ملامح المجتمع الإسلامي الذي ننشده
الدكتور يوسف القرضاوي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ كان مما نزل في "المدينة المُنوَّرة" بعد الهجرة: {كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران: ١١٠). وقد أعلنت الآية الكريمة عن ميلاد ونشأة المجتمع المنشود ومبادئ المدينة الفاضلة، التي يبحث عنها البشر، والتي تحقق لهم السعادة والرفاهية، والعيش بأمن وسلام.
وإذا كانت الفلسفة يمكن أن تبقى الفكرة حبيسة الكتب والعقول بعيداً عن التطبيق العملي والواقعي، فان الدين قد نزل من أجل أن يخلق واقعاً جديداً في عالم الاجتماع الإنساني، ولذا فإنه لم يرضَ لنفسه أن يبقى سجين الأفكار وحبيس العقول، ومن هنا كانت ضرورة الهجرة من مكة إلى "يثرب".
وبما أنّ الهجرة قد أوجدت الواقع الذي يجب أن يتحرك فيه الدين، فقد جاء الإعلان المجلجل عن ميلاد المدينة الفاضلة، التي يحلم بها الإنسان منذ فجره الأول، وكانت هذه التسمية "المدينة المنوَّرة" تحمل الرغبة والأمل والتوقّع، وهذا أمرٌ يتضح تماماً في دلالة تغيير اسم (يثرب) لتصبح (المدينة المنورة).
وليس غريباً بعد ذلك أن نجد المسلمين، عبر العصور والى يومنا هذا، يتوقون بشدّة إلى المجتمع المدني الأول، وأن نجدهم يحكمون على كل المجتمعات الإسلامية، التي جاءت بعد المرحلة الراشدة، بالانحراف النسبي.
ولا يزال الحنين الشديد إلى تلك الحقبة يشدُّ الجميع، ولا يزال الناس يتخذون من تلك المرحلة مقياساً، وحكماً على غيرها من المراحل، وهو موضوع هذا الكتاب الذي كتبه الإمام القرضاوي رحمه الله. وقد جعله في أحد عشر فصلاً ابتدأ فيه بالعقيدة والإيمان، ثم الشعائر والعبادات، ثم الأفكار والمفاهيم، فالأخلاق والفضائل، فالآداب والتقاليد، فالقيم الإنسانية، ثم التشريع والقانون، ثن الاقتصاد والمال، ثم اللهو والفن، وختاماً بالمرأة.
ولنا أن نتساءل بعد ذلك: ألا يدلُّ هذا التوقان والإرادة بوضوح على أنَّ المدينة النبوية الأولى قد ولدت، من أجل أن تكون على مدى العصور مصدر الإلهام، والقدوة والميزان، وسيبقى كل ما سواها دونها، لأنّها أخرجت وخُرّجت لأجل الناس، ولذا ستبقى المدينة هي أمنيَّة الإنسانيَّة جمعاء.
والخلاصة:
أن الدين لم ينزل ليحقق القناعات الفكرية فقط، بل جاء ليجعل الفكرة عاملة وفاعلة في الواقع البشري.
ولن تكتمل الصّورة إلا عندما يتطابق الواقع المحسوس مع الفكرة، فيكون الانسجام بين النظرية والتطبيق.
ويظهر ذلك جلياً في إجابة عائشة، رضي الله عنها، عندما سُئلت عن خُلق الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقالت: " كان خلقه القرآن".
وفيما يلي مقدمة الدكتور يوسف القرضاوي
لقد عنى الإسلام بالمجتمع عناية بالفرد، فكـل منهما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه. وهل المجتمع إلا مجموعة من الأفراد ربطت بينهم روابط معينة. فكان صلاح الفرد لازمـا لصلاح المجتمع، فالفرد أشبه باللبنة في البنيان، ولا صـلاح للبنيان إذا كانت لبناته ضعيفة.كما لا صلاح للفرد إلا في مجتمع يساعده على النمو السليم، والتكيف الصحيح، والسلوك القويم.
فـالمجتمع هـو التربة التي تبنت فيها بذرة الفرد. وتنمو وتترعرع فـي مناخها، والانتفاع بسمائها وهوائها وشمسها. ومـا كانـت الهجرة النبوية إلى المدينة، إلا سعياً إلى مجتمع مستقل تتجسد فيه عقائد الإسلام وقيمه وشعائره وشرائعه. وقد لمسنا فـي عصرنا محنة الفرد المسلم في المجتمعات التي لا تلتزم بالإسلام منهاجاً لحياتها، ناهيك بالمجتمعات التـي تعـادي شريعته، وتطارد دعوته.
وكيف يعيش هذا الفرد في توتر وقلق وحيرة، نتيجة لما يحس به من تناقض صارخ بين مـا يؤمن به من أوامر دينه و نواهيه، من جهة، و مـا يعايشـه ويضغط عليه من أفكار المجتمع ومشاعره وتقاليده وأنظمتـه وقوانينه، التي يراها مخالفة لتوجيهـات عقيدتـه، وأحكام شريعته، ومواريث ثقافته، من جهة أخرى. الإنسان - كمـا قال القدماء - مدني بطبعه ، وكما قال المحدثون : حيـوان اجتماعي . أي أنه لا يستطيع أن يعيش وحده ، بل لا بد أن يتعاون مع غيره، حتى تستقيم حياته ، وتتحقـق مطالبـه، ويستمر نوعه . وقد قال الشاعر العربي :
الناس للناس مـن بدو وحاضرة .. بعض لـبعض - وان لـم يشـعروا - خـدموالإسلام لا يصور الإنسان وحده ، إنما يصوره في مجمع ، ولهذا توجهت التكاليف إليه بصيغة الجماعة: (يا أيها الـذين آمنوا) ولم يجئ في القرآن (يا أيها المؤمن) وذلك أن تكاليف الإسلام محتاج إلى التكاتف والتضامن فـي حملهـا والقيـام بأعبائها. يستوي في ذلك العبادات والمعاملات.
فإذا نظرنا إلى فريضة كالصلاة وجدنا أنها لا يمكن أن تقام كما يريد الإسلام، إلا بمسجد يتعاون المجتمع على بنائه، ومؤذن يعلن الناس بمواقيت الصلاة، وإمام يؤمهم، وخطيـب يخطبهم، ومعلم يعلمهم، وهذا كله لا يقوم به الفـرد، وإنمـا ينظمه المجتمع.
وقد جعل القرآن أول أعمال الدولة المسلمة إذا مكّن لها في الأرض: أن تقيم الصلاة، كما قال تعـالى: {الـذين إن مكنّاهم في لأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة... الآية}، ومثل ذلك يقال في فريضة الصوم، وضرورة ترتيـب أمور الحياة في رمضان ترتيبا يعين على الصـيام والقيـام والسحور وغيرها.
ومن باب أولى: الزكاة، فالأصل فيها أنها تنظيم اجتماعي تشرف عليه الدولـة، بواسـطة (العـاملين عليها) الذين نص عليهم القرآن. وكذلك كل شعائر الإسلام وأركانه.
أما الأخلاق والمعاملات فلا يتصور أن تقوم - كما ينشدها الإسلام - إلا في ظلال مجتمع ملتزم بالإسلام، يتعبد الله بإقامة حياته على أساس الإسلام.
وقد عم الإسلام المسلم أن يقول إذا نـاجى ربـه فـي صلاته (إياك نعبد وإياك نستعين) فهو يتكلم بلسان الجماعة، وإن كان وحده، وكذلك إذا دعا ربه دعـا بصـيغة الجمـع: (اهدنا الصراط المستقيم) فالجماعة حية في وجدانه، حاضرة على لسانه.
والمجتمع المسلم مجتمـع متميـز عـن سـائر المجتمعات بمكوناته وخصائصه، فهو مجتمع رباني، إنساني، أخلاقي، متوازن.
والمسلمون مطالبون بإقامة هذا المجتمـع، حتى يمكنوا فيه لدينهم، ويجسدوا فيه شخصيتهم، ويحيوا في ظله حياة إسلامية متكاملة: حياة توجهها العقيدة الإسـلامية، وتزكيها العبادات الإسلامية، وتقودها المفاهيم الإسـلامية، وتحركها الشاعر الإسلامية، وتضبطها الأخلاق الإسـلامية وتجملها الآداب الإسلامية، وتهيمن عليها القـيم الإسـلامية، وتحكمها التشريعات الإسلامية، وتوجه اقتصـادها وفنونهـا وسياستها: التعاليم الإسلامية.
فليس المجتمع المسـلم، كمـا يتصـوره أو يصـوره الكثيرون -هو - فقط - الذي يطبق الشريعة الإسلامية في جانبها القانوني، وخصوصا جانب الحدود والعقوبات، فهـذا تصور وتصوير قاصر، بل ظالم لهذا المجتمع، واختصـار لكل مقوماته المتعددة في مقوم واحد هو التشريع، وفى جانب واحد من التشريع هو التشريع الجزائي، أو الجنائي.
لهذا كان من المهم هنا: هو إلقاء الضوء على المكونات أو اللامح الأساسية لهذا المجتمع الذي ننشده، والذي قامـت حركات وجماعات إسلامية في شتى أنحاء العـالم العربـي والإسلامي تدعو إليه ، ليحل محل المجتمعـات الحاضـرة، التي اختلط فيها الإسلام بالجاهلية، سـواء أكانـت جاهليـة وافدة، مما غزانا به الاستعمار الغربـي بشـقيه: الرأسـمالي والاشتراكي، أم جاهلية موروثة، مـن رواسـب عصـور التخلف، التي ساء فيه ا فهم السلمين لدينهم، كما ساء تطبيقهم له، حكاما ومحكومين.
وقد صدر لي كتاب منذ سنين، هـو: (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي) وهو فـي الحقيقـة جزء من هذا الكتاب.
كما تركت موضوعاً يتعلق بالدولة ونظام الحكم، خشيه من طول الكتاب على القارئ. وربما أصـدره فـي رسـالة مستقلة، أو ألحقه به في طبعه أخرى.
وعسى أن يكون فـي هذه الفصول ما يساعد على كشف اللثام عـن معـالم هـذا المجتمع الذي ترنو إليه الأبصار، وتشرئب نحوه الأعنـاق، وتتعلق به القلوب.
وعسى أن يزيدنا ذلك إصراراً على السعي إليه، والعمل على تحقيقه في الواقع، كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا، في أي وطن - مهما صغرت رقعته من دار الإسلام. فـيعلن ولاءه الكامل للإسلام، عقيدة وشريعة ومنهاج حياة، ويبنى حياتـه كلها: المادية والمعنوية، وسياسته كلها: الداخلية والخارجيـة على الإسلام.ومن ناحية أخرى نقيس المجتمعـات القائمـة اليوم، والتي تنتسب إلى الإسلام، لأن سكانها مسـلمون، أو لأن دستورها يعلن أن دينها الإسلام، أو أن الشـريعة هـي المصدر الرئيسي، أو المصدر الوحيد للقوانين: نقيسها إلـى هذا المجتمع في صورته المثالية المنشودة، لنعـرف مـدى قربها أو بعدها منه.
فما أكثر الذين يتمسحون بالإسلام، وهـم عنه صادون، أو يتمسكون بشكليات منه، وهم عـن روحـه معرضون، أو يؤمنون ببعض كتابه، وهم بـالبعض الآخـر كافرون، أو يحتفلون بأعياده، وهم لأعدائه موالون، ولدعاته معادون، ولشريعته معارضون! (ربنا عليك توكلنا وإليـك أنبنا وإليك المصير، ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا، ربنا إنك أنت العزيز الحكيم).
مقـدمة............................... ٤
الفصل الأول العقيدة والإيمان ...... ١٠
-معنى قيام المجتمع على عقيدة الإسلام
-المجتمع المسلم ومواجهة الردة
-سر التشديد في عقوبة الردة
-أمور مهمة تجب مراعاتها
-اعتراضات مردودة لبعض المعارضين
-ردة السلطان
-الردة المغلفة
الفصل الثاني الشعائر والعبادات...... ٦٣
-الصلاة
-الزكاة
-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الفصل الثالث الأفكار والمفاهيم...... ٩٢
-نوعان من المفاهيم هما خطر على المجتمع
الفصل الرابع المشاعر والعواطف....١١٣
-مهمة المجتمع مع المشاعر الإسلامية
-ليس بمجتمع مسلم
الفصل الخامس الأخلاق والفضائل...١٣٠
-من تقاليد المجتمع المسلم
-من آثار التقاليد الإسلامية
-مهمة المجتمع المسلم مع الأدب والتقاليد
الفصل السادس الآداب والتقاليد.......١٤٤
-العلم
-العمل
-الحرية
-الشورى
-الشورى في حياة الفرد
-الشورى في حياة الأسرة
-الشورى في حياة المجتمع والدولة
الفصل السابع القيم الإنسانية ........١٥٨
-الإخاء
-المحبة ومراتبها
-درجة الإيثار
-ربط النظرية بالتطبيق
-الوحدة من لوازم الإخاء
-التعاون والتناصر والتراحم
-التكافل المادي والأدبي
-أخوة لكل الفئات لا طبقية
الفصل الثامن التشريع والقانون .....٢٢٥
-ضرورة التشريع الرباني للمجتمع
-ليس التشريع محصوراً في الحدود
-حرص الإسلام على الستر والعفو في قضايا الحدود
-درء الحدود بالشبهات
-لا يبني المجتمع بالتشريع وحده
-من حق المجتمع أن يحكم بشرع ربه
-تحكيم الشريعة يجد أصالتنا وتحررنا
-الشريعة بمعناها الواسع لا مذهب بعينه
-لا بد من اجتهاد معاصر منضبط
-اجتهاد لا فوضى وتجديد لا تبديد
-الإسلام ليس مادة هلامية
-سنة التدرج
-لا يطبق الشريعة حقاً إلا من يؤمن بها
-الشريعة للشعوب كما هي للحكام
الفصل التاسع الاقتصاد والمال........٢٧٥
-اعتبار المال خيراً ونعمة في يد الصالحين
-المال مال الله والإنسان مُستخلف فيه
-الدعوة إلى العمل والكسب الطيب
-تحريم موارد الكسب الخبيث
-إقرار الملكية الفردية وحمايتها
-منع الأفراد من تلك الأشياء الضرورية للمجتمع
-منع المالك من الإضرار بغيره
-تنمية المال بما لا يضر الأخلاق والمصلحة العامة
-تحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة
-الاعتدال في الإنفاق
-إيجاب التكافل الاجتماعي
-تقريب الفوارق بين الطبقات
-الإسلام والأنظمة الاقتصادية المعاصرة
-الإسلام والرأسمالية
-الإسلام والشيوعية
-غاية الاقتصاد الإسلامي ومهمته
الفصل العاشر اللهو والفن................٣٥٤
-غياب الحقيقة بين الغلو والتفريط
-واقعية الإسلام في التعامل مع الإنسا كله
-القرآن ينبه على عنصري المنفعة والجمال في الكون
-المؤمن عميق الإحساس بالجمال في الكون والحياة والإنسان
-إن الله جميل يحب الجمال
-القرآن معجزة جمالية
-التعبير عن الجمال
-فنون القول والأدب
-فن الجمال المسموع (الغناء والموسيقى)
-ما حكم الإسلام في الغناء والموسيقى؟
-الأصل في الأشياء الإباحة
-أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها
-أدلة المجيزين للغناء
-أولاً من حيث النصوص
-القائلون بإجازة الغناء
-قيود وشروط لا بد من مراعاتها
-الغناء والطرب في واقع المسلمين
-لمَ شدّد المتأخرون في أمر الغناء؟
-غناء المجون والخلاعة
-غناء الصوفية
-فقه الإمام الغزالي في القضية
-العوارض التي تنقل السماع المباح إلى الحرمة
الفصل الحادي عشر المرأة في المجتمع المسلم.....٤٧٨
-التعدد نظام أخلاقي إنساني
-تعدد الغربيين لا أخلاقي ولا إنساني
-إساءة استخدام رخصة التعدد
-دعوة المتغربين لمنع التعدد
-ما يستند إليه دعاة المنع
-الشريعة لا تبيح مفسدة راجحة
-حق ولي الأمر في منع المباحات
-المرأة باعتبارها أنثى
-الاختلاط المشروع
-شبهات أنصار الاختلاط المفتوح
-الرد على أنصار الاختلاط المفتوح
-أثر الاختلاط المطلق في المجتمعات الغربية
-انحلال الأخلاق
-في انتشار الأبناء غير الشرعيين
-كثرة العوانس بين الفتيات والعُزّاب من الشباب
-انتشار الأمراض الفتّاكة
-المرأة باعتبارها عضواً في المجتمع
-أنصار المغالاة في عمل المرأة وشبهاتهم
-الرد على هذه الشبهات
-مضار اشتغال المرأة بعمل الرجال
-متى يجوز للمرأة أن تعمل
-التعدد نظام أخلاقي إنساني
-تعدد الغربيين لا أخلاقي ولا إنساني
-إساءة استخدام رخصة التعدد
-دعوة المتغربين لمنع التعدد
-ما يستند إليه دعاة المنع
-الشريعة لا تبيح ما فيه مفسدة راجحة
-حق ولي الأمر في منع المباحات
-المرأة باعتبارها أنثى
-الاختلاط المشروع
-شبهات أنصار الاختلاط المفتوح
-أثر الاختلاط المطلق في المجتمعات الغربية
١-انحلال الأخلاق.
٢-في انتشار الأبناء غير الشرعيين
٣-كثرة العوانس بين الفتيات والعزاب من الشباب
٤-كثرة الطلاق وتدمير البيوت لأتفه الأسباب.
٥-انتشار الأمراض الفتّاكة
المرأة باعتبارها عضواً في المجتمع
أنصار المغالاة في عمل المرأة وشبهاتهم
الرد على هذه الشبهات
مضار اشتغال المرأة بعمل الرجال
متى يجوز للمرأة أن تعمل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق