أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 16 سبتمبر 2021

متن الورقات في أصول الفقه لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

متن الورقات في أصول الفقه

لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

(ت ٤٧٨ هـ)

لأبي معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ يعتبر متن الورقات من أخصر المتون المتعلقة بأصول الفقه، وهو أول متنٍ يبتدئ به طالب العلم، ومن ثمَّ ينتقل منه إلى غيره، وهو لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، نسبةً إلى جُوين بلدة بنواحي نيسابور، وكان إماماً عالماً فقيهاً، ومدحه كثيرون وأثنوا على علمه، وله المؤلفات العظيمة، أبرزها "نهاية المطلب في دراية المذهب"، الذي قال عنه ابن خلكان: "لم يؤلف في الإسلام مثله"، وله "البرهان"، و"التلخيص" في أصول الفقه، ودخل الجويني في علم الكلام ومال في آرائه إلى المعتزلة، وكان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم الجبائي، وناله من ذلك شيء، نسأل الله سبحانه أن يغفر له، ويتجاوز عنه. 

وأشير هنا إلى ما كتبه الشيخ أبو معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي في الباب الثاني من كتابه النفيس حقيقةً "تذليل العقبات بإعراب الورقات" مع حاشيته المليئة بالفوائد والنفائس، وهو بعنوان: التعريف بكتاب الورقات وشروحه وحواشيه، وذكر فيه:

1-اسم الكتاب.

2-نسبة الكتاب إلى مؤلفه

3-موضوعات الكتاب ومنهج المؤلف فيه

4-شروحه وحواشيه ومنظوماته ومختصراته

  • اسم الكتاب: 

"الورقات"، وفي بعض النسخ: "الورقات في أصول الفقه".

وفي بعضها: "الورقات في الأصول".

ورجح الدكتور عبد الكريم النملة، رحمه الله، الاسَم الثاني [الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات لشمس الدين محمد بن عثمان المارديني تحقيق: د. عبد الكريم النملة (ص 25) مقدمة المحقق، ط. الرشد] وذكر سببين لا ينهضان دليلاً على ما ذهب إليه.

والظاهر، والله أعلم، أن اسمه "الورقات" فقط بدون زيادة، وأن ما بعده توضيح وشرح للكتاب بأنه في أصول الفقه، فمثلاً قال حاجي خليفة في [كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 2005) ط. دار إحياء التراث العربي -بيروت] "الورقات في الأصول. لإمام الحرمين: عبد الملك بن عبد الله الجويني، الشافعي". 

فهذا معناه أن الكتاب اسمه "الورقات" وأنه موضوع في علم الأصول، وأما من قال: "الورقات في أصول الفقه" فلزيادة الإيضاح ولعدم اللبس بأصول الدين، وإلا "فالأصول" متى أُطْلَِق ْت انصرفت إلى أصول الفقه لا أصول الدين.

  • نسبة الكتاب إلى مؤلفه: 

ليس في نسبة كتاب الورقات إلى مؤلفه إماِم الحرمين شك، فقد نسبه إليه كل الشراح والمحشين الذين شرحوا الكتاب أو حشوا عليه وعلى شروحه، وأيضا نسبه إليه بعض أصحاب كتب التراجم والطبقات كالتاج السبكي في طبقاته الكبرى، وقال الدكتور عبد الكريم النملة، رحمه الله، في مقدمة "الأنجم الزاهرات" (ص 25): "جميع نسخ الكتاب المخطوطة والمطبوعة قد ثبت فيها أنه منسوب لإمام الحرمين"، ولكن شك بعضهم في نسبته لوجود بعض الأحكام على خلاف منهج الأشاعرة.

  • موضوعات الكتاب ومنهج المؤلف فيه: 

اشتمل متن الورقات على مقدمة وعشرين بابا شملت أهم مباحث علم الأصول، ونهج المؤلف فيها منهج الاختصار، ومع هذا فإنك تجد فيها من المباحث ما لا يكاد يوجد مجموعاً في غيره من المختصرات، بل ومن بعض المطولات، وهاك سرد لهذه الأبواب:

بدأ المصنف أولاً بمقدمة تكلم فيها على معنى أصول الفقه، وذكر أنه مكون من جزأين: "أصول" و"فقه"، فتكلم عن تعريفكل منهما وذََكَر تعريف الفرع استطراداً لمَّا ذََكَر تعريف الأصل.

ثم تكلم عن أنواع الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والمندوب ...الخ وزاد عليها من الأحكام الوضعية حكمين وهما: الصحيح والباطل، فصارت الأحكام عنده سبعة، ولم يفرق بين التكليفية والوضعية.

ثم ذََكَر مقدمةً منطقية تكلم فيها على تعريف العلم والجهل، والعلم الضروري والمكتسب والنظر والاستدلال، والدليل والظن والشك.

ثم عَّرف "أصول الفقه" باعتباره علًَما على هذا العلم المعروف.

ثم ذََكَر أبواب أصول الفقه التي سيتكلم عليها على سبيل الإجمال أولاً، ثم تكلم عليها بعد ذلك تفصيلا بما يناسب المبتدئ وعددها عشرون بابا وهي:

1-أقسام الكلام

2-الأمر

3-النهي

4-العام

5-الخاص

6-المُجمل

7-المُبَـَّين

8-الظاهر

9-المؤَّول

10-الأفعال

11-النسخ

12-الإجماع

13-الأخبار

14-القياس

15-الحظر والإباحة

16-ترتيب الأدلة

17-صفة المفتي

18-صفة المستفتي

19- التقليد

20-الاجتهاد

وقد عدها الشمس المارديني تسعة عشر فأسقط منها المؤول.

تميُّز أسلوب المؤلف -رحمه الله:

وقد تميز أسلوب المصنف، رحمه الله، بالسهولة واليْسِر والبعد عن التعقيد اللفظي والمعنوي، وعدم ذكر الخلاف إلا نادرا، وإنما يذكر الراجح عنده، وأحيانا الأقرب والأيسر للطالب المبتدئ، وقد يكون غير راجح عنده فيخالفه في البرهان، أو لعله تغير رأيه؛ كتعريف العلم فإنه عرفه هنا، وذكر في البرهان أنه لا يمكن تعريفه.

شروحه وحواشيه ومنظوماته ومختصراته:

أول – شروحه: اهتم العلماء بهذا المتن اهتماما كبيرا فشرحوه شروحاً كثيرة ما بين مختصر ومتوسط وُمسِهب، فمن ذلك -على ترتيب الوفيات:

1-شرح ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح المتوفى سنة 643هـ، لم يطبع، ذكره عبد الله الحبشي في [جامع الشروح والحواشي (3/ 2128) ط. المجمع الثقافي –أبو ظبي]، ثم قال: "انفرد بذكره بروكلمان 4: 40 وتحقق نسبته إلى المذكور." ا.هـ.

 قلت: إن صحت نسبته كان هو أول الشروح على الورقات لا شرح ابن الفركاح الآتي بعده.

2- شرح ابن الفركاح: تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الشهير بابن الفركاح، توفي سنة 690 هـ، وهو أول شرح على متن الورقات إن لم يكن لابن الصلاح شرح على الورقات، وشرح ابن الفركاح مطبوع.

3-شرح ورقات إمام الحرمين لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، المتوفى سنة 793هـ، لم يطبع، وهناك شك في نسبة هذا الشرح للتفتازاني.

4-شرح الورقات لأبي بكر يحيى بن عبد الله بن محمد بن زكريا الغرناطي، المتوفى سنة 806 هـ، لم يطبع.

5-شرح المحلي: العالم العلامة المحقق جلال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الَْمحلِي، كان حاد الذكاء جدا حتى قيل: إن ذكاءه يثقب الَْماس، توفي سنة 864هـ وهو شرح مختصر محرر، وعليه حواش كثيرة. طُبِع عدة طبعات.

6-حاشية على الورقات، تأليف: عثمان بن يوسف بن عثمان الحموي المتوفى سنة 868 هـ. مخطوط

7-الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات لشمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني، توفي سنة 871 هـ. مطبوع.

8-شرح ابن إمام الكاملية: وهو كمال الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن إمام الكاملية المتوفى سنة 874 هـ. مطبوع.

9-التحقيقات شرح الورقات، تأليف: سراج الدين عمر بن أحمد بن محمد المصري الشافعي البلبيسي الإسكندري المتوفى سنة 878 هـ. مخطوط.

10-شرح الورقات، لزين الدين القاسم بن قطلوبغا المصري الحنفي المتوفى سنة 879 هـ. مخطوط.

11-شرح الورقات لابن قاوان: حسين بن أحمد بن محمد الكيلاني المعروف بابن قاوان، المتوفى سنة 889 هـ. مطبوع.

12-غاية المرام في شرح مقدمة الإمام، تأليف: أبي العباس أحمد بن عمر بن زكري التلمساني المالكي المتوفى سنة 899 هـ. مطبوع.

13-إدراكات الورقات، تأليف: علاء الدين أبي الحسن علي بن ناصر بن محمد بن أحمد البلبيسي المكي الشافعي ويعرف بالحجازي، المتوفى سنة 915 هـ. مخطوط.

14-شرح الورقات، تأليف شيخ الإسلام: أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري، المتوفى سنة 926هـ. مخطوط.

15-قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكي: أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني الشهير بالحطاب المالكي، توفي سنة 954هـ. مطبوع، ويعتبر هذا الشرح شرحاً للورقات ولشرح المحلي كما ذكر مؤلفه في المقدمة.

16-الشرح الصغير على الورقات لابن قاسم العبادي المتوفى سنة 994هـ، وهو اختصار للشرح الكبير الآتي ذكره. مطبوع.

ثانيا – حواشيه: 

حظيت بعض الشروح بوضع حوا ٍش عليها من قِبَِل ثـُلٍَّة من العلماء، فمن ذلك:

1-الشرح الكبير على الورقات للعبادي: أبي العباس شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي المصري الشافعي المتوفى سنة 994 هـ، وهي حاشية على شرح الجلال المحلي على الورقات، وقد طبعته دار الكتب العلمية، ثم طبعته مؤسسة قرطبة محققا.

2-حاشية على شرح المحلي لأحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي المتوفى سنة 995 هـ، مخطوط.

3-حاشية على شرح الورقات للمحلي لنور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي المتوفى سنة 1044 هـ، مخطوط.

4-حاشية الدمياطي: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبنا، المتوفى سنة 1117 هـ على شرح الجلال المحلي على الورقات. مطبوع.

5-حاشية عبادة على شرح المحلي على الورقات، تأليف: محمد عبادة بن بري الضرير المصري المالكي، المتوفى سنة 1193 هـ، مخطوط.

6-حاشية على قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين، تأليف: أبي عبد الله محمد بن حسين بن عبد الرزاق السوسي التونسي المعروف بالهدة، المتوفى سنة 1197 هـ. مطبوع.

7-تقريرات على شرح المحلي على الورقات، تأليف: محمد بن صالح السباعي، المتوفى سنة 1268 هـ، مخطوط.

8-حاشية على شرح المحلي على الورقات، تأليف محمد بن عبد السلام بن حم الظاهري المغربي المتوفى سنة 1339 هـ، مخطوط.

9-شرح النجاري على شرح المحلي على الورقات، تأليف: علي بن علي بن أحمد النجاري (البخاري)، مخطوط.

10-النفحات على شرح الورقات، لأحمد الخطيب بن عبد اللطيف بن عبد الله المنكابو الجاوي، حاشية على شرح المحلي. مطبوع.

11-الثمرات على الورقات، تأليف: خضر محمد اللجمي [معاصر] وهو تعليقات على الورقات وشرحها للمحلي. مطبوع.

وغير ذلك كثير من الشروح والحواشي، وأكثر المعاصرين شرحوا الورقات لسهولة هذا المتن وقـُْربِه من المبتديء في هذا العلم، فهو أول متن يبدأ به في علم الأصول

ثالثا – منظوماته: 

لم يقتصر اهتمام العلماء بهذا المتن على شرحه والتحشية عليه وعلى شروحه، بل قاموا بنظمه أيضا، ومن هذه المنظومات:

1-نظم الورقات، تأليف: أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الطوخي المعروف بابن رجب الشافعي، المتوفى سنة 893 هـ. مخطوط

2- الدرر المشرقات في نظم الورقات، تأليف: كمال الدين محمد بن محمد المقدسي المعروف بابن أبي شريف، المتوفى سنة 906 هـ، مخطوط.

3-تسهيل الطرقات بنظم الورقات، تأليف: شرف الدين يحيى بن موسى بن رمضان العمريطي المتوفى سنة 989 هـ، مطبوع، وهو أشهر منظوماته، وعليه عدة شروح منها شرح العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وشرح الشيخ عبد الحميد بن قدس، وكلاهما مطبوع، وله شروح أخرى.

4-نظم الورقات، تأليف: أبي بكر بن أبي القاسم الأهدل، المتوفى سنة 1035 هـ، مخطوط.

5-نظم الورقات، تأليف: عبد الجواد بن شعيب بن أحمد بن عباد القنائي المصري، المتوفى سنة 1073 هـ، مخطوط.

6-نظم الورقات، تأليف: محمد بن إبراهيم بن مفضل اليمني، المتوفى سنة 1085 هـ، مخطوط. وهذا النظم له شرح اسمه: سلك اللآلي المنتسقات بشرح نظم الورقات لعبد الرحمن بن محمد بن علي العمراني اليمني، المتوفى سنة 1272 هـ.

7-نظم الورقات، تأليف: أبي عبد الله محمد بن القاسم بن زاكور الفاسي المالكي، المتوفى سنة 1120 هـ. مطبوع مع شرحه المسمى "شرح نظم الورقات لابن زاكور" تأليف: محمد بن أحمد بن جلون، المتوفى سنة 1136 هـ.

8-الشذرات الفاخرة في نظم الورقات الفاخرة، تأليف: عثمان بن سند الوائلي النجدي البصري، المتوفى سنة 1242 هـ، مخطوط.

ِ 9-منَح الَفَّعال نظم الورقات، تأليف: محمد بن المختار بن أحمد بن أبي بكر الوافي الكنتي الشنقيطي، المتوفى سنة 1244 هـ، وقد شرحه في "ترجمان المقال ورفع الإشكال شرح منح الفعال"، وكلاهما مخطوط.

10-نظم ورقات إمام الحرمين، تأليف: أحمد بن بابا بن عثمان بن محمد الشنقيطي، المتوفى بعد سنة 1250 هـ، مخطوط.

11-نظم الورقات لإمام الحرمين، تأليف: التجاني بن باب بن أحمد الشنقيطي، المتوفى بعد سنة 1260 هـ، مخطوط.

وهناك منظومات أخرى.

رابعا – مختصراته: 

وهذا من العجب؛ إذ إن هذا المتن من الاختصار بحيث يحتاج إلى مزيد بيان وإسهاب لا إلى مزيد اختصار، وعلى كل فهذا مما يدل على شدة اعتناء العلماء واهتمامهم بهذا المتن، وقد ذكر حايف النبهان في تحقيقه لمتن الورقات [الورقات في أصول الفقه لإمام الحرمين ت. حايف النبهان – مقدمة التحقيق (ص 22)ط. دار الظاهرية بالكويت] اثنين ممن قام باختصاره وهما:

1- إبراهيم بن موسى بن بلال الكركي الشافعي (ت 853 هـ،) قال البقاعي: "واختصر ورقات الإمام في مقدار نصفها"

2- علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد البكري الصديقي الشافعي (ت 952هـ،) وشرح هذا المختصر عبد الحق بن عبد المنان






الأربعاء، 15 سبتمبر 2021

كتاب آداب المعلمين تصنيف محمد بن سُحنون (202 -256 هـ)

كتاب آداب المعلمين

تصنيف محمد بن سُحنون (202 -256 هـ)

تحقيق حسن حُسني عبد الوهاب

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ بعد مُضي القرون الزاهية، وذهاب العصور النامية، التي حملت معها أزهى مظاهر الرُّقي، وأجمل ذكريات الزمان، حيث ينشأ الصبيان في أجواء مُفعمة بالفطرة والبساطة، مع قلة المال، وهدأة البال، وصلاح الحال، وضعف الملهيات، وذاكرة قويَّة يُغذيها بكتاب الله وأحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكثرة المؤدبين، ووفور العلماء، كل هذه الأمور جعلت من الصبيَِّ وهو في مقتبل العمر إماماً في مسجده، وطالباً ذكياً من النجباء، وسهلت عليه بعد ذلك التمرُّس بالعلوم الشرعية والعقلية والمنطقية والطبيعية، والمتتبع لسير سلفنا الصالح يجد هذه النماذج بكثرة، وقد كان يُضرب المثل في زمانهم بحسن التربية والأدب والتعليم.

ولا شك أن هذا الكتاب وغيره يُقدم صورةً مشرقة عن النظام التربوي لدى سلفنا الصالح، والذي اعتبر أن الإنسان لديه القابلية لاكتساب العلوم والمعارف والقيم والاتجاهات الصحيحة والتخلي عن ضدها، وذلك عن طريق التربية والتعليم والتدريب، استناداً إلى مرونة الذات الإنسانية التي يمكن أخذها بالتدرج، وإمكانية تعديل المعتقدات والتصورات والمفاهيم والمواقف؛ وهذا النظام التربوي العميق الذي نقرؤه في هذه الرسالة وغيرها يمثل مناط الرسالات السماوية، التي جاءت لتعديل المعتقدات والتصورات الخاطئة، اعتمادا على كون الفكر البشري قابلا لإعادة التشكيل.

ولو رجعنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لوجدنا ما يؤكد على مرونة الفطرة الإنسانية، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل: 78]

وهذا الكتاب فيه جملةٌ من الآداب والأحكام والمسائل الضرورية التي ينبغي على المعلم معرفتها، وامتثال ما فيها، سواءً في المدرسة أو في حلقة القرآن أو تدريس السُّنة، وقد تضمنت جملةً من الأحاديث النبوية بلغت (ثلاثة عشر) حديثاً، وبضعة آثار موقوفة ومقطوعة، وكثيرٌ من مسائل الإمام مالك، والإمام سحنون، التي يرويها عنه ابنه محمد بن سحنون.

وقد خدم المحقق هذا الكتاب خدمةً جليلة حيث ترجم للمؤلف محمد بن سحنون ترجمةً وافية، وذكر لمحةً عن الكتاتيب بأفريقية: ظهورها، وتعليم البنات، طريقة التعليم في الكتاب،  وآلية انتخاب المعلمين، وأصول التربية قديماً، والرياضة البدنية للأطفال، وحياة الكتاب الاجتماعية، ومشاهير المؤدبين في أفريقية، ثم ختم بآراء العلماء في تدرج الصبي في تعلم العلوم؛ فتعرض لآراء ابن العربي، وابن خلدون، ثم ذكر جملةً من مشاهير المعلمين في صدر الإسلام وبلدانهم.

ويمكن إجمال مواضيع الكتاب فيما يلي:

أولاً: ما جاء في تعليم القرآن.

قال ابن وهب، وقال مالك: "لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن، وإن اشترط شيئاً، كان حلالاً جائزاً، ولا بأس بالاشتراط في ذلك، وحقُّ الختمة: له واجبٌ، اشترطها أو لم يشترطها، وعلى ذلك أهل العلم ببلدنا، في المعلمين".

ثانياً: ما جاء في العدل بين الصبيان.

ثالثاً: باب ما يُكره محوه من ذكر الله تعالى،ـ وما ينبغي أن يفعل من ذلك.

رابعاً: ما جاء في الأدب وما يجوز من ذلك وما لا يجوز.

قال محمد: "ولا بأس أن يضرب المعلم تلاميذه على منافعهم، ولا يُجاوز بالأدب ثلاثاً، إلا أن يأذن الأب في أكثر من ذلك إذا آذى أحداً، ويؤدبهم على اللعب والبطالة، ولا يُجاوز بالأدب عشرةً، لأن العشرة غاية الأدب، وأما على قراءة القرآن فلا يُجاوز أدبه ثلاثاً".

خامساً: ما جاء في الختم، وما يجب في ذلك للمعلم.

وهو مبلغٌ من المال يدفعه أهل الصبيِّ للمؤدب، ويكون بحسب يُسر الرجل أو عُسره.

سادساً: ما جاء في القضاء في عطية العيد

سابعاً: ما ينبغي أن يُخلى الصبيان فيه (يعني الإجازة في الأعياد وغيرها).

ثامناً: ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان.

تاسعاً: ما جاء في إجازة المعلم ومتى تجب.

عاشراً: باب ما جاء في إجارة المصحف وكتب الفقه وما شابهها.




السبت، 11 سبتمبر 2021

كتاب العلم والحلم تصنيف الإمام الزاهد أبي الحسن بن أبي إياس العسقلاني

كتاب العلم والحلم

تصنيف الإمام الزاهد أبي الحسن بن أبي إياس العسقلاني

شيخ البخاري وأبي زرعة وأبي حاتم وغيرهم

(132 -220 هـ)

تحقيق وتقديم أ. د. عامر حسن صبري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا جزءٌ حديثيٌّ نفيس؛ لإمام الأئمة، وأحد زهاد الشام الكبار، الذين اشتهروا بالعلم والضبط والحرص على السُّنن: أبو الحسن آدم بن أبي إياس المروذي، ثم العسقلاني، وقد قدم عسقلان واستقرَّ بها إلى أن مات بها، وكتابه هذا هو أقدم ما صُنِف في العلم والحلم، فجاء كتابه في توازنٍ فطريٍّ عجيب، ممتزجٍ بأدلة الشرع العظيمة، وإذا اجتمع العلم والحلم تفجرت ينابيع الحكمة على لسان المرء وفي قلبه.

وكعادة المؤلفين القُدامى يوردون الأحاديث بأسانيدهم، ويجمعون فيها بين الموقوف و المرفوع والمقطوع، وبين الصحيح والضعيف والواهي وبعض الإسرائيليات، وذلك أنهم كانوا يرون جواز رواية الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال والترغيب والترهيب والثواب والعقاب -دون ما كان في الأحكام والعقائد، ودون ما كان موضوعاً، كما هو قول جماهير المحدثين، وقد وقعت بعض الأحاديث الموضوعة في الكتاب.

وقد رتب المؤلف -رحمه الله -كتابه هذا على الأبواب، ووضع لها تراجم مختصرة، تُعطي فكرة واضحة عما اشتملت عليه من أحاديث وآثار.

وقد حقق الدكتور عامر صبري -هذا الكتاب تحقيقاً في غاية النفع والاتقان: على نسخة خطية ناقصة من أولها وآخرها =وهي الوحيدة التي عثر عليها، والنقص من أولها أكثر من النقص من آخرها، ولا يُعرف اسم ناسخها، ولا تاريخ نسخها، ولكن نسبتها لمؤلفها ثابتٌ بالشواهد والأدلة الكثيرة، والتي أبرزها أن الحُفاظ ذكروا الكتاب ونسبوه لمؤلفه ونقلوا عنه في كتبهم. 

وقد جاء فيما بقي من القسم الأول (10) آثار جليلة عن السلف رضوان الله عليهم في تعظيم الفتيا، وترك التكثُّر بالعلم والمباهاة به، وقصد وجه الكريم سبحانه وتعالى، وأما القسم الثاني، فجاء فيه (297) حديثاً وأثراً، منها (60) حديثاً مرفوعاً، وفيها الواهي والموضوع، والضعيف، فيكون جملة ما فيه من الآثار والأحاديث (307) حديثاً واثراً، في (35) باباً، كما يلي:

باب من يستحي من التعليم أو يتكبّر عنه -باب التجمُّل بالعلم

باب التكثُّر بالعلم والتحاسد- باب من تعلم العلم ليُباهي به، أو ليماري به

باب السؤال عما جهل- باب من أفتى بغير علم

باب في العالم إذا نسي علمه- بابٌ فيمن يعلم ولا يعمل

باب فضل تعلُّم العلم- باب العالم بعد الموت

باب ذهاب العلم- باب فضل العالم على العابد

باب ما يُقال للعالم يوم القيامة- باب زلَّةِ العلماء

باب العالم إذا طلب الدُّنيا- بابٌ فيمن يُحدِّث بكل ما سمع

بابٌ فيمن يُفتي بكل ما سُئل- بابٌ فيمن يُفتي برأيه، أو يُشئل عمّا لا يعلم

باب من تعلّم العلم شابَّاً، ومن تعلمه شيخاً- باب من يُكثر السؤال

باب وضع العلم في غير أهله، ومنعه أهله- بابٌ فيمن يُعجب بعلمه

باب أخذ العلم من غير أهله- باب كتاب العلم

باب مُعارضة الكتب- باب العطاس عند الحديث

باب مجالس العلم- باب إعادة الحديث

باب مذاكرة الحديث- باب ذمِّ كتم العلم

باب نسيان العلم- باب محو الكتب وحرقها

باب الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم

باب اختلاف أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم- باب التقديم والتأخير في الحديث

باب العقل -باب الرغبة في طلب العلم

وقد تميَّز منهج المؤلف رحمه الله-بما يمثله من منهج السلف الصالح -بأمور منها:

1-الدعوة إلى اتباع كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل قضية من قضايا العلم والعمل.

2-الدعوة إلى الالتزام بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- عدم مجادلة أهل البدع أو مجالستهم أو سماع كلامهم، أو عرض شبههم، إلا في حال الرد عليها.

4- عدم الخوض في الأمور الغيبية مما لا مجال للعقل البشري بها.

5- الحرص على جماعة المسلمين، ووحدة كلمتهم.

شيوخ آدم بن أبي إياس، مع بيان وفياتهم، ودرجتهم في التوثيق والتضعيف:

1- إبراهيم بن سعد: بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ت 185 هـ =ثقة.

2-إسرائيل بن يونس السبيعي، ت 160 هـ =ثقة.

3- إسماعيل بن عياش الحمصي، ت 182 هـ =صدوق مختلط.

4- أيوب بن عتبة، ت 160 هـ =ضعيف.

5- بقية بن الوليد، ت 197 هـ =صدوق كثير التدليس.

6- بكر بن خُنيس الكوفي، ت ؟ =ضعيف.

7- جرير بن حازم الأزدي، ت 170 هـ =ثقة.

8- حِبّان بن علي العنزي، ت 171 هـ =ضعيف.

9- حريز بن عثمان الرَّحبي، ت 163 هـ، =ثقة ثبت.

10- حفص بن ميسرة الصنعاني، ت 181 هـ =ثقة.

11- حماد بن زيد بن درهم الكوفي، ت 179 هـ =ثقة.

12- حماد بن سلمة بن دينار البصري، ت 167 هـ =ثقة.

13- الربيع بن صبيح، ت 160 هـ =صدوق عابد.

14- سليمان بن حيّان الأزدي، ت 190 هـ= صدوق يخطئ.

15- شريك بن عبد الله النخعي، ت 177 هـ =صدوق يخطئ.

16- شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، ت 160 هـ =ثقة إمام.

17- شعيب بن زريق الشامي، ت ؟ =صدوق يخطئ.

18- شيبان بن عبد الرحمن التميمي، ت 164 هـ =ثقةٌ فاضل.

19- ضمرة بن ربيعة الفلسطيني، ت 202 هـ =صدوق يخطئ.

20- عبّاد بن عبّاد الرملي، ت ؟ =صدوق يهم.

21- عبد الرحمن بن أبي الزناد، ت 174 هـ =صدوق يُخطئ.

22- عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، ت 160 هـ =دوق اختلط قبل موته.

23- عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون، ت 164 هـ =ثقة فقيه.

24- عبد الله بن داود الهمداني، ت 213 ه = ثقة عابد.

25-عطاف بن خالد المخزومي، ت قبل 179 هـ= صدوق.

26- عُقبة بن عبد الله الرفاعي، ت ؟ =ضعيف.

27- عون بن موسى أبو روح البصري، ت ؟ =ثقة.

28- عيسى بن ماهان، ت 160 هـ =صدوق سيء الحفظ.

29- عيسى بن ميمون المدني، ت ؟ =ضعيف.

30- فرج بن فضالة، ت 177 هـ =ضعيف.

31- القاسم بن يزيد أبو صفوان العامري، ت 227 هـ =ثقة.

32- قيس بن الربيع الأسدي، ت 163 هـ =صدوق تغير بأخرة.

33- الليث بن سعد المصري، ت 175 هـ =ثقة ثبت إمام.

34- المبارك بن فضالة القرشي، ت 164 هـ =صدوق، كثير التدليس.

35- محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك، ت 200 هـ =صدوق.

36- محمد بن سُليم الراسبي، ت 167 هـ =صدوق يخطئ.

37- محمد بن طلحة اليامي، ت 167 = صدوق يخطئ.

38- محمد بن فضل العبسي، ت 180 هـ =كذبوه.

39- محمد بن مُطرف الليثي، ت بعد 160 هـ =ثقة.

40-نجيح بن عبد الرحمن أبو معشر السندي، ت 170 هـ =ضعيف.

41- هشام بن زياد، ت ؟ =متروك الحديث.

42-هُشيم بن بشير، ت 183 هـ =ثقة كثير الإرسال.

43- الهيثم بن جمّاز البصري، ت ؟ =ضعيف الحديث.

44- ورقاء بن عمر اليشكري، ت ؟ =ثقة.

45- الوضاح أبو عوانة اليشكري، ت 175 هـ = ثقةٌ ثبت.

46- يحيى بن عيسى الخرّاز الكوفي، ت ؟ =ضعيف.

47- أبو عاصم، الضحاك بن مخلد ت 213 هـ =الإمام الثقة.

48- أبو مالك النخعي الواسطي، ت ؟ =ضعيف.




الثلاثاء، 7 سبتمبر 2021

الولاء والبراء في الإسلام سؤال وجواب إعداد: أبو عاصم البركاتي المصري

الولاء والبراء في الإسلام

سؤال وجواب

إعداد: أبو عاصم البركاتي المصري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة


تمهيد/ هذا كتاب عقديٌّ نفيس في صورة سؤال وجواب، ويتعلق بمبحث الولاء والبراء، الذي يعتبر من أهم المباحث المتعلقة بصحة الإيمان وكماله، وعلى أساسها تبتنى الكثير من أحكام الكفر والردة أو الفسوق والعصيان، وقد تضمن تسعةً وستين مسألة وجوابها.

ونحن أحوج ما نكون لمعرفة هذه المسائل -في الوقت الذي نصادف فيه طغيان الجاهلية المعاصرة على العالم الإسلامي أفراداً وجماعات، حكاماً ومحكومين، وقد انتُزعت فكرة الوحدة الإسلامية من قاموس المسلمين، ووضعت أمام ذلك كل العوائق والعقبات؛ ودبَّ شعور الضعف والعجز والاستكانة في نفوس كثيرين من أبناء هذه الأمة، وتحولت المولاة والمعاداة إلى قضايا سياسية ووطنية لا علاقة لها بالدين.

وفي هذا الكتاب الحديث عن معنى الولاء الذي هو القُرب والمحبة والنصرة، والبراء، الذي هو التنزه والبعد مع البغض والعداوة، وإلى من يُصرف كُلٌّ منهما، فيكون الولاء خالصاً لله وللرسول والمؤمنين، وذلك بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم دين الإسلام، ومحبة المسلمين، ونصرتهم، وفي المقابل البراءة من المشركين والكافرين والطواغيت التي تُعبد من دون الله، من الأصنام المادية والمعنةية؛ كالأهواء والآراء.

 وأدلة الولاء من الكتاب والسُّنة كثيرةٌ جداً، منها قول الله تعالى: {ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (المائدة: 56)، وقوله سبحانه: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة: 71)، وقال سبحانه: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} (آل عمران 28)، وقال جل شأنه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} (الممتحنة: 1).

وفيه بيان منزلة الولاء والبراء من الإسلام، وما يجتمع في الإنسان من الولاء والبراء، والمحبة والبغض، بحسب طاعته ومعصيته، واتباعه وابتداعه.

وحكم هجر المسلم العاصي، ومظاهر موالاة المؤمنين، ومظاهر معاداة الكافرين، وحكم الموالاة الصغرى للكافرين وحكم الموالاة الكبرى لهم.

وحكم التجسس للكفار على المسلمين، والأمور التي يُتوهم أنها من الموالاة وليست كذلك، ومباحث فرعية أخرى، مثل: معنى البر، وحكم مصادقة الكفار، ووصف النصارى بالمسيحيين.

وحكم السفر لبلاد الكفر، والتجنس بجنسية دولة كافرة، وحكم الاستعانة بالكفار في القتال، ومعاونة بعض الكفار في قتال بعضهم لبعض.

وحكم إعانة الكفار في حربهم للمسلمين، وحكم التشبه بالكفار وحكم مخالفتهم، أو التسمي بأسمائهم، وتقليدهم في سلوكياتهم.

وحكم عيادة مرضاهم، وأكل طعامهم، والاحتفال بأعيادهم، وتهنئتهم فيها، وتعزيتهم فيمن مات منهم، وحكم الاستغفار لموتاهم، والزواج من نسائهم، وزواج نسائنا منهم، وحق جوارهم، وحكم التسليم عليهم، ورده، ودفع الزكاة أو الصدقة لفقرائهم، وحكم قبول تبرعاتهم وأموالهم.

وحكم التهادي معهم، واستعمال منتجاتهم، وحكم استقدام عمالهم واستعمالهم، وحكم العمل لديهم، وحكم استعمال آنيتهم وثيابهم، والتوارث بيننا وبينهم، وحكم من صحح دينهم، والرضا بكفرهم، والتحاكم إلى قوانينهم.

وحكم الدعوة إلى توحيد الأديان، وتولية الكافر أمور المسلمين، وحكم بناء كنائسهم، وحكم القراءة في كتبهم، وبيع العقارات والأراضي لهم، والثمار الطيبة لتحقيق الولاء والبراء، والثمار السيئة لتضييع الولاء والبراء.