا. . وكتبت في هذا الكتاب مما نزل عام الظاهر، ما دل الكتاب على أن الله أراد به الخاص. .».

وإذا نظرنا في أوائل أبواب «اختلاف الحديث»، رأينا أكثرها قد بدئ بعبارة: «حدثنا الربيع. . .».  وباقيها القليل قد بدئ بعبارة «حدثنا الشافعي» أو «قال الشافعي»..

* فهل ننفي هذا الكتاب عن الشافعي، أو نتبع سبيل العلم ونقول: إنه من تأليفه، ومن رواية الربيع عنه، ونبحث عن الراوي الأول الذي قال: حدثنا الربيع»؟؛ لنعلم أنه «أبو بكر: أحمد بن عبد الله السجستاني» تلميذ الربيع.

وما أكثر تلاميذ الربيع من أهل المشرق والمغرب الذين شدوا رحالهم إلى مصر - وليست العاصمة - ليرووا عنه كتب الشافعي الذي قال له: «أنت راوية كتبي»، 

* وقد لبث الربيع بعد موت الشافعي ستا وستين سنة يدرس كتب الشافعي، ويمليها على تلاميذه، ويعقب على بعض أقوال الشافعي بما يعن له أثناء الإملاء.، والطلاب من حوله يكتبون كل ما يقول من قول الشافعي، ومن قول نفسه في التعقيب على بعض قول الشافعي. 

وهذا هو التفسير الصحيح لوجود: «قال الربيع» في ثنايا كتب الشافعي. 

ومنها عبارة «قال الربيع: قد رجع الشافعي عن خيار الرؤية، وقال لا يجوز خيار الرؤية»، التي نقلها الدكتور أحمد أمين، وعقب عليها بقوله:«ومحال أن تصدر من الشافعي هذه العبارة وأمثالها».

* وهل قال أحد ممن يثبتون الكتاب للشافعي: إن «حدثنا الربيع» في مطالع فصوله، و «قال الربيع» في ثناياه مما خطته يد الشافعي في الأم حتى يقول الدكتور: إنه من غير الممكن أن يكتب الجملة الأولى، وهو يؤلف الكتاب، ومن المحال أن تصدر عنه كذلك الجملة الثانية، ثم يتخذ من هذه وتلك دليلا بالغ الأهمية على أن الشافعي لم يؤلف كتاب الأم؟!..

* ومن قبل ذلك يقول في ثقة مطلقة وجرأة بالغة: ليس يستطيع أحد أن يقول إن الشافعي قد عكف على كتابة الأم، وألفه في هذا الوضع النهائي، لا لشيء إلا؛ لأن في أوائل الكلام: «حدثنا الربيع» وفي خلاله: «قال الربيع»!!..

* ولو قد قرأ الدكتور كتاب (الأم) حقا؛ لألفى في أضوائه كثيرا من الأدلة
على أنه له، ومن وضعه، ولمنعته تلك الأدلة من تقليد الدكتور زكي مبارك، الذي تلقف كلمة الغزالي،التي نقلها - دون تعقل أو إدراك - عن أبي طالب المكي، ذلك الصوفي السالمي الذي شطح ونطح، وأخرج تلك الكلمة الخبيثة الخاملة التي قالها، عن خمول البويطي، وتأليفه (للأم)،ومنحه للربيع الذي سارع إلى نسبته له دون أن يردعه عن ذلك الفعل الشائن رادع من حياء أو زاجر من ورع..

* وحاشا للربيع الثقة الأمين، ذي الدين الثخين والورع المكين - أن يقدم على ارتكاب تلك الحماقة التي تلوث شرفه، وتسمه بميسم الضعة والهوان.

* ومن الجدير بالذكر أن قول أبي طالب المكي وقول الغزالي - إن صح تسميته قولا - قد ظل رهين كتابيهما، لم ينقله أحد، ولم يعرض له عالم بتقريظ، أو توهين، إلى أن جاء الدكتور زكي مبارك؛فنفخ فيه من تمويهه وتلبيسه؛ حتى غر به أقواما فتبعوه وقلدوه، وفي مقدمتهم الدكتور أحمد أمين، والمستشرق بروكلمان.

* وكان من قدر الله لإظهار الحق المبين في هذه المسألة: أن البيهقي قد نقل في (مناقب الشافعي)، عن الربيع أنه قال: :إن الشافعي قد ألف بمصر، كتاب (الأم) في ألفي ورقة".

وهو قول عظيم يلقف ما صنع المنكرون، ويدحض أقوالهم ويمحق باطلهم الذي جاؤا به من عند أنفسهم بغيا بغير الحق، أو تقليدا دون حجة قاطعة، أو برهان ناهض.

وإني مورد نص البيهقي بسنده؛ ليكون القارئ على بينة من أمره. 

قال البيهقي ٣/ ٢٩١ : «قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي، رحمه الله،  عن الزبير بن عبد الواحد، قال: حدثني محمد بن سعيد، قال: حدثنا الفريابي - يعني أبا سعيد - قال: قال الربيع بن سليمان: "أقام الشافعي ها هنا أربع سنين، فأملى ألفا وخمسمائة ورقة وخرج كتاب «الأم» ألفي ورقة، وكتاب السنن، وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين».

وما أظن المنكرين وتابعيهم بغير إحسان يجادلون البيهقي فيما قرأ وروى أو يمارون الربيع فيما شهد ورأى. 

وأي شهادة أكبر عند العقلاء من شهادة الربيع بأن الشافعي هو الذي ألف كتاب (الأم) كله، وأنه سطره في ألفي ورقة؟.

ولقد أحسن البيهقي صنعاً في سرده لأسماء الكتب التي اشتمل عليها «الأم» ١/ ٥٤٧ - ٢٥٤، وصدر سرده بقوله: «ومن الكتب التي هي مصنفة في الفروع، وهي التي تعرف بالأم. . . .».

وتسمية البيهقي لأسماء «كتب الأم» لها خطرها وقدرها، ولا مناص من تصديقه فيما قال؛لأنه رجل جمع كتب الشافعي، وأنفق حياته في درسها وترتيبها وتصنيفها، والانتصار لحديثها، ونشرها بين الناس، واتخاذها أساسا لمصنفاته، حتى بالغ إمام الحرمين في قوله عنه: «ما من شافعي إلا وللشافعي في عنقه منة إلا البيهقي؛ فإن له على الشافعي منة؛ لتصانيفه في نصرة مذهبه وأقواله». وهذا يضع الصواب في نصابه، ويرد الحق لصحابه،
انتهى.
____________________________

الخلاصة: مما سبق يتضح لنا أمورٌ منها:
١) بيان تدليس وتزوير، وضعف حجج الدكتورين زكي مبارك، وأحمد أمين في قضية نفي نسبة كتاب (الأم)؛ للإمام الشافعي.
٢) أن أحمد أمين نقل الفكرة عن زكي مبارك بلا تحقيق او تأمل، ونقل زكي مبارك عبارة الغزالي، التي قالها الصوفي المدلس أبو طالب المكي.
٣) وضوح كذب الصوفي أبو طالب المكي الذي زعم أن البويطي آثر الزهد والخمول، وصنف أثناء ذلك كتاب الأم، وتصرف فيه الربيع بن سليمان؛ فنسب إلى الربيع!.
٤) بيان أن حجج الدكتورين كانت أقرب إلى العبث، وتضييع الوقت، وما احسن قولهم: "وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه، لكان الإمساك أولى به، وأقرب إلى السلامة له".
٥) وأن قول الغزالي وأبي طالب المكي، قد ظل رهين كتابيهما، لم ينقله أحد، ولم يعرض له عالم بتقريظ، أو توهين، إلى أن جاء الدكتور زكي مبارك؛ فنفخ فيه من تمويهه وتلبيسه؛ حتى غر به أقواما فتبعوه وتقلدوه، وفي مقدمتهم الدكتور أحمد أمين.
...................................
انظر: مناقب الشافعي، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت: أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة- مصر، (ص ٣١- ٤٢).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق