شوارق الأنوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة
أحمد بن الصديق الغماري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس، جمع فيه الشيخ أحمد الغماري -رحمه الله -الأحاديث التي ورد فيها أنه صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وقد بلغت عشرين حديثاً، بعضها في الصحيح، وبعضها في غيره، وهو غاية في النفاسة والإتقان.
والمراد بالنواجذ: أقصى الأضراس في آخر الحنك وضرس العقل؛ ومنه حديث: (فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ)، قال ابن الأثير في (النهاية في غريب الحديث): النَّوَاجِذُ مِنَ الأسْنان: الضَّواحِك، وَهِيَ الَّتِي تَبْدو عِنْدَ الضَّحك. وَالْأَكْثَرُ الأشْهَر أَنَّهَا أقْصى الأسْنان. وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَبْلُغ بِهِ الضَّحِك حَتَّى تِبْدُوَ أَوَاخِرُ أضْراسه، كَيْفَ وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ ضَحكه: «جُلُّ ضَحِكه التَّبَسُّم». وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الأواخِرُ، فالوجْه فِيهِ أَنْ يُرادَ مُبالغةُ مِثِله فِي ضَحِكه، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرادَ ظُهور نَواجِذه فِي الضحِك، وَهُوَ أقْيَسُ الْقَوْلَيْنِ؛ لاشْتهارِ النَّواجذ بأواخِر الْأَسْنَانِ.
وَمِنْهُ حَدِيثُ العِرباض بن سارية: «عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجذ» أَيْ تمسَّكوا بِهَا، كَمَا يَتَمَسَّك العاضُّ بِجَمِيعِ أضراسِه. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه: «ولَن يَليَ الناسَ كقُرشيٍ عَضَّ عَلَى نَاجِذِهِ» أَيْ صَبَر وتَصَلَّب فِي الْأُمُورِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: «إنَّ المَلَكَين قاعِدان عَلَى ناجِذيِ الْعَبْدِ يَكْتُبان» يَعْنِي سِنَّيه الضاحِكين، وَهُمَا اللَّذان بَيْنَ النَّابِ وَالْأَضْرَاسِ. وَقِيلَ: أَرَادَ النابَيْن. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ.
1-الحديث الأول: جاء في (جزء ابن فيل) بإسناده، عن أبي عمرة الأسدي، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فأصاب الناس مخمصة، فدعا ببقايا أزواد القوم، فجمعها، ثم دعا الله بالبركة، ثم دعا الجيش بأوعيتهم، فأمرهم أن يحثوا فما بقي في الجيش وعاءٌ إلا ملئوه، وبقي مثله فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عز وجل عبدٌ مؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة= باختصار.
وهذا الحديث أخرجه الطبراني مختصراً، والحاكم مطولاً، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأقره الذهبي، وكذلك صححه ابن حبان، وأصله في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، بدون ذكر الضحك.
2-الحديث الثاني: جاء في مسند (الحسن بن سفيان) -بإسناده، عن أم أيمن قالت: بات رسول الله صلى الله عليه وسلم -في البيت فقام من الليل، فبال في فخارة؛ فقمتُ وأنا عطشى لم أشهر ما في الفخارة؛ فشربت ما فيها؛ فلما أصبحنا قال لي: يا أم أيمن أهرقي ما في الفخارة، قلتُ: والذي بعثك بالحق ما شربتُ ما فيها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قال: إنه لا يتجعن بطنك بعده أبداً.
وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك، وأبو نُعيم في الحلية، وأبو يعلى بلفظ: (إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبداً).
3-الحديث الثالث: أخرج البخاري في (صحيحه)، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إنا نجد: أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عما يشركون}.
ورواه أيضاً أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه والترمذي في جامعه، والنسائي في الكبرى، وابن خزيمة في صحيحه.
4-الحديث الرابع: أخرج مسلم في (صحيحه)، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة، رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة "، قال: " فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها - أو إن لك عشرة أمثال الدنيا"، قال: "فيقول: أتسخر بي - أو أتضحك بي - وأنت الملك؟"، قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، قال: " فكان يقال: ذاك أدنى أهل الجنة منزلة "
5-الحديث الخامس: أخرج البخاري في (صحيحه)، عن عبد الله رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها، وآخر أهل الجنة دخولا، رجل يخرج من النار كبوا، فيقول الله: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها - أو: إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا - فيقول: تسخر مني - أو: تضحك مني - وأنت الملك " فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقول: «ذاك أدنى أهل الجنة منزلة». وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه.
6-الحديث السادس: أخرج البخاري في (صحيحه)، عن أبي سعيد الخدري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر، نزلا لأهل الجنة» فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: «بلى» قال: تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: إدامهم بالام ونون، قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً. وأخرجه مسلم.
7-الحديث السابع: أخرج أبو داود في (سننه): عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: «ما هذا يا عائشة؟» قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع، فقال: «ما هذا الذي أرى وسطهن؟» قالت: فرس، قال: «وما هذا الذي عليه؟» قالت: جناحان، قال: «فرس له جناحان؟» قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه.
8-الحديث الثامن: أخرج أبو داود في (سننه)، عن عائشة، رضي الله عنها قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم، وحمد الله عز وجل، ثم قال: «إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم»، ثم قال: «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين»، ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب، أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل، فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه، فقال: «أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله».
قال أبو داود: «وهذا حديث غريب، إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون (ملك يوم الدين)، وإن هذا الحديث حجة لهم»، وأخرجه الحاكم من طريق آخر عنها، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وصححه أيضاً أبو عوانة، وابن حبان، وأبو علي بن السكن.
9-الحديث التاسع: أخرج مسلم في (صحيحه)، عن سلمة، قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعة عشر مائة، فذكر حديثاً طويلاً في نحو خمس ورقات، وفيه: خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم، فلا يبقى منهم مخبر إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه في ضوء النار.
10-الحديث العاشر: أخرج أبو داود في (سننه)، عن زيد بن أرقم قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من اليمن، فقال: إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا علياً، يختصمون إليه في ولد، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد، فقال: لاثنين منهما طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال: لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، ثم قال: لاثنين طيبا بالولد لهذا فغليا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، إني مقرع بينكم فمن قرع فله الولد، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية، فأقرع بينهم، فجعله لمن قرع، «فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه».
وهذا الحديث أخرجه النسائي في سننه، والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
11-الحديث الحادي عشر: أخرج ابن أبي الدنيا في (مكارم الأخلاق)، عن زيد بن أرقم قال: أتي علي رضي الله عنه بثلاثة، وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران لهذا بالولد؟ قالا: لا، حتى سألهم جميعا، فجعل كلما سأل اثنين، قالا: لا، فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية، قال: «فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه»، وهذا اللفظ لأبي داود، ولم يذكر ابن أبي الدنيا النواجذ.
12-الحديث الثاني عشر: أخرج الدارقطني في (سننه)، عن عكرمة، قال: كان ابن رواحة مضطجعاً إلى جنب امرأته؛ فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها، وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه، فقامت وخرجت فرأته على جاريته، فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت، وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة، فقال: مهيم؟ فقالت: مهيم لو أدركتك حيث رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشفرة، قال: وأين رأيتني؟ قالت: رأيتك على الجارية، فقال: ما رأيتني، «وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب»، قالت: فاقرأ فقال:
أتانا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح مشهور من الفجر ساطع
أتى بالهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
فقالت: آمنت بالله وكذبت البصر ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره فضحك حتى رأيت نواجذه صلى الله عليه وسلم.
13-الحديث الثالث عشر: أخرج أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص في (فوائده): عن عبد الله بن رواحة الأنصاري كانت له جارية فاتهمته امرأته أن يكون أصابها، فقالت: إنك الآن جنب منها، فأنكر ذلك؛ فقالت: فإن كنت صادقاً فاقرأ القرآن وقد عهدته لا يقرأ القرآن وهو جنب، فقال:
شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرين
وأن العرش فوق الماء طافٍ وفوق العرش رب العالمين
وتحمله ثمانيةُ شدادٌ ملائكة الإله مسومينا
قال ابن عبد البر في (الاستيعاب): روينا هذه القصة من وجوهٍ صحاح، وقال الذهبيُّ في كتاب العلو: إنها مرسلة.
14-الحديث الرابع عشر: أخرج أبو عمرو بن حيويه في (فوائده): بإسناده إلى الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان، هل قلتَ في أبي بكر مثلاً؟ قال: نعم. قال: قل وأنا أسمع.
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ يصعد الجبلا
وكان ردف رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، وقال صدقت يا حسان هو كما قلتَ.
15- روى البخاري في (صحيحه): عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: «ما لك؟» قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟» قال: لا، قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين»، قال: لا، فقال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينا». قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيها تمر - والعرق المكتل - قال: «أين السائل؟» فقال: أنا، قال: «خذها، فتصدق به» فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك».
16-الحديث السادس عشر: قال عبد الحميد بن صيفي، بإسناده عن صهيب، قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه، وبين أيديهم تمرٌ يأكلونه، وكنتُ رمد إحدى العينين، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تأكل التمر، فإن بعينك ألماً)؛ فقلتُ: يا رسول الله إنما آكله بشق عيني الصحيحة، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه.
17-الحديث السابع عشر: أخرج الإمام أحمد في (مسنده): عن جابر، قال: أقبل أبو بكر يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس ببابه جلوس، فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن، فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر، وعمر فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، وحوله نساؤه وهو ساكت، فقال عمر: لأكلمن النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر: يا رسول الله، لو رأيت بنت زيد، امرأة عمر، سألتني النفقة آنفاً، فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه، قال: (هن حولي كما ترى يسألنني النفقة) الحديث.
18-الحديث الثامن عشر: أخرج الإمام الترمذي في (الشمائل): عن عامر بن سعد، قال: «قال سعد لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك يوم الخندق حتى بدت نواجذه. قال: قلت كيف كان ضحكه قال: كان رجل معه ترس وكان سعد راميا، وكان الرجل يقول. كذا وكذا بالترس يغطي جبهته. فنزع له سعد بسهم، فلما رفع رأسه رماه، فلم يخطىء هذه منه «يعني جبهته» وانقلب الرجل وشال برجله. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. قال: قلت من أي شيء ضحك قال. من فعله بالرجل.
19-الحديث التاسع عشر: قال الغزالي في (الأحياء): أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي يوماً وهو عليه السلام متغير اللون ينكره أصحابه، فأراد أن يسأله، فقالوا: لا تفعل يا أعرابي فإنا ننكر لونه، فقال دعوني فوالذي بعثه بالحق نبياً لا أدعه حتى يتبسم، فقال: يا رسول الله بلغنا أن المسيح يعني الدجال يأتي الناس بالثريد وقد هلكوا جوعاً، أفترى لي بأبي أنت وأمي أن أكف عن ثريده تعففاً وتنزهاً حتى أهلك هزالاً، أم أضرب في ثريده حتى إذا تضلعت شبعاً آمنت بالله وكفرت به؟ قالوا: فضحك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بدت نواجذه، ثم قال: لا بل يغنيك الله بما يغني به المؤمنين.
20-الحديث العشرون: أخرج الحاكم في (المستدرك): عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " يجمع الله الناس يوم القيامة فينادي مناد: يا أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم وصوركم ورزقكم أن يوالي كل إنسان ما كان يعبد في الدنيا ويتولى، أليس ذلك عدل من ربكم؟ قالوا: بلى، قال: فينطلق كل إنسان منكم إلى ما كان يتولى في الدنيا ويمثل لهم ما كانوا يعبدون في الدنيا، وقال: يمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى، ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، حتى يمثل لهم الشجر والعود والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثوما فيقول لهم: ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا ما رأيناه بعد، قال: فيقول: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قال: وما هي؟ قالوا: الساق، فيكشف عن ساق، قال: فيحني كل من كان لظهر طبق ساجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، قال: ثم يؤمرون فيرفعون رءوسهم فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك حتى يكون آخر ذلك يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه، وإذا طفئ قام، فيمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة، قال: فيقال انجوا على قدر نوركم فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الرحل ويرمل رملا فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه يجر يدا ويعلق يدا ويجر رجلا ويعلق رجلا فتصيب جوانبه النار، قال: فيخلصون فإذا خلصوا، قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد إذ رأيناك، فقد أعطانا الله ما لم يعط أحدا، فينطلقون إلى ضحضاح عند باب الجنة وهو مصفق منزلا في أدنى الجنة، فيقولون: ربنا أعطنا ذلك المنزل، قال: فيقول لهم: تسألوني الجنة وهو مصفق وقد أنجيتكم من النار، هذا الباب لا يسمعون حسيسها، فيقول لهم: لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره، قال: فيقول: لا وعزتك لا نسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه، قال: فيعطوه فيرفع لهم أمام ذلك منزل آخر كأن الذي أعطوه قبل ذلك حلم عند الذي رأوه، قال: فيقول لهم: لعلكم إن أعطيتموه أن تسألوني غيره، فيقولون: لا وعزتك لا نسألك غيره وأي منزل أحسن منه؟ فيعطوه ثم يسكتون، قال: فيقال لهم، ما لكم لا تسألوني؟ فيقولون: ربنا قد سألنا حتى استحيينا، قال: فيقول لهم: ألم ترضوا إن أعطيتكم مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها " قال: قال مسروق: فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديث إلا ضحك، قال: فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لقد حدثت بهذا الحديث مرارا فما بلغت هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحكت، قال: فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بهذا الحديث مرارا فما بلغ هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك حتى تبدو لهواته ويبدو آخر ضرس من أضراسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق