أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 25 نوفمبر 2022

أحوال الميت من الاحتضار إلى الحشر لابن حجر العسقلاني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

أحوال الميت من الاحتضار إلى الحشر

لابن حجر العسقلاني

 بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذه الرسالة النافعة، جمع فيها الحافظ ابن حجر الأحاديث النبوية المطهرة، التي جاءت في أحوال الميت من حين الاحتضار إلى البعث والحشر يوم القيامة. 

وفيها كل ما يجب على المسلم أن يعرفه عن الموت والاحتضار وغيره من الأحوال، مثل: تمني الموت، وحسن الظن بالله عند الموت، وخواتيم الأعمال، والبكاء والنواح، والصبر، والثناء على الجنازة والدعاء فيها، والقيام لها، ومن مات على شيء بعث عليه، والصلاة على من عليه دين، والصلاة على الشهيد، وعذاب القبر، وفضل من عال ابنتين أو أختين، وأخلاق الصحابة في الموت والدفن والجنازة، والوفاة النبوية، وتجصيص القبور، والحداد، وزيارة النساء للقبور، وقول الخير عند الميت، وفضل من ماتت وزوجها عنها راض، وما يقوله من مات له ميت، ونسمة المؤمن والكافر، وغير ذلك.

وعدد ما في هذه الرسالة من الأحاديث (108) مائة وثمانية أحاديث، ثم ذكر بعد ذلك (15) خمسة عشر آية وردت في الموت، ثم ذكر أشعاراً وعظية في الموت، وقد ارتأينا إلى أن نثبت هنا بعض الأحاديث المختارة من الكتاب، وذلك بذكر أول حديث من كل باب، إتماماً للفائدة، ولا يغني ذلك عن مراجعة الكتاب الأصل.

بعض الأحاديث المختارة من الكتاب:

1/1-الملائكة تنطق بما على ألسنة الناس من خير أو شر.

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى ملائكة في الأرض تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من خير أو شر).

[أخرجه الحاكم في مستدركه -كتاب الجنائز (1/ 377)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب، من طريق أنس، حديث رقم (688)، وذكره السيوطي في جمع الجوامع (1/ 262)].

2/3-كسر عظام الميت ككسره حياً.

ومنه حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (كسر عظام الميت ككسره حياً).

[أخرجه أبو داود عن عائشة، وورد في كتاب الجنائز في باب الحفار يجدُ العظم، هل يتنكب ذلك المكان؟ وأخرجه أحمد في مسنده (6/ 100، 105)، مُقيداً بالمؤمن، كما اخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب الجنائز -باب في النهي عن كسر عظام الميت (1/ 516) من حديث عائشة رضي الله عنها، وأخرجه من طريق أم سلمة بزيادة لفظ في الإثم -والله أعلم].

3/ 6-النهي عن دفن الميت ليلاً.

عن جابر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه خطب يوماً، فذكر رجلاً من أصحابه قُبض، فكُفّن (في كفنٍ) غير طائلٍ، وقُبر ليلاً، فزجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُقبر الرّجلُ بالليل حتى يُصلى عليه، إلا أن يضطر إنسانٌ إلى ذلك، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إذا كفّن أحدكم أخاه فليُحسن كفنه).

[أخرجه أحمد في مسنده (3/ 295)، ومسلم في صحيحه في كتاب الجنائز، باب في تسجية الميت وتحسين كفنه (2/ 607)، وأبو داود في سننه -كتاب الجنائز، باب في الكفن (2/ 176)، والنسائي في كتاب الجنائز -باب الأمر بتحسين الكفن (4/ 28)، والحاكم في المستدرك (1/ 369)، وقال: حديث حسن صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي].

4/ 7-اللحد لنا والشق لغيرنا:

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللحد لنا، والشق لغيرنا).

[أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز -باب في اللحد (2/ 190)، والترمذي في سننه، في كتاب الجنائز -باب ما جاء في قول النبي (اللحد لنا..) (2/ 254)، وقال/ حديث ابن عباس حديث غريب من هذا الوجه، وأخرجه النسائي في سننه -باب اللحد والشق (4/ 66)].

5/ 9-النهي عن القعود على القبور.

عن عمرو بن حزمٍ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لا تقعدوا على القبور)

[الحديث أخرجه أحمد (2/ 311، 389، 444) عن عمرو بن حزم، والحديث بهذا الطريق ليس لأحمد كما ذكر المصنف فيه، وإنما هو من رواية النسائي في سننه -كتاب الجنائز، باب التشديد في الجلوس على القبور، (4 /78)، وما أخرجه أحمد في هذا الباب إنما هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وجابر بن عبد الله، وأبي مرثد الغنوي].

6/ 11- لولا الدفن لسمع الناس عذاب القبر:

عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن لا تدافنوا، لدعوتُ الله أن يُسمعكم عذاب القبر).

[الحديث أخرجه مسلم عن أنس، ووجدته عند مسلم في كتاب الجنة، وصفة نعيمها، وأهلها، في باب -عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه (5/ 721)، كما يوجد في مسند أحمد (3/ 176، 273)].

7/ 12- النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتعوذ من عذاب القبر:

وأخرج أحمد، عن جابر بن عبد الله، قال: دل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوماً نخلاً لبني النجار، فسمع أصوات رجالٍ من بني النجار، ماتوا في الجاهلية، يُعذبون في قبورهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً، فأمر أصحابه أن يتعوذوا من عذاب القبر).

[أخرجه أحمد، عن أنس، وأخرجه مسلم في صحيحه بلفظ مقارب، وهو عنده بقية لحديث الباب، كما أخرجه أحمد في مسنده (3/ 111، 114، 153، 175، 201، 284، وأخرجه النسائي في الجنائز، باب عذاب القبر (4/ 83) عن جابر بألفاظ مقاربة].

8/ 13- النهي عن سب الأموات:

عن المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الأموات، فتؤذوا الأحياء).

[هذا الحديث أخرجه أحمد عن المغيرة بن شعبة، واللفظ الموجود به لفظ الترمذي في سننه، وهو عنده في أبواب البر والصلة -باب ما جاء في الشتم (3/ 238) وسكت عنه، وأخرجه أحمد في مسنده (4/ 252) بألفاظ مختلفة].

9/ **- لا تؤذوا مسلماً بكافر:

أخرج ابن سعد، والحاكم، عن أم سلمة، قالت: شكى عكرمة ابن أبي جهل للنبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه إذا مرَّ بالمدينة، قيل له: هذا ابن عدوّ الله. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً؛ فقال: (الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، لا تؤذوا مسلماً بكافر).

10/ **-لا تسبوا الموتى فتُغضبوا الأحياء:

وأخرج ابن عساكر في تاريخه، عن نبيط أو نبط بن شُريط، قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقبر أبي أُحيحة، قال أبو بكر: هذا قبر أبي أحيحة الفاسق! فقال خالد بن سعد: والله ما يسرني أنه في أعلى عليين، وأنه مثل أبي قحافة.. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الموتى فتُغضبوا الأحياء).

10/ 15- فقد العينين جزؤهما الجنة:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقول: (إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتيه؛ فصبر عوضته فيهما الجنة -يريد عينيه).

[الحديث أخرجه البخاري عن أنس، كتاب الطب -باب فضل من ذهب بصره (7/ 151)، وأخرجه الترمذي في أبواب الزهد -باب ما جاء من ذهب بصره (4/ 28)، وقال: هذا حديث حسن غريب..].

11/ 17- النهي عن تمني الموت:

عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد، وإن سعادة المرء أن يطول عمره، ويرزقه الله الإنابة).

[حديث ضعيف، فيه كثير بن زيد ضُعّف، وقد اختلف فيه، قال الذهبي في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (3/ 404فهذا مع نكارته له علة، أما النهي عن تمني الموت، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما، من حديث خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم].

12/ 22-حسن الظن بالله عند الموت:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثٍ، يقول: (لا يموتنَّ أحدٌ منكم إلا وهو حسن الظنّ بالله عز وجل).

[صحيح لغيره، إذ أن في رواية أبي سفيان عن جابر مقالاً، وأخرجه مسلم في صحيحه، ص 2205].

13/ 24- الأعمال بالخواتيم:

عن أنس، قال: كان منا رجلٌ من بني النجار، قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق هارباً حتى لحق بأهل الكتاب، قال: فرفعوه، قال: هذا كان يكتب لمحمد، وعجبوا به، فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم، فحفروا له وواروه، فأصبحت الأرض قد نبذته على وجهها، فتركوه منبوذاً).

[حديث صحيح، رواه مسلم ص 2145].

14/ 30- البكاء على الميت:

عن جابر رضي الله عنه، قال: أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى به النخل، فإذا إبراهيم في حجر أمه وهو يجود بنفسه، فأخذه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ووضعه في حجره، ثم قال: (يا إبراهيم إنا لا نُغني عنك من الله شيئاً)، ثم ذرفت عيناه، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله أتبكي أولم تنه عن البكاء؟ قال: (لا، ولكن نهيتُ عن النوح، وعن صوتين أحمقين فاجرين، صوتٌ عند نغمة لهوٍ ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب، ورنة الشيطان، وهذه رحمة، ومن لا يرحم لا يُرحم، يا إبراهيم لولا أنه أمرٌ حق، ووعدٌ صدق، وسبيلٌ مأتيّ، وإن أخرنا ستلحق أولانا لحونا عليك حُزناً هو أشد لك من هذا، وإنا بك لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يُسخط الرب عز وجل).

[في إسناده ضعف، ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: ضعيف، ومن طريقه أخرجه الترمذي في الجنائز (3/ 319)، باب -ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت، وقال: هذا حديث حسن].

15/ 34- الصبر عند الصدمة الأولى:

عن أنس، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى امرأةً تبكي على صبيٍّ لها، فقال لها: (اتقِ الله واصبري)، فقالت: وما تبالي أنتَ بمصيبتي، فلما ذهب، قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه فلم تجد عليه بوابين، قالت: لم أعرفك يا رسول الله، فقال: (إنما الصبر عند أول صدمة -أو قال: عند الصدمة).

[حديث صحيح، أخرجه البخاري في الجنائز (فتح الباري 3/ 125، 148، 171)، وفي الأحكام -باب ما ذكر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب (فتح الباري: 13/ 132)، ومسلم ص 637].

16/ 35- الثناء على الجنازة:

عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن جنازةً مرّت بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، فأثنوا عليه خيراً، فقال: (وجبت)، ومروا بجنازة أخرى، فأثنوا عليها شراً؛ فقال: (وجبت)، ثم قال: (أنتم شهداء الله في الأرض).

[حديث صحيح، أخرجه مسلم (ص 655، 656)، كما أخرجه البخاري (فتح الباري -3/ 288)].

17/ 38-الدعاء في الجنازة والقيام لها:

عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن مرواناً سأله: كيف سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي على الجنازة؟ فقال: يقول: (اللهم أنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضتَ روحها، تعلم سرّها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها).

[الحديث بوجهٍ عام ضعيف -فيه الجلاس لم يُدرك أبا هريرة، واسمه عقبة بن سبار، ثم إنه رواه عنه بواسطة كما عند أحمد في المسند (2/ 363)، وأبي داود في سننه (3200)، واختلف في اسم هذه الواسطة].

18/ 40- من مات على شيء بُعث عليه:

عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُبعث كُلُّ عبدٍ على ما مات عليه).

[صحيح لغيره -لأن في إسناده أبا سفيان طلحة بن نافع، ورواياته عن جابر فيها مقال، لكن للحديث شواهد، كما أخرجه مسلم في صحيحه (2206) كتاب الجنة].

19/ 41- حكم الصلاة على من عليه دَين؟

عن جابر بن عبد الله، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يُصلي على رجلٍ عليه دينٌ، فأُتي بميّت فسأل: (هل عليه دين؟)، قالوا: نعم، ديناران، قال: (أنا أولى بكلّ مؤمنٍ من نفسه، من ترك ديناً فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته).

[حديث صحيح -أخرجه أبو داود رقم (3343) كتاب البيوع -باب في التشديد في الدين، والنسائي (4/ 65) في الجنائز -باب الصلاة على من عليه دين].

20/ 42-الصلاة على الشهيد:

عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، قال: (لما كان يوم أحد كان يكفن الرجل والرجلان في الثوب الواحد، فكفنوا بجراحتهم؛ فدفنوا ولم يُصلّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم).

[أخرجه البخاري في الجنائز (فتح الباري -3/ 309)، وفي مواضع أخرى من صحيحه، وأبو داود، حديث رقم (3138، و3139)].

21/ 43- عذاب القبر:

عن أنسٍ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: (لولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم عذاب القبر).

[حديث صحيح، أخرجه مسلم (ص 2200)].

22/ فضل من عال ابنتين او أختين:

عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عال ابنتين أو أختين أو ثلاثاً حتى يمُتنَ أو يموتُ عنهُنَّ كنتُ أنا وهو في الجنّة كهاتين، وأشار بإصبعيه).

[حديث صحيح -وأخرجه أحمد (3/ 147 -148)، وأخرجه ابن حبان (2045)].

23/ 45- من خُلق الصحابة:

عن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لكعب بن عُجرة: (أعاذك الله يا كعب بن عجرة من إمارة السفهاء)، قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: (أمراء يكونون بعدي، لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني ولستُ منهم، ولا يردوا على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يُعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم، وسيردوا على حوضي، يا كعب بن عجرة، إنه لا يدخل الجنة لحمٌ نبت من سُحت، النار أولى به، يا كعب بن عجرة غاديان، فمبتاعٌ نفسه فمعتقها، وبايعها فموبقها).

[الحديث سنده ضعيف، لأن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من جابر، ولبعض ألفاظه شواهد، وأخرجه أحمد في مسنده (3/ 321، 399)].

24/ 46- الوفاة النبوية:

عن أنسٍ قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت فاطمة: واكرب أبتاه، فقال لها: (ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم)، فلما مات، قالت: (يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنَّة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه)، فلما دفن قالت فاطمة: يا أنس: أطابت أنفسكم أن تحثوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب.

[صحيح -أخرجه البخاري في آخر المغازي (فتح الباري 8/ 149)، وأبو داود في سننه (1630)].

25/ 49- النهي عن تجصيص القبور:

عن جابر، قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُجصص القبر وأن يُقعد عليه، وأن يُبنى عليه) قال سليمان بن موسى: وأن يُكتب عليه.

[الحديث أخرجه مسلم (ص 667)، وليس في حديث مسلم (وأن يُكتب عليه)].

26/ 50-زيارة النساء للقبور:

عن أنس، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، رأى امرأةً تبكي على صبيٍّ لها، فقال لها: (اتقِ الله واصبري)، فقالت: وما تبالي أنتَ بمصيبتي، فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه، فلم تجد عليه بوابين، قالت: لم أعرفك يا رسول الله، فقال: (إنما الصبرُ عند أول صدمة، أو قال: عند الصدمة).

[سبق تخريجه، وهو صحيح].

27/ 51- النهي عن الحداد فوق ثلاث:

عن عائشة وأم سليم رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يحل لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوجها، والإحداد لا تمتشط ولا تكتحل ولا تمس طيبًا ولا تختضب، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً، ولا تخرج من بيتها).

[حديث صحيح، أخرجه النسائي (6/ 189)، وليس عنده تفسير الإحداد، كتاب الطلاق -باب عدة المتوفى عنها زوجها].

28/ 52- قول الخير عند الميت:

عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضَرْتُم الميتَ فقولوا خيرًا فإنّ الملائكةَ تؤمِّنُ على ما تقولون) قالت: فلمّا مات أبو سلَمةَ قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ ما أقولُ؟ قال: (قولي: اللَّهمَّ اغفِرْ له وأعقِبْنا عُقبى صالحةً) قالت: فأعقَبَني اللهُ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم.

[حديث صحيح، أخرجه مسلم 6/ 222، وأبو داود 3/ 486، والنسائي: 4/ 4، والترمذي: 4/ 54 مع التحفة، وقال: حسن صحيح].

29/ 53-فضل من ماتت وزوجها عنها راض:

عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يقول: (أيُّما امرأةٍ ماتت وزوجُها عنها راضٍ دخلتِ الجنَّةَ).

[إسناده ضعيف -في إسناده مساور الحميري وهو مجهول، وخبره منكر، والحديث أخرجه الترمذي في الرضاع -باب حق الزوج على المرأة، حديث رقم (1161)، وقال: هذا حديث حسن غريب].

30/ 54-نسمة المؤمن والكافر:

عن كعب بن مالك، قال: لما حضرت كعبًا الوفاةُ، أتته أمُّ بشرٍ بنتِ البراءِ فقالَتْ: يا أبا عبدِ الرحمنِ، إن لقيتَ فلانًا فأقرِئْهُ مني السلامَ، فقال لها: يغفرُ اللهُ لكِ يا أمَّ بشرٍ، نحنُ أشغلُ من ذلك، فقالَتْ: أما سمعتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنّ نسمةَ المؤمنِ تسرحُ في الجنةِ حيثُ شاءت، ونسمةُ الكافرِ في سِجِّينٍ)، قال: قلتُ: بلى هو ذاك.

[صحيح، أخرجه أحمد (3/ 455، 456، 460)، والنسائي في الجنائز -باب أرواح المؤمنين (4/ 108)، وابن ماجه (1449)].

31/ 55-الحث على الإسراع بالجنازة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسرِعوا بالجِنازةِ، فإن يَكن خيرًا تُقدِّموها إليْهِ، وإن يَكن شرًّا تَضعوهُ عن رقابِكم).

[أخرجه البخاري (1315)، ومسلم (944)].

32/ 56- عندما يكون الموت خيراً:

عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أصابَهُ ولكنْ لِيَقُلْ اللهمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خيرًا لي وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خيرًا لِي).

[أخرجه البخاري (5671)، ومسلم (4680)].

33/ 57- الميت يرى النار:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الميتَ يرى النارَ في بيتِهِ سبعةَ أيامٍ).

[موضوع، أو لا أصل له، قال أحمد رضي الله عنه: باطل لا أصل له، راجع كشف الخفاء للعجلوني (788)، والمقاصد الحسنة للسخاوي (257)، والأسرار المرفوعة للقاري (151)].

34/ 58- لا تحفروا قبوركم:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تتمارضُوا فتمرضُوا ولا تحفرُوا قبورَكم فتموتُوا).

[قال السخاوي في المقاصد الحسنة (538): لا يصح].

35/ 59-الناس نيام:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الناسُ نِيامٌ فإذا ماتُوا انتَبهوا).

[قال العرافي في (تخريج الإحياء ٤‏/٢٨): لم أجده مرفوعًا وإنما يعزى إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه].

36/ 60-ما يقوله من آيس من حياته:

عن عائشة أم المؤمنين، قالت: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مستندٌ إليَّ يقول: (اللهمَّ اغفِرْ لي وارْحمْني، وألحِقْني بالرَّفيقِ الأَعْلى).

[أخرجه البخاري (٥٦٧٤) واللفظ له، ومسلم (٢٤٤٤)].

37/ 62-الوصية بمن قرب موته:

عن عمران بن الحصين رضي الله عنه: أن امرأةً من جهينةَ أتَتْ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَتْ: إنِّي زنيْتُ – وهيَ حُبلى – فدفعَها إلى وليِّها، وقال له: (أحسِنْ إليها، فإذا وضعَتْ فأتِني بها)، فلمّا وضعَتْ جاء بها، فأمرَ بها فشُكَّتْ عليْها ثيابُها، ثم رجمَها، ثم صلّى عليْها.

[رواه مسلم في صحيحه -وذكره النووي في رياض الصالحين، باب 144/ حديث 911)].

38/ 63-تلقين المحتضر:

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة).

[صحيح، أخرجه أبو داود (٣١١٦) واللفظ له، وأحمد (٢٢٠٣٤)].

 39/ 65-بعد تغميض الميت:

عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: دخَل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على أبي سلَمةَ وقد شقَّ بصَرُه، فأغمَضه -وقال: (إنّ الرُّوحَ إذا قُبِض تبِعه البصَرُ) فصاح ناسٌ مِن أهلِه فقال: (لا تَدْعوا على أنفسِكم إلّا بخيرٍ فإنّ الملائكةَ تُؤمِّنُ على ما تقولونَ) ثمَّ قال: (اللَّهمَّ اغفِرْ لأبي سلَمةَ وارفَعْ درجتَه في المقرَّبينَ واخلُفْه في عقِبِه في الغابِرينَ واغفِرْ له ولنا يا ربَّ العالَمينَ اللَّهمَّ افسَحْ له في قبرِه ونوِّرْ له فيه).

[حديث صحيح، أخرجه ابن حبان في صحيحه، رقم: (٧٠٤١)].

40/ 66- عند الميت ومن مات له ميت:

عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضَرتُمُ المريضَ، أوِ الميِّتَ، فقولوا خيرًا، فإنّ المَلائكةَ تُؤمِّنُ على ما تقولونَ). قالتْ: فلمّا ماتَ أبو سلَمةَ قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، كيفَ أقولُ؟ قالَ: (قولي: اللَّهمَّ اغفِرْ لنا وله، وأَعْقِبْني منه عُقبى حسَنةً). وقال ابنُ نُمَيرٍ: صالحةً. قالَتْ: فأعقَبَني اللهُ منه محمَّدًا صلى الله عليه وسلم.

[أخرجه مسلم (٩١٩)، وأبو داود (٣١١٥)، والترمذي (٩٧٧)، والنسائي (١٨٢٥)، وابن ماجه (١٤٤٧)، وأحمد (٢٦٦٠٨) واللفظ له].

41/ 71 -بكاء لا نياحة:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكوا؛ فقال: (إنّ اللهَ لا يعذِّبُ بدمعِ العينِ، ولا بحُزنِ القلبِ، ولكنْ يعذِّبُ بهذا، - وأشار إلى لسانِهِ - أو يَرحمُ).

[صحيح الجامع ٢٦٤٧].

42/ 80-الكتم على الميت:

عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (مَن غَسَّلَ مَيِّتًا فكَتَمَ عليه، غَفَرَ اللهُ له أربَعينَ مَرَّةً).

[قال الحافظ ابن حجر في الفتوحات الربانية (٤‏/١٦٣) حسن غريب]

43/ 81-الصلاة على الميت وتشييعه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن شَهِدَ الجَنازَةَ حتّى يُصَلِّيَ، فَلَهُ قِيراطٌ، ومَن شَهِدَ حتّى تُدْفَنَ كانَ له قِيراطانِ، قيلَ: وما القِيراطانِ؟ قالَ: مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ).

[أخرجه البخاري (١٣٢٥) واللفظ له، ومسلم (٩٤٥)].

44/ 84- كثرة المصلين على الجنازة:

عن ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ميِّتٍ يُصلِّي عليه أُمَّةٌ من النّاسِ إلّا شُفِّعوا فيه).

[صحيح الترغيب (٣٥٠٧)].

45/ 88-الذي يقرأ في صلاة الجنازة:

عن عبدِ اللهِ بنِ أبي أوْفى رضي الله عنه، أنّه كَبَّر على جِنازَةِ ابنةٍ له أربعَ تَكبيراتٍ، فقام بعدَ الرابعةِ كقَدْرِ ما بين التَّكبيرتيْنِ يَستغفِرُ لها ويدعو، ثم قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصنَعُ هكذا.

[في إسناده إبراهيم الهجري وهو ضعيف لسوء حفظه، أخرجه أحمد (١٩٤١٧) بنحوه مطولًا، والبزار (٣٣٧٢)، والبيهقي (٧٢٣٨) باختلاف يسير].

46/ 94- الإسراع بالجنازة:

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (أسرِعوا بالجِنازةِ، فإن يَكن خيرًا تُقدِّموها إليْهِ، وإن يَكن شرًّا تَضعوهُ عن رقابِكم).

[أخرجه البخاري (١٣١٥) واللفظ له، ومسلم (٩٤٤)].

47/ 96- تجهيز الميت:

عن حصين بن وحوح رضي الله عنه، قال: إنَّي لا أرى طلْحَةَ إلّا قَدْ حدثَ فيه الموْتُ، فآذِنوني بهِ حتى أشهدَهُ وأُصلِّيَ عليْهِ، وعجِّلُوا، فإنَّه لا ينبغي لجيفَةِ مسلِمٍ أنْ تُحْبَسَ بينَ ظهرانِي أهلِهِ

[سنن أبي داود (٣١٥٩) سكت عنه، وقد قال في رسالته لأهل مكة: كل ما سكت عنه فهو صالح].

48/ الموعظة عند القبر:

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ في جَنازَةٍ في بقيع الغرقد، فأخَذَ عُودًا يَنْكُتُ في الأرْضِ، فَقالَ: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ، أوْ مِنَ الجَنَّةِ) قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أفلا نَتَّكِلُ؟ قالَ: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خلق له).

[صحيح البخاري (٤٩٤٦)].

49/ 99-عند المرور بقبور الظالمين:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه -يعني لما وصلوا الحجر -ديار ثمود: (لا تدخلوا على هؤلاءِ المعذبينَ، إلّا أنْ تكونوا باكينَ، فإنَّ لم تكونوا باكينَ فلا تدْخلُوا علَيْهم، لا يُصيبُكم ما أصابَهم).

[أخرجه البخاري (٤٣٣) واللفظ له، ومسلم (٢٩٨٠)].

50/ 100-من مات له صغار:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما مِنَ النّاسِ مُسْلِمٌ، يَمُوتُ له ثَلاثَةٌ مِنَ الوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إلّا أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ بفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيّاهُمْ).

[صحيح البخاري (١٣٨١)].

51/ 103- الصدقة و الدعاء بعد الدفن:

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا وقف على جنازة، قال: (استَغْفِروا لأخيكُمْ، واسأَلوا لهُ بالتَّثبيتِ، فإنّهُ الآن يُسْأَلُ).

[أخرجه أبو داود (٣٢٢١)، والبزار (٤٤٥)، والحاكم (١٣٧٢)].

52/ 107- الثناء عل الميت:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: مرُّوا على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بجنازةٍ، فأثنَوْا عليها شرًّا، فقال: (وجَبَت)، ومَرُّوا بأخرى، فأثنَوْا عليها خيرًا، فقال: (وجَبَت) فقال عمرُ: يا رسولَ اللهِ ما وجَبَت؟ قال: (مَرُّوا بتلك فأثنَوْا عليها شرًّا فوجَبَتِ النّارُ ومَرُّوا بهذه فأثنَوْا عليها خيرًا فوجَبَت الجنَّةُ وأنتم شهداءُ اللهِ في الأرضِ).

[أخرجه من طرق البخاري (١٣٦٧)، ومسلم (٩٤٩)، والترمذي (١٠٥٨)، والنسائي (١٩٣٢)، وابن ماجه (١٤٩١)، وأحمد (١٣٩٩٦) واللفظ له].





الخميس، 24 نوفمبر 2022

شوارق الأنوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة أحمد بن الصديق الغماري

شوارق الأنوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة

أحمد بن الصديق الغماري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس، جمع فيه الشيخ أحمد الغماري -رحمه الله -الأحاديث التي ورد فيها أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وقد بلغت عشرين حديثاً، بعضها في الصحيح، وبعضها في غيره، وهو غاية في النفاسة والإتقان.

والمراد بالنواجذ: أقصى الأضراس في آخر الحنك وضرس العقل؛ ومنه حديث: (فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ)، قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث): النَّوَاجِذُ مِنَ الأسْنان: الضَّواحِك، وَهِيَ الَّتِي تَبْدو عِنْدَ الضَّحك. وَالْأَكْثَرُ الأشْهَر أَنَّهَا أقْصى الأسْنان. وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَبْلُغ بِهِ الضَّحِك حَتَّى تِبْدُوَ أَوَاخِرُ أضْراسه، كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ ضَحكه: «جُلُّ ضَحِكه التَّبَسُّم». وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الأواخِرُ، فالوجْه فِيهِ أَنْ يُرادَ مُبالغةُ مِثِله فِي ضَحِكه، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرادَ ظُهور نَواجِذه فِي الضحِك، وَهُوَ أقْيَسُ الْقَوْلَيْنِ؛ لاشْتهارِ النَّواجذ بأواخِر الْأَسْنَانِ.

وَمِنْهُ حَدِيثُ العِرباض بن سارية: «عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجذ» أَيْ تمسَّكوا بِهَا، كَمَا يَتَمَسَّك العاضُّ بِجَمِيعِ أضراسِه. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه: «ولَن يَليَ الناسَ كقُرشيٍ عَضَّ عَلَى نَاجِذِهِ» أَيْ صَبَر وتَصَلَّب فِي الْأُمُورِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: «إنَّ المَلَكَين قاعِدان عَلَى ناجِذيِ الْعَبْدِ يَكْتُبان» يَعْنِي سِنَّيه الضاحِكين، وَهُمَا اللَّذان بَيْنَ النَّابِ وَالْأَضْرَاسِ. وَقِيلَ: أَرَادَ النابَيْن. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.

1-الحديث الأول: جاء في (جزء ابن فيل) بإسناده، عن أبي عمرة الأسدي، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصاب الناس مخمصة، فدعا ببقايا أزواد القوم، فجمعها، ثم دعا الله بالبركة، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، فأمرهم أن يحثوا فما بقي في الجيش وعاءٌ إلا ملئوه، وبقي مثله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عز وجل عبدٌ مؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة= باختصار.

وهذا الحديث أخرجه الطبراني مختصراً، والحاكم مطولاً، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وكذلك صححه ابن حبان، وأصله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، بدون ذكر الضحك.

2-الحديث الثاني: جاء في مسند (الحسن بن سفيان) -بإسناده، عن أم أيمن قالت: بات رسول الله صلى الله عليه وسلم -في البيت فقام من الليل، فبال في فخارة؛ فقمتُ وأنا عطشى لم أشهر ما في الفخارة؛ فشربت ما فيها؛ فلما أصبحنا قال لي: يا أم أيمن أهرقي ما في الفخارة، قلتُ: والذي بعثك بالحق ما شربتُ ما فيها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: إنه لا يتجعن بطنك بعده أبداً.

وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك، وأبو نُعيم في الحلية، وأبو يعلى بلفظ: (إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبداً).

3-الحديث الثالث: أخرج البخاري في (صحيحه)، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد: أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون}.

ورواه أيضاً أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه والترمذي في جامعه، والنسائي في الكبرى، وابن خزيمة في صحيحه.

4-الحديث الرابع: أخرج مسلم في (صحيحه)، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة، رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة "، قال: " فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها - أو إن لك عشرة أمثال الدنيا"، قال: "فيقول: أتسخر بي - أو أتضحك بي - وأنت الملك؟"، قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، قال: " فكان يقال: ذاك أدنى أهل الجنة منزلة "

5-الحديث الخامس: أخرج البخاري في (صحيحه)، عن عبد الله رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا، رجل يخرج من النار كبوا، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها - أو: إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا - فيقول: تسخر مني - أو: تضحك مني - وأنت الملك " فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقول: «ذاك أدنى أهل الجنة منزلة». وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه.

6-الحديث السادس: أخرج البخاري في (صحيحه)، عن أبي سعيد الخدري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة» فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: «بلى» قال: تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: إدامهم بالام ونون، قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً. وأخرجه مسلم.

7-الحديث السابع: أخرج أبو داود في (سننه): عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: «ما هذا الذي أرى وسطهن؟» قالت: فرس، قال: «وما هذا الذي عليه؟» قالت: جناحان، قال: «فرس له جناحان؟» قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه.

8-الحديث الثامن: أخرج أبو داود في (سننه)، عن عائشة، رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم، وحمد الله عز وجل، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم»، ثم قال: «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين»، ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب، أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل، فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه، فقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله».

قال أبو داود: «وهذا حديث غريب، إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون (ملك يوم الدين)، وإن هذا الحديث حجة لهم»، وأخرجه الحاكم من طريق آخر عنها، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه أيضاً أبو عوانة، وابن حبان، وأبو علي بن السكن.

9-الحديث التاسع: أخرج مسلم في (صحيحه)، عن سلمة، قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعة عشر مائة، فذكر حديثاً طويلاً في نحو خمس ورقات، وفيه: خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار.

10-الحديث العاشر: أخرج أبو داود في (سننه)، عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من اليمن، فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا علياً، يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال: لاثنين منهما طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال: لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال: لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قرع، «فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه».

وهذا الحديث أخرجه النسائي في سننه، والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

 11-الحديث الحادي عشر: أخرج ابن أبي الدنيا في (مكارم الأخلاق)، عن زيد بن أرقم قال: أتي علي رضي الله عنه بثلاثة، وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا، حتى سألهم جميعا، فجعل كلما سأل اثنين، قالا: لا، فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية، قال: «فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه»، وهذا اللفظ لأبي داود، ولم يذكر ابن أبي الدنيا النواجذ.

12-الحديث الثاني عشر: أخرج الدارقطني في (سننه)، عن عكرمة، قال: كان ابن رواحة مضطجعاً إلى جنب امرأته؛ فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها، وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت وخرجت فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت، وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة، فقال: مهيم؟ فقالت: مهيم لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشفرة، قال: وأين رأيتني؟ قالت: رأيتك على الجارية، فقال: ما رأيتني، «وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب»، قالت: فاقرأ فقال:

أتانا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح مشهور من الفجر ساطع

أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فضحك حتى رأيت نواجذه صلى الله عليه وسلم.

13-الحديث الثالث عشر: أخرج أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص في (فوائده): عن عبد الله بن رواحة الأنصاري كانت له جارية فاتهمته امرأته أن يكون أصابها، فقالت: إنك الآن جنب منها، فأنكر ذلك؛ فقالت: فإن كنت صادقاً فاقرأ القرآن وقد عهدته لا يقرأ القرآن وهو جنب، فقال:

شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرين

وأن العرش فوق الماء طافٍ  وفوق العرش رب العالمين

وتحمله ثمانيةُ شدادٌ      ملائكة الإله مسومينا

       قال ابن عبد البر في (الاستيعاب): روينا هذه القصة من وجوهٍ صحاح، وقال الذهبيُّ في كتاب العلو: إنها مرسلة.

       14-الحديث الرابع عشر: أخرج أبو عمرو بن حيويه في (فوائده): بإسناده إلى الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان، هل قلتَ في أبي بكر مثلاً؟ قال: نعم. قال: قل وأنا أسمع.

وثاني اثنين في الغار المنيف وقد     طاف العدو به إذ يصعد الجبلا

وكان ردف رسول الله قد علموا    من البرية لم يعدل به رجلا

فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال صدقت يا حسان هو كما قلتَ.

       15- روى البخاري في (صحيحه): عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: «ما لك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين»، قال: لا، فقال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا». قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق المكتل - قال: «أين السائل؟» فقال: أنا، قال: «خذها، فتصدق به» فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك».

16-الحديث السادس عشر: قال عبد الحميد بن صيفي، بإسناده عن صهيب، قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه، وبين أيديهم تمرٌ يأكلونه، وكنتُ رمد إحدى العينين، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تأكل التمر، فإن بعينك ألماً)؛ فقلتُ: يا رسول الله إنما آكله بشق عيني الصحيحة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.

17-الحديث السابع عشر: أخرج الإمام أحمد في (مسنده): عن جابر، قال: أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس ببابه جلوس، فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن، فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر، وعمر فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وحوله نساؤه وهو ساكت، فقال عمر: لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت بنت زيد، امرأة عمر، سألتني النفقة آنفاً، فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه، قال: (هن حولي كما ترى يسألنني النفقة) الحديث.

18-الحديث الثامن عشر: أخرج الإمام الترمذي في (الشمائل): عن عامر بن سعد، قال: «قال سعد لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق حتى بدت نواجذه. قال: قلت كيف كان ضحكه قال: كان رجل معه ترس وكان سعد راميا، وكان الرجل يقول. كذا وكذا بالترس يغطي جبهته. فنزع له سعد بسهم، فلما رفع رأسه رماه، فلم يخطىء هذه منه «يعني جبهته» وانقلب الرجل وشال برجله. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. قال: قلت من أي شيء ضحك قال. من فعله بالرجل.

       19-الحديث التاسع عشر: قال الغزالي في (الأحياء): أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي يوماً وهو عليه السلام متغير اللون ينكره أصحابه، فأراد أن يسأله، فقالوا: لا تفعل يا أعرابي فإنا ننكر لونه، فقال دعوني فوالذي بعثه بالحق نبياً لا أدعه حتى يتبسم، فقال: يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جوعاً، أفترى لي بأبي أنت وأمي أن أكف عن ثريده تعففاً وتنزهاً حتى أهلك هزالاً، أم أضرب في ثريده حتى إذا تضلعت شبعاً آمنت بالله وكفرت به؟ قالوا: فضحك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بدت نواجذه، ثم قال: لا بل يغنيك الله بما يغني به المؤمنين.

       20-الحديث العشرون: أخرج الحاكم في (المستدرك): عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " يجمع الله الناس يوم القيامة فينادي مناد: يا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يوالي كل إنسان ما كان يعبد في الدنيا ويتولى، أليس ذلك عدل من ربكم؟ قالوا: بلى، قال: فينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا ويمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا، وقال: يمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، حتى يمثل لهم الشجر والعود والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثوما فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد، قال: فيقول: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قال: وما هي؟ قالوا: الساق، فيكشف عن ساق، قال: فيحني كل من كان لظهر طبق ساجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، قال: ثم يؤمرون فيرفعون رءوسهم فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك حتى يكون آخر ذلك يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه، وإذا طفئ قام، فيمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة، قال: فيقال انجوا على قدر نوركم فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الرحل ويرمل رملا فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه يجر يدا ويعلق يدا ويجر رجلا ويعلق رجلا فتصيب جوانبه النار، قال: فيخلصون فإذا خلصوا، قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد إذ رأيناك، فقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا، فينطلقون إلى ضحضاح عند باب الجنة وهو مصفق منزلا في أدنى الجنة، فيقولون: ربنا أعطنا ذلك المنزل، قال: فيقول لهم: تسألوني الجنة وهو مصفق وقد أنجيتكم من النار، هذا الباب لا يسمعون حسيسها، فيقول لهم: لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره، قال: فيقول: لا وعزتك لا نسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه، قال: فيعطوه فيرفع لهم أمام ذلك منزل آخر كأن الذي أعطوه قبل ذلك حلم عند الذي رأوه، قال: فيقول لهم: لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره، فيقولون: لا وعزتك لا نسألك غيره وأي منزل أحسن منه؟ فيعطوه ثم يسكتون، قال: فيقال لهم، ما لكم لا تسألوني؟ فيقولون: ربنا قد سألنا حتى استحيينا، قال: فيقول لهم: ألم ترضوا إن أعطيتكم مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها " قال: قال مسروق: فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديث إلا ضحك، قال: فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لقد حدثت بهذا الحديث مرارا فما بلغت هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحكت، قال: فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بهذا الحديث مرارا فما بلغ هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك حتى تبدو لهواته ويبدو آخر ضرس من أضراسه.



الأربعاء، 23 نوفمبر 2022

إرشاد المربعين إلى طرق حديث الأربعين أحمد بن الصديق الغماري بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

إرشاد المربعين إلى طرق حديث الأربعين

أحمد بن الصديق الغماري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس، جمع فيه الشيخ أحمد الغماري -رحمه الله -ما وقع له من طرق حديث (حفظ الأربعين)، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثًا) ومعنى الحفظ هنا: أن ينقلها إلى المسلمين وإن لم يحفظها ولم يعرف معناها. وهذا هو حقيقة معناه على ما رجحه المحققون، وبه يحصل انتفاع المسلمين لا بحفظ ما ينقله إليهم.

وأورد الغماري هذا الحديث بأسانيده المتصلة، وتكلم على أسانيدها، وما لها من متابعات، وعلى الرواة الضعفاء فيها، وذكر من خرّجها من الأئمة، وهذا الحديث مرويٌّ بطرق وروايات عديدة؛ فقد بلغت رواياته عنده (23) رواية، بأكثر من طريق، والموضوع فيه لا يتجاوز ثلاثة أحاديث، وأما الضعيف شديد الضعف، فكثيرٌ جداً، وما سوى ذلك فضعفه يسير، قد ينجبر بغيره، فيرتقي إلى درجة المقبول (انظر: الأربعون البلدانية/ سعود الفنيسان، ص 6).

وأثمر هذا الحديث كتب الأربعين، ويراد بها المؤلفات التي يصنفها العلماء في موضوع ما يجمعون فيها أربعين حديثًا.

  قال الإمام النووي في مقدمة كتابه "الأربعون النووية": "فقد روينا عن عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم من طرق كثيراتٍ برواياتٍ متنوعات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرةِ الفقهاء والعلماء"، وفي رواية: "بعثه الله فقيهًا عالمًا"، وفي رواية أبي الدرداء: "وكنتُ له يوم القيامة شافعًا وشهيدًا" وفي رواية ابن مسعود: "قيل له ادخل من أيّ أبواب الجنة شئتَ" وفي رواية ابن عمر: "كُتبَ في زمرة العلماء وحُشر في زمرة الشهداء" واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه.

وقد صنف العلماء رضي الله عنهم في هذا الباب ما لا يُحصى من المصنفات، فأوّل من علمتُه صنف فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي العالمُ الرباني [والرباني: نسبة إلى الرب زيد فيه الألف والنون على غير قياس كما تقول العرب لحياني لمن لحيته طويلة ومعنى العالم الرباني العالم العامل المعلم}، ثم الحسن بن سفيان النسوي، وأبو بكر الآجري، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني، والحاكم، وأبو نُعيم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعد الماليني وأبو عثمان الصابوني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبو بكر البيهقي، وخلائق لا يُحصون من المتقدمين والمتأخرين.

 وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: "ليبلغَ الشاهدُ منكم الغائب" وقوله صلى الله عليه وسلم: "نضَّرَ الله امرأً سمِعَ مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها". وروي (نضر) بتشديد الضاد وتخفيفها، والتشديد أكثر ومعناه: حسنه وجمّله.

ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين وبعضهم في الفروع وبعضهم في الجهاد وبعضهم في الزهد وبعضهم في الآداب وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة رضي الله عن قاصديها" اهـ.

وقال حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" (1/ 52): "وقد صنف العلماء في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات واختلفت مقاصدهم في تأليفها وجمعها وترتيبها فمنهم من اعتمد على ذكر أحاديث التوحيد وإثبات الصفات ومنهم من قصد ذكر أحاديث الأحكام ومنهم من اقتصر على ما يتعلق بالعبادات ومنهم من اختار حديث المواعظ والرقائق ومنهم من قصد إخراج ما صح سنده وسلم من الطعن ومنهم من قصد ما علا إسناده ومنهم من أحب تخريج ما طال متنه وظهر لسامعه حين يسمعه حسنه إلى غير ذلك وسمى كل واحد منهم كتابه بكتاب الأربعين" اهـ.

وقد روى هذا الحديث أربعة عشر صحابياً، وبيان ذلك فيما يلي، جاء هذا الحديث عن:

1-علي بن أبي طالب (من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جده) عن علي، ولفظه: (من تعلم أربعين حديثاً ابتغاء وجه الله، ليعلم به أمتي في حلالهم وحرامهم، حشره الله عالماً).

2- وابن عباس (من رواية عطاء، ومجاهد، وطاووس) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة، كنتُ له شفيعاً يوم القيامة)، وفي رواية: (أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه كتبه الله فقيهاً عالماً).

3- وأنس بن مالك (من رواية أبي داود الأعمى، وأبان بن عياش، والسُّدي، وعمر بن شاكر) عنه، ولفظه (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من دينها بعثه الله يوم القيامة مع العلماء)، وفي رواية (من حمل من أمتي أربعين حديثاً لقي الله يوم القيامة فقيهاً عالماً).

4-وجابر بن سمرة (من رواية الحسن) عنه، ولفظه: (من ترك أربعين حديثاً بعد موته، فهو رفيقي في الجنة). وقال ابن عبد البر: هذا أحسن إسناد جاء به هذا الحديث، لكنه غير محفوظ ولا معروف من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، ومن روا عن مالك فقد أخطأ عليه، وأضاف ما ليس من روايته إليه.

5-وعبد الله بن عمر (من رواية نافع) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة حتى يؤديها إليهم، كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة).

6-وأبي أمامة (من رواية أبي غالب) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً فيما ينوبهم وينفعهم في أمر دينهم، حشره الله تعالى يوم القيامة فقيهاً).

7-وأبي الدرداء (من رواية هارون بن عنترة عن أبيه عن جده) عنه، ولفظه: (سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ: ما حدُّ العلم الذي إذا بلغ الرجل كان فقيهاً؟ فقال: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها، بعثه الله تعالى فقيهاً، وكنت له يوم القيامة شفيعاً وشهيداً).

8-وأبي سعيد الخدري، (من رواية الحارث مولى سباع) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي).

9-وأبي هريرة، (من رواية زياد بن أبي زياد، وعطاء، ومجاهد، وأبي سلمة، وابن عجلان عن أبيه) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً). وفي رواية: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً يبتغي بذلك وجه الله في الحلال والحرام، ينذر بالحرام ويبشر بالحلال، حشره الله يوم القيامة فقيهاً عالماً).

10-وعبد الله بن مسعود، (من رواية زر) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها؛ فهو من العلماء، وكنت له شفيعاً يوم القيامة).

11-ونُويرة، (من رواية قتادة) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً في دينها، حشره الله يوم القيامة مع العلماء).

12-وعبد الله بن عمرو بن العاص، (من رواية إسماعيل بن عبد الله) عنه، ولفظه: (صرير الأقلام عند الأحاديث يعدل عند الله التكبير الذي يكبر في رباط عسقلان وعبادان، ومن كتب أربعين حديثاً أعطي ثواب الشهداء الذي قتلوا بعبادان وعسقلان).

13-وسلمان الفارسي، (وقد تقدم ذكره في حديث أبي سعيد الخدري، وقد جاء من رواية مجاهد عنه)، ولفظه: (سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأربعين حديثاً، فقال: من حفظها على أمتي دخل الجنة، وحُشر مع الأنبياء والعلماء، فقلتُ: يا رسول أي الأحاديث هي: قال: أن تؤمن بالله واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والبعث، والحساب، والموقف، والشفاعة، والقدر، والوتر كل ليلة، ولا تعق والديك) إلى أن قال: (ولا تقل للقصير يا قصير) وسرد باقيه، وهذا كذب!

14-ومعاذ بن جبل، (من رواية عطاء بن أبي رباح، عن أبي عباس) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها، بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء).



الأحد، 20 نوفمبر 2022

الاستعاذة والحسبلة ممن صحح أحاديث البسملة أحمد بن الصديق الغماري بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

الاستعاذة والحسبلة ممن صحح أحاديث البسملة

أحمد بن الصديق الغماري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة



تمهيد/ ألف الشيخ أحمد الغماري هذا الكتاب لبيان وضع حديث البسملة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) مع جزمه بذلك، بعد أن كان يقول بضعفه كما في رسالة سابقة له سماها (الصواعق المنزلة على من صحح حديث البسملة)، وبيّن أن لفظة البسملة خطأ، وأن أكثر الروايات إنما ذكرت (الحمدلة) على اختلاف في الألفاظ يسير (أبتر، أجذم، أقطع) وفي رواية (أكتع) والأكتع هو الذي ذهبت أصابعه، وبنى مذهبه في التضعيف على أن رواية البسملة شاذة أو منكرة. 

وقد خالفه بعض العلماء المعاصرين الذين حسّنوا حديث البسملة، وجعلوه من قبيل الحسن لغيره؛ كالشيخ ابن عثيمين في (تفسير سورة ص، ص ١٠)، وكذلك العظيم آبادي في (عون المعبود ١٣/ ٨٢)، وابن باز في (مجموع الفتاوى: ٢٥/ ١٣٥)، بل صححه ابن دقيق العيد في (شرح الأربعين: ١٤)، وكذلك صححه ابن الملقن في (شرح البخاري: ٢/ ١٢١)، بينما قال النووي في (الأذكار ١٤٩): حسن روي موصولاً ومرسلاً، ورواية الموصول إسنادها جيد.

ووافقه آخرون على تضعيفه غير أنهم لم يقولوا بوضعه؛ حيث قال الألباني فيه (إرواء الغليل: ١/ ٢٩): إسناده ضعيفٌ جداً. وضعفه الزيعلي في (تخريج الكشاف: ١/ ٢٤)، وابن حجر في (الفتوحات الربانية: ٣/ ٢٩٠)، والسخاوي في الأجوبة المرضية (١/ ١٨٩).

وتتبع الغماري روايات هذا الحديث، وبين أن رواية البسملة ذكرها الخطيب في (الجامع) من رواية مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم به، وأسنده أيضاً الرهاوي في الأربعين له من طريقه أيضاً، وأوضح أن هذا الحديث مضطرب سنداً ومتناً.

ومدار إسناد هذا الحديث إنما هو على (الزُّهري)، وقد روي عنه هذا الحديث موصولاً ومرسلاً، ورواه عن الزهري: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ويوسف بن يزيد، وعقيل بن خالد، وسعيد بن أبي حمزة، وقرة بن عبد الرحمن. ورواه عن الأوزاعي: الوليد بن مسلم، وعبد القدوس بن الحجاج، وعبد الله بن موسى العبسي، وعبد الحميد بن أبي العشرين، ومبشر بن إسماعيل الذي تفرد برواية (البسملة) دوناً عن غيره.

يقول الغماري: ورواية مبشر عن الأوزاعي باطلة مخالفة لغيرها من وجهين:

الوجه الأول: أن الحديث لم يصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي هريرة، ولم يحدث به عن أبي هريرة إلا أبو سلمة، تفرد به الزهري، ثم عنه اشتهر، فرواه العدد الكثبر، فلو كان للحديث مخارج متعددة لحملنا تعدد الألفاظ على تعدد صدور الحديث من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولقلنا: إنه حدّث به مرة بالحمد، ومرة بالبسملة، فروى كُلٌّ ما سمع.

فلما لم يتعدد مخرجه علمنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حدّث به إلا مرة واحدة، ولا يجوز أن يكون جمع بين اللفظين في تلك المرة؛ لأنه لو وقع لحدث به أبو هريرة كذلك، ولحدث به أبو سلمة، ثم الزهري كذلك أيضاً. 

فلما تفرد به أبو سلمة، علمنا أنه لم يحصل شيء من ذلك أيضاً، ثم لو حدث به أبو سلمة على الوجهين لفعل الزهريُّ ذلك، ولما اتفق أصحابه على روايته بلفظ الحمد، وكذلك لو حدث به الأوزاعي، ولما اتفق أحد عشر حافظاً من أصحابه على روايته عنه بلفظ الحمد، فلما حصل اتفاقهم على روايته كذلك، جزمنا بأن كلاً من رجال السند لم يُحدثوا به بلفظ البسملة.

فإن قيل: حدَّث به مُبشر بن إسماعيل كذلك، قلنا: لو صحَّ السند إليه، لكانت روايته شاذة مردودة، لا يُتلفت إليها، ولا يُعوّل في العمل عليها، كما تقرر في علم الحديث، لمخالفة مُبشر بن إسماعيل المتكلم فيه لأحد عشر حافظاً من أصحاب الأوزاعي.

الوجه الثاني: أنه تقرر في علم الحديث أن مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، تجعل رواية الأوثق محفوظة معمولٌ بها، ورواية الثقة شاذة مردودة، وأما إذا كانت المخالفة من ضعيف لثقة، فحديث الضعيف منكر، وحديث الثقة معروف. وهذا الحديث قد خالف فيه هذا الراوي الضعيف ثمانية عشر ثقةً من الأئمة الحفاظ. فلا شك أن هذا الحديث هو من قبيل الموضوع.