أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

أسماء الريح لابن خالويه (ت 370 هـ) تحقيق: أ. د. حاتم صالح الضامن بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

أسماء الريح لابن خالويه (ت 370 هـ)

تحقيق: أ. د. حاتم صالح الضامن

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذه رسالة صغيرة الحجم، في بيان أسماء الريح وسردها، حيث تناول ابن خالويه هذا الموضوع بالبيان والتفصيل، وفسّر قسماً منها، واستدل على ما أورده بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والأشعار العربية. الريح اسمٌ مؤنثة، وتصغيرها رُويحة، والياء في الريح منقلبة عن واو، وأصلها (رِوْح)؛ فانقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها.

والريح جُندٌ من جند الله تعالى، وآيةً من آياته العظيمة، التي يرحم بها عباده المؤمنين، ويهلك بها الكفرة والمكذبين، ولذلك أقسم الله تعالى بها في كتابه؛ فقال: {والذاريات ذرواً} أي الرياح التي تذروا التراب، وقال سبحانه: {والمرسلات عُرفاً} أي الرياح المُرسلة إلى أطرف الأرض بالغيث تارةً والعذاب تارة، وهي معجزةٌ سخرها الله لأنبيائه، فقد كانت الريح معجزةً مسخّرةً لسليمان عليه السلام، قال سبحانه: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} (سبأ: 12)، وكانت آيةً من آيات النصر على المشركين والأعداء، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (نُصرت بالصَّبا)، ومع ذلك فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا هبّت الريح فزع إلى الدُّعاء، وقال: (اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشرِّ ما فيها، وشرِّ ما أرسلت به).

والرّيح سبب لإنزال القطر والودق والغيث، اللاتي أسماها الله عز وجل (رحمةً)، فقال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (الأعراف: 57) أي بين يدي المطر، وبين جل وعلا أنه يرسل الرياح لواقح وغيثاً لعباده ليشربوا من الماء الطهور وينتفعوا به، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} (الحجر: 22)، واللواقح هي التي تلقح الأشجار في الربيع.

بل إنه سبحانه عدَّها من النعم العظيمة التي تستوجب الشكر؛ فقال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الروم: 46).

وجعل سبحانه وتعالى تصريف الرياح دليلاً ظاهراً على وحدانيته تعالى؛ فقال: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (النمل: 63)، وبيّن أنها آية من آياته الكونية الدالة على قدرته؛ فقال: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (البقرة: 164)، وقال: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} (الجاثية: 5)، وجعلها دليلاً آخر على البعث والنشور؛ فقال: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (فاطر: 9).

وجعلها الله تعالى مثلاً لذهاب ما على الدنيا من الزخارف والمُتع؛ فقال: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (الكهف: 45).

وبيّن جل في علاه كيفية تشكل الغيث والمطر بواسطة الرياح؛ فقال: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} (الروم: 48)،

المصنفات في الريح:

لم يكن أحمد بن خالويه أول من صنف في أسماء الريح؛ فقد سبقه إلى ذلك: أبو إسحاق إبراهيم بن سفين الزيادي (ت 249 هـ) في كتابه (أسماء السحاب والرياح والأمطار)، وأبو بكر بن السراج (ت 316 هـ) في كتابه (الرياح والهواء والنار).

وقد تناول العلماء هذا الموضوع ضمن كتبهم؛ فأفردوا له فصولاً وأبواباً، منهم أبو عُبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) في كتابه (الغريب المصنف)، وابن السكيت (ت 244 هـ) في كتابه (تهذيب الألفاظ)، وأبو العباس المبرد (ت 286 هـ) في كتابه (الكامل)، والهمذاني (ت 320 هـ) في كتابه (الألفاظ الكتابية)، وابن فارس (ت 395 هـ) في كتابه متخير الألفاظ، وأبو هلال العسكري (ت بعد 395 هـ) في كتابه (التلخيص في معرفة أسماء الأشياء)، والثعالبي (ت 429 هـ) في كتابه (فقه اللغة)، وابن سيده (ت 458 هـ) في كتابه (المخصص)، والربعي (ت 480 هـ) في كتابه (نظم الغريب)، وابن الأجدابي (ت بعد 480 هـ) في كتابه (كفاية المتحفظ)، والنويري (ت 733 هـ) في كتابه (نهاية الأرب)، ومحمد بن الطيب الفاسي (ت 11170 هـ) في كتابه (تحرير الرواية في تقرير الكفاية).

ومن أسماء الرياح:

1-الرحمة؛ لأن الله يرحم بها عباده بالغيث والقطر، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (الأعراف: 57).

2-المؤتفكات؛ لأنها تأفك الأرض، أي: تقشرها وتقلبها. وسميت الريح ريحاً لقوتها وشدتها، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: 46) أي دولتكم وقوتكم.

3-عاصفة: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ} (الأنبياء: 81).

4-رخاء: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} (ص: 36).

5-إعصار: وهي التي تستطيل في السماء، قال تعالى {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} (البقرة: 266) أي ريحٌ فيها سموم، ويُكنى الإعصار أبا زوبعة.

6-الصّبا: وهي ريح النصر وتهب من الجنوب، وفي الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: (نُصرتُ بالصّبا، وأهلكت عادٌ بالدّبور).

7-ريح الشمال: وهي التي تُفرق السُّحب.

8-النكبأء: وهي الريح بين الريحين.

9-الشِّفان: الريح الباردة، ويُقال لها (الصَّرُّ)، وإليها الإشارة في قوله تعالى: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} (آل عمران: 117) أي برد.

10-الصرصر: وهي الشديدة البرد. قال جل جلاله: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} (الحاقة: 6).

11-الهَيفُ: الحارة، وتُسمى: السموم، والحَرور.

12-الألوب: وهي الباردة التي تسف التراب.

13-الزوبعة: وهي الريح التي تثير الغبار، وتديره في الأرض حتى ترفعه في الهواء.

14-القاصف: الريح الشديدة، ومنه قوله تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ} (الإسراء: 69).

15-العقيم: وهي التي تحمل العذاب، ولا خير فيها ولا لقح، وقال سبحانه: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} (الذاريات: 41) أي لا تُلقح.

16-الطيبة: قال جل شأنه: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} (يونس: 22).

فوائد:

1-يُقال: أمددته في الخير، ومددته في الشر. قال تعالى: {ويُمددكم بأموالٍ وبنين}، وقال: {ويمدُّهم في طغيانهم يعمهون}.

2-يُقال في البهائم: أُمّات، وفي الناس: أمهات.

3-الرياح أربعة: ريح الشمال: وهي للروح والنسيم عند العرب، والجنوب: للأمطار والأنداء، والصّبا من الشرق؛ لإلقاح الأشجار، والدَّبور: للعذاب والبلاء.

4-وسمي الذئب ذئباً؛ لأنه إذا اتُقي من وجهٍ جاء من وجهٍ آخر.

5-عن الفراء قال: الحرور: حرُّ الليل، والسَّموم: حرُّ النهار.

ترجمة مختصرة لابن خالويه:

هو أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه، الإمام اللغويّ، من كبار النحاة. أصله من همذان. دخل بغداد طالباً العلم سنة (314 هـ)، فأخذ عن شيوخ النحو واللغة والأدب والقرآن والحديث، ثم زار اليمن وأقام بذمار، مدة، وانتقل إلى الشام فاستوطن حلب. وعظمت بها شهرته، فأحله بنو حمدان منزلة رفيعة. وكانت له مع أبي الطيب المتنبي مجالس ومباحث ومناظرات عند سيف الدولة. وعهد إليه سيف الدولة بتأديب أولاده، وتقدم في العلم حتى كان أحد أفراد عصره. وتوفي في حلب.

ومن شيوخه:

ابن دُريد (ت 321 هـ)، ونفطويه (ت 323 هـ)، وابن مجاهد (ت 324 هـ)، وابن الأنباري (ت 328 هـ)، ومحمد بن مخلد العطار (ت 331 هـ)، وأبو عمر الزاهد (ت 345 هـ)، وأبو سعيد السيرافي (ت 368 هـ)، وغيرهم كثير.

ومن تلاميذه:

عبد المنعم بن غليون (ت 380 هـ)، وأبو بكر الخوارزمي (ت 383 هـ)، والمعافى بن زكريا (ت 390 هـ)، وسعيد بن سعيد الفارقي (ت 391 هـ)، وأبو الحسن السلامي (ت 394 هـ)، وغيرهم كثير.

ومن آثاره ومصنفاته:

1-إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم.

2-القراءات.

3-الحجة في القراءات.

4-رسالة في أسماء الريح.

5-شرح ديوان أبي فراس الحمداني.

6-ليس في كلام العرب.

7-مختصر في شواذ القرآن.

8-شرح فصيح ثعلب.

ولا بُد من الإشارة إلى أن هناك كتابين نُسبا إلى ابن خالويه غلطاً، الأول: كتاب الشجر، والثاني: كتاب العشرات، وهما لأبي زيد الأنصاري، ولأبي عمر الزاهد.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق