كتاب آداب المعلمين
تصنيف محمد بن سُحنون (202 -256 هـ)
تحقيق حسن حُسني عبد الوهاب
بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة
تمهيد/ بعد مُضي القرون الزاهية، وذهاب العصور النامية، التي حملت معها أزهى مظاهر الرُّقي، وأجمل ذكريات الزمان، حيث ينشأ الصبيان في أجواء مُفعمة بالفطرة والبساطة، مع قلة المال، وهدأة البال، وصلاح الحال، وضعف الملهيات، وذاكرة قويَّة يُغذيها بكتاب الله وأحاديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكثرة المؤدبين، ووفور العلماء، كل هذه الأمور جعلت من الصبيَِّ وهو في مقتبل العمر إماماً في مسجده، وطالباً ذكياً من النجباء، وسهلت عليه بعد ذلك التمرُّس بالعلوم الشرعية والعقلية والمنطقية والطبيعية، والمتتبع لسير سلفنا الصالح يجد هذه النماذج بكثرة، وقد كان يُضرب المثل في زمانهم بحسن التربية والأدب والتعليم.
ولا شك أن هذا الكتاب وغيره يُقدم صورةً مشرقة عن النظام التربوي لدى سلفنا الصالح، والذي اعتبر أن الإنسان لديه القابلية لاكتساب العلوم والمعارف والقيم والاتجاهات الصحيحة والتخلي عن ضدها، وذلك عن طريق التربية والتعليم والتدريب، استناداً إلى مرونة الذات الإنسانية التي يمكن أخذها بالتدرج، وإمكانية تعديل المعتقدات والتصورات والمفاهيم والمواقف؛ وهذا النظام التربوي العميق الذي نقرؤه في هذه الرسالة وغيرها يمثل مناط الرسالات السماوية، التي جاءت لتعديل المعتقدات والتصورات الخاطئة، اعتمادا على كون الفكر البشري قابلا لإعادة التشكيل.
ولو رجعنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لوجدنا ما يؤكد على مرونة الفطرة الإنسانية، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل: 78]
وهذا الكتاب فيه جملةٌ من الآداب والأحكام والمسائل الضرورية التي ينبغي على المعلم معرفتها، وامتثال ما فيها، سواءً في المدرسة أو في حلقة القرآن أو تدريس السُّنة، وقد تضمنت جملةً من الأحاديث النبوية بلغت (ثلاثة عشر) حديثاً، وبضعة آثار موقوفة ومقطوعة، وكثيرٌ من مسائل الإمام مالك، والإمام سحنون، التي يرويها عنه ابنه محمد بن سحنون.
وقد خدم المحقق هذا الكتاب خدمةً جليلة حيث ترجم للمؤلف محمد بن سحنون ترجمةً وافية، وذكر لمحةً عن الكتاتيب بأفريقية: ظهورها، وتعليم البنات، طريقة التعليم في الكتاب، وآلية انتخاب المعلمين، وأصول التربية قديماً، والرياضة البدنية للأطفال، وحياة الكتاب الاجتماعية، ومشاهير المؤدبين في أفريقية، ثم ختم بآراء العلماء في تدرج الصبي في تعلم العلوم؛ فتعرض لآراء ابن العربي، وابن خلدون، ثم ذكر جملةً من مشاهير المعلمين في صدر الإسلام وبلدانهم.
ويمكن إجمال مواضيع الكتاب فيما يلي:
أولاً: ما جاء في تعليم القرآن.
قال ابن وهب، وقال مالك: "لا بأس بما يأخذ المعلم على تعليم القرآن، وإن اشترط شيئاً، كان حلالاً جائزاً، ولا بأس بالاشتراط في ذلك، وحقُّ الختمة: له واجبٌ، اشترطها أو لم يشترطها، وعلى ذلك أهل العلم ببلدنا، في المعلمين".
ثانياً: ما جاء في العدل بين الصبيان.
ثالثاً: باب ما يُكره محوه من ذكر الله تعالى،ـ وما ينبغي أن يفعل من ذلك.
رابعاً: ما جاء في الأدب وما يجوز من ذلك وما لا يجوز.
قال محمد: "ولا بأس أن يضرب المعلم تلاميذه على منافعهم، ولا يُجاوز بالأدب ثلاثاً، إلا أن يأذن الأب في أكثر من ذلك إذا آذى أحداً، ويؤدبهم على اللعب والبطالة، ولا يُجاوز بالأدب عشرةً، لأن العشرة غاية الأدب، وأما على قراءة القرآن فلا يُجاوز أدبه ثلاثاً".
خامساً: ما جاء في الختم، وما يجب في ذلك للمعلم.
وهو مبلغٌ من المال يدفعه أهل الصبيِّ للمؤدب، ويكون بحسب يُسر الرجل أو عُسره.
سادساً: ما جاء في القضاء في عطية العيد
سابعاً: ما ينبغي أن يُخلى الصبيان فيه (يعني الإجازة في الأعياد وغيرها).
ثامناً: ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان.
تاسعاً: ما جاء في إجازة المعلم ومتى تجب.
عاشراً: باب ما جاء في إجارة المصحف وكتب الفقه وما شابهها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق