إرشاد المربعين إلى طرق حديث الأربعين
أحمد بن الصديق الغماري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس، جمع فيه الشيخ أحمد الغماري -رحمه الله -ما وقع له من طرق حديث (حفظ الأربعين)، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثًا) ومعنى الحفظ هنا: أن ينقلها إلى المسلمين وإن لم يحفظها ولم يعرف معناها. وهذا هو حقيقة معناه على ما رجحه المحققون، وبه يحصل انتفاع المسلمين لا بحفظ ما ينقله إليهم.
وأورد الغماري هذا الحديث بأسانيده المتصلة، وتكلم على أسانيدها، وما لها من متابعات، وعلى الرواة الضعفاء فيها، وذكر من خرّجها من الأئمة، وهذا الحديث مرويٌّ بطرق وروايات عديدة؛ فقد بلغت رواياته عنده (23) رواية، بأكثر من طريق، والموضوع فيه لا يتجاوز ثلاثة أحاديث، وأما الضعيف شديد الضعف، فكثيرٌ جداً، وما سوى ذلك فضعفه يسير، قد ينجبر بغيره، فيرتقي إلى درجة المقبول (انظر: الأربعون البلدانية/ سعود الفنيسان، ص 6).
وأثمر هذا الحديث كتب الأربعين، ويراد بها المؤلفات التي يصنفها العلماء في موضوع ما يجمعون فيها أربعين حديثًا.
قال الإمام النووي في مقدمة كتابه "الأربعون النووية": "فقد روينا عن عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم من طرق كثيراتٍ برواياتٍ متنوعات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفظ على أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرةِ الفقهاء والعلماء"، وفي رواية: "بعثه الله فقيهًا عالمًا"، وفي رواية أبي الدرداء: "وكنتُ له يوم القيامة شافعًا وشهيدًا" وفي رواية ابن مسعود: "قيل له ادخل من أيّ أبواب الجنة شئتَ" وفي رواية ابن عمر: "كُتبَ في زمرة العلماء وحُشر في زمرة الشهداء" واتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه.
وقد صنف العلماء رضي الله عنهم في هذا الباب ما لا يُحصى من المصنفات، فأوّل من علمتُه صنف فيه عبد الله بن المبارك، ثم محمد بن أسلم الطوسي العالمُ الرباني [والرباني: نسبة إلى الرب زيد فيه الألف والنون على غير قياس كما تقول العرب لحياني لمن لحيته طويلة ومعنى العالم الرباني العالم العامل المعلم}، ثم الحسن بن سفيان النسوي، وأبو بكر الآجري، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الأصفهاني، والدارقطني، والحاكم، وأبو نُعيم، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعد الماليني وأبو عثمان الصابوني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبو بكر البيهقي، وخلائق لا يُحصون من المتقدمين والمتأخرين.
وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: "ليبلغَ الشاهدُ منكم الغائب" وقوله صلى الله عليه وسلم: "نضَّرَ الله امرأً سمِعَ مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها". وروي (نضر) بتشديد الضاد وتخفيفها، والتشديد أكثر ومعناه: حسنه وجمّله.
ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين وبعضهم في الفروع وبعضهم في الجهاد وبعضهم في الزهد وبعضهم في الآداب وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة رضي الله عن قاصديها" اهـ.
وقال حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" (1/ 52): "وقد صنف العلماء في هذا الباب ما لا يحصى من المصنفات واختلفت مقاصدهم في تأليفها وجمعها وترتيبها فمنهم من اعتمد على ذكر أحاديث التوحيد وإثبات الصفات ومنهم من قصد ذكر أحاديث الأحكام ومنهم من اقتصر على ما يتعلق بالعبادات ومنهم من اختار حديث المواعظ والرقائق ومنهم من قصد إخراج ما صح سنده وسلم من الطعن ومنهم من قصد ما علا إسناده ومنهم من أحب تخريج ما طال متنه وظهر لسامعه حين يسمعه حسنه إلى غير ذلك وسمى كل واحد منهم كتابه بكتاب الأربعين" اهـ.
وقد روى هذا الحديث أربعة عشر صحابياً، وبيان ذلك فيما يلي، جاء هذا الحديث عن:
1-علي بن أبي طالب (من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جده) عن علي، ولفظه: (من تعلم أربعين حديثاً ابتغاء وجه الله، ليعلم به أمتي في حلالهم وحرامهم، حشره الله عالماً).
2- وابن عباس (من رواية عطاء، ومجاهد، وطاووس) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة، كنتُ له شفيعاً يوم القيامة)، وفي رواية: (أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه كتبه الله فقيهاً عالماً).
3- وأنس بن مالك (من رواية أبي داود الأعمى، وأبان بن عياش، والسُّدي، وعمر بن شاكر) عنه، ولفظه (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من دينها بعثه الله يوم القيامة مع العلماء)، وفي رواية (من حمل من أمتي أربعين حديثاً لقي الله يوم القيامة فقيهاً عالماً).
4-وجابر بن سمرة (من رواية الحسن) عنه، ولفظه: (من ترك أربعين حديثاً بعد موته، فهو رفيقي في الجنة). وقال ابن عبد البر: هذا أحسن إسناد جاء به هذا الحديث، لكنه غير محفوظ ولا معروف من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، ومن روا عن مالك فقد أخطأ عليه، وأضاف ما ليس من روايته إليه.
5-وعبد الله بن عمر (من رواية نافع) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة حتى يؤديها إليهم، كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة).
6-وأبي أمامة (من رواية أبي غالب) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً فيما ينوبهم وينفعهم في أمر دينهم، حشره الله تعالى يوم القيامة فقيهاً).
7-وأبي الدرداء (من رواية هارون بن عنترة عن أبيه عن جده) عنه، ولفظه: (سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلتُ: ما حدُّ العلم الذي إذا بلغ الرجل كان فقيهاً؟ فقال: من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها، بعثه الله تعالى فقيهاً، وكنت له يوم القيامة شفيعاً وشهيداً).
8-وأبي سعيد الخدري، (من رواية الحارث مولى سباع) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي).
9-وأبي هريرة، (من رواية زياد بن أبي زياد، وعطاء، ومجاهد، وأبي سلمة، وابن عجلان عن أبيه) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها، بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً). وفي رواية: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً يبتغي بذلك وجه الله في الحلال والحرام، ينذر بالحرام ويبشر بالحلال، حشره الله يوم القيامة فقيهاً عالماً).
10-وعبد الله بن مسعود، (من رواية زر) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها؛ فهو من العلماء، وكنت له شفيعاً يوم القيامة).
11-ونُويرة، (من رواية قتادة) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً في دينها، حشره الله يوم القيامة مع العلماء).
12-وعبد الله بن عمرو بن العاص، (من رواية إسماعيل بن عبد الله) عنه، ولفظه: (صرير الأقلام عند الأحاديث يعدل عند الله التكبير الذي يكبر في رباط عسقلان وعبادان، ومن كتب أربعين حديثاً أعطي ثواب الشهداء الذي قتلوا بعبادان وعسقلان).
13-وسلمان الفارسي، (وقد تقدم ذكره في حديث أبي سعيد الخدري، وقد جاء من رواية مجاهد عنه)، ولفظه: (سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأربعين حديثاً، فقال: من حفظها على أمتي دخل الجنة، وحُشر مع الأنبياء والعلماء، فقلتُ: يا رسول أي الأحاديث هي: قال: أن تؤمن بالله واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والبعث، والحساب، والموقف، والشفاعة، والقدر، والوتر كل ليلة، ولا تعق والديك) إلى أن قال: (ولا تقل للقصير يا قصير) وسرد باقيه، وهذا كذب!
14-ومعاذ بن جبل، (من رواية عطاء بن أبي رباح، عن أبي عباس) عنه، ولفظه: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها، بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق