أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 نوفمبر 2022

صلاة التراويح للشيخ محمد ناصر الدين الألباني بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

صلاة التراويح

للشيخ محمد ناصر الدين الألباني

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

 

تمهيد/ هذا الكتاب يبحث في صلاة التراويح عامة، وتحقيق عدد ركعاتها بصورة خاصة، ويناقش فيه العلامة الألباني مسألة إحداث سيدنا عمر رضي الله عنه في (التراويح)، وأن عدد العشرين ركعة لا يثبت عنه فعلاً ولا سنداً، وبنى الإمام الألباني قضيته على أن الأصل في الدين الاتباع لا على التحسين العقلي والابتداع، وأن العمل المقبول يقتصر فيه على الصحيح الثابت، دون الواهي والضعيف، وأن أفعال النبيّ صلى الله عليه وسلم العبادية توقيفية في كل جوانبها، والأمر بالاقتداء به فيها محمولٌ على الوجوب، وأن الزيادة على الإحدى عشرة ركعة لا يجوز لأي سببٍ من الأسباب، بينما يجوز النقص منها لثبوته.

ويلخص لنا الإمام الألباني هذه المسألة بما نقله عن الإمام السيوطي في كتابه "الحاوي للفتاوي" (1/ 415)؛ حيث يقول: "فالحاصل أن العشرين ركعة لم تثبت من فعله صلى الله عليه وسلم، وما نقله عن صحيح ابن حبان غاية فيما ذهبنا إليه من تمسكنا بما في البخاري عن عائشة: (أنه كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة)، فإنه موافق له من حيث إنه صلى التراويح ثمانياً، ثم أوتر بثلاث، فتلك إحدى عشرة.

ومما يدل لذلك أيضاً: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملاً واظب عليه)، كما واظب على الركعتين اللتين قضاهما بعد العصر مع كون الصلاة في ذلك الوقت منهيا عنها. ولو فعل العشرين ولو مرة لم يتركها أبدا، ولو وقع ذلك لم يخف على عائشة حيث قالت ما تقدم"، والله أعلم.

ويعد هذا الكتاب هو الكتاب الثاني من سلسلة الإمام الألباني بعنوان (تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة)، وهو بعنوان (صلاة التراويح)، ويليها (صلاة العيد في المصلى)، و(البدعة)، و(الصلاة في المساجد المبنية على القبور)، و(التوسل)، أما الرسالة الأولى فقد كانت في الرد على بعض الاعتراضات الموجهة إلى بعض تقريرات الإمام الألباني رحمه الله في بعض كتبه.

ويتكون الكتاب من مقدمة، وثمانية فصول:

الأول: تمهيد في استحباب الجماعة في التراويح.

الثاني: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يُصلي التراويح أكثر من إحدى عشر ركعة.

الثالث: اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الإحدى عشرة ركعة دليلٌ على عدم جواز الزيادة عليها.

الرابع: إحياء عمر لسنة الجماعة في التراويح، وأمره بإحدى عشرة ركعة.

الخامس: أنه لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة أنه صلاها عشرين.

السادس: وجوب الالتزام الإحدى عشرة ركعة والدليل على ذلك.

السابع: الكيفيات التي صلى بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاة الوتر.

الثامن: الترغيب في إحسان الصلاة والترهيب من إساءتها.

أهم النتائج التي تضمنها الكتاب:

1-صلاة التراويح في رمضان مشروعةٌ، جماعةً، في المسجد، بفعله وقوله تقريره صلى الله عليه وسلم.

2-وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى التراويح ثلاث ليالٍ في المسجد، ثم تركها مخافة أن تُفرض على المسلمين.

3-وكانت أول صلاته ليلة الثالثة والعشرين، ولم يُصلِّ ليلة السادس والعشرين.

4-وبين أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة.

5-وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصلِّ التراويح أكثر من أحد عشر ركعة، وفيه حديثان، الأول: عن عائشة رضي الله عنها (متفق عليه)، والثاني: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (رواه الطبراني بإسناد حسن).

6-وأن حديث العشرين ضعيف جداً، عارضه ما هو أصحَّ منه، ولذا لا يجوز العمل به! لأنهم اشترطوا في الحديث الضعيف ألا يشتد ضعفه (لكن يمكن أن يُجاب الألباني لأنه لهذا الفعل أصلٌ). وروي حديث العشرين عن ابن عباس (رواه ابن أبي شيبة)، وقال السيوطي في "الحاوي": حديث ابن عباس ضعيفٌ جداً. وقال الهيتمي في "الفتاوي الكبرى": هو شديد الضعف.

7-ويرى الألباني أن اقتصاره على الإحدى عشرة ركعة، دليلٌ على عدم جواز الزيادة عليها، يؤيد ذلك أن التراويح من السنن المؤكدة، وليست من النوافل المطلقة، ثم إنها تُطلب في جماعة، فأشبهت الفرائض في الكيفية (الصفة) والتعيين.

8-ثم ما المانع من الأخذ بهذا الهدي المحمدي، لا سيما وان كثيراً ممن يؤدون صلاة التراويح عشرين ركعةً يُسيئون أداءها، للسرعة الزائدة التي يفعلونها بها، حتى إنهم ليخلون ببعض أركانها أو يخلون بالطمأنينة فيها.

9-أن عمر رضي الله عنه -كان يأمر الناس بصلاة إحدى عشرة ركعة في رمضان في التراويح، وكان يُصلي بالناس هو وتميم الداري بذلك العدد.

10-أنه لم يثبت عن عمر رضي الله عنه -أنه أمر الناس بصلاتها عشرين ركعة، والروايات الواردة في ذلك ضعيفة مضطربة، ولا تقوم للروايات الصحيحة، وقد ضعّف الإمام الشافعي والترمذي لعدد العشرين عن عمر رضي الله عنه.

11-والروايات الواردة في العشرين لا تتقوى، ولا يعضد بعضها بعضاً، لأنه ليس لدينا إلا رواية السائب بن يزيد المتصلة، وأما رواية يزيد بن رومان ويحيى بن سعيد الأنصاري فمنقطعة، ومع التخالف ترد الرواية المنكرة والشاذة، ويتمسك بالصحيح المعروف.

12-والعشرون لو صحَّت رواياته، فيكون ذلك لعلّةٍ وقد زالت، فيزول ذلك الحكم المقيد بالأكثرية، وهذا مع كونه بعيداً إلا أنه يفرض من باب الجدل، والصواب فإن الاقتداء بفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم هو الأفضل، ولا يجوز إهدار قول النبيّ وفعله لقول أحدٍ من الناس، إن ثبت ذلك عنهم.

13-ولم يثبت أن أحداً من الصحابة صلى التراويح عشرين ركعة، وكل الروايات الواردة عن الصحابة في ذلك ضعيفة، منها: أثر علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، رضوان الله عليهم.

14-لم يُجمع الصحابة رضوان الله عليهم على العشرين ركعة، ولم يثبت عنهم فيها شيء، وما بني على ضعيف فهو ضعيف، وقد جزم بذلك العلامة المباركفوري في (التحفة)، وصديق حسن خان في (السراج الوهاج).

15-وقد اختلفت آراء الفقهاء في أعداد صلاة التراويح، على ثمانية أقوال: (41، 36، 34، 28، 24، 20، 16) والقول الثامن (11) ركعة. حكى هذه الأقوال العيني في "العمدة" (5/ 356 -357)، وذكر أن القول الأخير هو اختيار مالك لنفسه، واختاره أبو بكر بن العربي.

16-وقد أنكر الزيادة على الإحدى عشرة ركعة عددٌ من العلماء، منهم: الإمام مالك، وابن العربي، والإمام الصنعاني في "سبل السلام".

17-وثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم كيفيات عدة للوتر، منها:

أ-أنه كان يُصلي (13) ركعة يفتتحها بركعتين خفيفتين -هما سنة العشاء، وفيه حديث خالد بن زيد الجهني، وابن عباس، وعائشة.

ب- أنه كان يُصلي (13) ركعة، منها ثمانية يُسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بخمس لا يجلس ولا يسلم إلا في الخامسة ولا يُسلم إلا في الخامسة، وفيه حديث عائشة، وله شاهد من حديث ابن عباس.

ج- أنه كان يُصلي (11) ركعة: يصلي ثم يُسلم بين كل ركعتين، ثم يوتر بواحدة، وفيه حديث عائشة.

د-أنه كان يُصلي (11) ركعة: أربعاً بتسليمة واحدة، ثم أربعاً مثلها ثم ثلاثاً، وفيه حديث عائشة.

هـ- أنه كان يُصلي (11) ركعة، منها ثمان ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة، يتشهد ويُصلي على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم ولا يسلم، ثم يوتر بركعة، ثم يسلم، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس، وفيه حديث عائشة.

و-أنه كان يُصلي (6) ركعات، منها: ست ركعات لا يقعد إلا في السادسة منها، يتشهد ويصلي على النبي، ثم يقوم ولا يسلم ثم يوتر بركعة، ثم يسلم، ثم يصلي بركعتين وهو جالس، وفيه حديث عائشة.

تلخيص الرسالة:

لقد طالك بحوث هذه الرسالة فوق ما كنا نظن ولكنه أمر لا مناص لنا منه؛ لأنه الذي يقتضيه المنهج العلمي في التحقيق، فرأينا أخيراً أن نقدم الى القراء الكرام ملخصاً عنها، لكي تكون ماثلة في ذهنه فيسهل عليه استيعابها والعمل بها إن شاء الله تعالى، فأقول: يتلخص منها: 

1-أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وليست بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي عديدة، وأن تركه لها بعد ذلك إنما خشية أن يظنها أحد من أمته فريضة عليهم إذا داوم عليها، وأن هذه الحشية زالت بتمام الشريعة بوفاته صلى الله عليه وسلم. 

2-وأنه صلى الله عليه وسلم -صلاها احدى عشرة ركعة، وأن الحديث الذي يقول أنه صلاها عشرين ركعة ضعيف جداً. 

3-وأنه لا تجوز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة،لأن الزيادة عليها يلزم منه إلغاء فعله لها وتعطيل لقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ولذلك لا يجوز الزيادة على سنة الفجر وغيرها.  

4-وأننا لا نبدع ولا نضلل من يصليها بأكثر من هذا العدد، إذا لم تتبين له السنة ولم يتبع الهوى.  

5-وأنه لو قيل بجواز الزيادة عليها فلا شك أن الأفضل هو الوقوف عنده لقوله صلى الله عليه وسلم: «خير الهدى هدى محمد».  

6-وأن عمر رضي الله عنه لم يبتدع شيئاً في صلاة التراويح، وإنما أحيا سنة الاجتماع فيها، وحافظ على العدد المسنون فيها.

7-وأن ما روي عنه أنه زاد عليها حتى جعلها عشرين ركعة لا يصح في شيء من طرقه، وأن هذه الطرق مِنَ التي لا يقوي بعضها بعضاً، وأشار الشافعي والترمذي إلى تضعيفها، فضعف بعضها النووي، والزيلعي وغيرهم.

8-وأن الزيادة المذكورة لو ثبتت، فلا يجب العمل بها اليوم؛ لأنها كانت العلة وقد زالت هذه العلة، والاصرار عليها أدى أصحابها في الغالب الى الاستعجال بالصلاة والذهاب بخشوعها بل وبصحتها  أحياناً.

9-وأن عدم أخذنا بالزيادة مثل عدم أخذ قضاة المحاكم الشرعية برأي عمر في ايقاع الطلاق الثلاث ثلاثاً، ولا فرق، بل أخذنا أولى من أخذهم حتى في نظر المقلدين !  

10-وأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه صلاها عشرين ركعة، بل أشار الترمذي إلى تضعيف ذلك عن علي.  

11-وأنه لا إجماع على هذا العدد.  

12-وأنه يجب الترام العدد المسنون؛ لأنه الثابت عنه صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وقد أمرنا باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين.  

13-وأن الزيادة عليه أنكره مالك وابن العربي وغيرهما من العلماء.  

14-وإنه لا يلزم من انكار هذه الزيادة الإنكار على الذين أخذوا بها من الأئمة المجتهدين، كما لا يلزم من مخالفته الطعن في عالم. أو تفضيل المخالف عليهم في العلم والفهم.

15-وأنه وإن لم تجز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة، فالأقل منه جائز حتى الاقتصار على ركعة واحدة منها لثبوت ذلك في السنة، وقد فعله السلف.  

16-وأن الكيفيات الي صل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر كلها جائزة وأفضلها أكثرها والتسليم بين كل ركعتين.  






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق