أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 يونيو 2021

الأزهر الشريف والسلفيون بقلم: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

بين الأزهر والسلفيين

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة

بدايةً، وحتَّى لا نتجنَّى على أحد، لا بُد من نظرة منصفة للأزهر الذي كان في وقتٍ من الأوقات منارةً للعلم والمعرفة، وقبلةً للدارسين من شتى بقاع الأرض، وسراجاً منيراً يهدي الحائرين إلى الله تعالى، بعلمائه وشيوخه وطلابه.

ولكن هذا الأزهر القديم الذي واجه حركات التغريب، ووقف صامداً أمام موجات الانحراف الديني لم يعد موجوداً الآن بثقله وقوته!

ورصيده الضخم في العطاء والبذل يكاد ينفد شكلاً وموضوعاً؛ لا سيما بعدما طفت على سطحه بعض الشخصيات المريضة، التي تتحرك وفق خصومات وعداوات نفسية، مع رغبة عارمة في الانتقام من المد السلفي الكبير على الساحة الإسلامية عموماً، وفي الساحة المصرية خصوصاً.

وألمح هنا إلى دور المتصوفة الغلاة في إذكاء هذا السُّعار المذهبي الخطير والحنق الطائفي على الدعوة السلفية المباركة، وكان أقصر الحلول وأسهلها هو المواجهة والصدام المباشر مع السلفيين، والذي فطن له حلفاء المتصوفة فيما بعد  فكانوا الداعم الأول لطائفة التخريف والدجل في العالم العربي والإسلامي.

وعلى أثر هذا الدعم المباشر من أوروبا والمؤسسات الامريكية والغربية الذي يستهدف تشجيع الطرق الصوفية قام سوق المعركة الحقيقي بين السلفيين والطرقيين؛ وذلك بعد أن أدرك المتصوفة أن المعركة مع السلفيين غير متكافئة علمياً فاتجهوا إلى كيل التُّهم والتشكيك في المنهج أو يكون مستقبل المتصوفة في خطر ووضعهم سيكون حرجاً… وهذا ما كان بالفعل!.

وبعد تسلق المتصوفة قلاع الأزهر أصيب الأخير بجنون المذهبية، وغرور العصبية الهوجاء، وسعار الفتوى الخارجة عن أدب الفقه والخلاف، والتي تُصيب أصغر القضايا وتجعلها تتضخم في الرءوس، وتنتفخ بها العمائم، وتحترق من أجلها الأفكار، ناهيك عن حمى التبعية العمياء، واجترار الأحكام، والولاء المطلق للذات.

وأثيرت في سبيل ذلك مسائل كثيرة وقضايا متعددة كاد المسلمون أن يتركوها؛ لولا أنها أُعيدت إلى الواجهة:

"التوسل"، و "الأشعرية"، و"الاحتفال بالمولد النبوي" ودونها من المسائل التي تثير الألم وقد ملأت أسماع الناس وأبصارهم، وحفلت بها وسائل الإعلام، والقنوات المتلفزة ما بين مناظرة وحوار ومناقشة،

وتفاقم الأمر برمته؛ ليصل إلى تشويه المؤسسات الدينية ومحاولة إسقاط رموز الدعوة السلفية في العالم الإسلامي، بل دخل بعضهم في دوامة جديدة من التنابز بالكفر، ومحاولة محو الآخر وإلغائه.

وأمورٌ أخرى تستخفي، ونلمس مادتها في لحن القول والمواقف المشبوهة هنا وهناك،

ولا شك أن تصدير "الأزاهرة الجُدد" =الذين يحاولون نشر الخرافة والدجل بعد تشويه السلفيين والنيل منهم! خاطئ تماماً، وإساءة كبيرة للدين والأزهر؛ لأنهم سينقضون بجهلهم عرى الإسلام عروة عروة.

واستمرار هؤلاء "الجدد" في المناكدة الفكرية والردح الإعلامي سيجر الأزهر ومصر إلى مزيد من الضعف والهوان والجفاء، ومصير الجفاء أن يزبد ويزبد ثم يزول هذا الزبد؛ ليصفو للأمة وردها،

وكان الزمن كفيلاً بنسخ هذه الفتنة الشاردة التي يقودها مسوخ الضلال وأشباه الشيوخ لولا وجود من يغذيها من خالص ثروته ويُسخِّرُ لها مؤسساته الكبرى التي تستهدف جيل الصحوة وشباب الأمة،

إن المشروع البديل للأزهر والسلفيين هو العلمانية والإلحاد، وبعد إسقاط السلفيين سيكون الأزهر فريسةً سهلة بين أنياب الملحدين، بعد أن تكون المرحلة القادمة هي مرحلة رقود وغياب الأزهر عن المشهد، وأول من سيكتوي بأوارها هو الأزهر والمغيبين من أبناء هذه الأمة.

في نظري أن "السلفية" المعتدلة هي صمام أمان لكل الجماعات الإسلامية والحركات الدعوية، وكان على الأزهر أن يقاتل من أمامها، ويحوطها من ورائها، ويحاول التقارب معها،

ولكنه اختار أن يزج بها من خلفها، ويسير في خطٍّ آخر، لموافقة أهواءالسياسيين وأغراضهم، وبالطبع لا أتحدث عن الذين شوهوا السلفية أو الذين لا يمتون لها بصلة، لأن هؤلاء حقيق بهم أن يُنكر عليهم أشد النكير.

وفي المقابل نجد شخصيات بارزة من الأزهر الشريف، لها جهودها المباركة في الدعوة والفكر، وقد مارست دورها المنوط بها في الحفاظ على وحدة الأمة وإصلاح الخلل الحاصل، سواءً اتفقنا معهم في بعض القضايا أو اختلفنا،

أذكر منهم:

الدكتور محمد عمارة، ويوسف القرضاوي، والشيخ سيد سابق، ومصطفى محمود، ومحمد سليم العوا،

ومن قبلهم: محمود شلتوت، ومحمد أبو زهرة، وحسنين محمد مخلوف، ومحمد رجب البيومي، وغيرهم الكثير.

وحتى الشيخ أحمد الطيب له مواقف مشرفة من الحفاظ على السُّنة من محاولات التحريف، وتبرؤه من مؤتمر الشيشان، وغيرها من المواقف المشرفة حقيقة.

إن من ينظر إلى ميدان الدعوة والعلم في أرض الإسلام يغوص قلبه كآبةً وكمداً لما يراه من ضياع وفوضى؛ وكأنما يتم اختيار هؤلاء الطافين وفق مواصفات تُعكر صفو الإسلام، وتُطيح بحاضره ومستقبله.

والغريب العجيب أن الجهود مبذولة لمطاردة الدعاة الصادقين من العلماء الأصلاء، والفقهاء الحكماء، للقضاء عليهم وترك المجال للبوم الناهمة والغربان الناعقة ليتصدروا الدعوة ويتحدثوا باسم الإسلام!!

كـ علي جمعة، وأسامة الأزهري، وخالد الجندي، والهلالي، وغيرهم ممن يحاول كي الوعي وقلب المفاهيم والعبث بالتراث؛ وجعل الأحاديث الموضوعة والمُنكرة صحيحة، وجعل الصحيحة مردودةً ومُضعفة؟!! ومن يُحاول نشر البدع وهرطقات التصوف وسلبياته في الأمة، فهؤلاء لا بارك الله فيهم.

وختاماً: من كوني كنتُ طالباً في المعاهد الدينية الأزهرية، أقول: لا بُد من صحوة ضميرٍ عند الأزاهرة، ورغبةٍ في التغيير إلى الأفضل، تكون سوراً يحول دون هذا العبث الداهم والفوضى الدينية الضارية، وإلا فإن الخطر قادمٌ لا محال… والهدف البعيد هو إقصاء الدين عن واقع الحياة، برؤية ارجائية علمانية.

آملاً أن يعود للأزهر صفاؤه ونقاؤه من هذه الشوائب العالقة، وتعود للأمة عزها وكرامتها، ومنهاج سلفها الصالح.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق