أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 26 سبتمبر 2020

إثلاج الصدور بحكم قطع الصلاة بالمرور -تأليف: فريح بن صالح البِهلال

إثلاج الصدور بحكم قطع الصلاة بالمرور

تأليف: فريح بن صالح البِهلال

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ هذا البحث الصغير مُستلٌّ من كتاب "إتحاف الأخوة بأحكام الصلاة إلى السترة" (ص 163-196) للمؤلف نفسه، يُناقش فيه الباحث مسألةً مُهمَّة من مسائل الفقه والحديث، وهي مرور: المرأة البالغة، والكلب الأسود، والحمار بين يدي المُصلي إلى غير سُترة، هل تقطع صلاة المرء بمعنى تُبطلها أم تقطعها بمعنى تنقص من أجره؟!!

    فاختار المؤلف أنها تبطل الصلاة بمرور هذه الأشياء الثلاثة وهي إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب الظاهرية، وأما مرور غير هذه الأشياء؛ فقالوا: تنقص الأجر ولا تقطع الصلاة.. 

     والذي أراه صحيحاً ومتوجهاً هو مذهب جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية، وهو أنه لا تبطل الصلاة بمرور شيءٍ من هذه الأشياء (الكلب والمرأة والحمار)، وأن المقصود بالقطع هو (نقصان الأجر والثواب).
     وكل ما استدلَّ به الباحث فقد أجاب عنه الفقهاء؛ وعمدتنا في هذا الباب هو ما رواه الشيخان، عن ابن عباس: قال: (أقبَلْتُ راكبًا على حمارٍ أتَانٍ، وأنا يومَئذٍ قد ناهَزْتُ الاحتلامَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُصلِّي بمِنًى إلى غيِر جِدارٍ، فمرَرْتُ بين يدَيْ بعضِ الصَّفِّ، وأرسَلْتُ الأتَان  ترتَعُ، فدخَلْتُ في الصَّفِّ، فلم يُنكَرْ ذلك علَيَّ).


إتحاف الإخوة بأحكام الصلاة إلى السترة -تأليف: فريح بن صالح البهلال

إتحاف الإخوة بأحكام الصلاة إلى السترة

تأليف: فريح بن صالح البهلال

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

تمهيد/ إن اتخاذ السُّترة في الصلاة أخذ قسطاً كبيراً من بحث العلماء والفقهاء في: حكمها، وصفتها، وفي معنى قطع الصلاة لمن لم يتخذها، ويبدو أن حديث ابن عباس في الصحيحين (أن النبيَّ صلى إلى غير جدار) كان محوراً لهذا البحث، وهو العمدة في هذا الباب، وعليه اختلفت آراء الفقهاء.

     ولا شكَّ أن اتخاذ السُّترة خيرٌ للمرء من عدم اتخاذها، لأن الخروج من الخلاف مُستحب، ولكن الخلاف في هذه المسائل -إن قلنا به - فهو قويٌّ ومعتبر.

     وبين أيدينا كتاب (إتحاف الإخوة بأحكام الصلاة إلى السُّترة)؛ وهذا عنوانٌ جميل، يُشير به مؤلفه إلى أنَّ هذه المسألة لا ينبغي أن تكون من مسائل النزاع بين طلبة العلم أو العلماء؛ لأنهم في الأخير إخوة في العقيدة السلفيَّة الصافية؛ وقد اختلف في هذه المسائل من هو أكثر منا علماً، وأوسع إدراكاً، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد.

     ومعلومٌ أن من صلَّى إلى سترة فلن يختلف أحدٌ في تصحيح صلاته ولو مرَّ من أمامه كل شيء.

     ونحن وإن قلنا بسُنيَّة السُّترة، وصحة صلاة من صلى إلى غير سُترة إلا أن العمل بالسُّنة أولى وأفضل وأحسن؛ وقد قال الله عز وجل: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتاًوكما قلتُ سابقاً: لو بادر المسلمون بالاستجابة لأمر الله ونهيه، وتحاكموا إلى سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ واتبعوا ولم يبتدعوا، وامتثلوا ولم يعترضوا أو يتذمروا؛ لكان ذلك أقوى لإيمانهم، وأرضى لربهم، وأصلح لحالهم، ولحازوا من العيش أطيبه، ومن النعيم أعلاه، ولفازوا بالجنان العالية، مع من أنعم الله عليهم: من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين.

     وقد تميَّز المؤلف -حفظه الله -بدقة التخريج، وسعة الإطلاع على أقوال الأئمة، وحسن ترتيب المسائل والأقول، والحكم على كل حديث بما يناسبه، مما يتفق مع كلام العلماء والأئمة؛ فجزاه الله عنا خيراً. 

وقد بدأ الباحث كتابه بفصلٍ في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باتخاذ السترة أمامه، وذكر فيه ثبوت أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم باتخاذ السُّترة من قوله وفعله، ونقله عنه سبعةٍ من الصَّحابة الكرام رضي الله عنهم، وهم:

أبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وسهل بن أبي حثمة، وطلحة بن عُبيد الله، وسبرة بن معبد الجهني، وعائشة، وبُريدة، وسهل بن سعد الساعدي.

وبين ملازمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم للسُّترة في الحضر والسفر، ثم ذكر حديث (الخط)، وبيَّن درجته عند أهل العلم؛ وبيَّن من صحَّحه من العلماء، ومن ضعَّفه، وبيَّن علة التضعيف، وجواب الحُفاظ على ذلك.

ثم عقد فصلاً بعده: في بيان أنه لا يضرُّ المُصلي الذي اتخذ سترةً مرور شيء من أمامه.

ثم تحدث عن أمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالدنوِّ من السُّترة، وذكر أحاديث ستةٍ من الصحابة؛ وهم:

أبو سعيد الخدري، وسهل بن أبي حثمة، وسهل بن سعد، وجُبير بن مُطعم، وبُريدة، وعائشة رضي الله عنهم.

ثم فصلٌ في بيان مقدار القرب من السُّترة، وأن أكثره ثلاثة أذرع من عقبي المُصلي، وأدناه ممر شاة، ويقترب منها بقدر إمكان السجود.

ثم عقد فصلاً فيما نُقل عن الصحابة والتابعين في أمرهم بالسُّترة واتخاذهم لها،وفصلاً في الجواب على بعض الأحاديث التي تُوهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى غير سترة، ثم فصلاً في اختلاف الرواة في حديث ابن عباس في مرور أتانه بين يدي المأمومين.

ثُمَّ بيّن بعد ذلك: ضعف حديث المطلب بن أبي وداعة أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى وليس بينه وبين المطاف سترة. وأعقبه بفصلٍ في حكم اتخاذ الصلاة سترةً عند أهل العلم، وأن سترة الإمام سترةُ للمأموم .

ثم عقد فصلاً لما تحصل به السُّترة والحكمة من التستر، وهل يصمد المُصلي إلى سترته أم يجعلها على أحد حاجبيه، ثم حكم السترة بمكة شرفها الله، والمقصود بالأمر بدفع المارِّ بين يدي المُصلي.

ثم فصلاً فيما يقطع الصلاة بمروره من الكلب والمرأة والحمار، ثم أن الصلاة لا يقطعها شيء وبيَّن بعدها الآثار الموقوفة على الصحابة في عدم قطع تلك الثلاثة، ثم عقد فصلاً في حكاية الخلاف بين العلماء في قطع الصلاة بمرور الكلب والحمار والمرأة، ثُمَّ عقد فصلاً في: هل يقطع الصلاة مرور المذكورات في المسجد الحرام (مسجد الكعبة)؟




الخميس، 24 سبتمبر 2020

الرسالة التبوكية -ابن قيم الجوزية -محمد حنونة

الرسالة التبوكية 

(أو: زاد المُهاجر إلى ربِّه)

الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قيِّم الجوزيّة

(691 -751 هـ)

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ إن أساس هذا الدين، هو: الانقياد والتسليم لله عز وجل بالإخلاص والطاعة، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالمحبة والمتابعة، وأما المراء والجدال وقضاء الأوقات في اللهو والعبث، فليس من الدين في شيء، ومن أعظم ما يشغل به الإنسان أوقاته هو النظر في كتب من أفنى عمره في الدعوة إلى الله: من أمثال الإمام ابن قيِّم الجوزية رحمه الله تعالى، لعلَّ هذا الإنسان يظفر ببعض الهدايا المُعجَّلة من أولئك الصادقين في طريق سيره إلى الله تعالى، بما حوته من عظيم المعاني وكبير الأثر، ولعلها كذلك -تنهض بحاله للجدِّ في طريق الهجرة إلى الله ورسوله علماً وعملاً ودعوةً وجهاداً.


ومن نفائس الكتب التي يُمكن أن تقع عليها عينان: كتاب (الرسالة التبوكيَّة أو: زاد المُهاجر إلى ربه)، والتي كتبها ابن القيم لإخوانه وأحبابه في الشَّام، في طريق عودته من الحج؛ وبعثها لهم يحثُّهم فيها على التعاون على الخير، والتناصح في الله، وكان عمره آنذاك  يزيد على الأربعين عاماً بقليل، وذلك سنة (733 هـ). 


ولا شكَّ أن الحالة الشعورية التي اتفقت لابن القيِّم في طريق تبوك، وهو مُسافرٌ في الحرِّ والشمس، ينام في العراء، ويُقاسى آلام الوحشة والغربة، ويعيشُ مع أُناسٍ لم يألفهم ولا يعرف طباعهم، في بقعةٍ كانت فيها غزوة العُسرة، كل ذلك جعله يُجدد في نفسه معاني الإيمان العظيم، الذي يدفعه إلى التضحية ببذل كل شيء في سبيل مرضاة من يُحب (وهو الله سبحانه وتعالى)، وقد أذكى ذلك فيه مشاعر الحنين للوطن، وأسعدته الذكريات الجميلة بروابط المحبة الصادقة لإخوانه في العقيدة… فجعل من سفره هذا هجرةً للقلب لا تنقطع؛ وذلك بهجرة ما يكرهه الله من الذنوب والمعاصي، وإتيان ما يُحبه الله من الخير والطاعات، مع زاد العلم والعمل الصالح، وكلنا مُسافرون إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن الهجرة الحقيقية هي هجرة القلب؛ وأما هجرة البدن فتابعةٌ لهجرة القلب، والقلب متبوع.


وقد ترك ابن القيِّم هذه الرسالة ذُخراً لإخوانه في طريقهم إلى الله، وغنيمةً باردةً لأحبابه الذين من بعده، وشاء الله سبحانه أن تصلنا هذه الرسالة، لنقرأها ونأخذ بما فيها من الموعظة والحكمة، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير ما جازى عالماً عن أمته.


وإذا نظرنا إلى أبرز موضوعات الكتاب؛ فسنجد أن الهجرة إلى الله ورسوله هي محوره التي يدور عليها، وأن طريق ذلك هو الوصية بالبر والتقوى، والتعاون عليها كما أمر الله، وقد جعله قسمين: 

القسم الأول: في شرح قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوانْ.

والقسم الثاني: في معنى وصف الهجرة بالقلب إلى الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك عُرفت باسم زاد المُهاج إلى ربه.




الثلاثاء، 22 سبتمبر 2020

اتخاذ الخط سُترةً في الصلاة -إعداد: أ. محمد ناهض عبد السّلام حنُّونة

اتخاذ الخط سُترةً في الصلاة

[دراسة حديثية فقهية]

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السّلام حنُّونة

غزَّة -فلسطين


تمهيد/ استحب جمهور الفقهاء للمصلي أن يجعل بين يديه سترة تمنع مرور الناس من أمامه، وتكف بصره عما وراءها، بحيث تكون هذه السترة أكثر من ثلثي ذراع، واختلفوا في جواز التستُّر بالخط:

1- فذهب جمهور الفقهاء، من: الشافعية والحنابلة، إلى جواز التستُّر بالخط إذا لم يجد شيئاً ينصبه، وهو الراجح عند متأخري الحنفية، وذكر ابن رجب الحنبلي في "شرح البخاري" أن هذا قول: أبي هريرة، وعطاء، وسعيد بن جُبير، والأوزاعي، والثوري، والشافعي في أحد قوليه، ورجحه كثيرٌ من أصحابه، أو أكثرهم، وأحمد وإسحاق، وأبي ثور.. 

2- وذهب المالكية، ومتقدمي الحنفية، والشَّافعي في الجديد إلى أنه: لا يصح التستر بالخط يخطه في الأرض، وقال مالكٌ: إنه باطلٌ ليس بشيء، وبه قال الليث بن سعد، .


  • واستدل جمهور الفقهاء، بأدلَّةٍ، منها:

1- ما رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن أبي هريرة قال، قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد شيئا فلينصب عصا، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر بين يديه).

وهذا الحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه؛ ومداره على إسماعيل بن أُميَّة، وقد رواه عنه عشرة أنفس، وهم:

سفيان بن عُيينة، وبشر بن المفضل، وسفيان الثوري، ومعمر، وعبد الوارث، ووهيب بن خالد، ومسلم بن خالد الزنجي، وحُميد بن الأسود، وروح بن القاسم، وابن جريج، وفي أسانيدهم اختلاف، وهي كما يلي:

(1) إسماعيل، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن جده "حُريث"، عن أبي هريرة مرفوعاً .

رواه أحمد في "مسنده"، والحميديُّ في "مسنده"، كلاهما: عن سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل به. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه": عن عبد الجبار بن العلا ومحمد بن منصور الجواز؛ كلاهما: عن سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل به. ورواه ابن المنذر في "الأوسط" من طريق الحُميديِّ به. ورواه ابن حبان في صحيحه: عن أبي خيثمة، عن سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل به.

(2) إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده "حريث"، عن أبي هريرة مرفوعاً.

 رواه أحمد في "مسنده"، عن سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل بن أمية، به. ورواه أبو داود في "سننه"، عن بشر بن المُفضَّل، عن إسماعيل بن أُميَّة به. ورواه من طريق أبي داود كُلاً من ابن عبد البر في "التمهيد"، والبغويُّ في "شرح السننة"، ورواه البيهقيُّ في "الكبرى" من طريق ابن عُيينة، والثوري، وروح بن القاسم، وبشر بن المُفضَّل كلهم، عن إسماعيل بن أُميَّة.


(3) إسماعيل، عن أبي محمد بن عمرو بن حُريث، عن أبيه، عن جده مرفوعاً .

 رواه ابن حبان في "صحيحه"، عن أبي يعلى، عن محمد بن الصباح الدولابي، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن إسماعيل بن أمية به.


(4) إسماعيل، عن أبي أمية محمد بن عمرو بن حُريث، عن جده، عن أبي هريرة مرفوعاً.

رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل بن أمية، به.


(5) إسماعيل، عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه "حُريث"، عن أبي هريرة مرفوعاً.

رواه أحمد في "مسنده"، والبيهقيّ في "معرفة السنن"، عن الشَّافعيّ، كلاهما من طريق: سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل بن أُمية به. ورواه البيهقي في "سننه" عن حميد بن الأسود، ووُهيب، وعبد الوارث، كلهم، عن إسماعيل بن أُميَّة. ورواه ابن خُزيمة في "صحيحه"، عن محمد بن عبد الأعلى، عن بشر بن المُفضل، عن مُحمَّد بن أُميَّة، عن أبي عمرو بن حُريث.  ورواه ابن خُزيمة أيضاً، عن محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، عن بشر بن المُفضل، عن إسماعيل بن أُمية، عن أبي عمرو بن حُريث، عن جدِّه! عن أبي هُريرة.

(6) إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حُريث، عن جده حُريث بن سُليم، عن أبي هُريرة مرفوعاً.

رواه ابن ماجه في "سننه" عن بكر بن خلف، عن عمار بن خالدٍ، وحُميد الأسود كلاهما: عن سفيان بن عُيينة، عن إسماعيل بن أمية به.

(7) إسماعيل، عن أبي عمرو محمد بن حُريث، عن جده، عن أبي هُريرة مرفوعاً.

رواه عبد بن حُميد في "المنتخب"، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن وُهيب بن خالد، عن إسماعيل بن أُمية به.

(8) إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد، عن جده، عن أبي هريرة مرفوعاً.

رواه أبو بكر بن المنذر في "الأوسط"، عن يحيى بن محمد، عن مُسدد، عن عبد الوارث، عن إسماعيل بن أُميَّة، قال ابن المنذر: وبهذا نقول.

(9) إسماعيل، عن حُريث بن عمَّار، عن أبي هريرة مرفوعاً.

رواه عبد الرزاق في "مصنفه"، عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية به.



و"حُريث" كما قال الحافظ في "التهذيب": هو رجلٌ من بني عُذرة، يُقال: ابنُ سُليم، ويُقال: ابن سُليمان، ويُقال: ابن عمّار.

وحُريث العُذري ذكره ابن قانع في "معجم الصحابة"، وأورد له حديثاً، وفي إسناده نظر، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وأخرج حديثه في صحيحه، وأما الدارقطني فقال: لا يصحُّ ولا يثبت.

وقد ضعَّف بعض الحُفَّاظ هذا الحديث؛ لأمورٍ منها:

الأول: تفرُّد إسماعيل بن أميَّة به؛ وقد اختلف عليه فيه، وقد اضطرب في اسم شيخه أبي عمرو؛ وبيان هذا الاضطراب: أنه يرويه تارةً: عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده، وتارةً: عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن جده، وتارةً: عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن أبيه، وتارةً: عن أبي محمد بن عمرو، عن أبيه، عن جده، ومرةً  عن حريث بن عمار: عن أبي هريرة.

الثاني: جهالة حال أبي عمرو بن محمد بن حُريث، وجهالة جده أو أبيه حُريث: وقد قال الحافظ في "التقريب": أبو عمرو بن حُريث "مجهول"، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وهو معروفٌ بتوثيق المجاهيل، وأبوه وجده مجهولان أيضاً، قال الحافظ: "وعندي أن رواي حديث الخط غير الصحابي، بل هو جده حُريث، وهو مجهول"، وقال الطحاويُّ: مجهول.

الثالث: أن روايه إسماعيل بن أمية كان يُضعف هذا الحديث؛ قال سفيان بن عُيينة يقول: "كان إسماعيل إذا حدَّث بهذا الحديث، يقول: عندكم شيءٌ تشدونه به"؛ فكان إسماعيل يُضعف هذا الحديث.

وقد ضعف سفيان بن عُيينة هذا الحديث، فقال: "لم نجد شيئاً نشدُّ به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه".

وذكر ابن عُيينة أن شيخه إسماعيل بن أُميَّة خُلّط عليه فيه. قال علي بن المديني: "قلتُ لسفيان: إنهم يختلفون فيه: بعضهم يقول أبو عمرو بن محمد، وبعضهم يقول: أبو محمد بن عمرو؛ فتفكَّر ساعةً ثم قال: ما أحفظُ إلا أبا محمد بن عمرو، قال سفيان: قلتُ لسفيان: فابن جريج يقول: أبو عمرو بن محمد؛ فسكت سفيان ساعةً، ثم قال: أبو محمد بن عمرو، أو أبو عمرو بن محمد، ثم قال سفيان: كنتُ أراه أخاً لعمرو بن حريث، وقال مرةً: العُذري.

وقال سفيان: قدم هاهنا رجلٌ بصريّ. قال عليٌّ: بعدما مات إسماعيل بن أُمية؛ فقال: إني لقيتُ هذا الرجل الذي روى عنه: إسماعيل؛ حتى وجده؛ قال: فسألته عنه فخلَّطه عليَّ.

  • ذكر من صحَّح الحديث:

والحديث صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وقال الحافظ في "البلوغ": "صححه ابن حبان، ولم ُصب من زعم أنه مضطربٌ، بل هو حسن".

ونصَّ ابن عبد البر في "التمهيد، والاستذكار"، وعبد الحق الإشبيلي على تصحيح الإمام أحمد وابن المديني له. وقال الحافظ في "التلخيص": "صححه أحمد، وابن المديني فيما نقله ابن عبد البر".

وقال أبو بكر بن المنذر في "الأوسط" وقد اختلف فيه: فقالت طائفة بظاهر هذا الحديث، وممن قال به سعيد بن جبير، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور، وبه نقول. وقال الإمام البيهقي في "السنن الكبرى": لا بأس بهذا الحديث في هذا الحكم إن شاء الله. 

وقال السَّخاويُّ في "فتح المُغيث": "صححه ابن المديني، وأحمد، وجماعةٌ منهم ابن حبان، والحاكم، وابن المنذر، وكذا ابن خزيمة، وكذا أسنده الشافعيُّ محتجاً به في (المبسوط) للمُزني، وما تقدَّم من عزو الاضطراب للحديث إلى الشَّافعيّ فيه نظر". أي أن احتجاج الشافعيّ في المبسوط يردُّ دعوى أنه توقف في الحديث أو ضعَّفه؛ لأن المبسوط من الجديد.

وصححته اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ عبد الله بن غديان رحمهما الله تعالى؛ في الفتوى (2578)، والفتوى (2687): "ولم يُصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسنٌ، قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله".

  • ذكر من ضعَّف هذا الحديث:

وضعفه البغوي في "شرح السُّنة"، وابن حزم في "المُحلى" بسبب اضطراب سنده، وجهالة أبي عمرو بن حريث؛ كما في "التلخيص" لابن حجر، وجعله ابن الصلاح في "مقدمته" مثالاً للحديث المضطرب، ومثله العراقي في "ألفيته". وقال ابن حزم: "ولم يصح في الخط شيءٌ؛ فلا يجوز القول به، فتلخَّص من هذا أن الحديث ضعيفٌ مضطرب".

وقال السخاوي في "فتح المُغيث": "حكم غير واحدٍ من الحافظ كالنووي، وابن عبد الهادي، وغيرهما من المتأخرين باضطراب سنده، بل عزاه النوويُّ للحُفاظ، وقال الدراقطنيُّ: لا يثبت، وقال الطحاويُّ: لا يُحتجُّ بمثله، وتوقف فيه الشافعي في الجديد، بعد أن اعتد به في القديم".

وضعفه من المُعاصرين: الإمام الألباني، وأحمد شاكر.

  • ذكر توقف الشَّافعيِّ في قبول هذا الحديث، والجواب عليه:

نقل البيهقيُّ رحمه الله توقف الشَّافعيِّ في قبول هذا الحديث؛ فقال في "السنن": "احتجَّ الشافعيُّ رحمه الله بهذا الحديث في القديم، ثم توقف فيه في الجديد؛ فقال في كتاب البويطي: ولا يخطُّ المُصلي بين يديه خطاً إلا أن يكون في ذلك حديثٌ ثابتٌ فلُتبع، وكأنه عثر ما نقلناه من الاختلاف في إسناده".

وقال البيهقيُّ في "المعرفة": هذا حديث، قد أخذ به الشافعي في القديم، وفي سنن حرملة، وقال في كتاب البويطي: ولا يخط المصلي بين يديه خطاً، إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع؛ وإنما توقف الشافعي في صحة الحديث، لاختلاف الرواة على إسماعيل بن أمية في أبي محمد بن عمرو بن حريث: فقيل: هكذا، وقيل: عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه، وقيل غير ذلك".

وقال ابن المنذر في "الأوسط": وكان الشَّافعيُّ يقول بالخط إذ هو بالعراق، ثم قال بمصر: لا يخط المُصلي بين يديه خطاً، إلا أن يكون في ذلك حديثٌ فيُتبع". وقال ابن عبد البر في "الاستذكار": "وقال الشَّافعيُّ بمصر: لا يخط الرجل بين يديه خطاً إلا أن يكون في ذلك حديثٌ ثابتٌ فيُتَّبع".

وظاهر قول ابن المنذر وابن عبد البر موافقٌ لكلام البيهقيِّ من أن الإمام كان يُضعِّف هذا الحديث.

وردَّ الحافظ ابن حجر على ذلك في كتابه "النكت على ابن الصلاح": "وقول البيهقيِّ: إن الشافعيَّ رضي الله عنه ضعفه فيه نظر، فإنه احتجَّ به فيما وقفتُ عليه في المختصر الكبير للمُزني، والله أعلم، ولهذا صحَّح الحديث أبو حاتم ابن حبان، والحاكم، وغيرهما".

واحتجَّ بهذا الحديث الشيخ ابن قدامة في "المغني"، وجزم بأنه سُنَّة، قال: "والسنة أولى بأن تُتبع"، وقوّى سنده السَّخاوي، واحتجَّ ابن التركماني بتصحيح أحمد وابن المديني في "حاشيته على سنن البيهقي"، وكذلك احتجَّ به الساعاتي في "شرح المسند".

والخلاصة أن الذين صححوا هذا الحديث من الجمهور؛ قالوا: هذا الحديث يدلُّ على أن الخط يُجزئ في السُّترة.

وأجاب عليهم الحنفية والمالكية بأن هذا الحديث ضعيفٌ مضطربٌ لا يصلح الاحتجاج بمثله. ولكن هذا الحديث يحتمل التحسين، بما يأتي من الأحاديث التي رواها الحُفاظ.

* جواب ابن حجر، والسَّخاوي على اضطراب إسماعيل بن أُميَّة في هذا الحديث (جمعاً وترجيحاً):

قال ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح": ولكن بقي أمر يجب التيقظ له، ذلك أن جميع من رواه عن (إسماعيل بن أمية) عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب، لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحاً، واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك؛ لأنه إن كان الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة؛ فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك، ومع ذلك فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح ثم شيخنا (يعني العراقي) قابلةٌ لترجيح بعضها على بعض، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأساً.

وقال النوويُّ في "تدريب الراوي": ومن عُرفت عينه وعدالته، وجُهل اسمه احتُجَّ به". وعليه فقد قال السخاويُّ في "فتح المُغيث": وقد ظهر أن الاضطراب الواقع في هذا السند غير مؤثر.

وقد حاول السَّخاويُّ في "فتح المُغيث" التوفيق بين الوجوه المختلفة؛ فقال: " فإنه قيل: عنه (أي: عن إسماعيل بن أُميَّة)

1- عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده حريث، عن أبي هريرة.

2- وقيل: عنه، عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه، عن أبي هريرة.

3- وقيل: عنه، عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث، عن جده حريث بن سليم، عن أبي هريرة.

4- وقيل: عنه، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن جده حريث رجل من بني عذرة، عن أبي هريرة.

5- وقيل: عنه، عن أبي محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن جده، عن أبي هريرة.

6- وقيل: عنه، عن محمد بن عمرو بن حريث، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

وقيل: عنه، عن حريث بن عمار، عن أبي هريرة.

7- وقيل: عنه، عن أبي عمرو بن محمد، عن جده حريث بن سليمان، عن أبي هريرة.

8- وقيل: عنه، عن أبي عمرو بن حريث، عن جده حريث، عن أبي هريرة. وقيل غير ذلك.

ولذا حكم غير واحد من الحفاظ؛ كالنووي في الخلاصة، وابن عبد الهادي وغيره من المتأخرين باضطراب سنده، بل عزاه النووي للحفاظ.

ثم قال: وعمد إلى الترجيح ابن خزيمة، فرجح القول الأول من هذا الاختلاف، ونحوه حكاية ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، ولا ينافيه القول الثاني؛ لإمكان أن يكون نسب الراوي فيه إلى جده، وسمي أباً لظاهر السياق، وكذا لا ينافيه الثالث والتاسع والثامن إلا في سليمان مع سليم، وكأن أحدهما تصحف، أو سليماً لقب، كما لا ينافيه الرابع إلا بالقلب، بل قال شيخنا (يعني ابن حجر): إن هذه الطرق كلها قابلةٌ لترجيح بعضها على بعض".

وقال الإمام السيوطي في "تدريب الرواي": "وقال شيخ الإسلام (يعني ابن حجر): أتقن هذه الروايات رواية (بشر) و(روح)، وأجمعها رواية حميد بن الأسود، ومن قال: أبو عمرو بن محمد أرجح ممن قال: أبو محمد بن عمرو، فإن رواة الأول أكثر، وقد اضطرب من قال: أبو محمد؛ فمرة وافق الأكثرين فتلاشى الخلاف.

قال (يعني الحافظ): والتي لا يمكن الجمع بينها رواية من قال: أبو عمرو بن حريث مع رواية من قال: أبو محمد بن عمرو بن حريث، ورواية من قال: حريث بن عمار، وما في الروايات يمكن الجمع بينها، فرواية من قال: عن جده، لا تنافي من قال: عن أبيه؛ لأن غايته أنه أسقط الأب، فتبين المراد برواية غيره، ورواية من قال: عن أبي عمرو بن محمد بن حريث يدخل في الأثناء عمراً لا تنافي من أسقطه؛ لأنهم يكثرون نسبة الشخص إلى جده المشهور، ومن قال: سليم يمكن أن يكون اختصره من سليمان كالترخيم.

قال الحافظ: والحق أن التمثيل لا يليق إلا بحديث لولا الاضطراب لم يضعف، وهذا الحديث لا يصلح مثالاً، فإنهم اختلفوا في ذات واحدة، فإن كان ثقة لم يضر هذا الاختلاف في اسمه أو نسبه، وقد وجد مثل ذلك في الصحيح، ولهذا صححه ابن حبان؛ لأنه عنده ثقة، ورجح أحد الأقوال في اسمه واسم أبيه، وإن لم يكن ثقة فالضعف حاصل بغير جهة الاضطراب، نعم يزداد به ضعفاً".

قال ابن أبي حاتم في "العلل":  سئل أبو زرعة عن اختلاف حديث اختلاف الرواة عن إسماعيل بن أُميَّة، فقال: الصَّوَابُ مَا رَوَاهُ الثوريُّ، ويعني: أبا عمرو بن حُريث عن أبيه، عن أبي هريرة.

وقال ابن خزيمة في "صحيحه": والصحيح ما قال بشر بن المفضل، وهكذا قال معمر، والثوري، عن أبي عمرو بن حريث، إلا أنهما قالا: عن أبيه عن أبي هريرة، ثناه محمد بن رافع، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، والثوري، عن إسماعيل بن أمية.

* الجواب على جهالة أبي عمرو بن محمد بن حُريث، وجده أو أبيه حُريث:

قال الحافظ في "التقريب": إن أبا عمرو بن حريث مجهول، فهذا كلامٌ مُجمل؛ فإن أراد جهالة العين؛ فهو ممتنع؛ لأنه قد روى عنه إسماعيل بن أمية، وإبراهيم بن محمد الأسلمي، وابن جريج، وابن أبي محمد؛ فارتفعت بهؤلاء جهالة العين… وإن أراد جهالة الحالة فهو ممتنعٌ أيضاً؛ لأن ابن حبان وثقه، وخرج حديثه في "صحيحه"، وكذلك ابن خزيمة أخرج له في "صحيحه"، والحاكم.

بل إن الإمام ابن حجر نفسه يقول في "النكت": صحَّح الحديث أبو حاتم ابن حبان، والحاكم، وغيرهما، وذلك مقتضى ثبوت عدالته عند من صححه. وتقدم أن ابن عبد البر نصَّ في "التمهيد، والاستذكار"، على تصحيح الإمام أحمد وابن المديني له. ومعلومٌ أن تصحيح الحديث فرعٌ عن تعديل روايه، وهذه قاعدة نفيسة، وقد صححه ابن المنذر في "الأوسط"، بل والحافظ كما في "البلوغ". وأما حُريث جدُّه أو أبيه؛ فقد ذكره الإمام البخاري في "التاريخ الكبير"، والإمام ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولا ريب أن الجهالة جرحٌ، ولو علما فيه جرحاً لذكراه، وقد وثقه من ذكرنا؛ فيُكتفى بهم.

والحاصل أن للحديث أصلاً، وهو محفوظ، سيما وأنه أمكن الجواب عن الاضطراب، وجهالة راويه.


2-واستدلوا بما ذكره الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية"؛ قال: قال أبو يعلى: حدثنا الجراح بن مخلد البصري، ثنا حسام بن عباد بن يزيد القرشي، ثنا إبراهيم بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: (رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل المسجد من قبل باب بني شيبة حتى جاء إلى وجه الكعبة، فاستقبل القبلة فخط بين يديه خطا عرضا، ثم كبَّر فصلى والناس يطوفون بين الخط والكعبة).

وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، قال السخاوي في "فتح المُغيث": إسناده ضعيف، فيه: حسان بن عبّاد، قال الذهبيُّ في "لسان الميزان": "روى عنه حسان بن عباد لا يُدرى من هو". وقال في (إبراهيم بن أبي محذورة): قال الأزدي: هو وإخوته يضعون الحديث. وقال الحافظ في "التقريب": يُحتمل أن يكون إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة، وهو إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، قال الحافظ: صدوق يُخطئ. والأصحُّ أنه ضعيف، وأبوه مقبول، وجدُّه مقبولٌ أيضاً، ولكن يبدو أنه أراد جدَّ أبيه؛ لأنه هو الصحابي، وليس جده هو.


3-واستدلوا بما رواه السَّخاويُّ في "فوائد عبدان الجواليقي"، وذكره في "فتح المُغيث"، قال: حدثنا داهر بن نوح، حدثنا يوسف بن خالد، عن أبي مُعاذ الخارساني، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هُريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليُصلِّ أحدكم إلى ما يستره، فإن لم يجد فليخُطَّ خطاً).

وداهر بن نوح، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال الحافظ في "لسان الميزان": وأخرج له -يعني ابن حبان -أيضاً في صحيحه، وقال الدارقطني في "العلل": ليس بالقوي. وهذا تليينٌ هيِّنٌ من الدارقطني، كما نبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر في "إرشاد الساري" في ترجمة (الحسن بن الصباح البزار). وشيخه يوسف بن خالد لعله مُحرّف عن يوسف بن يعقوب بن الماجشون، وهو ثقة، لأنه هو الذي يروي عنه، كما في ترجمته في "لسان الميزان"، و"علل الدارقطني"، وعليه فهذا إسنادٌ ضعيف يحتمل التحسين.


4-واستدلوا بما ذكره السَّخاويُّ في "فتح المُغيث" روايةً في "جزء ابن فيل"، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله العسقلاني، حدثنا رواه بن الجراح، عن أيوب بن موسى، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هُريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلّى أحدكم فليُصلِّ إلى مسجدٍ أو إلى شجرةٍ، أو إلى بعيرٍ، فإن لم يجد فليخُطَّ خطاً بين يديه، ولا يضرُّه من مرَّ بين يديه).

  قال السّخاويُّ في "فتح المُغيث": ورواه أبو مالك النخعي، عن أيوب، فقال: "وعن المقبري" بدل "أبي سلمة"، وادَّعى الدارقطني في الأفراد تفرُّد أبي مالك بهذا الحديث. ولهذا قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية": قال الدارقطني: لا يثبت. وفي هذا الحديث عيسى بن عبد الله، وهو ابن سليمان العسقلاني، قال فيه ابن عدي في "الكامل": ضعيفٌ يسرق الحديث، وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان": وثقه الدراقطني، وابن حبان، وخرّج له في صحيحه. وفيه رواد بن الجراح، قال الحافظ في "التقريب": "صدوق اختلط بآخرة"، وقال ابن عدي في "الكامل" يُكتب حديثه للاعتبار، وقد احتجَّ السخاويُّ بهذين الحديثين، ولم يذكر لهما علَّة.


5-واستدلوا بما رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، عن أيوب بن موسى، عن ابن عمٍّ لهم، كان يُكثر أن يُحدثهم، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا صلى أحدكم فلم يكن بين يديه ما يستره؛ فليخُطَّ خطاً ولا يضرُّه ما مرَّ بين يديه).

وفي سنده ابن عمِّ أيوب لا يُعرف، وأما أيوب وهمام فثقتان، وضعفه الألباني وأحمد شاكر، وقال ابن باز في "فتاويه": لا بأس به.


6-واستدلوا بما رواه ابن حبان في "الثقات"، من طريق يزيد بن هارون، عن نصر بن حاجب القرشي، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص، يرويه عن أبيه، عن أبي هريرة موقوفاً: (إذا صلى أحدكم بأرض فلاة؛ فلينصب تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فليخُطَّ في الأرض خطاً).

ورجاله ثقات غير نصر بن حاجب القُرشي، قد اجتمع فيه توثيقٌ وتضعيف، وكذا محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال فيه ابن القطان: حاله مجهولة، وذكره ابن حبان في "الثقات".


7-واستدلوا بما رواه حمزة السهمي في "تاريخ جرجان"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، من طريق محمد بن أحمد الغطريف، حدثنا إسحاق بن أبي عمران الأسترآبادي، حدثنا حيون بن المبارك البصري بمصر، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا أبي عن جدي، عن أنس بن مالك أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (ليستتر أحدكم في الصلاة بالخط بين يديه، وبالحجر، وبما وجد من شئ مع أن المؤمن لا يقطع صلاته شئ).

قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان": رواته ثقات، غير حيون بن المبارك البصري، والخبر مُنكر. ورمز لضعفه السيوطي في "الجامع الصغير"،  وضعفه الإمام الألباني في "ضعيف الجامع". ووجه النكارة في آخر الحديث، وهو (مع أن المؤمن لا يقطع صلاته شئ)، وذلك لمخالفته الأحاديث الصحيحة الثابتة في قطع الصلاة بمرور الحمار، والمرأة، والكلب الأسود؛ فيصلح الجزء الأول شاهدً دون الأخير.


8-ما ذكره الحافظ ابن حجر في "النكت على ابن الصلاح" في "مسند مُسدد الكبير"، قال: ثنا هُشيم، ثنا خالد الحذاء، عن إياس بن مُعاوية، عن سعيد بن جبير، قال: (إذا كان الرجل يُصلي في فضاء؛ فليركز بين يديه شيء، فإن لم يستطع فليعرضه؛ فإن لم يكن معه شيء فليخُطَّ خطاً في الأرض).

ثم قال: رجاله ثقات، وقد أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" بالسند المذكور"، وهو صحيح.


7- واستدلوا بعموم قوله سبحانه: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: 16)، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم" (رواه البخاري)؛ قالوا: الأصل أن يستتر الإنسان بسترةٍ تقيه من مرَّ أمامه، وتكون ثلثي ذراعٍ فأكثر، فإن لم يجد شيئاً، استتر بالخطِّ أو ما يقوم مقامه من طرف السجادة، ونحو ذلك، والاستتار بالخط أفضل من ترك الاستتار مطلقاً.


8- واستدلوا: بما رواه  عبد الرزاق في "مصنفه"، عن سعيد بن جبير، قال: إذا كنت في فضاءٍ من الأرض، وكان معك شيءٌ تركزه بين يديك، فإن لم يكن معك شيءٌ فلتخطط خطاً بين يديك".

وفي روايةٍ له بسندٍ صحيحٍ، عنه قال: "إذا صليت في فضاء من الأرض، فألق سوطك حتى تُصلي إليه"؛ وإسناده صحيحٌ أيضاً.


9- واستدلوا: بما رواه  عبد الرزاق في "مصنفه"، عن أبي الغصن؛ قال: "رأيتُ نافع بن جُبير يُصلي إلى السوط في السفر وإلى العصا".

وروى عبد الرزاق، عن الثوري بإسناد صحيح: "الخط أحبُّ إليَّ من هذه الحجارة التي في الطريق إذا لم تكن ذراعاً". 

وعن الشعبي أنه كان يُلقي سوطه ثُم يُصلي إليه، وكان الحسن يقول: "النهر سترة".


10-واستدلوا من النظر؛ فقالوا: إن المقصود هو جمع الخاطر في الصلاة، وهو حاصلٌ بالخط، والحديث وإن كان فيه ضعف؛ إلا أن في الخط ما يحصل به حريمٌ للمُصلي.

وأجاب المالكية والحنفية: بأن السُّترة اتُخذت لتستر المُصلي، فهل الخطُّ يستر؟ فالخط لا يستر! ثُم: إن المار هل يرى الخط فيتحرَّز المرور بين يدي المُصلي؟! لا!. قالوا: فلما كان الخط لا يُتوصل به إلى ما شُرعت من أجله السُّتة، لا يُجعل الخطُّ سترة؛ ولذلك قال مالكٌ: الخط باطل.

وأجاب الجمهور: أن المرور يحرم بين يدي المُصلي ولو لم يتخذ سُترة، والمارُّ يعرف إن كان هذا يُصلي أو لا، وإن كان المُصلي بلا سترة، وإنما السُّترة لتقي هذا الإنسان من المرور أمامه؛ فإذا نظر ووجد ذلك الخط مرَّ من أمامه، وإن لم يجد ابتعد عنه بقدر السترة المشروعة.


11-واستدل الجمهور من النظر أيضاً: فقالوا على فرض ضعف هذا الحديث؛ فقد اتفق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وممن جزم باستحباب الخط من الشافعية أبو حامد المروزي، وأبو حامد، والبندنيجي، وقال البغويُّ: إذا لم يجد شاخصاً بسط مُصلاه، وكانت بمثابة الخط.

وقال أبو داود في "مسائل الإمام أحمد": أيُخط بالطول إذا لم يجد عصا ؟ قال: هكذا، وأشار بالعرض فعطف مثل الهلال.

وقال ابن قُدامة كما في "المُغني": "ويُستحب أن يُصلي إلى سترة مثل آخرة الرجل، فإن لم يجد خطَّ خطاً فإذا مرَّ من ورئها شيءٌ لم يُكره".

وقال النوويُّ: "قال أصحابنا … فإذا لم يجد عصا ونحوها جمع أحجاراً أو تراباً أو متاعاً، وإلا فليبسط مُصلى، وإلا فليخطَّ الخط…".

وقال المالكية والحنفية ومن وافقهم: مما يدلُّ على ضعف القول بالخط هو اختلافكم فيه يا معشر الجمهور، فقال بعضهم: إنه يكون من جهة القبلة، وقيل: أفقياً، وقيل: منعطف الطرفين كالهلال، فهذا الاختلاف دليلٌ على مرجوحيَّة هذا القول.

وأجاب الجمهور: أن الخطَّ يحصل بأيِّ هذه الأشياء، ولا حرج.


  • والخلاصة: 

أنه يجوز للمُصلي أن يتخذ الخطَّ سُترةً إذا لم يجد ما يستتر به، وهو المعتمد، ولا يلجأ إلى الخط إلا عند انعدام السترة التي توافق المقدار الشرعي، أو ما دونه، والمهم أن لا يُصلي المُصلي إلى غير سترة، مهما كانت الظروف.

وأن حديث أبي هُريرة؛ فهو ضعيفٌ يحتمل التحسين؛ وله متابعات وشواهد صالحة للاعتبار، وبعضها ضعف ليس شديد، وقد حسَّنه الحافظ ابن حجر، والعلامة ابن باز، والاضطراب في سنده لا يؤثر، وعلى فرض ضعفه؛ فإنه يُعمل به في فضائل الأعمال.




  • مصادر البحث:

  • فقه السُّنة..

  • موسوعة الفقه الكويتية.

  • منتدى الألوكة (ملخص أحكام سترة المُصلي).

  • أحكام السترة في مكة وغيرها؛ لمحمد بن رزق طرهوني.

  • إتحاف الإخوة بأحكام الصلاة إلى السترة؛ لفريح بن صالح البهلال.

  • النكت على ابن الصلاح.

  • فتح المُغيث للسخاوي.

  • المطالب العالية؛ لابن حجر.