أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 17 أكتوبر 2024

جزء مسند أهل البيت للإمام أحمد بن محمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

جزء مسند أهل البيت 

للإمام أحمد بن محمد بن حنبل

رواية ابنه عبد الله

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذا الجزء الحديثي موجود ضمن المسند الكبير (٣/ ٢٤٤-٢٨٥)، تحقيق الأرناؤوط وآخرون، المطبوع بمؤسسة الرسالة، وقد أفرد هذا الجزء بالطبع، بتحقيق عبد الله الليثي الأنصاري، وصدر عن مؤسسة الكتب الثقافية -بيروت، الطبعة الأولى، عام ١٩٨٨.

وقد تضمن خمسةً وأربعين حديثاً عن خمسة من أهل البيت: الشقيقان: الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وأعمامهما: جعفر، وعقيل ابني أبي طالب، وابن عمهما: عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم.

وقد بذل المحقق جهداً كبيراً في خدمة هذا الجزء، فقد بيّن عند كل حديث: رواته من حيث التوثيق والتضعيف، ومن خرّج الحديث من العلماء، وحكم الحديث من حيث الصحة والضعف، ثم الكلام على بعض معناه باختصار، مع بيان غريب الألفاظ، وبعد ذكر جملة من أحاديث المُسند إليه، يذكر فصلاً في أهم مناقبه، إلا أنه لم يذكر مناقب الحسين، وجعفر، وابنه عبد الله، وننقل هنا ما تيسر إن شاء الله.

وبلغت أحاديث الحسن في هذا الجزء اثني عشر حديثاً، منها حديثان ضعيفان، وموضوعاتها خمسة، وهي: دعاء قنوت الفجر، وخطبة الحسن بعد وفاة أبيه، وما جاء في تحريم الصدقة على أهل البيت، ونسخ القيام للجنازة.

أما أحاديث الحسين فبلغت ثمانية أحاديث، منها حديثان ضعيفان، وثالث شديد الضعف، وموضوعاتها سبعة، وهي: حق السائل ولو غنياً، وتحريم الصدقة على أهل البيت، وترك المرء ما لا يعنيه، وقيام النبيّ صلى الله عليه وسلم لجنازة اليهودي، وأن فعل ذلك لأنه تأذى من ريح اليهود، والاسترجاع عند المصيبة، ودعاء قنوت الوتر، وفضل الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم.

يلي ذلك أحاديث عقيل بن أبي طالب، وعدتها: حديثان، وموضوعها واحد، وهو ما يُقال للمتزوج حين تهنئته. يليه حديث أخيه جعفر بن أبي طالب: وهو حديث الهجرة إلى الحبشة.

وأخيراً أحاديث عبد الله بن جعفر، والتي بلغت: اثنين وعشرين حديثاً، وموضوعاتها: أكل النبيّ صلى الله عليه وسلم القثاء بالرطب، وحمل النبي صلى الله عليه وسلم له ولابن عباس، وإرداف النبيّ صلى الله عليه وسلم له، وأطيب اللحم، وشكوى الجمل صاحبه أنه يجيعه ويدئبه، وتختم النبيّ صلى الله عليه وسلم في يمينه، وسجود السهو لمن شك في صلاته، وبين أنها بعد السلام، وما يقال للعطاس، وخبر مقتل جعفر في مؤتة، وما جاء في نعي جعفر، ومنع التفضيل على يونس بن متى، وبشارة خديجة بالجنة، وما كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا حزبه كرب.

ترجمة عبد الله أحمد بن بن حنبل

راوي الجزء عن أبيه 

اسمه ونسبه ومولده:

هو عبد الله بن أحمد بن حنبل بن هلال الإمام الحافظ، الناقد، محدّث بغداد أبو عبد الرحمن ابن شيخ العصر أبي عبد الله الذهلي الشيباني المروزي، ثم البغدادي . 

ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين، فكان أصغر من أخيه صالح بن أحمد. 

شيوخه: 

روى عن أبيه شيئاً كثيراً، من جملته «المسند» كله، و«الزهد»، وعن يحيى بن عبدويه صاحب شعبة، وامتنع من الأخذ عن علي بن الجعد لوقفه في مسألة القرآن. 

وعن شيبان بن فروخ وحوثرة بن أشرس، وسويد بن سعيد، ويحيى بن معين، ومحمد بن الصباح الدولابي، والهيثم بن خارجة، وعبد الأعلى بن حماد وأبي الربيع الزهراني، وأبي بكر بن أبي شيبة، وإبراهيم بن الحجاج السامي وعبيد الله القواريري، ومحمد بن جعفر الوركاني، وأحمد بن محمد بن أيوب، وأحمد ابن إبراهيم الموصلي، وإسحاق بن موسى الخطمي، وأبي معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، وإسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، والحكم بن موسى القنطري وخلف بن هشام البزار، وداود بن رشيد، وداود بن عمرو الضبي وأبي خيثمة، وسريج بن يونس وعباد بن يعقوب، وعبد الله بن عون الخراز، وعبيد الله ابن معاذ، وكامل بن طلحة ومحمد بن أبان الواسطي، ومحمد بن أبان البلخي، ومحمد بن عباد المكي، ومحمد بن عبد الله بن عمار، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ومنصور بن أبي مزاحم، ووهب بن بقية، وأحمد الدورقي، وأحمد بن أيوب بن راشد وأحمد بن بديل، وأحمد بن جناب، وأحمد بن الحسن بن جنيدب، وأحمد بن الحسن بن خراش وأحمد بن خالد الخلال، وأحمد بن سعيد الدارمي وأحمد بن حميد وأحمد بن حاتم، وأحمد ابن عبده البصري، وأحمد بن عمر الوكيعي، وابن عيسى التستري، وأحمد بن محمد بن المغيرة، الحمصي، وأحمد بن محمد بن يحيى القطان، وإبراهيم بن الحسن الباهلي وإبراهيم بن زياد سبلان، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وإبراهيم بن عبد الله بن بشار الواسطي، وإبراهيم بن نصر وهو ابن أبي الليث وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وإسحاق الكوسج، وإسماعيل بن إبراهيم الترجماني، وإسماعيل ابن محمد المعقب وإسماعيل بن مهدي، وإسماعيل بن موسى، وحميد، وجعفر بن محمد بن فضيل وجعفر بن مهران بن السباك، وجعفر بن أبي هريرة وحجاج بن الشاعر، والحسن بن قزعة، والحسن بن أبي الربيع، وأبو مسلم الخليل بن سلم - لقي عبد الوارث ، وخلاد بن أسلم وروح بن عبد المؤمن، وزكريا بن يحيى زحمويه، وزكريا بن يحيى الرقاشي، وزياد بن أيوب، وسعيد بن أبي الربيع السمان، وسعيد بن محمد الجرمي، وسعيد بن يحيى الأموي، وسفيان بن وكيع، وسليمان بن أيوب صاحب البصري، وأبو الربيع الزهراني، وسليمان بن محمد المبارك، وشجاع بن مخلد، وصالح بن عبد الله الترمذي، والصلت بن مسعود، وعاصم بن عمر المقدمي، وعباس العنبري، وعباس الدوري، والعباس بن الوليد النرسي، وعبد الله بن أبي زياد وعبد الله بن سالم المفلوج، وعبد الله ابن سعد الزهري، وعبد الله بن صندل عن الفضل بن عياض، وعبد الله ابن عامر بن زُرَارة، وعبد اللهبن  مُشْكُدانة ، وعبد الله بن عمران الرازي، وعبد الواحد بن غياث والقواريري وعثمان بن أبي شيبة، وعقبة بن مكرم العمي، وعلي بن إشكاب وأبي الشعثاء علي بن الحسن، وعلي ابن حكيم، وعلي بن مسلم وعمران بن بكار الحمصي، وعمرو الفلاس، وعمرو الناقد، وعيسى بن سالم، وأبو كامل الفضيل الجَحْدَرِي، وفطر بن حماد وقاسم بن دينار، وقتيبة بن سعيد كتابةً، وقطن نسير، وكثير بن يحيى الحنفي، وليث بن خالد البلخي، وأبو بكر الصاغاني، ومحمد بن إسحاق المسيبي، وبندار، ومحمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن بكار مولى بني هاشم، ومحمد بن تميم النهشلي، ومحمد بن ثعلبة بن ،سواء، ومحمد بن حسان السمتي، ومحمد بن إشكاب، ومحمد ،لُوَين ومحمد بن صدران، ومحمد بن عبد الله -جادلهم يكنى أبا بكر ، ومحمد بن عبد الله المخرمي، ومحمد ابن عبدالله بن نمير، ومحمد بن عبد الله الرزّي، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة، ومحمد بن عبيد بن حسان ومحمد بن عبيد المحاربي، ومحمد بن عثمان العثماني، ومحمد بن الحسن بن شقيق، ومحمد بن عمرو الباهلي، وأبو كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن أبي غالب، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن المنهال أخو حجاج، ومحمد بن يحيى ابن سعيد القطان، ومحمد بن يحيى بن أبي سمينة، ومحمد بن يزيد العجلي، ومحمد بن يعقوب أبو الهيثم - سمع: معتمراً ، المحرز بن عون، ومخلد بن الحسن ومصعب الزبيري ومعاوية بن عبد الله بن معاوية الزبيري، عن سلام أبو المنذر ونصر بن عبد الله، ونوح بن حبيب، وهارون بن معروف، وهدبة بن خالد، وهدية بن عبد الوهاب وهديم بن عبد الأعلى وهناد ويحيى بن أيوب البلخي، ويحيى بن داود الواسطي، ويحيى بن عثمان الحربي، ويعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد ويوسف بن يعقوب الصفار، وأبو عبد الله البصري العنبري كأنه محمد بن عبد الرحمن، وأبو عبيدة بن الفضيل، وأبو موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم . وسائر هؤلاء حدث عنهم في مسند «أبيه» سوى بعض الأحمدين. 

تلاميذه: 

حدث عنه النسائي حديثين في «سننه»، والبغوي، وابن صاعد، وأبو عوانة الإسفرائيني، والخضر بن المثنى الكندي، وأبو بكر بن زياد، ومحمد بن مخلد، والمحاملي ودعلج وإسحاق بن أحمد الكاذي، وأبو بكر النجاد، وسليمان الطبراني، وأبو علي بن الصواف، وأبو أحمد العسال، وقاسم بن أصبغ وأحمد بن كامل، وأبو بكر الشافعي، وأبو بكر القطيعي وخلق كثير. 

مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه: 

قال عباس الدوري : كنت يوماً عند أحمد بن حنبل، فدخل ابنه عبد الله، فقال لي أحمد يا عباس إن أبا عبد الرحمن قد وعى علماً كثيراً. 

وعن إسماعيل الخطبي قال: بلغني عن أبي زرعة، أنه قال: قال لي أحمد بن حنبل ابني عبد الله محظوظ من علم الحديث، الخطبي يشك، لا يكاد يذاكرنى إلا بما لا أحفظ.

قال أبو علي بن الصواف: قال عبد أحمد بن حنبل: كل شيء أقول قال أبي فقد سمعته مرتين وثلاثة وأقله مرة. 

قال ابن أبي حاتم  كتب إلي عبد الله بمسائل أبيه، وبعلل الحديث.

قال الخطيب: كان ثقة ثبتاً فهماً. 

قال بدر بن أبي بدر البغدادي: عبد الله بن أحمد جهبذ ابن جهبذ. 

قال أبو أحمد بن عدي: نبل عبد الله بن أحمد بأبيه، وله في نفسه محل في العلم، أحيا علم أبيه من «مسنده» الذي قرأه عليه أبوه خصوصاً قبل أن يقرأه على غيره ومما سأل أباه عن رواة الحديث، فأخبره به ما لم يسأله غيره، ولم يكتب عن أحد إلا من أمره أبوه أن يكتب عنه.

قال أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي: لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه من عبد الله بن  أحمد لأنه سمع منه «المسند» وهو ثلاثون ألفاً،  وسمع «التفسير» وهو مئة ألف وعشرون ألفا، سمع منه ثمانين ألفاً والباقي وجادة وسمع «الناسخ والمنسوخ»، و«التاريخ»، و«حدیث شعبة»، و«المقدم والمؤخر في كتاب الله»، و«جوابات القرآن»، و«المناسك الكبير» و«الصغير»؛ وغير ذلك من التصانيف، و«حديث الشيوخ».

قال: وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك، حتى أن بعضهم أسرف في تقريظه إياه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه.

قال الذهبي: وكان صَيّناً ديناً صادقاً، صاحب حديث وإتباع وب بالرجال، لم يدخل في غير الحديث. 

مؤلفاته: 

قال الذهبي: ولعبد الله كتاب: «الرد على الجهمية» في مجلد، وله كتاب : «الجمل». وله زيادات كثيرة في مسند ،والده، واضحة عن عوالي شيوخه. 

وقال الزركلي: له «الزوائد» على كتاب الزهد لأبيه، و «زوائد المسند» زاد به على مسند أبيه نحو عشرة آلاف حديث، و«مسند أهل البيت - خ» في مجموع قديم بالتيمورية، و«الثلاثيات - خ» في ٨٥ ورقة، كتب سنة ٦٥٤ في شستر بيتي، الرقم ٣٤٨٧ . 

وفاته:

مات يوم قال إسماعيل الخطبي : الأحد، ودفن في آخر النهار لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة تسعين [أي ومئتين]، وصلى عليه ابن أخيه زهير بن صالح، ودفن في مقابر باب التبن(٤)، وكان الجمع كثيراً، فوق المقدار. 

وقيل ان عبد الله أمرهم أن يدفنوه هناك، وقال: بلغني أن هناك قبر نبي ولأن أكون في جوار نبي أحبّ إليَّ في جوار أبي.

إثبات صحة نسبة الكتاب إلى الإمام ابن الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل

 أولاً: أن الكتاب من رواية أبي بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي قراءة عليه في مسجده في قطيعة أم جعفر وأقر به وذلك في المحرم سنة ست وستين وثلاثمائة. ومن المعلوم أن القطيعي هو راوية المسند عن عبد الله بن الإمام أحمد.

ثانياً: أن هذا المسند رواه الإمام عبد الله عن أبيه في ديوان الإسلام الكبير «مسند الإمام أحمد» ويقع في المجلد الأول من صفحة (۱۹۹). 

ثالثاً: وقع في «تاريخ إربل» (۲۲۳/۱) في ترجمة «ابن هلالة المغربي . ت ٦١٧ هـ) (... رحل في طلب الحديث إلى نيسابور وخوارزم ،وغيرها وسمع من مشايخها، وحصل جملة من أصولها وعاد فورد إربل وسمع على الفقير أبي سعيد كوكبوري بن علي بن بكتكين «مسند أهل البيت» عليهم السلام). اهـ . 

رابعاً : ذكره الدكتور صلاح الدين المنجد في كتابه «معجم ما ألف عن رسول الله ﷺ ص ٢٦٢ - الطبعة الأولى» . قال: مسند أهل البيت عليهم السلام - لعبد الله أحمد بن ابن محمد بن حنبل (۲۹۰ هـ ). وفيه مسند الإمام الحسن، والإمام الحسين، وعقيل وجعفر ابني أبي طالب، وعبد الله بن جعفر . خ تيمورية مجموع ۲۸۰ ، ورقة ۱۲۹ …

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا الشيخ الإمام الأجلّ العَالِمُ ، ضياء الدين أبو بكر يحيى ابن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي أيده الله، قراءة عليه بالموصل، في صفر من سنة خمس وستين وخمسمائة قال: أخبرنا الرئيس الأجل أمين الحضرة أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين، قراءة عليه بجامع القصر بمدينة السلام يوم الجمعة السادس من صَفَر سنة عشرين وخمسمائة، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن علي - رحمه الله - قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي قراءة عليه في مسجده في قطيعة أم جعفر، وأقر به، وذلك في المحرم سنة ست وستين وثلاثمائة، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله أحمد محمد بن حنبل قال: حدثنا أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه.

فصل في مناقب «الحسن بن علي رضي الله عنهما»

 هو الإمام السيد الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ريحانة رسول الله ﷺ وسبطه وسيد شباب أهل الجنة، أبو محمد القرشي المدني الشهيد. 

مولده: في شعبان سنة ثلاث من الهجرة وقيل في نصف رمضانها. وعق عنه جده بكبش.

وحفظ عن جده أحاديث وعن أبيه، وأمه. 

حدث عنه ابنه الحسن بن الحسن وسويد بن غفلة وأبو الحوراء السعدي، والشعبي، وهبيرة بن ،يريم وأصبغ بن نباتة، والمسيب بن نجبة. 

وكان يشبه جده رسول الله ﷺ. 

١ - أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله ﷺ والحسن على عاتقه يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه». البخاري (٧٦/٧)، مسلم (١١٦/٢/٢).

 ٢ -وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة بلفظ: (اللهم إني أحب حسناً فأحبه، وأحب من يحبه). البخاري (٧٦/٧) مسلم (١١٥/٢/٢). 

٣- وأخرج البخاري عن عقبة بن الحارث قال صلى أبو بكر صلاة العصر ثم خرج يمشي ومعه علي فرأى الحسن يلعب مع الصبيان، فحمله على عاتقه، وقال: بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيهاً بعلي. وعلي يضحك. البخاري (۷۷) والإمام أحمد (۸/۱)، والحاكم في المستدرك (١٦٨/٣)، والطبراني في المعجم الكبير (٢٥٢٧/٥/٣).

٤- وروى الإمام أحمد عن أبي بكرة أن رسول الله ﷺ كان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن على ظهره وعلى عنقه، فيرفع رسول الله ﷺ رفعاً رفيقاً لئلا يصرع. قالوا: يا رسول الله، رأيناك صنعت بالحسن شيئاً ما رأيناك صنعته بأحد قال: إنه ريحانتي من الدنيا، وإن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين». 

٥- وروى أحمد (۳۷/٥ - ۳۸) الطبراني في الكبير (٢٥٩١/٢٢/٣)، مجمع الزوائد (١٧٥/٩) وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير مبارك بن فضالة وقد وثق . وأخرج الطبراني بإسناد جيد عن علي قال أشبه الناس بالنبي ﷺ ما بين رأسه إلى نحره «الحسن». المعجم الكبير (۹۸/۳) - (۹۹) مجمع الزوائد (١٧٦/٩). 

٦-وأخرج البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح - غير هاشم بن البريد ـ وهو ثقة، عن رجاء بن ربيعة قال: كنت جالساً بالمدينة في مسجد الرسول ﷺ في حلقة فيها أبو سعيد وعبد الله بن عمرو فمر الحسن بن علي فسلم، فرد عليه القوم وسكت عبد الله بن عمرو، ثم أتبعه فقال : وعليك السلام ورحمة الله ، ثم قال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء والله ما كلمته منذ ليالي (صفين). فقال أبو سعيد: ألا تنطلق إليه فتعتذر إليه ؟ قال: نعم. فقام فدخل أبو سعيد فاستأذن، فأذن له، ثم استأذن لعبد الله بن عمرو، فدخل، فقال أبو سعيد لعبد الله بن عمرو: حدثنا بالذي حدثتنا به حيث مر الحسن فقال: نعم أحدثكم، إنه أحب أهل الأرض إلى أهل السماء. قال: فقال له الحسن: إذا علمت أني أحب أهل الأرض إلى أهل السماء فلم قاتلتنا، أو كثرت يوم «صفين»؟ فقال: أما إني والله ما كثرت سواداً ولا ضربت معهم بسيف ولكني حضرت مع أبي، أو كلمة نحوها. قال: أما علمت أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله ؟ . قال : بلى ولكني أسرد الصوم على عهد رسول الله ﷺ فشكاني أبي إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله ! إن عبد الله بن عمرو يصوم النهار ويقوم الليل، فقال لي : «يا عبد الله !صم وأفطر، وصلّ ونَمْ، فإني أنا أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، أطع أباك» فخرج (يوم صفين) وخرجت معه. مجمع الزوائد (١٧٦/٩ - ١٧٧). وذكره من طريق أخرى غير (البزار) عن الطبراني في المعجم الأوسط وذكر أن في إسناده علي بن سعيد بن بشير وفيه لين» (١٨٦/٩ - ١٨٧).

 ٧ - وأخرج الإمام أحمد عن معاوية قال: رأيت رسول الله ﷺ يَمُصُّ لسانه، أو قال - شفته ـ يعني الحسن بن علي، وإنه لن يُعَذِّبَ لسان أو شفتان مصهما رسول الله ﷺ. في المسند (٩٣/٤). الإمام أحمد وقال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد (۱۷۷/۹) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح قلت للحسن بن علي: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة. غير عبد الرحمن بن أبي عوف وهو ثقة. 

٨- وأخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال : قال : قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت. تركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد. ثم ابتزها بائتياس أهل الحجاز]. الحاكم في المستدرك (۱۷۰/۳) ومنه الإضافة. وأبو نعيم في الحلية (٣٦/٢ - ٣٧).

ترجمة عقيل بن أبي طالب 

هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب ابن هاشم الهاشمي رضي الله عنه.

ويكنى أبو يزيد وقيل أبو عيسى. 

ابن عم رسول الله ﷺ، هو أكبر إخوته وآخرهم وفاة. كان مشهوراً في الجاهلية وشهد بدراً مع الكفار وأسره المسلمون. 

أسلم قبل الحديبية، وشهد غزوة مؤتة وكان أسنّ من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أسن من علي بعشر سنين. 

وكان عقيل من أنسب قريش وأعلمهم بأيامها وكان نسابة يقص أخباره في مسجد المدينة وكان أحد ثلاثة علماء كلّفهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بإعداد سجل بأنساب العرب.

 وروى عنه: ابنه محمد، وحفيده عبد الله بن محمد بن عقيل، وعطاء، وأبو صالح السمان وموسى بن طلحة والحسن البصري ومالك بن أبي عامر الأصبحي. 

وله رواية وأحاديثه قليلة. 

وروى الزبير بن بكار من طريق الحسين بن علي قال: كان ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: العباس وعلي وعقيل، وسمى جماعة. 

توفي في خلافة معاوية، وقد كف بصره، وقبره مشهور في أول البقيع. 

ومناقب عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنه: 

أخرج الطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات، عن أبي إسحاق مرسلاً عنه ـ - أنه قال لعقيل بن أبي طالب يا أبا يزيد! إني أحبك حبين حباً لقرابتك وحباً لما كنت أعلم من حب إياك» . عمي وأخرجه الحاكم (٥٧٦/٣) من حديثه، وكذا من حديث أبي حذيفة، وهو عند ابن سعد (٤٤/٤) ونسبه الهيثمي في مجمع الزوائد (۲۷۳/۹)، وقال رواه الطبراني مرسلاً ورجاله ثقات.



الثلاثاء، 3 أكتوبر 2023

طلائع البخت بسندي إلى إحياء الميت بفضائل أهل البيت أحمد منصور قرطام بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

طلائع البخت بسندي إلى إحياء الميت بفضائل أهل البيت

أحمد منصور قرطام

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه الرسالة الصغيرة الحجم، والعظيمة القدر، ألفها الشيخ أحمد بن منصور لبيان أسانيده إلى كتاب إحياء الميت، وتأتي هذه الأسانيد في جملة المرويات الكثيرة عن الإمام السيوطي، ويرويها الشيخ قرطام عن ثلاثة من شيوخه، وهم: محمد الشاذلي النيفر، وعبد العزيز الغماري، وأخيه عبد الله الغماري، وثلاثتهم عن عمر حمدان المحرسي في "ثبته"، بسنده إلى العلامة محمد الأمير الكبير في "ثبته"، بسنده إلى العلامة عبد الله بن سالم البصري في "ثبته" بسنده إلى الإمام السيوطي.

ولعل في تسمية الشيخ لرسالته نكتة لطيفة، فإن الطلائع مفردها طليعة، وهي مقدمة الجيش، والمتقدمين من الأوائل في كل شيء، وكأنه يُشير بذلك إلى علو سنده في هذا الكتاب، وكون رسالته إحدى الطلائع التي ترمقها العين في طلب الإجازة، و"البُخت" بضم العين جماعة الإبل العربية، كأنه يشير بذلك إلى أنه أحد من تحمُّلوا همَّ الدراية عن الشيوخ، وفي الحديث: إِنَّمَا (النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً).

أو "البَخت" بفتح الموحدة، مفرد بُخوت، وهو: الحَظٌّ، والنَصيب، وكأنه يُشير إلى الخير العظيم، التي ينالها من تأهل لرواية هذه الأحاديث، التي فيها فضائل العترة الطاهرة الطيبة، وبالتالي يندرج في جملة المحبين لهم، والملتحقين بركبهم، من غير تبديل ولا تغيير.

وبين الشيخ قرطام وبين الإمام السيوطي عشر طبقات، وهو بذلك يُعد من الأسانيد العالية، وأعلى من سند الشيخ قرطام من يروي عن الشيخ عمر حمدان المحرسي مباشرةً، ومنهم: الشيخ محمد بن أبي بكر الحبشي، وأخيه الشيخ أحمد بن أبي بكر الحبشي، والشيخ عبد الله الناخبي الذي توفي متأخراً، والشيخ محمد حميدة المغربي هو ربيب الشيخ عمر حمدان (الشيخ زوج أمه)، وغيرهم كثير لا زال بعضهم أحياء.

وقد تدبَّج المحرسي بالشيخ محمد عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، وذكر ذلك في معجمه الكبير "فهرس الفهارس"، ونروي هذا الكتاب عن شيخنا محمد بن أبي بكر الحبشي إجازةً، عن الشيخ المحرسي، بسندده الآتي ذكره.

وأنزل من ذلك درجةً عن شيوخنا: العلامة المعمر عبد الرحمن بن محمد عبد الحي الكتاني، والعلامة محمد الأمين بوخبزة، وأحمد ومحمد ابنا أبي بكر بن حسين الحبشي، عن مُسند الوقت محمد عبد الحي الكتاني، عن عصريّه محمد حمدان المحرسي تدبيجاً.

وقد وضعتُ على كتاب (إحياء الميت) شرحاً وجيزاً، لعلي أنشره في الأيام المقبلة إن شاء الله تعالى.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} سورة الأحزاب من الآية 33، والصلاة والسلام على من أرسل للعالمين بشيراً ونذيراً وعلى آله الطيبين الطاهرين إناثاً وذكوراً وعلى كل من أراد أن يتذكر أو أراد شكوراً. 

أما بعد: فإنَّ كتيب إحياء الميت بفضائل أهل البيت للإمام السيوطي الشافعي صغير الحجم عظيم النفع، وقد جمع فيه ستين حديثاً تدل من الناحية الشرعية على وجوب محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجوب نصرتهم والدفاع عنهم، والتجاوز عن مسيئهم، والقبول من محسنهم، والدعاء لهم جهراً وسراً، مما لم يدع فيه مجال للجاج ولا محجاج.

فأحببت أن ألتحق بركب النصرة والمحبة والموالاة، إلا أن بضاعتي مزجاة، لا أملك سوى القلم، فحبرت فيه انتمائي وولائي، عسى أن ألقاه على حوض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في الحديث المتواتر، من خلال قلمي وانتمائي ودمي.

وسميته طالع البخت بسندي إلى إحياء الميت بفضائل أهل البيت

فأروي أنا العبد الفقير خادم العلم الشريف أبو الفضل أحمد منصور قرطام الحسيني المالكي التونسي الفلسطيني كتاب (إحياء الميت بفضائل أهل البيت) بالسند المتصل إلى الإمام السيوطي الشافعي رحمه الله من طرق كثيرة منيرة، ولكن أحلاها وأزكاها وأعلاها سُلَّماً وأَرقَاهَا وأَوضَحَهَا وأَصفَاهَا:

١= عن سيدنا ومولانا العلامة الشيخ الفقيه المسند الشاعر الأصولي المعمر محمد الشاذلي النيفر الحسيني المالكي التونسي رحمه الله تعالى المولود سنة 1325هـ الموافق 1908 ر والمتوفى سنة 1418هـ الموافق 1997 ر.

وسيدنا ومولانا العلامة الأصولي المحدّث الناقد ذهبي العصر الصوفي الكبير عبد العزيز بن محمد الصديق الغماري الإدريسي الحسني المغربي رحمه الله تعالى المولود سنة 1338هـ الموافق 1920 ر والمتوفى سنة 1418هـ الموافق 1997 ر.

وسيدنا ومولانا الحافظ المجتهد الأصولي المتكلم المتفنن في شتى العلوم الولي الصالح المجاب الدعوة عبد الله بن محمد بن محمد الصديق الغماري الإدريسي الحسني المغربي رحمه الله تعالى المولود سنة 1328هـ الموافق 1910 ر والمتوفى سنة 1413هـ محمد بن الموافق 1993 ر.

٢= ثلاثتهم عن محدث الحرمين عمر بن حمدان المحرسي المالكي التونسي المكي رحمه الله تعالى المولود سنة 1291 هـ الموافق 1874 ر والمتوفى سنة 1368هـ الموافق 1949 ر

٣- عن شيخه السيد محمد علي بن ظاهر الوتري الحنفي المدني رحمه الله تعالى المولود سنة 1261 هـ الموافق 1845 ر والمتوفى سنة 1322 ه الموافق 1904 ر

٤= عن العلامة أبي العباس أحمد بن أحمد الشهير بمنة الله الشباسي المالكي الأزهري المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1213ه الموافق 1798 ر والمتوفى سنة 1292 هـ الموافق 1875 ر

٥= عن العلامة محمد الأمير الكبير السنباوي المالكي المغربي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1154 هـ الموافق 1741 ر والمتوفى سنة 1232 هـ الموافق 1817 ر.

٦= عن الشهاب أحمد الحسن الجوهري الشافعي الأزهري المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1096 هـ الموافق 1685 ر والمتوفى سنة 1182 هـ الموافق 1768 ر.

والشهاب الإمام المعمر شيخ الشيوخ المسند أحمد بن عبد الفتاح بن عمر المجيري الملوي الشافعي الأزهري المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1088 هـ الموافق 1677 ر والمتوفى سنة 1181 هـ الموافق 1767 ر

٧= كليهما، عن الشيخ عبد الله بن سالم البصري الشافعي المكي رحمه الله تعالى المولود سنة 1048 ه الموافق 1638 ر والمتوفى سنة 1134 هـ الموافق 1722 ر.

٨= عن الإمام الحافظ المسند الشمس أبي عبد بن المسند عبد الله محمد بن العلاء البابلي الشافعي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 1000 هـ الموافق 1591 ر والمتوفى سنة 1077 هـ الموافق 1666 ر

٩= عن العلامة أبي النجا سالم بن محمد عز الدين بن محمد ناصر الدين السنهوري المالكي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 945 هـ الموافق 1538 ر والمتوفى سنة 1015 ه الموافق 1606 ر،.

١٠= عن شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي المصري رحمه الله تعالى المولود سنة 897هـ الموافق 1491 ر والمتوفى سنة 969 هـ الموافق 1561 ر.

عن عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين عبد الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن عثمان الخضيري الأسيوطي الشافعي المصري الشهير بجلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى المولود سنة 849 هـ الموافق 1445 ر والمتوفى سنة 911 هـ الموافق 1505 ر.

وبناءً على ما مر وتأصل وتقرر أجيز السيد الفاضل:................................

موصياً المجاز السالك بتقوى الله في السر والإعلان والترفع عن سفاسف الأمور والنظر إلى معاليها والجد والاجتهاد لفهم الكتاب والسنة وفق القواعد التي أصلها الأئمة الأعلام على أن لا ينساني من دعوة صالحة في صلواته وخلواته وجولاته ومن علمني ووالدي ومحبيّ.




الأحد، 1 أكتوبر 2023

دراسة في كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري، منهجاً ومضموناً عوض الذنيبات بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

دراسة في كتاب "فتوح البلدان" للبلاذري، منهجاً ومضموناً 

عوض الذنيبات

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذه ورقة بحثية تناولت دراسة عامة لمنهج ومضمون "فتوح البلدان" للعالم المتبحر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري: وهو عالم ومؤرخ، وجغرافي، ونسابة، وله شعر جيد، من أهل بغداد. ولد سنة (١٩٠ هـ)، وتوفي سنة (٢٧٨ هـ) وقيل أصيب في آخر عمره بذهول شبيه بالجنون، فحُبس بالبيمارستان إلى أن توفي.

وهذا الكتاب "فتوح البلدان" يعد من الكتب الموسوعية التي ضمت بين جنباتها الكثير من المعلومات حول صدر الإسلام وما يتعلق بجغرافيا المسلمين، كما يُعد مصدراً مهماً من المصادر التي يعتمد عليها العلماء والمهتمون في شتى الفنون: من التاريخ، والهندسة، والجغرافيا، والمساحات، والعمران، وتسميات الأماكن والبلدان.

بالإضافة إلى ما يجري في فلك الاقتصاد، والسياسة، وما جاء في الفتوحات، وكذلك ما ورد في الأوائل، والأنساب، والتراجم، بل يُعد معجماً في اللغة، ومادة غنية بالأدب، لأنه لا يكاد يذكر غزوةً أو فتحاً أو حادثة عامة إلا ويرفقها بأبيات من الشعر، وحتى في تفسير الآيات وبيان أسباب نزلوها، وشرح بعض الأحاديث.

وقدمت هذه الورقة إلى قسم التاريخ، بجامعة مؤتة، الكرك، الأردن. تاريخ استلام البحث ٢٠١٢/١١/٢٥ م، وتاريخ قبوله ٢٠١١/٩/١٣ م.

قال ابن كثير في (البداية والنهاية): "البلاذري المؤرّخ واسمه أحمد بن يحيى بن جابر بن داود أبو الحسن ويقال أبو جعفر ويقال أبو بكر البغدادي البلاذري صاحب التاريخ المنسوب إليه، سمع هشام بن عمار وأبا عبيد القاسم بن سلام، وأبا الربيع الزهراني وجماعة، وعنه يحيى بن النديم وأحمد بن عمار وأبو يوسف يعقوب بن نعيم بن قرقارة الأزدي.

وقال الحافظ ابن عساكر: "كان أديباً ظهرت له كتب جياد، ومدح المأمون بمدائح، وجالس المتوكل، وتوفي أيام المعتمد، وحصل له هوس ووسواس في آخر عمره ... ".

وقال مؤرخ الاسلام الذهبي عنه في (السير) ٨/ ٤٩٩: "البَلاذُرِي العَلاَّمَة، الأديب، المصَنَّف، أبو بكر، أحمد بن يحيى بن جابر البَغدادي البلاذُرِي، الكاتب، صاحِب «التَّاريخ الكبير». سمع: هَوْذَة بن خَلِيفة، وعبد الله بن صَالح العِجْلي، وعَفَّان، وأبا عُبَيْد، وعلي بن المَديني وخَلف بن هِشَام، وشَيْبَان بن فَرُّوخ، وهِشام بن عَمَّار، وعِدَّةً. وجالَسَ المتوكِّل، ونادَمَه.

روى عنه: يحيى بن المِنَجِّم، وأحمد بن عَمَّار، وجَعْفَر بن قُدَامَة، ويعقوب بن نُعَيْم قَرْقَارَة، وعبد الله بن أبي سَعد الوَرَّاق. 

وكان كاتباً بليغاً، شاعراً محسناً، وُسْوِسَ بأخَرَة لأنَّه شَرِبَ البلاذُر للحِفْظ.

وله مَدَائح في المأمون وغيره. وقد ربط في الْبِيمارِسْتَان، وفيه مات.

وقيل: كان يكنى أبا الحَسَن. وقيل: أبا جعفر. توفي بعد السَّبعين ومائتين، رَحِمَه الله. وكان جدُّه جابر كاتباً للخَصِيب أمِير مصر. "

ملخص 

هذه دراسة في كتاب "فتوح البلدان" لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، من حيث المنهج والمضمون. قدم الباحث فيها نبذة عن حياة البلاذري: اسمه، نسبه، شيوخه الذين تتلمذ عليهم، وتلاميذه، وآثاره، ومصنفاته، ووفاته. 

وقد اعتمد الباحث منهج البحث التاريخي التحليلي أثناء دراسته للكتاب. وبين البحث المنهج الذي سار عليه المؤلف في كتابه، وكذلك المضمون؛ أي الموضوعات التي احتوى عليها الكتاب نفسه، بهدف بيان أهميته ومكانته بين المصادر التاريخية. 

وختم الباحث دراسته بإبراز النتائج والتوصيات التي انتهى إليها الباحث

الكلمات الدالة كتاب "فتوح البلدان، البلاذري، المنهج، المضمون.

المقدمة 

يعد البلاذري (ت279هـ /892 م)، من أبرز أعلام حركة التأليف التاريخي التي بدأت في الظهور منذ منتصف القرن الثالث الهجري، التاسع ميلادي، ومن الذين استعملوا بحرية كل ما أتيح لهم من مصادر على الرغم من تنوعها، وامتاز بالنظرة المتفحصة الناقدة للمادة التي انتقاها أساساً لمؤلَّفاته، وأعطى أهمية خاصة للروايات التي استقاها من مصادر إقليمية معايشة للحدث الذي يكتب عنه.

لعلَّ الناظر في مؤلفات البلاذري – وهي متنوعة –يجدها تكشف عن مكانته العلمية ودوره في تأصيل الكتابة التاريخية.

ويعد كتاب "فتوح البلدان"، أحد أبرز مؤلفاته، وهو يزخر بالمعلومات التاريخية من فتوح وأنساب ونوادر، بالإضافة للمعلومات الجغرافية واللغوية والأدبية والدينية من تفسير وحديث وفقه وغير ذلك، بحيث يمكن أن يوصف بالموسوعية، لما يمتلكه صاحبه من نظرة تكاملية للمعرفة.

وتزداد أهمية الكتاب بالمنهج الذي سار عليه صاحبه من خلال اهتمامه بالإسناد وبيان موارده التي استقى منها مادته التاريخية، وقد كان واضحاً ودقيقاً ومباشراً في الإشارة إلى جانب من منهجه في كتابه حين قال: "أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان، سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض". 

لاحظ الباحث أثناء دراساته في هذا المصدر، القيمة العلمية والمنهجية التي يتمتع بها، ولما تأكد له عدم وجود دراسة متخصصة ومستقلة حوله على النحو الذي حظي به كتابه "أنساب الأشراف"، شرع بتخصيص هذا البحث للوقوف على المنهج الذي سار عليه المؤلف فيه، وعلى موضوعاته ومضمونه. 

بدأ الباحث عمله بدراسة الكتاب، وحصر الجوانب التي تخص المنهج الذي اعتمده المؤلِّف، والموضوعات والاهتمامات التي تضمنها.

وجد الباحث أن من الضروري التعريف بنشأة البلاذري، من حيث اسمه ونسبه وشيوخه وتلاميذه، وآثاره ومصنَّفاته ووفاته؛ لرسم صورة متكاملة للمؤلِّف وتكوينه الثقافي.

اعتمد الباحث المصدر نفسه مصدراً أساسياً للدراسة، بالإضافة إلى مصادر أخرى؛ معجمية وتراجم ومراجع ودراسات حديثة ذات صلة بموضوع البحث.

وفي النهاية ختم الباحث دراسته بإبراز أهم النتائج والتوصيات التي توصل إليها، مع قائمة مستقلة بهوامش مستقلة.

1- نشأة البلاذري: 

أ- اسمه ونسبه: أحمد) بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري البغدادي الكاتب، يكنى أبا الحسن، وأبا جعفر، وأبا بكر. أما عن نسبه، فلم تذكر المصادر شيئاً عنه، رغم أن بعض المحدثين نسبوه إلى أصل فارسي، إلا أن المشهداني في دراسته عن موارد البلاذري عن الأسرة الأموية في كتابه "أنساب الأشراف"، يرجح أن نسبه يعود إلى أصل عربي من خلال ما ذكره المسعودي في كتابه "مروج الذهب"، إذ أشار إلى كتاب "الرد على الشعوبية" الذي صنفه أبو الحسن أحمد بن يحيى، على الرغم من أنه لم يُشر إلى أنه هو البلاذري صراحة، لكن يبدو أنه هو المقصود، حيث إن مثل هذا العمل الكتاب لا يقوم به شخص لا يشعر بعروبته شعوراً واضحاً. 

كان جده يكتب للخصيب صاحب مصر، وكان هو من رجال البلاط في سامراء، جالس المتوكل والخلفاء من بعده، حتّى أيَّام المعتمد على الله، وهو عالم بالأنساب، وراوية متقن، نشأ ببغداد، وأخذ عن أئمة فقهائها وأعلام أدبائها، وكبار الإخباريين فيها.

ب- شيوخه:

ذكرت المصادر أنَّه سمع بدمشق من هشام بن عمار، وأبي حفص عمر بن سعيد، وبحمص من محمد بن مصفى، وأبي البزار، وعمرو، وبأنطاكية من محمد بن عبد الرحمن ابن سهم، وأحمد بن برد الأنطاكي، وبالعراق من عفان بن مسلم، وعبد الأعلى ابن حماد، وعبد الواحد بن غياث، وشيبان بن فروخ، وعلي بن المديني، وعبد الله ابن صالح العجلي، ومصعب الزبيري، وعبيد بن سلام، وإسحق ابن أبي إسرائيل، وخلف الناقد، والحسين بن علي بن الأسود العجلي، وعثمان بن أبي شيبة، وأبي الحسن علي بن محمد المدائني، ومحمد ابن سعد كاتب الواقدي، ومحمد بن الصباح الدولابي، وعباس بن الوليد، وأحمد بن إبراهيم الدورقي، وجماعة سواهم.

ومن خلال نظرة في تراجم ،شيوخه، نجد أنهم من بيئات ،مختلفة، وأصحاب اختصاصات متعددة في العلوم، منهم القراء، ومنهم المحدثون والفقهاء، ومنهم الأدباء، وبهذا يمكن القول إن ثقافة صاحبنا في هذه الدراسة كانت متعددة العلوم والمعارف.

وقد أدى هذا إلى تأثره بأساليبهم وبعض مناهجهم في دراساته التاريخية، وتبين ذلك من خلال عرضه للمعلومات التاريخية التي تناولها، والتي نجد فيها اهتماماً شديداً بالسند، حيث استخدم بشكل كبير صيغ المحدثين وألفاظهم التي كانوا يستعملونها في إسنادهم، وهذا ما ستناوله أثناء الحديث عن منهجه في كتابه موضوع البحث.

ويخرج القارئ لشيوخ البلاذري ومصادر رواياته بنتيجة أنه تكبد مشاق السفر، فزار كثيراً من البلدان، فزار مدن الشام؛ دمشق وحمص، وأنطاكية، وحماة، وأخذ عن علمائها، واستمع إلى رواتها، ولا يخفى تأثير مثل هذه الرحلات على المؤرخ المعني بجمع الأخبار، فقد توفرت لدى البلاذري معلومات محلية غزيرة عن الأمصار التي زارها.

ج -تلاميذه: 

أَمَّا عن تلاميذه الذين أخذوا عنه، فمنهم يحيى بن النديم، وأحمد بن عمار، وأبو يوسف يعقوب بن نعيم بن فزارة الأزدي، وعبد الله بن أبي سعيد الوراق، وجعفر بن قدامة، وعبد الله بن المعتز. 

د -آثاره، ومصنفاته: 

لم يكن البلاذري من المكثرين في التأليف من حيث عدد الكتب والمصنفات التي خلفها، إلا أن بعض كتبه قد نالت مكانة كبيرة. 

والذي تم الوقوف عليه من كتبه كما ذكر ابن النديم في الفهرست كتاب البلدان الصغير"، وكتاب "البلدان الكبير"، وكتاب "الأخبار" والأنساب"، وكتاب "عهد أردشير" ترجمه بشعر، وكتاب "فتوح البلدان"، وهو مدار بحثنا هذا، قالت عنه المصادر: "وله كتاب في البلدان وفتوحها وعنوة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما فتح في أيامه وعلى يد الخلفاء من بعده، وما كان من الأخبار في ذلك، وصنف البلدان في الشرق والغرب والشمال والجنوب، ولا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه". 

وقال فيه ابن العديم: "قرأت في كتاب البلدان وفتوحها وأحكامها تأليف أحمد بن يحيى البلاذري"، وذكره المسعودي في "التنبيه والأشراف" وذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان"، وذكره الصفدي في "الوافي بالوفيات"، وكذلك حاجي خليفة في "كشف الظنون". 

وعلى الرغم من أن عدداً من المؤلفين قد كتبوا في هذا الحقل قبل البلاذري، إلا أن كتابه احتل موضعاً مرموقاً بين الكتب التي ألفت في هذا الموضوع؛ نظراً لضياع معظم الكتب السابقة، باستثناء بعض الكتب القليلة، ومنها ما كتبه الواقدي، مثل "فتوح الإسلام لبلاد العجم وخراسان"، و"فتوح الشام"، و"فتوح إفريقية"، وكان ابن أعثم الكوفي (ت 314 هـ/ 1926 م)، قد صنف في الفتوح، رغم تأخُّره نسبياً عن زمن البلاذري.

 وقد قام المستشرق الألماني دي خويه (De Goeje) بطبعه في لايدن سنة 1866م، بعنوان "فتوح الأقاليم"، ثم نشرته المطبعة الرحمانية عن طبعة دي خويه بالقاهرة سنة 1901م، كما نشر ثانيةً سنة 1932م، ونشره الدكتور صلاح الدين المنجد ما بين 1956 و 1958 م، ثم نشره عمر أنيس الطباع في بيروت سنة ،1957 ونشره أيضاً سنة 1978م، وقام هامكر بترجمته إلى اللاتينية، ترجمة موجزة سنة 1884 م.

ثم قام الأستاذ فيليب حتّي بترجمة قسم منه إلى الإنكليزية سنة 1916م، كما ترجمه كاملاً، فرانسيس كلارك مورجوتن سنة 1924م، وترجمه ريشير (Rscher) إلى الألمانية بين عامي 1917م و 1924م، كما ترجم سوفاجيه قطعة منه إلى الفرنسية في كتابه عن المؤرخين العرب.

وقد اعتمد الباحث في دراسته هذه على النسخة التي حقَّقها عبد الله أنيس الطباع، نشر مؤسسة المعارف، بيروت، 1987م.

هـ- وفاته:

توفي سنة 279 هـ/892 م، أيام المعتمد على االله، ونفى ياقوت الحموي أن يكون قد أدرك أيام المعتضد بالله، أحمد بن الموفق باالله، أبو العباس، الخليفة العباسي (ت289هـ/901م)، كما ذكر الصفدي في الوافي بالوفيات، علماً بأن الباحث لم يجد في المصادر ذات العلاقة ما يشير إلى ما أورده الصفدي في الوافي بالوفيات؛ مما يؤكِّد أن وفاته كانت سنة (279هـ/901م)، وهذا الرأي أخذ به محمد جاسم المشهداني في دراسته عن الأسرة الأموية في كتاب "أنساب الأشراف" للبلاذري.

و- منهج البلاذري في كتابه:

إن فكرة التأليف في كتابة تاريخ أمة، أو فترة خاصة كما يقول فرانز روزنتال في كتابه "علم التاريخ عند المسلمين": "لا يعني إلاَّ شيئاً واحداً، هو: "إظهار تطور الفكرة التاريخية لدى مؤرخي تلك الفترة أو الأمة، وتطور معالجتهم العلمية للأحداث، ووصف أصول صور التعبير الأدبي ونحوها أو انحطاطها، تلك الصورة التي استعملت لعرض المادة التاريخية".

ويضيف: "والمؤرخ ذو البصيرة النفَّاذة إلى الحقائق المهمة يعطي كتابه أهمية كمصدر تاريخي، وقيمة أي مصدر تاريخي يقررها قدمه، وقربه من الحوادث التي يصفها، أو استخدامه لكتب مفقودة أو قريبة من المعاصرة للحدث".

هذه الرؤية التي ضمنها روزنتال لكتابه ظهرت بشكلٍ واضحٍ في الكتاب الذي نحن بصدده في هذه الدراسة، فهو مليء بالجوانب التي تستوقف القارئ وتستحق القراءة، وبخاصة من حيث المنهج الذي اعتمده في الكتاب، ومن حيث الموضوعات ذات القيمة التاريخية –وهي التي تعكس اهتماماته بشكلٍ مباشر-، وهذان الجانبان هما اللَّذان عناهما الباحث في دراسته للكتاب.

لقد كان المؤلِّف واضحاً ودقيقاً ومباشراً في الإشارة إلى جانب من منهجه في الكتاب، حين قال: "أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان، سقت حديثهم واختصرته ورددت من بعضه على بعض".

هذه الرواية تؤكِّد أن البلاذري يميل في منهجه إلى الاختصار ما أمكن في التخلُّص من تكرار الأسانيد، وقد ظهر هذا بشكلٍ واضحٍ في الإكثار من استخدام الصيغة اللفظية "قالوا" التي يبدأ بها مطلع رواياته بعد رؤوس الموضوعات مباشرة، وكأنَّه يقول أن نوعاً من الإجماع قد تم حول قبول بعض الروايات والرواة، ويعرف هذا بأسلوب جمع الروايات والأسانيد.

 ولعلَّ هذا من بين أسباب التأثُّر بأسلوب المحدثين في رواياتهم، ويمكن إعادة أسباب هذا التساهل في الإسناد واستخدام الإسناد الجمعي؛ لكونه ثقة كما أشارت المصادر، فلا داعي لذكر مصادره، وعلى اعتبار أن التاريخ لا تقام عليه أحكام شرعية كما هي الحال في الحديث.

والمتتبع لمنهج البلاذري في كتابه سيلحظ بشكلٍ لافت للنظر عنايته بالإسناد ما أمكن، واستعماله للكثير من الصيغ اللفظية الدالة على "السماع"، و"المشافهة" من شيوخه مباشرةً، من ذلك قوله: "حدثنا"، و"حدثني"، و"حدثني جماعة من أهل العلم"، و"حدثني بعض أهل العلم"، و"حدثني عدة من أهل العلم منهم جار لهشام بن عمار"، و"حدثني من أثق به"، و"حدثني بعض من أثق به من الكتَّاب"، و"حدثني أبو مسعود الكوفي قال"، و"حدثني أبو مسعود الكوفي وغيره"، و"حدثني القاسم بن سلاَّم وغيره"، وحدثني علي بن محمد المدائني"، و"حدثني المدائني والعباس بن هشام الكلبي"، و"حدثني أحمد بن حماد الكوفي"، و"حدثني الوليد بن صالح"، و"حدثنا الحسين بن إبراهيم بن مسلَّم الخوارزمي، و"حدثنا الحسين بن الأسود قال"، و"أخبرني بكر بن الهيثم"، و"أخبرني معافى بن طاووس"، و"أخبرني داود بن حبال الأسدي"، و"أخبرني أمير المؤمنين المتوكِّل"، و"سمعت من يذكر"، و"سمعت بعض العلماء يذكر"، و"سمعت بعض أهل الحيرة يذكر".

على أن الأسانيد وصحتها وتسلسلها لا يقتضي بالضرورة أن يكون البلاذري قد أخذها عن شيوخه عن طريق السماع والمشافهة فقط، فالشيخ لا بد له من أصل مدون يحدث منه.

ويظهر للباحث أن البلاذري في مادته التاريخية قد أعطى أهمية خاصة للروايات التي تعود للمنطقة التي وقعت فيها الحادثة واعتمدها في كتابه – أهل البلاد أنفسهم كشهود عيان وكذلك كتبهم- مع أنَّه أحياناً يضطر إلى إتمامها بروايات أخرى حول الموضوع نفسه، ومن الشواهد الواردة في كتابه – فتوح البلدان- الدالة على هذا الجانب من منهجه في إسناد رواياته قوله: "حدثني شيخ من الكوفيين"، وقوله: "حدثني شيخ من أهل الحيرة"، و"حدثني شيخ من أهل واسط"، و"حدثني مشايخ من أهل بغداد"، و"حدثني مشايخ من أهل المفازة"، و"حدثني بعض أهل قزوين"، و"حدثنا بعض أهل بابغيش"، و"حدثنا شيخ من أهل تكريت"، و"حدثني جماعة من أهل البصرة"، و"حدثني شيخ من أهل حمص"، و"حدثني جماعة من أهل العلم بأمر الشام قالوا"، و"حدثني مشايخ من أهل إنطاكية"، و"حدثنا مشايخ من أهل إنطاكية وغيرهم"، و"أخبرني بعض أهل الثغر"، و"حدثني بعض أهل اليمامة"، و"حدثني عدة من أهل الرقة قالوا"، وشواهد أخرى متنوعة وكثيرة.

وهي شواهد تدلِّل على أن البلاذري لم يقتصر في كتابه على موارد بغدادية فقط، وإنَّما قام برحلات عديدة إلى بلاد الجزيرة الفراتية والشَّام وبعض الثغور، إضافة إلى رحلات في المدن العراقية، وبهذا نجده قد نوع موارد كتابه من مختلف المدن والأمصار، ومن مختلف الأصناف، فنجد بين موارده قراء، ومفسرين، ومحدثين، وفقهاء، ونسابين، وأدباء وغيرهم.

وقد حشد أحياناً للخبر الواحد العديد من الشواهد منها القرآنية، ومنها الأدبية، ومنها الشعرية، وغير ذلك، حتَّى تكتمل صورة الخبر بشكلٍ دقيق، وفي ذلك أيضاً إشارة إلى أنَّه كان من السباقين إلى استخدام المنهج التكاملي في المعرفة.

وقد أفاد البلاذري من المدونات السابقة لعصره والتي كان مصنِّفوها من غير شيوخه، واستوعب الكثير منها، غير أنَّه لم يذكر أسماء تلك المصنَّفات البعيدة عن عصره، ولا بد أنَّه بذل جهداً كبيراً من أجل الحصول على تلك المواد لعدم تيسر وانتشار تلك المدونات بالسهولة التي عليها اليوم، ولكي يعالج مسألة الفارق الزمني بينه وبين أحداث التاريخ موضوع كتابه الفتوح، نجد أنَّه عني عناية فائقة في تبيان الطرق التي وصلت فيها تلك المعلومات إليه ما أمكنه ذلك، أو نص على النقل منها مباشرة؛ ليضفي صفة التوثيق على أخباره ورواياته، ويقدم مصدر الخبر ما وسعه ذلك، فمن ذلك قوله: "واسمه فيما ذكر ابن الكلبي"، و"قال الواقدي"، و"بعض الرواة يقول"، و"هذه رواية الشرقي بن القطامي"، و"روى الواقدي في إسناده"، و"روى محمد بن سعد"، و"قال بعض أهل السيرة""، ومن طرق الإسناد التي اتَّبعها البلاذري في الكتاب الذي نحن بصدده اعتماده على أكثر من مورد للخبر الواحد، كقوله: "قال أبو مخنف وغيره"، و"قال القحذمي المدائني"، و"قال القحذمي وغيره"، و"قال الكلبي وأبو اليقظان"، و"قال معمر ابن المثنى وغيره"، و"قال غير الواقدي"، و"قال غير هشام الكلبي"، و"حدثني بعض أهل العلم من الشاميين وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم"، و"حدثني جماعة من مشايخ أهل إنطاكية منهم ابن برد الفقيه"، و"حدثني ابن برد الأنطاكي وغيره قالوا".

وقد أظهر البلاذري في الكتاب موقفاً نقدياً تجاه مصادره، سواء كانت المدونة أو الشفوية، وهو بهذا يرجح روايات على أخرى، وفي هذا إشارة صريحة إلى تضعيفه لبعض الرواة الذين أخذ عنه، على نحو قوله في نهاية متن رواياته: "والخبر الأول أثبت"، و"الخبر الأول أثبت هذه الأخبار"، و"الأول أثبت"، و"أثبت الخبر أنَّه"، و"ذاك أثبت"، و"استشهاده أثبت"، و"الثبت أن"، و"الثبت عندهم أن"، و"ليس ذلك بثبت"، و"الخبر الأول أصح"، "والأول أصح وأثبت"، و"رواية الواقدي أثبت".

ومن الشواهد الدالة على صدقه ودقته وحياديته وموضوعيته وضبطه للإسناد، قوله: "وقد روي ذلك ولا أدري من أين جاء به من رواه"، و"حدثني هشام بن عمار في إسناد له لم أحفظه"، أما الروايات التي لم يستطع الجزم بصحتها فإنَّه لا يقول فيها قولاً نهائياً، ويكتفي بقوله: "والله أعلم". ما يدلُّ على موقف مضمر للمؤرخ يفهمه القارئ اللَّبيب؛ نظراً لوجود محاذير تحول دون الإفصاح.

إن نقد البلاذري لمصادر رواياته يدلّ على رجاحة عقليته التاريخية وعلو ملكة النقد التاريخي عنده، وتمتُّعه بخلفية عميقة للفهم التاريخي مكَّنته من قبول بعض الروايات ورفض البعض الآخر. إن اهتمام البلاذري بهذا الجانب يبين لنا أهمية كتابه من جهة، ومنهجيته ومدى عدالته وضبطه من جهة أخرى.

المضمون:

إن الناظر في هذا الكتاب – فتوح البلدان- يجد أنَّه من الكتب التي يمكن تصنيفها مجازياً من الكتب الموسوعية ذات الاهتمامات المتعددة؛ يأخذ منه المؤرخ والجغرافي، واللغوي والأديب، ويأخذ منه المفسر والمحدث والفقيه، وغير ذلك من أصناف العلوم على تنوعها.

يأخذ منه المؤرخ أسلوب قصص الأيام، وما ظهر في كتابات الإخباريين الأوائل، مثل عوانة بن الحكم، والهيثم بن عدي، و المدائني، وفي هذا إشارة إلى أن البلاذري كان لديه شعور تاريخي، أو تعبير عن هذا الشعور، وأن الشِّعر والنَّثر الذي تضمنه قصص الأيام، راجعاً إلى اهتمامه بالأدب الذي وظَّفه لخدمة الخبر التاريخي.

ويأخذ منه أيضاً المهتمون في التاريخ الاقتصادي الإسلامي؛ في الزكاة والصدقات، والجزية والخراج، والقطائع والغنائم والفيء.

وكذلك يأخذ منه المهتمون بالجوانب الإدارية في صدر الإسلام، عن قادة الفتوح والولاة والقضاة، زيادة على أن الكتاب يمكن أن يعتمد وثيقة للكتب التي وقَّعها الرسول -صلى الله عليه وسلم -وقادة الفتوح مع أهل البلدان التي تم فتحها.

بالإضافة إلى ذلك أبدى اهتماماً في الجوانب العمرانية، وما يتَّصل فيها من بناء المدن والمساجد ومؤسسات الدولة، وبخاصة ما يتعلَّق بتاريخ مكة والمدينة ومساجدهما – الحرم المكي والمسجد النبوي- وبعض التطورات والترميمات التي أُحدثت على هذه المساجد، وكذلك السيول التي تعرضت لها مدينة الرسول.

ويجد القارئ للكتاب اهتماماً واضحاً للبلاذري بعنصر الزمن فيما يخص تاريخ الغزوات والفتوح وبناء المدن، زيادة على جانب اهتمامه بالأوائل، والأنساب، والتراجم.

وتفيد المعلومات الواردة في الكتاب أن البلاذري، لديه اهتمام كبير في الجوانب الجغرافية، بحيث يمكن تصنيف المعلومات التي قدمها في هذا الجانب بأنَّها ذات طابع معجمي؛ مثل من أين جاءت تسميات بعض الأماكن والبلدان، وبعض المدن والقرى، والقصور، والمساجد، والأديرة، والدور، والحصون، والسكك، والآبار ومواقع المياه، والأنهار، والسيول، والحمامات، والجبانات، والرايات، والجزر، وغير ذلك.

ويستطيع الباحث أن يستخرج من الكتاب الكثير من المفردات اللغوية ودلالاتها، وأحياناً الكلمة ومعناها باللغة الفارسية.

أما الأدب، فلا تكاد صفحة من صفحات الكتاب تخلو من الشِّعر؛ شعر في المعارك والغزوات والفتوح،  وشعر في شؤون الحياة العامة، والردة، وفي الأحلاف التي كانت بين قريش وخزاعة، وهكذا.

وقد ضمن المؤلِّف كتابه الكثير من الآيات القرآنية مع تفسيرها وتوضيح أسباب نزولها، بالإضافة للعديد من الأحاديث النبوية، والقضايا الفقهية، التي تتعلَّق بحياة المسلم.

وقد برز للباحث أثناء قراءته في الكتاب اهتمام البلاذري بالأعداد، الأطوال والمسافات، والمساحات، والألقاب، والنوادر، وهذا ما يؤكِّد صحة ما ذكرنا من أن صاحبنا كان سباقاً إلى النظرة التكاملية في المعرفة، مما أضفى على كتابه موضوع دراستنا هذه صفة الموسوعية، هذا المنهج ظهر للباحث عند البلاذري، وعند ابن دريد الأزدي في كتابه "الاشتقاق"، من خلال حشد آيات عدد من آيات القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، والأشعار حول الخبر الواحد لتأكيده وتوضيحه.

الخاتمة

إن الباحث في مؤلَّفات البلاذري يجد فيها أنَّه من العلماء الذين أسهموا في تأصيل الكتابة التاريخية عند المسلمين، وأن تعدد مصادر رواياته وتنوع شيوخه الذين تتلمذ عليهم شاهد على أنَّه تكبد مشاق السفر، وزار الكثير من البلدان؛ زار مدن الشام، زار دمشق وحمص وإنطاكية وحماة، وأخذ من العلماء فيها، واستمع إلى رواتها، وبهذا تولَّدت لديه معلومات محلية غزيرة عن الأمصار التي زارها.

ولأهمية كتاب "فتوح البلدان"، قام العديد من المستشرقين وأصحاب دور النشر، بنشر الكتاب وترجمته منذ عام 1866م، بحيث ترجم إلى العديد من اللغات، ترجم إلى اللاتينية والإنجليزية والفرنسية، وكان آخر نشر له سنة 1987م، من قبل عمر أنيس الطباع، طبع دار المعارف ببيروت.

أما عن النتائج التي توصل إليها البحث، فيمكن تحديدها بما يلي:

- إن البلاذري في كتابه "فتوح البلدان"، كان واضحاً ودقيقاً ومباشراً في الإشارة إلى جانب من منهجه ومصادره في الكتاب حين قال: "أخبرني جماعة من أهل العلم بالحديث والسيرة وفتوح البلدان، سقت حديثهم واختصرته ورددت.

- إن البلاذري في كتابه يميل إلى الاختصار للتخلُّص من تكرار الأسانيد، وأنَّه تأثَّر كثيراً بأسلوب المحدثين في رواياتهم، وأنَّه أعطى أهمية خاصة للروايات التي تعود للمنطقة التي وقعت فيها الحادثة واعتمدها في كتابه.

- استخدامه صيغاً لفظية معيّنة: وهي شواهد دالّة على دقَّته وضبطه للإسناد.

- إن نقده لمصادر رواياته يدل على علو ملكة النقد التاريخي عنده وتمتُّعه بخلفية عميقة للفهم التاريخي، مكَّنته من قبول بعض الروايات، ورفض بعضها؛ لاعتماده على أكثر من مورد للخبر الواحد.

- إن الناظر في هذا الكتاب – فتوح البلدان- يجد أنَّه من الكتب التي يمكن تصنيفها مجازياً من الكتب الموسوعية ذات الاهتمامات المتعددة؛ يأخذ منه المؤرخ والجغرافي، واللغوي والأديب، ويأخذ منه المفسر والمحدث والفقيه، وغير ذلك من أصناف العلوم على تنوعها. وهذا شاهد على أن صاحبنا كان من السباقين إلى النظرة التكاملية في المعرفة، مما أضفى على كتابه صفة الموسوعية.

هذا بعض ما توصل إليه الباحث من جوانب حول منهجية البلاذري في كتابه "فتوح البلدان"، وموضوعاته واهتماماته، والمجال لا يتَّسع لمزيد، فإن فكرة البحث تحتاج إلى رسالة علمية واسعة جديرة أن تخرج في كتاب مستقل.