أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 26 يونيو 2020


لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش
تأليف الإمام الحافظ
أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)
تحقيق: محمد ناصر العجمي
لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (164) 
دار البشائر الإسلامية- بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2012م.

إعداد: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ لا شكَّ أن قريشاً هي ملح العرب، وأشرف بطونهم، وأزكى فروعهم، وقد تواترت فضائلهم في كتب السُّنة المشرفة في دواوينها الشهيرة، ومصنفاتها الكبيرة، منها ما جاء في الحديث الصحيح: 
"إن الله تعالى اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"، فلا تكاد تجد شيئاً من كتب السنة ودواوينها يخلو من ذكر فضائل قريش، وطيب أعراقهم، وشريف خصالهم، وكرم منبتهم، بنصِّ حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكلام أعيان العلماء..فعلى سبيل المثال: 
-لو أمعنت في "صحيح البخاريِّ" تجد مناقب قريش في "باب مناقب قريش"، و"باب نزل القرآن بلسان قريش"، و"باب الأمراء من قريش"...
-كذلك لو تأملنا كتاب "المصنف" لابن أبي شيبة، تجده يبوب لفضائل قريش "باب ما ذُكر من فضل قريش"... 
-كذلك ابن حبان في "صحيحه" يبوب لذلك: "ذكر البيان بأن الناس في الخير والشر يكونون تبعاً لقريش"، و"ذكر إعطاء الله جل وعلا للقرشيِّ من الرأي مثل ما يُعطى غير القرشيُّ منه على الضِّعف"، و"ذكر إهانة الله عز وجل من أهان غير الفاسق من قريش"..

كذلك الإمام أحمد بن عمر بن أبي عاصم (ت 287 هـ) في كتابه "السنة" بوب لذلك؛ فقال: "باب ما ذكر عن النبي عليه السلام أن الخلافة في قريش"

"باب في ذكر فضل قريش ومعرفة حقها..."، و"باب: ذكر قول النبي عليه السلام: من يرد هوان قريش أهانه الله"، و"باب: في قول النبي عليه السلام: قريش أهل صدق وأمانة".

وهذا جزء حديثيٌّ بعنوان "لذَّة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش" من تأليف الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، جمع فيه طرق هذا الحديث، وشواهده من كتب الحديث الشهيرة، من مسانيد ومصنفات، ومختصرات، وجوامع متفرقات، ومُلح الأجزاء والمعاجم والفوائد والمشيخات، وساق ذلك بأسانيده العاليات، فجاء كما قال: "جمعت طرقه في جزءٍ ضخم".


* وقد كان السبب في تأليف ابن حجر لهذا الجزء:
 هو ما ذكره في هذا الكتاب (ص: 25- 26) من أن بعض الإخوان سألوا الحافظ ابن حجر: "عن الحديث الوارد المشتهر على الألسنة، (الأئمة من قريش): 
هل هو صحيح أو لا؟ 
وهل هو مخرج في شيء من الصحيحين أو لا؟
وهل رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد من أصحابه غير أبي بكر الصديق يوم السقيفة أو لا؟".
قال ابن حجر: "فحداني ذلك على جمع طرق هذا الحديث، وبيان ما صح منها مما هو ضعيف، ونسبة كل طريق منها إلى من أخرجها من الأئمة، وسياق غالب ذلك بالإسناد إلى راويه".

* وقد أشار الحافظ إلى هذا الجزء في بعض مؤلفاته، منها:

* كتابه "السيل الجاري" = "فتح الباري" (7/ 32)، حيث قال: " وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابياً لمّا بلغني أن بعض فضلاء العصر ذكر أنه لم يروَ إلا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه".

*ولما وصل في شرحه "الفتح" (6/ 530) لكتاب "المناقب"؛ قال: "وقد جمعت في ذلك تأليفا سميته لذة العيش بطرق الأئمة من قريش وسأذكر مقاصده في كتاب الأحكام".

*وقال في كتابه "توالي التأسيس" (ص: 39) عند حديث "لا تعلموا قريشاً وتعلموا منها…"؛ فقال: "وهذا مرسلٌ قويُّ الإسناد، وله طرقٌ كثيرٌ استوعيتها في كتاب (لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش)، والغرض من الإشارة إليه أن الشافعيِّ إمامٌ قُرشيّ؛ فيدخل في عموم الأمر بتقديم قريشٍ على غيرهم، مه ما اختصَّ به من نسبته إلى بني المطلب..".

*وقال الحافظ رحمه الله في كتابه "تخريج أحاديث المختصر" (1/ 472): و"أما حديث "الأَئِمَّةُ مِنْ قُريْشٍ" فوقع لنا من حديث علي بلفظه، وكذا من حديث أنس، ووقع لنا بمعناه عن عدد كثير من الصحابة، وقد جمعت طرقه في جزء ضخم".

* وقال في "التلخيص الحبير" (4/ 80) بعد ذكر حديث "الأئمة من قريش": "وقد جمعت طرقه في جزء مفرد عن نحو من أربعين صحابياً".

* وقال رحمه الله في "تغليق التعليق" (5/ 286): "وقد أوضحتُ ذلك في طرق حديث (الأئمة من قريش)".

* وقد ذكر هذا الكتاب -أيضاً -تلميذه الحافظ السَّخاويُّ في كتابه "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" (2/ 675) من جملة مصنفات الحافظ ابن حجر (ر: 135)، فقال: "وهو جزءٌ ضخم".

* وقال السَّخاويُّ في كتابه "ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف" (1/ 374) لما ساق بعض أحاديث فضائل قريش: "إلى غير ذلك من الأحاديث التي اعتنى بها شيخنا رحمه الله -بجمعها في كتابٍ سمّاه (لذة العيش في طرق حديث الأئمة من قريش)؛ فلا نُطيل بسياقها".

* وقد أشار الحافظ أن هذا الحديث من الأحاديث التي وُصفت بالتواتر، ونقل ذلك عنه الحافظ السخاوي في "فتح المغيث" (3/ 408)، وكذلك ذكره الكتاني في "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" (ص 103). 


* منهج الحافظ ابن حجر في كتابه:

وأما منهج الحافظ في كتابه؛ فيقول (ص 26):
وجعلت هذا الكتاب على قسمين: 
(الأول): في سياق الأخبار الواردة في أن الأئمة من قريش على الإطلاق (بغير قيد).
(والثاني): في سياق الأخبار الواردة في ذلك بقيد، وبيان ذلك القيد، وما يترتب عليه من الحكم.
وختم بحديث: "إن هلاك هذه الأمة على يد غلمة من قريش".


وقد اشتمل هذا الكتاب على أحاديث أربعةٍ وأربعين من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، نذكرهم:
1-عبد الله بن عمر 2-أبي هريرة 3-ذي الزوائد 4-عتبة بن عبد السلمي 5-أبي سعيد الخدري 6-سهل بن سعد الأنصاري 7-ذي مخبر ابن أخي النجاشي 8-أبي بكر الصديق 9-جبير بن مطعم 10-جابر بن سمرة 11-أنس بن مالك 12-سعد بن عبادة 13-عبد الله بن حنطب والد المطلب 14- أبي جحيفة السوائي 15-عبد الله بن عمرو بن العاص 16- رفاعة الأنصاري 17-كعب بن مالك 18-عبد الله بن السائب 19-عدي بن حاتم 20-أبي امامة صدي بن عجلان 21-المقدام بن معدي كرب 22-عبد الله بن بُسر 23-ثوبان 24-الضحاك بن قيس الفهري 25-عمرو بن عوف بن يزيد بن ملحة المزني 26-الحارث بن الحارث الأشعري 27-عمارة بن رويبة الثقفي 28-علي بن أبي طالب 29-الزبير بن العوام 30- أم هانىء بنت أبي طالب 31- عمرو بن العاصي بن وائل السهمي 32-عائشة 33-عكرمة بن أبي جهل 34-وعويم بن ساعدة 35-والنعمان بن عجلان الأنصاري 36-وضرار بن الخطاب الفهري 37-ابن عباس 38-معاوية بن أبي سفيان 39-رجل من الصحابة لم يُسَمَّ 40- عمر بن الخطاب 41-أبي برزة الأسلمي 42-النعمان بن بشير 43- أبي موسى الأشعري 44-أبي جحيفة السوائي.







الاثنين، 22 يونيو 2020

العلاقات الإجتماعية بعد الزواج

العلاقات الإجتماعية بعد الزواج
تأليف: محمد عبد الهادي
راجعه: د. نزار الحمداني
المدرس لجامعة أم القرى- مكة المكرمة.
دار المنارة للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة، 1998 م.



تمهيد/ لقد منَّ الله علينا بدينه الكامل الشامل، وهدانا لاتباعه، وبيَّن لنا فيه كل صغيرةٍ وكبيرة، مما فيه مصلحتنا في الدُّنيا والآخرة، فخلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وهيأ لنا أسباب السكينة والراحة بما أودعه في قلوب الزوجين من المودة والرحمة، وبيَّن لنا بعد ذلك خير المسالك في إدارة العلاقات الزوحية لتكون أكثر ملاءمةً لنفسية كلا الزوجين، ما يصلح لخوض غمار الحياة…
والمتتبع لأحوال مجتمعنا الحاضر يجد أن هناك خللاً واضحاً في فهم نفسية كلا الزوجين للآخر، لا سيما وان وسائل الإعلام وبعض القنوات تقدم معلومات خاطئة حول نفسية الشريك الذي سيشاطره حياته وأيام عمره، بحيث أن أحدهما لا يعرف موقعه من الحقوق والواجبات، ولا يعرف أحدهما طريقة التصرف والتعامل الصحيحة مع الطرف الآخر، فيقعان في دائرة بين التجاوز والتقصير..
ونحن بالطبع نتكلم في حالة كون الرجل والمرأة سويّان، ذوي فطرة سليمة، وعقلٍ متزن، ولا نتكلم عن حالات ذوي النفوس المنحرفة ولا الحالات الشاذة أو النادرة..
وربما يحتاج الزوج إلى عملية "تقويم متأخر" عندما تكثر عليه المشاكل، وتزداد حياته تعقيداً، ويوقن سوء ما آل إليه أمره، وهذا أمرٌ مهمٌّ وخطير، يلزم منه توعية الشباب المقبلين على الزواج بأدق تفاصيل الحياة الزوجية…
ولا شكَّ أن إقبال الشباب على الزواج سينبني عليه علاقات اجتماعية جديدة ينبغي له تحرِّي الدقة في التعامل معها، لأن أي خلل في هذه المنظومة يؤدي إلى تمرُّد المرأة وتسيُّبها، وربما يؤدي إلى تفكك الأسرة… ما يكون له انعكاسات سلبية على عائلة الزوج والزوجة والاولاد..
والغاية من هذا الكتاب -الذي هو في نظري مهمٌّ جداً -
هو: تحقيق حياة زوجية سعيدة ومستمرة، على أسس قوية ومتينة، خالية من المشاكل، كما أرسى الإسلام أسسها، لا يطغى أحد الزوجين على الآخر، فعند ذلك تكون الأسرة لبنة صالحة لبناء الجيل المسلم المنشود.

وهذا الكتاب "العلاقات الاجتماعية بعد الزواج":

 موجه بالأساس للشباب الملتزم الذي يسعى إلى بناء متين لأسرته.
 يستعرض حلولاً للمشاكل التي تحدث في الأسرة بعد الزواج.
 يستعرض ويُقدم الحلول الوقائية لتفادي سوء العلاقة بين الزوجين.
 يبسط جوانب من نفسية المرأة التي قد تخفى على الكثيرين.
 يرسم الخطوط العريضة لتربية الأبناء.

 لا يمكنني اختصار أي جزءٍ من هذا الكتاب، لأنني اعتقد أن كل مُقبلٍ على الزواج يجب عليه أن يقرأه ،ويتمعَّن فيه؛ وأزعم أن دراسته توطئة لحياة زوجية سعيدة، خالية من المشاكل
وفق الله الجميع لما يُحبُّه ويرضاه.


وكتبه: أ. محمد حنُّونة.

لتحميل الكتاب تيليجرام:


لا يتوفر وصف للصورة.

الخميس، 18 يونيو 2020

التوسُّل والوسيلة
شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية 

تحقيق الشيخ: إبراهيم رمضان

دار الفكر اللبناني- بيروت، الطبعة الأولى، 1992 م

جمع وإعداد: أ. محمد ناهض عبد السَّلام حنُّونة


تمهيد/ لا شكَّ أن الغلو في الأنبياء والصالحين: بدعائهم  والاستغاثة بهم من الشرك المُحرَّم، مع ما فيه من الظُّلم للنفس، والإساءةِ إلى هؤلاء الأنبياء والصالحين الذين لا يرضون أن يجعلهم الغلاة أرباباً تُعبد من دون الله، أو يُطلب منها المدد والولد والمال أو الفرج والغوث والإعانة…


وقد نبت في المتأخرين كثيرٌ من أدعياء العلم وُدعاة الضلال الذين يُخالفون الكتاب والسُّنة، وهدي سلف الأمة، الذين ألهاهم عن التوحيد علوم اليونان، وفلسفة الإغريق، فامتزجوا بعقائد الحلول والاتحاد، والخرافات والأساطير التي ما أنزل الله بها من سُلطان… 


فكان لهم من الغلو في الأموات من الصالحين وغير الصالحين نصيب، ونشأت بدعة التعلُّق بالقبور والاستغاثة بأصحابها، والتوسُّل بذوات الأموات، وكل هذا من تلاعب الشياطين ببعض الغواة من بني آدم، الذين حجبتهم الشياطين عن توحيد الخالق، فزين لهم الشرك تحت ظلال القباب وعلى شواهد القبور وعلى أستارها وسُرجها، فأشركوا مع الله غيره في أخصِّ خصائص الربوبيّة من الاستعانة والاستمداد وطلب الرزق والشفاء، وفي ذلك ما ترى وتسمع من إفساد مصالح العباد في المعاش والمعاد…


ولكن لا يزال في هذه الأمَّة من هو قائمٌ بالحقِّ، ثابتٌ عليه، يُقيم حُجَّة الله على عباده -كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ، لا يضرُّهم من خالفهم حتَّى يأتي أمر الله وهم كذلك"...


 وقد بدأت بدع القبورية تظهر في الأمة وتنتشر إبَّان القرن الثالث الهجري، فأنكرها علماء ذلك الزَّمان، وحربوها أيَّما محاربة، ثم كثرت المنازعة في المتأخرين من أهل البدع لموافقتهم أهواء السلاطين، إلى أن أتى الله بشيخ الإسلام حقَّاً وصدقاً، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرَّاني الحنبليَّ حامل لواء مذهب أهل الحقِّ بالحقِّ… الذي صدح بالحق، ونادى بتوحيد القصد والعبادة لله وحده بالرغبة والرهبة والافتقار والتذلُّل والتوكل والمحبة والاستمداد والاستعانة والاستغاثة..


وقد كان رحمه الله صاحب القلم الذي لا يُشق له غُبار، ولا يُدرك في مضمار، وكان رحمه الله سيفاً مسلولاً على أهل البدع والأهواء، وبلاءً مبرماً  على من خالف هذه الشريعة الغراء…


ورأينا في تاريخه المجيد أنه كلما ظهر وظفر على المبتدعة كثر خصماؤه وحاسدوه من المارقة ودعاة الضلال، وهذا طبيعيٌّ جداً؛ فإن الحقَّ صعبٌ على المغلوب في ميدان الاستدلال، وترك مألوف العوائد مما تأباه القلوب..


ومن ثمرة جهاد ذلك الفارس كان هذا المؤلَّف النفيس "التوسُّل وأنواعه" والذي فجَّرته يراع ذلك العلم الأشمّ -بالإضافة إلى الكثير من المؤلفات النافعة - الذي يكاد يُضيء من نور الوحي للأمة طريق الخير والهداية- بعد كتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقد طُبع هذا الكتاب باسمٍ آخر، وهو "قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة"، وقد أشرنا لذلك في طبعتي الشيخين الجليلين: 
- الشيخ ربيع بن هادي عُمير المدخلي
- والشيخ عبد القادر الأرناؤوط

ونحنُ هنا نختار بعض الفقرات الذي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في هذا المصنَّف النفيس (مرَّقمةً)، ومن ذلك:


  • الأصول التي بُني عليها هذا الدين:
1- وهذا الدين مبنيٌّ على أصلين عظيمين، هما:
- أن نعبد الله وحده لا شريك له.
- وأن نعبده بما شرعه على ألسنة رسله، فلا نعبده بعبادة مبتدعة. 
* وكل من لم يعبد الله بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم -بما شرعه الله من واجب ومستحب فليس بمسلم حقيقةً.


  • الأصل العام في العبادات التوقيف والاتِّباع:
2- ولا ينبغي لأحدٍ أن يخرج في هذا عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة، ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة. 
* وما عَلِمَهُ قال به، وما لم يعلمه أمسك عليه، ولا يقفو ما ليس له به علم، ولا يقول على الله ما لم يعلم؛ فإن الله تعالى قد حرم ذلك كله.
* والذي ارتضاه الله لخلقه هو ما أكمل به الدّين من التوحيد والإحسان والعدل.


  • الوسيلة والتوسُّل في القرآن الكريم:
3-ولفظ الوسيلة مذكور في القرآن في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} (المائدة: 35)، وقوله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} (الإسراء: 57). 
والوسيلة التي أمرنا الله أن نبتغيها إليه، وأخبر عن ملائكته وأنبيائه أنهم يبتغونها إليه: هي التقرب إلى الله بطاعته، والتوسل إلى الله عز وجل باتباع ما جاء به الرسول، وهذا يدخل فيه كل ما أمرنا الله به ورسوله، لا وسيلة لأحد إلى الله إلا ذلك. 
وهذه الوسيلة لا طريق لنا إليها: إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان به وطاعته، وهذا التوسل به فرض على كل أحد. 
وهي ما يتقرب إليه من الواجبات والمستحبات، ولا يدخل في ذلك: المحرم، ولا المكروه، ولا المباح. 


  • الوسيلة والتوسُّل في السُّنة النبويَّة الصحيحة:
4-وأما لفظ "الوسيلة" في الأحاديث الصحيحة؛ فله معانٍ صحيحة: 
الأول: درجة خاصة بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم في الجنة:
وقد رغبنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أن نسأل الله له الوسيلة والفضيلة، وأن يبعثه مقاماً محموداً الذي وعده. ويدلُّ لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد)/صحيح مسلم: 348/، فهذه الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة. 
الثاني: التوسُّل بطاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومحبته واتِّباعه وامتثال أمره؛ فهذا فرضُ عينٍ لا يتم الإيمان إلا به.
الثالث: التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته:
والمراد به التوسل بدعائه وشفاعته، كما في توسُّل الرجل ضرير بدعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ حتى رد الله عليه بصره بدعائه وشفاعته، وكما كان الصحابة يتوسلون بشفاعته في الاستسقاء وغيره.
الرابع: التوسُّل بدعاء النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم يوم القيامة:
كما يسأله الناس يوم القيامة أن يشفع لهم، فهذا توسُّلٌ من باب قبول الله دعاءه وشفاعته لكرامته عليه. فالناس يتوسلون إلى الله تعالى بشفاعته التي هي دعوته التي ادَّخرها عند الله -أن يُفرِّج عنهم ما هم فيه من الكرب والغم... 
الخامس: التوسُّل بالعمل الصالح: مثل سؤال الثلاثة الذين آووا إلى الغار.


  • أعظم ما يتوسَّل به المتوسلون هو:
5- الإيمان بالله عز وجل، والإقرار لنبيِّه بالرسالة صلى الله عليه وسلم.
إن أعظم ما توسل به المتوسلون بعد الإيمان بالله عز وجل وبعد إفراده بالطاعة والعبادة، هو الإيمان بنبيِّه صلى الله عليه وسلم، واتِّباعُ سنته وهديه، وهو أعظم الشفعاء قدراً، وأعلاهم  جاهاً عند الله سبحانه.. 
* فلو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحبته له، وطاعته له، واتباعه؛ لكان قد سأله بسببٍ عظيم يقتضي إجابة الدعاء بل هذا أعظم الأسباب والوسائل.


  • ومن التوسُّل المشروع الصلاة والسَّلام عليه صلى الله عليه وسلم:
6- ونصوص الكتاب والسنة متظاهرة بأن الله أمرنا أن نصلي على النبي ونسلم عليه في كل مكان، فهذا مما اتفق عليه المسلمون، فهذه الوسيلة هي التي شرع لنا أن نسألها الله تعالى -كما شرع لنا أن نصلي عليه ونسلم عليه - هي حق له، كما أن الصلاة عليه والسلام حق له صلى الله عليه وسلم. 


  • اشتباه التوسُّل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم على كثيرٍ من المتأخرين مع كونه محكماً في عضر الصحابة:
7- والتوسل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم والتوجه به إلى الله لفظٌ فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح: 
-فمعناه في لغة الصحابة: أن يطلب منه الدعاء والشفاعة، فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته. ودعاؤه وشفاعته صلى الله عليه وسلم من أعظم الوسائل عند الله عز وجل. 
-وأما في لغة كثير من الناس (المتأخرين): فمعناه أن يسأل الله تعالى ويقسم عليه بذاته.


  • من السُّنة التوسُّل بدعاء الصالحين الأحياء:
8- وقد مضت السنة أن الحي يُطلب منه الدعاء كما يطلب منه سائر مايقدر عليه، وأما المخلوق الغائب والميت، فلا يطلب منه شيء.
* وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية الشرعية التي جاء بها الكتاب والسنة، فإن ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
بل طلب الدعاء مشروع من كل مؤمن لكل مؤمن، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر لما استأذنه في العمرة:" لاتنسنا يا أخي من دعائك".
*وحتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب من (أويس القرني) أن يستغفر للطالب (وهو عُمر بن الخطاب) وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير.


  • الإيمان بالنبيِِّ صلى الله عليه وسلم وطاعته واتِّباعه أعظم عند الله من مجرد شفاعته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
9-وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاهاً عند الله، وأنه لا جاه لمخلوق عند الله أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته، ولكن الإيمان بالأنبياء وطاعتهم أعظم عند الله من دعائهم وشفاعتهم له، فكل من مات مؤمناً بالله ورسوله، مطيعاً لله ورسوله كان من أهل السعادة قطعاً، ومن مات كافراً بما جاء به الرسول كان من أهل النار قطعاً.


  • التوسُّل المشروع في الدنيا يكون بالإيمان به صلى الله عليه وسلم، ومحبته، وامتثال أمره، وهذا هو أصل الدِّين ولُبِّه:
10-والتوسل بالإيمان بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وطاعته واتباعه، وكذا التوسُّل بدعائه حال حياته مشروعٌ باتفاق المسلمين، بل إن التوسل بالإيمان به واتباعه هو أصلُ الدين، ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافرٌ مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً؛ لأن التوسل بالإيمان به وبطاعته هو أصل الدين ومعلومٌ من الدين بالضرورة، ولأن دعاءه وشفاعته في الدُّنيا فلم ينكرها أحدٌ من أهل القبلة.


  • إثبات الشفاعة له صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهي يومئذٍ أنواعٌ كثيرة:
11-وأما الشفاعة يوم القيامة: فمذهب أهل السنة والجماعة -وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم -أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم له شفاعات يوم القيامة خاصة وعامة. وأنه يشفع فيمن يأذن الله له أن يشفع فيه من أمته من أهل الكبائر. 
ولا ينتفع بشفاعته إلا أهل التوحيد المؤمنون؛ دون أهل الشرك ولو كان المشرك محباً له، معظماً له، لم تنقذه شفاعته من النار وإنما ينجيه من النار التوحيد والإيمان به.


  • أسعدُ الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم هم المتحقِّقون بالتوحيد ظاهراً وباطناً، لا يعبدون غير الله، ولا يستغيثون بسواه سبحانه:
12- و"أسعدُ النَّاس بشفاعته صلى الله عليه وسلم هو من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" /رواه البخاري/. وفي /صحيح مسلم/: "أن شفاعته صلى الله عليه وسلم نائلةٌ من أمته من لا يُشرك بالله شيئاً". وفي لفظٍ في /السنن/ أنها: "لمن مات لا يُشرك بالله شيئاً". وفي /لفظٍ/: "من لقي الله لا يُشرك به شيئاً فهو في شفاعتي".


  • مراتب الشرك في دعاء الأموات والاستشفاع بهم:
 13- والمراتب في هذا الباب ثلاث:
(إحداها): أن يدعو غير الله وهو ميت أو غائب، سواء كان من الأنبياء والصالحين أو غيرهم؛ فيقول: يا سيدي فلان أغثني أو أنا أستجير بك أو أستغيث بك أو انصرني على عدوي.
فهذا (شركٌ مُحرَّم) فلا يجوز لأحدٍ أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين، مثل أن يقول: يا سيدي فلاناً أغثني وانصرني وادفع عني، أو أنا في حسبك. ونحو ذلك.
* وأعظم من ذلك: أن يقول: اغفر لي وتب عليَّ، كما يفعله طائفة من الجهال المشركين. 
* وأعظم من ذلك: أن يسجد لقبره ويصلي إليه ويرى الصلاة إليه أفضل من استقبال القبلة، حتى يقول بعضهم: هذه قبلة الخواص والكعبة قبلة العوام !.
* وأعظم من ذلك: أن يرى السفر إليه من جنس الحج؛ حتى يقول: إن السفر إليه مرات يعدل حجة، وغلاتهم يقولون: الزيارة إليه مرة أفضل من حج البيت مرات متعددة. ونحو ذلك، فهذا شرك بهم وإن كان يقع كثير من الناس في بعضه.


(الثانية): أن يقال للميت أو الغائب من الأنبياء والصالحين: ادع الله لي، أو ادع لنا ربك، أو اسأل الله لنا، كما تقول النصارى لمريم وغيرها.
فهذا أيضاً لا يستريب عالم أنه غير جائز، وأنه من البدع (الشركيَّة) التي لم يفعلها أحد من سلف الأمة، وإن كان السلام على أهل القبور جائزاً، هذا مع أن مخاطبتهم جائزة -كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. يغفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لاتحرمنا أجرهم، ولاتفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم".
وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مسلم يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام"، لكن ليس من المشروع أن يطلب من الأموات لا دعاء ولا غيره.

(الثالثة): أي المرتبة الثالثة من مراتب الدعاء البدعي، أن يقال: أسألك بفلان أو بجاه فلان عندك ونحو ذلك الذي تقدم عن أبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما أنه منهيِّ عنه. وتقدم أيضاً أن هذا ليس بمشهور عن الصحابة، بل عدلوا عنه إلى التوسل بدعاء العباس وغيره.




الثلاثاء، 16 يونيو 2020

قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة
تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية

حقَّقه وخرَّج أحاديثه:
عبد القادر الأرناؤوط

طبع إدارة البحوث العلمية والإفتاء
الرياض -السعودية، الطبعة الأولى، 1999 م.

وكتبه/ أ. محمد ناهض عبد السلام حنُّونة

تمهيد/ هذا الكتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حفظه لنا أبو الحسن علي بن الحسين بن عروة الحنبلي الصالحي (ت 837 هـ)، في كتابه الكبير "الكواكب الدراري في ترتيب مسند أحمد على أبواب البخاري".
وكتابه هذا من الكتب المحفوظة بدار الكتب الظاهرية بدمشق الشام، وقد استُخرج منه عدة كتب من مؤلفات شيخ الإسلام، منها كتابنا هذا، ولو لم يُدرجه في هذا الكتاب لضاع مع ما ضاع من مؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

وكان الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى -وهو من كبار علماء الشام المتوفى سنة (1332 هـ) -قد نسخ هذا الكتاب من "الكواكب الدراري"، وأرسله إلى الشيخ محمد رشيد رضا (ت 1354 هـ) -صاحب مجلة المنار بمصر فنشره في مصر ثم طُبع بعد ذلك عدَّة مرات بمصر وغيرها.

إن هذا الكتاب الجليل خطَّه يراع الإمام واسع الاطلاع، طويل الباع، شيخ الإسلام حقَّاً وشيخ المسلمين صدقاً أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرَّاني الحنبلي، الذي كان من الأئمة المجددين في عصره؛ كالإمام العز بن عبد السلام (ت 660 هـ)، والإمام النووي (ت 676 هـ)، الذين كانت لهم المواقف المشهودة، والأيادي البيضاء المحمودة رحمهم الله تعالى.

وكل من قرأ في كتبه ومصنفاته يُدرك أنه -رحمه الله- إنما كان يدعو إلى عقيدة السلف الصالح، التي تلقاها الصَّحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاها عن الصحابة التابعون، وهي العقيدة السليمة والطريقة المستقيمة، التي ينبغي لكل مسلمٍ أن يسير على منهاجها، وهي أسلم وأعلم وأحكم بلا شكٍّ ولا ريب، وهي عقيدة الأئمة الأربعة: مالكٌ، والشَّافعيّ، وأبو حنيفة، وأحمد رضوان الله عليهم..

 وكان الإمام ابن تيمية رحمه الله رجلاً عميق الفهم؛ فهو الإمام الفذ في التفسير وعلومه، والحافظ الناقد في الحديث وعلومه، وهو الفقيه المبرز والأصولي المتمكن، والمجتهد المطلق، والعالم بالملل والنحل، والمنطق والفلسفة والتصوف والكلام، والعارف بأباطيلها وزيفها وغشها وخداعها.

عَرَفَ العلوم المسماة بالعقلية أكثر من أهلها المختصين فيها وعرف عيوبها وزيفها وخطرها وما تؤدي إليه من ضلال وهلاك، فوجه ما حباه الله به من طاقات، فزلزل قواعدها، ودك معاقلها.

وعَرَفَ التصوف وما ينطوي عليه من شرور وخرافات وأباطيل، واصطلاحات فاسدة ،ومغالطات تفسد وتدمر الدين والعقل، فثلَّ عروشه ودمر قواعده، وكشف تلك المغالطات بالحجج الواضحة والبراهين الساطعة.

لقد أخرج ابن تيمية رحمه الله -في عصره -العقول المسلمة من المناهج الزائفة، والأقاويل الباطلة، خلال قرون الانحطاط الفكري حيث خرافات التصوف ومنطق اليونان، وزهد الهند، والجمود والتقليد الأعمى للأشخاص -إلى الفكر الإسلاميِّ السامق الذي يُمجِّد الشرع والمنهج، ويتماهى مع طبيعة العقل والقلب والروح.

وخرج -رحمه الله -من معاركه العلمية والجهادية ظافرًا منتصرًا انتصاراً حاسماً؛ فلا ترى لخصومه إلى يومنا هذا إلا معارك فاشلة وحججاً متهاوية وكلاماً فارغاً إلا من المغالطات التي لا تنطلي إلا على الأغبياء.

ومن علامات هزائمهم: أن كثيراً منهم يتظاهرون بمدحه واحترامه، ثم يكيدون لدعوته إلى التوحيد بنقل ما يزعمون أنه يؤيد باطلهم من كلامه بعد بتره وتشويهه..

وكان لشيخ الإسلام الحظُّ الوافر من المحبين والأنصار من العلماء والصالحين، ومن الجند والأمراء، ومن التجار الكبار، وسائر العامة تُحبُّه؛ لأنه كان منتصباً لنفعهم ليلاً ونهاراً بلسانه وقلمه..

ولا شكَّ أن لشيخ الإسلام رحمه الله آراؤه الاجتهادية والتي خالف فيها المذاهب الأربعة المتبوعة، أو خالف المشهور من أقوالهم، ولكنها مسائلٌ معدودة على الأصابع ، وهذا لا يُنقص من قدر هذا الجبل الأشمّ، (كما يُحاول المبتدعة والقبوريون تشويه صورته بها)، ومن اختياراته رحمه الله:
1-القول بقصر الصلاة في كل ما يُسمى سفراً: طويلاً كان أو قصيراً، كا هو مذهب الظاهرية وقول بعض الصحابة.
2-القول بأن من أكل في شهر رمضان معتقداً أنه ليل؛ فبان أنه نهار: لا قضاء عليه، كما هو مذهب عمر بن الخطاب، وإليه ذهب بعض التابعين، وبعض الفقهاء بعدهم.
3- القول بأن تارك الصلاة عمداً لا قضاء عليه؛ ولا يشرع له القضاء، بل عليه أن يُكثر من النوافل رجاء أن يغفر الله له، كما هو مذهب ابن حزم الأندلسي رحمه الله.
4- ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الإفتاء بها محنٌ وقلاقل: قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق المُعلّق على شرط إذا كان لا يقصد بذلك إلا الحض والمنع. وقوله: إن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة، كما كان عليه العمل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر رضي الله عنهما.

  • والتوسُّل في الشرع له معنيان: 
الأول: التقرُّب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة والطاعات، كما قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة: 35). ومن التوسُّل إلى الله عز وجل: طلب الدُّعاء من الرجل الصَّالح (الحيّ) الذي يتوسم فيه الخير.

الثاني: المنزلة العالية في الجنَّة، كما في صحيح مسلم في حديث الدُّعاء خلف الأذان، وفيه: "ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشفاعة" [ح: 384].

وأما التوسُّل بالأشخاص والذوات؛ فلم يفعله أحدٌ من السَّلف الصالح رضوان الله عليهم بما فيهم الأئمة الأربعة -أصحاب المذاهب المشهورة -. 

فعلى المؤمن أن يتوسَّل إلى الله عز وجل بأسمائه الحسنى ويدعوه بها، قال الله تعالى: {ولِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف: 180)، أي: قولوا: يا الله، يا رحمن، (يا حيُّ يا قيوم برحمتك أستغيث)، وغير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العُلى؛ كقولك: "اللهمَّ إني أسألك بحُبِّك لنبيِّك لمُحمدٍ صلى الله عليه وسلم"، فإن الحب من صفات الله عز وجل، وكذلك الدُّعاء بالأدعية الصحيحة الثابتة.

* وإذا أردنا أن نختصر هذا الكتاب؛ فنقول -وبالله التوفيق-:

1- قد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -ابتداءً: أن لفظ الوسيلة والتوسل فيه إجمال واشتباه -وقع عند المتأخرين بسبب تفسيرات حادثة لهذا المصطلح، ولذا يجب أن يعرف الناس المعنى المشروع في عرف الصحابة والتابعين -وما كانوا يفعلونه، ويعطى كل ذي حق حقه، وكذلك يعرف ما أحدثه المحدثون في هذا اللفظ ومعناه. 

2- وبيَّن رحمه الله أن كثيراً من اضطراب الناس -من المتأخرين -في هذا الباب هو بسبب ما وقع فيه من الإجمال والاشتراك في الألفاظ ومعانيها حتى أن أكثرهم لا يعرف في هذا الباب ما هو فصل الخطاب، وهذا الاضطراب لا يبقى على مدى الأزمان، وإنما يرتفع الإشكال ببيان وجه الحق والصواب.

3-ثم بين معاني التوسل والوسيلة في لغة القرآن والسنة وكلام الصحابة وأن من أعظم معاني التوسل التقرب إلى الله: بالإيمان بالله، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر، والقيام بكل واجب ومستحب أمر الله به ورسله، وطاعة الرسول في كل ما أمر به ونهى عنه.

4- وبيَّن أن من معاني التوسُّل المشروع، هو: التوسل إلى الله بدعائه وشفاعته في حياته في الدنيا وبدعائه وشفاعته في الحياة الأخرى وأثبت له أنواعاً من الشفاعة منها الشفاعة العظمى، وأن الصحابة إذا أطلقوا لفظ التوسل إنما يريدون به هذا.

5-وبيَّن رحمه الله: وأن التوسل في عرف كثير من المتأخرين يُراد به الإقسام بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والسؤال به كما يقسمون ويسألون بغيره من الأنبياء والصالحين ومن يعتقدون فيه الصلاح، وهذا هو التوسل المحدث المبتدع، والذي ليس له أصل في الكتاب والسنة، ولا في عرف الصحابة ومن اتبعهم بإحسان، وقد بين كل هذه الأنواع بياناً شافياً مفرقاً فيها بين الحق والباطل.