الاستعاذة والحسبلة ممن صحح أحاديث البسملة
أحمد بن الصديق الغماري
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ ألف الشيخ أحمد الغماري هذا الكتاب لبيان وضع حديث البسملة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر) مع جزمه بذلك، بعد أن كان يقول بضعفه كما في رسالة سابقة له سماها (الصواعق المنزلة على من صحح حديث البسملة)، وبيّن أن لفظة البسملة خطأ، وأن أكثر الروايات إنما ذكرت (الحمدلة) على اختلاف في الألفاظ يسير (أبتر، أجذم، أقطع) وفي رواية (أكتع) والأكتع هو الذي ذهبت أصابعه، وبنى مذهبه في التضعيف على أن رواية البسملة شاذة أو منكرة.
وقد خالفه بعض العلماء المعاصرين الذين حسّنوا حديث البسملة، وجعلوه من قبيل الحسن لغيره؛ كالشيخ ابن عثيمين في (تفسير سورة ص، ص ١٠)، وكذلك العظيم آبادي في (عون المعبود ١٣/ ٨٢)، وابن باز في (مجموع الفتاوى: ٢٥/ ١٣٥)، بل صححه ابن دقيق العيد في (شرح الأربعين: ١٤)، وكذلك صححه ابن الملقن في (شرح البخاري: ٢/ ١٢١)، بينما قال النووي في (الأذكار ١٤٩): حسن روي موصولاً ومرسلاً، ورواية الموصول إسنادها جيد.
ووافقه آخرون على تضعيفه غير أنهم لم يقولوا بوضعه؛ حيث قال الألباني فيه (إرواء الغليل: ١/ ٢٩): إسناده ضعيفٌ جداً. وضعفه الزيعلي في (تخريج الكشاف: ١/ ٢٤)، وابن حجر في (الفتوحات الربانية: ٣/ ٢٩٠)، والسخاوي في الأجوبة المرضية (١/ ١٨٩).
وتتبع الغماري روايات هذا الحديث، وبين أن رواية البسملة ذكرها الخطيب في (الجامع) من رواية مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم به، وأسنده أيضاً الرهاوي في الأربعين له من طريقه أيضاً، وأوضح أن هذا الحديث مضطرب سنداً ومتناً.
ومدار إسناد هذا الحديث إنما هو على (الزُّهري)، وقد روي عنه هذا الحديث موصولاً ومرسلاً، ورواه عن الزهري: الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ويوسف بن يزيد، وعقيل بن خالد، وسعيد بن أبي حمزة، وقرة بن عبد الرحمن. ورواه عن الأوزاعي: الوليد بن مسلم، وعبد القدوس بن الحجاج، وعبد الله بن موسى العبسي، وعبد الحميد بن أبي العشرين، ومبشر بن إسماعيل الذي تفرد برواية (البسملة) دوناً عن غيره.
يقول الغماري: ورواية مبشر عن الأوزاعي باطلة مخالفة لغيرها من وجهين:
الوجه الأول: أن الحديث لم يصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي هريرة، ولم يحدث به عن أبي هريرة إلا أبو سلمة، تفرد به الزهري، ثم عنه اشتهر، فرواه العدد الكثبر، فلو كان للحديث مخارج متعددة لحملنا تعدد الألفاظ على تعدد صدور الحديث من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولقلنا: إنه حدّث به مرة بالحمد، ومرة بالبسملة، فروى كُلٌّ ما سمع.
فلما لم يتعدد مخرجه علمنا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم ما حدّث به إلا مرة واحدة، ولا يجوز أن يكون جمع بين اللفظين في تلك المرة؛ لأنه لو وقع لحدث به أبو هريرة كذلك، ولحدث به أبو سلمة، ثم الزهري كذلك أيضاً.
فلما تفرد به أبو سلمة، علمنا أنه لم يحصل شيء من ذلك أيضاً، ثم لو حدث به أبو سلمة على الوجهين لفعل الزهريُّ ذلك، ولما اتفق أصحابه على روايته بلفظ الحمد، وكذلك لو حدث به الأوزاعي، ولما اتفق أحد عشر حافظاً من أصحابه على روايته عنه بلفظ الحمد، فلما حصل اتفاقهم على روايته كذلك، جزمنا بأن كلاً من رجال السند لم يُحدثوا به بلفظ البسملة.
فإن قيل: حدَّث به مُبشر بن إسماعيل كذلك، قلنا: لو صحَّ السند إليه، لكانت روايته شاذة مردودة، لا يُتلفت إليها، ولا يُعوّل في العمل عليها، كما تقرر في علم الحديث، لمخالفة مُبشر بن إسماعيل المتكلم فيه لأحد عشر حافظاً من أصحاب الأوزاعي.
الوجه الثاني: أنه تقرر في علم الحديث أن مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، تجعل رواية الأوثق محفوظة معمولٌ بها، ورواية الثقة شاذة مردودة، وأما إذا كانت المخالفة من ضعيف لثقة، فحديث الضعيف منكر، وحديث الثقة معروف. وهذا الحديث قد خالف فيه هذا الراوي الضعيف ثمانية عشر ثقةً من الأئمة الحفاظ. فلا شك أن هذا الحديث هو من قبيل الموضوع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق