أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 يونيو 2023

الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية فتحي يكن بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية 

فتحي يكن

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: إن نشد الحق والدلالة عليه من أهم المطالب، ونيله من أعظم المكاسب، وأحق ما ينشده المرء في دنياه، هي الجماعة المؤمنة، والفئة الصالحة، التي ننشد من خلالها المجتمع الفاضل، والأمة الحرة، ولا شك أن طموح مثل هذه الجماعة أكبر بكثير من قدرات الفرد وحده، فمثل هذه الجماعات تقي البلاد من فتن الشهوات والشبهات، وستكون الراعي الأول للمواهب والطاقات.

وهي الدرع الحصين أمام تيارات الإلحاد والمروق والدجل، والحامي الأمين للعقيدة والمقدسات، والضمان الوحيد لخلود القيم، وبقاء الحق وانتصاره، تلك هي دعوة الإخوان -المسلمين، التي حاول الكثير أن يبهتها، وينال من تاريخها، ولكنها بقيت على مر السنين، لم تتغير ولم تتبدل، بينما بقي غيرهم يتسكع في الطرقات، ويتخبط في الغايات، ويحاول القيام وهو كسير حسير.

هذه الدعوة التي جاءت لترث واقعاً مريراً، وتحاول أن تشحذ الهمم كي يصنعوا من الواقع فجراً منيراً، تضيء له عتمات الهزيمة والجمود، هذه الدعوة الشامخة، التي لا تؤثر فيها الأعاصير، والتي رفضت الهوان والذل والفقر والحرمان، ورنت بطول صبرها وجلدها إلى انتشال الأمة من نير الاستبداد والاستعباد إلى  فضاء الحرية والعدالة.

وهذا الكتاب كما يقول المؤلف هو محصلة معاناة طويلة، وثمرة تجارب قاسية ومريرة عايشتها في واقع العمل الإسلامي في أكثر من قطر وأكثر من موقع. وقد وضعه في فترة إقامة شبه جبرية في منطقة من مناطق بلده، خلال شهر رمضان المبارك من عام ١٤٠٢ هـ الموافق لشهري (حزيران) - تموز من عام ۱۹۸۲م،

بسم الله الرحمن الرحيم

ماذا نعني بالاستيعاب؟

هي قدرة الدعاة اجتذاب الناس، وربحهم على اختلاف عقولهم وأمزجتهم وطبقاتهم وثقافاتهم ... الخ

فالناس مختلفون اختلافاً نوعياً في كل شيء، في (نمط التفكير، ومستوى العيش، والمزاج، وعيار الذكاء) وهذا يعني الاختلاف في كافة القدرات النفسية والحركية.

والداعية الناجح هو القادر على التأثير  في الناس بدعوته وفكرته، فيؤثر في أكثر الناس على اختلاف عاداتهم وطبائعهم، ومشاربهم، ومستوياتهم.

والحقيقة ان القدرة على الاستيعاب يعتبر المؤهل الأهم والأول في شخصية الداعية - وبدونها لا يكون داعية ولا تكون دعوة.

تفاوت القدرة على الاستيعاب:

ومما لاشك فيه أن الداعية كبقية الناس، الذين يتفاوتون في قدراتهم على الاستيعاب ولکن لا بد أن يكون هنالك الحد الأدنى من القدرة على الاستيعاب، وبدونها لا يكون عاملاً ولا يكون داعية في إطار الدعوة.

فکم من أناس اعتبروا دعاةً أو عاملين في الحقل الإسلامي أضروا بها ولم ينفعوا، وهدموا ولم يبنوا، ونفروا ولم يبشروا، وكانواحجةً على الدعوة بين أبنائها وأعدائها

وهناك آخرون عاشوا في أجواء الدعوة، وعاشت بهم الدعوة، أولئك هم الدعاة حقاً، وهم رجالها الذين يحتاج الإسلام إلى أمثالهم، لرفع رايته، وبناء دولته، وإقامة دولته، وجعله حجة على العالمين.

وفي حديث أبي موسى الأشعري، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -"مثل ما بعثني الله من العلم والهدى كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس؛ فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى منها، إنما هي قيعان لا تمسك الماء، ولا تنبت الكلأ، ل فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ومن لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".

الاستيعاب ونجاح الدعوة:

فالعلاقة بين الاستيعاب ونجاح الدعوة، علاقة جذرية إذ لا نجاح بدون قدرة على الاستيعاب.

الاستيعاب الداخلي والخارجي:

فالخارجي: هو الاستيعاب من خارج الدعوة والحركة (تكوين المواد الخام)

الداخلي وهو استيعاب الناس داخل الحركة أي استيعاب المنتظمين والملتحقين بالعمل الإسلامي والحركي ( التصنيع الذي يحفظ الخامات من التلف).

أبرز المتطلبات الله يحتاجها الدعاة إلى الله في عملية الاستتباب الخارجي:

١-الفقه من دين الله:

إن المسلم كي يكون داعية إلى الله بحث، مستقيماً على الصراط، راشداً مسترشداً، يحتاج أولاً إلى قدر مقبول من الفقه في دين الله (لاستبانة الحلال من الحرام، والخير من الشر- ومعرفة الفرائض والواجبات.. الخ)، يقول تعالى. {ويرى الدين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد}.

إن اجتذاب الناس إلى الإسلام، هو الأساس، وهو الطريق الصحيح؛ حيث يجعلهم مسلمين مرتبطين بالإسلام، متشبثين به، في حين أن اجتذابهم إلى الحركة سيجعل ولاءهم للتنظيم والحركة وليس لشرع الله، ولقد ابتلي الإسلام اليوم بدعاة يدّعون الناس إلى تنظيماتهم بدلاً من أن يدعوهم إلى الإسلام، ويبينون محاسن التنظيم بدلاً من أن يبينوا محاسن الاسلام ومزاياه.

وهذا ما جعل ارتباط الفرد بالدعوة ارتباطاً جزئياً وليس ارتباطاً عقائدياً، بل وجعله ارتباطاً شخصيا وليس مبدئياً، وبالتالي جعل ميدان الدعوة الإسلامية غصّة بالتنظيمات والأحزاب والفرق والحركات وإن معظم ذلك مرده إلى الجهل بحقيقة هذا الدين الذي يمثل الحياة لجميع المسلمين.

والداعية الذي لا يملك من المفاتيح ما يفتح به العقول والقلوب لن يتمكن من اجتذاب أصحابها واستيعابهم، وستبقى دعوته لهم صيحة في واد ونفخة في رماد.

ومن الفقه في دين الله تعالى التزود بالثقافات والمعارف المختلفة في زمن كثرت فيه الثقافات وتعددت الاتجاهات، بل يحول بينه وبينهم مئة سؤال والف شبهة، يقول تعالى {أو كظلمات في بحرٍ لُجّيّ}.

استنقاذ الناس من براثن الأفكار والتصورات المشوهة التي يحملونها أمر صعب يحتاج الى جهد في الحوار والإقناع.

في الحرب يواجه الإنسان عدواً واحداً، أما في عمل الدعوة إلى الله عز وجل فهو يواجه أعادءً كثر: (ماركسي، شيوعي، قومي، اشتراكي، عالم مغرور، جاهل صاحب هوى، صاحب النزعة الجاهلية الخ).

هذا هو حقل الدعوة بعد الاستعانة بالله والفقه في دين الله، الأمر الذي يحتاج الى عمل كي يكون قد أدى حق الله عليه  ورحم الناس.

٢- القدوة الحسنة:

الناس لا يتأثرون بلسان المقال بل بلسان الحال، وكيف يدعو إنسان إلى الصدق هو كاذب، أو إلى الكرم وهو بخيل .. الخ)؛ فلذلك فادعُ واستقم کما أُمرت..

٣-الصبر:

الداعية يحتاج إلى صبر على الناس؛ فالناس أصحاب أمزجة شتى، وعيوب شتى، وطبائع شتى، وحاجات شتى، ومصالح مشتى، والناس مشاكلهم وهمومهم كبيرة، يحتاجون إلى من يتسع لهم، وهذا يحتاج إلى صبر طويل. إن الداعية بحق هو الذي يعيش لغيره لا لنفسه، وتهمه سعادة الآخرين ولو على حساب سعادته.

٤-الحلم والرفق:

يجب أن يكون الداعية حليماً على الناس، رفيقاً بهم، فالناس يمقتون العلف وأصحابه، وينفرون من القسوة وأهلها، {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، ومن مواقف النبي صلى الله عليه وسلم موقفه من الأعرابي الذي جذب رداءه وقال له: أعطني من مال الله الذي عندك؛ فالتفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وضحك ثم أمر له بعطاء.

٥-التيسير لا التعسير:

معالجة الأمور باليسر والتيسير لا بالعسر والتعسير، على قاعدة: (سيروا على سير أضعفكم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى).

٦- التواضع وخفض الجناح:

فالكبر يشكل حاجزاً وجداراً بين الداعية والناس، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد"

٧-طلاقة الوجه وطيب الكلام:

فالوجه هو عنوان الداعية، والمرآة التي تعكس نفسيته وأعماله، فإن كان مبتسماً أوحى بالبشر والخير، وإن كان مكشراً أوحى بالشر والجفاء، فكلام الداعية هو وسيلة الاتصال بالناس، ووسيلة للتعبير عن المعانى؛ فإن كان الداعية قادراً على انتقاء الكلام الطيب والتعبير الحسن، كان قادراً على كسب قلوب الناس والولوج إلى ذواتهم ونفوسهم.

٨-الكرم والإنفاق على الناس:

فالكرم والسخاء والعطاء، دليل أكيد على كرم وسخاء وعطاء نفسه الإنسان، والبخل والحرص والشح، دليل على بخل وشح النفس؛ فالإنفاق على أصحاب الحاجة من (الفقراء المساكين - والأيتام - الخ) لا يمكن أن يتحلى بها البخلاء.

٩-خدمة الآخرين وقضاء حوائجهم:

إن الدعوة والداعية يجب أن ينتقلا نقلة نوعياً تجعلهما يعيشان هموم الناس، (من بات ولم يهتم بأمر المسلمين؛ فليس منهم)، والمشي في حاجات الناس أمور به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام بما يستطيع هو المطلوب.

الاستيعاب الداخلي:

هو القدرة والأهلية على الاستيعاب ضمن الدعوة وفي صفوفها سواء كان ذلك من قبل القيادة أو الأفراد. فإذا كان الاستيعاب الخارجي، يحقق استيعاب الناس إلى الإسلام، فإن الاستيعاب الداخلي يحقق حسن الاستفادة من هؤلاء في العمل للدعوة والإسلام، وكذلك فإن عملية تحويل خامة بشرية إلى طاقة موجهة وقدرة فاعلة، لا بد من أن يتم ذلك عبر مراحل الاستيعاب العقائدي والتربوي، ويكون عبر تنقيتهم من الشوائب والرواسب الماضية، وما علق بها من معطيات غير إسلامية، فنصحح عقيدتهم، ونقوم سلوكهم، ونحدد أهدافهم. ونوجه رغباتهم بما يحب الله ويرضيه.

وهذا بمثابة الأساس للبناء كله: صحيح أن الناس يتفاوتون في قدرات العمل والتحمل والالتزام، ولكن هذا لا يصح أن يدفع إلى التساهل في القواعد والأسس التي تقوم عليها الشخصية الإسلامية، ولذا فإن الاستيعاب التربوي يجب أن يكون قوياً متيناً، قائمٌ على إدراك سليم لأحكام الشريعة، ومعالم الحلال والحرام، ومن ثمَّ الالتزام بذلك كله، ولا یکون قائماً على المبتدئين، ومعطلاً عن المتقدمين، لأن المتقدمين أخطر في انحرافهم على الدعوة من المبتدئين. 

ولا بد أن يكون نمط الاستيعاب ملائماً لكل فئة، وأن يغطي المساحة التربوية كلها فكرياً وروحياً، ويجب أن يوزن بموازين الشرع، سوء كان في العزم أو الرخصة أو غيرهما.

* سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في تكوين المسلم:

لقد بينت السنة النبوية الشريفة نهجاً فريداً في تكوين الفرد، بما يتناسب مع کمال المنهج الإسلامي، والفطرة التي فطر الله الناس عليها، فسنة النبي صلى الله عليه وسلم تنظر للإنسان كإنسان، وتعامله كإنسان متکامل الميول والنوازع والحاجات؛ فهي لم تتعامل معه كملك لا يخطئ، ولم تتعامل معه كحيوان لا يميز.

قواعد أساسية من السنة:

١- تغليب الايجابية على السلبية:

 فقد كانت سنة الرسول صلى الله عليه وسلم حرباً على السلبية والجمود والتقوقع والرهبانية من أول يوم؛ فدعوة الإسلام حيّة متصلة؛ ولذا نجد من المسلمين من فهم الاسلام فهماً ضيقاً دفعهم إلى تعطيل طاعة الفرد، بجحة العزوف عن الدنيا، ومنهم من اعتزل الناس، ومنهم من دفعه غلوه إلى الامتناع عن الصلاة في المساجد بحجج واهية، وهذا يصطدم مع طبيعة الاسلام الحركية، وإنما المطلوب أن تسير الدعوة على قاعدة (الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم).

٢- تغليب الاعتدال على التطرف:

 وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الغلو والتطرف؛ فقال: (هلك المتنطعون)، وقال: (إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق)، وقال: (خير دينكم أيسره)، وقال: (إن الدين يسر).

٣-قليل دائم خير من كثير منقطع:

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على المداومة والاستمرارية في أعمال الخير والبر، مهما كانت ضئيلة؛ لأنها بذلك تكون أصيلة ومتأصلة، وفي مقدور الإنسان أن يقوم بها من غير عناء، وفي كثير من الأحيان تكون الالتزامات القاسية عبارة عن ردة فعل لا تدوم. وقد تتلاشى، وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "أدومها وإن قل".

٤-السنة وتغليب الأولوية في التكوين:

وهذا يعني تقديم الأهم على المهم، يقول تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا}، وقال جل شأنه: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من اتقى}.

٥-التكوين من خلال القدوة:

ولا شك أن تكوين الشخصية الدعوية من خلال القدوة أمر معتبر؛ لأن الحال أوقع في القلب من لسان المقال، قال تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة وأسوة للعالمين.

٦- التكوين الكلي لا الجزئي:

ومن خصائص الأسلوب النبوي في تكوين الفرد (الكلية لا الجرئية)، وقد اهتمت السنة النبوية في تكوين الشخصية الإسلامية في جميع جوانبها: (العقل - الجسد -الروح..الخ)؛ ففي تكوين العقل، قال صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وفي تكوين النفسية الإسلامية أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن لا يميت الناس القلوب بكثرة الطعام والشراب، لأن القلب كالزرع، يموت إذا كثر عليه الماء، وقال صلى الله عليه وسلم: (روحوا عن القلوب ساعة فساعة)، وفي تكوين الجسد، قال صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف).

٧-سلامة البيئة في التكوين:

وذلك من خلال ابيئنة البيتية أو العائلية، والتي تعتبر المحضن الأول، والتربية في هذه المرحلة من مسئولية الأبوين، ويمكن في هذه المرحلة غرس القيم من خلال التربية العملية والنظرية، وفي الحديث: (كل مولود يولد على الفطرة..).

بالإضافة إلى حسن اختيار الأصدقاء؛ لخبر: (المرء على دين خليله)

كذلك لا بد من تنظيم المجتمع، وتنقيته من عوامل الفساد، درءاً للمفاسد، وذلك يساعد الفرد على الاستقامة - وكما جاء في المثل: درهم وقاية خير من قنطار علاج".

٨-أثر الثواب والعقاب في التكوين:

قال تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}، فالعقاب يكون عند استيفاء كل أسباب الإصلاح، وعند الضرورة القصوى.

٩- الاستيعاب الحركي:

هو الاستفادة من طاقات الأفراد لتكون كثيرة الأثر؛ فينفع الله بها المجتمع والمسلمين.

أولاً: ما يتعلق باستبعاب الحركة لأفرادها:

وهو الشرط الأول والأساسي لنجاحها؛ لأنها تستفيد من جميع الطاقات والإمكانيات. 

فما هي الشروط التي تمكن الحركة من استيعاب أفرادها واستغلال جمیع طاقاتهم:

١- أن تكون قد نجحت في البداية في عملية التكوين ومرحلة التربية.

٢-ان تكون قد اكتملت لديها الطاقات والإمكانيات لعملية الاستيعاب كالقدرات التربوية والتخطيط والقدرات الفكرية - الخ 

٣-أن تعرف حقيقة أفرادها، وتعرفهم حق المعرفة، وتكتشف طاقاتهم وميولهم، ومواطن القوة والضعف منهم. 

٤-أن تقوم بتجنيد كافة أفرادها للعمل وليس جزءاً منهم. 

٥- أن توظف القدرات بشكل جماعي وليس فردي.

ثانياً: ما يتعلق باستيعابها، هي:

إن الدعوة قيادة وأفراد بحاجة إلى الاستيعاب الحركي والقيادة يجب أن تكون مُعنيّة قبل غيرها بذلك عن طريق ما يلي: 

١- الاستيعاب الصحيح للأهداف والوسائل، فكل لبس أو تشوه في التصور أو الأهداف ينشأ عنه خلاف، وتباين في الآراء. 

٢- الاستيعاب الكامل والصحيح للتنظيم وطبيعته؛ فعدم الوضوح يؤدي إلى عدم معرفة الحقوق والواجبات، وإذا حددت صلاحيات فرد أصبح من الخطأ تجاوزه.

ثالثاً: الاستيعاب الكامل لطبيعة الأصدقاء والأعداء؛ فمن الخطأ عدم معرفة ذلك. 

رابعاً: الاستيعاب الكامل لمختلف جوانب العمل وطبائعه واحتياجاته. 

خامساً: عدم الاستنكاف عن مخالطة الناس، وإلا تكون أمام خيارين: 

-أن تبقى الدعوة دعوة لأصحابها قاصرة عليهم، صالحین غیر مصلحين.

- أن تكون الدعوة للناس كل الناس؛ لتحمل شعار الهداية للجميع.

الداعية الناجح هو الذي يعرف كيف يبدأ، ومن أين يبدأ، مع ضمان الوصول للنتيجة التى ترضى الله ورسوله، قال تعالى: {وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}، أو أن نكون نحن أصحاب الرسالة الخالدة وهي رسالة الاسلام.

كتب فتحي يكن

۱ - الإستيعاب في حياة الدعوة والداعية. 

٢- أبجديات التصوّر الحركي للعمل الإسلامي. 

٣- الإسلام فكرة وحركة وانقلاب.

 ٤ - الإسلام والجنس. 

٥- حركات ومذاهب في ميزان الإسلام. 

٦- الشباب والتغيير.

۷ - العالم الإسلامي والمكائد الدولية. 

٨- قوارب النجاة في حياة الدعاة.

٩ ـ كيف ندعو إلى الإسلام. 

١٠ ـ ماذا يعني انتمائي للإسلام. 

۱۱ - مشكلات الدعوة والداعية .

۱۲ - نحو حركة إسلامية عالمية واحدة




السبت، 24 يونيو 2023

اللآلئ البهية شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية تأليف أحمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

اللآلئ البهية شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية

تأليف أحمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: هذا شرح أنيس لنظم نفيس، من بحر الكامل؛ وهي لامية ابن تيمية في بيان مجمل أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، شرحها العلامة أحمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي، في كتابه الذي سماه (اللآلئ البهية)، وهو أول شروحها التي اطلعنا عليها، وانتهى منها ضحوة نهار الثلاثاء، من سنة ١٢٦٣ هـ، والمرداوي نسبة إلى قرية (مردا) قرب مدينة نابلس في فلسطين، وقد تُلفَظ (مرداء)، وهي قرية خرج منها علماء وفقهاء ومحدثون، وأكثرهم إن لم أقل كلهم حنابلة. وأكثرهم بالشام ويلقبون كذلك بالمقادسة.

وعلوم المؤلف وثقافته تشبه إلى حد ما ثقافة الحنابلة المتأخرين، خاصة في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر للهجرة. فكان ينقل كثيراً عن متأخري الحنابلة، وكان له ميل للتفويض في الأسماء والصفات، يظهر ذلك في بعض الصفات الخبرية، وهذه مسلك سلكه بعض متأخري الحنابلة، وكذلك أكثر من استخدام الروايات الضعيفة والمنكرة، وهذا يدل على قلّة بضاعته في الحديث، وغير ذلك من الأمور التي تبين شخصية الشارح.

وهذا لا يعني أنه اتجه بكليته إلى مذهب التفويض؛ فقد أطال الحديث عن صفة الاستواء، وبين أن المراد بها العلو الذاتي لله تعالى،  

وبيّن -رحمه الله -أن مذهب السلف هو المذهب المنصور والحق الثابت المأثور، وأهله هم الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، التي هي بكل خير ،فائزة، من الشفاعة، والورود على الحوض، ورؤية الحق، وغير ذلك من سلامة الصدور، والإيمان بالمقدور، والتسليم لما جاءت به النصوص.

ومن المحال أن يكون الخالفين أعلم من السالفين كما يقول بعض مَنْ لا تحقيق لديه - ممن لا يقدر قدر السلف. ولا عرف الحق حق المعرفة: (أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم)، وهؤلاء إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بالصفات دون معرفة معانيها، والحق أنهم عرفوا معانيها، وتوقفوا في كيفياتها.

وقد اعتمد -رحمه الله -في شرحه على عدد من كتب أهل السنة، منها: (الإبانة في أصول الديانة) لأبي الحسن الأشعري، و(لوامع الأنوار) للسّفاريني، و(فضل علم السلف على الخلف) لابن رجب، و(زاد المسير) لابن الجوزي، و(العرش) للذهبي، و(الفصول في الأصول) لمحمد بن عبد الملك الكرجي، و(طرف الطرف في مسألة الصوت والحرف)؛ لأحمد بن عوض المرداوي الحنبلي، و(فتح الباري) لابن حجر، و(البرهان في حقيقة القرآن) لابن قدامة، و(أقاويل الثقات) لمرعي بن يوسف الحنبلي، و(الغنية) لعبد القادر الجيلاني.

 بالإضافة إلى عدد من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، مثل: (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)، و(الفتاوى المصرية)، و(قاعدة في القرآن)، و(الحموية)، و(التدمرية)، و(التسعينية)، كذلك بعض كتب ابن قيم الجوزية (كالنونية)، و(حادي الأرواح)، و(مفتاح دار السعادة).

كما استعان المؤلف بكتب أخرى نقلاً عنها مباشرةً أو بواسطة، مثل: (قواعد الاستقامة والاعتدال) للطوفي، و(عقيدة الشيباني الشافعي)؛ لابن قاضي عجلون الشافعي، و(البدور السافرة) للسيوطي، و(القول السديد في حرمة الاجتهاد ووجوب التقليد) لحسين الدوسري، و(السيف المشهور في عقيدة الأستاذ أبي منصور) للتاج السبكي في كتابه السيف، و(شرح مسلم) للنووي، فهذه هي الكتب التي ذكرها المؤلف وبعضها نقل منه مباشرة.

والسلف رحمهم الله أثبتوا الصفات ومعانيها

والأدلة على ذلك كثيرة منها:

١. يبين ابن تيمية مذهب السلف يظنون أن مذهب السلف في آيات الصفات وأحاديثها أنه لا يفهم أحد معانيها لا الرسول ولا غيره فيجعلون مضمون مذهب السلف أن الرسول بلغ قراناً لا يفهم معناه بل تكلم بأحاديث الصفات وهو لا يفهم معناها وأن جبريل كذلك وأن الصحابة والتابعين كذلك وهذا ضلال عظيم.

٢. إن الله تعالى قد أمر بتدبر كتابه؛ فقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (ص: 29) ولم يقل بعض آياته وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (النساء: 82)، وأمثال ذلك من النصوص التي تبين أن الله أمر الناس أن يدبروا القرآن كله ومحال أن يكون ذلك مما لا يعلم معناه. 

٣. عندما سئل الأمام مالك عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه: 5) فأجاب: "بأن الاستواء غير مجهول، والكيفية غير معقولة، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - : قوله: (الاستواء غير مجهول): موافق لقول القائلين أمروها كما جاءت بلا كيف فإنما نفوا الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول فإن الإستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم. 

وأيضاً : فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات وأيضاً: إن من ينفي الصفات الخبرية أو - الصفات مطلقاً - لا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف فمن قال إن الله على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفي الصفات . في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف.

شرح لامية ابن تيمية عبد الكريم بن عبد الله خضير

ومن الشروحات المنتشرة للامية شرح الدكتور عبد الكريم الخضير، وأصل هذا الشرح دروس ألقيت على الطلاب، وتم تفريغها في هذا الكتاب، وتحدث فيها عن عدة قضايا، أهمها:

أولاً: ابتداء الناظم بالبسملة دون الحمدلة والصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.

ثالثاً: أهل الذكر الذين يجب سؤالهم، والرد على المتصوفة في تنزيل الآية عليهم.

رابعاً: العمل مطلوب، وهو الذي يعين صاحبه على تحصيل العلم.

خامساً: بيان الطريقة الصحيحة للتفقه في الدين، سيما في الفروع.

سادساً: الحذر من الاستماع إلى أهل البدع.

سابعاً: تجنب الألفاظ المجملة في العقيدة.




الخميس، 22 يونيو 2023

الجمعة أحكام وآداب وفضائل مع تنبيهات على بعض الأخطاء خالد أبو صالح بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الجمعة أحكام وآداب وفضائل

مع تنبيهات على بعض الأخطاء

خالد أبو صالح

بقلم:  أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد: يوم الجمعة يوم عظيم، ويندب للناس أن يقرأوا شيئاً من فضائله بين الفينة والأخرى، ويغتنموا تلك الفضائل، التي قد يذهلوا عن بعضها، بسبب كثرة الانشغالات، فيوم الجمعة ليس كسائر الأيام، لأنه اليوم الذي خصَّ الله به هذه الأمة، وفيه أنواعٌ كثيرة من العبادات والطاعات التي يغفل عنها كثيرٌ من الناس،ـ فانظر -كم جمعة مرت عليك مرور الكرام دون أن تعيرها أدنى اهتمام، بل إن كثيراً من الناس ينتظر هذا اليوم ليرتكب فيه أنواع المعاصي والمخالفات عياذاً بالله تعالى!!

فينبغي على المسلم أن يستغل هذا اليوم بأنواع القربات والطاعات وأن يلتزم بأحكام هذا اليوم، وبتعظيمه، ويتحلى بآدابه، حتى يخرج منه وقد غفر ذنبه في الأيام التي قبله، وقد جمع هذا الكتاب كل ذلك مما ينبغي على كل مسلم أن يتحلى به.

قال ابن القيم: وكان من هديه تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، [زاد المعاد: ٣٧٥/١]، وإليك الكتاب مُفرّغاً، وبالله التوفيق.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خطيب الأنبياء والمرسلين أما بعد: 

أخي المسلم: اختص الله عز وجل هذه الأمة بخصائص كثيرة، وفضائل جليلة، منها اختصاصه إياها بيوم الجمعة، بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المَقْضِي بينهم قبل الخلائق» [مسلم]. 

يوم الجمعة يوم عبادة:

قال الحافظ ابن كثير: إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجَمْع، فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمعاهد الكبار، وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته؛ فقال تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نودِيَ لِلصَّلوة مِن بَرمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوا إلى ذكر الله) [الجمعة ٩] أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها، وليس المراد بالسعي هنا المشي السريع، فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نُهي عنه، قال الحسن: أما والله ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نُهُوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار ولكن بالقلوب والنية . والخشوع». [تفسير ابن كثير ٤ / ٣٨٥، ٣٨٦].

وقال ابن القيم: «فيوم الجمعة يوم عبادة، وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان» [ زاد المعاد ١/ ٣٩٨]

من فضائل يوم الجمعة:

١- أنه خير الأيام. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة». [مسلم]. 

۲ -تضمنه لصلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين، و«من تركها تهاوناً ختم الله على قلبه» كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم.

٣- أن فيه ساعة يستجاب فيها الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه - وقال بيده يقللها» [متفق عليه]. 

قال ابن القيم -بعد أن ذكر الاختلاف في تعيين هذه الساعة: وأرجح هذه الأقوال قولان تضمنتها الأحاديث الثابتة. 

الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، لحديث ابن عمر أن النبي ﷺ قال: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة» [مسلم]. 

والقول الثاني أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين. [زاد المعاد ۳۸۹/۱، ۳۹۰] 

٤- أن الصدقة فيه خير من الصدقة في غيره من الأيام. قال ابن القيم: والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع. كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور، وفي حديث كعب: «والصدقة فيه أعظم من الصدقة في سائر الأيام» [موقوف صحيح وله حكم الرفع].

٥- يتجلى الله عز وجل فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله عز وجل: {وَلَدَيْنَا مَزيدٌ} [ق: ٣٥] قال: «يتجلى لهم في كل جمعة». 

٦ - أنه يوم عيد متكرر كل أسبوع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء الجمعة فليغتسل» الحديث وهو في ابن ماجه في صحيح الترغيب ١/ ٢٩٨].

٧ - أنه يوم تكفّر فيه السيئات؛ فعن سلمان قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» [البخاري].

٨- أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها؛ لحديث أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: «من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة، وقيامها، وذلك على الله يسير» [أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة ].

 الله أكبر !! كل خطوة إلى الجمعة تعدل صيام سنة وقيامها ؟! فأين السابقون إلى تلك الهبات، أين المتعرضون لتلك النفحات {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢١].

۹ - أن جهنم تُسَخَّر - أي تُحْمى - كل يوم من أيام الأسبوع إلا يوم الجمعة، وذلك تشريفاً لهذا اليوم العظيم [انظر : زاد المعاد ٣٨٧/١].

۱۰ - أن الوفاة يوم الجمعة أو ليلتها من علامات حسن الخاتمة؛ حيث يأمن المتوفّى فيها من فتنة القبر، فعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر» [أحمد والترمذي وصححه ححه الألباني].

أحكام يوم الجمعة وآدابه:

ومن تلك الأحكام والآداب: 

۱ - يُستحب أن يقرأ الإمام في فجر الجمعة بسورتي السجدة والإنسان كاملتين كما كان النبي ﷺ يفعل، ولا يقتصر على بعضهما كما يفعل بعض الأئمة. 

٢ - ويستحب أن يكثر الإنسان في هذا اليوم من الصلاة على النبي ﷺ، لحديث أوس بن أوس رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم وفيه قُبِضَ، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» [أحمد وأصحاب السنن وصححه النووي وحسنه المنذري]. 

٣ - صلاة الجمعة فرض على كل ذكر حر مكلف مسلم مستوطن ببناء، فلا تجب الجمعة على مسافر سفر قصر ولا على عبد وامرأة، ومن حضرها منهم أجزأته. وتسقط الجمعة بسبب بعض الأعذار كالمرض والخوف [الشرح الممتع: ٥/ ٧-٢٤].

٤ - الاغتسال يوم الجمعة من هدي النبي ﷺ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» [متفق عليه].

٥- التطيب والتسوك ولبس أحسن الثياب من آداب المسلم في يوم الجمعة.

فعن أبي أيوب، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد، ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي، كانت كفارة لما بينهما». [أحمد وصححه ابن خزيمة].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: «غسل يوما الجمعة واجبٌ على كل محتلم وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه» [مسلم].

٦ - ويستحب التبكير إلى صلاة الجمعة، وهذه سنة كادت تموت، فرحم الله من أحياها؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المسجد، فيكتبون الأول فالأول، فمثل المهجر إلى الجمعة كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة ثم كالذي يهدي كبشاً، ثم كالذي يهدي دجاجة، ثم كالذي يهدي بيضة، فإذا أخرج الإمام وقعد على المنبر، طَووا صحفهم وجلسوا يسمعون الذكر» [متفق عليه].

٧- ويستحب أن يشتغل المسلم بالصلاة والذكر وقراءة القرآن حتى يخرج الإمام، وحديثا سلمان وأبي أيوب السابقين يدلان على ذلك. 

٨-ويجب الإنصات للخطبة والاهتمام بما يقال فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا قلت: لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» [متفق عليه]. وزاد أحمد في روايته: «ومن لغا فليس له في جمعته تلك شيء». وعند أبي داود: «ومن لغا أو تخطّى، كانت له ظهراً». [صححه ابن خزيمة]. 

٩- ويستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» [الحاكم والبيهقي وصححه الألباني].

۱۰ - ولا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها. [زاد المعاد ١/ ٣٨٢]. 

١١ - ويكره إفراد يوم الجمعة بصيام وليلته بقيام لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: «لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم» [مسلم].

۱۲ - والواجب على من أراد صيامه أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده لحديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده» [متفق عليه واللفظ للبخاري].

 ١٣ - أما سنة الجمعة؛ فقد ورد «أن النبي ﷺ كان يصلي بعد الجمعة ركعتين» [متفق عليه]، وورد «أنه ﷺ أمر من كان مصلياً بعد الجمعة أن يصلي أربعاً» [مسلم].

قال اسحاق: إن صلى في المسجد يوم الجمعة صلى أربعاً، وإن صلى في بيته صلى ركعتين. وقال أبو بكر الأثرم: كل ذلك جائز. [الحدائق لابن الجوزي: ١٨٣/٢].

١٤ - وإذا دخل المسلم المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين قبل أن يجلس؛ لحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: جاء سُليك الغطفاني يوم الجمعة، والنبي ﷺ يخطب فجلس، فقال النبي ﷺ: «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليصل. ركعتين، ثم ليجلس» [مسلم].

١٥ - ويستحب أن يقرأ الإمام في صلاة الجمعة بسورتي: الجمعة والمنافقون أو الأعلى والغاشية، فقد «كان النبي ﷺ يقرأ بهن» [مسلم].

من أخطائنا في الجمعة:

أ - أخطاء تتعلق بالمصلين:

١ - ترك بعض الناس لصلاة الجمعة أو التهاون بها، وقد قال النبي ﷺ: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمِنَّ الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين»  [مسلم].

٢ - عدم استحضار بعض الناس للنية في إتيان الجمعة فتراه يذهب إلى المسجد على سبيل العادة، والنية شرط لصحة الجمعة وغيرها من العبادات، لقوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات» [البخاري]. 

٣- السهر ليلة الجمعة إلى ساعات متأخرة من الليل، مما يؤدي إلى النوم عن صلاة الفجر، فيكون الإنسان باده يوم الجمعة بكبيرة من الكبائر، والنبي ﷺ يقول: «أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة»  [ الصحيحة: ١٥٦٦].

٤ - التهاون في حضور خطبة الجمعة، فيأتي بعضهم أثناء الخطبة، بل ويأتي بعضهم أثناء الصلاة. 

٥ - ترك غسل الجمعة والتطيب والتسوك وليس أحسن الثياب. 

٦- البيع والشراء بعد أذان الجمعة والله تعالى يقول: {ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلوة من بريمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البيع ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: ۹]. قال ابن عباس رضي الله عنه: يحرم البيع حينئذ. 

٧- التعبد الله ببعض المعاصي في يوم الجمعة كمن اعتادوا حلق لحاهم كل جمعة ظناً منهم أن ذلك من كمال النظافة.

٨- جلوس بعض الناس في مؤخرة المسجد قبل امتلاء الصفوف الأمامية، وبعضهم يجلس في الملحق الخارجي للمسجد مع وجود أماكن كثيرة داخل المسجد. 

٩- إقامة الرجل والجلوس مكانه فعن جابر رضي الله عنه: عن النبي ﷺ قال: «لا يُقيمنَّ أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا» [مسلم].

۱۰ - تخطي الرقاب والتفريق بين اثنين وإيذاء الجالسين والتضييق عليهم؛ فقد قال النبي ﷺ لرجل تخطى رقاب الناس يوم الجمعة وهو يخطب: «اجلس فقد آذيت وآنيت» [صحيح الترغيب والترهيب وصحيح ابن ماجه] أي جئتَ متأخراً، وآذيت من جاء قبلك.

۱۱ - رفع الصوت بالحديث أو القراءة، فيشوش على المصلين أو التالين لكتاب الله تعالى. 

١٢ - الخروج من المسجد بعد الآذان لغير عذر. 

۱۳ - الانشغال عن الخطبة وعدم الإنصات إلى ما يقوله الخطيب. 

١٤ - صلاة ركعتين بين الخطبتين والمشروع بين الخطبتين هو الدعاء والاستغفار لحين قيام الخطيب للخطبة الثانية. 

١٥ - كثرة الحركة أثناء الصلاة وسرعة الخروج من المسجد بعد تسليم الإمام والمرور بين يدي المصلين والتدافع على الأبواب دون الإتيان بالأذكار المشروعة بعد الصلاة .

ب - أخطاء تتعلق بالخطباء:

۱ - تطويل الخطبة وتقصير الصلاة، فعن عمار قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَيْنَةٌ من فقهه - أي علامة، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحراً» [مسلم]. 

والضابط في ذلك هو حاجة الناس ومراعاة أحوالهم، فعن جابر بن سمرة، قال: «كنت أصلي مع رسول الله ﷺ، فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً» [مسلم] قصداً أي وسطاً بين الطول والقصر.

٢- عدم الإعداد الجيد للخطبة واختيار الموضوع المناسب، وبعده عما يحتاجه الناس.

٣- كثرة الأخطاء اللغوية في الخطبة لدى بعض الخطباء.

٤- استشهاد بعض الخطباء بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والأقوال المنكرة دون التنبيه على ذلك.

٥ - اقتصار بعض الخطباء في الخطبة الثانية على الدعاء فقط واعتياد ذلك.

٦- عدم الاستشهاد بشيء من القرآن أثناء الخطبة وهذا خلاف هدي النبي ﷺ؛ فقد قالت بنت حارثة بن النعمان: «ما حفظت {ق * والقرآن المجيد} إلا من في رسول الله ﷺ يخطب بها كل جمعة» [مسلم].

٧-عدم تفاعل بعض الخطباء مع الخطبة، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ إذا خطب احمرت عيناه، وعلا -صوته، واشتد غضبه كأنه منذر جيش» [مسلم]