أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 سبتمبر 2021

نظرة إلى تطور المذهب الأشعري -بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

نظرة إلى تطور المذهب الأشعري

بقلم: أ. محمد ناهض عبد السلام حنونة

ينتسب الأشاعرة إلى مؤسس الفرقة الأول، وهو أبو الحسن الأشعري (ت 324 هـ)، الذي تبنى مذاهب الكلابية، وابن كلاب (=عبد الله بن سعيد بن كلاب -قوله مشوبٌ بقول الجهمية في الكلام والقدر والصفات الاختيارية)، ووافق الأشعري أهل السنة في إثبات الصفات الخبرية، مثل: الوجه، والعينين، واليدين...، وخالفهم في إثبات الصفات الاختيارية، وحاول الأشعري أن يجمع بين بعض أصول المعتزلة والجهمية واتّباع مذهب السلف، وهو في الجملة أقرب إلى السلف من كثيرٍ ممن أتى بعده.

ثم جاء من بعده المؤسس الثاني، وهو القاضي الباقلاني (=أبو بكر، محمد بن الطيب، ت 403 هـ)، وهو أول من انتسب إلى الأشعري، واعتنى به وميزه، وأعلن عن هذه التسمية، وحاول أن يجمع بين اعتقاد الحنابلة والمذهب الكلابي، ونحا بالمذهب إلى تأويل بعض الصفات الخبرية.

ثم جاء ابن فورك (= محمد بن الحسن، ت 406 هـ) الذي نحا بالمذهب الأشعري إلى التأويل وبقوة، وجدد الأصول الكلامية للمذهب الأشعري، وأخذ كثيراً من أصول المعتزلة،

ثم جاء البغدادي (= عبد القاهر بن طاهر، ت 430 هـ) الذي حصر أهل السنة في الأشعرية، وتبنى فكرة أن المذهب الصحيح هو المذهب الأشعري، وأنه ليس ثمَّ إلا المعتزلة والأشاعرة.

ثم جاء الإمام أبو بكر البيهقي (أحمد بن الحسين بن علي، ت 458 هـ)، الذي ربط المذهب الأشعري بالمذهب الشافعي، ومزج كتبه العقدية بكلام الأشاعرة ودعم الأشاعرة في فتنة نيسابور بين السلفية والأشعرية، والتي قامت على القشيري –صاحب الرسالة –الذي تغلَّظ للتعطيل، وحصلت بسببه فتنةٌ عظيمة.

ثم جاء القشيري (أبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن، ت 465 هـ)، الذي أدخل التصوف بقوة في المذهب الأشعري، وجعله مختلطاً به في المنهج والاعتقاد والسلوك، والتصق به التصاقاً كلياً، وكان المذهب الأشعري في هذه الفترة مستعلياً بالنظامية، مع فتنٍ كثيرة تسبب بها لأصحاب المعتقد السلفي.

ثم جاء الجويني (عبد الملك بن عبد الله، ت 478 هـ) وهو الذي خطا بالمذهب الأشعري خطوات نحو الاعتزال، والتأصيل الكلامي، ونقح الجويني المذهب الأشعري ورد بعض أقوال الأشعري والباقلاني وابن فورك ومن في طبقتهم الذين أثبتوا الصفات الخبرية لله تعالى، واتهم الأشعري بالتناقض، وكان أكثر اقتراباً من أصول المعتزلة، بحيث تمثل بعضها تماماً، فمال إلى الاعتزال، وقرب الأشعرية من المعتزلة، وكان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم الجبائي، واطلاع واسع على كتب الفلاسفة.

ثم جاء دور الغزالي (أبو حامد، محمد بن محمد الطوسي، ت 505 هـ)، الذي لم يأتِ بجديد في مذهب الأشاعرة، بل تابع الجويني في أصوله الاعتزالية، وأعاد صياغة ما كتبه، بأسلوب جديد، وحوَّل المعركة بين الأشاعرة والمعتزلة إلى مسار جديد بين الأشاعرة والفلاسفة، كما امتزج تصوفه بتصوف أهل الاتحاد، وعلومه بعلوم الفلاسفة، وكرَّس قانون التأويل الكلامي في المذهب الأشعري، بحيث أصبح المذهب لا ينفك عنه.

وعاصر الغزالي ابن تومرت (محمد بن تومرت، ت 524 هـ) الذي أسَّس ما سماه  بدولة الموحدين، التي بناها على أنقاض دولة المرابطين، وقد ساهم في نشر المذهب الأشعري، وادَّعى المهدية، وكان سفاكاً للدماء.

ثم جاء المُجدد الرابع لمذهب الأشعرية، وهو الرازي (الفخر، محمد بن عمر، ت 606 هـ)، والذي توغل في الفلسفة وخلطها بعلم الكلام الذي استقصى أوائله وأواخره، ولم يقدر على الخلاص من العلوم الفلسفية، وحصل له اضطراب في كثيرٍ من المسائل، وكثر اضطرابه في تقريراته وكتبه، وقد اقتدى به كثيرٌ ممن أتى بعد، وأدخل أنواعاً من الشرك إلى التصوف، وزاده فلسفةً وغموضاً.

ثم استقرَّ المذهب الأشعري على ما قرره عضد الدين الإيجي (عبد الرحمن بن أحمد الشيرازي، ت 756 هـ)، الذي صاغ مذهب الأشاعرة صياغةً نهائية، وتخلص من التفريعات التي أطنب بها الرازي، وكان ما كتبه هي الأرضية التي استقرَّ عليها هذا المذهب، وكل من جاء بعده إنما يُعول عليه.

=============================

ولا شك أن متأخري الأشاعرة كان خوضهم في علم الكلام ومخالفتهم للكتاب والسنة أعظم وأشد من متقدميهم.

وقد وُجد في كلام الرازي وأبي حامد ونحوهما من الفلسفة ما لا يوجد في كلام أبي المعالي وذويه.

ويوجد في كلام هذا وأبي المعالي وأبي حامد من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه.

ويوجد في كلام أبي الحسن من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقه.

ويوجد في ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة مالا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة.

وإذا كان الغلط شبراً صار في الاتباع ذراعاً ثم باعاً، حتى آل هذا المآل، فالسعيد من لزم السنة واتبع هدي السَّلف رضوان الله عليهم.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق