متن الورقات في أصول الفقه
لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني
(ت ٤٧٨ هـ)
لأبي معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ يعتبر متن الورقات من أخصر المتون المتعلقة بأصول الفقه، وهو أول متنٍ يبتدئ به طالب العلم، ومن ثمَّ ينتقل منه إلى غيره، وهو لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، نسبةً إلى جُوين بلدة بنواحي نيسابور، وكان إماماً عالماً فقيهاً، ومدحه كثيرون وأثنوا على علمه، وله المؤلفات العظيمة، أبرزها "نهاية المطلب في دراية المذهب"، الذي قال عنه ابن خلكان: "لم يؤلف في الإسلام مثله"، وله "البرهان"، و"التلخيص" في أصول الفقه، ودخل الجويني في علم الكلام ومال في آرائه إلى المعتزلة، وكان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم الجبائي، وناله من ذلك شيء، نسأل الله سبحانه أن يغفر له، ويتجاوز عنه.
وأشير هنا إلى ما كتبه الشيخ أبو معاذ إبراهيم المحمدي الشناوي في الباب الثاني من كتابه النفيس حقيقةً "تذليل العقبات بإعراب الورقات" مع حاشيته المليئة بالفوائد والنفائس، وهو بعنوان: التعريف بكتاب الورقات وشروحه وحواشيه، وذكر فيه:
1-اسم الكتاب.
2-نسبة الكتاب إلى مؤلفه
3-موضوعات الكتاب ومنهج المؤلف فيه
4-شروحه وحواشيه ومنظوماته ومختصراته
اسم الكتاب:
"الورقات"، وفي بعض النسخ: "الورقات في أصول الفقه".
وفي بعضها: "الورقات في الأصول".
ورجح الدكتور عبد الكريم النملة، رحمه الله، الاسَم الثاني [الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات لشمس الدين محمد بن عثمان المارديني تحقيق: د. عبد الكريم النملة (ص 25) مقدمة المحقق، ط. الرشد] وذكر سببين لا ينهضان دليلاً على ما ذهب إليه.
والظاهر، والله أعلم، أن اسمه "الورقات" فقط بدون زيادة، وأن ما بعده توضيح وشرح للكتاب بأنه في أصول الفقه، فمثلاً قال حاجي خليفة في [كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون (2/ 2005) ط. دار إحياء التراث العربي -بيروت] "الورقات في الأصول. لإمام الحرمين: عبد الملك بن عبد الله الجويني، الشافعي".
فهذا معناه أن الكتاب اسمه "الورقات" وأنه موضوع في علم الأصول، وأما من قال: "الورقات في أصول الفقه" فلزيادة الإيضاح ولعدم اللبس بأصول الدين، وإلا "فالأصول" متى أُطْلَِق ْت انصرفت إلى أصول الفقه لا أصول الدين.
نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
ليس في نسبة كتاب الورقات إلى مؤلفه إماِم الحرمين شك، فقد نسبه إليه كل الشراح والمحشين الذين شرحوا الكتاب أو حشوا عليه وعلى شروحه، وأيضا نسبه إليه بعض أصحاب كتب التراجم والطبقات كالتاج السبكي في طبقاته الكبرى، وقال الدكتور عبد الكريم النملة، رحمه الله، في مقدمة "الأنجم الزاهرات" (ص 25): "جميع نسخ الكتاب المخطوطة والمطبوعة قد ثبت فيها أنه منسوب لإمام الحرمين"، ولكن شك بعضهم في نسبته لوجود بعض الأحكام على خلاف منهج الأشاعرة.
موضوعات الكتاب ومنهج المؤلف فيه:
اشتمل متن الورقات على مقدمة وعشرين بابا شملت أهم مباحث علم الأصول، ونهج المؤلف فيها منهج الاختصار، ومع هذا فإنك تجد فيها من المباحث ما لا يكاد يوجد مجموعاً في غيره من المختصرات، بل ومن بعض المطولات، وهاك سرد لهذه الأبواب:
بدأ المصنف أولاً بمقدمة تكلم فيها على معنى أصول الفقه، وذكر أنه مكون من جزأين: "أصول" و"فقه"، فتكلم عن تعريفكل منهما وذََكَر تعريف الفرع استطراداً لمَّا ذََكَر تعريف الأصل.
ثم تكلم عن أنواع الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والمندوب ...الخ وزاد عليها من الأحكام الوضعية حكمين وهما: الصحيح والباطل، فصارت الأحكام عنده سبعة، ولم يفرق بين التكليفية والوضعية.
ثم ذََكَر مقدمةً منطقية تكلم فيها على تعريف العلم والجهل، والعلم الضروري والمكتسب والنظر والاستدلال، والدليل والظن والشك.
ثم عَّرف "أصول الفقه" باعتباره علًَما على هذا العلم المعروف.
ثم ذََكَر أبواب أصول الفقه التي سيتكلم عليها على سبيل الإجمال أولاً، ثم تكلم عليها بعد ذلك تفصيلا بما يناسب المبتدئ وعددها عشرون بابا وهي:
1-أقسام الكلام
2-الأمر
3-النهي
4-العام
5-الخاص
6-المُجمل
7-المُبَـَّين
8-الظاهر
9-المؤَّول
10-الأفعال
11-النسخ
12-الإجماع
13-الأخبار
14-القياس
15-الحظر والإباحة
16-ترتيب الأدلة
17-صفة المفتي
18-صفة المستفتي
19- التقليد
20-الاجتهاد
وقد عدها الشمس المارديني تسعة عشر فأسقط منها المؤول.
تميُّز أسلوب المؤلف -رحمه الله:
وقد تميز أسلوب المصنف، رحمه الله، بالسهولة واليْسِر والبعد عن التعقيد اللفظي والمعنوي، وعدم ذكر الخلاف إلا نادرا، وإنما يذكر الراجح عنده، وأحيانا الأقرب والأيسر للطالب المبتدئ، وقد يكون غير راجح عنده فيخالفه في البرهان، أو لعله تغير رأيه؛ كتعريف العلم فإنه عرفه هنا، وذكر في البرهان أنه لا يمكن تعريفه.
شروحه وحواشيه ومنظوماته ومختصراته:
أول – شروحه: اهتم العلماء بهذا المتن اهتماما كبيرا فشرحوه شروحاً كثيرة ما بين مختصر ومتوسط وُمسِهب، فمن ذلك -على ترتيب الوفيات:
1-شرح ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح المتوفى سنة 643هـ، لم يطبع، ذكره عبد الله الحبشي في [جامع الشروح والحواشي (3/ 2128) ط. المجمع الثقافي –أبو ظبي]، ثم قال: "انفرد بذكره بروكلمان 4: 40 وتحقق نسبته إلى المذكور." ا.هـ.
قلت: إن صحت نسبته كان هو أول الشروح على الورقات لا شرح ابن الفركاح الآتي بعده.
2- شرح ابن الفركاح: تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الشهير بابن الفركاح، توفي سنة 690 هـ، وهو أول شرح على متن الورقات إن لم يكن لابن الصلاح شرح على الورقات، وشرح ابن الفركاح مطبوع.
3-شرح ورقات إمام الحرمين لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، المتوفى سنة 793هـ، لم يطبع، وهناك شك في نسبة هذا الشرح للتفتازاني.
4-شرح الورقات لأبي بكر يحيى بن عبد الله بن محمد بن زكريا الغرناطي، المتوفى سنة 806 هـ، لم يطبع.
5-شرح المحلي: العالم العلامة المحقق جلال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الَْمحلِي، كان حاد الذكاء جدا حتى قيل: إن ذكاءه يثقب الَْماس، توفي سنة 864هـ وهو شرح مختصر محرر، وعليه حواش كثيرة. طُبِع عدة طبعات.
6-حاشية على الورقات، تأليف: عثمان بن يوسف بن عثمان الحموي المتوفى سنة 868 هـ. مخطوط
7-الأنجم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات لشمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني، توفي سنة 871 هـ. مطبوع.
8-شرح ابن إمام الكاملية: وهو كمال الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن إمام الكاملية المتوفى سنة 874 هـ. مطبوع.
9-التحقيقات شرح الورقات، تأليف: سراج الدين عمر بن أحمد بن محمد المصري الشافعي البلبيسي الإسكندري المتوفى سنة 878 هـ. مخطوط.
10-شرح الورقات، لزين الدين القاسم بن قطلوبغا المصري الحنفي المتوفى سنة 879 هـ. مخطوط.
11-شرح الورقات لابن قاوان: حسين بن أحمد بن محمد الكيلاني المعروف بابن قاوان، المتوفى سنة 889 هـ. مطبوع.
12-غاية المرام في شرح مقدمة الإمام، تأليف: أبي العباس أحمد بن عمر بن زكري التلمساني المالكي المتوفى سنة 899 هـ. مطبوع.
13-إدراكات الورقات، تأليف: علاء الدين أبي الحسن علي بن ناصر بن محمد بن أحمد البلبيسي المكي الشافعي ويعرف بالحجازي، المتوفى سنة 915 هـ. مخطوط.
14-شرح الورقات، تأليف شيخ الإسلام: أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري، المتوفى سنة 926هـ. مخطوط.
15-قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكي: أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني الشهير بالحطاب المالكي، توفي سنة 954هـ. مطبوع، ويعتبر هذا الشرح شرحاً للورقات ولشرح المحلي كما ذكر مؤلفه في المقدمة.
16-الشرح الصغير على الورقات لابن قاسم العبادي المتوفى سنة 994هـ، وهو اختصار للشرح الكبير الآتي ذكره. مطبوع.
ثانيا – حواشيه:
حظيت بعض الشروح بوضع حوا ٍش عليها من قِبَِل ثـُلٍَّة من العلماء، فمن ذلك:
1-الشرح الكبير على الورقات للعبادي: أبي العباس شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي المصري الشافعي المتوفى سنة 994 هـ، وهي حاشية على شرح الجلال المحلي على الورقات، وقد طبعته دار الكتب العلمية، ثم طبعته مؤسسة قرطبة محققا.
2-حاشية على شرح المحلي لأحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي المتوفى سنة 995 هـ، مخطوط.
3-حاشية على شرح الورقات للمحلي لنور الدين علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي المتوفى سنة 1044 هـ، مخطوط.
4-حاشية الدمياطي: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبنا، المتوفى سنة 1117 هـ على شرح الجلال المحلي على الورقات. مطبوع.
5-حاشية عبادة على شرح المحلي على الورقات، تأليف: محمد عبادة بن بري الضرير المصري المالكي، المتوفى سنة 1193 هـ، مخطوط.
6-حاشية على قرة العين في شرح ورقات إمام الحرمين، تأليف: أبي عبد الله محمد بن حسين بن عبد الرزاق السوسي التونسي المعروف بالهدة، المتوفى سنة 1197 هـ. مطبوع.
7-تقريرات على شرح المحلي على الورقات، تأليف: محمد بن صالح السباعي، المتوفى سنة 1268 هـ، مخطوط.
8-حاشية على شرح المحلي على الورقات، تأليف محمد بن عبد السلام بن حم الظاهري المغربي المتوفى سنة 1339 هـ، مخطوط.
9-شرح النجاري على شرح المحلي على الورقات، تأليف: علي بن علي بن أحمد النجاري (البخاري)، مخطوط.
10-النفحات على شرح الورقات، لأحمد الخطيب بن عبد اللطيف بن عبد الله المنكابو الجاوي، حاشية على شرح المحلي. مطبوع.
11-الثمرات على الورقات، تأليف: خضر محمد اللجمي [معاصر] وهو تعليقات على الورقات وشرحها للمحلي. مطبوع.
وغير ذلك كثير من الشروح والحواشي، وأكثر المعاصرين شرحوا الورقات لسهولة هذا المتن وقـُْربِه من المبتديء في هذا العلم، فهو أول متن يبدأ به في علم الأصول
ثالثا – منظوماته:
لم يقتصر اهتمام العلماء بهذا المتن على شرحه والتحشية عليه وعلى شروحه، بل قاموا بنظمه أيضا، ومن هذه المنظومات:
1-نظم الورقات، تأليف: أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الطوخي المعروف بابن رجب الشافعي، المتوفى سنة 893 هـ. مخطوط
2- الدرر المشرقات في نظم الورقات، تأليف: كمال الدين محمد بن محمد المقدسي المعروف بابن أبي شريف، المتوفى سنة 906 هـ، مخطوط.
3-تسهيل الطرقات بنظم الورقات، تأليف: شرف الدين يحيى بن موسى بن رمضان العمريطي المتوفى سنة 989 هـ، مطبوع، وهو أشهر منظوماته، وعليه عدة شروح منها شرح العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وشرح الشيخ عبد الحميد بن قدس، وكلاهما مطبوع، وله شروح أخرى.
4-نظم الورقات، تأليف: أبي بكر بن أبي القاسم الأهدل، المتوفى سنة 1035 هـ، مخطوط.
5-نظم الورقات، تأليف: عبد الجواد بن شعيب بن أحمد بن عباد القنائي المصري، المتوفى سنة 1073 هـ، مخطوط.
6-نظم الورقات، تأليف: محمد بن إبراهيم بن مفضل اليمني، المتوفى سنة 1085 هـ، مخطوط. وهذا النظم له شرح اسمه: سلك اللآلي المنتسقات بشرح نظم الورقات لعبد الرحمن بن محمد بن علي العمراني اليمني، المتوفى سنة 1272 هـ.
7-نظم الورقات، تأليف: أبي عبد الله محمد بن القاسم بن زاكور الفاسي المالكي، المتوفى سنة 1120 هـ. مطبوع مع شرحه المسمى "شرح نظم الورقات لابن زاكور" تأليف: محمد بن أحمد بن جلون، المتوفى سنة 1136 هـ.
8-الشذرات الفاخرة في نظم الورقات الفاخرة، تأليف: عثمان بن سند الوائلي النجدي البصري، المتوفى سنة 1242 هـ، مخطوط.
ِ 9-منَح الَفَّعال نظم الورقات، تأليف: محمد بن المختار بن أحمد بن أبي بكر الوافي الكنتي الشنقيطي، المتوفى سنة 1244 هـ، وقد شرحه في "ترجمان المقال ورفع الإشكال شرح منح الفعال"، وكلاهما مخطوط.
10-نظم ورقات إمام الحرمين، تأليف: أحمد بن بابا بن عثمان بن محمد الشنقيطي، المتوفى بعد سنة 1250 هـ، مخطوط.
11-نظم الورقات لإمام الحرمين، تأليف: التجاني بن باب بن أحمد الشنقيطي، المتوفى بعد سنة 1260 هـ، مخطوط.
وهناك منظومات أخرى.
رابعا – مختصراته:
وهذا من العجب؛ إذ إن هذا المتن من الاختصار بحيث يحتاج إلى مزيد بيان وإسهاب لا إلى مزيد اختصار، وعلى كل فهذا مما يدل على شدة اعتناء العلماء واهتمامهم بهذا المتن، وقد ذكر حايف النبهان في تحقيقه لمتن الورقات [الورقات في أصول الفقه لإمام الحرمين ت. حايف النبهان – مقدمة التحقيق (ص 22)ط. دار الظاهرية بالكويت] اثنين ممن قام باختصاره وهما:
1- إبراهيم بن موسى بن بلال الكركي الشافعي (ت 853 هـ،) قال البقاعي: "واختصر ورقات الإمام في مقدار نصفها"
2- علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد البكري الصديقي الشافعي (ت 952هـ،) وشرح هذا المختصر عبد الحق بن عبد المنان