أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 9 ديسمبر 2021

زكاة العسل أ. د. سلمان بن نصر الداية -بحث علمي منشور

زكاة العسل

أ. د. سلمان بن نصر الداية

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ العسل شرابٌ لذيذٌ طعمه، حلوٌ مذاقه، خلقه الله سبحانه في بطون النحل ألواناً مختلفةً، وجعله دواءً وغذاءً وحلوى وشفاء، وذكر العلماء من فوائده: أنه يجلو الأوساخ في العروق، ويدفع الفضلات في الأمعاء، ويغسل المعدة، ويُنقي الكبد والصدر، ويُدرُّ البول والطمث، وينفع للسعال، وأنه يقتل القمل والصئبان، ويُطيل الشعر ويُحسنه، وإن اكتحل به يجلو البصر، كلُّ ذلك وأكثر منه، مصداق قول الله جل في عُلاه: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 68، 69).

وهذه رسالةٌ نفيسة في بيان حكم الزكاة في العسل، والذي ذهب إليه شيخنا الباحث -وفقه الله -إلى أن الفقراء والمساكين لهم حقٌّ في العسل عند أصحاب المناحل، وهي -بلا شك -مسألةٌ اختلف فيها الفقهاء والعلماء، وتفصيل ذلك كما يلي:

أولاً: مذاهب العلماء في ذلك:

1.ذهب مالك والشافعي في الجديد، وغيرهما: إلى أنه لا زكاة في العسل، وهو قول جمهور العلماء. 

2.وذهب الحنفية، وأحمد وغيرهما: إلى وجوب الزكاة في العسل.

واشترط أبو حنيفة في إيجاب الزكاة في العسل، أن يكون في أرض عُشرية (وهي الأرض الزراعية التي يجب فيها إخراج العشر فيما يخرج من ريعها، من زكاة الزروع أو زكاة الثمار)، ولم يشترط نصاباً له، فيؤخذ العشر من قليله وكثيره.

وعكس الإمام أحمد، فاشترط أن يبلغ نصاباً، وهو عشرة أفراق، والفرق ستة عشر رطلا عراقيا، وسوَّى في وجوب ذلك بين وجوده في الأرض الخراجية، أو العشرية (والأرض الخراجية: هي التي لا يملكها أحد من المسلمين بعينه، وهي الأرض التي صولح عليها أهلها، وكذا الأرض التي جلا عنها أهلها خوفا وفزعا من المسلمين، والأرض التي فتحت عنوة وتركها الإمام في أيدي أهلها يزرعونها وينتفعون بها بخراج معلوم، سواء أسلم أهلها بعد فتحها أو لم يسلموا. وهي كالأرض الوقف أو الموات، والجبال، والغابات والأودية).

واختلف أحمد مع صاحبي أبي حنيفة في نصاب العسل: 

فقال أبو يوسف: نصابه عشرة أزقاق (والزق وعاء جلدي)، وقال محمد: هو ثمانية أفراق. ونقل عنهما أن النصاب خمسة أوسق كنصاب الحـب والثمر، وأما أحمد بن حنبل فقد أفاد أن نصاب العسل عشرة أفراق. 

واستدلَّ القائلون بوجوب الزكاة في العسل، بأدلةٍ منها:

(1) عن سعدِ بنِ أبي ذُبابٍ أنَّه قَدِمَ على قوْمِه، فقال لهم: في العَسَلِ زكاةٌ؛ فإنَّه لا خيرَ في مالٍ لا يُزَكّى. قال: فقالوا: كَمْ ترى؟ قال: قلتُ:" العُشْرُ". قال: فأَخَذَ منهمُ العُشْرَ. قال: فقَدِمَ به على عُمَرَ، فأَخبَرَه بما فيه. قال: (فأَخَذَه عُمَرُ، وجعَلَه في صَدَقاتِ المُسلِمين).

حديث ضعيف، أخرجه العقيلي في "الضعفاء الكبير"، وقال: فيه رواية أخرى عن عمر أصلح من هذه الرواية من غير هذا الوجه، وأخرجه ابن عدي في "الكامل"، قال: فيه والد منير بن عبد الله. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": فيه منير بن عبد الله وهو ضعيف‏‏، وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة": فيه منير بن عبد الله، قال علي بن المديني: منير لا يعرف إلا في هذا الحديث. وقال شعيب الأرناؤوط في "تخريج شرح السُّنة": إسنداه ضعيف. 

(2) وفي الحديث، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، عنِ النبي صلى الله عليه وسلم (أَنه أَخَذَ مِن الْعسلِ الْعشْر).

مختلفٌ في تصحيحه، قال الرباعي في "فتح الغفار": فيه أسامة بن زيد وهو ضعيف، أخرجه ابن ماجه، وقال الألباني: حسن صحيح، وقال الأرناؤوط في "تخريج المُسند": إسناده لا يخلو من مقال، وقال ابن الملقن في "تحفة المحتاج": إسناده جيد، وقال ابن دقيق العيد في "الإلمام": فيه نعيم بن حماد وقد مس، عن أسامة بن زيد، فمن يحتج بنسخة عمرو وبالرجلين احتج به.

(3) وفي الحديث عن أَبِي سيارةَ الْمتَعِي، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسالم عن نحلٍ له، فقال له (أدِّ العُشر)؛ قلتُ: يا رسولَ اللهِ ! احْمِ لي جبلها، فحماهُ لي.

حديثٌ ضعيف، أخرجه ابن ماجه في "سننه"، وأحمد في مسنده، والبيهقي في "الكبرى"، وقال البيهقي: هذا الحديث أصحُّ ما رُوي، وهو منقطع، وقال البخاري في "العلل الكبير" منقطع، وأورده الترمذي في "العلل الكبير"، وقال الوادعي في "أحاديث مُعلة": منقطع، وقال الأرناؤوط في "تخريج زاد المعاد": منقطع، وقال ابن باز في "الفوائد البازية": المعروف في أحاديث زكاة (النحل) أنها كلها ضعيفة، فالذي نعرف ونحفظ أنها كلها ضعيفة، وقال الألباني: حسن صحيح.

(4) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: (أتى هِلَالٌ -أحدُ بني مُتعان -إِلَى رسولِ اللَّـهِ بِعشُورِ نَحلٍ لَه، وسأَلَه أَن يحمِي لَه وادِيا يقَال لَه سلَبة؛ فحماه له، فلمّا ولى عمرُ كتبَ إلى عاملِهِ: إن أُدِّىَ إليكَ عشورُ نحلِهِ فاحْمِ له سلَبَهُ وإلا فلا).

حديثٌ حسن، أخرجه أبو داود والنسائي في "سننهما"، وأخرجه الطبراني في "الأوسط"، وقال: لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن الحارث إلا موسى بن أعين، وقال ابن حزم في المُحلى: لا يصح، وقال ابن حجر العسقلاني في "الفتح": إسناده صحيحٌ إلى عمرو. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير": قال الدارقطني: يروى عن عبد الرحمن بن الحارث. وابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب مسنداً، وعن عمر مرسلاً، قلتُ: فهذه علته، وعبد الرحمن وابن لهيعة ليسا من أهل الإتقان، لكن تابعهما عمرو بن الحارث أحد الثقات، وتابعهما أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب. وقال الأرناؤوط في "تخريج المُسند": لا يخلو إسناده من مقال، وقال الألباني: حسن.

(5) عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: (إنَّ رسولَ اللهِ كان يُؤخذُ في زمانِه من قِرَبِ العسلِ من كلِّ عشرِ قِرَبٍ قربةٌ من أوسطِها).

إسناده ضعيف، أخرجه أبو داود في "سننه"، وقد أشار إليه ابن حجر في "التلخيص"؛ فقال: يروى عن عبد الرحمن بن الحارث.. الخ وليس من أهل الإتقان، وقال الألباني في "إرواء الغليل": صحيح.

(6) عن عمرو بن شعيب، أيضاً: (أنَّ أميرَ الطائفِ كتبَ إلى عمرَ بنِ الخطابِ إنَّ أهلَ العسلِ مَنَعُونا ما كانوا يُعطونَ مَن كان قبلَنا، قال: فكتبَ إليهِ إن أَعطوكَ ما كانوا يُعطونَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فاحْمِ لهم وإلا فلا تَحْمِ لهمْ)

إسناده ضعيف، أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"، وقال الألباني: في "إرواء الغليل": مُرسل!.

(7) عن عبدالله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كلِّ عشرةِ أزقٍّ زِقُّ).

ضعيف يحتمل التحسين، أخرجه الترمذي في "سننه"، وقال: في إسناده مقال ولا يصح عن النبي في هذا الباب كبير شيء، وأخرجه ابن حبان في «المجروحين»، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» وقال: فيه صدقة بن عبد الله أكثر أحاديثه مما لا يتابع عليه وهو إلى الضعف . وقال البخاري في "العلل الكبير": هو عن نافعٌ مُرسلٌ، وليس في زكاة العسل شيءٌ يصح. وقال ابن القيسراني في "تذكرة الحفاظ": فيه صدقة بن عبد الله السمين ضعيف منكر الحديث، وقال ابن العربي في "تحفة الأحوذي": فيه صدقة بن عبد الله ضعيف الحفظ مبتدع الدين. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية": ولا يصح عن النبي  صلى الله عليه وسلم  في هذا الباب كبير شيء قال أحمد: فيه صدقة ليس يساوي حديثه شيئاً، وقال النسائي ليس بشيء، وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات، وقال الرازي: وعمرو لا يحتج به. وقال ابن الملقن في "البدر المنير": صدقة السمين ضعيف، وقال ابن حجر في "تلخيص المشكاة": حسنٌ كما قال الترمذي في المقدمة. وقال الكمال بن الهمام في "شرح فتح القدير": ضعيف. وقال الألباني في "تخريج المشكاة": له شاهدٌ بسند جيد.

(8) عن عطاء: أن ناساً من أهل اليمن جاءوا إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: (إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أقطع لنا واديًا باليمنِ فيه خلايا من نحلٍ، وإنا نجدُ ناسًا يسرقونها. فقال عمرُ: إذا أدَّيتم صدقتَها من كلِّ عشرةِ أفراقٍ فَرْقًا حَمَيناها لكم).

 رواه الجوزجاني كما في الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (30/ 119)، وشرح سنن أبي داود لابن رسلان (7/ 565)، وقال الألباني في "إرواء الغليل": لم أقف على سنده!.

(9) وقال ابن حزمٍ في "المُحلَّى": وصح عن مكحول والزهري : أن في كل عشرة أزقـاق من العسل زقاً. قال : رويناه من طريق ثابتة عن الأوزاعي، عن الزهري.

(10) واستدلوا بالقياس أيضاً، فقالوا: العسل يتولد من نوى الشجر والزهر، ويكـال ويـدخر فوجبـت فيـه الزكـاة كالحبوب والثمار.

ويرى الذين لا يوجبون الزكاة في العسل: 

(1) أن الأحاديث الورادة في زكاة العسل ضعيفة، ولا يصحُّ منها شيء، وقد أطلق ذلك الإمام البخاري، والترمذي، وابن المنذر، وابن الجوزي.

(2) أن العسل طعام يخرج من حيوان، فلم تجب فيه الزكاة كاللبن.

(3) وأن العسل كالعنبر واللؤلؤ بالقياس، وكما أنه لا زكاة فـي العنبر الذي يقذفه البحر، ولا في اللؤلؤ، فلزم أن يكون العسل لا زكاة فيه.

(4) وفي "سنن الترمذي"، ومصنف "عبد الرزاق"، والموطأ، عن الْمغِيرة ُ بن حكِيمٍ الصَّنعاني أَنه قَالَ: (لَيس فِي الْعـسلِ صدقَة)، وبذلك أفتى عمر بن عبد العزيز.


وقال الشافعي: واختياري ألا يؤخذ منه، لأن السنن والاثار ثابتة فيما يؤخذ منه (يعني لمن أراد إخراج زكاته)، وليست ثابتة فيه، فكان عفواً.

وقال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت، ولا إجماع، فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور.

ويُمكن أن يُجاب على قول الجمهور:

بأنه وإن لم يصح في إيجابه حديث، إلا أنه جاء فيه آثار يقوي بعضها بعضاً، ولأنه يتولد من نور الشجر، والزهر، ويكال ويدخر، فوجبت فيه الزكاة، كالحب والتمر، ولأن الكلفة فيه دون الكلفة في الزروع والثمار (وهو مذهب أهل الورع).

وقد تضمن هذا البحث مقدمة، ومطلباً واحداً، وخاتمة .

أما المقدمة: فجعلتها في العسل غذاء وشفاء.

وأما مطلب البحث: فجعلته في حكم زكاة العسل، وخلاف العلماء فيه، وذكـر أدلة المذاهب ومناقشتها.

وأما خاتمة البحث: فجعلتها في ذكر المذهب المرتضى المختـار، ومسوغات الاختيار، وذكرت فيها نصاب العسل، والقدر المخرج منه زكاة مع الحرص على تأييد كل ذلك بالدليل. 

خاتمة البحث:

بعد استقراء المذاهب والخلاف في المسألة، وأدلة كل مذهب، والمناقشات التي ذكروا، كانت أهم نتائج البحث:

١.أن زكاة العسل من مسائل الخلاف عند العلماء، وذلك بسبب التعارض الظاهري بين الأحاديث والآثار وتباين العلماء في وجه الاستدلال منها.

٢.إن المذهب المرتضى عند الباحث هو المذهب القاضي بوجوب الزكاة في العـسل إذا انتظمت فيه شروطه.

٣.أن للعسل نصاباً يعدل ثلاثين صاعاً، أو تسعين كيلو جراماً.

٤.وأن القدر الواجب من النصاب يختلف باختلاف المؤنـة علـى النحـل، وجني العسل منه، فإن كان يجتنيه من الجبال، أو الكهـوف، أو رؤوس الأشجار، أو كان يصنع له الخلايا، ونحو ذلك ففيه نصف العشر، وإن كان يجتنيه مـن الـسهل ولا يتكلف له ففيه العشر كاملاً.



الثلاثاء، 7 ديسمبر 2021

منظومة الحافظ الزَّين العراقي في الصور التي يُستحب فيها الوضوء وشرحها لابنه وليِّ الدين العراقي الشَّافعي

منظومة الحافظ الزَّين العراقي في الصور التي يُستحب فيها الوضوء

وشرحها لابنه وليِّ الدين العراقي الشَّافعي

تحقيق راشد بن عامر الغفيلي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ الوضوء في أسمى معانيه هو إفاضة الماء على الأعضاء لإزالة ما علق بها من غبار الشهوات، فإذا به يجرف سيل الخطايا التي امتدت إلى الأطراف وغمرتها، لتصُبح -بعد ذلك -وضَّاءةً بالنور، مُجلَّلةً بالحُسن والبهاء؛ وقد امتزج هذا الماء بالنية الخالصة التي تتدفق إلى أجزاء الروح، فيرتوي منها القلب، ويهتزُّ نشوةً من معاني النعيم الباطن؛ فيثمر الخشوع والتعظيم لله، في أجل مقامات التوحيد والمعرفة.

وهذه رسالةٌ لطيفة مختصرة في "شرح منظومة الحافظ العراقي" عبد الرحيم بن الحُسين العراقي (٨٠٦ هـ) صاحب ألفية الحديث المشهورة، وهي منظومةٌ جمعت أربعين صورةً يُستحبُّ فيها الوضوء، في عشر أبيات.

وقد شرحها ابنه: ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي (ت ٨٢٦ هـ)، وذلك بعزو كل صورةٍ ذُكرت لمن صرَّح به من الأئمة الشَّافعية، من غير ذكر الأدلة عليها، لئلا يطول الكتاب.

نصُّ المنظومة:

١ ـ ويندب للمرء الوضوء فخذ لدى  

مواضع تأتي، وهي ذات تعدد  

٢. قراءة قرآن، سماع، رواية  

ودرس لعلم، والدخول لمسجد  

٣. وذكر، وسعي، مع وقوفي معرف  

زيارة خير العالمين  مُحمَّدِ

٤ ـ وبعضهم عد القبور جميعها

وخطبة غير الجمعة اضمم لما بدي

٥. ونوم، وتأذين، وغُسل جنابة 

إقامة أيضاً، والعبادة فاعدد 

٦. وإن جُنباً يختارُ أكلاً، ونومَه

وشرباً، وعوداً للجماع المجدد

٧. ومن بعد فصد، أو حجامة حاجمٍ

وقيء، وحمل الميت، واللمس باليد 

٨. له أو لخُنثى، أؤ لمسٌ لفرج  

ومسٌّ ولمسٌ فيه خُلفٌ لأمرد  

٩. وأكلُ جزوٍر، غيبة، ونميمة  

وفُحشٌ، وقذف، قول زور مُجرَّد 

١٠. وقهقهة تأتي المصلي، وقصُّنا

لشاربنا، والكذب، والغضب الردي  

الشرح:

الأولى والثاني والثالثة: قراءة قرآن، سماع، رواية، صرَّح بها الرافعي وغيره.

الرابعة: ودرس العلم، كما صرَّح به النووي في "المجموع شرح المهذب"، والمرا دبالعلم الشرعي، ونحوه كعلوم اللغة والبيان والحديث وأصول الفقه.

الخامسة: دخول المسجد، كما عبَّر عنه الرافعي في "المحرر".

السادسة: ذكر الله تعالى، لما رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم (كان يكره أن يذكر الله تعالى إلا على طهارة).

السابعة والثامنة والتاسعة: السعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، وزيارة قبر النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم، ذكرها النووي في "شرح المهذب" وغيره.

العاشرة: زيارة القبور مُطلقاً، ذكره القاضي حُسين في "شرح فروع ابن الحداد".

الحادي عشر: خُطبة غير الجمعة، ذكره النووي في "شرح المُهذَّب". وقوله (اضمُم لما بدا) أي: اضمم هذا الذي ذكرناه لما بدأنا بذكره.

والثانية والثالثة والرابعة والخامسة عشرة: إرادة النوم، والأذان، والإقامة، وغُسل الجنابة، ذكرها النووي في "شرح المهذب". وتعبيره "بالجنابة" للتمثيل لا للتقيد؛ فيُستحبُّ الوضوء في كل غُسلٍ واجبٍ، سواءٌ كان غُسل حيضٍ أو نفاسٍ أو غُسل ميتٍ. والظاهر استحباب الوضوء في الغُسل المسنون -أيضاً -إذ هو على صورة الغُسل الواجب.

السادسة عشرة: عيادة المريض، وفيه حديثٌ عند أبي داود وهو ضعيف، وعن البغوي أنه لا يُستحب.

السابعة والثامنة والتاسعة عشرة والعشرون: إذا أراد الجُنب الأكل أو الشُّب، أو النوم، أو الجماع، ذكرها النووي في "شرح المهذب"، وجاءت بها أحاديث صحيحة.

الحادية والعشرون إلى الخامسة والعشرين: الفصد، والحجامة، أي: يُسنُّ للمفصود والمُحتجم، وخروج القيء، وحمل الميت، ومسُّه بيده، ذكرها النووي في "شرح المهذب".

السادس والعشرون: لمس الرجل أو الخنثى لمرأة أو لخنثى، نقله القُمولي في "الجواهر".

السابع والعشرون: مسُّ الخنثى أحد فرجيه، ذكره القمولي عن بعضهم وأقرَّه، وكذلك لو مسَّ فرج غيره من باب أولى.

الثامنة والتاسعة والعشرون: كلُّ مسٍّ اختُلف في النقض به وقلنا لا ينقُض، كمسِّ فرجه بظاهر كفِّه، أو بما بين الأصابع، وكمسِّ الانثيين، وكلمس ذوات المحارم، والصغيرة التي لا تُشتهى، والأمرد. نقلها في"الجواهر عن بعضهم وأقرَّه.

الثلاثون: أكل لحم الجزور، وإن قلنا إنه غير ناقض، ذكره في "شرح المهذب".

الحادية والثلاثون إلى السادسة والثلاثين: الغيبة، والنميمة، والفُحش، والكذبُ، والقذف، وقول الزور، قاله في "شرح المهذب".

السابعة والثلاثون: القهقهة إذا صدرت من المُصلي، وهي: الضحك بصوت، ذكره في "شرح المهذب".

الثامنة والثلاثون: الوضوء لمن قصَّ شاربه، ذكره ابن الصباغ في "فتاويه".

التاسعة والثلاثون: الغضب، ذكره في "شرح المهذب".

الأربعون: كل نومٍ اختُلف في النقض به، وقلنا لا ينقض، كنوم المُمكن مقعدته من الأرض. ذكره القُمولي عن بعضهم.

تذييل:

يقول الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر (ص: 428) في ذكر المواضع التي يستحب فيها الوضوء: وقعت في "الخلاصة" (=وهو نظم لكتاب روضة الطالبين للنووي) في ثمانية أبيات وهي:

* ويندب الوضوء للقراءة

والعلم شرعياً وللراويه

* ولدخول مسجدٍ، وإن غَضِب

وغيبةٍ، وكلِّ زُورٍ ككذب

* والسعيُ، والوقوفُ، والزياره

والنوم، والتأذين، والإمامه

* وجُنُبٍ، للشُّربِ والطعام

والعودِ للجماع والمنام

* مع غسل فرجٍ، لا لذات الدم ما

لم ينقطع، وكرَه تركُه انتمي

* وعائن مع غسله للباطن

وصبه على المُعَان الواهن

* وقصُّ شاربٍ، ونفلُ الخطبة 

وشكَّه، وحمله للميت

وكلُّ ما قيل بنقضه الوضوء

ومن يزد عيادةُ معترض

ولأبي البركات محمد بن محمد الغزي (ت ٩٨٤ هـ) منظومةً فيما يُسنُّ له الوضوء، وشرحها، انظر: لطائف المنَّة لأبي المعالي الغزي (ص ٤١).



الاثنين، 6 ديسمبر 2021

حديث المسيء صلاته دراسة فقهية حديثية/ رسالة ماجستير -الدراسات الإسلامية الطالب فرح محمد عبد الله

حديث المسيء صلاته

دراسة فقهية حديثية/ رسالة ماجستير -الدراسات الإسلامية

الطالب فرح محمد عبد الله

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذه دراسة فقهية حديثية لحديث المُسئ صلاته، وهو حديثٌ مشهورٌ صحيح، اعتمد عليه العلماء في بيان ما يجب في الصلاة وما لا يجب فيها؛ لأنه جاء في مقام البيان والتعليم، وقد قام الباحث بتحليل فقرات هذا الحديث متناً وإسناداً، واستخلاص أكبر قدر من أحكام الصلاة، لا سيما أركان الصلاة المتفق عليها بين الفقهاء والأركان المختلف فيها، مع ذكر بعض السنن المذكورة في الحديث، وبعض مبطلات الصلاة.

والمسيءُ صلاته هو (خلاد بن رافع الزُّرقي)، وكان شهد بدراً وأُحداً، وله من الأولاد "يحيى" وكان له عقبٌ كثير، لكنهم انقرضوا ولم يبق منهم أحد.

وقد ناقش الباحث في هذه الرسالة أموراً كثيرةً، أهمها: 

1/ جمع الروايات المختلفة لهذا الحديث، وبيان اختلاف ألفاظها، وأهمها روايتان:

أ-رواية أبي هُريرة، وهي الرواية الأصح إسناداً، ومُخرَّجة في الصحيحن وغيرهما.

ب-رواية رفاعة بن رافع، وهو أخو المسيء صلاته، ورواياته أكثر فائدة.

2/ بيان أهم الأحكام التي تضمنها هذا الحديث.

ويتكون هذا البحث من مقدمة وفصلين وخاتمة وفهارس عامة، وهي على النحو التالي:

المقدمة، وتشتمل على: سبب اختيار الموضوع، وأهميته، ومشكلته، وأهدافه، والدراسات السابقة.

الفصل الأول: الدراسة الحديثية للحديث، وفيه ثلاث مباحث

المبحث الأول: الحديث برواية أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: تخريج الحديث برواية أبي هريرة رضي الله عنه وبيان درجته:

هذا الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" (757، 793، 6251، 6252، 6667)، ومسلمٌ في "صحيحه" (397)، وأبو داود (856)، والترمذي في "سننه" (303)، (2692). والنسائي (884). وابن ماجه (1060)، وأحمد في "مسنده" (9635)، والبيهقي في "الكبرى" (2765، 3942)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2959).

المطلب الثاني: ترجمة راوي الحديث "أبي هريرة رضي الله عنه"، وفيه: 

اسمه، ونسبه، وكثرة روايته، وحرصه على الحديث، واعتراف الصحابة بفضله، والردُّ على بعض الشُّبه التي أُثيرت حوله، والأسباب التي مكنته من الحفظ، ووفاته (انظرها)

المبحث الثاني : حديث رفاعة بن رافع وبيان درجته، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تخريج الحديث في كتب السنة:

أخرجه أبو داود في سننه (859) مختصراً وفي إسناده محمد بن عمرو "صدوقٌ له أوهام"، والترمذي (302) وفيه يحيى بن علي الزرقي "مقبول"، وأخرجه ابن ماجه (460) والنسائي في "الكبرى" (726)، وأحمد في "المسند" (18995)، والدارمي في "سننه" (1368) أربعتهم بإسناد صحيح ورواتهم ثقات.

المطلب الثاني : دراسة الأسانيد وبيان درجتها.


المطلب الثالث : التعريف براوي الحديث "رفاعة الزرقي: 

وهو "رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الزُّرقي"، وفيه: نسبه، وأمه، والمشاهد التي حضرها، وروايته، ووفاته.

الفصل الثاني : الدراسة الفقهية للحديث:

المبحث الأول: شروط الصلاة وأركانها من خلال الحديث؛ وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: شروط الصلاة الواردة في الحديث:

1-الطهارة.

2-استقبال القبلة، ويشترط فيها: الأمن، والقدرة.

يدلُّ عليهما، قوله ((إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ))

المطلب الثاني: الأركان المتفق عليها من خلال الحديث:

1- تكبيرة الإحرام (على خلاف في الصيغة المجزئة).

2- والـقيام مع القدرة.

3-والقراءة (والفاتحةُ ركنٌ عند الجمهور، وسنة عند الحنفية).

4-والركوع.

5-والسجود.

يدلُّ لذلك قوله: (فَكَبِّرْ ثم اقرأ بِمَا تيسَّر معك من القرآن، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا … ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، … ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، … وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا)

المطلب الثالث : الأركان المختلف فيها من خلال الحديث:

1-الرفع من الركوع (عند الجمهور ركن، وعند الحنفية واجب).

2-الرفع من السجود (عند الجمهور ركن، وعند الحنفية واجب).

3-الجلوس بين السجدتين (عند الجمهور ركن، وعند الحنفية واجب).

4-الاعتدال في الجلوس والقيام من الركوع، على التفصيل السابق.

5-الطمأنينة (عند الجمهور ركن، وعند الحنفية واجب).

6-ترتيب الأركان، وهو مُستفادٌ من قوله (ثُم) (وهو عند الحنفية شرط، وعند الجمهور ركن)..

ويدلُّ لذلك، قوله: (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ (تستوي) قَائِمًا … ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ (تَسْتَوِيَ وَتَطْمَئِنَّ) جَالِسًا، … ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا …).

المطلب الرابع : الأركان التي لـم تذكر في الحديث:

وهناك ستة أركان لـم تذكر في الحديث، ثلاثة منها مُتفقٌ عليها، وثلاثة مُختلفٌ فيها.

أما الأركان المتفق عليها، ولم تُذكر في هذا الحديث؛ فهي: النية، والجلوس للتشهد الأخير (على خلافٍ في قدره)، وترتيب أركان الصلاة (وقد استنبطها بعض العلماء من نفس الحديث).

وأما الأركان المختلف فيها، ولم تُذكر في هذا الحديث؛ فهي: 

1- التشهد الأخير (واجبٌ عند أحمد والشافعي، وسُنة عند مالك وأبي حنيفة)، واختار أبو حنيفة تشهد ابن مسعود ، واختار مالك تشهد عمر بن الخطاب واختار الشافعي: تتشهد ابن عباس.

2-السلام الأول: (فرض عند الجمهور، ومُستحبُ عند الحنفية).

3-الصلاة على النبيِّ في التشهد الأخير (وهي ركن عند أحمد والشافعي، وسنة عند مالك وأبي حنيفة).

المبحث الثاني: أحكام أخري مستنبطة من الحديث، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: السنن والمستحبات المستنبطة من الحديث، وهي:

1-التعوذ قبل القراءة (مستحب عند الجمهور، مكروهٌ عند المالكية).

2-دعاء الاستفتاح (مستحب عند الجمهور، مكروهٌ عند المالكية).

3-رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام.

4-وضع اليد اليُمنى على اليُسرى.

8-5 -تكبيرات الانتقال (مستحبة عند المالكية والشافعية، سُنَّةٌ عند الحنفية، وواجبةٌ عند والحنابلة =عدا تكبيرة المسبوق الذي أدرك إمامه راكعاً، فله تركها ولكن يأتي بتكبيرة الإحرام).

9-هيئة الجلوس في الصلاة.

10-وضع اليدين على الفخذين (على خلاف في كيفية الإشارة بالأصابع).

11-التحميد والتسميع (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد).

12-جهر الإمام بالتكبير والتسميع والسلام (سُنة عند الجمهور، مندوبٌ عند المالكية).

المطلب الثاني: مبطلات الصلاة من خلال الحديث

1-الأكل والشرب عمداً.

2-الكلام عمداً في غير مصلحة الصلاة.

3-العمل الكثير عمداً.

4- ترك ركن أو شرط عمداً وبدون عذر.

5-الضحك في الصلاة.

أهم نتائج الدراسة (عند الباحث):

من خلال الدراسة الحديثية الفقهية لهذا الحديث توصلت إلى نتائج وتوصيات، أوجزها فيما يلي: 

1. يروى هذا الحديث عن طريق صحابيين جليلين فقط وهما: (أبو هريرة ، ورفاعة بن رافع رضي الله عنهما). 

2. أما رواية أبي هريرة فهي رواية متفق عليها في الصحيحين، بينما رواية رفاعة بن رافع لم ترد في الصحيحين بل وردت في كتب السنة الأخرى. وقد بينت درجة أسانيدها وحكمت عليها.

3. هذا الحديث وإن كان هو عمدة العلماء فيما يجب وما لا يجب في الصلاة إلا  أنه لم يستوعب جميع أركان الصلاة فهناك أركان متفق عليها ومختلف فيها لم تذكر فيه .  

4. ليس كل ما ورد في الحديث واجبا بل فيه سنن ومستحبات ومندوبات.

5. يمكن أن تستنبط مبطلات الصلاة من قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: (ارجع فصلي فإنك لم تصل)، فنفيه صلى الله عليه وسلم لصلاته يستفاد منه أنه أتى بما ينافي صحتها وهو ما يعرف عند الفقهاء بمبطلات الصلاة.

أهم التوصيات:  

1. أوصي طلبة العلم والباحثين في مجال الحديث بالاعتناء بالدراسات الحديثية الفقهية حتى نؤصل لكثير من القضايا الفقهية التي وضعها علمائنا الأفاضل ولم يذكروا أدلتها وقتها وذلك حسب ما يقتضيه زمانهم .  

2. كما أوصي مؤسسات التعليم العالي المتخصصة في الدراسات الإسلامية بإقامة مشاريع متخصصة تتبنى تخريج أحاديث كتب الفقه التي تدرس في المساجد  السودانية، وأن يبدأ المشروع بكتب المذهب المالكي باعتباره السائد والأكثر انتشاراً في هذا البلد.  

3. كما أوصي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بتصنيف البحوث العلمية الواردة إليها كل عام على حدة، ثم اختيار أفضل مئة بحث في كل مجال لابتعاث  أصحاب البحوث المتميزة خارج البلاد ليكملوا مراحلهم التعليمية التالية في جامعات أكثر تخصصاً ودقة.